تفسير ابن عربي - ج ٢

محي الدين بن علي بن أحمد بن عبدالله الطائي الحاتمي [ ابن العربي ]

تفسير ابن عربي - ج ٢

المؤلف:

محي الدين بن علي بن أحمد بن عبدالله الطائي الحاتمي [ ابن العربي ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

بعد الهداية ولازموا طريق الاستقامة في توفية حقوق الحق والخلق معا ومراعاة الجمع والتفصيل جميعا (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) بالفلاح الأعظم الذي هو حكمة وضع الجمعية (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً) إلى آخره ، أي : أين هم وهذا المعنى؟ وأنى لهم هذه المعاملة؟ لقد بعدوا فذهلوا واحتجبوا فلهوا (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ) أي : إن لم تر بأفطرتكم بهمتكم إلى هذا المعنى فاعملوا للأعواض الباقية عند الله فإنها خير من الأمور الفانية التي عندكم وفوّضوا أمر الرزق إليه بالتوكل فإن الله هو (خَيْرُ الرَّازِقِينَ) والله تعالى أعلم.

٣٤١

سورة المنافقون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٣] (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٣))

(الْمُنافِقُونَ) هم المتذبذبون الذين يجذبهم الاستعداد الأصلي إلى نور الإيمان والاستعداد العارضي الذي حدث برسوخ الهيئات الطبيعية والعادات الرديئة إلى الكفر ، وإنما هم كاذبون في شهادة الرسالة لأن حقيقة معنى الرسالة لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم الذين يعرفون الله ويعرفون بمعرفته رسول الله ، فإن معرفة الرسول لا تمكن إلا بعد معرفة الله وبقدر العلم بالله يعرف الرسول فلا يعلمه حقيقة إلا من انسلخ عن علمه وصار عالما بعلم الله وهم محجوبون عن الله بحجب ذواتهم وصفاتهم وقد أطفؤا نور استعداداتهم بالغواشي البدنية والهيئات الظلمانية فأنى يعرفون رسول الله حتى يشهدوا برسالته (ذلِكَ) سبب (بِأَنَّهُمْ آمَنُوا) بالله بحسب بقية نور الفطرة والاستعداد (ثُمَّ كَفَرُوا) أي : ستروا ذلك النور بحجب الرذائل وصفات نفوسهم (فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) برسوخ تلك الهيئات وحصول الرين من المكسوبات فحجبوا عن ربهم بالكلية (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) معنى الرسالة ولا علم التوحيد والدين.

[٤ ـ ٦] (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٦))

(وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) لأن التناسب في أشكالهم وحسن مناظرهم وروائهم وكمال صباحتهم ووسامتهم دلّ على استعدادهم من جهة الفراسة ونمّ بنور فطرهم ، ولهذا سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقولهم : واستمع إلى كلامهم. فإن الصباحة وحسن المنظر لا يكون إلا من صفاء الفطرة في الأصل. ولما رأى غلبة الرين على قلوبهم وانطفاء نور استعدادهم وإبطال الهيئات البدنية العارضية خواصهم الأصلية آيس منهم وتعجب من حالهم بقوله : (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي : يصرفون عن النور إلى الظلمة وعن الحق إلى الباطل. وروي عن بعض

٣٤٢

الحكماء أنه رأى غلاما حسنا وجهه ، فاستنطقه لظنه ذكاءه وفطنته فما وجد عنده معنى فقال : ما أحسن هذا البيت لو كان فيه ساكن ، وهذا معنى قوله : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) أي : أجرام خالية عن الأرواح لا نفع فيها ولا ثمر كالأخشاب المسندة إلى الجدران عند الجفاف وزوال الروح النامية عنها ، فهم في زوال استعداد الحياة الحقيقية والروح الإنساني بمثابتها (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ) لأن الشجاعة إنما تكون من اليقين ، واليقين من نور الفطرة وصفاء القلب ، وهم منغمسون في ظلمات صفات النفوس محتجبون باللذات والشهوات أهل الشك والارتياب ، فلذلك غلبهم الجبن والخور فاحذرهم فقد بطل استعدادهم فلا يهتدون بنورك ولا تؤثر فيهم صحبتك (لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) لضراوتهم بالأمور الظلمانية واعتيادهم بالكمالات البهيمية والسبعية فلا يألفون النور ولا يشتاقون إليه ولا إلى الكمالات الإنسانية لمسخ الصورة الذاتية (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) يعرضون لانجذابهم إلى الجهة السفلية والزخارف الدنيوية فلا ميل في طباعهم إلى الجهة العلوية والمعاني الأخروية (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) لغلبة الشيطنة واستيلاء القوة الوهمية واحتجابهم بالأنائية وقصور الخيرية (لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) لرسوخ الهيئات الظلمانية فيهم وزوال قبول استعداداتهم للهداية لفسقهم وخروجهم عن دين الفطرة القيم.

