تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

سورة طه

ومن السورة التى يذكر فيها موسى ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣) تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨) وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢)) نزلت هذه الآية والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان قبل ذلك يجتهد بصلاة الليل حتى تورمت قدماه فخفف الله عليه بهذه الآية ، فقال : (طه (١)) يا رجل وهذا بلسان مكة ، أى : يا محمد (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) جبريل بالقرآن (١) (إِلَّا تَذْكِرَةً) عظة (لِمَنْ يَخْشى (٣)) لمن يسلم ولم أنزله (لِتَشْقى (٢)) لتتعب نفسك مقدم ومؤخر (تَنْزِيلاً) أى القرآن تكليما (مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤)) الرفيع رفع بعضها فوق بعض (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥)) استقر ، ويقال : امتلاء به ، ويقال : هو من المكتوم الذى لا يفسر (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) من الخلق والعجائب (وَما تَحْتَ الثَّرى (٦)) الذى تحت الأرضين السابعة السفلى لأن الأرضين على الماء ، والماء على الحوت ، والحوت على الصخرة ، والصخرة على قرنى الثور ، والثور على الثرى هو التراب الندى ، يعلم الله ما تحته (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) أى تعلن بالقول والفعل (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ) من القول والفعل (وَأَخْفى (٧)) من السر ما هو كائن منك ، لم يك بعد أو يكون يعلم الله ذلك كله (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ١٧٤) ، وللأخفش (٤٠٦) ، وللأزهرى (ص ٢٨٩) ، والمجاز لأبى عبيدة (٢ / ١٥) ، وتفسير الطبرى (١٦ / ١٠٢) ، وتفسير القرطبى (١١ / ١٦٥).

٣

وحده لا شريك له (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨)) الصفات العليا فادعوه بها (وَهَلْ أَتاكَ) ما أتاك يا محمد ، ثم أتاك (حَدِيثُ مُوسى (٩)) خبر موسى (إِذْ رَأى ناراً) عن يساره (فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) انزلوا مكانكم (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) إنى رأيت نارا (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها) من النار (بِقَبَسٍ) بشعلة مقتبسة وكان فى برد شديد من الشتاء (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ) عند النار (هُدىً (١٠)) من يدلنى على الطريق.

(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠))

(فَلَمَّا أَتاها) فإذا هى شجرة خضراء تتوقد منها نار بيضاء (نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) وكانت نعلاه من جلد حمار ميت (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) المطهر (طُوىً (١٢)) اسم الوادى ، ويقال : قد طوته الأنبياء قبلك ، ويقال : طوى بئر قد طويت بالصخر فى ذلك الوادى للذى كانت فيه الشجرة (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) بالرسالة إلى فرعون (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣)) فاعمل بما تؤمر (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) فأطعنى (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤)) لو نسيت صلاة فصلها حين ذكرتها (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) كائنة (أَكادُ أُخْفِيها) أظهرها ، ويقال : أسرها عن نفسى فكيف أظهرها لغيرى (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ) برة أو فاجرة (بِما تَسْعى (١٥)) بما تعمل من الخير والشر (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها) فلا يصرفنك عن الإقرار بها (مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ) بالإنكار وعبادة الأصنام (فَتَرْدى (١٦)) فتهلك (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها) أعتمد عليها إذا عييت (وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي) أخبط بها الشجرة لغنمى (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨)) حوائج شتى (قالَ أَلْقِها) من يدك (يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها) من يده (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠)) تشتد رافعة رأسها فولى موسى هاربا منها.

(قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ

٤

طَغى (٢٤) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١))

(قالَ) الله له (خُذْها) يا موسى (وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها) سنجعلها (سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١)) عصا كما كانت (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ) أى أدخل يدك فى إبطك (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) لها شعاع (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) من غير برص (آيَةً أُخْرى (٢٢)) علامة أخرى مع العصا (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا) من علامتنا (الْكُبْرى (٢٣)) العظمى (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤)) علا وتكبر وكفر (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥)) لين لى قلبى لكى لا أخافه (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦)) هون علىّ تبليغ الرسالة إلى فرعون (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧)) أبسط رتوة لسانى (يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨)) لكى يفقهوا كلامى (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً) معينا (مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١)) أقو به ظهرى.

(وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) َلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠))

(وَأَشْرِكْهُ) يا رب (فِي أَمْرِي (٣٢)) فى تبليغ رسالتى إلى فرعون (كَيْ نُسَبِّحَكَ) نصلى لله (كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ) بالقلب واللسان (كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥)) عالما (قالَ) الله له (قَدْ أُوتِيتَ) أعطيت (سُؤْلَكَ) ما سألت (يا مُوسى (٣٦)) فشرح الله له صدره ويسر أمره وبسط لسانه وجعل هارون له معينا (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧)) غير هذا (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ) ألهمنا أمك (ما يُوحى (٣٨)) الذى يلهم (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) أن اطرحى الصبى فى التابوت البردى (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ) فاطرحى التابوت فى البحر (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُ) البحر (بِالسَّاحِلِ) على الشط (يَأْخُذْهُ) يرقه (عَدُوٌّ لِي) بالدين ، يعنى فرعون (وَعَدُوٌّ لَهُ) بالقتل (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) يا موسى كل من رآك أحبك

٥

(وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩)) ما صنع بك كان فى منظرى (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ) فدخلت قصر فرعون (فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) يرضعه (فَرَجَعْناكَ) فرددناك (إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) تطيب نفسها (وَلا تَحْزَنَ) على ابنها بالهلاك (وَقَتَلْتَ نَفْساً) قبطيا (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) من غم القود (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) ابتليناك ببلاء مرة بعد مرة (فَلَبِثْتَ) مكثت (سِنِينَ) عشر سنين (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ) على مقدورى بالكلام والرسالة إلى فرعون (يا مُوسى (٤٠)).

(وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨) قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠))

(وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)) اصطفيتك لنفسى بالرسالة (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ) هارون (بِآياتِي) باليد والعصا (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢)) لا تضعفا ولا تعجزا ولا تفترا فى تبليغ رسالتى إلى فرعون (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣)) علا وتكبر وكفر (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) لطيفا لا إله إلا الله ، ويقال : كنياه (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ) يتعظ (أَوْ يَخْشى (٤٤)) أو يسلم (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ) أن يعجل (عَلَيْنا) بالضرب (أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥)) بالقتل (قالَ) الله لهما (لا تَخافا) من الضرب والقتل (إِنَّنِي مَعَكُما) معينكما (أَسْمَعُ) ما يرد عليكما (وَأَرى (٤٦)) صنعه بكما (فَأْتِياهُ) يعنى فرعون (فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) إليك (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) نذهب بهم إلى أرضهم (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) لا تتبعهم بالعمل وذبح الأبناء واستخدام النساء لأنهم أحرار (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ) بعلامة (مِنْ رَبِّكَ) يعنى اليد وهو أول آية أراها الله فرعون (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧)) التوحيد (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ) الدائم (عَلى مَنْ كَذَّبَ) بالتوحيد (وَتَوَلَّى (٤٨)) عن الإيمان (قالَ) فرعون (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) شكله للإنسان إنسانا وللبعير ناقة وللحمار أتانا وللشاة النعجة (ثُمَّ هَدى (٥٠)) ثم ألهم الأكل والشرب والجماع.

٦

(قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥) وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠))

(قالَ) فرعون لموسى (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١)) فما خبر القرون الماضية عندك كيف هلكوا (قالَ) موسى (عِلْمُها) علم هلاكها (عِنْدَ رَبِّي) مكتوب (فِي كِتابٍ) يعنى اللوح المحفوظ (لا يَضِلُّ رَبِّي) لا يخطىء ولا يذهب عليه أمرهم (وَلا يَنْسى (٥٢)) أمرهم ولا يترك عقوبتهم (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) فرشا (وَسَلَكَ) جعل (لَكُمْ فِيها) فى الأرض (سُبُلاً) طرقا تذهبون وتجيئون فيها (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَأَخْرَجْنا بِهِ) فأنبتنا بالمطر (أَزْواجاً) أصنافا (مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣)) مختلفا ألوانه (كُلُوا) يعنى ما تأكلون (وَارْعَوْا) ما ترعون (أَنْعامَكُمْ) من عشبها (إِنَّ فِي ذلِكَ) فى اختلافها وألوانها (لَآياتٍ) لعلامات (لِأُولِي النُّهى (٥٤)) لذوى العقول من الناس (مِنْها) من الأرض (خَلَقْناكُمْ) أى خلقناكم من آدم ، وآدم من تراب ، والتراب من الأرض (وَفِيها) وفى الأرض (نُعِيدُكُمْ) أى نقبركم (وَمِنْها) من الأرض (نُخْرِجُكُمْ) أى نخرجكم من القبور (تارَةً أُخْرى (٥٥)) مرة أخرى بعد الموت للبعث (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ) يعنى فرعون (آياتِنا كُلَّها) اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنين ونقص من الثمرات (فَكَذَّبَ) بالآيات ، وقال : ليس هذا من الله (وَأَبى (٥٦)) أن يسلم ولم يقبل الآيات (قالَ) لموسى (أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا) مصر (بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ) مثل ما جئتنا به (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ) يا موسى (مَوْعِداً) أجلا (لا نُخْلِفُهُ) أى لا نجاوزه (نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨)) غيره ، ويقال : سوى هذه إن قرئت بضم السين (قالَ) موسى (مَوْعِدُكُمْ) أجلكم (يَوْمُ الزِّينَةِ) وهو يوم السوق ، ويقال : يوم العيد ، ويقال : يوم النيروز (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ) يجمع من المدائن (ضُحًى (٥٩)) ضحوة (فَتَوَلَّى

