تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

سورة المطفّفين

ومن سورة المطففين وهذه السورة نزلت بين مكة والمدينة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مهاجرته إلى المدينة ، فأضيفت إلى المدينة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣) أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (وَيْلٌ) شدة العذاب (لِلْمُطَفِّفِينَ (١)) بالكيل والوزن ، وهم أهل المدينة كانوا مسيئين بالكيل والوزن قبل مجئ محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهم فنزلت على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مسيره بالهجرة إلى المدينة هذه

٤٨١

السورة ، (وَيْلٌ) شدة العذاب ، (لِلْمُطَفِّفِينَ (١)) المسيئين بالكيل والوزن (١) ، ثم بينهم ، فقال : (الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ) إذا اشتروا من الناس فكالوا لأنفسهم ووزنوا لأنفسهم (يَسْتَوْفُونَ (٢)) يتمون الكيل والوزن جدا (وَإِذا كالُوهُمْ) كالوا لغيرهم (أَوْ وَزَنُوهُمْ) أو وزنوا لغيرهم (يُخْسِرُونَ (٣)) ينقصون فى الكيل والوزن ويسيئون جدا ، ويقال : (وَيْلٌ) شدة العذاب يومئذ (لِلْمُطَفِّفِينَ (١)) من الصلاة والزكاة والصيام ، وغير ذلك من العبادات (أَلا يَظُنُ) ألا يعلم ويستيقن (أُولئِكَ) المطففون بالكيل والوزن (أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤)) محيون (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥)) شديد هوله ، وهو يوم القيامة (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ) من القبور (لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦)) رب كل ذى روح دب على وجه الأرض ، ومن أهل السماء ، فلما قرأ عليهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه السورة تابوا ورجعوا إلى وفاء الكيل والوزن.

(كَلَّا) حقا يا محمد (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ) أعمال الكفار (لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَما أَدْراكَ) يا محمد (ما سِجِّينٌ (٨)) ما فى السجين تعظيما لها (كِتابٌ مَرْقُومٌ (٩)) يقول : أعمال بنى آدم مكتوب فى صخرة خضراء تحت الأرض السابعة السفلى وهى سجين (وَيْلٌ) شدة العذاب (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠)) بالإيمان والبعث (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١)) بيوم الحساب والقضاء فيه (وَما يُكَذِّبُ بِهِ) بيوم الدين (إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ) عن الحق غشوم ظلوم (أَثِيمٍ (١٢)) فاجر مثل الوليد بن المغيرة المخزومى (إِذا تُتْلى) تقرأ (عَلَيْهِ) على الوليد بن المغيرة (آياتُنا) القرآن بالأمر والنهى (قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣)) هذه أحاديث الأولين فى دهرهم وكذبهم (كَلَّا) حقا يا محمد (بَلْ رانَ) بل طبع الله (عَلى قُلُوبِهِمْ) على قلوب المكذبين بيوم الدين ، ويقال : الذنب على الذنب حتى يسود القلب ، وهو رين القلب (ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)) بما كانوا يقولون ويعملون فى الشرك (كَلَّا) حقا يا محمد (إِنَّهُمْ) يعنى المكذبين بيوم الدين (عَنْ رَبِّهِمْ) عن النظر إلى ربهم (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لَمَحْجُوبُونَ (١٥)) لممنوعون والمؤمن لا يحجب عن النظر إلى ربه.

(ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦)) لداخلو النار (ثُمَّ يُقالُ) يقول لهم : الزبانية (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ) هذا العذاب هو الذى كنتم به فى الدنيا (تُكَذِّبُونَ (١٧)) أنه لا

__________________

(١) انظر : ابن ماجه (٢٢٢٣) ، وتفسير الطبرى (٣٠ / ٦٠) ، وزاد المسير (٩ / ٥٤) ، وتفسير القرطبى (١٩ / ٢٥٧).

٤٨٢

يكون (كَلَّا) يا محمد (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ) أعمال الصادقين فى إيمانهم (لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ) يا محمد (ما عِلِّيُّونَ (١٩)) ما فى عليين (كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠)) يقول : أعمال الأبرار مكتوبة فى لوح من زبرجدة خضراء فوق السماء السابعة تحت عرش الرحمن ، وهو عليون (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١)) مقربو أهل كل سماء أعمال الأبرار (إِنَّ الْأَبْرارَ) الصادقين فى إيمانهم وهم الذين لا يؤذون الذر (لَفِي نَعِيمٍ (٢٢)) فى جنة دائم نعيمها (عَلَى الْأَرائِكِ) على السرر فى الحجال (يَنْظُرُونَ (٢٣)) إلى أهل النار (تَعْرِفُ) يا محمد (فِي وُجُوهِهِمْ) وجوه أهل الجنة (نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤)) حسن النعيم.