[٧ ـ ٨] (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨))

(يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) لاحتجابهم بأفعالهم عن رؤية فعل الله وبما في أيديهم عما في خزائن الله فيتوهمون الإنفاق منهم لجهلهم وكذا توهموا العزّة والقدرة ولأنفسهم لاحتجابهم بصفاتهم عن صفات الله فقالوا : (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) ولم يشعروا أن العزة والقوة والقدرة كلها أنوار ذات الله تعالى وصفاته اللازمة لذاته فبقدر القرب منه والفناء فيه والمحو في صفاته تظهر على المظاهر الإنسية ولا أقرب إليه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم المؤمنين المحققين الموقنين فلا أعز منه عليه‌السلام من جميع الخلق ثم الذين يلونه من المؤمنين (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) لمكان احتجابهم وشدّة ارتيابهم. ولقد قيض من نفس من تكلم بهذا الكلام من أخرجه وحبسه ولم يدعه يدخل المدينة حتى أقر بأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. روي أن القائل لذلك هو عبد الله بن أبيّ ، فلما رجعوا إلى المدينة سلّ ابنه السيف ومنع أباه من الدخول ، فلم يزل حبيسا في يده حتى أذن له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشهد هو بعزّة الله ورسوله والمؤمنين.

٣٤٣

[٩ ـ ١١] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١))

(لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) إن صدقتم في الإيمان ، فإن قضية الإيمان غلبة حب الله على محبة كل شيء فلا تكن محبتهم ومحبة الدنيا من شدّة التعلق بهم وبالأموال غالبة في قلوبكم على محبة الله فتحتجبوا بهم عنه فتصيروا إلى النار فتخسروا نور الاستعداد الفطري بإضاعته فيما يفنى سريعا ، وتجرّدوا عن الأموال بإنفاقها وقت الصحة والاحتياج إليها ليكون فضيلة في أنفسكم وهيئة نورية لها ، فإن الإنفاق إنما ينفع إذا كان عن ملكة السخاء وهيئة التجرّد في النفس. فأما عند حضور الموت فالمال للوارث لا له فلا ينفعه إنفاقه وليس له إلا التحسر والتندم وتمنى التأخير في الأجل بالجهل فإنه لو كان صادقا في دعوى الإيمان وموقنا بالآخرة لتيقن أن الموت ضروري وأنه مقدّر في وقت معين قدّره الله فيه بحكمته فلا يمكن تأخره (وَاللهُ خَبِيرٌ) بأعمالكم ونياتكم فلا ينفع الإنفاق في ذلك الوقت ولا تمني التأخير في الأجل ، ووعد التصدّق والصلاح لعلمه بأنه ليس عن ملكة السخاء ولا عن التجرد والزكاء بل من غاية البخل وحب المال كأنه يحسب أنه يذهب به معه وبأن ذلك التمني والوعد محض الكذب ومحبة العاجلة لوجود الهيئة المنافية للتصدّق والصلاح في النفس والميل إلى الدنيا ، كما قال الله تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١) ، والله أعلم.

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية : ٢٨.

٣٤٤

سورة التغابن

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٨] (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧) فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨))

(فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) لما حجبوا بصفات نفوسهم عن النور الذي هو به يفضل عليهم بما لا يقاس ولم يجدوا منه إلا البشرية أنكروا هدايته ، فإن كل عارف لا يعرف معروفه إلا بالمعنى الذي فيه فلا يوجد النور الكمالي إلا بالنور الفطري ولا يعرف الكمال إلا الكامل ، ولهذا قيل : لا يعرف الله غير الله. وكل طالب وجد مطلوبه بوجه ما دالا لما أمكن به التوجه نحوه ، وكذا كل مصدّق بشيء فإنه واجد للمعنى المصدّق به بما في نفسه من ذلك المعنى ، فلما لم يكن فيهم شيء من النور الفطري أصلا لم يعرفوا منه الكمال فأنكروه ولم يعرفوا من الحق شيئا فيحدث فيهم طلب فيحتاجوا إلى الهداية فأنكروا الهداية (فَكَفَرُوا) مطلقا أي : حجبوا عن الحق والدين والرسول وأعرضوا بالتوجه إلى ما وجدوا من المحسوسات عن المعقول (وَ) قد (اسْتَغْنَى اللهُ) بكماله لأنه واجد كماله مشاهد لذاته عرفوا أو لم يعرفوا (وَاللهُ غَنِيٌ) بذاته عن إيمانهم لا يتوقف كمال من كمالاته عليهم ولا على معرفتهم له (حَمِيدٌ) كامل في نفسه بكمالاته الظاهرة في مظاهر ذرات الوجود خصوصا على أوليائه وإن لم يظهر عليهم ، أي : إن لم يبصروه وإن لم يحمدوه بتلك الكمالات لاحتجابهم عنها فهو حميد من كل موجود بكماله المخصوص به.

[٩] (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩))

(ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) أي : ليس التغابن في الأمور الدنيوية فإنها أمور فانية سريعة الزوال ،

