نفحات القرآن - ج ١

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ١

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-88-1
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٨٠

القرآن وضرورة المعرفة

تمهيد :

لم يعتبر القرآن الكريم مسألة معرفة الإنسان لماوراء الطبيعة أمراً ممكناً فحسب بل اعتبرها من أهم الضرورات.

فالقرآن يدعو إلى معرفة أسرار عالم الوجود وحل رموز الكون والمخلوقات ، ويستخدم القرآن في دعوته لأتباعه ـ للتزود بالعلم ـ الأساليب الصريحة والظاهرة المباشرة وغير المباشرة.

والبحث فيما صرح به القرآن في هذا المجال يفتح أمام أعيننا افقاً جديداً ، ويرينا أنّ أمر المعرفة من الواجبات المؤكّدة وبمستوى عال جدّاً من الأهميّة.

والطريف : إنَّ هذه الدعوة قد جاءت في زمان ومكان كانت قد غطت الافق فيه سحب الجهل الظلماء ، حقّاً إنّ عمق وسعة ماورد في القرآن يدل قبل كل شيء على عظمة القرآن وصدق المبعوث به.

ومن أجل ذلك نطالع آيات القران ونبحث عن ماورد من تعابير مختلفة في هذا المجال.

هذه الدعوة لها وجوه متنوعة وبشكل كامل ، وقد جمعنا (أربعين أنموذجاً) من الآيات المختلفة وكل واحد منها ينظر إلى هذه المسألة المصيرية من زاوية خاصة.

وفي الضمن ذكرنا في الحواشي الروايات المعتبرة المتناسبة مع الآيات ، ليتضح التنسيق والسنخية الكاملة بين الكتاب والسنة.

* *

٤١

١ ـ وجوب تحصيل العلم

وردت في (٢٧) آية من القرآن المجيد دعوة صريحة للتزود بالعلم ، والاستفادة من جملة (اعلموا) إليكم نماذج منها :

١ ـ (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). (البقرة / ٢٠٩)

٢ ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَىءٍ عَلِيمٌ). (البقرة / ٢٣١)

٣ ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). (البقرة / ٢٣٣)

٤ ـ (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا). (الحديد / ١٧)

٥ ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرونَ). (البقرة / ٢٠٣)

٦ ـ (فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ). (المائده / ٩٢)

٧ ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمتُم مِّنْ شَىءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ). (الأنفال / ٤١)

٨ ـ (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ). (الحديد / ٢٠)

* *

الآيات الاولى والثانية والثالثة تنظر إلى الذات الإلهيّة المقدّسة وإلى صفاته الأعم من «صفات الذات» و «صفات الفعل».

الآية الرابعة تشير إلى الحياة والخلق.

الآية الخامسة تتحدث عن القيامة والحشر.

الآية السادسة تتكلم عن النبوة وسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الآية السابعة تبين الأحكام العملية الإسلامية.

والآية الثامنة ترينا الوجه الحقيقي للدنيا وتظهر لنا تفاهتها ، كأسلوب للدعوة إلى الزهد والتقوى والنجاة من حُبّ الدنيا وما يترتب عليه من ذنوب.

وبهذا نستنتج أنّ كل ما يرتبط بالعقائد والأعمال ومنهج الحياة قد ورد مشفوعاً بكلمة (اعلموا) وهي تتضمّن دعوة للتسلّح بالوعي والمعرفة في كلّ هذه المجالات (١).

__________________

(١). ورد أيضاً التأكيد الكثير في الروايات الإسلامية على طلب العلم ، والحديث المعروف (طلب العلم فريضة على ـ

٤٢

٢ ـ التأكيد المتواصل على عدم ترك التفكر

تارة يقول سبحانه : (أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ). (الأنعام / ٥٠)

وتارة يقول بعد بيان الآيات الإلهيّة المختلفة الأعم من التكوينية والتشريعية : (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). (البقرة / ٢١٩) و (الاعراف / ١٧٦)

وأحياناً يقول : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا). (الروم / ٨)

كل هذه الآيات تدلّ على ضرورة التفكر ، وهذه الضرورة في التفكر تدلّ على إمكان المعرفة (١).

٣ ـ التأكيد على لزوم التعليم والتعلم

جاء في سورة التوبة :

(فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّيْنِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِم لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ). (التوبة / ١٢٢)

هذه الآية الكريمة لا تؤكد على تعلّم الدين الإلهي فحسب بل تحث على تعليمه ونشره بعد تعلمه أيضاً.

والتعبير ب (نفر) تطلق على الخروج إلى ميدان الجهاد وقد استعمل في الآيات القرآنية الاخرى بهذا المعنى وعلى هذا فإنّ أفراد الأُمة الإسلامية في غير الحالات الضرورية لا يجوز لهم الخروج بأجمعهم إلى ساحة القتال ، بل ينبغي على مجموعة منهم أنْ تبقى في المدينة لتتعلم الأحكام الإلهيّة وتعلّمها للآخرين بعد رجوعهم.

__________________

ـ كل مسلم ومسلمة) المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد واضح على هذا المعنى ، بحار الأنوار ، ج ٦ ، ص ١١٧ ، والإمام الصادق عليه‌السلام : «طلب العلم فريضة على كل حال» ، ج ٢ ، ص ١٧٢.

(١). جاء في حديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اغدُ عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محبّاً ولا تكن الخامس» المحجة ، ج ١ ، ص ٢٢.

