تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

للمشركين لفرعون وقومه (فَأَصْبَحَ) فصار (فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً) من قتل القبطى (يَتَرَقَّبُ) ينتظر متى يؤخذ به (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ) استعان به (بِالْأَمْسِ) على القبطى (يَسْتَصْرِخُهُ) يستغيثه على آخر من القبط (قالَ لَهُ) الإسرائيلى (مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨)) مجادل بين الجدال وأقبل عليه بالعون (١) (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ) أن يأخذ (بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما) القبطى ظن الإسرائيلى أنه يريده (قالَ) أى الإسرائيلى (يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي) اليوم (كَما قَتَلْتَ نَفْساً) قبطيا (بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ) ما تريد (إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً) قتالا (فِي الْأَرْضِ) فى أرض مصر (وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩)) المتورعين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر (وَجاءَ رَجُلٌ) وهو حزقيل (مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ) من أسفل المدينة ، ويقال : من وسط المدينة (يَسْعى) يسرع ويشتد فى مشيه (قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ) أولياء المقتول (يَأْتَمِرُونَ بِكَ) اتفقوا عليك (لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ) من المدينة (إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠)) من المشفقين.

(فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨) فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠))

__________________

(١) انظر : زاد المسير لابن الجوزى (٦ / ٢٠٩).

١٢١

(فَخَرَجَ) موسى (مِنْها) من المدينة (خائِفاً يَتَرَقَّبُ) ينتظر ويلتفت متى يلحق ويؤخذ (قالَ) عند ذلك (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١)) أهل مصر (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) سار نحو مدين خاف أن يخطئ الطريق (قالَ عَسى) لعل (رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي) أن يرشدنى (سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢)) قصد الطريق نحو مدين (وَلَمَّا وَرَدَ) بلغ (ماءَ مَدْيَنَ) وهو بئر (وَجَدَ عَلَيْهِ) على الماء (أُمَّةً) جماعة (مِنَ النَّاسِ) أربعين رجالا (يَسْقُونَ) غنمهم (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) من ورائهم (امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) تحسبان غنمهما عن الماء من ضعفهما حتى يفرغ القوم (قالَ) لهما موسى (ما خَطْبُكُما) ما بالكما لا تسقيان غنمكما (قالَتا لا نَسْقِي) لا نقدر أن نسقى غنمنا (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) حتى يفرغ القوم ، ثم نسقى (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣)) ليس له أحد يعينه غيرنا (فَسَقى لَهُما) فسقى موسى غنمهما وذهبتا إلى أبيهما فأخبرتا أباهما عن موسى (ثُمَّ تَوَلَّى) موسى (إِلَى الظِّلِ) ظل الشجرة ، ويقال : ظل حائط ، ويقال : كن (فَقالَ) موسى (رَبِّ إِنِّي فَقِيرٌ (٢٤)) محتاج مقدم ومؤخر (لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَ) ما قدرت لى (مِنْ خَيْرٍ) من طعام.

(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما) وهى الصغرى ، واسمها صفورا (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) معترضة رافعة كمها على وجهها (قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ) ليعطيك (أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) عوض ما سقيت لنا غنمنا (فَلَمَّا جاءَهُ) جاء موسى إلى أبيهما يثرون ابن أخى شعيب ، وقد مات شعيب قبل ذلك (وَقَصَّ عَلَيْهِ) على يثرون (الْقَصَصَ) فراره من فرعون وغير ذلك (قالَ) له يثرون (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥)) من أهل مصر (قالَتْ إِحْداهُما) وهى الصغرى (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ) من الأجراء هو (الْقَوِيُ) على الحمل الثقيل (الْأَمِينُ (٢٦)) على الأمانة ، ثم (قالَ) يثرون لموسى (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ) أزوجك يا موسى (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) تعمل لى فى غنمى (ثَمانِيَ حِجَجٍ) ثمان سنين (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً) عشر سنين (فَمِنْ عِنْدِكَ) الزيادة (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) فى الزيادة (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧)) بالوفاء (قالَ) موسى (ذلِكَ) الشرط (بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) الثمان أو العشر (فَلا عُدْوانَ عَلَيَ) فلا سبيل لك علىّ (وَاللهُ عَلى

١٢٢

ما نَقُولُ) من الشرط والوفاء (وَكِيلٌ (٢٨)) شهيد (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) عشر سنين (وَسارَ بِأَهْلِهِ) نحو مصر (آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً) رأى عن يسار الطريق نارا (قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) انزلوا هاهنا (إِنِّي آنَسْتُ) رأيت (ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها) من عند النار (بِخَبَرٍ) عن الطريق وقد كان تحير فى الطريق (أَوْ جَذْوَةٍ) قطعة (مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩)) لكى تدفؤوا بها وكانوا فى شدة من الشتاء (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) عن يمين موسى (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) بالماء والشجر (مِنَ الشَّجَرَةِ) من نحو الشجرة (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠)) سيد الجن والإنس.

(وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠))

(وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) من يدك (فَلَمَّا رَآها) بعد ما ألقاها (تَهْتَزُّ) تتحرك رافعة رأسها (كَأَنَّها جَانٌ) حية لا صغيرة ولا كبيرة (وَلَّى مُدْبِراً) هاربا منها (وَلَمْ يُعَقِّبْ) ولم يلتفت إليها ، قال الله عزوجل : (يا مُوسى أَقْبِلْ) إليها (وَلا تَخَفْ) منها (إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١)) من شرها فأخذها موسى فإذا هى عصا كما كانت ، قال الله له : (أَسْئَلَكَ) أدخل (يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) فى إبطك يا موسى (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) لها ضوء كضوء الشمس (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) من غير برص (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ

١٢٣

جَناحَكَ) أدخل يدك فى إبطك بعد ذلك (مِنَ الرَّهْبِ) من الغرق إذا أرهبت بها الناس (فَذانِكَ بُرْهانانِ) فهاتان حجتان (مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) قومه (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢)) كافرين مفسدين فى شركهم (قالَ) موسى (رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣)) بدلها (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) أبين منى كلاما ، وكان على لسان موسى رتة (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً) معينا (يُصَدِّقُنِي) يعبر عنى كلامى ويصدق قولى (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤)) بالرسالة (قالَ) الله (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ) سنقوى ظهرك (بِأَخِيكَ) هارون (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) عذرا وحجة (بِآياتِنا) مقدم ومؤخر (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) إلى قتلكما (أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا) بالإيمان والآيات (الْغالِبُونَ (٣٥)) على فرعون وقومه (فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا) اليد والعصا (بَيِّناتٍ) مبينات (قالُوا) يا موسى ما هذا الذى جئتنا به (إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) كذب مختلق من تلقاء نفسك (وَما سَمِعْنا بِهذا) الذى تقول يا موسى (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦)) من آبائنا الماضين (وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى) بالرسالة والتوحيد (مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) الجنة فى الآخرة (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ) لا يأمن ولا ينجو (الظَّالِمُونَ (٣٧)) المشركون من عذاب الله (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) يا رجال أهل مصر (ما عَلِمْتُ لَكُمْ) ما عرفت لكم (مِنْ إِلهٍ) إلها (غَيْرِي) فلا تطيعوا موسى (فَأَوْقِدْ لِي) أى النار (يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) فاطبخ لى يا هامان من الطين آجرا (فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً) قصرا (لَعَلِّي أَطَّلِعُ) أصعد وأنظر (إِلى إِلهِ مُوسى) الذى يزعم أنه فى السماء أرسله إلىّ (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨)) ليس فى السماء من إله (وَاسْتَكْبَرَ) تعظم من الإيمان (هُوَ) فرعون (وَجُنُودُهُ) جموعه القبط (فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (بِغَيْرِ الْحَقِ) بغير أن كان لهم ذلك (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩)) فى الآخرة (فَأَخَذْناهُ) يعنى فرعون بكلمته الأولى أنا (رَبُّكُمُ الْأَعْلى) والأخرى (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي وَجُنُودَهُ) جموعه القبط (فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) فألقيناهم وطرحناهم فى البحر (فَانْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠)) آخر أمر المشركين فرعون وقومه.

(وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١)

١٢٤

وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦) وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠))

(وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) أئمة الكفر والضلال (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) إلى الكفر والشرك وعبادة الأوثان (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١)) لا يمنعون من عذاب الله (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) أهلكناهم فى الدنيا بالغرق (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢)) سود الوجوه وزرق الأعين (وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (مُوسَى الْكِتابَ) يعنى التوراة (مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) من قبل موسى (بَصائِرَ) بيانا (لِلنَّاسِ) لبنى إسرائيل (وَهُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةً) لمن آمن به (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣)) لكى يتعظوا فيؤمنوا به (وَما كُنْتَ) يا محمد (بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) الجبل (إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) حيث أمرنا موسى الإتيان إلى فرعون (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤)) من الحاضرين هناك (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا) خلقنا (قُرُوناً) قرنا بعد قرن وبينا قصة الأول للآخر كما بينا لك (فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) الأجل فلم يؤمنوا فأهلكناهم قرنا بعد قرن (وَما كُنْتَ) يا محمد (ثاوِياً) مقيما (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) تقرأ على قومك آياتنا القرآن تخبرهم (وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥)) الرسل إلى القرون الأولى وبينا قصة الأول للآخر كما بينا لك قصة الأولين.

