التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٢

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٢

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0692-2
الصفحات: ٣٧٤

ثم بين ـ سبحانه ـ سنة من سننه التي لا تتخلف فقال : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ..).

أى : من عمل عملا صالحا بأن آمن بالله ، وصدق بما جاء به رسله ، فثمرة عمله الصالح لنفسه.

(وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) أى : ومن عمل عملا سيئا ، فضرر هذا العمل واقع عليها وحدها (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أى : وليس ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ بذي ظلم لعباده الذين خلقهم بقدرته ، ورباهم بنعمته.

فقوله (بِظَلَّامٍ) صيغة نسب ـ كثمار وخباز ـ وليس صيغة مبالغة.

قال بعض العلماء ما ملخصه : «وفي هذه الآية وأمثالها سؤال معروف ، وهو أن لفظة «ظلام» فيها صيغة مبالغة. ومعلوم أن نفى المبالغة لا يستلزم نفى أصل الفعل. فقولك ـ مثلا ـ : زيد ليس بقتال للرجال لا ينفى إلا مبالغته في قتلهم ، فلا ينافي أنه ربما قتل بعض الرجال.

ومعلوم أن المراد بنفي المبالغة ـ وهي لفظ ظلام ـ في هذه الآية وأمثالها المراد به نفى الظلم من أصله.

وقد أجابوا عن هذا الإشكال بإجابات منها : أن نفى صيغة المبالغة هنا ، قد جاء في آيات كثيرة ما دل على أن المراد به نفى الظلم من أصله ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً ..).

ومنها : أن المراد بالنفي في الآية ، نفى نسبة الظلم إليه. لأن صيغة فعال تستعمل مرادا بها النسبة ، فتغنى عن ياء النسب .. كقولهم «لبان» أى : ذو لبن ، ونبال أى صاحب نبل ..» (١).

ثم بين ـ سبحانه ـ في أواخر هذه السورة الكريمة ، أن علم قيام الساعة إليه ـ تعالى ـ وحده ، وأن الإنسان لا يسأم من طلب المزيد من الخير فإذا مسه الشر يئس وقنط. وأن حكمته ـ تعالى ـ قد اقتضت أن يقيم للناس الأدلة على قدرته ووحدانيته من أنفسهم وعن طريق هذا الكون الذي يعيشون فيه فقال ـ تعالى ـ :

__________________

(١) راجع تفسير أضواء للبيان ج ٧ ص ١٤٠ للشيخ الشنقيطى.

٣٦١

(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (٥٤)

(١) وقوله ـ تعالى ـ : (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ..) بيان لانفراد الخالق ـ عزوجل ـ بوقت قيام الساعة ، وبإحاطة

__________________

(١) أول الجزء الخامس والعشرون.

٣٦٢

علمه ـ تعالى ـ بكل شيء ، وإرشاد للمؤمنين إلى ما يقولونه إذا ما سئلوا عن ذلك.

والأكمام : جمع كم ـ بكسر الكاف ـ وهو الوعاء الذي تكون الثمرة بداخله.

أى : إلى الله ـ تعالى ـ وحده مرجع علم قيام الساعة ، وما تخرج ثمرات من أوعيتها الكائنة بداخلها ، وما تحمل من أنثى حملا ولا تضعه إلا بعلمه وإرادته ـ عزوجل ـ و «من» في قوله (مِنْ ثَمَراتٍ) وفي قوله (مِنْ أُنْثى) مزيدة لتأكيد الاستغراق. وفي قوله (مِنْ أَكْمامِها) ابتدائية.

قال الجمل : «فإن قلت : قد يقول الرجل الصالح قولا فيصيب فيه ، وكذلك الكهان والمنجمون.

قلت : أما قول الرجل الصالح فهو من إلهام الله ، فكان من علمه ـ تعالى ـ الذي يرد إليه ، وأما الكهان والمنجمون فلا يمكنهم القطع والجزم في شيء ما يقولونه ألبتة ، وإنما غايته ادعاء ظن ضعيف قد لا يصيب. وعلم الله ـ تعالى ـ هو العلم اليقين المقطوع به الذي لا يشركه فيه أحد (١).