(يُسْقَوْنَ) فى الجنة (مِنْ رَحِيقٍ) من خمر (مَخْتُومٍ (٢٥)) ممزوج (خِتامُهُ) عاقبته (مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ) فيما ذكرت فى الجنة (فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦)) فليعمل العاملون وليجتهد المجتهدون ، وليبادر المبادرون (وَمِزاجُهُ) خلطه (مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْناً) يصب عليهم من جنة عدن (يَشْرَبُ بِهَا) منها من عين التسنيم (الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)) إلى جنة عدن صرفا بلا خلط (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) أشركوا أبو جهل وأصحابه (كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) على الذين آمنوا على وأصحابه (يَضْحَكُونَ (٢٩)) يهزؤون ويسخرون (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ) بالكفار يأتون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (يَتَغامَزُونَ (٣٠)) يطعنون (وَإِذَا انْقَلَبُوا) وإذا رجعوا ، أى مع الكفار (إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا) رجعوا (فَكِهِينَ (٣١)) معجبين بشركهم واستهزائهم على المؤمنين (١).

(وَإِذا رَأَوْهُمْ) رأوا أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (قالُوا) يعنى الكفار (إِنَّ هؤُلاءِ) أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لَضالُّونَ (٣٢)) عن الهدى (وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ) ما سلطوا على المؤمنين (حافِظِينَ (٣٣)) لهم ولأعمالهم (فَالْيَوْمَ) وهو يوم القيامة (الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن وهو على وأصحابه (مِنَ الْكُفَّارِ) على الكفار (يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرائِكِ) على السرر فى الحجال (يَنْظُرُونَ (٣٥)) إلى أهل النار يسحبون فى النار (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ) هل جوزى الكفار فى الآخرة (ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)) إلا بما كانوا يعملون ويقولون فى الدنيا.

__________________

(١) قرأ حفص بغير ألف ، وسائر السبعة فاكهين. انظر : السبعة لابن مجاهد (٦٧٦) ، وزاد المسير (٩ / ٦١).

٤٨٣

سورة الانشقاق

ومن سورة انشقت ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (٤) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥) فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١)) يقول : انشقت بالغمام ، والغمام مثل السحاب الأبيض لنزول الرب ، بلا كيف والملائكة وما يشاء من أمره (وَأَذِنَتْ) سمعت وأطاعت (لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٢)) وحق لها أن تفعل (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣)) مد الأديم العكاظى وبسطت ، ويقال : نزعت من أماكنها وسويت (وَأَلْقَتْ ما فِيها) من الأموات والكنوز (وَتَخَلَّتْ (٤)) عن ذلك فصارت خالية من ذلك (وَأَذِنَتْ) سمعت وأطاعت (لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٥)) وحق لها ذلك (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ) وهو الكافر أبو الأسود بن كلدة بن أسيد بن خلف (إِنَّكَ كادِحٌ) يقول : عامل عملا فى كفرك فترجع بذلك (إِلى رَبِّكَ كَدْحاً) فى الآخرة ، ويقال : ساع سعيا (فَمُلاقِيهِ (٦)) أى عملك من خير أو شر (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) كتاب حسناته (بِيَمِينِهِ (٧)) وهو أبو سلمة بن عبد الأسد (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨)) هينا وهو العرض (وَيَنْقَلِبُ) يرجع فى الآخرة (إِلى أَهْلِهِ) الذى أعد الله له فى الجنة (مَسْرُوراً (٩)) بهم (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) فى

٤٨٤

الآخرة (وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠)) خلف ظهره بشماله وهو الأسود بن عبد الأسد أخو أبى سلمة.

(فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١)) يقول : واويلاه واثبوراه (وَيَصْلى سَعِيراً (١٢)) أى نارا (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣)) بهم (إِنَّهُ ظَنَ) حسب (أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤)) يعنى أن لن يرجع إلى ربه فى الآخرة ، وهو بلسان الحبشة يحور يرجع بعد الموت (بَلى) ليحورن إلى ربه فى الآخرة (إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ) من يوم خلقه (بَصِيراً (١٥)) عالما بأن يبعثه بعد الموت (فَلا أُقْسِمُ) يقول : أقسم (بِالشَّفَقِ (١٦)) وهو حمرة المغرب بعد غروب الشمس (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧)) وأقسم بالليل ، وما وسق جمع ورجع إلى وطنه إذا خرج الليل (١) (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨)) وأقسم بالقمر إذا اجتمع وتكامل ثلاث ليال ليلة ثلاث عشرة وليلة أربع عشرة ، وليلة خمس عشرة (لَتَرْكَبُنَ) لتحولن جملة الخلق (طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩)) يقول : حالا بعد حال من حين خلقهم إلى أن يموتوا ، ومن حين موتهم إلى أن يدخلوا الجنة ، أو النار يحولهم الله من حال إلى حال ، ويقال : لتركبن لتصعدن يا محمد طبقا عن طبق ، يقول : من سماء إلى سماء ليلة المعراج ، إن قرأت بنصب الباء ، ويقال : ليركبن هذا المكذب طبقا عن طبق حالا بعد حال من حين يموت إلى أن يدخل النار ، إن قرأت بالياء ونصب الباء (٢).