(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) جبل زبير (إِذْ نادَيْنا) حين كلمنا موسى ، ويقال : إذ

١٢٥

نادينا أمتك (وَلكِنْ) علمناك وأرسلناك (رَحْمَةً) نعمة ومنة (١)(مِنْ رَبِّكَ) إذ أرسل إليك جبريل بالقرآن بأخبار الأمم (لِتُنْذِرَ قَوْماً) لكى تخوف قوما بالقرآن (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ) لم يأتهم رسول مخوف (مِنْ قَبْلِكَ) يعنى قريشا (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦)) لكى يتعظوا فيؤمنوا (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ) ولو لا أن يصيب قريشا عذاب يوم القيامة (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) بما اكتسبوا فى كفرهم (فَيَقُولُوا) عند نزول العذاب بهم يوم القيامة (رَبَّنا) يا ربنا (لَوْ لا) هلا (أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) مع الكتاب (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) كتابك ورسولك (وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)) بالكتاب والرسول لأهلكناهم قبلك ولكن أرسلناك إليهم بالقرآن لكى لا يكون لهم حجة علينا (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقرآن (مِنْ عِنْدِنا قالُوا) كفار مكة (لَوْ لا أُوتِيَ) هلا أعطى محمد ، يعنى اليد والعصا والمن والسلوى والقرآن ، جملة (مِثْلَ ما أُوتِيَ) أعطى (مُوسى) بزعمه (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا) كفار مكة (بِما أُوتِيَ مُوسى) أعطى موسى (مِنْ قَبْلُ) من قبل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعنى التوراة (قالُوا) كفار مكة (سِحْرانِ) يعنى التوراة والقرآن (تَظاهَرا) تعاونا (وَقالُوا) كفار مكة (إِنَّا بِكُلٍ) بالتوراة والقرآن (كافِرُونَ (٤٨)) جاحدون (قُلْ) لهم يا محمد (فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى) أصوب (مِنْهُما) من التوراة والقرآن (أَتَّبِعْهُ) أعمل به (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩)) أن التوراة والقرآن سحران تظاهرا فلم يقدروا أن يأتوا ، قال الله : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) فإن لم يجيبوك الظلمة بما سألتهم (فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ) بالكفر والشرك وعبادة الأوثان (وَمَنْ أَضَلُ) أكفر عن الحق والهدى (مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ) بالكفر والشرك وعبادة الأوثان (بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) بغير حجة وبيان من الله (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) لا يرشد إلى دينه (الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠)) المشركين أبا جهل وأصحابه.

(وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ

__________________

(١) انظر : مشكل ابن قتيبة (٢ / ١٦٣) والتبيان للعكبرى (٢ / ١٧٨) ، والبحر المحيط لأبى حيان (٧ / ٦٢٣).

١٢٦

يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠))

(وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ) بينا لهم بالقول بالتوحيد (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١)) لكى يتعظوا بالقرآن فيؤمنوا (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أعطيناهم علم التوراة (مِنْ قَبْلِهِ) من قبل مجئ محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، يعنى عبد الله بن سلام وأصحابه نحو أربعين رجلا منهم من جاء من الشام ومنهم من جاء من اليمن (هُمْ بِهِ) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (يُؤْمِنُونَ (٥٢)) يوقنون (وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ) يقرأ عليهم القرآن بنعت محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه وصفتهم (قالُوا آمَنَّا بِهِ) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ) من قبل قراءة القرآن علينا (مُسْلِمِينَ (٥٣)) مقرين بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (أُولئِكَ) أهل هذه الصفة (يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) يعطون ثوابهم ضعفين (بِما صَبَرُوا) على أذى الكفار وطعنهم متى بينوا صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونعته فى كتابهم ودخلوا فى دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) يدفعون بالكلام الحسن بلا إله إلا الله الكلام القبيح الشرك من غيرهم (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) أعطيناهم من الأموال (يُنْفِقُونَ (٥٤)) يتصدقون (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ) الباطل ، يعنى طعنة الكفار عليهم (أَعْرَضُوا عَنْهُ) كراما (وَقالُوا) معروفا (لَنا أَعْمالُنا) عبادة الله ودين الإسلام (وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) عليكم أعمالكم عبادة الأوثان ، ودين الشيطان الشرك بالله (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) هداكم الله (لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥)) لا نطلب دين المشركين بالله (إِنَّكَ) يا محمد (لا تَهْدِي) لا تعرف (مَنْ أَحْبَبْتَ) إيمانه ، يعنى أبا طالب (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي) يوفق ويرشد ويعرف (مَنْ يَشاءُ) لدينه أبا بكر وعمر ، رضوان الله عليهم ، وأصحابهما (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)) لدينه (وَقالُوا) حارث بن عمرو النوفلى وأصحابه (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى) التوحيد (مَعَكَ) يا محمد (نُتَخَطَّفْ)

