نفحات القرآن - ج ١

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ١

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-88-1
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٨٠

ويلاحظ هنا عدم اضافة «قلوب» إلى الأقفال بل جاءت بصيغة النكرة ، وكأن هذا إشارة إلى أن هذه القلوب ليست لهم ، والأعجب من هذا هو إضافة «الأقفال» إلى «القلوب» وكأنّ قلوبهم أهل للأقفال فقط لا لشيء آخر.

* *

وفي الآية الثالثة عشرة تعبير يهز الضمائر حيث يقول تعالى : (انَّهَا لَاتَعَمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعَمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ). (الحج / ٤٦)

أي أنّ الحاسة الباصرة إذا فقدت فهذا ليس بعمى ، لإمكان أن يسد العقل اليقظ فراغها ، وإنّما الشقاء والبؤس والتعاسة في القلوب إذا عميت ، فعمى القلوب أكبر حاجب عن إدراك الحقيقة ، والإنسان بنفسه يُعمي قلبه ، ولقد أثبتت التجربة أنّ الإنسان إذا ما جعل عصابة على عينيه أو مكث في ظلام لمدّة طويلة ، فإنّه سيفقد باصرته تدريجياً ، كذلك الأمر بالنسبة للذين يغمضون عيون قلوبهم عن الحقائق ، أو يمكثون مدّة طويلة في ظلمات الجهل والغرور والإثم فإنّ قلوبهم ستعمى ، وتكون غير قادرة على إدراك أي حقيقة.

يُشكِكُ البعض أنّه لا يمكن أن يراد من القلب (الذي في الصدر ويضخ الدم إلى جميع أعضاء البدن) بل المراد العقل والروح.

إلّا أنّه بملاحظة استعمال «الصدر» بمعنى الذات والفطرة يتضح لنا أنّ المراد من (القلُوبُ الِّتِى فِى الصُّدُورِ) هو الإدراك العقلي المودع في طبيعة الإنسان.

إضافة إلى هذا ، فإنّ القلب أول عضو في بدن الإنسان يتأثر بعواطف وأحاسيس وإدراكات الإنسان ، نلاحظ أنّ اتخاذ قرار مهم ، أو حصول حالة غضب شديدة ، أو الاحساس بالحب القوي تجاه شخص ما يُزيد من دقات القلب ، فإذا استعمل القلب الظاهري كناية عن العقل ، فلأجل العلاقة الوثيقة التي بينه وبين الروح (١).

* *

وقد تحدثت الآية الرابعة عشرة والأخيرة عن آخر مرحلة لحرمان الإنسان من المعرفة ،

__________________

(١). للمزيد من العلم راجع التفسير الأمثل ذيل الآية ٧ من سورة البقرة.

٢٤١

والتي يتعطّل فيها العقل والفطرة والعين والاذن عن العمل بالكامل ، فيهوي الإنسان إلى مستوى الأنعام بل أضلّ.

والآية تلميح إلى فريق من أهل النار وكأنهم خلقوا لأجلها لا لشيء آخر : (لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّايُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّايَسْمَعُونَ بِهَا أُولئِكَ كَالْانْعَامِ بَلْ هُمْ اضَلُّ اولئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).

وعليه ، فانهم فقدوا (هويتهم الإنسانية) ، وأغلقوا أبواب الرجوع على أنفسهم ، فهووا من قمم السعادة السماوية المعدة لهم إلى شقاء جهنم التي أُعدت لأولئك الذين غلقوا جميع أبواب المعرفة على أنفسهم ، وهو مصير صنعتهُ نفوسهم وذنوبهم وعصيانهم.

النتيجة الأخيرة :

إنّ في القرآن الكريم نماذجاً كثيرة تشبه الآيات الأربع عشرة التي ذكرناها في أول هذا الفصل ، وانتخبنا هذه الأربع عشرة للمواصفات التي تتحلى بها ، وقد انتهينا إلى حقيقة واضحة وهي أنّه قد تعرض آفات لمصادر المعرفة بالخصوص العقل والفطرة والحس ، وبعض تلك الآفات خفيفة طفيفة ، وبعضها شديدة ، وبعضها بدرجة من الشدة حيث تترك الإنسان في ظلمات مطلقة تمنعه من استيعاب أوضح الحقائق الحسية.