(فَما لَهُمْ) لكفار مكة ، ويقال : لبنى عبد ياليل الثقفى ، وكانوا ثلاثة مسعود ، وحبيب ، وربيعة ، فأسلم منهم حبيب ، وربيعة بعد ذلك (لا يُؤْمِنُونَ (٢٠)) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ) وإذا قرأ عليهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (الْقُرْآنُ) بالأمر والنهى (لا يَسْجُدُونَ (٢١)) لا يخضعون لله بالتوحيد.

(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة ومن لم يؤمن من [بنى] عبد ياليل (يُكَذِّبُونَ (٢٢)) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣)) بما يقولون ويعملون ، ويقال : بما يسمعون ويضمرون فى قلوبهم (فَبَشِّرْهُمْ) يا محمد لمن لا يؤمن به (بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤)) وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم يوم بدر ، وفى الآخرة ، ثم استثنى الذين آمنوا ، فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَعَمِلُوا

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٣ / ٢٥١) ، وتفسير الطبرى (٣٠ / ٧٦) ، وزاد المسير (٩ / ٦٦) ، والنكت والعيون للماوردى (٤ / ٤٢٧).

(٢) انظر : الحجة لأبى زرعة (٧٥٦) ، وتفسير الطبرى (٣٠ / ٧٨).

٤٨٥

الصَّالِحاتِ) والطاعات فيما بينهم وبين ربهم (لَهُمْ أَجْرٌ) ثواب فى الجنة (غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥)) غير منقوص ، ولا مكدر ، ويقال : لا يتمنون بذلك ، ويقال : لا ينقص من حسناتهم بعد الموت والهرم ، ختم الله لنا بالسعادة.

* * *

٤٨٦

سورة البروج

ومن سورة البروج ، وهى كلها مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١)) يقول : أقسم الله بالسماء ذات النجوم ، ويقال : ذات القصور اثنا عشر قصرا بين السماء والأرض ، يعلم الله ذلك (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢)) وهو يوم القيامة (وَشاهِدٍ) وهو يوم الجمعة (وَمَشْهُودٍ (٣)) وهو يوم عرفة ، ويقال : يوم النحر ، ويقال : شاهد بنو آدم ، ومشهود يوم القيامة ، ويقال : شاهد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومشهود أمته ، أقسم الله بهذه الأشياء : إن بطش ربك ، عذاب ربك لشديد ، لمن لا يؤمن به (١) (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥)) بالنفط ، والزفت ، والحطب ، ويقال : لعنوا ، ويقال : هم قوم من المؤمنين قتلهم الكفار بالنار ذات الوقود بالنفظ ، والزفت ، والحطب (إِذْ هُمْ) يعنى الكفار (عَلَيْها) على الخندق ، ويقال : على الكراسى (قُعُودٌ (٦)) جلوس حين أحرقهم الله بالنار (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ

__________________

(١) انظر أقوال أهل العلم فى ذلك : وتفسير الطبرى (٣٠ / ٨٢) ، وزاد المسير (٩ / ٧١) ، والدر المنثور (٦ / ٣٣٢).

٤٨٧

شُهُودٌ (٧)) حضور ، ويقال : كانوا يشهدون على المؤمنين أن هؤلاء قوم ضلال (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ) من المؤمنين ولا طعنوا عليهم (إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ) إلا لقبل إيمانهم بالله (الْعَزِيزِ) بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْحَمِيدِ (٨)) لمن آمن به.

(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ) خزائن السموات المطر (وَالْأَرْضِ) النبات (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من أعمالهم (شَهِيدٌ (٩) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا) أحرقوا وعذبوا (الْمُؤْمِنِينَ) بالنار ، يعنى المصدقين من الرجال بالإيمان (وَالْمُؤْمِناتِ) المصدقات من النساء بالإيمان (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) من كفرهم وشركهم (فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) فى الآخرة (وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠)) الشديد فى النار ، ويقال : فى الدنيا حيث أحرقهم الله بالنار ، وكان هؤلاء قوما من نجران ، ويقال : من أهل الموصل أخذوا قوما من المؤمنين فعذبوهم وقتلوهم بالنار لكى يرجعوا إلى دينهم ، وكان ملكهم يسمى يوسف ، ويقال : ذا النواس.

