الوصائل الى الرسائل - ج ١٠

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل الى الرسائل - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-10-4
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

لم يجر الاستصحاب بالتقرير المتقدّم.

نعم ، لو كان بين واجد الشرط وفاقده تغاير كلّي في العرف ، نظير الرقبة الكافرة بالنسبة إلى المؤمنة ،

______________________________________________________

كما (لم يجر الاستصحاب) فيما نحن فيه أيضا ولا في كثير من الامور.

أما تصور المسامحة العرفية هنا فيكون (بالتقرير المتقدّم) وهو : ان الجامع للشروط مع الفاقد للبعض يكون بنظر العرف واحدا ، لانه عندهم من تبدل الحالات لا من تبدل الموضوع ، وكما يجوز في أمثال هذه الموارد المشكوكة التمسك باستصحاب وجوب المشروط ، كذلك يجوز فيما نحن فيه التمسك بدليل الميسور ، لان العرف يرى ان الباقي هو الميسور من المعسور الذي لا يتمكن المكلّف منه إطلاقا ، أو يتمكن منه لكن بعسر مرفوع شرعا.

(نعم ، لو كان بين واجد الشرط وفاقده تغاير كلّي في العرف ، نظير الرقبة الكافرة بالنسبة إلى المؤمنة) فان بينهما تغاير كلي ، وقد أشار تعالى إلى المغايرة هذه وهو يصف الكفار بقوله : (يَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) (١).

وقال جلّ ذكره : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) (٢).

وقال عزّ من قال : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ) (٣).

وقال سبحانه تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (٤) إلى غير ذلك.

__________________

(١) ـ سورة محمد : الآية ١٢.

(٢) ـ سورة الفرقان : الآية ٤٤.

(٣) ـ سورة الاعراف : الآية ١٧٦.

(٤) ـ سورة الجمعة : الآية ٥.

١٤١

أو الحيوان الناهق بالنسبة إلى الناطق ، وكذا ماء غير الرمان بالنسبة إلى ماء الرمان ، لم تجر القاعدة المذكورة.

ومما ذكرنا يظهر ما في كلام صاحب الرياض ، حيث بنى وجوب غسل الميت بالماء القراح ، بدل ماء السدر ،

______________________________________________________

(أو) كان التغاير الكلي نظير (الحيوان الناهق بالنسبة إلى الناطق) كما إذا قال المولى : جئني بحيوان ناطق ، فلم يتمكن من الناطق ، فهل يأتي بالحيوان الناهق لوجود الجنس فيهما معا؟.

(وكذا) لو كان التغاير الكلي نظير تغاير (ماء غير الرمان بالنسبة إلى ماء الرمان) فانه إذا قال المولى : جئني بماء الرمان ، لا يكفي ان يأتي له باللبن ، أو بماء العنب ، أو بالماء القراح ـ مثلا ـ لانّ أهل العرف لا يرون هذا الممكن ميسور ذلك الفاقد.

وعليه : فاذا كان التغاير بين الواجد والفاقد كليا كما مثلنا له (لم تجر القاعدة المذكورة) أي : قاعدة الميسور ، كما لا يجري الاستصحاب حينئذ أيضا.

نعم ، ربما يفهم من كلام المولى بسبب القرائن الخارجية ان الأمثلة المذكورة هي من الميسور أيضا ، كما إذا أراد المولى الطواف وهو لا يقدر على المشي.

فقال لعبده : ائتني بحيوان ناطق ليحمله في الطواف ، فان الناهق هنا يكون ميسورا منه ، وكذا إذا غصّ المولى بلقمته وأراد تليين اللقمة ليزدردها فقال : ائتني بماء الرمان ، فان غيره من المضاف ، أو القراح يكون ميسورا عنه عرفا وهكذا.

(ومما ذكرنا) : من التفصيل في الشروط ، وانّ فقد بعض الشروط لا يوجب سقوط المشروط للمسامحة العرفية بين الواجد للشرط وفاقده ، وان فقد بعضها الآخر يوجب سقوط المشروط لعدم المسامحة العرفية فيها (يظهر ما في كلام صاحب الرياض ، حيث بنى وجوب غسل الميت بالماء القراح ، بدل ماء السدر)

١٤٢

على أن ليس الموجود في الرواية الأمر بالغسل بماء السدر على وجه التقييد ، وإنّما الموجود : «وليكن في الماء شيء من السدر».

______________________________________________________

أو بدل ماء الكافور على انه ليس من المقيد.

