تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

أمتى (وَارْحَمْ) أمتى فلا تعذبهم (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨)) أى أرحم الرحمين (١).

__________________

(١) انظر : البحر المحيط (٦ / ٤٣٠) ، ونسمات القرآن (ص ٣٦٦).

٦١

سورة النّور

ومن السورة التى يذكر فيها النور ، وهى مدنية كلها

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) أى أنزلنا جبريل برد الهاء إليها (وَفَرَضْناها) بينا فيها الحلال والحرام (١)(وَأَنْزَلْنا فِيها) بينا فيها (آياتٍ بَيِّناتٍ) بالأمر والنهى والفرائض والحدود (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١)) لكى تتعظوا بالأمر والنهى فلا تعطلوا الحدود (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) وهما بكران زنيا (فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) بالزنا (مِائَةَ جَلْدَةٍ) أى سوط (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما) بإقامة الحد عليهما (رَأْفَةٌ) رقة (فِي دِينِ اللهِ) فى تنفيذ حكم الله عليهما (إِنْ كُنْتُمْ) إذ كنتم (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) بالبعث بعد الموت (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما) أى وليحضر عند إقامة الحد عليهما (طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢)) رجلا أو رجلين فصاعدا لكى يحفظوا

__________________

(١) قراءة ابن كثير ، وأبى عمرو التشديد فرضناها بمعنى فرضنا فيها فروضا ، ومن خفف أراد ، ألزمناكم الحمل بما فرض فيها ، وهى قراءة غيرهما من السبعة. انظر تفسير الطبرى (١٨ / ٥١) ، وزاد المسير (٦ / ٤) والسبعة لابن مجاهد (٤٥٢).

٦٢

الحد (الزَّانِي) من أهل الكتاب ، أى المعلن به (لا يَنْكِحُ) لا يتزوج (إِلَّا زانِيَةً) أى لا يتزوج إلا زانية من ولائد أهل الكتاب (أَوْ مُشْرِكَةً) من ولائد مشركى العرب (وَالزَّانِيَةُ) من ولائد أهل الكتاب أو من ولائد المشركين (لا يَنْكِحُها) لا يتزوجها (إِلَّا زانٍ) من أهل الكتاب (أَوْ مُشْرِكٌ) من مشركى العرب (وَحُرِّمَ ذلِكَ) أى ذلك التزويج يعنى تزويج ولائد أهل الكتاب ، وولائد أحرار المشركين (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)) نزلت هذه الآية فى قوم من أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرادوا أن يتزوجوا ولائد أهل الكتاب وولائد أحرار المشركين كن بالمدينة زناة معلنات بالزنا رغبة فى كسبهن ، فلما نزلت هذه الآية تركوا ذلك ، ويقال : (الزَّانِي) من أهل القبلة أو من أهل الكتاب (لا يَنْكِحُ) لا يزنى (إِلَّا زانِيَةً) إلا بزانية مثله ، أو من أهل الكتاب (أَوْ مُشْرِكَةً) من مشركى العرب (وَالزَّانِيَةُ) من أهل القبلة أو من أهل الكتاب أو من مشركى العرب (لا يَنْكِحُها) لا يزنى بها (إِلَّا زانٍ) من أهل القبلة أو من أهل الكتاب (أَوْ مُشْرِكٌ) من مشركى العرب ، وحرم ذلك الزنا على المؤمنين.

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) يقذفون الحرائر المسلمات العفائف بالفرية (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) أحرار عدول مسلمين (فَاجْلِدُوهُمْ) بالفرية (ثَمانِينَ جَلْدَةً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤)) العاصون بالفرية (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) مقدم ومؤخر (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) من بعد الفرية (وَأَصْلَحُوا) فيما بينهم وبين ربهم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لمن تاب (رَحِيمٌ (٥)) لمن مات على التوبة ، نزلت هذه الآية فى شأن عبد الله بن أبى وأصحابه (١) (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) أى نساءهم بالفرية (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ) على ما قالوا (إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ) فيحلف الرجل أربع مرات بالله الذى لا إله إلا هو (إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦)) فى قوله على المرأة (وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ) وفى المرة الخامسة يقول : لعنة الله على الرجل (إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧)) فيما قال عليها (وَيَدْرَؤُا) يعنى يدفع الحاكم (عَنْهَا الْعَذابَ) عن المرأة العذاب بالرجم (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ) إذا حلفت المرأة أربع مرات بالله الذى لا إله إلا هو (إِنَّهُ) يعنى زوجها (لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨)) فيما قال عليها (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها) على المرأة (إِنْ كانَ) زوجها (مِنَ

__________________

(١) انظر خبر الإفك فى : صحيح البخارى (٦ / ٥) ، وتفسير الطبرى (١٨ / ٦٨) ، ولباب النقول (١٥٤).

٦٣

الصَّادِقِينَ (٩)) فيما يقول عليها (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) أى من الله (عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) لبين الكاذب منكم (وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ) متجاوز لمن تاب (حَكِيمٌ (١٠)) أى بحكم اللعان بين الرجل والمرأة بالفرية ، نزلت هذه الآية فى عاصم بن عدى الأنصارى ابتلى بهذا.