ثم ذكر المؤمنين الذين لم يرجعوا عن الإيمان لقبل عذابهم ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فيما بينهم وبين ربهم (لَهُمْ جَنَّاتٌ) بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر ، والماء ، والعسل ، واللبن (ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١)) النجاة الوافرة فازوا بالجنة ونجوا من النار (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ) أخذ ربك لمن لا يؤمن به (لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ) الخلق من النطفة (وَيُعِيدُ (١٣)) بعد الموت خلقا جديدا.

(وَهُوَ الْغَفُورُ) المتجاوز لمن تاب من الكفر وآمن بالله (الْوَدُودُ (١٤)) المتودد لأوليائه ، ويقال : المحب لأهل طاعته ، ويقال : المتحبب إلى أهل طاعته (ذُو الْعَرْشِ) ذو السرير (الْمَجِيدُ (١٥)) الحسن الجيد ، ويقال : الكريم إن قرأت بضم الدال فهو الله ، (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦)) كما يريد يحيى ويميت (هَلْ أَتاكَ) يا محمد يستفهم نبيه بذلك ولم يأته قبل ذلك فأتاه بعد ذلك (حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧)) يقول : خبر جموع (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨)) والذين من قبلهم ومن بعدهم كيف فعلنا بهم عند التكذيب (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة (فِي تَكْذِيبٍ (١٩)) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠)) يقول : عالم بهم وبأعمالهم (بَلْ هُوَ) يعنى القرآن الذى يقرأ عليكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١)) كريم شريف (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)) يقول : مكتوب فى لوح محفوظ من الشياطين.

* * *

٤٨٨

سورة الطّارق

ومن سورة الطارق ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١)) أقسم الله بالسماء والطارق (١) (وَما أَدْراكَ) يا محمد (مَا الطَّارِقُ (٢)) يعجبه بذلك ، ثم بين ، قال : (النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣)) المضئ النافذ ، وهو زحل يطرق بالليل ويخنس بالنهار (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ) ولهذا كان القسم ، يقول : كل نفس برة ، أو فاجرة (لَمَّا عَلَيْها) يعنى لعليها والميم والألف هاهنا صلة ، ويقال : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ) ما كل نفس (لَمَّا عَلَيْها) إلا عليها إن قرئت بالتشديد (٢)(حافِظٌ (٤)) يحفظ قولها وعملها حتى يدفعها إلى المقابر (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ) أبو طالب (مِمَّ خُلِقَ (٥)) نفسه ، ثم بين فقال : (خُلِقَ) نفسه (مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦)) مدفوق ومهراق فى رحم المرأة (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ) صلب الرجل (وَالتَّرائِبِ (٧)) ترائب المرأة (إِنَّهُ) يعنى الله (عَلى رَجْعِهِ) على رد الماء فى الإحليل (لَقادِرٌ (٨)) ويقال : على إعادته بعد الموت وإحيائه لقادر (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩)) تظهر السرائر ، وهو على كل شىء وكل إلى الرجل لا يعلمه غيره (فَما لَهُ) لأبى طالب (مِنْ قُوَّةٍ) من منعة بنفسه (وَلا ناصِرٍ (١٠)) ولا مانع له من عذاب الله (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١)) وأقسم بالسماء ذات المطر ، بعد المطر والسحاب بعد السحاب عاما بعد عام (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢)) بالنبات والزروع ،

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٣ / ٢٥٤) ، وتفسير الطبرى (٣٠ / ٩٠).

(٢) انظر : البحر المحيط (٨ / ٢٨٥) ، والسبعة (٦٧٨) ، والتبيان للعكبرى (٢ / ٢٨٥) ، وزاد المسير (٩ / ٨١).

٤٨٩

ويقال : ذات الأوتاد (إِنَّهُ) يعنى القرآن ولهذا كان القسم (لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣)) حق ، ويقال : حكم من الله (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤)) بالباطل (إِنَّهُمْ) يعنى أهل مكة (يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥)) يصنعون صنعا فى كفرهم وهو صدهم الناس عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، ويقال : يريدون قتلك يا محمد (وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦)) وأريد قتلهم يا محمد يوم بدر (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) فأجل الكافرين (أَمْهِلْهُمْ) أجلهم (رُوَيْداً (١٧)) قليلا إلى يوم بدر.