٤٣

والتفسير الآخر للآية هو : أنّ المسلمين يجب أن ينقسموا إلى قسمين : قسم يبقى في المدينة ليحافظ عليها ، وقسم يذهب إلى ميدان الجهاد ليُشاهدَ آثار العظمة الإلهيّة والمعجزات والامدادات الغيبية والنصر الإلهي ، ثم وبعد رجوعهم يُخبروا سائر الناس بذلك.

وهناك احتمال ثالث في تفسير الآية وهو ضرورة نفير بعض سكان ضواحي المدينة إليها ليتفقهوا في أحكام الدين وتبليغها للآخرين عند الرجوع ، ومكث البعض الآخر في تلك المناطق لحفظ نظام الحياة هناك (١).

ولكلِّ تفسير ميزة لا توجد في التفسير الآخر (٢).

ولكنْ بغضّ النظر عن الاختلاف في التفاسير ، فإنّ ما نسعى لإثباته ـ وهو وجوب التعلم والتعليم ـ ثابت بلا منازع ، وتأكيد القرآنِ على هذين الواجبين دليل واضح على إمكان وضرورة المعرفة (٣).

* *

٤ ـ العلمُ والمعرفة هما الهدف من خلق العالم

(اللهُ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَموَاتٍ وَمِنَ الْارْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْامْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا انَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَىْءٍ قَديرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْماً). (الطلاق / ١٢)

لقد شرحنا المراد من السماوات السبع والأرضين ما فيه الكفاية في التفسير «الأمثل»(٤).

__________________

(١). تفسير الكبير ، ج ١٦ ، ص ٢٢٥ ؛ تفسير الميزان ، ج ٩ ، ص ٤٢٧ ؛ تفسير مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٨٣.

(٢). في التفسير الأول مرجع الضمير في جملة (ليتفقهوا) و (لينذروا) اسم محذوف والتقدير هو «وتبقى طائفة» ، وهذا فيه حذف ، والحذف يعتبر خلاف الظاهر. بينما (نفر) جاء بمعنى الجهاد هنا ، هذه نقطة قوة التفسير الأول. في التفسير الثاني مرجع الضمير مذكور وهو (طائفة) ، لكنّ الثاني ضعيف لأنّ ميدان الجهاد ليس محلاً للتعلم إلّابالتوجيه الذي ذكر ، وفي التفسير الثالث يقدر المحذوف ، لكنه يتفق مع الروايات التي تفسر النفير (بالهجرة للتفقه في الدين). «ذكر في تفسير الثقلين ٩ روايات في هذا المجال».

(٣). يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : «لوددتُ أن اصحابي ضربتُ رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا» (اصول الكافي ، ج ١ ، ص ٣١).

(٤). بالنسبة للسموات السبع يرجع إلى ، ذيل الآية ٢٩ من سورة البقرة وبالنسبة للارضين السبع إلى ذيل الآية ١٢ من سورة الطلاق.

٤٤

وكيفما كان فإنّ الآية تبين بوضوح حقيقة أنّ أحد أهداف الخلق هو العلم والمعرفة ، وتعريف الإنسان بعلم الله وقدرته وصفاته وذاته ، وهذه الآية صريحة في بيان إمكان المعرفة إلى حدٍ بعيد (١).

٥ ـ الهدف من بعثة الأنبياء هو التعليم والتربية

إنّ القران الكريم ذكر هذه المسألة بشأنِ الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله عدة مرّات ، من جملتها ما جاء في سورة البقرة :

(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا ويُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ويُعَلِّمُكُمْ مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ). (البقرة / ١٥١)

وقد جاء هذا المعنى في كلّ من الآيات ١٢٩ من سورة البقرة و ١٦٤ من سورة آل عمران و ٢ من سورة الجمعة.

فإذا كانت المعرفة غير ممكنة ، : فكيف أمكن أن تشكل المعرفة أحد الأهداف المهمّة لبعثة الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

٦ ـ التفكّر والتدبّر هو الهدف من نزول القرآن

(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أوُلُوا الْالْبَابِ). (ص / ٢٩)

(أَفَلَا يَتَدَبَّروُنَ الْقُرآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا). (سورة محمد / ٢٤)

__________________

(١). جاء في حديث أنّ الإمام الحسين بن علي عليه‌السلام خاطب أصحابه قائلاً : «أيّها الناس إنّ الله جلّ ذكره ما خلق العباد إلّاليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه» (بحار الأنوار ، ج ٥٠ ، ص ٣١٢).

(٢). يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «كفى بالعلم شرفاً أن يدَّعيه من لا يحسنه ويفرح إذا نسب إليه وكفى بالجهل ذمّاً أنْ يبرأ منه مَن هو فيه» (بحار الأنوار ، ج ١ ، ص ١٨٥).

٤٥

مادتها (دُبُر) وتعني ظهر الشيء ، ومن ثم استعملت بمعنى التفكّر والتفكير بعواقب الامور ، وذلك لأنّ عواقب الامور ونتائجها تتّضح بالتفكّر.

إنّ الآية الاولى أوضحت أنّ التدبر هو هدف نزول القرآن كي لا يقتنع الناس بقراءة الآيات ككلمات مقدسة فحسب وينسوا الهدف الأخير منها.

والآية الثانية اعتبرت ترك التدبر دليلاً على أقفال القلوب وتعطيل الحس.

