نفحات القرآن - ج ٦

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ٦

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-000-9
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٤٢٨

١
٢

٣

الاهداء :

إلى الذين أحبّوا القرآن

إلى الذين يريدون أن ينهلوا المزيد من معين

الحياة الصافي

إلى الذين يتوقون إلى معرفة القرآن وفهمه

أكثر فأكثر.

بمساعدة العلماء الأفاضل وحجج الإسلام السادة :

محمّد رضا الآشتياني

محمّد جعفر الإمامي

عبدالرسول الحسني

محمّد الأسدي

حسين الطوسي

سيّد شمس الدين الروحاني

محمّد محمّدي الاشتهاردي

٤

منازل الآخرة

١ ـ علامات القيامة

٢ ـ النفخ في الصور

٣ ـ صحيفة الأعمال

٤ ـ حضور الأعمال

٥ ـ محكمة العدل الإلهي

٦ ـ الصراط والمرصاد

٥
٦

منازل الآخرة

المقدّمة :

إنّ مسألة المعاد مسألة واسعة النطاق والابعاد ، لأنّ الحديث عنها هو حديث عن عالم واسع ، وبما أنّ عالم المعاد عالم مجهول ويختلف من جهات عديدة عن عالمنا هذا ، لذلك سيكون البحث في هذا المجال بحثاً معقداً ، ومع كونه معقداً فهو ممتع وجذّاب في نفس الوقت ويعود ذلك لسببين :

الأول : لكونه موضوعاً مثيراً ، وهذا ما يبعث عند كل إنسان حبّ الاطلاع وكشف المجهول.

الثاني : إنَّ التوجّه إلى هذه المسألة ومعرفة جزئياتها له أثر نفسي وروحي وتربوي كبير في بناء النفس الإنسانية ، إذ إنَّها تشتمل على جميع مراحل حياة الإنسان ، وربّما هذا هو السبب الذي جعل القرآن الكريم يتناول الكثير من الموارد والمسائل التي تتعلق بالمعاد ، وهذا ما لا نجده في غيرها من المسائل.

إنَّنا في بادئ الأمر كنّا قد ارتأينا أن نجمع جميع البحوث المتعلّقة ب (المعاد) وفق المنظور (القرآني) في مجموعة واحدة (كتاب واحد) ونضعها بين يدي القاريء الكريم تحت عنوان (تفسير نفحات القرآن).

ولهذا نحن بذلنا جهدنا في تلخيص هذه البحوث بالقدر الذي لا يؤثر على المحتوى العام ، مع الحرص على تلافي أي خلل أو نقص في المسائل المطروحة فيه ، ولكن وبعد أن خضنا في أعماق الآيات القرآنية ـ بهذا الفكر القاصر ـ عثرنا على كنوز من الجواهر النفيسة بحيث لايمكن جمعها في كتاب واحد ، حيث أصبح عدد صفحاته يزيد على الالف ممّا

٧

اضطرنا إلى أن نعيد النظر في هذا الكتاب وندوِّنه في مجلَّدين.

واتفق أن البحوث المتناولة في المجلد الأول مغايرة تماماً لبحوث المجلد الثاني ، ففى المجلد السابق كان الحديث يدور حول المسائل المرتبطة بالمعاد ، أمّا هذا المجلد فيتناول جزئيات وخصوصيات المعاد وفق المنظور القرآني ، وبتعبير آخر لو أننا شبَّهنا مسألة المعاد ببناء عظيم شامخ لكان المجلد الأول يمثل أساس هذا البناء ، وأمّا المجلد (الثاني) فيتناول جزئيات وتفاصيل البناء وما يتعلق به.

ولهذا كان من المناسب أنْ نسمّي هذا الكتاب باسم (منازل الآخرة) أو منازل القيامة. ولابدّ لنا من الإشارة إلى أنّ البحث حول المعاد عموماً ، وما يرتبط بجزئياته خصوصاً ، يثير الكثير من الأسئلة ، لهذا فقد سعينا واستطعنا أن نجيب عن جميع الأسئلة من القرآن نفسه أو من الأحاديث الشريفة أو الأدِلَّة المنطقية الفعلية.