* * *

٤٩٠

سورة الأعلى

ومن سورة الأعلى ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)) يقول صل يا محمد بأمر ربك (الْأَعْلَى (١)) أعلى كل شىء ، ويقال : اذكر يا محمد توحيد ربك ، ويقال : قل يا محمد سبحان ربى الأعلى فى والسجود (الَّذِي خَلَقَ) كل ذى روح (فَسَوَّى (٢)) خلقه باليدين والرجلين والعينين والأذنين وسائر الأعضاء (وَالَّذِي قَدَّرَ) جعل كل ذكر وأنثى (فَهَدى (٣)) فعرف وألهم كيف يأتى الذكر والأنثى ، ويقال : قدر خلقه حسنا أو دميما ، أو طويلا أو قصيرا ، ويقال : قدر السعادة والشقاوة ، لخلقه فهدى فبين الكفر والإيمان والخير والشرك (وَالَّذِي أَخْرَجَ) أنبت بالمطر (الْمَرْعى (٤)) الكلأ الأخضر (فَجَعَلَهُ) بعد خضرته (غُثاءً) يابسا (أَحْوى (٥)) أسود إذا حال عليه الحول (١) (سَنُقْرِئُكَ) سنعلمك يا محمد القرآن ، ويقال : سيقرأ عليك جبريل القرآن (فَلا تَنْسى (٦) إِلَّا ما شاءَ اللهُ) وقد شاء الله لا تنسى فلم ينس النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك شيئا من القرآن (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ) العلانية من القول والفعل (وَما يَخْفى (٧)) ما أخفى من السر مما لم تحدث به نفسك بعد (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨)) سنهون عليك تبليغ الرسالة وسائر الطاعات (فَذَكِّرْ) عظ بالقرآن وبالله (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩)) يقول : لا تنفع العظة بالقرآن بالله إلا

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٣٠ / ٩٧) ، وزاد المسير (٩ / ٨٩).

٤٩١

من يخشى من الله وهو المؤمن (سَيَذَّكَّرُ) سيتعظ بالقرآن وبالله (مَنْ يَخْشى (١٠)) الله وهو المسلم (وَيَتَجَنَّبُهَا) يتباعد ويتزحزح عن العظة بالقرآن وبالله (الْأَشْقَى (١١)) الشقى فى علم الله (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ) يدخل النار فى الآخرة (الْكُبْرى (١٢)) العظمى ، وليس شىء من العذاب أكبر من النار (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها) فى النار فيستريح (وَلا يَحْيى (١٣)) حياة تنفعه (قَدْ أَفْلَحَ) قد فاز ونجا (مَنْ تَزَكَّى (١٤)) من اتعظ بالقرآن ووحد الله (وَذَكَرَ اسْمَ) أمر (رَبِّهِ) بالصلوات الخمس وغيرها (فَصَلَّى (١٥)) الصلوات الخمس فى الجماعة ولها وجه آخر (قَدْ أَفْلَحَ) فاز ونجا (مَنْ تَزَكَّى (١٤)) من تصدق بصدقة الفطر قبل خروجه إلى المصلى (وَذَكَرَ اسْمَ) ربه هلله وكبره فى الذهاب والمجئ (فَصَلَّى (١٥)) صلاة العيد مع الإمام (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦)) تختارون العمل للدنيا وثواب الدنيا على ثواب الآخرة (وَالْآخِرَةُ) عمل الآخرة وثواب الآخرة (خَيْرٌ) أفضل من ثواب الدنيا وعمل الدنيا (وَأَبْقى (١٧)) وأدوم (إِنَّ هذا) من قوله قد أفلح إلى هاهنا (لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨)) فى كتب الأولين (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩)) كتاب موسى التوراة ، وكتاب إبراهيم يعلم الله ذلك (١).

__________________

(١) انظر : تفسير القرطبى (٢٠ / ٢٤١) ، والطبرى (٣٠ / ١٠١).

٤٩٢

سورة الغاشية

ومن السورة التى يذكر فيها الغاشية ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣) تَصْلى ناراً حامِيَةً (٤) تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢٦))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عز من قائل : (هَلْ أَتاكَ) ما أتاك يا محمد ، ثم أتاك ، ويقال : قد أتاك (حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (١)) خبر قيام الساعة ، ويقال : الغاشية هى غاشية النار على أهلها (وُجُوهٌ) وجوه المنافقين والكفار (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (خاشِعَةٌ (٢)) ذليلة بالعذاب (عامِلَةٌ) تجر فى النار (ناصِبَةٌ (٣)) فى تعب وعناء ، ويقال : عاملة فى الدنيا ناصبة فى الآخرة ، وهم الرهبان وأصحاب الصوامع ، ويقال : هم الخوارج (تَصْلى) تدخل (ناراً حامِيَةً (٤)) حارة قد انتهى حرها (تُسْقى) فى النار (مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥)) حارة (لَيْسَ لَهُمْ) فى تلك الدرك (طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (٦)) وهو الشبرق يكون بطريق مكة إذا كان رطبا تأكل منه الإبل ، وإذا يبس صار كأظفار الهرة (لا يُسْمِنُ) من أكله (وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧)) من أكله (وُجُوهٌ) وجوه المؤمنين (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (ناعِمَةٌ (٨)) حسنة جميلة (لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩)) يقول : لثواب عملها راضية (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠)) فى درجة مرتفعة (لا تَسْمَعُ فِيها) فى الجنة (لاغِيَةً (١١)) حلفا باطلا ولا غير باطل (فِيها) فى الجنة (عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢)) تجرى عليهم بالخير