وقد سعينا لمتابعة هذا الانحراف التدريجي لجميع مراحله مع الاستشهاد بآيات القرآن ، ولا ندعي أنّ الترتيب الطبيعي لهذا الانحراف هو نفس الترتيب الذي جاء في الآيات عيناً ، بل نقول : إنّ الآيات المذكورة قد بيّنت نفوذ الآفات في جميع المراحل.

وما أجمل تعبير القرآن في هذا المجال ، وما أدقه؟ فتارة يتحدث عن العوامل الخارجية مثل «تزيين الشيطان» وتارة يتحدث عن انحراف القلب والفكر ، وأُخرى عن صدأ القلوب ، وحيناً عن تحول هذا الانحراف إلى مرضٍ مزمن.

وحيناً عن الأكنة المجعولة على القلوب.

٢٤٢

وتارة عن تغلُّف القلوب بالكامل.

وتارة عن الطبع على القلوب والنقش عليها.

واخرى عن وضع القلوب في أوعية وختم تلك الأوعية.

واحياناً عن تجاوز الأكنة القلوب لتشمل السمع والبصر.

واحياناً اخرى عن تقفل القلوب.

وتارة عن العمى الكامل.

وأخيراً عن سلب الإنسان هويته الإنسانية وإسقاطه نفسه إلى درجة الأنعام بل إلى درجة أدنى من ذلك.

أما دواعي هذه المآسي والمصائب؟ فهو ما نتناوله في بحثنا اللاحق ، لأنّ الهدف من بحثنا الماضي كان التعريف بالآفات والحجب وتوضيح أمرها بصورة إجمالية.

ثم نصل إلى مرحلة علاج هذه الأمراض وكيفية رفع الأكنة ومسح الصدأ والرين والوقاية من الوصول إلى مرحلة لا مخرج ولا نجاة منها.

وننهي بحثنا هذا بحديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «إنّ لك قلباً ومسامع وإنّ الله إذا أراد أن يهدي عبداً فتح مسامع قلبه ، وإذ أراد به غير ذلك ختم مسامع قلبه فلا يصلح أبداً وهو قول الله عزوجل (عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (١).

* *

__________________

(١). تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤١.

٢٤٣
٢٤٤

حُجُب المعرفة وآفاتها

«بالتفصيل»

١ ـ الصفات التي تحول دون المعرفة

٢ ـ الأعمال التي تحجب عن المعرفة

٣ ـ الحُجُب الخارجية

٢٤٥
٢٤٦

حُجُب المعرفة وآفاتها (بالتفصيل)

تمهيد :

كان الحديث في البحث السابق عن انسداد أبواب المعرفة وطرقها بالاجمال.

وحديثنا الآن عن «العلل والعوامل» المسببة لهذه الظاهرة المؤلمة التي يمكنها أن تؤدّي بالإنسان إلى السقوط إلى درجة الأنعام والبهائم.

حديثنا عن الامور التي تسبب ظهور الصدأ على قلب الإنسان ، وجعل الوقر في الاذان ، والعمى في القلب ، واختلال توازن العقل ، واخيراً تسبب عدم رؤية الحق أو رؤيته معكوساً!

تابع القرآن هذه المسألة المهمّة في آيات عديدة وبيّن العلل الأساسية لهذه الظاهرة ، ويمكن تلخيص العلل في ثلاثة أقسام :

١ ـ الصفات التي تحول دون المعرفة أى الصفات والأخلاقيات التي يمكنها أن تكون حاجباً عن الرؤية الروحية.

٢ ـ الاعمال التي تحجب عن المعرفة أى السلوك والأعمال التي تسوّد مرآة العقل.

٣ ـ الحجب الخارجية أى العوامل الخارجية التي تؤثر على فكر الإنسان وعقله وعواطفه وفطرته.

وسنبحث هذه العناوين الثلاثة كلاً على حده (وأؤكد هنا على أننا نطرح العلل التي وردت في القرآن الكريم بوضوح فقط).

