تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

الليل والنهار وزيادتهما ونقصانهما وذهابهما ومجيئهما آية وعبرة لكم (وَما أَنْزَلَ اللهُ) فيما أنزل الله (مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ) من مطر (فَأَحْيا بِهِ) بالمطر (الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) قحطها ويبوستها علامات وعبرا لكم (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) وفى تقليب الرياح يمينا وشمالا قبولا ودبورا عذابا ورحمة (آياتٌ) علامات وعبر (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥)) يصدقون أنها من الله.

(تِلْكَ) هذه (آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ) نزل عليك جبريل بها (بِالْحَقِ) لتبيان الحق والباطل (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ) كلام (بَعْدَ اللهِ) بعد كلام الله (وَآياتِهِ) كتابه ، ويقال : عجائبه (يُؤْمِنُونَ (٦)) إن لم يؤمنوا بهذا القرآن (وَيْلٌ) شدة العذاب ، ويقال : ويل واد فى جهنم من قيح ودم (لِكُلِّ أَفَّاكٍ) كذاب (أَثِيمٍ (٧)) فاجر وهو النضر بن الحارث (يَسْمَعُ آياتِ) قراءة آيات (اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ) تقرأ عليه بالأمر والنهى (ثُمَّ يُصِرُّ) يقيم على كفره (مُسْتَكْبِراً) متعظما عن الإيمان بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) لم يعها (فَبَشِّرْهُ) يا محمد (بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨)) وجيع فقتل يوم بدر صبرا (وَإِذا عَلِمَ) سمع (مِنْ آياتِنا) القرآن (شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً) سخرية (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩)) شديد وهو النضر (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) من قدامهم بعد الموت جهنم (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً) ما جمعوا من المال ولا ما عملوا من السيئات شيئا من عذاب الله (وَلا مَا اتَّخَذُوا) عبدوا (مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) أربابا (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠)) أعظم ما يكون وكل هذا العذاب للنضر (هذا) يعنى القرآن (هُدىً) من الضلالة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن وهو النضر وأصحابه (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١)) وجيع.

(اللهُ الَّذِي سَخَّرَ) ذلل (لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) السفن (فِيهِ بِأَمْرِهِ) بإذنه (وَلِتَبْتَغُوا) لتطلبوا (مِنْ فَضْلِهِ) من رزقه (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢)) لكى تشكروا نعمته (وَسَخَّرَ لَكُمْ) ذلل لكم (ما فِي السَّماواتِ) من الشمس والقمر والنجوم والسحاب (وَما فِي الْأَرْضِ) من الشجر والدواب والجبال والبحار (جَمِيعاً مِنْهُ) من الله (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرت (لَآياتٍ) لعلامات وعبرا (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣)) فيما خلق الله (قُلْ) يا محمد (لِلَّذِينَ آمَنُوا) عمر ، رضى الله عنه ، وأصحابه (يَغْفِرُوا) يتجاوزوا (لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ) لا يخافون (أَيَّامَ اللهِ)

٣٠١

عذاب الله ، يعنى أهل مكة (١)(لِيَجْزِيَ قَوْماً) يعنى عمر ، رضى الله عنه ، وأصحابه (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)) يعملون من الخيرات وهذا العفو قبل الهجرة ، ثم أمروا بالقتال.

(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥) وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤))

(مَنْ عَمِلَ صالِحاً) خالصا فى الإيمان (فَلِنَفْسِهِ) ثواب ذلك (وَمَنْ أَساءَ) أشرك بالله (فَعَلَيْها) فعلى نفسه عقوبة ذلك (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥)) بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم (وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ) العلم والفهم (وَالنُّبُوَّةَ) وكان فيهم الأنبياء والكتب (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) من المن والسلوى ، ويقال : من الغنائم (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦)) عالمى زمانهم بالكتاب والرسول (وَآتَيْناهُمْ) أعطيناهم (بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) واضحات من أمر الدين (فَمَا اخْتَلَفُوا) فى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن والإسلام (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بيان ما فى كتابهم (بَغْياً بَيْنَهُمْ) حسدا منهم كفروا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (إِنَّ رَبَّكَ) يا محمد (يَقْضِي بَيْنَهُمْ) بين اليهود والنصارى والمؤمنين (يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما

__________________

(١) انظر فى سبب النزول ومسألة نسخها بآية القتال : زاد المسير (٧ / ٣٩) ، وتفسير القرطبى (١٦ / ١٦٣) ، الناسخ والمنسوخ للنحاس (٢١٨) ، والإيضاح لمكى (٣٥٥) ، والمصفى لابن الجوزى (٢١٣) ، والدر المنثور للسيوطى (٦ / ٢٤).

٣٠٢

كانُوا فِيهِ) فى الدين (يَخْتَلِفُونَ (١٧)) يخالفون (ثُمَّ جَعَلْناكَ) اخترناك (عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ) على سنة ومنهاج من أمرى وطاعتى (فَاتَّبِعْها) استقم عليها واعمل بها ، ويقال : أكرمناك بالإسلام وأمرناك أن تدعوا الخلق إليه (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ) دين الذين (لا يَعْلَمُونَ (١٨)) توحيد الله ، يعنى اليهود والنصارى والمشركين.

(إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ) من عذاب الله (شَيْئاً) إن اتبعت أهواءهم (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) الكافرين (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) على دين بعض (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩)) الكفر والشرك والفواحش (هذا) القرآن (بَصائِرُ) بيان (لِلنَّاسِ وَهُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةٌ) من العذاب (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠)) يصدقون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (أَمْ حَسِبَ) أيظن (الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) أشركوا بالله ، يعنى عتبة وشيبة والوليد بن عتبة الذين بارزوا يوم بدر عليا وحمزة وعبيدة بن الحارث ، وقالوا : إن كان لهم ما يقول محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فى الآخرة حقا وثوابا لنفضلن عليهم فى الآخرة كما فضلنا عليهم فى الدنيا ، فقال الله : أيظنون (أَنْ نَجْعَلَهُمْ) نجعل الكفار فى الآخرة بالثواب (كَالَّذِينَ آمَنُوا) على وصاحبيه (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (سَواءً) ليسوا بسوء (مَحْياهُمْ) محيا المؤمنين على الإيمان (وَمَماتُهُمْ) على الإيمان ومحيا الكافرين على الكفر ومماتهم على الكفر ، ويقال : محيا المؤمنين وممات المؤمنين سواء بسواء على الإيمان والطاعة ومرضاة الله ، ومحيا الكافرين ومماتهم سواء بسواء على الكفر والمعصية وغضب الله (ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١)) بئس ما يقضون لأنفسهم.

(وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) للحق (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ) برة وفاجرة (بِما كَسَبَتْ) من خير أو شر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢)) لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم (أَفَرَأَيْتَ) يا محمد (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) من عبد الآلهة بهوى نفسه كلما هويت نفسه شيئا عبده ، وهو النضر ، ويقال : هو أبو جهل ، ويقال : هو الحارث بن قيس (وَأَضَلَّهُ اللهُ) عن الإيمان (عَلى عِلْمٍ) كما علم الله أنه من أهل الضلالة (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ) لكى لا يسمع الحق (وَقَلْبِهِ) لكى لا يفهم الحق (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) غطاء لكى لا يبصر الحق (فَمَنْ يَهْدِيهِ) فمن يرشده إلى دين الله (مِنْ بَعْدِ اللهِ) من بعد أن أضله الله (أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣)) تتعظون بالقرآن أن الله

٣٠٣

واحد لا شريك له (وَقالُوا) كفار مكة (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) فى الدنيا (نَمُوتُ وَنَحْيا) يعنون تموت الآباء وتحيا الأبناء (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) يعنون طول الليالى والأيام والشهور والساعات (وَما لَهُمْ بِذلِكَ) بما يقولون (مِنْ عِلْمٍ) من حجة ولا بيان (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٢٤)) ما يقولون إلا بالظن.

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٣) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧))

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ) على أبى جهل وأصحابه (آياتُنا بَيِّناتٍ) بالأمر والنهى (ما كانَ حُجَّتَهُمْ) عندهم وجوابهم لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا) أحيى يا محمد آباءنا حتى نسألهم عن قولك أحق هو أم باطل (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥)) إن كنت من الصادقين أن نبعث بعد الموت (قُلِ) يا محمد لأبى جهل وأصحابه (اللهُ يُحْيِيكُمْ) فى القبر (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) فى القبر (ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ويقال : قل الله يميتكم مقدم ومؤخر ، ثم يتميتكم إلى يوم القيامة (لا رَيْبَ فِيهِ) لا شك فيه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أهل مكة (لا يَعْلَمُونَ (٢٦)) ذلك ولا يصدقون (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ) خزائن السموات المطر (وَالْأَرْضِ) النبات (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) وهو يوم القيامة (يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ) يغبن (الْمُبْطِلُونَ (٢٧)) المشركون بذهاب الدنيا والآخرة (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ) كل أهل دين (جاثِيَةً) جامعة (١)(كُلَّ أُمَّةٍ) كل أهل دين (تُدْعى إِلى

__________________

(١) انظر : غريب ابن قتيبة (٤٠٥) ، وتفسير الطبرى (٢٥ / ٦٣) ، والمجاز لأبى عبيدة (٢ / ٢١٠).

٣٠٤

كِتابِهَا) إلى قراءة كتابها الحسنات والسيئات فمنهم من يعطى كتابه بيمينه ، ومنهم من يعطى كتابه بشماله (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨)) وتقولون فى الدنيا.

(هذا كِتابُنا) يعنى ديوان الحفظة (يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ) يشهد عليكم (بِالْحَقِ) بالعدل (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ) نكتب (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩)) وتقولون فى الدنيا (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فيما بينهم وبين ربهم (فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) فى جنته (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠)) النجاة الوافرة فازوا بالجنة ، وما فيها ونجوا من النار ، وما فيها وهم الذين يعطون كتابهم بيمنيهم (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) يقال لهم (أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى) تقرأ (عَلَيْكُمْ) فى الدنيا بالأمر والنهى (فَاسْتَكْبَرْتُمْ) فتعظمتم فى الإيمان بها (وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١)) مشركين (وَإِذا قِيلَ) لهم فى الدنيا (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) البعث بعد الموت (حَقٌّ وَالسَّاعَةُ) قيام الساعة (لا رَيْبَ) لا شك (فِيها) كائنة (قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ) ما قيام الساعة (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) أن نقول ما نقول إلا بالظن (وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢)) بقيام الساعة.