٤٩٣

والبركة والرحمة (فِيها) فى الجنة (سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣)) فى الهواء ما لم يجئ إليها أهلها ، ويقال : مرتفعة لأهلها (وَأَكْوابٌ) كيزان بلا آذان ولا عرى ، ولا خراطيم مدورة الرأس (مَوْضُوعَةٌ (١٤)) فى منازلهم.

(وَنَمارِقُ) وسائد (مَصْفُوفَةٌ (١٥)) قد صف بعضها إلى بعض ، ويقال : قد نضد بعضها إلى بعض (وَزَرابِيُ) وهى شبه الطنافس (مَبْثُوثَةٌ (١٦)) مبسوطة لأهلها ، فلما أخبرهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك ، قال كفار مكة : ائتنا بآية بأن الله أرسلك إلينا رسولا (١) ، فقال الله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ) يعنى كفار مكة (إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧)) بقوتها وشدتها تقوم بحملها ولا يقوم غيرها (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨)) فوق الخلق لا ينالها شىء (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩)) على الأرض لا يحركها شىء (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠)) بسطت على الماء كل هذا آية لهم (فَذَكِّرْ) عظ (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١)) مخوف بالقرآن ، ويقال : واعظ متعظ بالقرآن وبالله (لَسْتَ عَلَيْهِمْ) يا محمد (بِمُصَيْطِرٍ (٢٢)) بمسلط أن تجبرهم على الإيمان ، ثم أمره بعد ذلك بالقتال ، فقال : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣)) ويقال : إلا من تولى بنصب الألف وكفر بالله (فَيُعَذِّبُهُ اللهُ) فى الآخرة (الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤)) يعنى عذاب النار (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥)) مرجعهم فى الآخرة (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢٦)) ثباتهم فى الدنيا وثوابهم وعقابهم فى الآخرة.

__________________

(١) انظر : الناسخ والمنسوخ للنحاس (٢٥٧) ، ولابن البارزى (٣٢٥) ، والمصفى (٢١٤) ، وزاد المسير (٩ / ١٠٠).

٤٩٤

سورة الفجر

ومن سورة الفجر ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤) فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (وَالْفَجْرِ (١)) يقول : أقسم الله بالفجر ، وهو صبح النهار ، ويقال : هو النهار كله ، ويقال : الفجر فجر السنة ، (وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢)) من أول ذى الحجة (وَالشَّفْعِ) يوم عرفة ويوم النحر (وَالْوَتْرِ (٣)) ثلاثة أيام بعد يوم النحر ، ويقال : الشفع كل صلاة تصلى ركعتين ، أو أربعة من صلاة الغداة والظهر والعصر والعشاء ، والوتر وهى كل صلاة تصلى ثلاثة ، وهى صلاة المغرب ، والوتر ، ويقال : الشفع السماء والأرض ، والدنيا والآخرة ، والجنة والنار ، والعرش والكرسى ، والشمس والقمر ، كل هذا شفع ، والوتر ما يكون فردا ، ويقال : الشفع الذكر والأنثى ، والكافر والمؤمن والمخلص والمنافق ، والصالح والطالح ، والوتر هو الله (١) (وَاللَّيْلِ

__________________

(١) انظر : زاد المسير لابن الجوزى (٩ / ١٠٤) ، فقد نقل عشرين قولا للعلماء فى معنى (الشفع والوتر) ، وتفسير الطبرى (٣٠ / ١٠٨) ، والدر المنثور (٦ / ٣٤٦).

٤٩٥

إِذا يَسْرِ (٤)) يذهب وهى ليلة المزدلفة ، ويقال : يذهب ويجئ فيه الناس ، أقسم الله بهذه الأشياء إن ربك يا محمد لبالمرصاد ، يقول : على الطريق ، والطريق عليه (هَلْ فِي ذلِكَ) يقول : فيما ذكرت (قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥)) لذى عقل (أَلَمْ تَرَ) ألم تخبر فى القرآن يا محمد (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) صنع ربك (بِعادٍ (٦)) قوم هود كيف أهلكهم الله تعالى عند التكذيب (إِرَمَ) ابن إرم ، وإرم هو سام بن نوح ، وكان ابن سام شيم ، وابن شيم هام ، وابن هام عاد (ذاتِ الْعِمادِ (٧)) عماد السارية ، ويقال : ذات القوة (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨)) بالقوة والطول ، ويقال : (إِرَمَ) هو اسم المدينة التى بناها شديد وشداد (ذاتِ الْعِمادِ (٧)) عماد الذهب والفضة (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨)) بالحسن والجمال (وَثَمُودَ) يقول : كيف أهلك ثمود قوم صالح (الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩)) نقبوا الصخر بوادى القرى.