٢٤٧
٢٤٨

١ ـ الصفات التي تحول دون المعرفة

إنّ هذه الصفات التي ذكرت في القرآن بصراحة تارة وبالكناية تارة اخرى عبارة عن :

١ ـ حجاب عبادة هوى النفس

قبل كل شيء نُمعن خاشعين للآيات التالية :

١ ـ (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ الهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُون). (الجاثيه / ٢٣)

٢ ـ (... كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَاتَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرْيقاً يَقْتُلُون* وَحَسِبُوا أَلَّا تكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللهُ عَلَيْهِم ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيْرٌ مِّنْهُمْ وَاللهُ بَصيْرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ). (المائدة / ٧٠ ـ ٧١)

٣ ـ (وَمِنْهُمْ مَّنْ يَسْتَمِعُ الَيْكَ حَتَّى اذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ اوتُوا الْعِلْمَ مَاذا قَالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِيْنَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ). (محمد / ١٦)

شرح المفردات :

«الهوى» بمعنى رغبة النفس وميلها إلى الشهوات ويقال إنّها مشتقة من «الهوي» الذي يعني السقوط من الارتفاع ، وذلك لأنّ الهوى يسبب سقوط الإنسان في المصائب في الدنيا ، وابتلاءه بالعذاب في الآخرة ، ومن هنا قيل لجهنم «هاوية» لأنّ قعرها منحفض للغاية.

٢٤٩

وقد ذكر البعض معنيين لهذه المفردة : (الصعود والارتفاع) و (السقوط) ، وذكر بعض آخر معنى واحداً لها وهو (الارتفاع والسقوط إلى الأسفل) وهذا في الحقيقة تركيب من المعنيين السابقين.

وقال البعض : إنّ الهُوىّ يعني «السقوط» والهَويّ يعني «الصعود» (١).

* *

جمع الآيات وتفسيرها

إتباع الهوى يُعمي القلب :

تحدثت الآية الاولى عن اتخاذ الهوى إلهاً واتباعه ، والتضحية لأجله بكل ما يملك ، وكل من كان كذلك فسوف يختم على قلبه وعلى سمعه ويجعل على بصره غشاوة ، فلا يهتدي بعد ذلك ، فلنقرأ الآية : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ الهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ ...).

* *

والآية الثانية تحدثت عن فريق من اليهود المعاندين حيث كلما جاءتهم رُسُل الله وأتوا بما يخالف أهواءهم ، قاموا بتكذيب بعضهم وقتل البعض الآخر ، إنّ عنادهم هذا جعل حجاباً بينهم وبين الحقائق ، فيرون أنفسهم آمنين من عذاب الله ، حيث تاب الله عليهم ، وشملتهم رحمته الواسعة في المرة الاولى ، لكن في المرة الثانية شملتهم نقمته ، وذلك لنقضهم عهدهم وطغيانهم ، فعموا وصمّوا.

وهذه من المردودات السلبية لاتباع الهوى ، حيث يهرقون دماء الأنبياء ولا يدركون قبح عملهم.

إنّ التعبير ب «يقتلون» بصيغة المضارع يدل على أن ديدن هذا الفريق من اليهود هو قتل الأنبياء لما يأتون به من الشرائع المخالفة لأهوائهم.

__________________

(١). راجع مفردات الراغب ، ومجمع البحرين ، وكتاب العين ، واقرب الموارد ، والمنجد.

٢٥٠

والآية الثالثة تشير إلى فريق من المنافقين الذين يستمعون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبمجرّد ابتعادهم عنه استهزئوا به أمام المؤمنين.

يقول القرآن عن هذا الفريق من المنافقين : (أُولئِكَ الَّذِيْنَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُم).

إنّ هذه الآيات الثلاث تبيّن بوضوح العلاقة بين اتباع الهوى وفقدان قدرة التمييز.

لِمَ لا يكون اتباع الهوى مانعاً عن إدراك الحقيقة وقد استحوذ حبه على جميع جوانب الإنسان ، فلا يرى شيئاً غيره ولا يفكر إلّابه؟ وقد سمعنا قول الرسول كثيراً حيث يقول فيه : «حُبُّكَ لُلشَّيء يُعْمِي وَيُصِمُّ» (١).