(وَبَدا لَهُمْ) ظهر لهم (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) قبح أعمالهم (وَحاقَ بِهِمْ) نزل بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٣)) عقوبة استهزائهم بالرسل والكتب (وَقِيلَ) لهم (الْيَوْمَ نَنْساكُمْ) نترككم فى النار (كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) كما تركتم الإقرار بيومكم هذا (وَمَأْواكُمُ) مستقركم (النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤)) من مانعين من عذاب الله (ذلِكُمْ) العذاب (بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ) كتاب الله ورسوله (هُزُواً) سخرية (وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) ما فى الحياة الدنيا عن طاعة الله (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها) من النار (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥)) يرجعون إلى الدنيا وهم الذين يعطون كتابهم بشمالهم (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ) الشكر والمنة (رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ) خالق السموات وخالق الأرض (رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦)) رب كل ذى روح دب على وجه الأرض (وَلَهُ الْكِبْرِياءُ) العظمة والسلطان (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) على أهل السموات والأرض (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى ملكه وسلطانه (الْحَكِيمُ (٣٧)) فى أمره وقضائه.

* * *

٣٠٥

سورة الأحقاف

ومن سورة الأحقاف ، وهى كلها مكية إلا قوله :

(وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) إلى آخر الآية وثلاث آيات فى أبى بكر ، وابنه

عبد الرحمن من قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) إلى قوله : (فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا

أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) فإنهن مدنيات.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨) قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (حم (١)) يقول : قضى ما هو كائن ، أى بين ، ويقال : قسم أقسم به ، (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) إن هذا الكتاب تكليم (مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ) بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْحَكِيمِ (٢)) فى أمره وقضائه أمر أن لا يعبد غيره (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) من الخلق والعجائب (إِلَّا بِالْحَقِ) للحق (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) لوقت معلوم ينتهى إليه (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة (عَمَّا أُنْذِرُوا) خوفوا (مُعْرِضُونَ (٣)) مكذبون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ) ما تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) من الأوثان (أَرُونِي) أخبرونى

٣٠٦

(ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) مما فى الأرض (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) عون فى خلق السموات (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا) من قبل هذا القرآن فيه ما تقولون (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) أو رواية من العلماء ، ويقال : بقية من علم الأنبياء (١)(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤)) فيما تقولون (وَمَنْ أَضَلُ) عن الحق والهدى (مِمَّنْ يَدْعُوا) يعبد (مِنْ دُونِ اللهِ) وهو الكافر (مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) من لا يجيبه إن دعاه (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ) يعنى الأصنام (عَنْ دُعائِهِمْ) عن دعاء من يعبدهم (غافِلُونَ (٥)) جاهلون (وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ) يوم القيامة (كانُوا) يعنى الأصنام (لَهُمْ) لمن يعبدها (أَعْداءً وَكانُوا) يعنى الأصنام (بِعِبادَتِهِمْ) بعبادة من يعبدهم (كافِرِينَ (٦)) جاحدين.

(وَإِذا تُتْلى) تقرأ (عَلَيْهِمْ) على كفار أهل مكة (آياتُنا) القرآن (بَيِّناتٍ) واضحات بالأمر والنهى (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة (لِلْحَقِ) للقرآن (لَمَّا جاءَهُمْ) حين جاءهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم به (هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)) كذب بين (أَمْ يَقُولُونَ) بل يقولون (افْتَراهُ) اختلق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، القرآن من تلقاء نفسه (قُلْ) لهم يا محمد (إِنِ افْتَرَيْتُهُ) اختلقت القرآن من تلقاء نفسى كما تقولون (فَلا تَمْلِكُونَ لِي) فلا تقدرون لى (مِنَ اللهِ) من عذاب الله (شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) تخوضون فى القرآن من الكذب (كَفى بِهِ) كفى بالله (شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) بأنى رسول وهذا القرآن كلامه (وَهُوَ الْغَفُورُ) لمن تاب منكم (الرَّحِيمُ (٨)) لمن مات على التوبة (قُلْ) لهم يا محمد (ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) لست بأول مرسل من الآدميين قد كان قبلى رسل (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) من الشدة والرخاء والعافية ، ويقال : نزلت هذه الآية فى شأن أصحابه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حيث قالوا له : متى يكون خروجنا من مكة ونجاتنا من الكفار ، فقال لهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أدرى ما يفعل بى ولا بكم أأخرج وتخرجون إلى الهجرة أم لا»؟ (إِنْ أَتَّبِعُ) ما أعمل (إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) إلا بما أمرت فى القرآن (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩)) رسول مخوف بلغة تعلمونها.