١٢٧

نطرد (مِنْ أَرْضِنا) مكة (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ) ننزلهم ونجعل لهم (حَرَماً آمِناً) من أن يهاج فيه (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) يحمل إليه ألوان كل شىء من الثمرات (رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) طعاما لهم من عندنا فكيف أسلط عليهم الكفار إن آمنوا (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧)) ذلك ولا يصدقون (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) من أهل قرية (بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) كفرت بمعيشتها (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ) منازلهم (لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد هلاكهم (إِلَّا قَلِيلاً) منها يمكنها المسافرون وسائرها خراب (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨)) المالكين على ما ملكوا وتركوا بعد هلاكهم (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى) أهل القرى (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها) فى أعظمها مكة ، ويقال : إلى عظمائها وكبرائها (رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) بالأمر والنهى (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى) أهل القرى (إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩)) مشركون (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ) ما أعطيتم من المال والخدم يا معشر قريش (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) كمتاع الحياة الدنيا الخزف والزجاج (وَزِينَتُها) زهرتها لا تبقى هذه الزهرة (وَما عِنْدَ اللهِ) لمحمد وأصحابه فى الجنة (خَيْرٌ) أفضل (وَأَبْقى) أدوم مما لكم فى الدنيا (أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠)) أفليس لكم ذهن الإنسانية أن الدنيا فانية والآخرة باقية.

(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠))

(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً) يعنى الجنة وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، ويقال : هو عثمان بن عفان (فَهُوَ لاقِيهِ) معاينه فى الآخرة (كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أعطيناه المال والخدم فى الدنيا ، يعنى أبا جهل بن هشام (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١)) من المقربين فى النار (وَيَوْمَ) وهو يوم القيامة (يُنادِيهِمْ) الله ،

١٢٨

يعنى أبا جهل وأصحابه (فَيَقُولُ) الله عزوجل (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢)) تعبدون وتقولون إنهم شركائى (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ) وجب عليهم (الْقَوْلُ) بالسخط والعذاب وهم الرؤساء (رَبَّنا) يا ربنا (هؤُلاءِ) السفلة (الَّذِينَ أَغْوَيْنا) أضللنا (أَغْوَيْناهُمْ) أضللناهم عن الحق والهدى (كَما غَوَيْنا) أضللنا (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) منهم (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣)) بأمرنا (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) آلهتكم حتى يمنعوكم من عذاب الله (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) فلم يجيبوهم برفع العذاب الله عنهم (وَرَأَوُا الْعَذابَ) القادة والسفلة (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤)) تمنو لو أنهم كانوا فى الدنيا على الحق والهدى (وَيَوْمَ) وهو يوم القيامة (يُنادِيهِمْ) الكفار (فَيَقُولُ) الله لهم (ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥)) بما دعوكم (فَعَمِيَتْ) فالتبست (١)(عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ) الأخبار والإجابة (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦)) لا يجيبون (فَأَمَّا مَنْ تابَ) من الكفر (وَآمَنَ) بالله (وَعَمِلَ صالِحاً) خالصا فيما بينه وبين ربه (فَعَسى) وعسى من الله واجب (أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧)) من الناجين من السخط والعذاب (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) كما يشاء (وَيَخْتارُ) من خلقه للنبوة من يشاء ، يعنى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ما كانَ لَهُمُ) لأهل مكة (الْخِيَرَةُ) الاختيار (سُبْحانَ اللهِ) نزه نفسه (وَتَعالى) تبرأ (عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨)) به من الأوثان (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) ما تضمر قلوبهم من البغض والعداوة (وَما يُعْلِنُونَ (٦٩)) ما يظهرون من المعاصى (وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لا ولد له ولا شريك له (لَهُ الْحَمْدُ) له الشكر (فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) على أهل الأرض والسماء ، ويقال : له الحمد والمنة والفضل والإحسان فى الأولى والآخرة على أهل الدنيا والآخرة (وَلَهُ الْحُكْمُ) القضاء بينهم (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠)) بعد الموت.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً

__________________

(١) انظر : تفسير غريب ابن قتيبة (٣٣٤) ، وزاد المسير (٦ / ٢٣٦) ، وتفسير القرطبى (١٣ / ٣٠٤).

١٢٩

فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥) إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٨٠))

(قُلْ) لهم يا محمد (أَرَأَيْتُمْ) ما تقولون يا معشر الكفار (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ) إن ترك الله عليكم الليل مظلما (سَرْمَداً) دائما (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) لا نهار فيه (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) سوى الله (يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ) بنهار (أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١)) تطيعون من جعل لكم الليل والنهار (قُلْ) لهم يا محمد أيضا (أَرَأَيْتُمْ) ما تقولون (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ) إن ترك الله عليكم (النَّهارَ سَرْمَداً) دائما (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) لا ليل فيه (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) سوى الله (يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ) تستقرون فيه (أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢)) أفلا تصدقون من جعل لكم الليل والنهار (وَمِنْ رَحْمَتِهِ) نعمته (جَعَلَ لَكُمُ) خلق لكم (اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) لتستقروا فى الليل (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) لكى تطلبوا بالنهار فضله بالعلم والعبادة (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣)) لكى تشكروا نعمته عليكم بالليل والنهار (وَيَوْمَ) وهو يوم القيامة (يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤)) تقولون أنهم شركائى (وَنَزَعْنا) أخرجنا (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) نبيا يشهد عليهم بالبلاغ وهو نبيهم الذى كان فيهم فى الدنيا (فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ) حجتكم لماذا رددتم على الرسل (فَعَلِمُوا) علم كل أمة (أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ) أن عبادة الله ودين الله الحق ، وأن القضاء فيهم لله (وَضَلَّ عَنْهُمْ) اشتغل عنهم بأنفسهم (ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥)) يعبدون بالكذب (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى) ابن عم موسى (فَبَغى عَلَيْهِمْ) فتطاول على موسى وهارون وقومهما ، فقال : لموسى الرسالة ، ولهارون الحبورة ، ولست فى شىء لا أرضى بهذا ورد على موسى نبوته