(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١) لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ (١٥) وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠))

(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ) تكلموا بالكذب (عُصْبَةٌ) جماعة (مِنْكُمْ) نزلت فى عبد الله بن أبى بن سلول المنافق ، وحسان بن ثابت الأنصارى ، ومسطح بن أثاثة ابن خالة أبى بكر الصديق ، وعباد بن عبد المطلب ، وحمنة بنت جحش الأسدية ، فيما قالوا على عائشة وصفوان بن المعطل من الفرية (١)(لا تَحْسَبُوهُ) يعنى القذف لعائشة وصفوان (شَرًّا لَكُمْ) فى الآخرة (بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) فى الثواب (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) ممن خاض فى أمر عائشة وصفوان بن المعطل (مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) على قدر ما خاض فيه (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) أشاع وأعظم المقالة فيه وهو عبد الله بن أبى (مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١)) فى الدنيا بالحد وفى الآخرة بالنار (لَوْ لا) هلا (إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) قذف عائشة وصفوان (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ) بأمهاتهم (خَيْراً) يقول هلا ظننتم بعائشة أم المؤمنين كما تظنون بأمهاتكم (وَقالُوا) هلا قلتم (هذا) أى هذا القذف (إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢)) كذب بين (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ) هلا جاؤوا على ما قالوا (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) عدول فيصدقونهم بذلك (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٨ / ٧٧) ، والبحر المحيط (٦ / ٤٣٧).

٦٤

بِالشُّهَداءِ) بأربعة شهداء (فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣)) ثم نزل فى شأن الذين لم يقذفوا عائشة وصفوان بن المعطل ولكن خاضوا فيه (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) من الله (عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ) لأصابكم (فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ) خضتم فى شأن عائشة وصفوان (عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤)) شديد فى الدنيا والآخرة.

(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) إذ يرويه بعضكم عن بعض (١)(وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ) بألسنتكم (ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) حجة وبيان (وَتَحْسَبُونَهُ) يعنى قذف عائشة وصفوان (هَيِّناً) أى ذنبا هينا (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ (١٥)) فى العقوبة (وَلَوْ لا) هلا (إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) قذف عائشة وصفوان (قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا) ما يجوز لنا (أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) الكذب (سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦)) أى كذب عظيم (يَعِظُكُمُ اللهُ) يزجركم الله عنه وينهاكم (أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ) أن لا تعودوا إلى مثله (أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ) إذ كنتم (مُؤْمِنِينَ (١٧)) مصدقين (وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) بالأمر والنهى (وَاللهُ عَلِيمٌ) بمقالتكم (حَكِيمٌ (١٨)) فيما حكم عليكم من الحد (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ) يعنى عبد الله بن أبى وأصحابه (أَنْ تَشِيعَ) أن تظهر (الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا) عائشة وصفوان (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) بالضرب (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) بالنار وهذا لعبد الله بن أبى خاصة (وَاللهُ يَعْلَمُ) أن عائشة وصفوان لم يزنيا (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩)) ذلك (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) من الله (عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) على من لم يقذف عائشة وصفوان (وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠)) بالمؤمنين.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ

__________________

(١) قراءة السيدة عائشة وغيرها : تَلَقَّوْنَهُ من ولق يلق : إذا أسرع ، بالكذب ، وفى اللفظة قراءات. انظر : تفسير الطبرى (١٨ / ٧٨) والبحر المحيط (٦ / ٤٣٨) ، ومعانى القرآن للفراء (٢ / ٢٤٨) ، وزاد المسير (٦ / ٢١).

٦٥

لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٢٩) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (٣٠))

ثم نهاهم عن متابعة الشيطان ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) تزيين الشيطان ووسوسته (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أى تزيين الشيطان ووسوسته (فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) بالقبيح من العمل والقول (وَالْمُنْكَرِ) أى ما لا يعرف فى شريعة ولا فى سنة (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) من الله (عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بالعصمة والتوفيق (ما زَكى) ما وحد وصلح (مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي) أى يوفق ويصلح (مَنْ يَشاءُ) من كان أهلا لذلك (وَاللهُ سَمِيعٌ) لمقالتكم (عَلِيمٌ (٢١)) بكم وبأعمالكم ، ثم نزل فى شان أبى بكر ، رضوان الله عليه ، حين حلف أنه لا ينفق على ذوى قرابته لقبل ما خاضوا فى أمر عائشة ، رضى الله عنه ، يعنى مسطحا وأصحابه ، فقال : (وَلا يَأْتَلِ) لا ينبغى أن يحلف (أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) بالبذل (وَالسَّعَةِ) بالمال (أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى) أن لا يؤتوا أى لا يعطوا أو لا ينفقوا على ذوى القرابة وكان مسطح ابن خالته (وَالْمَساكِينَ) وكان مسكينا (وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طاعة الله وكان مهاجريا (وَلْيَعْفُوا) يتركوا (وَلْيَصْفَحُوا) يتجاوزوا (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) ألا تحب يا أبا بكر أن يغفر الله لك (وَاللهُ غَفُورٌ) متجاوز (رَحِيمٌ (٢٢)) لمن تاب ، فقال أبو بكر : بلى أحب يا رب فألطف بقرابته وأحسن إليهم بعد ما نزلت هذه الآية ، ثم نزل فى شأن عبد الله بن أبى وأصحابه الذين خاضوا فى أمر عائشة وصفوان ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ) بالزنا (الْمُحْصَناتِ) الحرائر (الْغافِلاتِ) عن الزنا العفائف (الْمُؤْمِناتِ) المصدقات بتوحيد الله ، يعنى عائشة (لُعِنُوا) عذبوا (فِي الدُّنْيا) بالجلد (وَالْآخِرَةِ) بالنار ، يعنى عبد الله بن أبى (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣)) أى شديد أشد ما يكون فى الدنيا يعنى عبد الله بن أبى وأصحابه.