ثم بين ـ سبحانه ـ تبرّأ المشركين من آلهتهم يوم القيامة فقال : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ. وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ ، وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ).

والظرف «يوم» منصوب بفعل مقدر ، ومعنى «آذناك» أعلمناك وأخبرناك ، آذن فلان غيره يؤذنه ، إذا أعلمه بما يريد إعلامه به.

والنداء والسؤال إنما لتوبيخهم والتهكم بهم في هذا الموقف العظيم.

والظن هنا بمعنى اليقين.

أى : واذكر ـ أيها العاقل ـ لتعتبر وتتعظ يوم ينادى الله ـ تعالى ـ المشركين فيقول لهم يوم القيامة : أين شركائى الذين كنتم تعبدونهم من دوني ليقربوكم إلى أو ليشفعوا لكم عندي؟

(قالُوا) على سبيل التحسر والتذلل : يا ربنا لقد (آذَنَّاكَ) أى : لقد أعلمناك بأنه ما منا أحد يشهد بأن لك شريكا ، فقد انكشفت عنا الحجب ، واعترفنا بأنك أنت الواحد القهار.

__________________

(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٤٨.

٣٦٣

(وَضَلَّ عَنْهُمْ) أى : وغاب عن هؤلاء المشركين ، ما كانوا يدعون من قبل أى : ما كانوا يعبدونه في الدنيا من أصنام وغيرها.

(وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) أى : وأيقنوا بأنه لا مهرب ولا منجى لهم من العذاب.

يقال : حاص يحيص حيصا ومحيصا إذا هرب.

وقوله ـ تعالى ـ : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) بيان لما جبل عليه الإنسان من حب للمال وغيره من ألوان النعم. ومن ضيقه بما يخالف ذلك.

ويبدو أن المراد بالإنسان في هذه الآية وأمثالها جنسه الغالب ، وإلا فهناك مؤمنون صادقون ، إذا رزقهم الله النعم شكروا ، وإذا ابتلاهم بالمحن صبروا.

والمراد بالخير ما يشمل المال والصحة والجاه والسلطان وما إلى ذلك مما يشتهى.

والسأم : الملل ، يقال سئم فلان هذا الشيء ، إذا مله وضاق به وانصرف عنه.

واليأس : أن ينقطع قلب الإنسان عن رجاء الحصول على الشيء ، يقال : يئس فلان من كذا ـ من باب فهم ـ ، إذا فقد الرجاء في الظفر به.

والقنوط : أن يظهر أثر ذلك اليأس على وجهه وهيئته ، بأن يبدو منكسرا متضائلا مهموما.

فكأن اليأس شيء داخل من أعمال القلب بينما القنوط من الآثار الخارجية التي تظهر علاماتها على الإنسان.

أى : لا يسأم الإنسان ولا يمل ولا يهدأ من طلب الخير والسعة في النعم.

(وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ) من عسر أو مرض (فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) أى : فهو كثير اليأس والقنوط من رحمة الله ـ تعالى ـ وفضله ، بحيث تنكسر نفسه ، ويظهر ذلك على هيئته.

وعبر ـ سبحانه ـ بيئوس وقنوط وهما من صيغ المبالغة ، للإشارة إلى شدة حزنه وجزعه عند ما يعتريه الشر.

ثم بين ـ سبحانه ـ حالة أخرى من حالات هذا الإنسان فقال (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً ، وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى ...).

أى : ولئن أعطينا هذا الإنسان الجحود نعمة منا تتعلق بالمال أو بالصحة أو بغيرهما ، من بعد أن كان فقيرا أو مريضا ... ليقولن على سبيل الغرور والبطر : هذا الذي أعطيته شيء استحقه ، لأنه جاءني بسبب جهدي وعلمي.

٣٦٤

ثم يضيف إلى ذلك قوله : (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) أى : وما أعتقد أن هناك بعثا أو حسابا أو جزاء.

(وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي) على سبيل الفرض والتقدير (إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) أى : إن لي عنده ما هو أحسن وأفضل مما أنا فيه من نعم في الدنيا.

وقوله ـ تعالى ـ (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) بيان للعاقبة السيئة التي يكون عليها هذا الإنسان الجاحد.

أى : فلنعلمن هؤلاء الكافرين بأعمالهم السيئة ، ولنرينهم عكس ما اعتقدوه بأن ننزل بهم الذل والهوان بدل الكرامة والحسنى التي أيقنوا أنهم سيحصلون عليها ، ولنذيقنهم عذابا غليظا ، لا يمكنهم الفكاك منه أو التفصى عنه لشدته وإحاطته بهم من كل جانب ، فهو كالوثاق الغليظ الذي لا يمكن للإنسان أن يخرج منه.

ثم أكد ـ سبحانه ـ ما ذكره من حالات الإنسان فقال : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) بنعمة من نعمنا التي توجب عليه شكرنا وطاعتنا.

(أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) أى : أعرض عن شكرنا وطاعتنا ، وتكبر وتفاخر على غيره وادعى أن هذه النعمة من كسبه واجتهاده.

وقوله (وَنَأى بِجانِبِهِ) كناية عن الانحراف والتكبر والصلف والبطر.

والنأى البعد. يقال : نأى فلان عن مكان كذا ، إذا تباعد عنه.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) بيان لحالة هذا الإنسان في حالة الشدة والضر.

أى : هكذا حالة هذا الإنسان الجاحد ، في حالة إعطائنا النعمة له يتكبر ويغتر ويجحد.

وفي حالة إنزال الشدائد به يتضرع ويتذلل إلينا بالدعاء الكثير الواسع.

وفي معنى هذه الآيات الكريمة ، جاءت آيات كثيرة ، منها قوله ـ تعالى ـ : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى).

وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً ، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً).

ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يوبخ هؤلاء الكافرين على جحودهم وجهالاتهم فقال : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ ...).

٣٦٥

أى قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الجاحدين : أخبرونى إن كان هذا القرآن من عند الله ـ تعالى ـ وحده ، ثم كفرتم به مع ظهور الأدلة والبراهين على وجوب الإيمان به.

والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) للنفي والإنكار أى : لا أحد أكثر ضلالا منكم ـ أيها الكافرون ـ بسبب معاداتكم للحق ، وابتعادكم عنه ، ونفوركم منه نفورا شديدا.

والشقاق والمشاقة بمعنى المخالفة والمعاداة. من الشق ـ أى : الجانب ـ فكأن كل واحد من المتعاديين أو المتخالفين : صار في شق غير شق صاحبه.

ووصف ـ سبحانه ـ شقاقهم بالبعد ، للإشارة بأنهم قد بلغوا في هذا الضلال مبلغا كبيرا ، وشوطا بعيدا.

فالآية الكريمة تجهيل لهؤلاء الكافرين ، وحث لهم على التأمل والتدبر.

ثم بين ـ سبحانه ـ أن حكمته قد اقتضت أن يطلع الناس في كل زمان ومكان على دلائل وحدانيته وقدرته ، وعلى صدق رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما بلغه عنه ، فقال : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ..).

والمراد بالآيات في قوله (آياتِنا) : الدلائل والبراهين الدالة على وحدانيته ـ سبحانه ـ وعلى صدق رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والآفاق : جمع أفق ـ كأعناق جمع عنق ـ وهو الناحية والجهة ، يقال : أفق فلان يأفق ـ كضرب يضرب ـ إذا سار في آفاق الأرض وجهاتها المتعددة.

والمعنى : سنطلع الناس على دلائل وحدانيتنا وقدرتنا في أقطار السموات والأرض ، من شمس وقمر ونجوم ، وليل ونهار ، ورياح وأمطار ، وزرع وثمار ، ورعد وبرق وصواعق ، وجبال وبحار.