١٣٠

(وَآتَيْناهُ) أعطيناه (مِنَ الْكُنُوزِ) يعنى الأموال (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ) مفاتيح خزائنه (لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) لتثقل بالجماعة (١)(أُولِي الْقُوَّةِ) ذوى القوة وهم أربعون رجلا يحملون مفاتيح خزائنه (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ) قوم موسى (لا تَفْرَحْ) لا تبطر بالمال وتشرك (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦)) البطرين فى المال (وَابْتَغِ) اطلب (فِيما آتاكَ اللهُ) بما أعطاك الله من المال (الدَّارَ الْآخِرَةَ) يعنى الجنة (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) لا تترك نصيبك من الآخرة بنصيبك من الدنيا ، ويقال : لا تنقص نصيبك من الدنيا بما أنفقت وأعطيت للآخرة (وَأَحْسِنْ) إلى الفقراء والمساكين (كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) بالمال (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) لا تعمل بالمعاصى وخلاف أمر الرسول موسى ، عليه‌السلام (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧)) بالمعاصى (قالَ) قارون (إِنَّما أُوتِيتُهُ) أعطيت هذا المال الذى أعطيت (عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) على ما علم الله أنى أهل لذلك ، ويقال : يصنع الذهب بالكيمياء (أَوَلَمْ يَعْلَمْ) قارون (أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ) الماضية (مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً) بالبدن (وَأَكْثَرُ جَمْعاً) مالا ورجالا (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨)) المشركون يوم القيامة كل معروف بسيماه (فَخَرَجَ) قارون (عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) التى كانت له من الخيل والبغال والغلمان والجوارى وحلى الذهب والفضة وألون السلاح والثياب (قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) وهم الراغبون (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ) أعطى (قارُونُ) من المال (إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩)) نصيب كبير (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أعطوا علم الزهد والتوكل وهم الزاهدون ، قالوا للراغبين (وَيْلَكُمْ) ضيق الله عليكم الدنيا (ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ) فى الجنة أفضل (لِمَنْ آمَنَ) بالله وبموسى (وَعَمِلَ صالِحاً) خالصا فيما بينه وبين ربه (وَلا يُلَقَّاها) لا يعطى الجنة (إِلَّا الصَّابِرُونَ (٨٠)) على أمر الله والمرازى ، ويقال : لا يوفق للكلمة الطيبة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

(فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (٨٢)

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٣ / ٢٣٧) ، والنكت والعيون للماوردى (٣ / ٢٣٧) ، وتفسير القرطبى (١٣ / ٣١٢).

١٣١

تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧) وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨))

(فَخَسَفْنا بِهِ) بقارون (وَبِدارِهِ) وبمنزله (الْأَرْضَ) غارت به الأرض (فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ) من جماعة وجند (يَنْصُرُونَهُ) يمنعونه (مِنْ دُونِ اللهِ) من عذاب الله حين نزل به (وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١)) الممتنعين بنفسه من عذاب الله (وَأَصْبَحَ) صار (الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ) قدره ومنزلته وماله (بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ) بعضهم لبعض (وَيْكَأَنَّ اللهَ) ليس كما قال قارون إن هذا المال بصنعى ولكن الله (يَبْسُطُ) يوسع (الرِّزْقَ) المال (لِمَنْ يَشاءُ) على من يشاء (مِنْ عِبادِهِ) وهو مكر منه كما كان لقارون (وَيَقْدِرُ) يقتر على من يشاء وهو نظر منه (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) فمنع عنا ما أعطاه (لَخَسَفَ بِنا) غارت بنا الأرض كما خسف بقارون (وَيْكَأَنَّهُ) وأنه والياء والكاف صلة فى الكلام (١) لكنه (لا يُفْلِحُ) لا ينجو ولا يأمن (الْكافِرُونَ (٨٢)) من عذاب الله (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) الجنة (نَجْعَلُها) نعطيها (لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا) عتوا وتكبرا (فِي الْأَرْضِ) بالمال (وَلا فَساداً) بالنقش والتصاوير والمعاصى (وَالْعاقِبَةُ) الجنة (لِلْمُتَّقِينَ (٨٣)) الكفر والشرك والعلوا والفساد فى الأرض.