٣٤٥

ضرورية الفناء ، لا يبقى شيء منها لأحد ، فإن فات شيء من ذلك أو أفاته أحد ولو كان حياته فإنما فات أو أفيت ما لزم فوته ضرورة فلا غبن ولا حيف حقيقة وإنما الغبن والتغابن في إفاتة شيء لو لم يفته لبقي دائما وانتفع به صاحبه سرمدا وهو النور الكمالي والاستعدادي فتظهر الحسرة والتغابن هناك في إضاعة الربح ورأس المال في تجارة الفوز والنجاة كما قال : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (١) فمن أضاع استعداده ونور فطرته كان مغبونا مطلقا كمن أخذ نوره وبقي في الظلمة ، ومن بقي نور فطرته ولم يكتسب الكمال اللائق به الذي يقتضيه استعداده أو اكتسب منه شيئا ولم يبلغ غايته كان مغبونا بالنسبة إلى الكامل التام فكأنما ظفر ذلك الكامل بمقامه ومرامه وبقي هذا متحيرا في نقصانه (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) بحسب نور استعداده (وَيَعْمَلْ صالِحاً) بمقتضى إيمانه فإن العمل إنما يكون بقدر النظر (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) التي اتقى الله فيها بعمله (وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ) على حسب درجات أعماله ، فإن آمن تقليدا واجتنب المعاصي وعمل بالطاعات يكفر عنه سيئات ذنوبه ويدخله جنات النفس على حسب درجات عمله وتقواه ، وإن آمن تحقيقا واجتنب صفاته وعمل بالسلوك في صفات الله ومرضاته يكفر عنه سيئات صفات نفسه ويدخله جنات القلب على قدر مراتبه في الأعمال والمقامات ، وإن آمن إيمانا عينيا وعمل بالمشاهدة واتقى الله في وجوده يدخله جنات الروح بتكفير سيئات وجود قلبه وصفاته ، وإن آمن إيمانا حقيقيا واتقى في آنيته ورؤية فنائه يكفر عنه سيئات بقيته وتلوينه بظهور أنائيته ويدخله جنات الذات.

[١٠] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠))

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا) حجبوا في مقابلة المؤمنين ومراتبهم (أُولئِكَ أَصْحابُ) نار الطبقة التي حجبوا بها معذبين.

[١١] (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١))

(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ) من هذه المصائب الحاجبة وغيرها (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : بتقديره ومشيئته على مقتضى حكمته (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) أحد الإيمانات المذكورة (يَهْدِ قَلْبَهُ) إلى العمل بمقتضى إيمانه حتى يجد كمال مطلوبه الذي آمن به ويصل إلى محل نظره (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيعلم مراتب إيمانكم وسرائر قلوبكم وأحوال أعمالكم وآفاتها وخلوصها من الآفات.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٦.

٣٤٦

[١٢ ـ ١٣] (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣))

(وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) على حسب معرفتكم بالله وبالرسول فإن أكثر التحلف من الكمال والوقوع في الخسران والنقصان إنما يقع من التقصير في العمل وخور القدم لا من عدم النظر.

[١٤] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤))

(إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ) أي : بعضهم لاحتجابكم بهم ووقوفكم معهم بالمحبة وشدة العلاقة فتشركونهم بالله في المحبة بالتساوي في المحبتين وتعبدونهم من دون الله بإيثارهم عليه (فَاحْذَرُوهُمْ) أي : احفظوا أنفسكم عن محبتهم وشدّة التعلق بهم والاحتجاب ، وعاقبوهم عند التماسهم ذلك ، أي : إيثار حقوقهم على حقوق الله في كل شيء من المحبة وغيرها (وَإِنْ تَعْفُوا) بالمداراة (وَتَصْفَحُوا) عن جرائمهم بالحلم (وَتَغْفِرُوا) جناياتهم بالرحمة ، فلا ذنب ولا حرج إنما الذنب في الاحتجاب بهم وإفراط المحبة وشدة التعلق لا في مراعاة العدالة والفضيلة ومعاشرتهم بحسن الخلق فإنه مندوب بل اتصاف بصفات الله (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فعليكم التخلق بأخلاقه.

[١٥] (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥))

(إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ابتلاء وامتحان من الله إياكم (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) لمن صبر في مقام الابتلاء وراعى حق الله فيه وتدارك ما قصر مما يجب لهم عليه فأساء الخلق وخالف أمر الله بما أمسك من المال وجمع ومنع حق الله فارتكب رذيلة البخل والعصيان ، وما أفرط في محبتهم ومراعاتهم فأضاع حق الله واحتجب بهم وكذا في محبة المال فوضع في المقت والخسران وما أسرف فيه وأنفقه في المعاصي فكفر بنعمة الله ، وقعد عن القيام بشكرها ، وإن أصاب مالا وولدا موافقا شكر وما بطر من شدّة الفرح وما استغنى فطغى وإن فاته شيء من ذلك صبر وما جزع من شدّة الحزن فهلك وغوى.

[١٦ ـ ١٨] (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨))

(فَاتَّقُوا اللهَ) في هذه المخالفات والآفات في مواضع البليات (مَا اسْتَطَعْتُمْ) بحسب

٣٤٧

مقامكم ووسعكم على قدر حالكم ومرتبتكم (وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) أي : افهموا هذه الأوامر واعملوا بها (وَأَنْفِقُوا) أموالكم التي ابتلاكم الله بها في مراضيه وأتوا خيرا لكم أي : اقصدوا في الأموال والأولاد ما هو خير لكم (وَمَنْ يُوقَ) بعصمة الله هذه الرذيلة المعجونة في طينة النفس (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون بمقام القلب وثواب الفضيلة.