٦٦

(يَوْمَ) وهو يوم القيامة (تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ) على عبد الله بن أبى وأصحابه (أَلْسِنَتُهُمْ) بما قالوا (وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)) فى الدنيا من الكفر والشرك (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَ) يوفيهم الله جزاء أعمالهم بالعدل (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ) أى أن ما قال الله فى الدنيا (هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥)) ونزل فيهم أيضا (الْخَبِيثاتُ) من القول والفعل (لِلْخَبِيثِينَ) من الرجال والنساء ، ويقال : بهم تليق (وَالْخَبِيثُونَ) من الرجال والنساء (لِلْخَبِيثاتِ) من القول والفعل يتبعون ، ويقال : بهم تليق ، ويقال : الخبيثات من النساء حمنة بنت جحش الأسدية التى خاضت فى أمر عائشة للخبيثين من الرجال عبد الله بن أبى وأصحابه ، وحسان بن ثابت تشبه ، والخبيثون من الرجال عبد الله بن أبى وأصحابه للخبيثات من النساء اللاتى خضن فى أمر عائشة تشبه (وَالطَّيِّباتُ) من القول والفعل (لِلطَّيِّبِينَ) من الرجال والنساء ، ويقال : بهم تليق (وَالطَّيِّبُونَ) من الرجال والنساء (لِلطَّيِّباتِ) من القول والفعل يتبعون ، ويقال : بهم تليق ، ويقال : الطيبات من النساء ، يعنى عائشة للطيبين من الرجال ، يعنى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم تشبه ، والطيبون من الرجال ، يعنى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم للطيبات ، يعنى عائشة تشبه (أُولئِكَ) عائشة وصفوان (مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) عليهم من الفرية (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم فى الدنيا (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦)) فى الجنة ، يقول : إذا أثنى على الرجل والمرأة ثناء حسنا وكان أهلا لذلك صدق به عليهما ، ويقول : من سمعه هما كذلك ، وإذا أثنى على الرجل والمرأة الخبيثين ثناء سيئا وكانا أهلا له صدق به عليهما ، ويقول من سمعه ، هما كذلك ، ثم نهاهم عن دخول بعضهم على بعض بغير إذن ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) ليس لكم أن تدخلوا بيوتا (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) ثم تستأنسوا ، فيقول : أدخل مقدم ومؤخر (ذلِكُمْ) التسليم والاستئذان (خَيْرٌ لَكُمْ) وأصلح (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧)) لكى تتعظوا فلا يدخل بعضكم على بعض بغير إذن.

(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها) أى فى البيوت (أَحَدٌ أَ) يأذن لكم (فَلا تَدْخُلُوها) بغير إذن (حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) بالدخول (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا) أى إن ردوكم (فَارْجِعُوا) ولا تقوموا على أبواب الناس (هُوَ) الرجوع (أَزْكى لَكُمْ) أصلح لكم من أن تقوموا على أبواب الناس (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من الاستئذان وغيره

٦٧

(عَلِيمٌ (٢٨)) ثم رخص لهم فى الدخول فى بيوت غير بيوتهم بغير إذن وهى الحانات على الطريق ، فقال : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) حرج (أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) ليس فيها ساكن معلوم مثل الحانات وغيرها (فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) منفعة لكم من الحر والبرد فى الشتاء والصيف (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) من الاستئذان والتسليم (وَما تَكْتُمُونَ (٢٩)) من الجواب والإذن ، ثم أمرهم بحفظ العين والفرج ، فقال : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ) يا محمد (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) يكفوا أبصارهم عن الحرام ومن هنا صلة فى الكلام (١)(وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) عن الحرام (ذلِكَ) حفظ العين والفرج (أَزْكى) أصلح (لَهُمْ) وخير لهم (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (٣٠)) من الخير والشر.

(وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١) وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٣) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤) اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ

__________________

(١) وقيل : من زائدة ، وقيل : من لبيان الجنس. انظر : التبيان للعكبرى (٢ / ١٥٥) ، وزاد المسير (٦ / ٣٠).