وعلى أيٍّ فإنّ هاتين الآيتين دعوة عامة للتدبر ، دعوة تثبت بوضوح إمكانية المعرفة(١).

٧ ـ المعرفة هي الهدف من المعراج

(سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). (الاسراء / ١)

ونفس معنى الآية هذه ورد في سورة النجم ، حيث تحدثت عن المعراج بأسلوب آخر ، والآية هي :

(لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرى). (النجم / ١٨)

تبين هاتانِ الآيتان ـ على الأقل ـ أحد الأهداف المهمّة لمعراج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي قضية رؤية آيات الحق الكبرى ، الرؤية التي تعتبر أهم مصادر المعرفة (٢).

٨ ـ الدعوةُ للإسلام بدأت بالدعوة للعلم

(إِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم). (العلق / ١ ـ ٥)

إنّ هذه الآيات التي تعتبر أول أنوار الوحي التي شعّت في قلب الرسول الطاهرصلى‌الله‌عليه‌وآله في

__________________

(١). يقول الإمام الكاظم عليه‌السلام لهشام بن الحكم : «ما بعث الله أنبياءه إلى عباده إلّاليعقلوا عن الله فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة». (أصول الكافي ، ج ١ ، ص ١٦).

(٢). للتفصيل راجع التفسير الأمثل ، ذيل الآيه ١٨ من سورة النّجم.

٤٦

غار «حراء» في جبل «ثور» ، بدأت بقضية المعرفة وختمت بها.

إستهلّت الآيات بِحَث الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله على القراءة التي هي احدى وسائل المعرفة ، وختمت بالبحث عن المعلِّم الأعظم للكون أي الله الذي يُعتبر الإنسان تلميذه المُبْتَدِىء.

أليست هذه كلها دلائل واضحة على إمكانية المعرفة؟!

* *

٩ ـ العلم نور وضياء

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ). (الرعد / ١٦)

(وَمَا يَسْتَوِى الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ* وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ* وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ). (فاطر / ١٩ و ٢١)

إنّ هذه الآيات جعلت الظلمات في عداد العمى ، والنور في عداد البصر ، وهي إشارة إلى أنّ العلم نور وضياء ، والجهل يساوي العمى وهي من أجمل التعابير للتشجيع على المعرفة (١).

١٠ ـ إدراك أسرار الوجود خاصّ بالعلماء

(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِى ذلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ). (الروم / ٢٢)

(وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ). (العنكبوت / ٤٣)

في الآية الأولى عُدَّ إدراك اسرار كتاب التكوين خاصاً بالعلماء وفي الثانية عُدَّ فهم كتاب التدوين خاصاً بهم كذلك.

وهذا تشجيع لطلب العلم والمعرفة من جهة ، ودليل على مسألة المعرفة من جهة أخرى.

* *

__________________

(١). يقول الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «العلم نور يقذفه الله في قلب من يريد أن يهديه». (الوافي ، ج ١ ، ص ٧).

٤٧

١١ ـ الله أول معلّم

(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا). (البقرة / ٣١)

(الْرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرآنَ* خَلَقَ الإِنْسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيَانَ). (الرحمن / ١ ـ ٤)

(الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ). (العلق / ٤)

(عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَم يَعْلَمْ). (العلق / ٥)

إنّ معلم الكون العظيم تارة يعلم آدم الأسماء ، وتارة اخرى يعلم الإنسان ما يحتاجه ومالم يعلمهُ (بواسطة التكوين والتشريع).

وتارة يوعز للإنسان بتناول القلم لِتَعلّمِ الكتابة ، وتارةً اخرى يجري على لسانه حرفاً أو حرفين ويعلمه الكلام ، وهذا يكشف عن احدى صفاته عزوجل هي تعليم العباد ، التعليم الذي هو وسيلة للمعرفة.

* *

١٢ ـ بالعلم يتميَّز الإنسان عن الموجودات الأُخرى

(قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا انْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ اقُلْ لَّكُمْ إِنِّى أَعْلَمُ غَيْبَ السَّموَاتِ وَالْارْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ). (البقرة / ٣٣)

إنّ هذا الخطاب الذي ورد في الآية كان موجهاً للملائكة بعد أن أمرهم بأن يسجدوا ويخضعوا لخليفته (آدم) عندما خلقه ، لكي يوقروه بعد علمهم بمكانته وتفوقه عليهم ، وقد فهم الملائكة أهلية آدم عليه‌السلام لخلافة الله سبحانه وتعالى في الأرض بعد أن وجدوا فيه القابلية والاستعداد لتقبل العلم والمعرفة بأقصى درجاتهما ، كما أعربوا عن شديد أسفهم وندمهم حيال ما ساورهم من تردد أو استفسار عن أهليته للخلافة الإلهيّة في بادىء الأمر (١).

* *

__________________

(١). يقول الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أكثر الناس قيمة أكثرهم علماً وأقل الناس قيمة أقلهم علماً». (بحارالأنوار ، ج ١ ، ص ١٦٤).

٤٨

١٣ ـ درجاتُ القرب من الله تتناسبُ مع درجات المعرفة

(يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ). (المجادلة / ١١)

بدأت الآية بالحديث عن الاصول الأخلاقية في آداب المجلس ، ثم عن درجات العلماء والمؤمنين بعنوان النتيجة والجزاء لعملهم بهذه الاصول الأخلاقية.