كذلك بذلنا جهدنا لتقريب هذه المفاهيم المهمّة والمعقّدة إلى الأذهان بضرب الأمثلة الحية ، ولقد استفدنا في هذا المجال من التجارب التي حصلنا عليها من خلال البحوث العقائدية والتفسيرية ، آملين التوفيق في هذا الطريق ، والرأيُ لكم.

ولا شكّ في أنَّ هذا العمل سيمهِّد الأرضية لبذل جهود أكبر في المستقبل ، وهو عامل مساعد في استمرارية هذه الجهود في هذا المجال ، ولا يمكن أنْ يدّعي أحد بأنّه قال في هذا المجال كل شيء ، ولم يبق ما يقال.

نسأله تعالى أنْ يعصمنا من الزلل سواء كان في العلم أو في العمل ، في القلم أو في الكلام ، كما نطلب منه تعالى أنْ يسلِّمنا ويدخلنا في المنازل الرفيعة منازل الرحمة ، رحمته (جنات عدن) ، (جنّة الخلد) ولا يمكن لأحد أنْ يدخلها بسلام إلّاأنْ تشمله ألطاف وعناية الباري عزوجل.

قم المقدّسة ـ ناصر مكارم الشيرازي

٨

١ ـ علامات القيامة

الفصل الأول : أشراط الساعة

تمهيد :

يبدأ المنزل الأول من منازل الآخرة بظهور علامات القيامة ، وهذه الحقيقة الملموسة نجدها بكثرة في القرآن الكريم حيث إنّ الكثير من الآيات القرآنية تتحدث عن علامات قرب الساعة ، وقد عُرفت هذه العلامات بـ (أشراط الساعة) وقد اخذ هذا العنوان ـ كما سنرى ذلك ـ من القرآن الكريم نفسه :

«أشراط» جمع شَرَط على وزن هَدف بمعنى (العلامة)

و «الساعة» هنا تعني القيامة ، وهذه العلامات عبارة عن حوادث مهمّة ورهيبة تحدث قبل يوم القيامة تنذر كل منها بنهاية هذا العالم أو هي البداية لقيام الساعة ولابدّ أن نشير هنا إلى أنّ هذه الحوادث ليست متشابهة بل هناك فوارق واختلافات بينها ، وبنظرة عامّة يمكن تقسيم هذه الحوادث إلى ثلاثة أقسام وهي :

١ ـ الحوادث المهمّة التي تتحقق «قبل نهاية هذا العالم».

٢ ـ الحوادث المرعبة التي تحدث على «اعتاب نهاية هذا العالم».

٣ ـ الحوادث الرهيبة التي تحصل أيضاً عند «بداية البعث» والعودة إلى حياة جديدة ، ولابدّ من التأمل في كل واحدة منها. وبعد هذه الإشارة نعود إلى القرآن الكريم ونبدأ «بالقسم الأول» منها ونستعرض الآيات التي تدور حول هذا الموضوع وهي.

١ ـ (فَهَل يَنْظُرُونَ إِلّا السَّاعَةَ انْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ اشْرَاطُهَا). (محمد / ١٨)

٢ ـ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ). (القمر / ١)

٣ ـ (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَاْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ). (الدخان / ١٠)

٩

جمع الآيات وتفسيرها

ظهور علامات القيامة :

إنّ الآية الاولى من آيات هذا البحث تشير إشارة عابرة إلى (أشراط الساعة) من دون بيان مصداقها ، فتقول : هل ينتظر هؤلاء (الكفّار والمستهزِئون) أن تقوم الساعة بغتة حتى يؤمنوا في حين أتتهم علاماتها : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلّا السَّاعَةَ انْ تَاْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ اشْرَاطُهَا) عِندئذٍ لايَنفَعُ إيمانُهُم (فَانَّى لَهُم اذَا جَاءَتْهُم ذِكرَاهُم) وكما أشرنا سابقاً فإنّ (أشراط) جمع (شَرَط) بمعنى العلامة ـ وبناءً على هذا فإنّ معنى (أشراط الساعة) : علامات القيامة.