٦٨

يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠))

(وَقُلْ) يا محمد (لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ) أى يكففن (مِنْ أَبْصارِهِنَ) عن الحرام ورؤية الرجال ومن صلة فى الكلام (وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ) عن الحرام (وَلا يُبْدِينَ) ولا يظهرن (زِينَتَهُنَ) الدملوج والوشاح (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) من ثيابها (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَ) يرخين قناعهن (عَلى جُيُوبِهِنَ) على صدورهن ونحورهن وليشدن ذلك ، ثم ذكر الزينة أيضا ، فقال : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) الدملوج والوشاح وغير ذلك (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) أزواجهن (أَوْ آبائِهِنَ) فى النسب أو اللبن (أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَ) أو آباء أزواجهن (أَوْ أَبْنائِهِنَ) فى النسب أو اللبن (أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَ) أبناء أزواجهن من غيرهن (أَوْ إِخْوانِهِنَ) فى النسب أو اللبن (أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَ) فى النسب أو اللبن (أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَ) فى النسب أو اللبن (أَوْ نِسائِهِنَ) نساء أهل دينهن المسلمات لأنه لا يحل لها أن تراها متجردة يهودية أو نصرانية أو مجوسية (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) من الإماء دون العبيد (أَوِ التَّابِعِينَ) لأزواجهن (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) أى الشهوة (مِنَ الرِّجالِ) والنساء ، يعنى الخصى والشيخ الكبير الفانى (أَوِ الطِّفْلِ) يعنى الصغير (الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) لم يطيقوا الجامعة مع النساء ، ولا النساء معهم من الصغر ، ولا يعلمون من أمر الرجال والنساء شيئا فلا بأس بأن يرى زينتهن هولاء بغير ريبة (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَ) إحداهما بالأخرى لتقرع الخلخال بالخلخال (لِيُعْلَمَ) لكى يعلم ويظهر (ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ) ما يوارين من زينتهن يعنى الخلاخيل عند الغريب (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً) من جميع الذنوب الصغائر والكبائر (أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١)) لكى تنجوا من السخط والعذاب.

ثم دلهم على تزويج البنين والبنات والإخوة والأخوات ممن ليس لهم أزواج ، فقال : (وَأَنْكِحُوا) أى زوجوا (الْأَيامى مِنْكُمْ) بناتكم وأخواتكم ، ويقال : بنيكم وأخواتكم

٦٩

ممن ليس لهم أزواج (١)(وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ) وزوجوا الصالحين من عبيدكم (وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا) يعنى الأحرار (فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) من رزقه (وَاللهُ واسِعٌ) أى برزقه للحر والعبد (عَلِيمٌ (٣٢)) بأرزاقهما (وَلْيَسْتَعْفِفِ) عن الزنا (الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) سعة للتزويج (حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) من رزقه ، ونزلت فى حويطب بن عبد العزى فى شأن غلام له أراد أن يكاتبه فلم يكاتبه (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ) أى يطلبون منكم المكاتبة (مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) يعنى عبيدكم (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) صلاحا ووفاء (وَآتُوهُمْ) أعطوهم ، يعنى لجملة الناس (مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) أعطاكم حتى يؤدوا مكاتبتهم ، ويقال : حث المولى على ترك الثلث عن مكاتبه ، ثم نزل فى شأن عبد الله بن أبى وأصحابه ، كان لهم ولائد يجبرونهن على الزنا لقبل كسبهن وأولادهن فنهاهم الله عن ذلك وحرم عليهم ، فقال : (وَلا تُكْرِهُوا) أى ولا تجبروا (فَتَياتِكُمْ) ولائدكم (عَلَى الْبِغاءِ) على الزنا والفجور (إِنْ أَرَدْنَ) بعد ما أردن (تَحَصُّناً) تعففا عن الزنا (لِتَبْتَغُوا) لتطلبوا بذلك (عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) من كسبهن وأولادهن (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَ) يجبرهن يعنى الولائد على الزنا (فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَ) وتوبتهن (غَفُورٌ) متجاوز (رَحِيمٌ (٣٣)) بعد الموت مبينات (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ) يقول : أنزلنا جبريل إلى نبيكم بآيات مبينات بالحلال والحرام ، والأمر والنهى عن الزنا والفواحش (وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) صفة الذين مضوا من قبلكم من المؤمنين والكافرين (وَمَوْعِظَةً) نهيا (لِلْمُتَّقِينَ (٣٤)) عن الزنا والفواحش.

ثم ذكر كرامته للمؤمنين ومنته عليهم ، فقال : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) هادى أهل السموات والأرض والهدى من الله على وجهين التبيان والتعريف ، ويقال : الله نور ، أى مزين السموات بالنجوم والأرض بالنبات والمياه ، ويقال : الله منور قلوب أهل السموات والأرض من المؤمنين (مَثَلُ نُورِهِ) أى مثل نور المؤمن ، ويقال : مثل نور الله فى قلب المؤمن (كَمِشْكاةٍ) ككوة (فِيها مِصْباحٌ) مقدم ومؤخر ، يقول : كمشكاة كمصباح وهو السراج (الْمِصْباحُ) السراج (فِي زُجاجَةٍ) فى قنديل من جوهر (الزُّجاجَةُ) القنديل فى مشكاة ، أى كوة غير نافذة بلغة الحبشة (كَأَنَّها) يعنى الزجاجة (كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) نجم مضىء من هذه الأنجم الخمسة عطارد والمشترى والزهرة

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٨ / ٩٨) ، والقرطبى (١٢ / ٢٣٩) ، وزاد المسير (٦ / ٣٥).