«الدرجات» جمع «درجة» وهي تستعمل للسلم عندما يرتفع إلى الأعلى ، تقابلها «الدركات» جمع «دركة» التي تستعمل لنفس السلم عندما ينزل إلى الأسفل كسلم السرداب (الطابق الأسفل).

إنّ استعمال «درجات» نكرةً ايحاءٌ إلى عظمة تلك الدرجات ، واستعمالها جمعاً لا مفرداً يمكنه أن يكون إشارةً إلى اختلاف درجات العلماء.

بالطبع أنّ الرفع هنا لم يقصد به الرفع المكاني ، بل السمو في طريق القرب من الساحة الربانية.

استنتج العلّامة الطباطبائي رحمه‌الله في تفسير (الميزان) أنّ المؤمنين قسمان :

قسم (المؤمنون العالمون) وقسم (المؤمنون غير العالمين) ، والمؤمنون العالمون أفضل درجة من المؤمنين غير العالمين ثم استدل بالآية : (هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذينَ لَا يَعْلَمُونَ). (الزمر / ٩)

ويحتمل أنّ الآية تشير إلى علاقة الإيمان بالعلم (١) ، وسنشير إلى هذه الآية تفصيلاً إن شاء الله (٢).

١٤ ـ الأنبياء يُطالبون بعلم أكثر

(وَقُلْ رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً). (طه / ١١٤)

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ١٩ ، ص ٢١٦.

(٢). جاء في حديث الإمام الصادق عليه‌السلام : «إنّ الثواب بقدر العقل». (بحار الأنوار ، ج ١ ، ص ٨٤).

٤٩

إنّ الآية الكريمة تخاطب الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله وتدعوه إلى طلب العلم بالرغم من أنّ الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله يحضى بمقام علمي شامخ وعظيم ، وهذا يكشف عن أنّ الإنسان لا تقتصر عملية طلبه للعلم على مرحلة من المراحل ، بل إنّ طريق العلم مستمر وليس له نقطة انتهاء.

(قَالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً). (الكهف / ٦٦)

فموسى عليه‌السلام بالرغم من أنّه من اولي العزم وبالرغم من انشراح صدره بمقتضى الآية : (رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى). (طه / ٢٥)

وبمقتضى الآية (ولَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً). (القصص / ١٤)

وبالرغم من هذا المقام العلمي الرفيع ، إلّاأنّه كان مطالباً بأن يخضع أمام «الخضر» ويتعلم منه كالتلميذ.

وعلى أي حالٍ ، فإنّ هذه الآيات أدلة واضحة على إمكانية وضرورة طلب العلم ، والسعي المستمر في طريق التعلم والمعرفة (١).

١٥ ـ المعرفة مفتاح نجاة الإنسان

(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنى وَفُرَادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا). (سبأ / ٤٦)

إنّ خطاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الآية موجه لأعدائه المنغمسين في الكفر والشرك ، ومختلف أنواع الفساد الأخلاقي.

وقد بيّن لهم أنّ مفتاح نجاتهم من هذا المستنقع الخطر هو التفكّر والعلم الذي هو طريق وسبيل المعرفة.

وعلى هذا الأساس بالامكان معرفة جذور أي ثورة وأي تحول أساسي في المجتمعات البشرية من خلال معرفة ثوراتهم الفكرية والثقافية.

__________________

(١). يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «العلم ميراث الأنبياء والمال ميراث الفراعنة». (بحار الأنوار ، ج ١ ، ص ١٨٥).

٥٠

فلو كانت المعرفة غير ممكنة فلماذا التفكير؟ بالخصوص بعد حصر الموعظة بالتفكّر وذلك باستعمال «إنّما» التي تفيد الحصر ، وهنا يثبت أنّ مفتاح النجاة هو المعرفة فقط!

لكن هذا التفكر سواءاً كان ـ جماعياً أو فردياً ـ ينبغي أن يكون متزامناً مع القيام لله وفي سبيله ، ولهذا يقول) انْ تَقومُوا لله (أي بعيداً عن التعصب والعناد ، والهو النفساني ىالذي سيأتي شرحه في موانع المعرفة إن شاء الله.

وقد أكّد النبي يوسف عليه‌السلام على هذا الموضوع ، وقال عند جلوسه على عرش السلطة في مصر :

(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّموَاتِ وَالْارْضِ أَنْتَ وَلِىِّ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ). (يوسف / ١٠١)

من الملفت للنظر هنا هو أن علم تعبير المنام من العلوم ذات الأهميّة القليلة ، وبالرغم من ذلك فإنّ قصة يوسف عليه‌السلام في القرآن تكشف بوضوح عن أن علمه بتعبير الرؤيا أدّى إلى إنقاذه من سجن عزيز مصر ، كما أدى إلى إنقاذ مصر من القحط والمجاعة ، لأنّ العزيز رأى مناماً عجيباً عجز المفسرون عن تأويله ، إلّاأنّ أحد السجناء الذين قد أُطلق سراحهم وسبق ليوسف انْ فَسَّرَ رؤياه في السجن كان حاضراً في البلاط آنذاك فقال : إنّي أعرف من يفسّر الرؤيا جيداً ، وعندما فسّر يوسف عليه‌السلام له ما رآهُ في منامه الذي يتعلق بالامور الاقتصادية لسبع سنوات مقبلة ، أطلق سراحه وتهيَّأت مقدمات حكومته من جهة ، ومن جهة اخرى استطاع أن يضع برنامجاً دقيقاً لانقاذ أهل مصر من المجاعة خلال سنوات القحط المقبلة.