أمّا ما المراد من تحقيق هذه العلامات التي أخبرت عنها الآيات السابقة الذكر؟ فنبيّنه كالآتي :

للمفسرين آراء مختلفة في ذلك ، فيرى أغلبهم أنّ المقصود من (أشراط) هنا هو مبعث النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وقيامه بالدعوة ونزول القرآن الكريم الذي هو آخر كتاب سماوي ، والدليل على هذا الرأي هو الأحاديث الواردة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الخصوص ، كالحديث المشهور الذي رُوي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (بعثت أنا والساعة كهاتين ، وضمّ السبابة والوسطى) (١).

ولقد عدّ البعض الآخر من المفسّرين انشقاق القمر من (أشراط الساعة) هذا فيما لو كانت جميع الآيات التي تحدثت حول (أشراط الساعة) تشير إلى قرب الساعة وليس إلى إمكانية المعاد إلّاأنّ البعض اختار المعنى الثاني وقال : إنّ أصل خلق الإنسان هو من تراب ، وإن خلق السموات والأرض كلها علامات على قدرة الله تبارك وتعالى على إعادة الحياة من جديد بعد الممات ، وعليه ستكون جميع دلائل إمكانية المعاد جزءاً من علامات القيامة و (أشراط الساعة).

ولكنَّ المعنى الأول هو الأصح خصوصاً أنّ بعض الروايات الإسلامية عدّت بعض

__________________

(١) نقل هذا الحديث الكثير من مفسري الشيعة وأهل السنّة بقليل من الاختلاف مثل تفسير مجمع البيان ؛ تفسير القرطبي ؛ تفسير في ظلال القرآن ؛ وتفسير روح البيان ؛ وفي تفاسير اخرى.

١٠

الامور من علامات قرب القيامة و (أشراط الساعة) مثل الحديث المنقول عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من أشراط الساعة أن يرفع العِلْم ، ويظهر الجهل ، ويُشرب الخمر ، ويفشو الزنا) (١).

حتى أنّ بعض الروايات عدّت قيام المهدي (عج) لمقارعة الظلم والفساد جزءاً من أشراط الساعة.

* * *

إقتربت الساعة :

تتحدث الآية الثانية عن قرب القيامة وانشقاق القمر ، قال تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانشَقَّ القَمَرُ). (القمر / ١)

وهذا جواب عن سؤال طالما تكرر طرحه على الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو متى تقوم الساعة؟ فيجيب صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه قريب ومن علاماتها شق القمر ، وكما أنّها دليل على قدرة الله عزوجل على كل شيء (بضمنهما قدرته على إحياء الموتى) كذلك فهي تتحدث عن صدق دعوى الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو آخر السفراء الإلهيين ، وتُخبر كذلك عن قرب وقوع القيامة ، كما ذكرنا في شرح الآية السابقة أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه قال : (بعثت أنا والساعة كهاتين).

ولكن بعض المفسرين المتقدمين والمتأخرين يرون أنّ الآية تشير إلى حوادث ستقع في نهاية هذا العالم قبيل القيامة.

ومن جملة هذه الحوادث تكوير الشمس ، أي ذهاب ضوئها ونورها وانشقاق القمر ، أمّا لماذا عبرت الآية عن هذه الحادثة (انشق) بصيغة الماضي؟ فجوابه : إنّ اللغة العربية تعبر عن المسائل المستقبلية الحتمية الوقوع بصيغة الماضي.

ولكن هذا الرأي (أي إنّ الآية ناظرة إلى حوادث آخر الزمان لم يأخذ به أكثر المفسرين ، لأنّ ظاهر الآية بصيغة الماضي ومرتبط به ، وليس من الصحيح أن تفسر الآية بكونها تدلّ

__________________

(١). تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٣٧ ، ح ٤١.