كما سمعت في هذا المجال حديثاً آخر نقل عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن أميرالمؤمنين : «أمّا اتباع الهوى فيصدُّ عن الحق» (٢).

إنّ هذه المسألة واضحة إلى درجة أنّها أصبحت مثلاً في كلام العرب : «صاحب الحاجة أعمى لا يرى إلّاحاجته» (٣).

إنّ الإنسان الذي خسر قلبه وروحه في حب الجاه والمال والشهوة ، وعبّأ كل رأس مال وجوده في هذا المجال ، لا يرى شيئاً في الدنيا غير هذا الحب ، وقد جعل هذا الحب ستاراً سميكاً حجب عقله وفكره.

وما أجمل ما قاله علي عليه‌السلام في إحدى خطبه : «مَنْ عشقَ شيئاً أعشى بصره» (٤).

وقد نقلت الرواية التالية في شأن نزول الآية ٢٣ من سورة الجاثية التي أشرنا إليها سابقاً :

إنّ أبا جهل طاف بالبيت ذات ليلة ومعه الوليد بن المغيرة (فقد كانت الكعبة محترمة في

__________________

(١). روضة المتقين ، ج ١٣ ، ص ٢١.

(٢). بحار الأنوار ، ج ٧ ، ص ٧٥ ؛ ونهج البلاغة الخطبة ٤٢.

(٣). تفسير المراغي ، ج ٥ ، ص ١٥٧.

(٤). نهج البلاغة ، الخطبة ١٠٩.

٢٥١

الجاهلية أيضاً ومحلّا للطواف) فتحدثا في شأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال أبوجهل : والله إنّي لأعلم أنّه صادق. فقال له : مَهْ ، ومالك على ذلك؟ قال : يا أبا عبد شمس كنّا نسميه في صباه الصادق الأمين ، فلما تمّ عقله وكمل رشده نسميه الكذاب الخائن؟ والله إنّي لأعلم أنّه صادق. قال : فما يمنعك أن تصدقه وتؤمن به؟ قال : تتحَدث عني بنات قريش أنّي اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كسرة ، واللات والعزّى إن اتبعته أبدا ، فنزلت «وختم على سمعه وقلبه» (١).

وما أجمل ما قاله علي عليه‌السلام عن الهوى : «آفة العقل الهوى» ، كما قال في محلٍ آخر : «الهوى آفة الألباب» (٢).

٢ ـ حبّ الدنيا أحد الحجُب

يقول القرآن في هذا المجال :

(ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لَايَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِيْنَ* أُولئِكَ الَّذِيْنَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ). (النحل / ١٠٧ ـ ١٠٨)

جمع الآيات وتفسيرها

إنّ الآية تشير إلى قوم أسلموا رغبة في الإسلام ، ثم ارتدوا عنه ، فلمحت الآية إلى أن ارتدادهم لم يكن لرؤيتهم ما يخالف الحق في الإسلام ، بل لأنّهم فضلوا الحياة الدنيا على الآخرة ، ورجحوها عليها ، فانسلخوا عن الإسلام واتجهوا نحو وادي الكفر تارة اخرى ، فلم يهدهم الله بعد كفرهم لانهم لم يكونوا أهلاً لذلك ، وذلك لحبهم الحياة الدنيا ، فطبع الله على

__________________

(١). تفسير المراغي ، ج ٢٥ ، ص ١٥٧.

(٢). غرر الحكم.

٢٥٢

قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأغلق عليهم أبواب المعرفة فأصبحوا من الغافلين.

إنّ حبّ الدنيا سواء كان في مجال حب المال والثروة أو في حقل حب الجاه والمقام ، أو في مجال حبّ الشهوات المختلفة ، فإنّ هذا الحبّ كالريح العاصف يهب في باطن الإنسان فيفقده توازن عقله بالكامل.