إنّ الآية السابقة التي تحدثت عن علم تأويل الأحاديث (في المنام) بعد حديثها عن ملك يوسف (حكومته) ، يمكن أنّها تشير إلى العلاقة بين هذين الاثنين.

وكيفما كان فإنّ هذه الآية توحي بأنّ مفتاح النجاة هو العلم والمعرفة.

وحتى أنّ أبسط العلوم يمكن أن يكون سبباً لانقاذ دولة (١).

* *

__________________

(١). يقول الإمام علي عليه‌السلام مخاطِباً كميل : «يا كميل ما من حركة إلّاوأنت محتاج فيها إلى معرفة» (تحف العقول ، ص ١٩).

٥١

١٦ ـ العلم فخر بجميع أشكاله

(وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذى فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤمِنِينَ* وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا ايُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَىْءٍ إِنَّ هذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ). (النمل / ١٥ و ١٦)

بالرغم من ملك وعظمة «سليمان» و «داود» اللذيْن لم يكن لهما مثيل بل ويحتمل عدم قيام حكومة كحكومتهما على مرّ التاريخ كما في الآية ٣٥ من سورة (ص) (وَهَبْ لِى مُلْكاً لَا يَنْبَغِى لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى) خصوصاً وأن حكومتهما لم تخص الانس ، بل امتدت حتى شملت الجنّ والحيوانات وحتى القوى الطبيعية كالريح ، مع هذا كله فالله عندما يَهَبُ نعمه إلى الوالد وولده ، يبدأ بنعمة العلم والمعرفة ، لذا كانا يشكرانه لما فضّلهما على كثير من عباده (يحتمل أن يكون الشكر بهذا الاسلوب) «على كثير من عباده» لا غير لأنّه كان هناك من أُتُوا علماً أوفر مما أوتيَ سليمان وداود) ، والجدير بالذكر هو أنّ (سليمان) بالرغم من ملكه العظيم «بحيث إنّ كل من شك في ذلك ضحكت على عقله الطيور والأسماك» ، رغم هذا ، فانه كان يفتخر بعلوم قليلة الأهميّة مثل معرفته بلغة الطيور قبل افتخاره بملكه وحكومته ومواهبه الإلهيّة الأخرى.

إنّ هذه النصوص الجميلة تُبيّنُ عظمة مقام العلم بجميع أبعاده ، وهو بنفسه دليل واضح على إمكانية وضرورة المعرفة (١).

١٧ ـ المعرفة شرط أساسي للادارة والقيادة

عندما اقترح على يوسف التصدي لمسؤولية مهمة في حكومة مصر ، قال :

(إِجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ). (يوسف / ٥٥)

عندما أعلن بنو اسرائيل عن استعدادهم لمقارعة الملك الظالم آنذاك «جالوت» الذي شردهم ، طالبوا نبيّهم بأن يعين لهم قائداً كي يجاهدوا «جالوت» الظالم ، تحت رايته ، قال لهم النبي :

__________________

(١). جاء في حديث للإمام الصادق عليه‌السلام : «العلم أصل كل حال سني ومنتهى كل منزلة رفيعة» (المحجة البيضاء ، ج ١ ، ص ٦٨).

٥٢

(انَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادهُ بَسطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِى مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). (البقرة / ٢٤٧)

والجدير بالذكر إنّ «طالوت» الذي كُلِّفَ بمهمة قيادة بني اسرائيل لمقارعة الملك القوي والظالم ، كان قروياً مجهولاً يعيش في احدى القرى الساحلية وكان يرعى مواشي أبيه ويزرع!

لكنّه كان ذا قلبٍ واعٍ ، وجسم قوي ، ومعرفة دقيقة وعميقة بكثير ممّا يجري حوله ، ولهذا عندما رآه النبي «اشموئيل» عينّه قائداً على بني اسرائيل ولم يعبأْ باعتراضاتهم على تعيينهِ ، تلك الاعتراضات الناشئة عن معايير وهمية في انتخاب القائد كامتلاك الثروة والأموال الطائلة والسمعة والتقاليد الموروثة من الآباء ، حيث كانوا يعترضون بأنّه مع ما عندنا من أشخاص ذوي سمعة وثروة ، وهم أجدر من طالوت لهذه المسؤولية ، فكان يجيبهم النبي : إنّ هذا الاختيار هو انتخاب الهيّ ، والكل يجب أن يسلّم لأمره.

إنَّ هاتين الآيتين تدلان بوضوح على أنّ المعرفة والعلم من عناصر القيادة والإدارة ، وتؤكدان ما قلناه عن المعرفة حتى الآن (١).

١٨ ـ العلم منبع الإيمان

(وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِى أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِى إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ). (سبأ / ٦)

(إِنَّ الّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً* وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِنَا لَمَفعُولاً). (الاسراء / ١٠٧ ـ ١٠٨)

(فَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسى). (طه / ٧٠)

(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ اوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَّبِّكَ فَيُؤمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ...). (الحج / ٥٤)

__________________

(١). يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : «الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك».

