الوصائل الى الرسائل - ج ١٠

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل الى الرسائل - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-10-4
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

وربّما يجاب عن حرمة الابطال ووجوب الاتمام الثابتين بالأصل بأنّهما لا يدلّان على صحة العمل ، فيجمع بينهما وبين أصالة الاشتغال بوجوب إتمام العمل ثم إعادته ،

______________________________________________________

أقول : ان كان الشيء واجبا ، كان معناه : حرمة تركه ، وان كان حراما ، كان معناه : وجوب تركه ، فلا يكون أحدهما إذن تابعا للآخر لأنهما في عرض واحد ، وتفصيل الكلام فيه في محلّه.

(وربّما يجاب) عن استصحاب حرمة القطع واستصحاب وجوب الاتمام بما قاله صاحب الرياض حيث أجاب (عن حرمة الابطال ووجوب الاتمام الثابتين بالأصل) أجاب : (بأنّهما لا يدلّان على صحة العمل) وإنّما يدلّان على حرمة القطع ، ووجوب الاتمام فقط.

وعليه : فالاستصحابان بنظر الرياض يجريان فيثبتان الوجوب والحرمة ، ولا يثبتان صحة العمل وعدم وجوب الاعادة والقضاء ، وهذا خلاف ما تقدّم : من جواب المصنّف عن الاستصحابين حيث قال : انهما لا يجريان أصلا ، لعدم احراز صدق القطع ، وعدم احراز صدق الاتمام بعد الزيادة.

ثم على فرض جريان الاستصحابين لاثبات وجوب الاتمام ، وحرمة القطع ـ كما هو رأي الرياض ـ فانه يثبت وجوب اتمام الصلاة ، ويحرم قطعها ، أمّا صحة الصلاة وعدم صحتها ، ووجوب الاعادة والقضاء وعدم وجوبهما ، فيلزم مراجعة دليل آخر ، ولا دليل هنا ـ بنظر الرياض ـ سوى الاشتغال.

وعليه : (فيجمع بينهما) أي : بين الاستصحابين (وبين أصالة الاشتغال) فيحكم لذلك (بوجوب اتمام العمل) لأنّ الاتمام هو مقتضى الأصلين (ثم اعادته) لانه مقتضى العمل بالاشتغال.

٨١

للشك في أنّ التكليف هو إتمام هذا العمل ، أو عمل آخر مستأنف.

وفيه نظر : فانّ البراءة اليقينية تحصل بالاعادة من دون الاتمام.

______________________________________________________

وإنّما نحكم بوجوب الاتمام ثم الاعادة (للشك في انّ التكليف هو : اتمام هذا العمل ، أو عمل آخر مستأنف) فيكون من العلم الاجمالي ، فيجب الجمع بين الأمرين : الاتمام ، والعمل المستأنف ، لانه المقتضى للعلم الاجمالي.

والحاصل : إنّ غاية ما يدل عليه الاستصحابان المذكوران هو : وجوب الاتمام وحرمة القطع ، دون الصحة وعدم وجوب الاعادة والقضاء ، فانه يرجع فيهما إلى الاشتغال ، فيجمع بين الاستصحابين وبين أصالة الاشتغال ، فيحكم بوجوب اتمام العمل تمسكا بالاستصحابين ، وبوجوب الاعادة تمسكا بقاعدة الاشتغال حيث يدور الأمر بين المتباينين : من وجوب الاتمام ووجوب عمل آخر مستأنف.

(وفيه نظر :) وذلك لأن جواب الرياض لا يكون دليلا على وجوب الجمع بين الأمرين ، لأنا إن بنينا على جريان استصحاب وجوب الاتمام ، فالبراءة يقينية تحصل بالاتمام من دون حاجة إلى الاعادة ، إذ وجوب الاتمام معناه : ايجاب امتثال الأمر بكليّ الصلاة في ضمن هذا الفرد ، وإذا تحقق الفرد كانت البراءة يقينية فلا مجال لأصالة الاشتغال ، لأنّه لا احتمال للضرر.

وإن بنينا على عدم جريان استصحاب وجوب الاتمام فمقتضى الاشتغال هو الاستيناف والاعادة ، فلا يجب الاتمام ، واحتمال وجوب الاتمام مدفوع بأصل البراءة ، إذ الشك في وجوب الاتمام وحرمة القطع على هذا يكون شكا في أصل التكليف ومرجعه البراءة ، لا شكا في المكلّف به حتى يلزم الاحتياط بالاتمام والاعادة معا.

وعليه : (فإنّ البراءة اليقينية تحصل بالاعادة من دون الاتمام) فلا حاجة إلى

٨٢

واحتمال وجوبه وحرمة القطع مدفوع بالأصل ، لأنّ الشبهة في أصل التكليف الوجوبي أو التحريمي ، بل لا احتياط في الاتمام مراعاة لاحتمال وجوبه وحرمة القطع ، لأنّه موجب لالغاء الاحتياط من جهة أخرى ، وهي مراعاة نيّة الوجه التفصيلي في العبادة ،

______________________________________________________

الاتمام لأنا نشك في وجوب الاتمام بعد الزيادة (و) مع الشك في وجوب الاتمام ، ينتفي القطع بوجوبه ويبقى الاحتمال ، والاحتمال يدفع بالأصل كما قال :

وأما (احتمال وجوبه) أي : وجوب الاتمام (وحرمة القطع) فموجود وهو يستدعي الاتمام والإعادة ، غير ان هذا الاحتمال (مدفوع بالأصل ، لأنّ الشبهة في أصل التكليف الوجوبي أو التحريمي) والشبهة في أصل التكليف مجرى للبراءة.