(قُلْ) يا محمد لليهود (أَرَأَيْتُمْ) يا معشر اليهود (إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) يقول : هذا القرآن من عند الله (وَكَفَرْتُمْ بِهِ) بالقرآن يا معشر اليهود (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) بنيامين (عَلى مِثْلِهِ) على مثل شهادة عبد الله بن سلام وأصحابه بمحمد

__________________

(١) انظر فى أثارة : البحر المحيط (٨ / ٥٥) ، ومعانى القرآن للفراء (٣ / ٥٠) ، وتفسير القرطبى (١٦ / ١٧٩).

٣٠٧

صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (فَآمَنَ) عبد الله بن سلام وأصحابه بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَاسْتَكْبَرْتُمْ) أنتم يا معشر اليهود عن الإيمان بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠)) لا يرشد إلى دين اليهود من لم يكن أهلا لذلك.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦) وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠))

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أسد وغطفان وحنظلة (لِلَّذِينَ آمَنُوا) لجهينة ومزينة وأسلم (لَوْ كانَ خَيْراً) لو كان ما يقول محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خيرا وحقا (ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) جهينة ومزينة وأسلم (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ) لم يؤمنوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن أسد وغطفان (فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١)) هذا القرآن كذب قد تقادم (وَمِنْ قَبْلِهِ) من قبل القرآن (كِتابُ مُوسى) التوراة (إِماماً) يقتدى به (وَرَحْمَةً) من العذاب لمن آمن به ، فلم يؤمنوا ، ولم يقتدوا به (وَهذا كِتابٌ) هذا القرآن كتاب (مُصَدِّقٌ) موافق للتوراة بالتوحيد وصفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونعته (لِساناً عَرَبِيًّا) على مجرى لغة العرب (لِيُنْذِرَ) لتخوف (الَّذِينَ ظَلَمُوا) أشركوا (وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢)) المؤمنين بالجنة (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) وحدوا الله (ثُمَّ اسْتَقامُوا) على أداء فرائض الله واجتناب معاصيه ، ولم يروغوا روغان الثعالب (فَلا

٣٠٨

خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فيما يستقبلهم من العذاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣)) على ما خلفوا إذا حزن غيرهم (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) مقيمين فى الجنة لا يموتون ولا يخرجون منها (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤)) ويقولون فى الدنيا (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) أمرنا عبد الرحمن بن أبى بكر فى القرآن (بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) برا وهو أبو بكر بن أبى قحافة وزوجته (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ) فى بطنها (كُرْهاً) مشقة (وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) مشقة (وَحَمْلُهُ) فى بطن أمه (وَفِصالُهُ) فطامه عن اللبن (١)(ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) انتهى ثمان عشرة سنة إلى ثلاثين سنة (وَبَلَغَ) انتهى (أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ) أبو بكر (رَبِّ أَوْزِعْنِي) ألهمنى (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) بالتوحيد (وَعَلى والِدَيَ) بالتوحيد ، وقد كان آمن أبواه قبل هذا (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً) خالصا (تَرْضاهُ) تقبله (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) وأكرم ذريتى بالتوبة والإسلام ، ولم يكن مسلما ابنه عبد الرحمن قبل هذا ، ثم أسلم بعد ذلك (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) إنى أقبلت إليك بالتوبة (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥)) مع المسلمين على دينهم (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) بإحسانهم (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) ولا نعاقبهم بها (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) مع أهل الجنة فى الجنة (وَعْدَ الصِّدْقِ) الجنة (الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦)) فى الدنيا.

(وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) وهو عبد الرحمن بن أبى بكر ، قال لأبيه وأمه قبل أن يسلم (٢) : (أُفٍّ لَكُما) قدرا لكما (أَتَعِدانِنِي) أتحدثاننى (أَنْ أُخْرَجَ) من القبر للبعث (وَقَدْ خَلَتِ) مضت (الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) ولم أرهم بعثوا ، وكان له جدان من أجداده ماتا فى الجاهلية جدعان وعثمان ابنا عمرو عناهما (وَهُما) يعنى أبويه (يَسْتَغِيثانِ اللهَ) يدعوان الله (وَيْلَكَ) ضيق الله عليك دنياك (آمِنْ) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث (حَقٌ) كائن بعد الموت (فَيَقُولُ) عبد الرحمن ما هذا الذى يقول محمد (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧)) إلا كذب الأولين ، (أُولئِكَ) أجداد عبد الرحمن جدعان وعثمان (الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) هم الذين وجب عليهم القول بالسخط والعذاب (فِي أُمَمٍ) مع أمم (قَدْ خَلَتْ) مضت (مِنْ

__________________

(١) قال ابن عباس : نزلت فى أبى بكر. انظر : زاد المسير (٧ / ٣٧٧) والدر المنثور (٦ / ٤٠).

(٢) انظر : صحيح البخارى (٦ / ٤٢) ، وتفسير الطبرى (٢٦ / ١٣) ، وزاد المسير (٧ / ٣٨٠) ، والدر المنثور (٦ / ٤١).

٣٠٩

قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) كفار الجن والإنس فى النار (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨)) مغبونين لا يبعثون إلى الدنيا إلى يوم القيامة ، فأسلم عبد الرحمن وحسن إسلامه.