٥٣

(... وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقوُلُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَابِ). (آل عمران / ٧)

إنَّ الآية الأخيرة تلقي الأضواء على العلاقة الوثيقة بين العلم والإيمان ، وتبيّن بأنّ المطلع والمتبحر هو الأرسخ في الإيمان والتسليم (١).

إنَّ هذه الآيات تبين بوضوح أن المعرفة هي إحدى السّبل المؤدية إلى الإيمان ، والإيمان الذي ينبع منها سيكون راسخاً قوياً ومتجذراً إلى مستوىً بحيث نقرأ في قصة موسى عليه‌السلام السحرة في عصر فرعون ، أنّ إيمانهم بموسى عليه‌السلام كان بسبب معرفتهم بأنّ ما جاء به موسى عليه‌السلام لم يكن سحراً ، فما كان من فرعون إلّاأنْ هدّدهم بشدّة قائلاً لهم : (آمنتُم لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ؟!) فالطغاة يريدون التحكم حتى بعقول الناس وإيمانهم القلبي وفهمهم ولا يتصرف أحدٌ بأي شيء إلّاباذنٍ منهم ، وقد جاء في تهديد فرعون لهم أنّه قال :

(فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ النَّخْلِ ...). (طه / ٧١) لكنهم كانوا بدرجة من الصمود بحيث كانوا يقولون له :

(لَنْ نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِى فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ). (طه / ٧٢)

وفعلاً فقد نفّذ فرعون وعيده الذي قطعهُ على نفسه بالإنتقام من السحرة المؤمنين ، واستشهدوا من أجل المعتقد الذي ذابوا فيهِ عشقاً ونالوا مبتغاهم الاسمى وهو الشهادة.

يقول المفسر الكبير المرحوم الطبرسي إنّهم : «كانوا في أول النهار كفاراً سحرة وفي آخر النهار شُهَداء بَرَرَةٌ».

إنَّ ثمرات العلم له تنحصر بالإيمان فحسب بل تشمل الإستقامة والصمود أيضاً. (٢) ، (٣)

__________________

(١) ما ذكرناه حقيقة لا تنكر سواء قلنا بأن كلمة «الراسخون» معطوفة على «الله» ، أو قلنا بأنها مبتدأ وخبرها الجملة اللاحقة ، لأنّه على كلا الفرضين ، الضمير في «يقولون» يرجع إلى «الراسخون في العلم» وبه تتّضح العلاقة بين الإيمان والعلم في الآية.

(٢) يعتقد البعض أنّ «العلم» والإيمان» شيءٌ واحد. فإذا كنا نعلم بأنّ هناك خالقاً لهذا العالم وهو قادر وعالم ، فنفس هذا العلم إيمان به ، لكن المحققين يقولون بفصل الإيمان عن العلم ، لأنّ الإيمان يمكن أن يكون ثمرة من ثمار العلم (وليس الثمرة الضرورية والدائمية) لكنه ليس عين العلم والإيمان التسليم القلبي والقبول والاعتراف الرسمي ، بينما ـ

٥٤

١٩ ـ العلم منشأ تقوى الله وخشيته

(إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ). (فاطر / ٢٨)

يقول الراغب في مفرداته «الخشية هي الخوف الذي يكون متزامناً مع التعظيم ، وغالباً ما ينشأ عن العلم».

(وَاتَّقُونِ يَا أُولِى الْالْبَابِ). (البقرة / ١٩٧)

إذ لم تكن هناك علقة بين «العلم» و «التقوى» لم يخاطب الله سبحانه وتعالى «أولو الألباب» داعيهم للتقوى في الآية ، وهذا الخطاب دليل على هذه العلقة المباركة.

(فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِى الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). (المائده / ١٠٠)

(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ). (البقرة / ١٨٧)

إنَّ هذا التعبير في الآية الأخيرة يدل بوضوح على أنّ الله تعالى يبين الآيات كمقدمة لإيجاد الوعي لدى الناس ، والوعي يكون أحد سُبل التقوى.

بالطبع ليس كلما كان العلم كانت التقوى ، لأنّ هناك علماء غير عاملين ، لكن المتيقن أنّ العلم مقدمة وأرضية خصبة للتقوى ، ويعتبر من المصادر الأساسية للتقوى ، وَالتقوى غالباً ما تكون قرينة العلم ، العلم الذي يكون مقروناً بالإيمان سيكون منشأً للتقوى كذلك.

والعكس بالعكس ، فالجهل غالباً ما يؤدى إلى نفي التقوى والورع (١).

٢٠ ـ العلم منشأ الزهد

(وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ). (القصص / ٨٠)

__________________

ـ كثيراً ما يحصل أن يعتقد الإنسان بشيء ولم يسلم به ، كما يحكي القرآن عن البعض في سورة النمل الآية ١٤ (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمَاً وعُلُوّاً).

(٣) يقول الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «العِلمُ حياة الإسلام وعماد الإيمان». (كنز العمال ، ج ١٠ ، ص ١٨١).

(١) يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام «أعظم الناس علماً أشدّهم خوفاً من الله». (غرر الحكم ، الحكمة ٣٢٦).

٥٥

أشارت هذه الآية التي جاءت في أواخر سورة القصص إلى قصة (قارون) ونقلت نصيحة علماء بني اسرائيل لكافة الناس ، الذين تمنوا امتلاك ثروة قارون عند استعراضه لثروته.