٣٤٨

سورة الطلاق

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٤] (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣) وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (٤))

(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) بحسب مقتضى مقامه واجتنب ذنب حاله (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) من ضيق المقام والمكاسب إلى سعة روح الحال والمواهب فمن يتقيه في معاصيه يجعل له مخرجا من مضايق الهيئات المظلمة وعقوبات نيران الطبيعة (وَيَرْزُقْهُ) ثواب جنة النفس وأنوار الفضائل من عالم الغيب (مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) لعدم وقوفه منها ومن يتقيه في أفعال نفسه يجعل له مخرجا إلى مقام التوكل ويرزقه تجليات الأفعال من حيث لا يحتسب ، ومن يتقيه في صفات نفسه يجعل له مخرجا إلى مقام الرضا ويرزقه روح اليقين وثمرات تجليات الصفات الإلهية في جنة القلب من حيث لا يحتسب لعدم شعوره بها ، ومن يتقيه في وجوده والتنزه عنه يجعل له مخرجا من ضيق أنائيته إلى فسحة الوجود المطلق ويرزقه الوجود الموهوب من حيث لا يحتسب ولا يخطر بباله (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) بقطع النظر عن الوسائل والانقطاع إليه من الوسائط (فَهُوَ حَسْبُهُ) كافيه يوصل إليه ما قدّر له ويسوق إليه ما قسم لأجله من أنصبة الدنيا والآخرة (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) أي : يبلغ ما أراد من أمره لا مانع له ولا عائق ، فمن تيقن ذلك ما خاف أحدا ولا رجا ، وفوّض أمره إليه ونجا (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) أي : عين لكل أمر حدّا معينا ووقتا معينا في الأزل لايزيد بسعي ساع ولا ينقص بمنع مانع وتقصير مقصّر ولا يتأخر عن وقته ولا يتقدّم عليه ، والمتيقن لهذا الشاهد له متوكل بالحقيقة.

(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) في مراعاة وقته والاجتناب عن ذنب حاله (يَجْعَلْ لَهُ) من أمر سلوكه

٣٤٩

(يُسْراً) أي : متى راعى آداب مقامه واجتنب ذنوب حاله في المواطن تيسر له الترقي منه إلى أعلى ذلك اليسر المرتب على التقوى في كل مرتبة.

[٥ ـ ١١] (ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (٥) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٦) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٩) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً (١١))

(أَمْرُ اللهِ) وشأنه المخصوص به وهو التوفيق على حسب الاستعداد والفيض بقدر القبول (أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ) ثم كرر للمبالغة تفصيل ما أجمل فقال : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) أي : موانعه وهيئات نفسه الحاجبة عن الفيض ، المانعة للمزيد (وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) بإفاضة ما يناسب حاله بحسب القبول والاستعداد الجديد من الجمال (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ) أي : اعتبروا بحال الأمم الماضيين من المنكرين المعاندين وما نزل بهم من العذاب والوبال فاتّقوا الله في أوامره ونواهيه إن خلصت عقولكم من شوب الوهم ، فإن اللبّ هو العقل الخالص من شوائب الوهم وذلك بخلوص القلب من شوائب صفات النفس والرجوع إلى الفطرة ، وإذا خلص العقل من الوهم والقلب من النفس كان الإيمان يقينيا فلذلك وصفهم : ب (الَّذِينَ آمَنُوا) أي : الإيمان التحقيقي.

(قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) أي : فرقانا مشتملا على ذكر الذات والصفات والأسماء والأفعال والمعاد (رَسُولاً) أي : روح القدس الذي أنزله به فأبدل منه بدل الاشتمال لأن إنزال الذكر هو إنزاله بالاتصال بالروح النبوي وإلقاء المعاني في القلب (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ) أي : يجلي عليكم صفاته ويكشف لكم توحيدها (مُبَيِّناتٍ) متجليات أو مجليات لأنوار الذات (لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا) الإيمان اليقيني من ظلمات صفات القلب إلى نور الروح ومقام المشاهدة (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) الإيمان العيني بالمشاهدة (وَيَعْمَلْ صالِحاً) بالسير في الله بالله (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ) من مشاهدات تجليات صفاته ومطالعات أنوارها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أنهار علوم توحيد الأفعال والصفات والذات (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) من تلك العلوم.

٣٥٠

[١٢] (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (١٢))

(اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) إن أخذنا السموات بمعناها الظاهر ، فالأراضي السبعة هي طبقات العناصر المشهورة فإنها قوابل بالنسبة إلى المؤثرات فهي أرضها التي تنزل عليها منها الصور الكائنة وهي النار الصرفة والطبقة الممتزجة من النار والهواء المسماة كرة الأثير التي تتولد فيها الشهب وذوات الأذناب والذوائب وغيرها ، وطبقة الزمهرير وطبقة النسيم وطبقة الصعيد والماء المشمولة للنسيم الشاملة للطبقة الطينية التي هي السادسة وطبقة الأرض الصرفة عند المركز وإن حملناها على مراتب الغيوب السبعة المذكورة من غيب القوى والنفس والعقل والسرّ والروح والخفاء وغيب الغيوب أي : عين جمع الذات ، فالأرضون هي الأعضاء السبعة المشهورة (يَتَنَزَّلُ) أمر الله بالإيجاد والتكوين وترتيب النظام والتكميل (بَيْنَهُنَ) والله تعالى أعلم.