١١

على المستقبل من دون أيّة قرينة واضحة).

ويقول صاحب تفسير (في ظلال القرآن) : «فهذه روايات متواترة من طرق شتى عن وقوع هذا الحادث وتحديد مكانه في مكة» (١).

وينقل العلّامة المرحوم الطباطبائي في الميزان : «وقد روي انشقاق القمر بدعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بطرق مختلفة كثيرة» (٢) ، باستثناء بعض المفسرين القدماء غير المعروفين.

ويقول أبو الفتوح الرازي : «إنّ من يقول إنّ الآية أعلاه تشير إلى الحوادث المستقبلية هو خلاف لإجماع واتفاق العلماء» (٣).

وهناك بحوث كثيرة تتعلق بمسألة كيفية شق القمر .. وشَرْحِ هذا الاعجاز النبوي والروايات المتعلقةبه ، وإمكانية وقوعه من الناحية العلمية ، وبما أنّها خارجة عن هدفنا الرئيس وهو شرح (أشراط الساعة) لذا فقد صرفنا النظر عنها ، وللمزيد من المعلومات في هذا المجال راجع تفسير (الأمثل) الجزء ٢٣ ، ص ١٢ ـ ١٩.

يوم تأتي السماء بدخان مبين :

تشيرالآية الثالثة إلى علامة اخرى من علامات قرب الساعة وهي (الدخان) حيث يغطي دخان كثيف صفحة السماء في ذلك اليوم ويأتي على شكل عذاب : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَاْتِى السَّماءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ الِيمٌ). (الدّخان / ١٠ ـ ١١)

ولقد ذكر المفسرون آراء عديدة في تفسير هذه الآية نذكر ثلاثة منها :

الأول : يرى بعض المفسّرين أنّ الدخان إشارة إلى عذاب يوم القيامة وهو دخان مرعب شرّه مستطير يظلل رؤوس المجرمين ، ولكننا نرى هذا الاحتمال بعيداً لأننا نجد في ذيل الآية أنّ المجرمين يطلبون رفع هذا العذاب الإلهي ويظهرون الإيمان ويأتيهم الخطاب : (انَّا

__________________

(١) تفسير في ظلال القرآن ، ج ٧ ، ص ٦٤٤.

(٢) تفسير الميزان ، ج ١٩ ، ص ٦٠ ـ ٦١.

(٣) تفسير روح الجنان ، ج ١٠ ، ص ٣٦٤.

١٢

كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلاً انَّكُمْ عَآئِدُونَ). (الدخان / ١٥)

فلا يمكن تصوّر وقوع هذا المعنى في يوم القيامة خاصة وأنّ الآية التي بعدها تشير إلى القيامة وعقوباتها بشكل مستقل ، وهذا يدل على أنّ ما ذكر قبلها يتعلق بغير يوم القيامة : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى انَّا مُنْتَقِمُونَ). (الدخان / ١٦)

الثاني : ويرى بعض آخر أنّ الآية تشير إلى أنّ الكفّار بعد أن حلّت بهم المجاعة والجدب جاءوا إلى النبي يطلبون منه الدعاء لرفع هذا العذاب فدعا النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله فرفع العذاب عنهم ولكنّهم عادوا إلى عتوّهم وجحودهم.

وبناءً على ذلك فإنّ الدخان هنا يراد به المعنى المجازي ؛ لأنّ الادب العربي يستخدم كلمة دخان كناية عن الشر والبلاء الغالب ، كما ذكر ذلك الفخر الرازي في تفسيره (١).

أو قد يراد بالدخان ، الأتربة والغبار الذي يغطي صفحة السماء أثناء سنوات القحط حيث لا وجود للأمطار التي تزيل هذا الغبار وهذه الأتربة (٢) ، من هنا يطلق على سنة القحط بـ (السنة الغبراء) أو (عام الرماد).