فعندما شاهد أهل الورع من علماء بني اسرائيل تَعَلُّقَ الناس بالدنيا وحبهم الشديد لها وارتباطهم الوثيق بها خاطبوهم قائلين : ويلكم يا عبدة الدنيا! لا تخدعكم الثروة وبهارج الدنيا ، فالجزاء الإلهي خير لكم في الدنيا والآخرة إن عملتم صالحاً وكنتم مؤمنين ، لكن لا ينالُ هذا الثواب الإلهي إلّاالصابرون الرافضون الظلم والاغراءات المادية.

إنّ عبارة (اوتوا العلم) تدل بوضوح على وجود علاقة بين (الورع والزهد) من جهة والعلم والمعرفة) من جهة اخرى ، وأنّ العارفين بزوال الدنيا وحقارة الثروات المادية في قبال الجزاء الإلهي وخلود الآخرة ، فانّهم لا ينخدعون بالماديات ولم يتمنوا ثروة قارون (١).

٢١ ـ التطور المادي مرهون بالعلم

(قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِى). (القصص ٧٨)

الكلام الذي ورد في الآية الكريمة قاله قارون الغني والمغرور والأناني عندما نصحه علماء قوم موسى ، أَن استثمر ثروتك في مجال منافع العباد ولا تنسَ نصيبك من الدنيا ، وأحسن لعباد الله كما أحسنَ الله اليك ولا تتخذ ثروتك وسيلة للفساد.

لكنه أجاب قائلاً : إنّي جمعت هذه الثروة بفضل علمي ومعرفتي.

والذي ينبغي ذكره هنا هو أنّ الله لم ينفِ ادّعاءهُ هذا.

بل يقول تعالى : (اوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً). (القصص / ٧٨)

__________________

(١). يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : «إنَّ ممّا خاطب الله به موسى بن عمران قال : إنّ عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم بي». (بحار الأنوار ج ١٨ ، ص ٣٣٩).

٥٦

إنَّ هذا التأييد الضمني يكشف أنّ لقارون علماً تمكن بواسطته أن يجمع ثروته العظيمة (سواء كان ذلك العلم هو علم الكيمياء ـ كما يدعي بعض المفسرين أو كان معرفته لقواعد وفنون التجارة والأعمال).

إنَّ المسلَّم به هو أنّ ادعاء قارون لم يصلح حجة لمنع انتفاع الناس بثروته ، وذلك أنّ الإنسان مهما كانت لديه من مؤهلات وقابليات ، لا يمكنه لوحده أن يكسب ثروة بهذا الحجم فلابدّ أنّه قد استفاد من الآخرين في سبيل تحصيلها ، لذا فهو مَدينٌ للمجتمع ولتعاونهم معه.

وعلى أي حالٍ ، فإنّ ما تبينه هذه الآية هو وجود علاقة بين «العلم المادي» والتطور المادي» ، وهذا ما نشاهده بوضوح في عصرنا الحاضر ، حيث إنّ أقواماً تقدموا مادياً في مجال الصناعة والحضارة المادية وذلك بفضل علومهم وتقنيتهم وصناعاتهم (١).

٢٢ ـ العلم مصدرالقوة أو (العلم قوّة)

(قَالَ الَّذِى عِنْدَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّى). (النمل / ٤٠)

هذه الآية لها علاقة بقصة سليمان وملكة سبأ ، فعندما أراد سليمان أن يأتي بعرشها ، تعهد عفريتٌ من زعماء الجنّ بأن يأتي به قبل أن يقوم سليمان من مجلسه ، لكن وزير سليمان «آصف بن برخيا» الذي كان عنده علم من الكتاب ، والذي كان علمه يمكنه من القيام بأعمال خارقة للعادة قال لسليمان : إنّي استطيع أن آتي به قبل أن يرتد إليك طرفك وفعل ما قال ، فشكر سليمان ربّه على الفضل الذي آتاه إيّاه من الأنصار والأعوان والأصدقاء.

وهذه الآية وإن جاءت في مورد خاص ، لكنها تكشف بوضوح عن العلاقة الموجودة بين العلم والقوّة ، وترغب وتشجع على كسب العلم (٢).

__________________

(١). يقول الإمام علي عليه‌السلام : «لا غنى أخصب من العقل ولا فقر أحط من الحمق». (اصول الكافي ، ج ١ ، ص ٢٩).

(٢). يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : «العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس». (اصول الكافي ، ج ١ ، ص ٢٩٠).

٥٧

٢٣ ـ العلم والتزكية

(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). (البقرة / ١٢٩)

ما ورد في الآية الكريمة الذي يعد بمثابة دعاءٍ دَعا به «إبراهيم» و «إسماعيل» عليهما‌السلام في ضمن أدعية دعيا بها الله ، يكشف بوضوح عن العلاقة الوثيقة بين «العلم والحكمة» من جهة ، و «التزكية والتربية» من جهة اخرى وقد تقدم العلم هنا على التزكية.

لكن في الآيتين التاليتين واللتين تناولتا منهج الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد البعثة ، تقدمت التزكية على العلم فيهما ، حيث يقول الله تعالى هناك :

(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُّبينٍ). (آل عمران / ١٦٤)

كما أنّ الآية الثانية من سورة الجمعة تشبه الآية المتقدّمة مضموناً.