(وَلِكُلٍ) أى لكل واحد من المؤمنين والكافرين (دَرَجاتٌ) للمؤمنين فى الجنة ، ودركات للكافرين فى النار (مِمَّا عَمِلُوا) بما عملوا فى الدنيا (وَلِيُوَفِّيَهُمْ) يوفرهم (أَعْمالَهُمْ) جزاء أعمالهم (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩)) لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) قبل دخول النار ، فيقال لهم : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ) أكلتم ثواب حسناتكم (فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ) استنفعتم (بِها) بثواب حسناتكم فى الدنيا (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) الشديد (بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ) عن الإيمان (بِغَيْرِ الْحَقِ) بلا حق كان لكم (وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠)) تكفرون وتعصون فى الأرض فى الدنيا.

(وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨))

(وَاذْكُرْ) لكفار مكة يا محمد (أَخا عادٍ) بنى عاد هودا (إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ) خوفهم (بِالْأَحْقافِ) يقول : بحقوف النار ، أى سنة النار حقفا بعد حقف ، ويقال : نحو اليمن ، ويقال : نحو الشام ، ويقال : بجبل الرمل ، ويقال : كان مكانا باليمن قام عليه وأنذر قومه (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) وقد كانت الرسل من قبل هود (وَمِنْ خَلْفِهِ) من بعده (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) قال لهم هود لا توحدوا إلا الله (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) أعلم أن يكون عليكم (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١)) شديد إن لم تؤمنوا (قالُوا أَجِئْتَنا) يا هود (لِتَأْفِكَنا) لتصرفنا (عَنْ آلِهَتِنا) عن عبادة آلهتنا (فَأْتِنا بِما

٣١٠

تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢)) بنزول العذاب علينا ، إن لم نؤمن (قالَ) لهم هود (إِنَّمَا الْعِلْمُ) بنزول العذاب (عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ) من التوحيد (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣)) أمر الله وعذابه (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً) سحابا (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) أودية ريحهم ومطرهم (قالُوا هذا عارِضٌ) سحاب (مُمْطِرُنا) سيمطر حروثنا ، قال لهم هود : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) من العذاب (رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤)) وجيع (تُدَمِّرُ) تهلك (كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) بإذن ربها (فَأَصْبَحُوا) فصاروا بعد الهلاك (لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) منازلهم (كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥)) المشركين.

(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ) أعطيناهم من المال والقوة والأعمال (فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) ما لم نمكن لكم ولم نعطكم يا أهل مكة (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً) يسمعون بها (وَأَبْصاراً) يبصرون بها (وَأَفْئِدَةً) قلوبا يعقلون بها (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ) قلوبهم (مِنْ شَيْءٍ) شيئا من عذاب الله (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ) يكفرون بهود وبكتاب الله (وَحاقَ بِهِمْ) نزل بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦)) يهزؤون من العذاب (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) يا أهل مكة (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) بينا الآيات بالأمر والنهى والهلاك لمن أهلكناهم (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧)) عن كفرهم فيتوبوا (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ) فهلا نصرهم (الَّذِينَ اتَّخَذُوا) عبدوا (مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) قربانا تقربا إلى الله مقدم ومؤخر (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) بطل عنهم ما كانوا يعبدون (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ) كذبهم (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨)) يكذبون على الله.

(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ

٣١١

كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥))

(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً) وجهنا إليك جماعة (مِنَ الْجِنِ) وهم تسعة رهط أتوا (يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) إلى قراءة القرآن (فَلَمَّا حَضَرُوهُ) أى إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ببطن نخل (قالُوا) قال بعضهم لبعض (أَنْصِتُوا) حتى تسمعوا كلام النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فَلَمَّا قُضِيَ) فلما فرغ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قراءته وصلاته آمنوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩)) رجعوا إلى قومهم مؤمنين بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن مخوفين لقومهم (قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً) قراءة كتاب ، يعنون القرآن (أُنْزِلَ) على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً) موافقا بالتوحيد وصفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونعته (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) من التوراة وكانوا قد آمنوا بموسى (١)(يَهْدِي) يرشد (إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠)) إلى دين حق قائم يرضاه ، وهو الإسلام (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتوحيد (وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) فى الجاهلية (وَيُجِرْكُمْ) ينجيكم (مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١)) وجيع (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ) فليس بفائت من عذاب الله (فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ) من دون الله (أَوْلِياءُ) أقرباء ينفعونه (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢)) فى كفر بين.

(أَوَلَمْ يَرَوْا) يعلموا كفار مكة (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ) يعجز (بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) للبعث (بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الحياة والمماة (قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (عَلَى النَّارِ) قبل أن يدخلوا النار ، فيقال لهم : (أَلَيْسَ هذا) العذاب (بِالْحَقِ) بالعدل (قالُوا بَلى وَرَبِّنا) إنه الحق (قالَ) الله لهم : (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤)) نجحدون فى الدنيا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (فَاصْبِرْ) يا محمد على أذى الكفار (كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ) ذوو اليقين والحزم (مِنَ الرُّسُلِ) مثل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، ويقال : ذوو الشدة والصبر مثل نوح وأيوب وزكريا ويحيى (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) بالهلاك (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ) من العذاب مقدم ومؤخر كأنهم (لَمْ يَلْبَثُوا) لم يتمكنوا فى الدنيا (إِلَّا ساعَةً) إلا قدر ساعة (مِنْ نَهارٍ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٦ / ١٩) ، ولباب النقول للسيوطى (١٩٢) ، وتفسير القرطبى (١٦ / ٢١٠).