والمأخذ الذي يؤاخذ عليه هذا التفسير هو أنّ الدخان الوارد في الآية الكريمة لم يستعمل بمعناه الحقيقي وقد حمل على معناه المجازي بدون أية قرينة.

الثالث : ويرى الآخرون أنّ الآية تشير إلى احدى علامات قرب القيامة حيث تغطى السماء بدخان مبين فيلجأ الناس إلى لطف الله تعالى ليكشف عنهم العذاب فيرفع بكرمه ولطفه عنهم قليلاً منه ورغم كل هذا لا يؤمن المنكرون.

إنّ هذا التفسير إضافة إلى كونه مطابقاً لظاهر الآية فانّه يتفق مع الأخبار المتعددة التي وردت في مصادر تفسير الشيعة والسنّة ، ونقرأ هنا حديثاً عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أول الآيات خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تَبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم إذا

__________________

(١) التفسير الكبير ، ج ٢٧ ، ص ٢٤٢.

(٢) تفسير روح المعاني ، ج ٢٥ ، ص ١٠٧ ؛ وتفسير روح البيان ، ج ٨ ، ص ٤٠٦.

١٣

قالوا ، وتصبح معهم إذا أصبحوا وتمسي معهم إذا أمسوا ، قلت : يانبي الله وما الدخان؟ قال هذه الآية : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأتِى السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ) يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة أمّا المؤمن فيصيبه منه شبه الزكام وأمّا الكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج الدخان من فمه ومنخره وعينيه وأذنيه ودبره» (١).

ولقد ورد هذا المعنى في مصادر الشيعة بشيء من الاختلاف فقد نقل الإمام علي عليه‌السلام عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «عشرة قبل الساعة لابدّ منها : السفياني ، والدجال ، والدخان ، والدابة ، وخروج القائم ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى عليه‌السلام ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر» (٢).

وقد وردت روايات اخرى تؤيد هذا المعنى.

وبناءً على ذلك يكون التفسير الثالث للآية الشريفة هو التفسير الأفضل.

هذه هي أهم (أشراط الساعة) التي ذكرها القرآن الكريم.

* * *

__________________

(١). تفسير القرطبي ، ج ١٦ ، ص ١٣١.

(٢). بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٢٠٩ ؛ وفي تفسير القرطبي ، ج ٩ ، ص ٥٩٥ ، وغيرها من الأحاديث تنقل نفس هذا المضمون.

١٤

الفصل الثاني : العلامات التي تنذر بنهاية هذا العالم

يستفاد من طائفة اخرى من آيات القرآن الكريم حدوث اضطراب عظيم في نظام الكائنات والأرض والسماء عند نهاية هذا العالم وبتعبير آخر إنّ انتهاء العالم لا يكون تدريجياً وإنّما يكون مباغتاً ومقترناً بمشاهد وحوادث مرعبة.

ومن جملة هذه الحوادث التي تعد قسماً من علامات الساعة ما يأتي :

١ ـ تلاشي الجبال

لقد ورد هذا الموضوع في آيات متعددة من القرآن الكريم وذُكرت له مراحل عديدة ومختلفة ويمكن تقسيمها وتلخيصها في سبعة مراحل هي :

١ ـ المرحلة الاولى : اهتزاز الجبال : (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ). (المزمل / ١٤)

٢ ـ المرحلة الثانية : قلعها : (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ). (الحاقة / ١٤)

٣ ـ المرحلة الثالثة : تسييرها : (وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً). (الطور / ١٠)

٤ ـ المرحلة الرابعة : الدك والهدم : (فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً). (الحاقة / ١٤)

وفي هذه المرحلة تصبح الجبال كالكثبان المتراكمة : (وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً). (المزمل / ١٤)

٥ ـ المرحلة الخامسة : تصبح فيها الجبال كالغبار المتفرق : (وبُسَّتِ الجِبَالُ بَسّاً* فَكَانَت هَبَآءً مُّنبَثّاً). (الواقعة / ٥ و ٦)