الظاهر أنّ الاختلاف في التعبير حين يقدم العلم على التزكية تارة والتزكية على العلم تارة اخرى ناشىءٌ من التأثير المتبادل بين هذين الاثنين ، فإنّ العلم مصدر التربية الأخلاقية ، والتربية الأخلاقية تصلح لأنّ تكون في ـ بعض مراحلها ـ مصدراً للعلم.

وعلى هذا ، فكل منهما يهيىء الأرضية للآخر ، وهذا هو معنى التأثير المتبادل للعلم والتزكية (وسيأتي شرح هذا الموضوع في بحث مؤهلات المعرفة إن شاء الله) (١).

٢٤ ـ علاقة العلم بالصبر

(وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً). (الكهف / ٦٨)

هذا الحديث نطق به العالم الرباني (الخضر) مخاطباً به موسى بن عمران ، عندما سأله أن

__________________

(١). يقول أمير المؤمنين في حديث له حول العلم : «ومن ثمراته التقوى ، واجتناب الهوى ومجانبة الذنوب». (بحار الأنوار ، ج ٧٨ ، ص ٦).

٥٨

يعلمه من علومه ، فاجابه الخضر : إنّك لم تَحُط بأسراري وألغاز أعمالي ، ولن تتحملها وذلك لقلّة احاطتك ومعرفتك.

وهذا التعبير يبين بوضوح أنّ عدم العلم والمعرفة يؤدّي إلى نفاد صبر الإنسان.

بالطبع أنّ الصبر قد يكون مصدراً لزيادة العلم والمعرفة ، وعليه فهذان الإثنان بينهما تأثير متبادل كما يصرح بذلك القرآن في عدد من الآيات :

(إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).

(ابراهيم / ٥) ، (لقمان / ٣١) ، (سبأ / ١٩) ، الشورى / ٣٣)

ومن الواضح أن طريق العلم والمعرفة طريق صعب مليءٌ بالمنغّصات ، ولا يمكن أن يدرك العلم إلّابالصبر والتحمل والصمود ، وأنّ العلماء والمخترعين والمكتشفين لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلّابالمثابرة والصبر.

٢٥ ـ العلم والمعرفة خير كثير

(يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْراً كَثيراً). (البقرة / ٢٦٩)

وكلمة «الحكمة» مشتّقة من مادة «حَكْم» على وزن (خَتْم) وتعني الصدّ والمنع بهدف الإصلاح ولهذا يقال لزمام الحيوان «حَكَمَة» على وزن (شَجَرة) ، وبما أنّ العلم والمعرفة يحول دون اتخاذ الإنسان سلوكاً مشيناً ، فلهذا سميت «حكمة».

كما أنّ «العقل» يعني الامساك والحفظ ، ولهذا قيل للحبل الذي تُربط به رِجلا الجمل «عقال»، فالعقل قيل له عقلاً لأنّه يصون الإنسان من الانحراف عن جادة الصواب.

وعلى أيّة حال ، فإنّ القرآن الكريم وصف العلم بأبلغ وأجمل توصيف حيث قال (خيراً كثيراً) ، وهذا التعبير يشمل جميع النِعَم والمواهب الإلهيّة المادية منها والمعنوية.

إنَّ المستخلص من خمسة وعشرين عنواناً ذكر حتى الآن حقيقة بيّنه واضحة وهي : إنّ القرآن وبالاستعانة بعبارات شيقة ولطائف البيان يحثّ الإنسان على طلب العلم والمعرفة

٥٩

ويعدّهما أفضل موهبة ونعمة إلهية ، ويستفاد من التعبيرات السابقة بالدلالة الالتزامية أنّ طريق العلم مفتوح للجميع ، ولا شيء أنفع منه ، وهذا هو الشيء الذي نحن بصدده (١).

والآن ننتقل إلى عناوين اخرى تدور حول محور «(الجهل) وبملاحظة آثاره السلبية والمدمرة ، نشق طريقنا نحو العلم والمعرفة وما ينتح عنهما من آثار إيجابية وحيوية.

٢٦ ـ أصحاب السعير هم الجاهلون

(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ والْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّايَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّايَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْانْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ). (الاعراف / ١٧٩)

إنَّ كلمة «ذرأ» مأخوذة من مادة ذَرْء على وزن (زَرْع) وتعني الخلق ، لكن المستخلص من «مقاييس اللغة» أنّ أصلها يعني «نثر البذور».

ويحتمل لهذا السبب ذكر الراغب في «مفرداته» أن معناها الأصلي هو «الاظهار والايضاح» ، بينما قال البعض كما في «التحقيق في كلمات القرآن» : إنَّ معناها الأصلي هو «النثر والنشر».

فإذا أُريد منها الخلق فيكون معنى الآية : إنَّ أولئك الذين وهب الله لهم السمع والبصر والفؤاد ... (وسائل المعرفة) ولم يستفيدوا منها لا مصير لهم غير جهنم ، وإذا كانت «ذرأ» بمعنى النشر والنثر ، فالآيةُ تُشير إلى أنّ أشخاصاً كهؤلاء سينثرون في جهنم.

وعلى أيّة حال فهذه الحقيقة تكشف عن أنّ عاقبة الجهل وتعطيل وسائل المعرفة ليست سوى نار جهنم.

(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ* فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ). (الملك / ١٠ و ١١)

__________________

(١). يقول الإمام علي عليه‌السلام : «لا كنز أنفع من العلم». (بحار الأنوار ، ج ١ ، ص ١٨٣).

٦٠