٣١٢

بَلاغٌ) بلغة وأجل فإذا جاء وقت العذاب والهلاك (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥)) الكافرون.

* * *

٣١٣

سورة محمّد

ومن السورة التى يذكر فيها محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهى كلها مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (٨) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٩) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢))

عن ابن عباس ، رضوان الله عليه ، فى قوله عز من قائل : (الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) صرفوا الناس عن دين الله وطاعته وهم المطعمون يوم بدر : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو البخترى ابن هشام ، وأبو جهل وأصحابهم ، (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١)) أبطل حسناتهم ونفقاتهم يوم بدر (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بالله ومحمد والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم ، وبين ربهم وهم أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) بما نزل الله به جبريل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) يعنى القرآن (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) ذنوبهم بالجهاد (وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢)) حالهم وشأنهم ونياتهم وعملهم فى الدنيا ، ويقال : أظهر أمرهم فى الإسلام (ذلِكَ) الإبطال (بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (اتَّبَعُوا الْباطِلَ) يعنى الشرك بالله (وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ) يعنى القرآن (كَذلِكَ) هكذا

٣١٤

(يَضْرِبُ اللهُ) يبين الله (لِلنَّاسِ) أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (أَمْثَلُهُمْ (٣)) أمثال من كان قبلهم كيف أهلكهم الله عند تكذيب الرسل.

(فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يوم بدر (فَضَرْبَ الرِّقابِ) فاضربوا أعناقهم (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) قهرتموهم وأسرتموهم (فَشُدُّوا الْوَثاقَ) فاستوثقوا الأسير (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) يقول : تمن على الأسير فترسله بغير فداء (وَإِمَّا فِداءً) وإما أن تفادى المأسور نفسه (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ) الكفار (أَوْزارَها) أسلحتها ، ويقال : حتى تترك الكفار إشراكها (ذلِكَ) العقوبة لمن كفر بالله (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) لانتقم من كفار مكة بالملائكة من غيركم ، ويقال : من غير قتالكم (وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) ليختبر المؤمنين بالكافرين والقريب بالقريب (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طاعة الله يوم بدر ، وهم أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤)) فلن يبطل حسناتهم فى الجهاد (سَيَهْدِيهِمْ) يوفقهم للأعمال الصالحة (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥)) حالهم وشأنهم ونياتهم ، ويقال : سيهديهم سينجيهم فى الآخرة ويصلح بالهم يقبل أعمالهم يوم القيامة (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦)) بينها لهم يهتدون إليها كما يهتدون فى الدنيا إلى منازلهم (١).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) إن تنصروا نبى الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بالقتال مع العدو ينصركم الله بالغلبة على العدو (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧)) فى الحرب لكى لا تزول (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن ، وهم المطعمون يوم بدر (فَتَعْساً لَهُمْ) فنكسا لهم وبعدا لهم (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (٨)) أبطل حسناتهم ونفقاتهم يوم بدر (ذلِكَ) الإبطال (بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا) جحدوا (ما أَنْزَلَ اللهُ) به جبريل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٩)) فأبطل حسناتهم ونفقاتهم يوم بدر (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) يسافروا كفار مكة (فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) يتفكروا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ) جزاء (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) أهلكهم الله (وَلِلْكافِرِينَ) لكفار مكة (أَمْثالُها (١٠)) أشباهها (ذلِكَ) النصرة للمؤمنين (بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى) ناصر (الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَأَنَّ الْكافِرِينَ) كفار مكة (لا مَوْلى لَهُمْ (١١)) لا ناصر لهم (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (جَنَّاتٍ) بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (وَالَّذِينَ كَفَرُوا)

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٣ / ٥٨) وزاد المسير (٧ / ٣٩٨).

٣١٥

بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن أبو سفيان وأصحابه (يَتَمَتَّعُونَ) يعيشون فى الدنيا (وَيَأْكُلُونَ) بشهوة أنفسهم بلا همة ما فى غد (كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) البهائم (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢)) منزل لهم فى الآخرة.

(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢))

(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) وكم من أهل قرية (هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً) بالبدن والمنعة (مِنْ قَرْيَتِكَ) مكة (الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) أخرجك أهلها إلى المدينة (أَهْلَكْناهُمْ) عند التكذيب (فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣)) لم يكن لهم مانع من عذاب الله (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) على بيان ودين (مِنْ رَبِّهِ) وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) قبح عمله وهو أبو جهل (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤)) بعبادة الأوثان (مَثَلُ الْجَنَّةِ) صفة الجنة (الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) الكفر والشرك والفواحش (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) آجن ريحه وطعمه (١)(وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) إلى الحموضة وزهومة زبده لم يخرج من بطون اللقاح (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) شهوة للشاربين لم تعصر بالأقدام (وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) بلا شمع لم يخرج من بطون النحل (وَلَهُمْ) ولأهل الجنة (فِيها) فى الجنة (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) من ألوان الثمرات (وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) لذنوبهم فى الدنيا (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ) لا يموت فيها ولا يخرج منها ، وهو أبو جهل (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً)

__________________

(١) انظر : المجاز لأبى عبيدة (٢ / ٢١٥) ، ومعانى القرآن للفراء (٣ / ٦٠) ، وزاد المسير (٧ / ٤٠١).