(بل لا احتياط في الاتمام) أي : في اتمام العمل ، وذلك (مراعاة لاحتمال وجوبه) أي : وجوب الاتمام (و) كذا مراعاة لاحتمال (حرمة القطع ، لأنه) أي : الاحتياط هنا (موجب لالغاء الاحتياط من جهة أخرى وهي : مراعاة نيّة الوجه التفصيلي في العبادة) فيكون عندنا احتياطان متعارضان أحدهما أقوى من الآخر ، فيترك الأضعف للأقوى ، علما بأنّ الاحتياطين هما عبارة عمّا يلي :

الأوّل : الاحتياط بالاتمام.

الثاني : الاحتياط بقصد الوجه.

وعليهما : فاذا أتم الصلاة سقط الاحتياط الثاني لانه لم يتمكن من قصد الوجه عند الاعادة ، لاحتمال ان الذي أتمه كان هو الواجب ، بخلاف ما إذا ترك الصلاة التي زاد فيها ، فانه يتيقن بأنّ الواجب هي المعادة فينوي فيها الوجه ، فالاحتياط بالاتمام الغاء للاحتياط من جهة اخرى ، فيكون الاحتياط في ترك الاحتياط.

٨٣

فانه لو قطع العمل المشكوك فيه واستأنفه نوى الوجوب على وجه الجزم ، فان أتمّه ثم أعاد فاتت منه نية الوجوب فيما هو الواجب عليه.

ولا شك أنّ هذا الاحتياط على تقدير عدم وجوبه أولى من الاحتياط المتقدّم ، لأنّه كان الشك فيه في أصل التكليف ، وهذا شك في المكلّف به.

______________________________________________________

وعليه : (فانه لو قطع العمل المشكوك فيه) بسبب الزيادة (واستأنفه ، نوى الوجوب على وجه الجزم) لانه يعلم ان هذه الصلاة هي الصلاة التي يريدها المولى منه ، بينما ليس كذلك لو أتمّ ثم أعاد كما قال : (فان أتمّه ثم أعاد فاتت منه نية الوجوب فيما هو الواجب عليه) لانه بعد اتمام العبادة المشكوكة يحتمل حصول الواجب الواقعي بتلك العبادة ، فاذا شرع في الثانية شرع فيها من دون جزم بوجوبها عليه ، فلا يتمكن حينئذ من نية الوجه فيها جزما.

إذن : فالاحتياطان متعارضان (ولا شك ان هذا الاحتياط) وهو : ابطال العمل الأوّل والاتيان بالثاني بنيّة الجزم فانه حتى (على تقدير عدم وجوبه) أي : عدم وجوب الجزم ـ كما هو كذلك ـ يكون (أولى من الاحتياط المتقدّم) وهو : اتمام العبادة المشكوكة ثم اعادتها.

وإنّما يكون ذلك أولى (لأنّه كان الشك فيه) أي : في الاحتياط المتقدّم بالاتمام شكا (في أصل التكليف ، و) ذلك للشك في انه هل كلّف بالاتمام أم لا؟ وإذا كان الشك في أصل التكليف كان محلا للبراءة.

بينما (هذا) أي : الشك في وجوب الجزم بالنية (شك في المكلّف به) لانّ التكليف متيقن ، وإنّما يشك في ان المكلّف به ، هل هو العمل بدون نية الجزم أو معها؟ فاللازم ان يأتي به معها حتى يكون فارغا يقينا مما اشتغلت به ذمته ، ولا يكون ذلك إلّا بالاستيناف.

٨٤

والحاصل : أنّ الفقيه إذا كان مترددا بين الاتمام والاستيناف ، فالأولى له الحكم بالقطع ، ثم الأمر بالاعادة بنيّة الوجوب.

______________________________________________________

وعليه : فان الشك في اعتبار قصد الوجه شك في المكلّف به وهو مورد لقاعدة الاحتياط ، ومن المعلوم : كون هذا شكا في المكلّف به إنّما هو بحسب الظاهر ، وإلّا فهو من الشك في التكليف لانه من الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين ، وقد تقدّم من المصنّف : الرجوع الى البراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين ، لأنّ الشك فيهما راجع إلى الشك في أصل التكليف.

(والحاصل : إنّ الفقيه إذا كان مترددا بين الاتمام والاستيناف) بان لم يعلم هل المقدّم هو الاحتياط بالاتمام والاعادة ، أو المقدّم هو الابطال والاستيناف حتى يجزم بالنية؟ (فالأولى له : الحكم بالقطع) وبرفع اليد عن العمل (ثم الأمر بالاعادة بنيّة الوجوب).

وإنّما كان الأولى له ذلك لترجيح الاحتياط الذي فيه نية الوجه لانه بحسب الظاهر من الشك في المكلّف به ، على الاحتياط الذي فيه الاتمام والاعادة لانه من الشك في التكليف.

هذا ما يخص الفقيه ، أمّا المقلّد : فان التفت إلى هذه المسألة قبل الدخول في الصلاة ، فعليه ان يسأل حكمها من مرجعه وما يجب عليه من الاتمام أو الاستيناف ، وان كان في الصلاة وابتلى بهذه المسألة ، فعليه السؤال ان تمكن في وقتها ولو بالاشارة ، والعمل عليه.