(وَفِرْعَوْنَ) وكيف أهلك فرعون (ذِي الْأَوْتادِ (١٠)) وإنما سمى ذى الأوتاد لأنه جعل أربعة أوتاد ، فإذا غضب على أحد مده بين الأوتاد ، فيعذبه حتى يموت كما عذب امرأته آسية بنت مزاحم (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١)) عصوا وكفروا فى أرض مصر ، ويقال : طغيانهم حملهم على ذلك (فَأَكْثَرُوا فِيهَا) فى أرض مصر (الْفَسادَ (١٢)) بالقتل وعبادة الأوثان (فَصَبَ) فأنزل (عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣)) عذابا شديدا (إِنَّ رَبَّكَ) يا محمد (لَبِالْمِرْصادِ (١٤)) يقول : عليه ممرهم وممر سائر الخلق ، ويقال : إن ملائكة ربك على الصراط يحبسون العباد فى سبع مواطن ويسألونهم عن سبع خصال (فَأَمَّا الْإِنْسانُ) وهو الكفار أبى بن خلف ، ويقال : أمية بن خلف (إِذا مَا ابْتَلاهُ) إذا اختبره (رَبُّهُ) بالمال والغنى (فَأَكْرَمَهُ) كثر ماله (وَنَعَّمَهُ) وسع عليه معيشته (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥)) بالمال والمعيشة (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ) اختبره بالفقر (فَقَدَرَ عَلَيْهِ) فقتر عليه (رِزْقَهُ) معيشته (فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦)) بالفقر وضيق المعيشة (كَلَّا) وهو رد عليه ليس إكرامى بالمال والغنى إهانتى بالفقر وقلة المال ، ولكن إكرامى بالمعرفة والتوفيق وإهانتى بالنكرة والخذلان (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧)) لا تعرفون حق اليتيم ، كان فى حجرة يتيم لم يعرفه حقه ولم يحسن إليه (وَلا تَحَاضُّونَ) ولا تحثون أنفسكم وغيرها (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨)) على صدقة المساكين.

(وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) الميراث (أَكْلاً لَمًّا (١٩)) شديدا (وَتُحِبُّونَ الْمالَ

٤٩٦

حُبًّا جَمًّا (٢٠)) كثيرا (كَلَّا) وهو رد عليه (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١)) يقول إذا زلزلت الأرض زلزلة بعد زلزلة (وَجاءَ رَبُّكَ) ويجىء ربك وما وعد من الثواب والعقاب (وَالْمَلَكُ) ويجىء الملائكة (صَفًّا صَفًّا (٢٢)) كصف أهل الدنيا فى الصلاة (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) مع سبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يقودونها إلى المحشر ويكشف عنها (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) يتعظ الكافر أبى بن خلف وأمية بن خلف (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣)) من أين له العظة وقد فاتته الغطة (يَقُولُ يا لَيْتَنِي) يتمنى (قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤)) الباقية من حياتى الفانية ، ويقول : يا ليتنى عملت فى حياتى الفانية لحياتى الباقية (فَيَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ) كعذابه (أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦)) كوثاقه وله وجه آخر إن قرأت بكسر الذال والثاء ، يقول : لا يعذب عذابه كعذاب الله أحد ولا يوثق وثاقه كوثاق الله أحد ، أى لا يبلغ أحد فى العذاب كما يبلغ فى عذاب الحق (١) (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧)) الآمنة من عذاب الله ، الصادقة بتوحيد الله ، الشاكرة بنعماء الله ، الصابرة لبلاء الله ، الراضية بقضاء الله ، القانعة بعطاء الله (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) إلى ما أعد الله لك فى الجنة ، ويقال : إلى سيدك يعنى الجسد (راضِيَةً) بثواب الله (مَرْضِيَّةً (٢٨)) عنك بالتوحيد (فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩)) فى زمرة أوليائى (وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)) التى أعدت لك.

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٣٠ / ١٢١) ، والسبعة (٦٨٥) ، وزاد المسير (٩ / ١٢٢) ، والحجة لأبى زرعة (٧٦٣).