٧٠

وبهرام وزحل هذه الأنجم كلها درية (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ) أخذ دهن القنديل من دهن شجرة (مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ) وهى شجرة الزيتون (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) بفلاة على تلعة لا يصيبها ظل المشرق ، ولا ظل المغرب ، ويقال : بمكان لا تضيئها الشمس حين طلعت ولا حين غربت (يَكادُ زَيْتُها) زيت الشجرة (يُضِيءُ) من وراء قشرها (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ) وإن لم تمسه (نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ) فهو النور على النور المصباح نور والقنديل نور والزيت نور (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ) يكرم الله بنوره يعنى المعرفة ، ويقال : يكرم الله بدينه (مَنْ يَشاءُ) من كان أهلا لذلك ، ويقال : (مَثَلُ نُورِهِ) نور محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى أصلاب آبائه على هذا الوصف ، إلى قوله : (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) يقول : كان نور محمد فى إبراهيم حنيفا مسلما (زَيْتُونَةٍ) دين حنيفية (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) لم يكن إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا (يَكادُ زَيْتُها) يقول : تكاد أعمال إبراهيم تضىء فى أصلاب آبائه على هذا الوصف إلى قوله : توقد شجرة مباركة ، يقول : كأنه نور محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولو لم تمسه نار ، أى لو لم يكن إبراهيم نبيا لكن له هذا النور أيضا ، ويقال : لو لم تمسه نار ، لو لم يكرم الله إبراهيم لم يكن له هذا النور ، ويقال : لو لم يكرم الله عبده المؤمن بهذا النور لم يكن له هذا النور (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) هكذا يبين الله صفة المعرفة للناس (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من كرامته لعباده (عَلِيمٌ (٣٥)) وهذا مثل ضربه الله للمعرفة وبين منفعتها ومدحتها لكى يشكروا بها ، يقول : كما أن للسراج نور يهتدى به كذلك المعرفة نور يهتدى بها ، وكما أن القنديل نور ينتفع به كذلك المعرفة نور يهتدى بها ، وكما أن الكواكب الدرية يهتدى بها فى ظلمات البر والبحر كذلك المعرفة يهتدى بها فى ظلمات الكفر والشرك ، وكما أن دهن القنديل من زيتونة مباركة ، كذلك المعرفة من الله تعالى لعبده ، وكما أن الزيتونة لا شرقية ولا غربية كذلك دين المؤمن حنيفى لا يهودى ولا نصرانى ، وكما أن زيت الشجرة نور مضىء وإن لم تصبه النار فكذلك شرائع إيمان المؤمنين ممدوح ، وإن لم يكن معها غيرها من الفضائل ، وكما أن السراج والقنديل والمشكاة نور على نور كذلك المعرفة نور ، وقلب المؤمن نور وصدره نور ومدخله نور ومخرجه نور على نور ، يهدى الله لنوره من يشاء يكرم الله بهذا النور من كان أهلا لذلك فهذا وصف الله للمعرفة (١).

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ٢٥٢) ، والسبعة (٤٥٦) ، وتفسير الطبرى (١٨ / ١٠٩) ، وزاد المسير (٦ / ٤) ، والبحر المحيط (٦ / ٤٥٥).

٧١

(فِي بُيُوتٍ) يقول هذه القناديل معلقة فى بيوت ، ويقال : بيوت (أَذِنَ اللهُ) أمر الله (أَنْ تُرْفَعَ) أن تبنى وهى المساجد (وَيُذْكَرَ فِيهَا) فى المساجد (اسْمُهُ) توحيده (يُسَبِّحُ لَهُ) يصلى لله (فِيهَا) فى المساجد (بِالْغُدُوِّ) غدوة صلاة الفجر (وَالْآصالِ (٣٦)) عشية صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ) لا تشغلهم (تِجارَةٌ) فى الجلب (وَلا بَيْعٌ) يدا بيد (عَنْ ذِكْرِ اللهِ) عن طاعة الله ، ويقال : عن الأوقات الخمس (وَإِقامِ الصَّلاةِ) إتمام الصلوات الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وما يجب فيها فى مواقيتها (وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) أى أداء زكاة أموالهم (يَخافُونَ يَوْماً) عذاب يوم القيامة (تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧)) حالا بعد حال ، يعرفون حينا ولا يعرفون حينا (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) أى بإحسان ما عملوا فى الدنيا (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) من كرامته بواحدة تسعة (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨)) بلا تقدير ولا هذاز ولا منة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (أَعْمالُهُمْ) مثل أعمالهم فى الآخرة (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) فى بقاع الأرض (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً) العطشان ماء من البعد (حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) من الشراب فكذلك لا يجد الكافر من ثواب عمله شيئا يوم القيامة (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) ووجد عند الله عقوبة ذنوبه ، ويقال : وجد الله مستعدا لعذابه (فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) فوفاه عذابه (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩)) شديد العذاب ، ويقال : إذا حاسب فحسابه سريع (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) يقول : مثل النكرة فى قلب الكافر كظلمة فى بحر لجى فى غمر عميق (١)(يَغْشاهُ) يعلوه يعنى البحر (مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) آخر (مِنْ فَوْقِهِ) من فوق الموج الثانى (سَحابٌ) كذلك قلب الكافر مثل النكرة فى قلبه كظلمة البحر ، ومثل قلبه كالبحر اللجى ، ومثل صدره كالموج الهائل ، ومثل أعماله كسحاب لا ينتفع به لقول الله (خَتَمَ اللهُ) طبع الله (عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ) فهذه (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) من شدة الظلمة فكذلك الكافر لا يبصر الحق والهدى من شدة ظلمة قلبه (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) معرفة فى الدنيا (فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)) من معرفة فى الآخرة ، ويقال : ومن لم يكرمه الله بالإيمان فى الدنيا فما له من إيمان فى الآخرة.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٨ / ١١٦) ، وزاد المسير (٦ / ٥٠) ، وتفسير القرطبى (١٢ / ٢٨٤).