٧

فِرْعَوْنُ) فرجع فرعون إلى أهله (فَجَمَعَ كَيْدَهُ) أى وسحرته اثنين وسبعين ساحرا (ثُمَّ أَتى (٦٠)) الموعد.

(قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠))

(قالَ لَهُمْ مُوسى) للسحرة (وَيْلَكُمْ) ضيق الله عليكم الدنيا (لا تَفْتَرُوا) لا تختلقوا (عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ) فيهلككم (١)(بِعَذابٍ) من عنده (وَقَدْ خابَ) خسر (مَنِ افْتَرى (٦١)) اختلق على الله الكذب (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) فتشاوروا فيما بينهم إن غلب علينا موسى آمنا به (وَأَسَرُّوا) هذا (النَّجْوى (٦٢)) من فرعون ، ثم (قالُوا) بالعلانية (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) بلغة بنى الحارث ابن كعب ، وإنما قال : إن هذان على اللغة لا على الإعراب ، ويقال : قال لهم فرعون : إن هذان موسى وهارون لساحران (يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ) يعنى موسى وهارون (مِنْ أَرْضِكُمْ) مصر (بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ) بدينكم ورجالكم (الْمُثْلى (٦٣)) الأمثل فالأمثل أهل الرأى والشرف (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) مكركم وسحرتكم وعلمكم (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) جميعا (وَقَدْ أَفْلَحَ) فاز (الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤) قالُوا) يعنى السحرة أولا (يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) عصاك إلى الأرض أولا (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ) لهم موسى (بَلْ أَلْقُوا) أنتم أولا فألقوا اثنين وسبعين عصا واثنين وسبعين حبلا (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) أرى موسى (مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦)) تمضى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧)) أى أضمر موسى فى قلبه الخوف خاف أن لا

__________________

(١) قراءة حفص ، وحمزة والكسائى فَيُسْحِتَكُمْ من أسحت ، والباقون فيسحتكم من سحت.

انظر : السبعة (٤١٩) ، معانى القرآن للفراء (٢ / ١٨٢) ، وتفسير الطبرى (١٦ / ١٣٥) ، والبحر المحيط (٦ / ٢٥٤).

٨

يظفر بهم فيقتلون من آمن به (قُلْنا) لموسى (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨)) الغالب عليهم (وَأَلْقِ) على الأرض (ما فِي يَمِينِكَ) يا موسى (تَلْقَفْ) تلقم (ما صَنَعُوا) ما طرحوا من العصى والحبال (إِنَّما صَنَعُوا) طرحوا (كَيْدُ ساحِرٍ) عمل سحر (وَلا يُفْلِحُ) لا يأمن ولا ينجو من عذاب الله ولا يفوز (السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩)) أينما كان (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً) فسجدوا من سرعة سجودهم كأنهم ألقوا (قالُوا) يعنى السحرة (آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠)).

(قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦) وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩) يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠))

(قالَ) لهم فرعون (آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) قبل أن أمركم به (إِنَّهُ) يعنى موسى (لَكَبِيرُكُمُ) عالمكم (الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) اليد اليمنى والرجل اليسرى (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) على جذوع النخل (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١)) أدوم أنا أو رب موسى وهارون (قالُوا) يعنى السحرة لفرعون (لَنْ نُؤْثِرَكَ) لن نختار عبادتك وطاعتك (عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) من الأمر والنهى والكتاب والرسول والعلامات (وَالَّذِي فَطَرَنا) وعلى عبادة الذى خلقنا (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) فاصنع ما أنت صانع واحكم علينا ما أنت حاكم (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢)) تحكم علينا فى الدنيا وليس لك علينا سلطان فى الآخرة (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا) شركنا (وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ) ما أجبرتنا عليه (مِنَ السِّحْرِ) من تعلم السحر (وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣)) ما عند الله من الثواب والكرامة أفضل وأدوم مما تعطينا من المال (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ) يوم القيامة (مُجْرِماً)

٩

مشركا (فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها) فيستريح (وَلا يَحْيى (٧٤)) حياة تنفعه (وَمَنْ يَأْتِهِ) يوم القيامة (مُؤْمِناً) مصدقا فى إيمانه (قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ) فيما بينه وبين ربه (فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥)) الرفيعة فى الجنان.