٣٥١

سورة التحريم

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٦] (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤) عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦))

(قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) الأهل بالحقيقة هو الذي بينه وبين الرجل تعلق روحاني واتصال عشقي سواء اتصل به اتصالا جسمانيا أو لا ، وكل ما تعلق به تعلقا عشقيا فبالضرورة يكون معه في الدنيا والآخرة فوجب عليه وقايته وحفظه من النار كوقاية نفسه فإنه زكّى نفسه عن الهيئات الظلمانية وفيه ميل ومحبة لبعض النفوس المنغمسة فيها لم يزكها بالحقيقة لأنه بتلك المحبة تنجذب إليها فيكون معها في الهاوية محجوبا بها سواء هي قواها الطبيعية الداخلة في تركيبه أو نفوس إنسانية منتكسة في عالم الطبيعة خارجة عن ذاته ولهذا يجب على الصادق محبة الأصفياء والأولياء ليحشر معهم فإن المرء يحشر مع من أحبّ. (ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) أي : نارا مخصوصة من بين النيران بأن لا تتقد إلا بالناس والحجارة لكونها نارا روحانية من صفات قهر الله تعالى مستولية على النفوس المرتبطة بالأمور السفلية المقترنة بالأجرام الجاسية الأرضية بسلسلة المحبة الروحانية ، فلما قرنت تلك النفوس أنفسها بها حبا وهوى حشرت معها في الهاوية (عَلَيْها) أي : يلي أمرها (مَلائِكَةٌ غِلاظٌ) أعزاء جافية غلاظ الأجرام وهي القوى السماوية والملكوت الفعالة في الأمور الأرضية التي هي روحانيات الكواكب السبعة والبروج الاثنا عشر المشار إليها بالزبانية التسعة عشر غير مالك الذي هو الطبيعة الجسمانية الموكلة بالعالم السفلي وجميع القوى والملكوت المؤثرة في الأجسام التي لو تجرّدت هذه النفوس الإنسانية ترقت من مراتبها واتصلت بعالم الجبروت وصارت مؤثرة في

٣٥٢

هذه القوى الملكوتية ولكنها لما انغمست في الأمور البدنية وقرنت أنفسها بالأجرام الهيولانية المعبر عنها بالحجارة صارت متأثرة منها محبوسة في أسرها معذبة بأيديها (شِدادٌ) أي : أقوياء لا لين ولا رأفة ولا رحمة فيهم لأنهم مجبولون على القهر لا لذة لهم إلا فيه (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) لتسخرهم وانقيادهم لأمره وطاعتهم وإذعانهم له لأنهم وإن كانوا قهارين مؤثرين بالنسبة إلى ما تحتهم من أجرام هذا العالم وقواها فإنهم مقهورون ومتأثرون بالنسبة إلى الحضرة الإلهية ، ولو لم يكن انقيادهم للأمر الإلهي طبعا لما كان لهم تأثير في هذا العالم (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) لدوام تأثيرهم وعدم تناهي قواهم وقدرهم.

[٧ ـ ٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨))

(لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) إذ ليس بعد خراب البدن ورسوخ الهيئات إلا الجزاء على الأعمال لامتناع الاستكمال ثمة.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ) بالرجوع إليه في كل حال من أحوالكم فإن مراتب التوبة كمراتب التقوى فكما أن أول مراتب التقوى هو الاجتناب عن المنهيات الشرعية وآخرها الاتقاء عن الأنانية والبقية فكذلك التوبة أولها الرجوع عن المعاصي وآخرها الرجوع عن ذنب الوجود الذي هو من أمّهات الكبائر عند أهل التحقيق (تَوْبَةً نَصُوحاً) أي : توبة ترقع الخروق وترتق الفتوق وتصلح الفاسد وتسدّ الخلل ، فإن خلل كل مقام وفساده ونقصانه لا ينسدّ ولا ينصلح ولا ينجبر إلا عند التوبة عنه بالترقي إلى ما هو فوقه فإذا تاب عنه بالترقي وبرز عن حجاب رؤية ذلك المقام انجبر نقصه وتمّ. وهو من النصح بمعنى الخياطة أو توبة خالصة عن شوب الميل إلى المقام الذي تاب عنه والنظر إليه بعدم الالتفات وقطع النظر عنه من النصوح بمعنى الخلوص (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) من ذنوب المقام الذي تبتم إليه عنه وحجبه وآفاته والنظر إليه أو الاعتداد به والميل إليه ورؤيته أو التلوين الذي يحدث بعد الترقي عنه كالتلوين بظهور النفس في مقام القلب وبظهور القلب في مقام الروح وبظهور الأنانية في مقام الوحدة (وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ) مترتبة على مراتب التوبة (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) بظهور الحجاب في مقام القرب (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي : الذي لهم بحسب النظر والكمال العلمي (وَبِأَيْمانِهِمْ) أي : الذي لهم بحسب العمل وكماله إذ النور العلمي من منبع الوحدة والعملي من جانب القلب الذي هو يمين النفس أو نور السابقين منهم

٣٥٣

يسعى بين أيديهم ونور الأبرار منهم يسعى بأيمانهم (يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) أي : يعوذون به ويلوذون إلى جنابه من ظهور البقية ، فإنها ظلمة في شهودهم فيطلبون إدامة النور بالفناء المحض ، أو : أدم علينا هذا الكمال بوجودك ودوام إشراق سبحات وجهك. يقولون ذلك عن فرط الاشتياق مع الشهود كقوله :

ويبكي إن دنوا خوف الفراق

أو يقول بعضهم ، وهم الذين لم يصلوا إلى الشهود الذاتي (وَاغْفِرْ لَنا) ظهور البقايا بعد الفناء أو وجود الإثبات قبله.