سنطلعهم على مظاهر قدرتنا في هذه الأشياء الخارجية التي يرونها بأعينهم ، كما سنطلعهم على آثار قدرتنا في أنفسهم عن طريق ما أودعنا فيهم من حواس وقوى ، وعقل ، وروح ، وعن طريق ما يصيبهم من خير وشر ، ونعمة ونقمة.

ولقد صدق الله ـ تعالى ـ وعده ، ففي كل يوم بل في كل ساعة ، يطلع الناس على أسرار جديدة في هذا الكون الهائل ، وفي أنفسهم .. وكلها تدل على وحدانيته ، ـ تعالى ـ وقدرته ، وعلى صحة دين الإسلام الذي جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام.

وقوله ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) استئناف مسوق لتوبيخ

٣٦٦

الكافرين على عنادهم مع ظهور الأدلة على أن ما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عند ربه هو الحق المبين.

والهمزة للإنكار ، والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، والباء مزيدة للتأكيد ، وقوله (بِرَبِّكَ) فاعل كفى.

والمعنى : ألم يغن هؤلاء الجاحدين عن الآيات الموعودة الدالة على صحة هذا الدين ، أن ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ شهيد على كل شيء ، وعلى أنك صادق فيما تبلغه عنه .. بلى. إن في شهادة ربك وعلمه بكل شيء ما يغنيك عن كل شيء سواه.

ثم بين ـ سبحانه ـ في ختام السورة حقيقة أمر أولئك الكافرين فقال : (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ ، أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ).

أى : ألا إن هؤلاء المشركين في مرية وشك وريبة من لقاء ربهم يوم القيامة ، لإنكارهم البعث والحساب والجزاء ...

ألا إنه ـ سبحانه ـ بكل شيء محيط إحاطة تامة لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

وسيجمعهم يوم القيامة للحساب والجزاء ، ولن يستطيعوا النجاة من ذلك.

وبعد : فهذا تفسير لسورة «فصلت» نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

القاهرة ـ مدينة نصر

صباح الخميس ٢٥ من المحرم ١٤٠٦ ه‍

١٠ / ١٠ / ١٩٨٥ م

كتبه الراجي عفو ربه

د. محمد سيد طنطاوى

٣٦٧
٣٦٨

فهرس إجمالي لتفسير «سورة يس»

المقدمة.......................................................................... ٧

١ ـ يس....................................................................... ١١

١٣ ـ واضرب اهم مثلا.......................................................... ١٨

٢٠ ـ وجاء من أقصى المدينة..................................................... ٢٢

٣٣ ـ وآیة لهم الأرض الميتة أحييناها............................................... ٢٨

٤٥ ـ واذا قيل لهم اتقوا.......................................................... ٣٧

٥٥ ـ إن اصحاب الجنة.......................................................... ٤٢

٦٥ ـ اليوم نختم على أفواههم.................................................... ٤٧

٦٩ ـ وما علمناه الشعر.......................................................... ٥٠

٧١ ـ أو لم يروا أنا خلقنا........................................................ ٥٢

٧٧ ـ أو لم ير الإنسان أنا خلقناه................................................. ٥٥

٣٦٩

فهرس إجمالي لتفسير «سورة الصافات»

مقدمة وتمهيد.................................................................. ٦٣

١ ـ والصافات صفا............................................................. ٦٦

٦ ـ إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب........................................... ٦٩

١١ ـ فاستفتهم أهم أشد خلقا................................................... ٧٢

٢٢ ـ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم............................................... ٧٦

٤٠ ـ إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم.................................. ٨٢

٥٠ ـ فأقبل بعضهم على بعض ينساءلون.......................................... ٨٤

٦٣ ـ أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم.............................................. ٨٧

٧٥ ـ ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون............................................... ٩١

٨٣ ـ وان من شيعته لإبراهيم..................................................... ٩٣

١١٣ ـ ولقد مننا على موسى وهارون............................................ ١٠٦

١٢٣ ـ وإن إلياس لمن المرسلين.................................................. ١٠٧