وإلّا بأن لم يمكنه شيء من ذلك ، فان حصل له ظن بأحد الطرفين : من الاتمام ، أو الابطال وجب عليه البناء على ما يظنه ، لأنّ الامتثال الظني مقدّم على الامتثال الوهمي مع البناء منه على السؤال بعد العمل ، وهذا نوع احتياط بالنسبة

٨٥

ثم إنّ ما ذكرناه من حكم الزيادة وأنّ مقتضى أصل البراءة عدم مانعيّتها إنّما هو بالنظر إلى الأصل الأولي ، وإلّا فقد يقتضي الدليل في خصوص بعض المركّبات البطلان ، كما في الصلاة ، حيث دلّت الأخبار المستفيضة على بطلان الفريضة بالزيادة فيها.

مثل قوله عليه‌السلام : «من زاد في صلاته فعليه الاعادة».

وقوله عليه‌السلام : «وإذا استيقن أنّه زاد في المكتوبة فليستقبل

______________________________________________________

اليه ، وان لم يحصل له ظن بأحد الطرفين : من الاتمام أو الابطال ، فانه يتم الصلاة احتياطا ، ثم يسأل عمّا يجب عليه ، فان قال مرجعه بكفاية تلك الصلاة فهو ، وإلّا أعادها.

(ثم إنّ ما ذكرناه : من حكم الزيادة وانّ مقتضى أصل البراءة : عدم مانعيّتها) فيما إذا وقعت أثناء العبادة (إنّما هو بالنظر إلى الأصل الأولي) مما تقتضيه القواعد مع غض النظر عن وجود دليل في المسألة يدل على ان التكليف هو البراءة أو غيرها.

(وإلّا) بأن كان هناك دليل ، فلا بد من العمل بما يقتضيه الدليل (فقد يقتضي الدليل في خصوص بعض المركّبات) العبادية (البطلان ، كما في الصلاة ، حيث دلّت الأخبار المستفيضة على بطلان الفريضة بالزيادة فيها) وكذلك الطواف إذا زاد فيه ، وقد لا يقتضي الدليل البطلان ، فلا بد من ملاحظة الأدلة والحكم بالصحة أو البطلان بحسبها.

أمّا ما يقتضي البطلان فهو (مثل قوله عليه‌السلام : «من زاد في صلاته فعليه الاعادة» (١) وقوله عليه‌السلام : «وإذا استيقن أنّه زاد في المكتوبة فليستقبل

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٥٥ ح ٥ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٩٤ ب ٢٣ ح ٦٥ ، الاستبصار : ج ١ ص ٣٧٦ ب ٢١٩ ح ٢ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٣١ ب ١٩ ح ١٠٥٠٩.

٨٦

صلاته».

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما حكى عن تفسير العياشي في من أتمّ في السفر : «أنّه يعيده ، قال عليه‌السلام : «لأنّه زاد في فرض الله عزوجل» ،

______________________________________________________

صلاته» (١) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ما حكى عن تفسير العياشي في من أتمّ في السفر : «أنّه يعيده) ، قال عليه‌السلام : (لأنّه زاد في فرض الله عزوجل» (٢)) حيث أن الركعتين الاوليين فرض الله سبحانه وتعالى ، والركعة الثالثة في المغرب والأخيرتين من الظهرين والعشاء سنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما دلّت عليه الأخبار والأحاديث.

ولا يخفى : ان الجمع بين الأحاديث في باب فريضة الله وسنة النبي لعله يكون بما يلي : وهو : ان الله فرض علينا أولا : خمسين صلاة ثم أرجعها بشفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى خمس صلوات ذات ركعتين ، فكان مجموعها عشر ركعات ، فأضاف اليها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع ركعات فقررها الله سبحانه له ، فصارت سبع عشرة ركعة.

هذا ، ولا يخفى ما في ذلك من الحكمة : فان في فرضها أولا خمسين صلاة ، اشارة إلى جهة الاقتضاء الأوّلي فيها ، وفي ارجاعها بشفاعة النبي إلى خمس صلوات ، اظهار لمنزلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الشفاعة وفي تقريره ما أضافه النبي من الركعات ، بيان لمكانة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العصمة وانه لا ينطق عن الهوى ، والتفصيل في هذا موكول إلى محله ، وإنّما أردنا الالماع إلى ما ذكره المصنّف

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٥٤ ح ٢ ، غوالي اللئالي : ج ٣ ص ٩٤ ح ١٠٦ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٣١ ب ١٩ ح ١٠٥٠٨ (بالمعنى).

(٢) ـ الخصال : ص ٦٠٤ ح ٩ ، بحار الانوار : ج ٨٩ ص ٥٩ ب ١ ح ٢٦.

٨٧

ودلّ بعموم التعليل على وجوب الاعادة بكلّ زيادة في فرض الله عزوجل.

وما ورد في النهي عن قراءة العزيمة في الصلاة من التعليل بقوله عليه‌السلام : «لأنّ السّجود زيادة في المكتوبة».

وما ورد في الطواف : «لأنّه مثل الصلاة المفروضة في أنّ الزيادة فيه مبطلة له».

______________________________________________________

من التعليل في قوله عليه‌السلام : لانه زاد في فرض الله عزوجل.

(و) عليه : فقد (دلّ) خبر العياشي (بعموم التعليل) في قوله : «لانّه زاد في فرض الله» (على وجوب الاعادة بكلّ زيادة في فرض الله عزوجل) فيشمل هذا الحديث كل زيادة في كل فرائض الله.