[٩ ـ ١٢] (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢))

(جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) للمضادّة الحقيقية بينك وبينهم (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) لقوّتك بالله منبع القوى والقدر ومعدن القهر والعزّة ، عسى أن تنكسر صلابتهم وتلين شكيمتهم وعريكتهم فتنقهر نفوسهم وتذلّ وتخضع فتنفعل عن النور القهري وتهتدي فتكون صورة القهر عين اللطف (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ما دام هم هم ، أي : ما داموا على صفتهم أو دائما أبدا لزوال استعدادهم أو عدمه.

ثم بين أن الوصل الطبيعية والاتصالات الصورية غير معتبرة في الأمور الأخروية بل المحبة الحقيقية والاتصالات الروحانية هي المؤثرة فحسب ، والصورية التي بحسب اللحمة الطبيعية والخلطة والمعاشرة لا يبقى لها أثر فيما بعد الموت ولا تكون إلا في الدنيا بالتمثيلين المذكورين ، وإن المعتبر في استحقاق الكرامة عند الله هو العمل الصالح والاعتقاد الحق كإحصان مريم وتصديقها بكلمات ربّها وطاعتها المعدّة إياها لقبول نفخ روح الله فيها. وقد يلوح بينهما أن النفس الخائنة التي لا تفي بطاعة الروح والقلب ولا بحسن معاشرتهما ولا تطيعهما بامتثال أوامرهما ونواهيهما ولا تحفظ أسرارهما وتبيح مخالفتهما وتسير بسير الإباحة باستراق كلمة التوحيد والطغيان بانتحال الكمال داخله في نار الحرمان وجحيم الهجران مع المحجوبين ولا تغني هداية الروح أو القلب عنها شيئا من الإغناء في باب العذاب وإن أغنت عنها في باب الخلود ، وإن القلب المقهور تحت استيلاء النفس الأمارة الفرعونية الطالب

٣٥٤

للخلاص بالالتجاء إلى الحق الذي قويت قوة محبة الله لصفائه وضعفت قوة قهره للنفس والشيطان لعجزه وضعفه لا يبقى في العذاب مخلدا ويخلص إلى النجاة ويبقى في النعيم سرمدا ، وإن تعذب بمجاورتها حينا وتألم بأفعالها برهة. وأن النفس المتزينة بفضيلة العفّة المشار إليها بإحصان الفرج هي القابلة لفيض روح القدس ، الحاملة بعيسى القلب ، المتنوّرة بنور الروح ، المصدّقة بكلمات الربّ من العقائد الحكمية والشرائع الإلهية المطيعة لله مطلقا علما وعملا وسرّا وجهرا ، المنخرطة في سلك التوحيد جمعا وتفصيلا باطنا وظاهرا والله تعالى أعلم.

٣٥٥

سورة الملك

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) الملك عالم الأجسام كما أن الملكوت عالم النفوس ، ولذلك وصف ذاته باعتبار تصريفه عالم الملك بحسب مشيئته بالتبارك الذي هو غاية العظمة ونهاية الازدياد في العلوّ والبركة ، وباعتبار تسخيره عالم الملكوت بمقتضى إرادته بالتسبيح الذي هو التنزيه كقوله : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) (١) كلّا بما يناسبه ، لأن العظمة والازدياد والبركة تناسب الأجسام ، والتنزّه يناسب المجرّدات عن المادة. فمعنى تبارك : تعالى وتعاظم الذي يتصرّف في عالم الملك بيد قدرته ، لا يتصرّف فيه غيره ، فبيده كل ما وجد من الأجسام لا بيد غيره يصرّفها كما يشاء (وَهُوَ) القادر على كل ما عدم من الممكنات يوجدها على ما يشاء ، فإن قرينة القدرة تخص الشيء بالممكن إذ تعلل القدرة به فيقال : إنه مقدوره لأنه ممكن.

[٢ ـ ٤] (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤))

(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) الموت والحياة من باب العدم والملكة ، فإن الحياة هي الإحساس والحركة الإرادية ولو اضطرارية كالتنفس والموت عدم ذلك عما من شأنه أن يكون له وعدم الملكة ليس عدما محضا بل فيه شائبة الوجود وإلا لم يعتبر فيه المحل القابل للأمر الوجودي فلذلك صح تعلق الخلق به كتعلقه بالحياة وجعل الغرض من خلقهما بلاء الإنسان في حسن العمل وقبحه ، أي : العلم التابع للمعلوم الذي يترتب عليه الجزاء وهو العلم الذي يظهر على المظاهر الإنسانية بعد وقوع المعلوم ، فإنه ليس إلا علم الله الكامن في الغيب الظاهر بظهور المعلوم لأن الحياة هي التي يتمكن بها على الأعمال والموت وهو الداعي إلى حسن العمل الباعث عليه وبه يظهر آثار الأعمال كما أن الحياة يظهر بها أصولها وبهما تتفاضل

__________________

(١) سورة يس ، الآية : ٨٣.