٣١٦

حارا (فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥)) مباعرهم (وَمِنْهُمْ) من المنافقين (مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) إلى خطبتك يوم الجمعة (حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ) تفرقوا من عندك (قالُوا) يعنى المنافقين (لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أعطوا العلم ، يعنى عبد الله بن مسعود (ما ذا قالَ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (آنِفاً) الساعة على المنبر استهزاء بما قال محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (أُولئِكَ) المنافقون هم (الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ) ختم الله (عَلى قُلُوبِهِمْ) فهم لا يعقلون الحق والهدى (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦)) بكفر السر والنفاق والخيانة والعداوة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا) بالإيمان (زادَهُمْ) بخطبتك (هُدىً) بصيرة فى أمر الدين وتصديقا فى النيات (وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧)) ألهمهم تقواهم ، يقول : أكرمهم بترك المعاصى واجتناب المحارم ، ويقال : والذين اهتدوا بالناسخ زادهم هدى بالمنسوخ وآتاهم الله تقواهم أكرمهم الله باستعمال الناسخ وترك المنسوخ (فَهَلْ يَنْظُرُونَ) إذا كذبوك كفار مكة (إِلَّا السَّاعَةَ) قيام الساعة (أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) فجأة (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) معالمها انشقاق القمر ، وخروج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقرآن من أعلامها (فَأَنَّى لَهُمْ) فمن أين لهم (إِذا جاءَتْهُمْ) قيام الساعة (ذِكْراهُمْ (١٨)) التوبة.

(فَاعْلَمْ) يا محمد (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) لا ضار ولا نافع ولا مانع ولا معطى ولا معز ولا مذل إلا الله ، ويقال : فاعلم أنه ليس شىء فضله كفضل لا إله إلا الله (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) يا محمد من ضرب اليهودى زيد بن السمين (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ولذنوب المؤمنين والمؤمنات (وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ) ذهابكم ومجيئكم وأعمالكم فى الدنيا (وَمَثْواكُمْ (١٩)) مصيركم ومنزلكم فى الآخرة (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن وهم المخلصون (لَوْ لا) هلا (نُزِّلَتْ سُورَةٌ) جبريل بسورة تمنوا لك ذلك من اشتياقهم إلى ذكر الله وطاعته (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) جبريل بسورة (مُحْكَمَةٌ) مبينة بالحلال والحرام ، والأمر والنهى (وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ) أمر فيها بالقتال (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شك ونفاق (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) نحوك عند ذكرك القتال (نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) كمن هو فى غشيان الموت من كراهية قتالهم مع العدو (فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠)) وعيد لهم من عذاب الله (طاعَةٌ) يقول : هذا من المؤمنين طاعة لله ولرسوله (وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) كلام حسن ، ويقال : طاعة المنافقين لله ولرسوله وقول معروف كلام حسن لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خير لهم من المعصية والمخالفة والكراهية ، ويقال : أطيعوا الله ، وقولوا قولا معروفا لمحمد (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ)

٣١٧

جد الأمر وظهر الإسلام وكثر المسلمون (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ) يعنى المنافقين بإيمانهم وجهادهم (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١)) من المعصية (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) فلعلكم يا معشر المنافقين تتمنون إن توليتم أمر هذه الأمة بعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالقتل والمعاصى والفساد (وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢)) بإظهار الكفر.

(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨))

(أُولئِكَ) المنافقون (الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) هم الذين طردهم الله من كل خير (فَأَصَمَّهُمْ) عن الحق والهدى (وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣)) عن الحق والهدى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) أفلا يتفكرون بالقرآن ما نزل فيهم (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤)) أم على قلوب المنافقين أقفالا لا يعقلون ما نزل فيهم (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) رجعوا إلى دين آبائهم وهم اليهود (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) التوحيد والقرآن وصفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونعته فى القرآن (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ) زين لهم الرجوع إلى دينهم (وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥)) الله أمهلهم إذ لم يهلكهم (ذلِكَ) الارتداد (بِأَنَّهُمْ قالُوا)