(و) قد دل على وجوب الاعادة أيضا (ما ورد في النهي عن قراءة العزيمة في الصلاة من التعليل بقوله عليه‌السلام : «لأنّ السجود زيادة في المكتوبة» (١)) فانّه إن لم يسجد للتلاوة في الصلاة لزم تأخير السجود وهو محرّم ، وان سجد كانت سجدة التلاوة زيادة في المكتوبة وهو ليس بجائز ، وهذا الحديث بهذا التعليل يدل على ان كل زيادة في الفريضة موجب للاعادة. (و) كذا يدل على وجوب الاعادة (ما ورد في) النهي عن زيادة (الطواف) الواجب في الحج بقوله عليه‌السلام : («لانّه مثل الصلاة المفروضة في أنّ الزيادة فيه) أي : في الطواف (مبطلة له» (٢)) فيدل على ان الزيادة في الصلاة المفروضة مبطلة وموجبة للاعادة.

__________________

(١) ـ الكافي (الفروع) : ج ٣ ص ٣١٨ ح ٦ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ٩٦ ب ٢٣ ح ١٢٩ ، وسائل الشيعة : ج ٦ ص ١٠٥ ب ٤٠ ح ٧٤٦٠.

(٢) ـ تهذيب الاحكام : ج ٥ ص ١٥١ ب ١ ح ٢٣ (بالمعنى) ، وسائل الشيعة : ج ١٣ ص ٣٦٦ ب ٣٤ ح ١٧٩٦٧ (بالمعنى).

٨٨

ولبيان معنى الزيادة ، وأنّ سجود العزيمة كيف يكون زيادة في المكتوبة مقام آخر ، وإن كان ذكره هنا لا يخلو عن مناسبة ، إلّا أنّ الاشتغال بالواجب ذكره بمقتضى وضع الرسالة أهم من ذكر ما يناسب.

______________________________________________________

هذا (ولبيان معنى الزيادة ، وأنّ سجود العزيمة كيف يكون زيادة في المكتوبة) مع انه يقصد الاتيان للعزيمة لا للصلاة؟ (مقام آخر) فلا يهمّنا التعرّض له في المقام (وإن كان ذكره هنا لا يخلو عن مناسبة ، إلّا أنّ الاشتغال بالواجب ذكره بمقتضى وضع الرسالة) حيث وضعناها لمباحث الشك في التكليف والمكلّف به ، يكون (أهم من ذكر ما يناسب) المقام.

ثم انه لا يبعد القول : بأنّ كل ما رآه المتشرعة زيادة في العبادة حسب تلقّيهم من الشرع تكون مبطلة لها ، سواء كان من سنخ المزيد عليه كالركوع والسجود وما أشبه ، أم لم يكن من سنخ المزيد عليه ، وسواء كان بقصد الجزئية أم لا بقصدها ، وسواء كان لعمل خارجي كسجود التلاوة أم لا ، كل ذلك لاطلاق الزيادة.

نعم ، يلزم ان لا يكون هناك دليل يدل على الصحة أو البطلان ، كالدليل الدال على ان كل ذكر وقرآن ودعاء في الصلاة فهو لا بأس به ، وكالدليل الدال على ان السكوت الطويل ماح لصورة الصلاة ، فان سكت طويلا ولو عن قربة وذلك باعتبار ان الصمت من المستحبات الشرعية بطلت صلاته.

٨٩

المسألة الثالثة :

في ذكر الزيادة سهوا التي تقدح عمدا وإلّا فما لا يقدح عمدا فسهوها أولى بعدم القدح والكلام هنا كما في النقص نسيانا ، لأنّ مرجعه إلى الاخلال بالشرط

______________________________________________________

(المسألة الثالثة : في ذكر الزيادة سهوا) وقد تقدّم من المصنّف ذكر الزيادة العمدية وذكر أحكامها المترتبة على أقسامها الثلاثة ، التي هي عبارة عن انه : قد يأتي بالزائد بقصد كونه جزءا مستقلا ، وقد يأتي بالزائد بقصد كون الزائد والمزيد عليه جزءا واحدا ، وقد يأتي بالزائد بدلا عن المزيد عليه امّا اقتراحا أو لايقاع الأوّل فاسدا.

هذا ، والآن حيث قد فرغ منها شرع في بيان قسم آخر من الزيادة وهي الزيادة السهوية (التي تقدح) ان صدرت (عمدا) فاذا كانت الزيادة عمدها قادحا ، فهل إذا وقعت سهوا تقدح أم لا؟.

(وإلّا فما لا يقدح عمدا فسهوها أولى بعدم القدح) فاذا أتى بقل هو الله أحد ـ مثلا ـ في الركوع ، أو في حال التشهد ، أو ما أشبه ذلك ، فزيادة قل هو الله أحد عمدا لا تضر ، حيث ان القرآن في الصلاة غير ضار ، فاذا أتى بها سهوا فهي بعدم القدح أولى.

(والكلام هنا) أي : في الزيادة سهوا يكون (كما في النقص نسيانا) فانه كما إذا نقص من المركب جزءا نسيانا بطل المركب لانه لم يأت بالمركب المطلوب ، كذلك يكون إذا زاد في المركب جزءا نسيانا فانه لم يأت بالمركب المطلوب.

وإنّما يكون الكلام في الزيادة كالكلام في النقص (لأنّ مرجعه) أي : مرجع الاتيان بالزيادة نسيانا (إلى الاخلال بالشرط) أي : شرط عدم الزيادة اخلالا

٩٠

نسيانا ، وقد عرفت أنّ حكمه البطلان ووجوب الاعادة.