٦ ـ المرحلة السادسة : تكون الجبال فيها كالعهن المنفوش أي كالصوف المندوف المتطاير في الريح الشديدة ولا يرى في السماء إلّالونها : (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ). (القارعة / ٥)

١٥

٧ ـ المرحلة السابعة : تلاشي الجبال ولا يبقى منها إلّاشبح كشبح سراب في صحراء قفر : (وَسُيِّرَتِ الجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا). (النبأ / ٢٠)

وهكذا سوف تزول الجبال تماماً ولا يبقى منها أي أثر وتبدل إلى أرض مستوية لا نرى فيها عوجاً ولا أمتاً : (فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفصَفاً) (١). (طه / ١٠٦)

والسؤال الذي يطرح هنا هو : هل أنّ هذه الحوادث العجيبة والمرعبة تقع للجبال على أثر انفجارات داخلية فيها واندثار لنظامها الذري وتحرر الطاقة الكامنة في داخلها؟ أم أنّها على أثر ضربة خارجية توجه إليها من اصطدام الأجرام السماوية بسرعة وجاذبيه عالية بعضها مع البعض الآخر ..؟ أم هناك علل اخرى لم يكتشفها العلم اليوم ..؟

لا يمكن لأي شخص اعطاء جواب صحيح عن هذه الأسئلة ، فالعلوم اليوم عاجزة عن تفسير هذه الظواهر.

إنّ هناك انفجارات عظيمة حدثت وتحدث في الأجرام السماوية ، ولكن العلم يعجز عن تفسير علل تلك الانفجارات فنحن لانعرف إلّاما أخبرنا عنه القرآن الكريم بأنّ هذه الحوادث تقع في نهاية هذا العالم.

* * *

٢ ـ انفجار البحار

من العلامات الاخرى لنهاية هذا العالم وقرب قيام الساعة ، انفجار البحار ، ونقرأ في هذا الصدد قوله تعالى : (واذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ). (الانفطار ٣)

وقال في موضع آخر : (وَاذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ). (التكوير / ٦)

وقال في الآية السادسة من سورة الطور بعد أن أقسم بأيمان متعددة ومتتابعة : (وَالْبَحْرِ المَسْجُورِ).

__________________

(١). «القاع» الأرض الملساء المستوية و (صفصف) الأرض الخالية من أي نبات أو الأرض الملساء المستوية ، وفي هذه الحالة يكون المعنيان مترادفين ـ لغرض التاكيد.

١٦

بلا شك أنّ الآية الاولى والثانية أشارتا إلى (أشراط الساعة) وذلك لأنّ الآيات التي وردت بعدها دلّت على هذا المعنى بشكل واضح ، أمّا فيما يتعلق بالآية الثالثة فقيل في تفسيرها إنّها كانت ناظرة إلى علامات القيامة.

ولقد وردت في إحدى هذه الآيات عبارة (فجّرت) وهذه الكلمة مشتقة من (فَجر) واستعملت بمعنى الانفجار ومن الممكن أن تكون هذه إشارة إلى انفجار البحار.

لقد أصبحت هذه الحالة اليوم مفهومة نظراً لأنّ الماء يتكون من عنصرين ، الأول هو الاوكسجين والثاني هو الهيدروجين وهذان العنصران قابلان للاحتراق فلو كان هناك عامل يسبب في تجزئة الماء لتبدلت البحار إلى كتلة عظيمة من نيران محرقة ، وتكفي قدحة صغيرة لإحراق العالم بأسره.

ويحتمل أن تكون الزلزلة الشديدة التي تقع قبيل القيامة هي السبب في تشقق الأرض واتصال البحار مع بعضها البعض وعلى أثر ذلك سوف تتصل جميع البحار البحيرات الموجودة على الأرض وهذا أيضاً أحد الأقوال التي ذكرت في تفسير هذه الآية.