٣١٨

يعنى اليهود (لِلَّذِينَ كَرِهُوا) وهم المنافقون جحدوا فى السر (ما نَزَّلَ اللهُ) به جبريل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (سَنُطِيعُكُمْ) سنعينكم يا معشر المنافقين (فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بلا إله إلا الله إن كان له ظهور علينا (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦)) إسرار اليهود مع المنافقين (فَكَيْفَ) يصنعون (إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ) قبضتهم الملائكة ، يعنى اليهود (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ) بمقامع من حديد (وَأَدْبارَهُمْ (٢٧)) ظهورهم (ذلِكَ) الضرب والعقوبة (بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ) من اليهودية (وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ) جحدوا توحيده (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨)) فأبطل حسناتهم فى اليهودية ، ويقال : نزل من قوله : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) إلى هاهنا فى شأن المنافقين الذين رجعوا من المدينة إلى مكة مرتدين عن دينهم ، ويقال : نزل فى شأن الحكم بن أبى العاص المنافق وأصحابه الذين شاوروا فيما بينهم يوم الجمعة فى أمر الخلافة بعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن ولينا أمر هذه الأمة نفعل كذا وكذا كانوا يشاورون فى هذا والنبى يخطب ، ولا يستمعون إلى خطبته حتى قالوا بعد ذلك لعبد الله بن مسعود : ماذا قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الآن على المنبر؟ استهزاء منهم (١).

(أَمْ حَسِبَ) أيظن (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شك ونفاق (أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩)) أن لن يظهر الله عداوتهم وبغضهم لله ولرسوله ، ويقال : نفاقهم للمؤمنين وعداوتهم وبغضهم (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ) يا محمد بالعلامة القبيحة (فَلَعَرَفْتَهُمْ) فلتعرففهم (بِسِيماهُمْ) بعلامتهم القبيحة بعد ذلك (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ) ولكن تعرفنهم يا محمد (فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) فى محاورة الكلام ، وهى معذرة المنافقين (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠)) أسراركم وعداوتكم وبغضكم لله ولرسوله (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) والله لنختبركم بالقتال (حَتَّى نَعْلَمَ) حتى نميز (الْمُجاهِدِينَ) فى سبيل الله (مِنْكُمْ) يا معشر المنافقين (وَالصَّابِرِينَ) ونميز الصابرين فى الحرب منكم (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١)) نظهر أسراركم وبغضكم وعداوتكم ومخالفتكم لله ولرسوله ، ويقال : نفاقكم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) صرفوا الناس عن دين الله وطاعته (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) خالفوا الرسول فى الدين (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى) التوحيد (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) لن ينقصوا الله بمخالفتهم وعداوتهم وكفرهم وصدهم عن سبيل الله شيئا (وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢)) يبطل حسناتهم ونفقاتهم يوم بدر ، وهم المطعمون يوم بدر.

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٣ / ٦٣) ، وتفسير القرطبى (١٦ / ٢٥٠) ، وزاد المسير (٧ / ٤١٠).

٣١٩

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالعلانية (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فى السر (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣)) حسناتكم بالنفاق والبغض والعداوة ومخالفة الرسول ، ويقال : نزلت هذه الآية فى المخلصين يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (أَطِيعُوا اللهَ) فيما أمركم من الفرائض والصدقة (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فيما أمركم من السنة والغزو والجهاد.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن وهم المطعمون يوم بدر (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) صرفوا الناس عن دين الله وطاعته (ثُمَّ ماتُوا) أو قتلوا (وَهُمْ كُفَّارٌ) بالله وبرسوله (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤)) لأنهم كفار بالله ورسوله (فَلا تَهِنُوا) فلا تضعفوا يا معشر المؤمنين بالقتال مع العدو (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) إلى الصلح ، ويقال : إلى الإسلام قبل القتال (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) الغالبون آخر الأمر (وَاللهُ مَعَكُمْ) معينكم بالنصر على عدوكم (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥)) ولن ينقص أعمالكم فى الجهاد (١) (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) ما فى الحياة الدنيا (لَعِبٌ) باطل (وَلَهْوٌ) فرح لا يبقى (وَإِنْ تُؤْمِنُوا) تستقيموا على إيمانكم بالله ورسوله (وَتَتَّقُوا) الكفر والشرك والفواحش (يُؤْتِكُمْ) يعطكم (أُجُورَكُمْ) ثواب أعمالكم (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦)) كلها فى الصدقة (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها) فى الصدقة (فَيُحْفِكُمْ) فى سبيل الله يجهدكم (تَبْخَلُوا) بالصدقة فى طاعة الله (وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧)) يظهر بخلكم (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) أنتم يا هؤلاء (تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طاعة الله (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ) بالصدقة عن طاعة الله (وَمَنْ يَبْخَلْ) بالصدقة عن طاعة الله (فَإِنَّما يَبْخَلُ) بالثواب والكرامة (عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُ) عن أموالكم وصدقاتكم (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) إلى رحمة الله وجنته ومغفرته (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) عن طاعة الله وطاعة رسوله وعما أمركم من الصدقة (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) يقول : يهلككم ويأت بآخرين خيرا منكم وأطوع لله (ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨)) بالمعصية والطاعة ولكن يكونوا خيرا منكم وأطوع لله.

ويقال : نزل من قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلى هاهنا فى شأن المنافقين أسد وغطفان ، فبدل الله بهم جهينة ومزينة خيرا منهم وأطوع لله.

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٧ / ٤١٤) ، والمجاز لأبى عبيدة (٢ / ٢١٦) ، وتفسير القرطبى (١٦ / ٢٥٦).

٣٢٠