فيثبت من جميع المسائل الثلاث أنّ الأصل في الجزء أن يكون نقصه مخلا ومفسدا دون زيادته ، إلّا ان يدلّ دليل

______________________________________________________

(نسيانا ، وقد عرفت : ان حكمه) أي : حكم الاخلال بالشرط سواء بالزيادة أو بالنقيصة هو (البطلان ووجوب الاعادة).

والحاصل : ان كل زيادة أو نقيصة سهوية يوجب بطلان العبادة ، لانه لم يأت بالعبادة المطلوبة المحدودة بأجزاء خاصة ، وفي عدم الاتيان بها إمّا من جهة الزيادة ، وإمّا من جهة النقيصة.

وعليه : (فيثبت من جميع المسائل الثلاث) التي هي عبارة عن : نقيصة الجزء سهوا ، وزيادة الجزء عمدا ، وزيادة الجزء سهوا (إنّ الأصل في الجزء ان يكون نقصه مخلا ومفسدا) سواء كان عمدا أم سهوا ، وذلك لانه لم يأت بالمركب المطلوب ، فيكون النقص عمدا مبطلا ، لأن من لوازم وجوب الاتيان بالمركب انه إذا نقص منه جزءا كان باطلا ، ويكون النقص سهوا مبطلا ، لان الجزء حال النسيان جزء أيضا فنقصه مبطل أيضا ، فلا فرق إذن في النقص بين العمد والسهو.

(دون زيادته) أي : زيادة الجزء عمدا وسهوا ، فانه لا يوجب البطلان إلّا إذا كان عدم الزيادة شرطا ، وقد عرفت في المسألة الثانية من تنبيهات الجزء والشرط : ان عدم الزيادة إذا كان شرطا كان مرجع الزيادة إلى النقصان ، فيكون مبطلا من جهة النقص لا من جهة الزيادة ، والكلام الآن فيما لا يكون عدم الزيادة شرطا ، فلا يكون الزائد مبطلا ، لا عمدا لأنّ الأصل عدم كونه قاطعا ومبطلا للصلاة ، ولا سهوا لأنّ العمد إذا لم يكن مبطلا فالسهو لا يكون مبطلا بطريق أولى.

إذن : فالزيادة إذا لم يشترط عدمها لم تكن مبطلة (إلّا ان يدلّ دليل)

٩١

على خلافه.

مثل قوله عليه‌السلام : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» بناء على شموله لمطلق الاخلال الشامل للزيادة.

وقوله عليه‌السلام في المرسلة : «تسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة

______________________________________________________

من الخارج من كتاب أو سنة أو اجماع (على خلافه) أي : خلاف ما قلناه : من ان الأصل في الجزء ان يكون نقصه مخلا دون زيادته ، فانه إذا دلّ دليل على ان النقص غير مخل بالعمل ، وعلى ان الزيادة مخلة به ، كان هذا الاخلال وعدم الاخلال بالأصل الثانوي ، وإلّا فالنقص بالأصل الأوّلي مخلّ ومبطل ، كما ان الزيادة بالأصل الاوّلي ليست مخلة ولا مبطلة.

وأمّا ما دلّ على خلاف الأصل الأوّلي زيادة ونقصا فهو : (مثل قوله عليه‌السلام : لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة) (١) والخمسة عبارة عن : القبلة والطهور والوقت والركوع والسجود (بناء على شموله) أي : شمول لا تعاد (لمطلق الاخلال) بالصلاة (الشامل) ذلك الاخلال (للزيادة) والنقيصة.

وعليه : فيكون معنى لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة : انّ نقص شيء من هذه الخمسة وكذلك زيادتها مخلّ بالصلاة ، كما ان زيادة أو نقص غير هذه الخمسة لا يخل بالصلاة ، فاذا توفرت هذه الخمسة في الصلاة صحّت الصلاة سواء زاد فيها أم نقص منها ، وهو خلاف ما بنينا عليه من الأصل.

(و) مثل (قوله عليه‌السلام في المرسلة : تسجد سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٥١ ب ٢٣ ح ٥٥ ، من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٢٧٩ ح ٨٥٧ وص ٣٣٩ ح ٩٩١ ، الخصال : ص ٢٨٥ ح ٣٥ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣٧٢ ب ٣ ح ٩٨٠ وج ٤ ص ٣١٢ ب ٩ ح ٥٢٤١ وج ٥ ص ٤٧١ ب ١ ح ٧٠٩٠.

٩٢

تدخل عليك».

نعم ، لو دلّ دليل على قدح زيادته عمدا ، كان مقتضى القاعدة البطلان بها سهوا.

فتلخّص من جميع ما ذكرنا : إنّ الأصل الأوّلي فيما ثبت جزئيته الركنيّة إن فسّر الركن بما يبطل الصلاة بنقصه.

وإن عطف على النقص الزيادة عمدا وسهوا ،

______________________________________________________

تدخل عليك) (١) فانه يدل على صحة الصلاة مع الزيادة والنقيصة غير انّه بحاجة إلى سجدتي السهو ليتلافى بهما ما زاد وما نقص من الصلاة ، وهذا أيضا خلاف ما قلناه من الأصل في الزيادة والنقيصة.

(نعم ، لو دلّ دليل على قدح زيادته عمدا ، كان مقتضى القاعدة : البطلان بها) أي : بالزيادة (سهوا) أيضا ، لان حال العمد وحال السهو واحد إذا كان الدليل شاملا لهما.