ثم بين أن الجنان لهم ، فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ) وهى دار الرحمن التى خلقها بيده وبقوته فى وسط الجنان والجنان حولها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (خالِدِينَ فِيها) مقيمين فى الجنة لا يموتون ولا يخرجون (وَذلِكَ) الجنان والخلد (جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦)) ثواب من وحد وأصلح (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ) أى سر (بِعِبادِي) أول الليل (فَاضْرِبْ لَهُمْ) بين لهم (طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) طريقا يابسا جدا (لا تَخافُ دَرَكاً) إدراك فرعون (وَلا تَخْشى (٧٧)) من الغرق (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ) فلحقهم فرعون (بِجُنُودِهِ) بجموعه (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِ) فغشى عليهم البحر (ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ) أهلك فرعون (قَوْمَهُ) فى البحر (وَما هَدى (٧٩)) ما نجاهم من الغرق ، ويقال : أضلهم عن دين الله ، وما دلهم إلى الصواب (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) يا أولاد يعقوب (قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) من فرعون (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ) الجبل (الْأَيْمَنَ) يمين موسى بإعطاء الكتاب (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠)) فى التيه.

(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢) وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠))

(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ) من حلالات (ما رَزَقْناكُمْ) من المن والسلوى (وَلا تَطْغَوْا

١٠

فِيهِ) لا تكفروا به ، ويقال : لا ترفعوا للغد (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ) فيجب عليكم (غَضَبِي) بسخطى وعذابى ، ويقال : ينزل عليكم إن قرأت بضم الحاء (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي) يجب عليه غضبى وسخطى وعذابى (فَقَدْ هَوى (٨١)) فقد هلك (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) من الشرك (وَآمَنَ) بالله (وَعَمِلَ صالِحاً) خالصا (ثُمَّ اهْتَدى (٨٢)) ثم رأى ثواب عمله حقا ، ويقال : ثم اهتدى إلى السنة والجماعة ومات على ذلك ، فلما ذهب موسى ، عليه‌السلام ، مع السبعين إلى الميقات تعجل فى الميعاد قبل السبعين ، قال الله له : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ) يجيئون (عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤)) ليزداد رضاك عنى (قالَ) يا موسى (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا) ابتلينا (قَوْمَكَ) بعبادة العجل (مِنْ بَعْدِكَ) من بعد انطلاقك إلى الجبل (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ (٨٥)) وأمرهم بذلك السامرى.

(فَرَجَعَ) فلما رجع (مُوسى إِلى قَوْمِهِ) مع السبعين سمع صوت الفتنة فصار (غَضْبانَ أَسِفاً) حزينا (قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) صدقا (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) أفتجاوزت عنكم المدة (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ) يجب عليكم (غَضَبٌ) سخط وعذاب (مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦)) فخالفتم (قالُوا) يا موسى (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ) ما خالفنا وعدك (بِمَلْكِنا) بعلمنا معتمدين (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً) إجراما (مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) من حلى آل فرعون فشؤم ذلك حملنا على عبادة العجل (فَقَذَفْناها) فطرحنا الحلى فى النار (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ (٨٧)) كما ألقينا (فَأَخْرَجَ لَهُمْ) فصاغ لهم السامرى من الذهب الذى ألقوا فى النار (عِجْلاً جَسَداً) أى عجلا مجسدا صغيرا بلا روح (لَهُ خُوارٌ) صوت (فَقالُوا) أى شىء هذا ، فقال لهم السامرى : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨)) أى فترك السامرى طاعة الله وأمره ، ويقال : قال السامرى : ترك موسى الطريق وأخطأ ، فقال الله : (أَفَلا يَرَوْنَ) يعنى السامرى وأصحابه (أَلَّا يَرْجِعُ) أن لا يرد (إِلَيْهِمْ قَوْلاً) جوابا يعنى العجل (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ) لا يقدر لهم (ضَرًّا) دفع الضرر (وَلا نَفْعاً (٨٩)) ولا جر النفع (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ) من قبل مجىء موسى عليه‌السلام (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) ابتليتم بالخوار وعبادة العجل ، ويقال : أضللتم أنفسكم بعبادة العجل (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي) فى دينه (وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠)) قولى ووصيتى.