٧٢

وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٤٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤) وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥) لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠))

(أَلَمْ تَرَ) ألم تخبر فى القرآن يا محمد (أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ) يصلى لله (مَنْ فِي السَّماواتِ) من الملائكة (وَالْأَرْضِ) من المؤمنين (وَالطَّيْرُ) ويسبح الطير (صَافَّاتٍ) مفتوحات الأجنحة (كُلٌ) كل واحد منهم (قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ) من يصلى له (وَتَسْبِيحَهُ) من يسبح له ، ويقال : قد علم الله صلاة من يصلى وتسبيح من يسبح (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١)) الخير والشر (وَلِلَّهِ مُلْكُ) خزائن (السَّماواتِ) المطر (وَالْأَرْضِ) النبات (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٤٢)) المرجع بعد الموت (أَلَمْ تَرَ) ألم تخبر فى القرآن يا محمد (أَنَّ اللهَ يُزْجِي) يسوق (سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) يضم بين السحاب (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً) بعضه على بعض ، يقول : يجعله ركاما ، ثم يؤلفه مقدم ومؤخر (فَتَرَى الْوَدْقَ) المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) ينزل من خلال السحاب (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) يقول : ينزل من جبال فى السماء بردا (فَيُصِيبُ بِهِ) فيعذب الله بالبرد (مَنْ يَشاءُ) من كان أهلا لذلك (وَيَصْرِفُهُ) يصرف عذابه (عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) ضوء برق الحساب (يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣)) من شدة نوره (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) يذهب بالليل ويجىء بالنهار ، ويذهب بالنهار ويجىء بالليل فهذا تقليبهما (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرت من تقلب الليل والنهار وغير ذلك (لَعِبْرَةً) لعلامة (لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤)) فى الدين ، ويقال : فى العين.

(وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ) على وجه الأرض (مِنْ ماءٍ) من ماء الذكر والأنثى (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) الحية وأشباهها (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) الإنسان وأشباهه

٧٣

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) الدواب (يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ) كما يشاء (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥)) من الخلق وغيره (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ) يقول : أنزلنا جبريل بآيات مبينات بالأمر والنهى (وَاللهُ يَهْدِي) يرشد إلى دينه (مَنْ يَشاءُ) ويكرم من كان أهلا لذلك (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦)) دين قائم يرضاه وهو الإسلام ، ثم نزل فى شأن قوم عثمان بن عفان حين قالوا لعثمان لا تذهب مع على القضاء عند النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى خصومة فى قطعة أرض كانت بينهما لأنه يميل إليه فذمهم الله بذلك ، قال : (وَيَقُولُونَ) قوم عثمان بن عفان (آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ) صدقنا بإيماننا بالله ورسوله (وَأَطَعْنا) ما أمرنا به (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ) طائفة (مِنْهُمْ) من قوم عثمان (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) من بعد ما قالوا هذه الكلمة عن حكم الله (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧)) بالمصدقين فى إيمانهم (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ) إلى كتاب الله (وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ) الرسول (بَيْنَهُمْ) بكتاب الله بحكم الله (إِذا فَرِيقٌ) طائفة (مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨)) عن كتاب الله وحكم الرسول (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ) لقوم عثمان (الْحَقُ) القضاء (يَأْتُوا إِلَيْهِ) إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (مُذْعِنِينَ (٤٩)) مسرعين طائعين (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شك ونفاق (أَمِ ارْتابُوا) بل شكوا بالله وبرسوله (أَمْ يَخافُونَ) أيخافون (أَنْ يَحِيفَ اللهُ) يجور الله (عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ) فى الحكم (بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠)) الضارون لأنفسهم وكانوا منافقين فى إيمانهم.

(إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٥٢) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٥٤) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٥٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ

٧٤

وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٨) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٩) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠))

ثم ذكر قول المخلصين ، فقال : (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ) المخلصين ، كقول عثمان حيث قال لعلى : بل أجىء معك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما قضى بيننا رضيت به ، فمدحه الله بذلك ، وقال : إنما كان قول المؤمنين المخلصين (إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ) إلى كتاب الله (وَرَسُولِهِ) وسنة رسوله (لِيَحْكُمَ) الرسول (بَيْنَهُمْ) بكتاب الله بحكم الله (أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا) أى أجبنا (وَأَطَعْنا) ما أمرنا (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١)) الناجون من السخط والعذاب ، يعنى عثمان بن عفان ، ونزل فى عثمان أيضا لقوله : والله لئن شئت يا رسول الله لأخرجن من مالى كله ، فقال الله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فى الحكم (وَيَخْشَ اللهَ) فيما مضى (وَيَتَّقْهِ) فيما بقى (فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٥٢)) أى فازوا بالجنة ونجوا من النار (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) حلف بالله عثمان جهد يمينه (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) من ماله كله (قُلْ) لهم يا محمد (لا تُقْسِمُوا) لا تحلفوا (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) هى طاعة معروفة حسنة إن فعلتم ولكن أطيعوا طاعة معروفة معلومة التى أوجبت عليكم (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣)) من الخير والشر (قُلْ) يا محمد لقوم عثمان (أَطِيعُوا اللهَ) فى الفرائض (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فى السنن والحكم (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أعرضوا عن طاعتها (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ) ما أمر من التبليغ (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) ما أمرتم من الإيجابة (وَإِنْ تُطِيعُوهُ) تطيعوا الله فيما أمركم (تَهْتَدُوا) من الضلالة (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٥٤)) عن الله.

(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) يا أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فيما بينهم وبين ربهم (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) بعضكم على أثر بعض (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من بنى إسرائيل يوشع بن نون ، وكالب بن يوفنا ، ويقال : لننزلنهم أرض مكة كما أنزلنا الذين من قبلهم من بنى إسرائيل أرضهم بعد ما أهلك

٧٥

عدوهم (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ) ليظهرن لهم (دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) أى رضى واختار لهم (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ) بمكة (مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ) من العدو (أَمْناً) بعد هلاك عدوهم (يَعْبُدُونَنِي) لكى يعبدونى بمكة (لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) من الأوثان (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ) التمكين والتبديل (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥)) العاصون (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أتموا الصلوات الخمس (وَآتُوا الزَّكاةَ) أعطوا زكاة أموالكم (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فى الحكم (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦)) لكى ترحموا فلا تعذبوا (لا تَحْسَبَنَ) يا محمد (الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة (مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) فائتين فى الأرض من عذاب الله (وَمَأْواهُمُ) مصيرهم (النَّارُ) فى الآخرة (وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٥٧)) صاروا إليه مع الشياطين ، نزلت هذه الآية فى أبى جهل وأصحابه.

ثم نزل حين قال عمر ، رضى الله عنه : وددت أن الله نهى أبناءنا وخدمنا أن لا يدخلوا علينا فى العورات الثلاث إلا بإذن ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ) فى الدخول عليكم (الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) العبيد الصغار (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ) الأحلام (مِنْكُمْ) من أحراركم (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) فى ثلاث ساعات (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ) من حين الصبح إلى أن يصلى صلاة الفجر (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ) عند القيلولة إلى أن تصلى الظهر (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) الأخيرة إلى حين طلوع الفجر (ثَلاثُ عَوْراتٍ) ثلاث خلوات (لَكُمْ) ثم رخصهم بعد ذلك فى الدخول عليهم بغير إذن ، فقال : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ) على أرباب البيوت (وَلا عَلَيْهِمْ) على الأبناء والخدم الصغار (جُناحٌ) حرج (بَعْدَهُنَ) من بعد هذه الثلاث عورات (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) للخدمة (بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) يدخل بعضكم على بعض بغير إذن ، وأما الكبار من العبيد والأبناء فينبغى لهم أن يستأذنوا بالدخول على آبائهم ومماليكهم فى كل حين (كَذلِكَ) هكذا (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) الأمر والنهى كما بين الله هذا (وَاللهُ عَلِيمٌ) أعلم بصلاحكم (حَكِيمٌ (٥٨)) حكم عليكم بالاستئذان للصبيان الصغار فى العورات.

ثم ذكر الكبار دون الصغار ، فقال : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ) من أحراركم وعبيدكم (الْحُلُمَ) الاحتلام (فَلْيَسْتَأْذِنُوا) عليكم فى كل حين (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من إخوانهم المذكورين (كَذلِكَ) هكذا (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) أمره ونهيه كما يبين الله هذا (وَاللهُ عَلِيمٌ) بصلاحكم

٧٦

(حَكِيمٌ (٥٩)) حكم على الكبار بالاستئذان فى كل حين (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ) العجائز (اللَّاتِي) يئسن من المحيض اللاتى (لا يَرْجُونَ نِكاحاً) لا يتزوجن ولا يحتجن إلى الزوج (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَ) على العجائز (جُناحٌ) حرج (أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ) من ثيابهن الرداء عن الغريب (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) من غير أن يظهرن ما عليهن من الزينة عند الغريب (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) بالرداء (خَيْرٌ لَهُنَ) من أن يضعنه (وَاللهُ سَمِيعٌ) لمقالتهن (عَلِيمٌ (٦٠)) بأعمالهن.