١٣٣ ـ وان لوطا لمن المرسلين................................................... ١٠٩

١٣٩ ـ وإن يونس لمن المرسلين.................................................. ١١٠

١٤٩ ـ فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون....................................... ١١٣

١٧٠ ـ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين....................................... ١١٩

٣٧٠

فهرس إجمالي لتفسير «سورة ص»

مقدمة....................................................................... ١٢٥

١ ـ ص والقرآن ذي الذكر..................................................... ١٢٨

١٢ ـ كذبت قبلهم قوم نوح.................................................... ١٣٧

١٧ ـ اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود..................................... ١٤١

٢٧ ـ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا................................. ١٥٤

٣٠ ـ ووهبنا لداود سليمان نعم العبد............................................ ١٥٧

٤١ ـ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه............................................ ١٦٥

٤٥ ـ واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب..................................... ١٧٠

٤٩ ـ هذا ذكر وان للمتقين لحسن مآب......................................... ١٧٢

٦٥ ـ قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله......................................... ١٧٨

٣٧١

فهرس إجمالي لتفسير «سورة الزمر»

مقدمة....................................................................... ١٨٧

١ ـ تنزيل الكتاب من الله....................................................... ١٩١

٥ ـ خلق السموات والأرض بالحق............................................... ١٩٥

٨ ـ واذا مس الإنسان ضر...................................................... ٢٠٠

١٠ ـ قل يا عباد الذين آمنوا.................................................... ٢٠٣

١٧ ـ والذين اجتنبوا الطاغوت.................................................. ٢٠٧

٢١ ـ ألم تر أن الله أنزل من السماء............................................. ٢١٠

٢٣ ـ الله نزل أحسن الحديث................................................... ٢١٣

٢٧ ـ ولقد ضربنا للناس........................................................ ٢١٧

٣٣ ـ فمن أظلم ممن كذب على الله............................................. ٢٢١

٣٨ ـ ولئن سألتهم من خلق.................................................... ٢٢٥

٤٥ ـ وإذا ذكر الله وحده...................................................... ٢٣٠

٥٣ ـ قل يا عبادي الذين أسرقوا................................................ ٢٣٦

٦٠ ـ ويوم القيامه ترى......................................................... ٢٤١

٧١ ـ وسبق الذين كفروا....................................................... ٢٤٩

٣٧٢

فهرس إجمالي لتفسير «سورة غافر»

مقدمة وتمهيد................................................................. ٢٥٥

١ ـ حم...................................................................... ٢٥٩

٧ ـ الذين يحملون العرش....................................................... ٢٦٣

١٠ ـ إن الذين كفروا ينادون.................................................... ٢٦٦

١٣ ـ هو الذي يريكم آِیاته..................................................... ٢٦٨

٢٣ ـ ولقد أرسلنا موسى....................................................... ٢٧٧

٢٨ ـ وقال رجل مؤمن......................................................... ٢٨٢

٣٦ ـ وقال فرعون يا هامان..................................................... ٢٩٠

٤٧ ـ واذ يتحاجون في النار.................................................... ٢٩٦

٥٦ ـ إن الذين يجادلون في آِیات الله............................................. ٣٠١

٦١ ـ الله الذي جعل لكم الليل................................................. ٣٠٥

٣٧٣

مقدمة وتمهيد................................................................. ٣٢١

١ ـ حم...................................................................... ٣٢٤

٩ ـ قل أئنكم لتكفرون........................................................ ٣٢٩

١٣ ـ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة.......................................... ٣٣٥

١٩ ـ ويوم يحشر أعداء الله..................................................... ٣٤١

٢٥ ـ وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم................................................. ٣٤٥

٣٠ ـ إن الذين قالوا ربنا الله.................................................... ٣٤٨

٣٧ ـ ومن آِیاته اللیل والنهار................................................... ٣٥٣

٤٠ ـ إن الذين يلحدون....................................................... ٣٥٦

٤٧ ـ إليه يرد علم الساعة...................................................... ٣٦٢

٣٧٤