إذن : (فتلخّص من جميع ما ذكرنا) في قولنا : وينبغي التنبيه على امور متعلقة بالجزء والشرط بما فيها من المسائل الثلاث : (ان الأصل الأوّلي فيما ثبت جزئيته : الركنيّة ان فسّر الركن بما يبطل الصلاة بنقصه) سواء كان النقص عن عمد أم عن سهو ، لأن الأصل يقتضي قدح النقص بالمركب المطلوب مطلقا ، فيكون مبطلا له.

هذا (وان عطف على النقص الزيادة عمدا وسهوا) بان قلنا : ان الركن هو

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٥٥ ب ٢٣ ح ٦٦ ، نزهة الناظر : ص ٤٠ ، الوافي : ج ٢ ص ١٤٩ وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٥١ ب ٣٢ ح ١٠٥٦٣.

٩٣

فالأصل يقتضي التفصيل بين النقص والزيادة عمدا وسهوا ، لكنّ التفصيل بينهما غير موجود في الصلاة ، إذ كلّ ما تبطل الصلاة بالاخلال به سهوا تبطل بزيادته عمدا وسهوا.

فأصالة البراءة الحاكمة بعدم البأس بالزيادة معارضة ـ بضميمة عدم القول بالفصل ـ باصالة الاشتغال الحاكمة ببطلان العبادة بالنقص سهوا.

______________________________________________________

الذي يبطل الصلاة بنقصه عمدا وسهوا ، ويبطل أيضا بزيادته عمدا وسهوا فان فسّرنا الركن بذلك (فالأصل يقتضي التفصيل بين النقص والزيادة عمدا وسهوا) وذلك بأن يكون النقص قادحا عمدا وسهوا ، والزيادة غير قادحة لا عمدا ولا سهوا.

(لكنّ التفصيل بينهما) أي : بين النقص والزيادة (غير موجود في الصلاة) فان مقتضى الأصل الأوّلي في طرف النقيصة وان كان هو الركنية ، وفي طرف الزيادة عدم الركنية ، إلّا ان هذا التفصيل لم يقل به أحد في الصلاة ، فالاجماع المركب قائم على ان الزيادة والنقيصة في الصلاة بمنزلة واحدة (إذ كلّ ما تبطل الصلاة بالاخلال به) عمدا و (سهوا تبطل بزيادته عمدا وسهوا).

إن قلت : ان أصل البراءة هنا حاكم بعدم البأس بالزيادة ، فيلزم التفصيل.

قلت : (فأصالة البراءة الحاكمة بعدم البأس بالزيادة) على ما ذكرناه سابقا (معارضة ـ بضميمة عدم القول بالفصل ـ بأصالة الاشتغال الحاكمة ببطلان العبادة بالنقص سهوا) فان أصالة الاشتغال تقول بقدح النقص ، وإذا ضممنا إلى هذا الأصل عدم القول بالفصل كان ذلك مقتضى لقدح الزيادة أيضا ، مع ان أصالة

٩٤

فان جوّزنا الفصل في الحكم الظاهري الذي تقتضيه الاصول العمليّة فيما لا فصل فيه من حيث الحكم الواقعي ، فيعمل بكلّ واحد من الأصلين ،

______________________________________________________

البراءة كما عرفت تقتضي عدم قدح الزيادة ، فيتعارض الأصلان : أصل البراءة وأصل الاشتغال معا في الزيادة.

وعليه : (فان جوّزنا الفصل في الحكم الظاهري الذي تقتضيه الاصول العمليّة فيما لا فصل فيه من حيث الحكم الواقعي ، فيعمل بكلّ واحد من الأصلين) في مورده بلا محذور ، ولذلك ذهب جماعة من الفقهاء والاصوليين إلى جواز الفصل في الحكم الظاهري.

وإنّما ذهبوا إلى ذلك لانهم قالوا : ان الدليل إنّما دل على عدم جواز الفصل في الحكم الواقعي ، لا في الحكم الظاهري وما نحن فيه من الحكم الظاهري ، فيجوز فيه الفصل بين الأصلين ، لانه على تقدير جواز الفصل لا تعارض ولا تنافي بينهما.

ولا يخفى : انه قد ورد كثيرا في الشريعة : الفصل بين المتلازمين في الحكم الظاهري مع ان الحكم الواقعي يقتضي وحدة الحكم ، مثل : اعطاء ربع الوصية ونصفها وثلثها بسبب شهادة امرأة أو اثنتين أو ثلاث ، مع ان الوصية ان كانت ثابتة لزم تنفيذ جميعها ، وإلّا فلا تنفيذ لها أصلا.

ومثل اعطاء الجمل منصّفا لنفرين حيث ادعى كل واحد منهما كله ، فقسّمه أمير المؤمنين عليه‌السلام بينهما نصفين مع ان الجمل إمّا كله لهذا أو كله لذاك.

ومثل إعطاء ثلاثة أرباع الارث للخنثى ، مع انه إمّا ذكر وإمّا أنثى ، فيجب ان يكون إمّا الكل وإمّا النصف.

ومثل أخذ المال من السارق دون القطع إذا اعترف مرة ، مع انه ان كان سارقا لزم الحكمان ، وان لم يكن سارقا سقط الحكمان ، إلى غير ذلك من الأمثلة.

٩٥

وإلّا فاللازم ترجيح قاعدة الاشتغال على البراءة ، كما لا يخفى.

هذا كلّه مع قطع النظر عن القواعد الحاكمة على الاصول ، وأمّا بملاحظتها فمقتضى : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» والمرسلة المذكورة ،

______________________________________________________

ومن هنا قال الفقهاء بمثل هذا التفكيك في الاصول أيضا.