نعلم أنّ الميزان الدقيق يُجعل في محفظة تحول دون تأثير النسيم عليه ، وحتى الوزّان ينبغي له حبس أنفاسه حتى الانتهاء من الوزن ، وذلك للحيلولة دون تأثير امواج الهواء الخارجة من رئتيه على تعادل الميزان ، فما فائدة ميزان كهذا عند هبوب ريح عاصف؟

إنّ حبّ الدنيا سواء كان بشكلها القاروني أو الفرعوني أو السامري أو غير ذلك ، لا يعطي الإنسان الحرية في أن يحكم على الامور بشكل صحيح أو يفكر تفكيراً سليماً ، وإذا صرح الله تعالى في الآية السابقة بأنّه طبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، فالطبع هذا يمثل حب الدنيا ، وبما أنّهم يتجهون نحو السبب فيبتلون بالمسبَّب.

ويشاهد في الأحاديث الإسلامية تعابير جميلة في هذا المجال ، يقول الإمام الباقر عليه‌السلام : «مثلُ الحريص على الدنيا كمثل دودة القز كلما ازدادت من القز على نفسها كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غماً» (١).

كما نُقل حديث آخر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول فيه : «الدنيا تغرّ وتضرّ وتمرّ» (٢).

ويقول الإمام نفسه في رسالة كتبها لأحد أصحابه ينصحه فيها ويقول : «فارفض الدنيا فإنّ حب الدنيا يُمر ، ويُصم ويبكم ويُذلُّ الرِّقاب فتدارك ما بقي من عمرك ولا تقل غداً أوْ بعد غدٍ فانّما هلك من كان قبلك باقامتهم على الأماني والتسويف» (٣).

* *

__________________

(١). بحار الأنوار ، ج ٧٠ ، ص ٢٣ ، ح ١٣.

(٢). نهج البلاغة.

(٣). بحار الأنوار ، ج ٧٠ ، ص ٧٥ ؛ اصول الكافي ، ج ٢ ، باب ذم الدنيا والزهد فيها ، ح ٢٣.

٢٥٣

٣ ـ حجاب الكبر والغرور وحبّ السلطة!

١ ـ (الَّذِيْنَ يُجَادِلُونَ فِى آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقَتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِيْنَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ). (غافر / ٣٥)

٢ ـ (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُءَاعْجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِيْنَ لَايُؤْمِنُونَ فِى آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَّكَانٍ بَعِيْدٍ). (فصلت / ٤٤)

جمع الآيات وتفسيرها

الجبارون والمغرورون لا يدركون الحق!

تحدثت الآية الاولى عن كلام «مؤمن آل فرعون» صاحب الضمير الحي الذي كان في بلاط فرعون يؤيد موسى بن عمران ويؤمن به سراً ، فقالت : (الَّذِيْنَ يُجَادِلُونَ فِى آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقَتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِيْنَ آمَنوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ).

نعم ، إنّ عناد الحق والاصرار في ذلك العناد يجعل حجاباً قاتماً على فكر الإنسان ويسلبه قابلية التمييز وحسن المعرفة ، فيبلغ به الأمر إلى أن يصبح قلبه كالوعاء المغلق لا يخرج محتواه الفاسد ولا ينفذ فيه المحتوى السليم والمفيد.

يقول البعض في الفرق بين «الجبّار» و «المتكبر» أنّ «التكبر» يقابل «الخضوع للحق» و «الجبروت» يقابل «الشفقه والمحبة للخلق» ، فالظَّلَمَة المغرورون لا يخضعون للحق ولا يرحمون ولا يشفقون على الخلق.

* *

والآية الثانية نقلت أقوال فريق من المتكبرين المعاندين حول القرآن حيث كانوا

٢٥٤

يقولون : لِمَ لَمْ ينزّل القرآن أعجمياً كي نهتم به أكثر وكي يفهمه غير العرب؟ (قد يكون مرادهم هو الحؤول دون فهم الناس له).

فأجابهم القرآن : لو نزّل القرآن أعجمياً لأشكلتم إشكالا آخر وهو (لولا فصلت آياته) أي أنّ محتواه معقد ومبهم ولا نعي شيئاً منه ، ثم قلتم ، عجيب أن يكون القرآن أعجمياً ونازلاً على عربي؟!

ثم أمر الله رسوله بأن يقول لأولئك المغرورين :

(هُوَ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِيْنَ لَا يُؤْمِنُونَ فِى آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَّكَانٍ بَعِيْدٍ).