١١

(قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠))

(قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ) لن نزال على عبادة العجل (عاكِفِينَ) مقيمين (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١)) فلما رجع موسى (قالَ) لهارون (يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢)) الطريق (أَلَّا تَتَّبِعَنِ) لم لا تتبع وصيتى ولم تناجزهم القتال (أَفَعَصَيْتَ) أفتركت (أَمْرِي (٩٣)) وصيتى (قالَ) هارون لموسى (يَا بْنَ أُمَ) ذكر أمه لكى يرفق به ويترحم عليه (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) ولا بشعرى رأسى (إِنِّي خَشِيتُ) خفت (أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) بالقتل (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤)) لم تنتظر قدومى فمن ذلك تركت القتال معهم ، ثم رجع موسى إلى السامرى (قالَ فَما خَطْبُكَ) فما الذى حملك على عبادة العجل (يا سامِرِيُ (٩٥) قالَ) السامرى (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) أى رأيت ما لم ير بنو إسرائيل ، قال له موسى : وما رأيت دونهم ، قال : رأيت جبريل على فرس بلقاء أنثى ، وهى دابة الحياة (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) من تراب حافر فرس جبريل (فَنَبَذْتُها) فطرحتها فى فم العجل ودبره فخار (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ) زينت (لِي نَفْسِي (٩٦) قالَ) له موسى (فَاذْهَبْ) يا سامرى (فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ) ما حييت (أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) لا تخالط أحدا ولا يخالطك (١)(وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً) أجلا يوم القيامة (لَنْ تُخْلَفَهُ) لن تجاوزه (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) أقمت عليه عابدا (لَنُحَرِّقَنَّهُ) بالنار ، ويقال : لنبردنه بالمبرد (ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧)) لتدرينه فى البحر ذروا (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) بلا

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ١٩٠) ، وتفسير الطبرى (١٦ / ١٥٢) ، والقرطبى (١١ / ٢٤١).

١٢

ولد ولا شريك (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨)) علم ربنا بكل شىء (كَذلِكَ) هكذا (نَقُصُّ عَلَيْكَ) يا محمد ننزل عليك جبريل (مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ) بأخبار الأمم الماضية (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩)) قد أكرمناك بالقرآن فيه خبر الأولين والاخرين (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ) من كفر به (فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠)) شركا.

(خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (١٠٨) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠))

(خالِدِينَ فِيهِ) مقيمين فى عقوبة الوزر (وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١)) من الذنوب (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) النفخة الأخرى (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ) المشركين (يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢)) عميا (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ) يتسارون فيما بينهم فى هذا القول ، ويقول بعضهم لبعض (إِنْ لَبِثْتُمْ) ما مكثتم فى القبور (إِلَّا عَشْراً (١٠٣)) عشرة أيام (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) فى البعث (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً) أفضلهم عقلا وأصوبهم رأيا وأصدقهم قولا (إِنْ لَبِثْتُمْ) ما مكثتم فى القبور (إِلَّا يَوْماً (١٠٤) وَيَسْئَلُونَكَ) يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم سألته بنو ثقيف (عَنِ الْجِبالِ) عن حال الجبال يوم القيامة (فَقُلْ) لهم يا محمد (يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥)) يقلعها ربى قلعا (فَيَذَرُها) فيترك الأرض (قاعاً) مستوية (صَفْصَفاً (١٠٦)) أملس لا نبات فيها (لا تَرى فِيها عِوَجاً) واديا ولا شقوقا (وَلا أَمْتاً (١٠٧)) ولا شيئا شاخصا من الأرض ولا نباتا (يَوْمَئِذٍ) وهو يوم القيامة (يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ) يسرعون ويقصدون إلى الداعى (لا عِوَجَ لَهُ) لا يميلون يمينا ولا شمالا (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ) أى ذلت الأصوات (لِلرَّحْمنِ) لهيبة الرحمن (فَلا تَسْمَعُ) يا محمد (إِلَّا هَمْساً (١٠٨)) إلا وطأ خفيا كوطء الإبل (يَوْمَئِذٍ) وهو يوم القيامة (لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ) لا تشفع الملائكة لأحد (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) فى الشفاعة (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩)) قبل منه لا إله إلا الله (يَعْلَمُ) الله (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) بين أيدى الملائكة من أمر الآخرة (وَما خَلْفَهُمْ) من

١٣

أمر الدنيا (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠)) لا يعلمون ما بين أيديهم وما خلفهم شيئا إلا ما علمهم الله يعنى الملائكة.