(وإلّا) بأن لم نجوّز الفصل بين الأصلين في الحكم الظاهري ، لانه مخالفة عملية للحكم الواقعي ولو اجمالا وهو لا يجوز (فاللازم ترجيح قاعدة الاشتغال على البراءة) وذلك لأنّ دفع المخالفة العملية الاجمالية إنّما يكون باتحاد حكم الزيادة والنقيصة ، ويتم بالقول بالبراءة فيهما معا ، أو الاشتغال فيهما معا ، وحيث لا تجري البراءة فيهما معا حسب الفرض جرى الاشتغال فيهما معا ، لاستقلال العقل بذلك دفعا للمخالفة العملية الاجمالية.

وعليه : فيكون المحكّم فيهما معا هو الاشتغال (كما لا يخفى) فيحكم ببطلان الصلاة بالزيادة عمدا وسهوا.

(هذا كلّه مع قطع النظر عن القواعد الحاكمة على الاصول) الاوّلية (وامّا بملاحظتها) أي : بملاحظة القواعد الحاكمة (فمقتضى «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» (١) والمرسلة (٢) المذكورة) الحاكمة بسجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٥١ ب ٢٣ ح ٥٥ ، من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٢٧٩ ح ٨٥٧ وص ٣٣٩ ح ٩٩١ ، الخصال : ص ٢٨٥ ح ٣٥ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣٧٢ ب ٣ ح ٩٨٠ وج ٤ ص ٣١٢ ب ٩ ح ٥٢٤١ وج ٥ ص ٤٧١ ب ١ ح ٧٠٩٠.

(٢) ـ تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٥٥ ب ٢٣ ح ٦٦ ، الوافي : ج ٢ ص ١٤٩ ، نزهة الناظر : ص ٤٠ وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٥١ ب ٣٢ ح ١٠٥٦٣.

٩٦

عدم قدح النقص سهوا ، أو الزيادة سهوا ، ومقتضى عموم أخبار الزيادة المتقدمة قدح الزيادة عمدا وسهوا ، وبينهما تعارض العموم من وجه في الزيادة السهوية بناء على اختصاص «لا تعاد» بالسهو.

والظاهر حكومة قوله «لا تعاد» ، على أخبار الزيادة ،

______________________________________________________

هو : (عدم قدح النقص سهوا ، أو الزيادة سهوا).

هذا (ومقتضى عموم أخبار الزيادة المتقدمة) الحاكمة بالاعادة كقوله عليه‌السلام لمن زاد في صلاته فعليه الاعادة (١) هو : (قدح الزيادة عمدا وسهوا ، وبينهما تعارض العموم من وجه في الزيادة السهوية) لان أخبار لا تعاد تشمل النقص والزيادة ، وأخبار من زاد في صلاته تشمل الزيادة عمدا وسهوا ، فيكون التعارض في الزيادة سهوا ، لانّ خبر لا تعاد يقول بعدم الاعادة ، وخبر من زاد يقول بالاعادة.

وإنّما يكون التعارض في الزيادة سهوا فقط لانه (بناء على اختصاص «لا تعاد» بالسهو) وعدم عمومه للعمد وان كان يحتمل عمومه للعمد أيضا ، لان اطلاقه يشمل العمد والسهو ، زيادة ونقيصة.

هذا (والظاهر : حكومة قوله) عليه‌السلام : (لا تعاد (٢) ، على اخبار الزيادة (٣)) لأنّ

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٥٥ ح ٥ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٩٤ ب ٢٣ ح ٦٥ ، الاستبصار : ج ١ ص ٣٧٦ ب ٢١٩ ح ٢ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٣١ ب ١٩ ح ١٠٥٠٩.

(٢) ـ تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٥١ ب ٢٣ ح ٥٥ ، من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٢٧٩ ح ٨٥٧ وص ٣٣٩ ح ٩٩١ ، الخصال : ص ٢٨٥ ح ٣٥ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣٧٢ ب ٣ ح ٩٨٠ وج ٤ ص ٣١٢ ب ٩ ح ٥٢٤١ وج ٥ ص ٤٧١ ب ١ ح ٧٠٩٠.

(٣) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٥٥ ح ٥ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٩٤ ب ٢٣ ح ٦٥ ، الاستبصار : ج ١ ص ٣٧٦ ب ٢١٩ ح ٢ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٣١ ب ١٩ ح ١٠٥٠٩.

٩٧

لأنها كأدلة سائر ما يخلّ فعله أو تركه بالصلاة ، كالحدث والتكلّم ، وترك الفاتحة.

وقوله : «لا تعاد» يفيد أنّ الاخلال بما دلّ الدليل على عدم جواز الاخلال به إذا وقع سهوا لا يوجب الاعادة ،

______________________________________________________

مقتضى اطلاق لا تعاد : عدم البطلان في هذه الصورة ، ومقتضى اطلاق الاعادة للزيادة : بطلان هذه الصورة ، فيتعارضان فيها ، غير ان هذا التعارض صوري بدائي لحكومة لا تعاد على اخبار البطلان.

وإنّما يكون هذا التعارض صوريا لأنّ الظاهر من أخبار «لا تعاد» كونها بيانا ومفسرا للاخبار الأوّلية ، فهي كقاعدة الضرر والحرج والعسر وما أشبه ذلك ، والظاهر من أخبار الزيادة انها في مقام الجعل والتأسيس فهي كسائر أدلة الأجزاء والشرائط والموانع والقواطع.