وواضح أنّ الذي ينادى من مكان بعيد لا يسمع ولا يرى.

إذا أنكرت أعينهم نور شمس القرآن الساطعة فذلك لرمدها ، وإذا أنكرت آذانهم نداء الحق المدوّي فذلك للوقر الذي فيها.

حجاب الغرور في الأحاديث الإسلامية :

١ ـ جاء في حديث للإمام الباقر عليه‌السلام : «ما دخل قلب امرىءٍ شيء من الكبر إلّانقص من عقله ما دخله من ذلك قلَّ ذلك أو كثر» (١).

٢ ـ وقد خاطب أمير المؤمنين عليه‌السلام فريقاً من المنحرفين في كلماته القصار قائلاً : «بينكم وبين الموعظة حجاب من العزّة» (٢).

عندما يتمحور حبّ الذات في نفس الإنسان ، يسعى الإنسان لأنّ يجمع كل شيءٍ في نفسه ، وعندما يصل إلى مستوى «العجب» يرى نفسه أعلى وأرفع من أي إنسان آخر ، وعندما يصل إلى مستوى «الأنانية» يرى نفسه المقياس الوحيد للقيم والجمال.

وهذه الحالات تجعل ستاراً عجيباً على عقله تحجب الحقيقة عنه ، فيرى جميع القيم

__________________

(١). بحار الأنوار ، ج ٧٥ ، ص ١٨٦ باب وصايا الإمام الباقر عليه‌السلام ، ح ٢٦.

(٢). نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الكلمة ٢٨٢.

٢٥٥

منحسرة في نفسه ، وينسى غيره.

ولهذا ، فإنّ أول خطوة في مجال تهذيب النفس هو الترفع عن «الكبر والغرور» ، ولا يتأهل الإنسان للقرب من الله من دون ذلك.

٣ ـ وقد جاء في كلام لأمير المؤمنين عليه‌السلام : «شرّ آفات العقل الكبر» (١) ، كما جاء في كلام آخر له : «العجب آفة» (٢).

* *

٤ ـ حجاب الجهل والغفلة

١ ـ (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِيْنَ لَايَعْلَمُونَ). (الروم / ٥٩)

٢ ـ (لِتُنْذِرَ قَوْماً مَّا أُنْذِرَ آبَاءُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ) (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيْهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَايُبْصِرُونَ* وَسوَاءٌ عَلَيْهِمْءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ). (يس / ٦ و ٩ و ١٠)

جمع الآيات وتفسيرها

أكدت الآية الأولى على أنّ الله ضرب للناس في هذا القرآن من كلِّ مثل ، فتارة بآيات الآفاق والأنفس وتارة بالوعد والوعيد ، وتارة بالأمر والنهي ، وتارة بالبشرى والانذار ، وتارة بالسبل العاطفية والفطرية ، وتارة بالاستدلال ، ورغم هذا البيان فإنّ فريقاً من الجاهلين والغافلين يجحدون بآيات الله ويقولون : أنتم مبطلون أي على باطل ، ويضيف الله في الآية : هذا كله لأجل أنّ الله طبع على قلوبهم وذلك بجهلهم.

إنّ الآية ـ في الحقيقة ـ تشير إلى أسوأ أنواع الجهل وهو «الجهل المركب» الجهل الذي

__________________

(١). غرر الحكم.

(٢). المصدر السابق.

٢٥٦

يحسبه صاحبه علماً ، ولا يصغي لمن أراد ايقاظه من غفلة الجهل هذه ، ولهذا فإنّ شخصاً كهذا يظلُّ جاهلاً جهلاً مركباً إلى أبد الدهر.

إذا كان الخطاب موجهاً لجاهلٍ «جهلاً بسيطاً» أي لا يعلم ويعلم أنّه لا يعلم ، ومستعد في نفس الوقت لقبول نداء الحق والهداية ، فإنّ الأمر اتجاهه بسيط ، والحجاب المانع يطبع على القلب عندما يكون الجهل مركباً وممتزجاً بروح العناد وعدم التسليم لنداء الحق.