٣٥٦

النفوس في الدرجات وتتفاوت في الهلاك والنجاة. وقدّم الموت على الحياة لأن الموت في عالم الملك ذاتي والحياة عرضية.

(وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب الذي يقهر من أساء العمل (الْغَفُورُ) الذي يستر بنور صفاته من أحسن (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) نهاية كمال عالم الملك في خلق السموات لا ترى أحكم خلقا وأحسن نظاما وطباقا منها. وأضاف خلقها إلى الرحمن لأنها من أصول النعم الظاهرة ومبادئ سائر النعم الدنيوية ، وسلب التفاوت عنها لبساطتها واستدارتها ومطابقة بعضها بعضا وحسن انتظامها وتناسبها ، ونفى الفطور لامتناع خرقها والتئامها وإنما قال : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) لأن تكرار النظر وتجوال الفكر مما يفيد تحقق الحقائق وإذا كان ذلك فيها عند طلب الخروق والشقوق لا يفسد إلا الخسوء والحسور تحقق الامتناع ، وما أتعب من طلب وجود الممتنع.

[٥] (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥))

(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) من السموات المعنوية ، أي : العقل الإنساني (بِمَصابِيحَ) الحجج والبينات (وَجَعَلْناها رُجُوماً) لشياطين الوهم والخيال (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ) سعير الاحتجاب في قعر الطبيعة والهويّ في هاوية العالم الجسماني والبرزخ الغاسق الظلماني أو السماء المحسوسة التي هي أقرب إلينا من السماء العقلية بمصابيح الكواكب ، وجعلناها بحيث ترجم بها النفوس البعيدة عن عالم النور لظلمة جواهرها بملازمة الكواكب ، وجعلناها بحيث ترجم بها النفوس البعيدة عن عالم النور لظلمة جواهرها بملازمة الغواسق الجسمانية المخالفة بجواهرها الخبيثة عن الجواهر المقدّسة التي غلبت عليها ظلمة الكون وشدّة الرين وتكدّرت بمباشرة الشهوات الطبيعية وتلوّثت بألواث التعلقات الجسمانية وامتزجت بها فترسخت فيها الهيئات المظلمة وتغيرت عن طباعها فتأثرت بتأثيرات الأجرام العلوية كلما اشتاقت بسنخها إلى عالمها ، رجمتها روحانيات الكواكب وطردتها إلى جحيم العالم السفلي وألزمتها مجاورة الهياكل المناسبة لهيئاتها وملازمة البرازخ المشاكلة لطباعها وألقتها في عذاب تضادّ الطبائع وسعير استيلاء طبائع تلك الغواسق.

[٦ ـ ٧] (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧))

(وَلِلَّذِينَ) حجبوا عن ربّهم عامة سواء الشياطين الذين هم في غاية البعد والمنافاة وقوة الشرّ وغيرهم من الضعفاء المحجوبين الذين ليسوا في غاية الشرارة (عَذابُ جَهَنَّمَ) أي : العالم السفلي الغاسق المضادّ بطبعه لعالم النور (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ذلك المهوى المظلم المهين المحرق (إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا) لأهلها الأصوات المنكرة المنافية لأصوات الأناسيّ

٣٥٧

والروحانيين أو لأنفسهم فإنهم يصطرخون فيها بأصوات الحيوانات القبيحة المنظر المنكرة الصوت (وَهِيَ تَفُورُ) تغلي عليهم وتستولي وتعلو.

[٨ ـ ١١] (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١))

(تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) أي : تتفارق أجزاؤها من شدّة غلبة التضاد عليها وشدّة مضادتها لجواهر النفوس. ولعمري إن شدّة منافرة الطباع بعضها بعضا تستلزم شدّة العداوة والبغض المقتضية لشدة الغيظ والحنق ، فتلك المهواة لشدة منافاتها بالطبع لعالم النور والجوهر المجرد وأصل فطرة النفس يشتدّ غيظها عليها وتحرقها بنار غضبها أعاذنا الله من ذلك.

والخزنة هم النفوس الأرضية والسماوية الموكلة بعالم الطبيعة السفلية وسؤالهم اعتراضهم ومنعهم إياها عن النفوذ من الجحيم بحجة تكذيب الرسل ومنافاة عقائدها لما جاءت به ومعاندتها إياهم وعدم معرفتها بالله وكلامه وصممها عن الحق وانتفاء سماعها وعدم عقلها عن الله معارفه وآياته ودلائل توحيده وبيناته فإنهم لو سمعوا وعقلوا لعرفوا الحق وأطاعوا فنجوا وخلصوا إلى عالم النور وجوار الحق فما كانوا في أصحاب السعير.

[١٢ ـ ١٤] (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤))

(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) بتصور عظمته غائبين عن الشهود الصفاتي في مقام النفس بتصديق الاعتقاد (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) من صفات النفس (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) من أنوار القلب وجنة الصفات أو الذين يخشون ربّهم بمطالعة صفات العظمة في مقام القلب غائبين عن الشهود الذاتي لهم مغفرة من صفات القلب وأجر كبير من أنوار الروح وجنة الذات (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) لكون تلك السرائر عين علمه ، فكيف لا يعلم ضمائرها من خلقها وسوّاها وجعلها مرائي أسراره (وَهُوَ اللَّطِيفُ) الباطن علمه فيها ، النافذ في غيوبها (الْخَبِيرُ) بما ظهر من أحوالها ، أي : المحيط ببواطن ما خلق وظواهره بل هو هو بالحقيقة باطنا وظاهرا لا فرق إلا بالوجوب والإمكان والإطلاق والتقييد واحتجاب الهوية بالهذية والحقيقة بالشخصية.