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢) لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٤)) ثم نزل حين تحرجوا من المواكلة مع بعضهم بعضا مخافة الظلم لما أنزل فى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) أى بالظلم ، فخافوا من ذلك فرخص لهم المواكلة بعضهم بعضا ، فقال : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) أى ليس على من أكل مع الأعمى حرج مأثم (وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ) ليس على من أكل مع الأعرج مأثم (وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) وليس على من أكل مع المريض مأثم (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) أى حرج مأثم (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) من بيوت أبنائكم بغير إذن بالعدل والإنصاف (أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ) من كل وجه (أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ) من كل وجه (أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ) إخوة

٧٧

آبائكم (أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ) أخوات آبائكم (أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ) إخوة أمهاتكم (أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ) أخوات أمهاتكم (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) خزائن ما عندكم من المال يعنى العبيد والإماء (أَوْ صَدِيقِكُمْ) فى الخلطة ، ونزل قوله : (أَوْ صَدِيقِكُمْ) فى مالك بن زيد والحارث بن عمارة وكان صديقين (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) مأثم (أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً) مجتمعين بالعدل والإنصاف (أَوْ أَشْتاتاً) مفرقين ودخل فى هذه الآية الأعمى والأعرج والمريض وغير ذلك (١)(فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً) يعنى بيوتكم أو المساجد وليس فيها أحد (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) فقولوا السّلام علينا من ربنا (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ) كرامة من الله لكم (مُبارَكَةً) بالثواب (طَيِّبَةً) بالمغفرة (كَذلِكَ) هكذا (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) الأمر والنهى كما بين هذا (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١)) لكى تعقلوا ما أمرتم به.

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) المصدقون فى إيمانهم (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) فى السر والعلانية (وَإِذا كانُوا مَعَهُ) مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) فى يوم الجمعة أو فى غزوة (لَمْ يَذْهَبُوا) لم يخرجوا من المسجد ولم يرجعوا من الغزوة (حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) يعنى يستأذنوا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) يا محمد بالرجوع عن غزوة تبوك ، وكان ذلك عمر بن الخطاب ، رضى الله عنه ، أستأذن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالرجوع إلى المدينة لعلة كانت به (أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) فى السر والعلانية (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ) يا محمد المخلصون (لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) حاجتهم (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) من المخلصين (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ) فيما ذهبوا (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لمن تاب (رَحِيمٌ (٦٢)) لمن مات على التوبة (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ) أى لا تدعوا الرسول باسمه يا محمد (كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) باسمه ولكن عظموه ووقروه وشرفوه ، وقولوا له : يا نبى الله ، ويا رسول الله ، ويا أبا القاسم (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ) أى يخرجون منكم من المساجد (لِواذاً) يلوذ بعضكم بعضا ، وكان المنافقون إذا خرجوا من المسجد خرجوا بغير إذن إذا لم يرهم أحد (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) عن أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقال : عن أمر الله (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) بلية (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣)) بالضرب (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الخلق (قَدْ يَعْلَمُ) أى يعلم الله (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) من الكفر والإيمان

__________________

(١) انظر : لباب النقول (١٦٠) ن وتفسير الطبرى (١٨ / ١٢٨) ، وزاد المسير (٦ / ٦٣).

٧٨

والتصديق والتكذيب والإخلاص والنفاق والاستقامة والميل وغير ذلك (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ) إلى الله وهو يوم القيامة (فَيُنَبِّئُهُمْ) أى يخبرهم الله (بِما عَمِلُوا) فى الدنيا (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من أعمالهم (عَلِيمٌ (٦٤)).

* * *

٧٩

سورة الفرقان

ومن السورة التى يذكر فيها الفرقان ، وهى مكية كلها

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (٢) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (٣) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٦) وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى (تَبارَكَ) أى ذو بركة ، ويقال : تبارك أى تعالى وارتفع وتبرأ عن الولد والشريك (الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ) نزل جبريل بالقرآن (عَلى عَبْدِهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لِيَكُونَ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لِلْعالَمِينَ) الجن والأنس (نَذِيراً (١)) أى رسولا مخوفا بالقرآن (الَّذِي لَهُ مُلْكُ) خزائن (السَّماواتِ) المطر (وَالْأَرْضِ) النبات (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) كما قالت اليهود والنصارى (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) كما قال مشركوا العرب فيعاده (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) عبدوه وغير ما يعبدونه (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (٢)) فقدر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم بالتقدير ، ويقال : قدر لكل ذكر أنثى (وَاتَّخَذُوا) كفار مكة أبو جهل وأصحابه (مِنْ دُونِهِ) من دون الله (آلِهَةً) يعبدونها (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) لا يقدرون أن يخلقوا شيئا (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) وهى مخلوقة منحوته يعنى الأصنام (وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ) يعنى الأصنام

٨٠