وعليه : فحديث «لا تعاد» يدل على ان الاخلال الذي دل الدليل على عدم جوازه إذا وقع سهوا ، فهو لا يوجب الاعادة وان كان من حقه ايجاب الاعادة لو لا حديث لا تعاد ، فتخرج الزيادة السهوية بذلك عن عموم اخبار الزيادة الدالة على البطلان إلى اخبار لا تعاد.

إذن : فاخبار «لا تعاد» حاكمة على اخبار الزيادة وذلك (لانها) أي : اخبار الزيادة (كأدلة سائر ما يخلّ فعله أو تركه بالصلاة كالحدث والتكلّم وترك الفاتحة) وترك ذكر الركوع والسجود وما أشبه ذلك (وقوله : «لا تعاد» يفيد : انّ الاخلال بما دلّ الدليل على عدم جواز الاخلال به إذا وقع سهوا لا يوجب الاعادة).

هذا ، والجمع بين الدليلين : حديث لا تعاد ، واخبار الزيادة ، يقتضي : اعطاء

٩٨

وإن كان من حقه أن يوجبها.

والحاصل : أنّ هذه الصحيحة مسوقة لبيان عدم قدح الاخلال سهوا بما ثبت قدح الاخلال به في الجملة.

ثمّ لو دلّ دليل على قدح الاخلال بشيء سهوا ، كان أخصّ من الصحيحة

______________________________________________________

الزيادة السهوية لحديث لا تعاد ، لا لأخبار الزيادة التي توجب البطلان (وان كان من حقه ان يوجبها) أي : من حق الاخلال أن يوجب الاعادة لو لا خبر لا تعاد.

(والحاصل) من بيان حكومة حديث «لا تعاد» على اخبار الزيادة في الزيادة السهوية : (انّ هذه الصحيحة) وهي صحيحة لا تعاد (١) (مسوقة لبيان عدم قدح الاخلال سهوا بما) أي : بشرط أو جزء (ثبت قدح الاخلال به في الجملة) فانه لو لم يكن حديث لا تعاد لكانت الزيادة في الجملة قادحة ، فجاء حديث لا تعاد وأخرج الزيادة السهوية عن القدح ، وبذلك أصبح حديث لا يعاد محكما في الزيادة السهوية.

وعليه : فقد تبيّن من كل ما قاله المصنّف إلى هنا : ان الزيادة عمدا مبطلة ، وذلك لاخبار الزيادة ، والزيادة سهوا ليست مبطلة لاخبار لا تعاد ، والآن شرع في بيان ان الزيادة السهوية قد تكون مبطلة أيضا للدليل ، فما يكون نسبتها من حديث لا تعاد؟ فبيّنها بقول :

(ثم لو دلّ دليل على قدح الاخلال بشيء سهوا) أيضا ، كدلالة الدليل على ان الاخلال بتكبيرة الاحرام سهوا مبطل (كان أخصّ من الصحيحة) أي :

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٥١ ب ٢٣ ح ٥٥ ، من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٢٧٩ ح ٨٥٧ وص ٣٣٩ ح ٩٩١ ، الخصال : ص ٢٨٥ ح ٣٥ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣٧٢ ب ٣ ح ٩٨٠ وج ٤ ص ٣١٢ ب ٩ ح ٥٢٤١ ج ٥ ص ٤٧١ ب ١ ح ٧٠٩٠.

٩٩

إن اختصّت بالنسيان ، وعمّمت بالزيادة والنقصان.

والظاهر أنّ بعض أدلة الزيادة مختصّة بالسهو ، مثل قوله : «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها واستقبل صلاته».

______________________________________________________

من صحيحة لا تعاد ، وذلك (ان اختصّت) تلك الرواية الدالة على قدح الاخلال بشيء سهوا (بالنسيان ، وعمّمت) الصحيحة (بالزيادة والنقصان) معا ، بان قلنا : ان الصحيحة تشمل الزيادة والنقصان ، وذلك الدليل مختص بصورة النسيان ، فيكون ذلك الدليل أخص من الصحيحة.

ولا يخفى إنّ قول المصنّف قبل قليل : ثم لو دل دليل ، كبرى كلية ، وقوله الآن : (والظاهر) صغرى لتلك الكبرى الكلية ، وهي : (انّ بعض أدلة الزيادة مختصّة بالسهو ، مثل قوله) عليه‌السلام : («إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها واستقبل صلاته» (١)) فان ظاهر استيقن : حصوله بعد النسيان.

وعليه : فيكون هذا الحديث أخص من الصحيحة ، كما ان الصحيحة كانت أخص من أخبار الزيادة ، فالجمع بين الأدلة الثلاثة يكون هكذا : كلما زاد بطل إلّا إذا كانت الزيادة سهوية ، وكلما زاد سهوا لم يكن مبطلا إلّا إذا كان في تكبيرة الاحرام ـ مثلا ـ.

هذا ، ومن المعلوم : إنّ الزيادة السهوية في تكبيرة الاحرام إذا خرجت من تحت لا تعاد ، دخلت تحت كلي كلما زاد أعاد ، فيدل الدليل الأوّل من اخبار الزيادة وهو قوله عليه‌السلام : «من زاد في صلاته فعليه الاعادة» (٢) على بطلان الصلاة

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٥٤ ح ٢ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٣١ ب ١٩ ح ١٠٥٠٨ ، غوالي اللئالي : ج ٣ ص ٩٤ ح ١٠٦.

(٢) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٥٥ ح ٥ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٩٤ ب ٢٣ ح ٦٥ ، الاستبصار : ج ١ ص ٣٧٦ ب ٢١٩ ح ٢ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٣١ ب ١٩ ح ١٠٥٠٩.

١٠٠