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) بلا إله إلا الله مخلصا بها (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) فله خيره كله منها (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) بالشرك بالله (فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) فى الشرك بالله (إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤)) النار (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) نزل عليك جبريل بالقرآن (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) إلى مكة ، ويقال : الجنة (قُلْ) يا محمد

__________________

(١) انظر : يقف أبو عمرو على (ويك) ويبتدى ب (إِنَّ). انظر : القطع والائتناف للنحاس ، وبتحقيقنا ط دار الكتب العلمية بيروت ، والنشر فى القراءات العشر (٢ / ١٥١) ، والمجاز لأبى عبيدة (٢ / ١١٢) ، والتبيان للعكبرى (٢ / ١٨٠) ، وزاد المسير (٦ / ٢٤٦).

١٣٢

(رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) بالتوحيد والقرآن (وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥)) فى كفر بين وخطأ بين (وَما كُنْتَ) يا محمد (تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ) أن ينزل عليك جبريل بالقرآن وتكون نبيا (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) ولكن منه وكرامة من ربك إذا أرسل عليك جبريل بالقرآن وجعلك نبيا (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً) عونا (لِلْكافِرِينَ (٨٦)) بالكفر (وَلا يَصُدُّنَّكَ) لا يصرفنك (عَنْ آياتِ اللهِ) القرآن (بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) جبريل بها (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) إلى توحيد ربك وكتاب ربك (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧)) مع المشركين على دينهم منهم (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) لا تعبد من دون الله أحدا ولا تدع الخلق إلى أحد دون الله (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وحده لا شريك له (كُلُّ شَيْءٍ) كل عمل لغير وجه الله (هالِكٌ) مردود (إِلَّا وَجْهَهُ) إلا ما ابتغى به وجهه ، ويقال : كل وجه متغير إلا وجهه وكل ملك زائل إلا ملكه (لَهُ الْحُكْمُ) القضاء بين خلقه (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨)) بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم.

* * *

١٣٣

سورة العنكبوت

ومن السورة التى يذكر فيها العنكبوت ، وهى مكية كلها

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤) مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩))

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠)) عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عز من قائل (الم (١)) يقول : أنا الله أعلم ، ويقال : قسم أقسم به (أَحَسِبَ النَّاسُ) أيظن أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (أَنْ يُتْرَكُوا) يهملوا بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (أَنْ يَقُولُوا) بأن يقولوا (آمَنَّا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢)) لا يبتلون بالهوى والبدعة وانتهاك المحارم (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ابتلينا الذين من قبل أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد النبيين بالهوى والبدعة وانتهاك المحارم (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ) لكى يرى الله ويميز (الَّذِينَ صَدَقُوا) فى إيمانهم باجتناب الهوى والبدعة وترك المحارم (وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣)) يعنى المكذبين فى إيمانهم بالهوى والبدعة وانتهاك المحارم ، ثم نزل فى أبى جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة ، وعتبة ، وشيبة ابنى ربيعة الذين بارزوا على بن أبى طالب ، رضى الله عنه وحمزة بن عبد المطلب عم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب يوم بدر وتفاخر بعضهم على بعض ، فقال : (أَمْ حَسِبَ) أيظن (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) فى الشرك بالله (أَنْ

١٣٤

يَسْبِقُونا) أن يفوتوا من عذابنا (ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤)) بئس ما يقضون ويظنون لأنفسهم ذلك (مَنْ كانَ يَرْجُوا) يخاف (لِقاءَ اللهِ) البعث بعد الموت (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ) البعث بعد الموت (لَآتٍ) لكائن (وَهُوَ السَّمِيعُ) لمقالة كلا الفريقين يوم بدر (الْعَلِيمُ (٥)) بما يصيبهم ، ثم نزل فى على ، عليه‌السلام ، وصاحبيه بما أفتخروا ، فقال : (وَمَنْ جاهَدَ) فى سبيل الله يوم بدر (فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) فله بذلك الثواب (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦)) عن جهاد العالمين (وَالَّذِينَ آمَنُوا) على وصاحباه (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) لنمحص عنهم ذنوبهم دون الكبائر (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧)) فى جهادهم (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) أمرنا الإنسان سعد بن أبى وقاص (بِوالِدَيْهِ) بمالك وحمنة (حُسْناً) برا بهما (وَإِنْ جاهَداكَ) أمراك وأراداك (لِتُشْرِكَ) لتعدل (بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أنه شريكى ولك به علم أنه ليس لى شريك (فَلا تُطِعْهُما) فى الشرك وكان أبواه مشركين (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) مرجعك ومرجع أبويك (فَأُنَبِّئُكُمْ) فأخبركم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)) من الخير والشر فى الكفر والإيمان (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم فى كل زمان (لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩)) مع الصالحين ، أبى بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلى ، رضى الله عنهم (وَمِنَ النَّاسِ) وهو عياش بن أبى ربيعة المخزومى (مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) صدقنا بتوحيد الله (فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ) عذب فى دين اله (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ) عذاب الناس بالسياط (كَعَذابِ اللهِ) فى النار دائما حتى كفر ورجع عن دينه (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) فتح مكة (لَيَقُولُنَ) عياش وأصحابه (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) على دينكم (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠)) فى قلوب العالمين من الخير والشر ، ثم أسلم عياش وحسن إسلامه.

(وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (١٥) وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ

١٣٥

تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠))

(وَلَيَعْلَمَنَ) يرى ويميز (اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) فى السر والعلانية (وَلَيَعْلَمَنَ) يرى ويميز (الْمُنْفِقِينَ (١١)) يوم بدر (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة أبو جهل وأصحابه (لِلَّذِينَ آمَنُوا) على وسلمان وأصحابهما (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) ديننا فى عبادة الأوثان (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) ذنوبكم عنكم يوم القيامة (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ) ذنوبهم (مِنْ شَيْءٍ) يوم القيامة (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢)) فى مقالتهم (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) أوزارهم يوم القيامة (وَأَثْقالاً) مثل أوزار الذين يضلونهم (مَعَ أَثْقالِهِمْ) مع أوزارهم (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣)) يكذبون على الله (١) (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ) فمكث فيهم (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) يدعوهم إلى التوحيد فلم يجيبوه (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ) فأهلكهم الله بالطوفان (وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤)) كافرون (فَأَنْجَيْناهُ) نوحا (وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) ومن آمن فى السفينة (وَجَعَلْناها) سفينة نوح (آيَةً) عبرة (لِلْعالَمِينَ (١٥)) بعدهم (وَإِبْراهِيمَ) وأرسلنا إبراهيم إلى قومه (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ) وحدوا الله (وَاتَّقُوهُ) اخشوه وأطيعوه بالتوبة من الكفر والشرك وعبادة الأوثان (ذلِكُمْ) التوبة والتوحيد (خَيْرٌ لَكُمْ) مما أنتم عليه (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦)) ذلك وتصدقون ولكن لا تعلمون ولا تصدقون.

(إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) أحجارا (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) تقولون كذبا وتنحتون بأيديكم ما تعبدون من دون الله (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأوثان (لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) لا يقدرون أن يرزقوكم (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ) فاطلبوا من الله الرزق (وَاعْبُدُوهُ) وحدوه (وَاشْكُرُوا لَهُ) بالتوحيد

__________________

(١) انظر : معانى الفراء (٢ / ٣٢٤) ، وتفسير ابن الجوزى (٦ / ٢٦٠) ، والقرطبى (١٣ / ٣٣٠) ، والبحر المحيط (٧ / ١٤٤).

١٣٦

(إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧)) بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) يا معشر قريش بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) رسلهم فأهلكناهم (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) تبليغ الرسالة عن الله (الْمُبِينُ (١٨)) يبين لهم بلغة يعلمونها (أَوَلَمْ يَرَوْا) يخبروا كفار مكة فى الكتاب (كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) من النطفة (ثُمَّ يُعِيدُهُ) يوم القيامة (إِنَّ ذلِكَ) إبداءه وإعادته (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١٩)) هين (قُلْ) يا محمد (سِيرُوا) وسافروا (فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ) الله (الْخَلْقَ) من النطفة وأهلكهم بعد ذلك (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) يخلق الخلق يوم القيامة (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الخلق والبعث والموت والحياة (قَدِيرٌ (٢٠)).

(يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠))

(يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) يميت من يشاء على الإيمان فيرحمه (وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١)) ترجعون بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم (وَما أَنْتُمْ) يا أهل مكة (بِمُعْجِزِينَ) بفائتين من عذاب الله (فِي الْأَرْضِ) من أهل الأرض (وَلا فِي السَّماءِ) ولا من أهل السماء (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) من عذاب الله (مِنْ وَلِيٍ) قريب ينفعكم (وَلا نَصِيرٍ (٢٢)) مانع يمنعكم من عذاب الله (وَالَّذِينَ

١٣٧

كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، يعنى اليهود والنصارى وسائر الكفار (وَلِقائِهِ) وكفروا بالبعث بعد الموت (أُولئِكَ) أهل هذه الصفة (يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) من جنتى (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣)) وجيع (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) لم يكن جواب قوم إبراهيم حيث دعاهم إلى الله تعالى (إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ) بالنار (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) سالما (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما فعلنا بقوم إبراهيم (لَآياتٍ) لعبرات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤)) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَقالَ) إبراهيم (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ) عبدتم (مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) احجارا (مَوَدَّةَ) صلة (بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) لا تبقى (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) يتبرأ بعضكم من بعض (وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ) مصيركم (النَّارُ) يعنى العابد والمعبود (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥)) من مانعين من عذاب الله.