وهناك تفسير ثالث يقول : عندما تتلاشى الجبال يسقط غبارها في البحار فتمتلئ ويطغى الماء على اليابسة فتصير كلها بحراً واحداً.

وبهذه المعاني الثلاثة فسّرت الكلمة الثانية (سجّرت) المشتقة من مادة (تسجير) وذلك لأنّ التسجير في الأصل يعني الإيقاد ويأتي أحياناً بمعنى المل ولذا يقال للتنور المملوء بالنار (مسجر).

وقد يكون اشتعال البحار بسبب تجزئتها إلى عنصرين قابلين للاحتراق (الاوكسجين والهيدروجين) أو لعلل اخرى نجهلها ، أمّا امتلاء البحار فهو إمّا بسبب تلاشي الجبال وسقوطها في البحار أو بسبب سقوط الأحجار السماوية الكبيرة فيها أو لعلل اخرى غير معروفة.

* * *

١٧

٣ ـ الزلزال العظيم المدمر

من العلامات الاخرى لنهاية هذا العالم وقرب قيام الساعة حدوث زلزلة عظيمة ليس لها نظير بحيث تهزّ جميع أنحاء الكرة الأرضية فتدمّر كل شيء ويدفن جميع الناس في لحظات.

يقول القرآن : (يَاايُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىءٌ عَظيمٌ). (الحج / ١) ثم يقول : (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارى وَمَاهُمْ بِسُكَارى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ). (الحج / ٢)

وسنشير في الفصل الثالث تحت عنوان (أشراط الساعة) إلى أنّ هناك زلزلة اخرى تقع قبيل إحياء الأموات أشارت إليها بعض الآيات الكريمة ، ويحتمل أن تكون الآية الكريمة التي نحن بصددها قد أشارت إلى هذا المعنى بقرينة : (وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَديدٌ) ، وبهذا يجب أن نفسّر المراد بالمرضعات والحوامل تفسيراً مجازياً ، فشدّة الهلع والخوف الناشئ من أثر الزلزلة العظيمة تجعل كل امرأة حامل تسقط جنينها تفسيرٌ على خلاف ظاهر الآية ، وعلى أيّة حال إنّ هذا المعنى ورد أيضاً في قوله تعالى : (يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ). (١) (المزمل / ١٤)

وجاء نظير هذا المعنى في قوله تعالى : (اذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجَّا* وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً). (الواقعة / ٤)

* * *

٤ ـ ذهاب ضوء الشمس والقمر والكواكب

من العلامات الاخرى لقرب الساعة انطفاء قرص الشمس واختفاء ضوء الكواكب كما ذكرت الآية : (اذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ* وَاذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ). (التكوير / ١ ـ ٢)

__________________

(١). «ترجف» مشتقة من مادة «رجف» على وزن كشف وهي بمعنى الاضطراب والهزّة العنيفة .. من هنا يطلق على الأخبار الكاذبة التي تتسبَّب في اضطراب المجتمع ب (الأراجيف).

١٨

«كورت» : مشتقة من مادة (تكوير) ، وهي بمعنى الطي أو اللف أو جمع الشيء مثل لف العمامة على الرأس وكذلك جاءت هذه الكلمة بمعنى الانطفاء أو الاسقاط ، والظاهر من هذين المعنيين فيما يتعلق بالشمس أنّهما من باب اللازم والملزوم ، فيذهب ضوء الشمس بالتدريج وتعمّ الظلمة. أمّا (انكدرت) فهي مشتقة من مادة (انكدار) وهي الظلمه أو السقوط والتناثر ، والظاهر أنّ كلا المعنيين بخصوص الكواكب من باب اللازم والملزوم ، نعم وحسب شهادة القرآن ينطوى ويجمع في نهاية هذا العالم أعظم مصدر للنور في منظومتنا الشمسية وهو الأساس لإضاءة جميع السيارات وبهذا سيكون مصير الكواكب الاخرى نفس مصير الشمس ، ويقول الفخر الرازي : «إنّ البعض يرى أنّ كلمة (كورت) مأخوذة من مادّة (كور) بمعنى الأعمى وهذا يعني أيضاً ذهاب ضوء الشمس ونورها» (١).