(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٢) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤) وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠))

(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ) نصبت الوجوه فى الدنيا بالسجود ، ويقال : خضعت الوجوه وذلت الوجوه يوم القيامة (لِلْحَيِ) الذى لا يموت (الْقَيُّومِ) القائم الذى لابدء له (وَقَدْ خابَ) خسر (مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١)) شركا (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) من الخيرات فيما بينه وبين ربه (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) مصدق فى إيمانه (فَلا يَخافُ ظُلْماً) ذهاب عمله كله (وَلا هَضْماً (١١٢)) ولا نقصان عمله (وَكَذلِكَ) هكذا (أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) أنزلنا جبريل بالقرآن على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على مجرى لغة العربية (وَصَرَّفْنا فِيهِ) بينا فى القرآن (مِنَ الْوَعِيدِ) أى من الوعد والوعيد (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) لكى يتقوا الكفر والشرك والفواحش (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣)) ثوابا إن آمنوا ، ويقال : شرفا إن وحدوا ، ويقال : عذابا إن لم يؤمنوا (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ) تبرأ عن الولد والشريك (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) ولا تستعجل يا محمد بقراءة القرآن (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) من قبل أن يفرغ جبريل من قراءة القرآن عليك ، وكان إذا نزل عليه جبريل بآية لم يفرغ جبريل من آخرها ، حتى يتكلم رسول الله بأولها مخافة أن ينساها فنهاه الله عن ذلك (١) ، وقال له : (وَقُلْ) يا محمد (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤)) حفظا وفهما بالقرآن.

(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ) أمرنا آدم أن لا يأكل من هذه الشجرة (مِنْ قَبْلُ) من

__________________

(١) انظر سبب النزول فى تفسير الطبرى (١٦ / ١٦٠) ، ولباب النقول (١٤٧) ، والدر المنثور (٤ / ٤٠٩)

١٤

قبل أكله من الشجرة ، ويقال : من قبل مجىء محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فَنَسِيَ) فترك ما أمر به (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥)) حزما وعزيمة الرجال (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) الذين كانوا فى الأرض (اسْجُدُوا لِآدَمَ) سجدة التحية (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) رئيسهم (أَبى (١١٦)) تعظم عن السجود لآدم (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) حواء (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ) بطاعتكما له (فَتَشْقى (١١٧)) فتتعب (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها) فى الجنة من الطعام (وَلا تَعْرى (١١٨)) من الثياب (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها) لا تعطش فيها (وَلا تَضْحى (١١٩)) ولا يصيبك حر الشمس ، ويقال : لا تغرق (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) بأكل الشجرة (قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) من أكل منها خلد ولا يموت (وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠)) يبقى فى ملك لا يفنى.

(فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠))

(فَأَكَلا مِنْها) من الشجرة (فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) فظهرت لهما عوراتهما (وَطَفِقا) عمدا (يَخْصِفانِ) يلزقان (عَلَيْهِما) على عوراتهما (مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) من ورق التين كلما ألزقا بعضها إلى بعض تساقطت (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) بأكله من الشجرة (فَغَوى (١٢١)) ترك طريق الهدى فلم يصب بأكله من الشجرة ما أراده (ثُمَّ اجْتَباهُ) ثم اصطفاه (رَبُّهُ) بالتوبة (فَتابَ عَلَيْهِ) فتجاوز عنه (وَهَدى (١٢٢)) هداه إلى التوبة (قالَ اهْبِطا مِنْها) من الجنة (جَمِيعاً) لآدم وحواء والحية والطاووس (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) الحية لبنى آدم ، وبنو آدم للحية (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) فحين يأتينكم يا ذرية آدم منى هدى كتاب ورسول (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ) كتابى ورسولى (فَلا يَضِلُ) باتباعه إياهما فى الدنيا (وَلا يَشْقى (١٢٣)) فى

١٥

الآخرة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) عن توحيدى ، ويقال : كفر بكتابى ورسولى (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) عذابا شديدا فى القبر ، ويقال : فى النار (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ) يقول (رَبِ) يا رب (لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥)) فى الدنيا (قالَ كَذلِكَ) هكذا لأنك (أَتَتْكَ آياتُنا) كتابنا ورسولنا (فَنَسِيتَها) فتركت العمل والإقرار بها (وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦)) تترك فى النار.

(وَكَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) من أشرك (وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ) يعنى الكتاب والرسول (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧)) أدوم من عذاب الدنيا (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) يبين لأهل مكة (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) الماضية (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) منازلهم (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما فعلنا بهم (لَآياتٍ) لعلامات (لِأُولِي النُّهى (١٢٨)) أى لذوى العقول من الناس (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ) وجبت (مِنْ رَبِّكَ) بتأخير العذاب عنهم (وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩)) أى وقت معلوم لهذه الأمة (لَكانَ لِزاماً) عذابا بهلاكهم مقدم ومؤخر (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) يا محمد عما يقولون من الشتم والتكذيب (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) صل بأمر ربك يا محمد (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) صلاة الغداة (وَقَبْلَ غُرُوبِها) صلاة الظهر والعصر (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ) بعد دخول الليل (فَسَبِّحْ) فصل صلاة المغرب والعشاء (وَأَطْرافَ النَّهارِ) صلاة الظهر ، ويقال : صلاة الظهر والعصر (لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠)) لكى تعطى الشفاعة حتى ترضى (١).

(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢) وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥))

(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) ولا تنظرن رغبة (إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ) إلى ما أعطينا من المال (أَزْواجاً) رجالا (مِنْهُمْ) من بنى قريظة والنضير (زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) زينة الدنيا (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أى لنختبرهم فيما أعطيناهم من الزينة (وَرِزْقُ رَبِّكَ) الجنة (خَيْرٌ) أفضل (وَأَبْقى (١٣١)) أدوم مما لهم فى الدنيا (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) عند الشدة

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ١٩٥) ، وتفسير الطبرى (١٦ / ١٦٨) وزاد المسير (٥ / ٣٣٤).

١٦

(وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) أى اصبر عليها (لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) أن ترزق نفسك وأهلك (نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢)) أى الجنة لمتقى الكفر والشرك والفواحش (وَقالُوا) يعنى أهل مكة (لَوْ لا يَأْتِينا) هلا يأتينا محمد (بِآيَةٍ) علامة (مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ) أى بيان (ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣)) فى التوراة والإنجيل أن فيهما صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونعته (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ) يعنى أهل مكة (بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) من قبل مجىء محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقرآن (لَقالُوا) يوم القيامة (رَبَّنا) يا ربنا (لَوْ لا) هلا (أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) فنطيع رسولك ونؤمن بكتابك (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَ) نقتل يوم بدر (وَنَخْزى (١٣٤)) نعذب بعذاب يوم القيامة (قُلْ) لهم يا محمد (كُلٌ) أى كل واحد منكم (مُتَرَبِّصٌ) منتظر لهلاك صاحبه (فَتَرَبَّصُوا) أى فانتظروا (فَسَتَعْلَمُونَ) عند نزول العذاب يوم القيامة (مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ) أى العدل (وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥)) أى المهتدى إلى الإيمان منا ومنكم.

* * *

١٧

سورة الأنبياء

ومن السورة التى يذكر فيها الأنبياء ، وهى مكية كلها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥) ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩) لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) يقول : دنا لأهل مكة ما وعد لهم فى الكتاب من العذاب (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) عن ذلك (مُعْرِضُونَ (١)) أى مكذبون ، أى تاركون له (ما يَأْتِيهِمْ) ما يأتى إلى نبيهم جبريل ، عليه‌السلام (مِنْ ذِكْرٍ) أى بذكر ، يعنى القرآن (مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) بآية بعد آية وسورة بعد سورة لكان إتيان جبريل وقراءة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستماعهم محدثا لا القرآن (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) إلا استمع أهل مكة إلى قراءة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢)) يهزؤون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) غافلة قلوبهم عن أمر الآخرة (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) أخفوا التكذيب بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن فيما بينهم (الَّذِينَ ظَلَمُوا) أشركوا أبو جهل وأصحابه ، يقول بعضهم لبعض (هَلْ هذا) ما هذا يعنون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِلَّا بَشَرٌ) آدمى (مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) أفتصدقون بالسحر والكذب (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣)) وأنتم تعلمون بأنه سحر وكذب (قالَ) قل لهم يا محمد (رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أى يعلم السر من القول والفعل من

١٨

أهل السماء والأرض (وَهُوَ السَّمِيعُ) لمقالة أبى جهل وأصحابه (الْعَلِيمُ (٤)) بهم وبعقوبتهم (بَلْ قالُوا) قال بعضهم (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) أباطيل أحلام كاذبة ما أتانا به محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (بَلِ افْتَراهُ) وقال بعضهم : بل اختلق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم القرآن من تلقاء نفسه (بَلْ هُوَ شاعِرٌ) وقال بعضهم : بل هو شاعر بروايته (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ) بعلامة (كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥)) من الرسل بالآيات إلى قومهم بزعمه فيقول الله تعالى.

(ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ) قبل قومك يا محمد بالآيات (مِنْ قَرْيَةٍ) من أهل قرية (أَهْلَكْناها) عند التكذيب بالآيات (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦)) أفقومك يؤمنون بالآيات بل لا يؤمنون (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) من الرسل (إِلَّا رِجالاً) من البشر مثلك (نُوحِي إِلَيْهِمْ) نرسل إليهم الملائكة كما أرسلنا إليك (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) أهل التوراة والإنجيل (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧)) أن الله لم يرسل الرسول إلا من البشر (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً) أى جسد الأنبياء (لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) ولا يشربون الشراب (وَما كانُوا خالِدِينَ (٨)) فى الدنيا ، ولكن كانوا يأكلون الطعام ، ويشربون الشراب ، ويموتون ، نزلت فيهم حين قالوا : ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) أنجزنا وعد الأنبياء بالنجاة (فَأَنْجَيْناهُمْ) يعنى الأنبياء (وَمَنْ نَشاءُ) من آمن بالرسل (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩)) المشركين (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ) أى إلى نبيكم (كِتاباً) أى جبريل بكتاب (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) شرفكم وعزكم إن آمنتم به (أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠)) أفلا تصدقون بشرفكم وعزكم.

(وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠))

(وَكَمْ قَصَمْنا) أهلكنا (مِنْ قَرْيَةٍ) أهل قرية (كانَتْ ظالِمَةً) أى كافرة مشركة أهلها (وَأَنْشَأْنا) خلقنا (بَعْدَها) بعد هلاكها (قَوْماً آخَرِينَ (١١)) فسكنوا ديارهم (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) رأوا عذابنا لهلاكهم (إِذا هُمْ مِنْها) من بأسنا

١٩

(يَرْكُضُونَ (١٢)) أى يهربون ، قالت لهم الملائكة : (لا تَرْكُضُوا) لا تهربوا (١)(وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ) أنعمتم (فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ) منازلكم (لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣)) لكى تسألوا عن الإيمان ، ويقال : عن قتل النبى ، عليه‌السلام ، (قالُوا) عند القتل والعذاب : (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤)) بقتل نبينا (فَما زالَتْ تِلْكَ) الويل (دَعْواهُمْ) قولهم (حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً) كحصيد السيف (خامِدِينَ (١٥)) ميتين لا يتحركون ، هذه قصة أهل قرية نحو اليمن ، يقال لها : حروراء بعث الله إليهم نبيا ، فقتلوا ذلك النبى ، عليه‌السلام ، فسلط الله عليهم بختنصر ، فقتلهم ولم يترك فيهم عينا تطرف (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) من الخلق (لاعِبِينَ (١٦)) لاهين بلا أمر ولا نهى ، ثم نزل فى قولهم الملائكة بنات الله (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) ويقال : زوجة ، ويقال : ولدا (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) من عندنا من الحور العين (إِنْ كُنَّا) ما كنا (فاعِلِينَ (١٧)) ذلك (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِ) أى نرمى الحق (عَلَى الْباطِلِ) ويقال : نبين الحق والباطل (فَيَدْمَغُهُ) أى فيهلكه (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) هالك ، يعنى الباطل (وَلَكُمُ) يا معشر الكفار (الْوَيْلُ) الشدة من العذاب (مِمَّا تَصِفُونَ (١٨)) مما تقولون الملائكة بنات الله (وَلَهُ) عبيد (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الخلق (وَمَنْ عِنْدَهُ) من الملائكة (لا يَسْتَكْبِرُونَ) لا يتعاظمون (عَنْ عِبادَتِهِ) عن طاعته والإقرار بعبوديته (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩)) أى لا يعيون من عبادة الله (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) يصلون لله بالليل والنهار (لا يَفْتُرُونَ (٢٠)) لا يملون من عبادة الله والإقرار بالله.

(أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠))

__________________

(١) انظر : زاد المسير لابن الجوزى (٥ / ٣٤٢) ، وتفسير القرطبى (١١ / ٢٧٥).

٢٠