٤٩٧

سورة البلد

ومن سورة البلد ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً (٦) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ) يقول : أقسم (بِهذَا الْبَلَدِ (١)) مكة (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢)) يقول : قد أحل الله لك فى هذا البلد ما لا يحل لأحد قبلك ولا بعدك ، ويقال : (وَأَنْتَ حِلٌ) نازل (بِهذَا الْبَلَدِ (٢)) ويقال : وأنت فى حل مما صنعت فى هذا البلد (١) (وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣)) فالوالد آدم وما ولد بنوه ، ويقال : الوالد الذى يلد من الرجال والنساء ، وما ولد الذى لا يلد من الرجال والنساء ، أقسم الله بهذه الأشياء (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) يعنى كلدة بن أسيد (فِي كَبَدٍ (٤)) معتدل القامة ، ويقال : يكابد أمر الدنيا والآخرة ، ويقال : فى كبد فى قوة وشدة (أَيَحْسَبُ) أيظن الكافر فى قوته وشدته (أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥)) يعنى على أخذه وعقوبته أحد ، يعنى الله (يَقُولُ) يعنى كلدة بن أسيد ، ويقال : الوليد بن المغيرة (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً (٦)) أنفقت مالا كثيرا فى عداوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم ينفعنى ذلك شيئا (أَيَحْسَبُ) أيظن الكافر (أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧)) لم ير الله صنيعه أنفق أم لا ، ثم ذكر منته عليه ، فقال : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨)) ينظر بهما (وَلِساناً) ينطق به (وَشَفَتَيْنِ (٩)) يضم ويرفع بهما (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)) بيّنا له

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٣ / ٢٦٣) ، وتفسير الطبرى (٣٠ / ١٢٤).

٤٩٨

الطريقين طريق الخير والشر ، ويقال : طريق الثديين.

(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١)) يقول : هل جاوز تلك العقبة الذى يدعى القوة ، وهى الصراط (وَما أَدْراكَ) يا محمد (مَا الْعَقَبَةُ (١٢)) هى عقبة ملساء بين الجنة والنار يعجبه بذلك (فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣)) يقول : اقتحامها فك رقبة ، ويقال : لا يتجاوز تلك العقبة إلا من قد فك رقبة أعتق نسمة ، إذا قرأت بنصب الكاف (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤)) ذى مجاعة وشدة (يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥)) ذا قربة (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦)) لا صق بالتراب من الجهد والمسكين الذى لا شىء له (ثُمَّ كانَ) مع ذلك (مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَتَواصَوْا) تحاثوا (بِالصَّبْرِ) على أداء فرائض الله والمرازى (وَتَواصَوْا) تحاثوا (بِالْمَرْحَمَةِ (١٧)) بالترحم على الفقراء والمساكين (أُولئِكَ) أهل هذه الصفة (أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨)) أهل الجنة الذين يعطون كتابهم بيمينهم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن كلدة فأصحابه (هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩)) أهل النار الذين يعطون كتابهم بشمالهم (عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠)) مطبقة بلغة طى ، نعوذ بالله منها.

* * *

٤٩٩

سورة الشمس

ومن سورة الشمس ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤) وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١)) يقول : أقسم الله بالشمس وضوئها (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢)) تبعها ، يقول : تبع الشمس أول ما رؤى الهلال (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤)) مقدم ومؤخر ، يقول : والليل إذا يغشاها يغشى ضوء النهار ، والنهار إذا جلاها جلى ظلمة الليل (وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥)) والذى خلقها وهو الله ، أقسم بنفسه (وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦)) والذى بسطها على الماء (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧)) والذى سوى خلقها باليدين والرجلين والعينين والأذنين وسائر الأعضاء (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨)) فعرفها وبين لها ما تأتى وما تتقى أقسم الله بنفسه بهذه الأشياء (قَدْ أَفْلَحَ) قد فاز نفس (مَنْ زَكَّاها (٩)) من أصلحها الله وعرفها ووفقها (١) (وَقَدْ خابَ) خسر نفس (مَنْ دَسَّاها (١٠)) من أغواها الله وأضلها وخذلها (كَذَّبَتْ ثَمُودُ) قوم صالح (بِطَغْواها (١١)) يقول : طغيانهم حملهم على ذلك (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢)) قام أشقى القوم قدار بن سالف ومصدع بن دهو فعقرا الناقة (فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ) صالح قبل أن يعقروا الناقة (ناقَةَ اللهِ) ذروا ناقة الله (وَسُقْياها (١٣)) أى وشربها (فَكَذَّبُوهُ) صالحا بالرسالة (فَعَقَرُوها) فعقروا الناقة (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٩ / ١٤٣) ، وتفسير القرطبى (٢٠ / ٧٩).

٥٠٠