[١٥] (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥))

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) أرض النفس (ذَلُولاً فَامْشُوا) بأقدام الفطرة في أعالي صفاتها

٣٥٨

وأعز أطرافها وجهاتها واقهروها مذللة (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) الذي ينال من جهتها أي : العلم المأخوذ من الحسّ وهو الأكل من تحت الأرجل المشار إليه بقوله : (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) (١) (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) بالعروج إلى مقام الولاية وحضرة الجمع.

[١٦ ـ ١٨] (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨))

(أَأَمِنْتُمْ) الذي قهر سلطانه سماء الروح وبهر نوره شمس العقل بالتأثير والتنوير (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ) أرض النفس بأن يحركها ويقلبها عليكم فتقهركم وتستولي عليكم فتذهب بنوركم وتهلككم وتجعلكم أسفل سافلين (فَإِذا هِيَ) تضطرب عالية طياشة لا قرار لها ولا طمأنينة بالسكينة لما في طباعها من الطيش والاضطراب (أَمْ أَمِنْتُمْ) ذلك العالي القهار (أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ) حاصب صفات النفس ولذاتها وشهواتها المستعلية بريح الهوى على القلب في جوّ الأماني والآمال فيهلككم هلاك المكذبين الذين تحرّكت نفوسهم بقهر من الله فاحتجبوا بظلماتها عن نور هداية الرسل فخسفوا ومسخوا وكان من حالهم ما يتعجب منه ، وعاينوا ما أنذروا به من المنكر الفظيع.

[١٩] (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩))

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى) طير المعارف والحقائق والإشراقات النورية والمعاني القدسية (فَوْقَهُمْ) في سماء الروح (صافَّاتٍ) أنفسهنّ مترتبة متناسقة فيها (وَيَقْبِضْنَ) عن النزول إلى القلب (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ) المسوّي للاستعداد ، المهيّئ لقبولها ، المودع إياها فيها ، المرتب لها بسعة رحمته الواسعة الشاملة لكل ما خلق وقدر ، المعطية كل شيء خلقه. وما يرسلهنّ إلا الرحيم المفيض لكل ما قدّر من الكمال بحسب الاستعداد المظهر لكل ما دبر في الغيب من المعاني والصفات (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) في مكمن غيبه فيعطيه ما يليق به ويسوّيه بحسب مشيئته ويودع فيه ما يريده بمقتضى حكمته ثم يهديه إليه بتوفيقه.

[٢٠] (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠))

(أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) أي : من يشار إليه ممن يستعان به من الأغيار حتى الجوارح والآلات والقوى وكل ما ينسب إليه التأثير والمعونة من الوسائط فيقال : (هُوَ جُنْدٌ

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٦٦.

٣٥٩

لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) فيرسل ما أمسك من النعم الباطنة والظاهرة أو يمسك ما أرسل من النعم المعنوية والصورية أو يحصل لكم ما منع ولم يقدّر لكم أو يمنع ما أصابكم به وقدّر عليكم (إِنِ) المحجوبون الذين ستروا نور فطرتهم (إِلَّا فِي غُرُورٍ) بالوسائط.

[٢١] (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١))

(أَمَّنْ) يشار إليه منها فيقال : (هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ) الرحمن (رِزْقَهُ) المعنوي أو الصوري (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ) أي : عناد وطغيان لمضادّتهم الحق بالباطل الذي أقاموا عليه ومنافاتهم النور بظلمة نفوسهم (وَنُفُورٍ) أي : شراد لبعد طباعهم ونبوّها عنه.

[٢٢ ـ ٣٠] (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠))

(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) متنكسا بالتوجه إلى الجهة السفلية ومحبته للملاذ الحسيّة وانجذابه إلى الأمور الطبيعية (أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) منتصبا على صراط التوحيد الموصوف بالاستقامة التامة التي لا يبلغ كنهها ولا يقدر قدرها ولما فرّق بين الفريقين الضالين والمهتدين الموحدين. أشار إلى توحيد الأفعال بقوله : (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) وذكر من أفعاله الإبداء والإعادة وبيّن أنّ المحجوبين مع اعترافهم بالإبداء منكرون للإعادة فلا جرم يسوء وجوههم رؤية ما ينكرونه ، ويعلوها الكآبة ويأتيهم من العذاب الأليم ما لا يدخل تحت الوصف ولا يجيرهم منه ما احتجبوا به من الحق ونسبوا التأثير إليه لعجزه وانتفاء قدرته ولا الرحمن لأنهم لم يتكلوا عليه برؤية جميع الأفعال منه ونفي التأثير عن الغير فلم يؤمنوا به الإيمان الحقيقي ولذلك عرّض بكفرهم وشركهم بقوله : (هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) أي : لم نتوكل على غيره لأنّا شاهدنا الحضرة الرحمانية التي تصدر عنها الأشياء كلها فمنعنا ذلك الإيمان الحقيقي نسبة الفعل إلى الغير فهو يجيرنا دونكم ، والله أعلم.

٣٦٠