وقد نقل في بعض التفاسير شعر جميل لشاعر عربي يقول فيه :

قال حمار الحكيم يوماً

لو تنصفوني لكنتُ أركب

لأنّني جاهل بسيط

وصاحبي جاهل مركب(١)

* *

وتشير الآية الثانية إلى فريق من الغافلين الذين صدر حكم العذاب بحقهم وذلك لجهلهم وعنادهم وأنّهم ليسوا أهلاً للهداية.

ثم صوّر القرآن الحُجُب التي قد تحيط العقل تصويراً عجيباً حيث قال : (إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْنَاقِهِم أَغْلَالاً فَهِىَ الى الْاذْقَانِ فَهُمْ مُّقْمَحُونَ* وَجَعَلْنَا مِنْ بَينِ أَيدِيهِم سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُم فَهُمْ لَايُبْصِرُونَ). (يس / ٨ ـ ٩)

إنَ عبارة (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِم سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً) إشارة إلى الحجب التي تحول دون رؤية آيات الأفاق والكون.

إنّ الأغلال التي جاءت في الآية قد تكون إشارة إلى الحجب التي تحول دون رؤية آيات الأنفس ، والأسوأ من هذا كله هو جعل الغشاوة على الأبصار بحيث لا إمكان للرؤية ، وهي ستار الغفلة والجهل والغرور.

وبديهي أنّ أشخاصاً كهؤلاء مع كل هذه الحجب ، سواء أنذرهم الرسول أم لم ينذرهم وسواء سمعوا آيات القرآن من شفاه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرة أم لم يسمعوا ، فهُم لا يؤمنون ولا

__________________

(١). تفسير روح المعاني ، ج ٢١ ، ص ٥٥ ذيل الآية ٥٩ من سورة الروم.

٢٥٧

يهتدون ، إنّهم رهائن لا لغلٍ واحدٍ ، بل لأغلالٍ عديدة (فالأغلال جاءت بصيغة الجمع لا المفرد) ، وقد فسر البعض السد (الذي يجعل امام الشخص) بالحجب التي تحرم الإنسان من الهداية النظرية والاستدلال ، والسد (الذي يجعل من الخلف) بالحجب التي تمنع من الهداية الفطرية والرجوع إليها (١).

حجاب الجهل في الأحاديث الإسلامية :

١ ـ قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الجهل : «الجاهل ميت بين الأحياء» (٢).

٢ ـ كما قال في محل آخر : «الحمق من ثمار الجهل» (٣).

واضح ، كما أنّ الميت فاقد الإدراك والاحساس كذا الجاهل العنود ، لا نتوقع منه الفهم الحقيقي للُامور.

٣ ـ من خصائص الجاهلين بالجهل المركب أنّهم يعدون العلماء الحقيقيين ضالين ، ولهذا جاء في حديث الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام : «تعجب الجاهل من العاقل أكثر من تعجب العاقل من الجاهل» (٤).

٤ ـ ننهي البحث بحديث للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث يقول فيه : «إنّ قلوب الجُهّال تستفزها الأطماع وترتهنها الُمنى وتستعلقها الخدايع» (٥).

ولا عجب أن تحجب الحقائق عن قلب كهذا ،

__________________

(١). تفسير الكبير ، ج ٢٦ ، ص ٤٥ ذيل الآيات المذكورة في بحثنا.

(٢). غرر الحكم ، ص ٩٩.

(٣). المصدر السابق ، ص ٤١.

(٤). سفينة البحار ، ج ١ ، ص ١٩٩.

(٥). أصول الكافي ، ج ١ ، ص ٢٣ ، كتاب العقل والجهل ، ح ١٨.

٢٥٨

٥ ـ حجاب النفاق

١ ـ (يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ الَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ* فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَليِمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ). (البقرة / ٩ ـ ١٠)

٢ ـ (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِى ظُلُماتٍ لَّايُبْصِرُونَ* صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَايَرْجِعُونَ). (البقرة / ١٧ ـ ١٨)

٣ ـ (اذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِيْنَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلآءِ دِيْنُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَانَّ اللهَ عَزِيْزٌ حَكِيمٌ). (الأنفال / ٤٩)

٤ ـ (وَاذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِيْنَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ الَّا غُرُورًا). (الأحزاب / ١٢)

جمع الآيات وتفسيرها

المنافقون عمي القلوب :

إنّ في أوائل سورة البقرة ثلاث عشرة آية تحدثت عن النفاق والمنافقين ، وقد صورتهما بدقة متناهية وبتعابير وافية ، والآية الاولى هي من ضمن الآيات التي جاءت هناك.