(وَقالَ) إبراهيم (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) راجع إلى طاعة ربى وخرج من حران إلى فلسطين (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) فقال له لوط : صدقة يا إبراهيم مقدم ومؤخر (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة منهم (الْحَكِيمُ (٢٦)) يحكم التحويل من بلد إلى بلد لقبل سلامة أمر الدين والزيادة (وَوَهَبْنا لَهُ) لإبراهيم (إِسْحاقَ) ولدا (وَيَعْقُوبَ) ولد الولد (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ) فى نسله (النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) يقول : أكرمنا ذريته بالنبوة والكتاب والولد الطيب ، فكان فيهم الأنبياء والكتب (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) أكرمناه بالنبوة والثناء الحسن والولد الطيب فى الدنيا (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧)) مع آبائه المرسلين فى الجنة (وَلُوطاً) أرسلنا لوطا إلى قومه (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) اللواطة (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨)) يقول : لم يعمل قبلكم أحد من العالمين عملكم الخبيث (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) أدبار الرجال (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) على من مر بكم من الغرباء (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) تعملون فى مجالسكم المنكر نحو عشر خصال ، كانوا يعملونها فى مجالسهم مثل الخذف بالبندق والسكينية والفحش وغير ذلك (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) فلم يكن جواب قوم لوط (إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩)) بمجئ عذاب الله علينا إن لم نؤمن (قالَ) لوط (رَبِّ انْصُرْنِي) أعنى بالعذاب (عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠)) المشركين.

(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها

١٣٨

كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤) وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠))

(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ) جبريل ومن معه من الملائكة إلى إبراهيم (بِالْبُشْرى) فبشروه بالولد (قالُوا) لإبراهيم (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) قريات لوط (إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١)) مشركين اجترحوا الهلاك على أنفسهم بعملهم الخبيث (قالَ) إبراهيم (إِنَّ فِيها لُوطاً) كيف تهلكهم يا جبريل (قالُوا) يعنى جبريل ومن معه من الملائكة (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ) ابنتيه زاعورا وريثا (إِلَّا امْرَأَتَهُ) واعلة المنافقة (كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢)) تتخلف مع المتخلفين بالهلاك (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا) جبريل ومن معه من الملائكة (لُوطاً) إلى لوط (سِيءَ بِهِمْ) ساءه مجيئهم (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) اغتم بمجيئهم اغتماما شديدا لما خاف عليهم من عمل قومه الخبيث (وَقالُوا) يعنى جبريل ومن معه للوط (لا تَخَفْ) علينا (وَلا تَحْزَنْ) لأمرنا من الهلاك (إِنَّا مُنَجُّوكَ) من قومك (وَأَهْلَكَ) ابنتيك (إِلَّا امْرَأَتَكَ) المنافقة (كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣)) تتخلف مع المتخلفين بالهلاك (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) يعنى قريات لوط (رِجْزاً) عذابا (مِنَ السَّماءِ) بالحجارة (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤)) يكفرون ويعصون (وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها) تركناها يعنى قريات لوط (آيَةً) علامة (بَيِّنَةً

١٣٩

لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٣٥)) يصدقون ويعلمون ما فعل بهم فلا يقتدون بهم (وَإِلى مَدْيَنَ) وأرسلنا إلى مدين (أَخاهُمْ) نبيهم (شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) وحدوا الله (وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) خافوا يوم القيامة (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦)) لا تعملوا فى الأرض بالفساد والمعاصى (فَكَذَّبُوهُ) بالرسالة (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) الزلزلة بالعذاب (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ) فصاروا فى مجمعهم (جاثِمِينَ (٣٧)) ميتين لا يتحركون (وَعاداً) أهلكنا قوم هود (وَثَمُودَ) وأهلكنا قوم صالح (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ) يا أهل مكة (مِنْ مَساكِنِهِمْ) من خراب منازلهم ما فعل بهم (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) فى الشرك وحالهم فى الشدة والرخاء (فَصَدَّهُمْ) فصرفهم بذلك (عَنِ السَّبِيلِ) عن الحق والهدى (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨)) كانوا يرون أنهم على الحق ولم يكونوا على الحق (وَقارُونَ) أهلكنا قارون (وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ) وزير فرعون (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) بالأمر والنهى والعلامات (فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ) عن الإيمان ولم يؤمنوا بالآيات (وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩)) فائتين من عذاب الله (فَكُلًّا) فكل قوم (أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) فى الشرك (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) حجارة وهم قوم لوط (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) بالعذب وهم قوم شعيب وصالح (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) غارت به الأرض وهو قارون ومن معه (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) فى البحر وهو فرعون وقومه (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) بإهلاكهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠)) بالكفر والشرك وتكذيب الرسل.

(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣) خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤) اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥) وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ

١٤٠