ويعتقد علماء اليوم أنّ مصدر الطاقة الشمسية هو الانفجارات الذرّية (التي يكون وقودها الهيدروجين ورمادها الهليوم) (٢).

وبناءً على ذلك سوف ينقص من وزن هذا الكوكب ٠٠٠ / ٣٥٠ مليون طن في كل ٢٤ ساعة وهذا الأمر يكون سبباً في ضعف وقلة ضوء الشمس تدريجياً وهذا هو مفهوم جمع نور الشمس وانطفائها وهما المعنيان الكامنان في مادة (تكوير) حسب مايذكر أرباب اللغة بالرغم من أن نقص هذا المقدار وبحكم الظروف الحالية ليس له تأثير فوري عليها وذلك بسبب كبر حجمها.

فاذا حسبنا سرعة النقصان بمقاييسنا الحالية فمن الممكن أن يطول تحقق ذلك ملايين أو مليارات السنين.

ولا أحد يعلم ماذا يحدث غداً في هذا العالم ، فمن الممكن أن تحدث امور تُعجِّل في نقصان هذه الأشعة الكونية وتساعد في انطفاء هذا المصدر العظيم للنور وللحرارة بصورة كلية وفي فترة قصيرة.

__________________

(١). التفسير الكبير ، ج ٣١ ، ص ٦٦.

(٢). زندكي ومرك ستاركان ، ص ٩٢ (الكتاب باللغة الفارسية).

١٩

ويصدق هذا المعنى على سائر الأجرام السماوية فينحل النظام الذي يجمع الكواكب ، وينحل كذلك توازن القوّة الجاذبة والدافعة التي لها ارتباط بالأجرام وسرعة حركتها.

ولعل هذا هو نفس الشيء الذي يذكره القرآن في موضع آخر : (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ). (الانفطار / ٢)

وسوف نتعرض إلى تفسير هذه الآية في بحث لاحق إن شاء الله.

ونقرأ في سورة القيامة : (فَإذَا بَرِقَ الْبَصَرُ* وَخَسَفَ الْقَمَرُ* وَجُمِعَ الشَّمسُ وَالقَمَرُ* يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ ايْنَ المَفَرُّ). (القيامة / ٧ ـ ١٠)

يتضح من خلال هذه الآيات أنّ جميع هذه الحوادث تقع بصورة مباغتة وليست تدريجية وإلّا سوف لا يكون هناك إنسان في ذلك الزمان يقول : «أَيْنَ المَفَرُّ» ، (فتأمل).

ومن الممكن أن يكون جمع الشمس والقمر بفعل فقدان تعادل القوى الجاذبة والطاردة وسوف ينجذب القمر إلى مركزه الأصلي وهو الشمس.

وننهي هذا الحديث بالإشارة إلى آية اخرى من القرآن في هذا المجال ، قال تعالى : (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ). (المرسلات / ٨)

هذا التعبير يتوافق مع الآيات السالفة الذكر ومن لوازمها أيضاً ونذكر في نهاية هذا المطاف أنّ هذه الامور موجودة في عالمنا وتسير بشكل تدريجي ولكن تزداد شدّتها في نهاية الكون حيث تحدث سلسلة حوادث متصلة سريعة ومباغتة تزيل هذا النظام وتنهي عمره بأمر من الله تعالى.

* * *

٥ ـ انشقاق الأجرام السماوية

من العلامات الاخرى لنهاية العالم اختلال نظام الكواكب وانشقاق الأجرام السماوية ، ولقد أشار القرآن الكريم في آيات عديدة وبتعابير مختلفة إلى ذلك ، فأحياناً عبر عنه بـ (الانشقاق) : (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ). (الانشقاق / ١)

٢٠