يقول القرآن في هذه الآية : إنّ أحد أخطاء المنافقين أنّهم يخادعون الله وكذا المؤمنين ، وفي الحقيقة لا يخادعون إلّاأنفسهم وهم لا يشعرون ولا يعلمون ، وذلك لأنّ النفاق قد غطّى قلوبهم بستاره السميك ، ثم يضيف القرآن : (فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً).

من الواضح ، أنّ المراد من المرض في الآية هو «مرض النفاق» الذي يتغلب على قلوبهم ، فالإنسان المريض لا يستطيع أن يفكر تفكيراً سليماً (لأنّ العقل السليم في الجسم السليم) ، وكذلك حواسه الظاهرية ، ولهذا نرى بعض المرضى تبدو ألذ الأغذية عندهم كريهة الطعم ، وبعض الأغذية كريهة الطعم لذيذة.

٢٥٩

وقد شبهت الآية الثانية المنافقين بالذي ضلَّ متورطاً في ظلمات الليل ، ثم استوقد ناراً ليرى مما حوله ، فجاء ريح عاصف وأطفأ ما استوقده فبقي في الظلمات تارة اخرى ، فلا يبصر ولا يسمع ولا ينطق شيئاً ، ولا طريق له للرجوع.

قد يكون المراد من النور الذي جاء في الآية هو نور الإيمان الظاهري الذي يراه المنافق ويستضيء به ما حوله ويحفظ نفسه وماله تحت ضيائه.

أو أنّ المراد منه هو نور الفطرة الذي جُبل عليه الإنسان ، والمنافقون يستثمرون هذا النور في البداية ، ولا يمضي زمن طويل حتى تأتي زوبعة النفاق فتطفئه.

وتحدثت الآية الثالثة والرابعة عن المنافقين مرضى القلوب ، وبقرينة الآيات السابقة ندرك أنّ المراد من «الذين في قلوبهم مرض» هو نفس المنافقين وأنّ العطف عطف تفسيري (١) ، إلّاأنّ الآية الثالثة تحدثت عن موقفهم في معركة بدر ، والرابعة عن موقفهم في معركة الأحزاب ، والفرق هو أنّهم كانوا في «بدر» في صفوف المشركين لأنّ المشركين يوم ذاك كانوا القوة الراجحة ، وفي معركة الأحزاب كانوا مع المسلمين.

كانوا يقولون : «اغترَّ هؤلاء المسلمون بدينهم ، وقد خطوا هذه الخطوة الخطيرة (الجهاد) رغم قلة العدّة والعدد ظناً منهم بالنصر ، أو بالشهادة التي مصيرها الموت»!

بالطبع ، إنّهم غير قادرين ـ بسبب المرض الذي في قلوبهم ـ على الإدراك الصحيح لعوامل النصر الحقيقية أي الإيمان والثبات والفتوة التي هي وليدة الإيمان فما كانوا يدركون أن من يتوكّل على الله القادر فهو حسبه وهو ناصره ، والشاهد على هذا الحديث هو ما حصل

__________________

(١). لقد جاء في تفسير الميزان ، ص ١٦٤ و ٣٠٢ ؛ وكذلك تفسير الكبير ، ج ١٥ ، ص ١٧٦ ، أنّ المراد من الذين في قلوبهم مرض هم ضعيفو الإيمان وهم غير المنافقين. لكن لا يتناسب ضعف الإيمان مع المرض في القلب ، إضافة إلى أن الآيات الثلاثة عشرة التي جاءت في أوائل سورة البقرة استعملت هذا التعبير في حقهم. كما يبدو بُعد الرأي الذي يفسر المرض بالترديد والشك ، لأنّ المرض نوع من الانحراف ، بينما الشك نوع من الفقدان.

٢٦٠