وإنّما أوجب الغسل بالماء عند تعذر السدر أو الكافور لانه قال : ان الأمر هنا ليس من قبيل القيد والمقيّد حتى ينتفي الغسل بتعذر السدر أو الكافور ، وإنّما من قبيل الجزء والكل فلا ينتفي الغسل عند تعذر السدر أو الكافور ، مع انه ليس كذلك ، فقد عرفت : انه حتى لو كان من القيد والمقيّد لم ينتف الغسل للتسامح العرفي بين الواجد للسدر وفاقده ، والواجد للكافور وفاقده.

وعليه : فعند تعذّر السدر والكافور ، هل يكتفي الغاسل بتغسيله غسلا واحدا لتعذر السدر والكافور ، أو يغسله ثلاثة أغسال بالماء القراح ، أحدها : ميسور ماء السدر ، وثانيها : ميسور ماء الكافور ، وثالثها : نفس الماء القراح؟ قال صاحب الرياض بوجوب الثلاثة.

هذا ، وقد استدل لوجوب الثلاثة بناء (على ان ليس الموجود في الرواية الأمر بالغسل بماء السدر على وجه التقييد) فلم تقل الرواية : اغسله بماء السدر والكافور لتفيد تقييد ماء الغسل بالسدر والكافور ، حتى ينتفي المقيّد وهو : الغسل بانتفاء القيد وهو : السدر والكافور (وإنّما الموجود) في الرواية : («وليكن في الماء شيء من السدر» (١)) ولأجله قال صاحب الرياض : إنّ هنا مطلوبين مستقلين : الأوّل : الغسل.

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ١٣٩ ح ٢ ، تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١٠٨ ب ٥ ح ١٤ وص ٣٠٠ ب ١٣ ح ٤٣ ، وسائل الشيعة : ج ٢ ص ٤٨٣ ب ٢ ح ٢٦٩٩.

١٤٣

توضيح ما فيه : أنّه لا فرق بين العبارتين ، فانه إن جعلنا ماء السدر من القيد والمقيّد ، كان قوله : «وليكن فيه شيء من السدر» كذلك ، وإن كان من اضافة الشيء إلى بعض أجزائه كان الحكم فيها واحدا.

______________________________________________________

الثاني : خلطه بشيء من السدر ، أو بشيء من الكافور ، ولا يسقط الأوّل بتعذر الثاني.

لكن لا يخفى : ان كلام الرياض في بدلية الماء عن الخليطين تام ، فانه يجب غسل الميت بثلاثة مياه ، إلّا ان طريقة استدلاله لذلك غير تام ، فبدأ المصنّف في (توضيح ما فيه) أي : ما في الاستدلال بقوله : (انّه لا فرق بين العبارتين) فسواء قال : اغسله بماء السدر ، أم قال : ليكن في الماء شيء من السدر كان الحكم فيها واحدا كما قال : (فانه ان جعلنا ماء السدر من القيد والمقيّد كان قوله : وليكن فيه شيء من السدر كذلك) من القيد والمقيّد (وان كان من اضافة الشيء إلى بعض اجزائه كان الحكم فيها) أي : في عبارة : وليكن فيه شيء من السدر أيضا كذلك ، فيكون حكم العبارتين المذكورتين (واحدا) غير ان فهم عبارة الرواية في انها من القيد والمقيّد ، أو من اضافة الشيء إلى بعض أجزائه موكول إلى العرف.

وعلى أي حال : فالعبارتان المذكورتان ، امّا تفيدان الشرطية ، فعند تعذر السدر سقط وجوب الغسل اطلاقا لوضوح مباينة ماء السدر مع الماء القراح ، فلا يكون الماء القراح ميسورا لماء السدر ، كما انه لا يجري الاستصحاب لتبدّل الموضوع ، وامّا تفيدان الجزئية فعند تعذر الجزء لا يسقط الغسل رأسا لجريان القاعدتين : قاعدة الميسور ، والاستصحاب.

أقول : لكنك قد عرفت : عدم الفرق بين الجزء والشرط في جريان قاعدة الميسور فيهما معا.

١٤٤

ودعوى : «أنّه من المقيّد ، لكن لما كان الأمر الوارد بالمقيد مستقلا ، فيختصّ بحال التمكن ، ويسقط حال الضرورة ، ويبقى المطلقات غير مقيّدة بالنسبة إلى الفاقد» ،

______________________________________________________

نعم ، ربما يستشكل هنا : بأنّ الماء القراح ليس من ميسور ماء السدر ، كما لم يكن الماء الخالص من ميسور المرق في المثال السابق ، وذلك لما تقدّم : من انه لا يصدق عليه عرفا انه ميسوره ، لانّ المتعذر كان مقوّما للاسم وبانتفائه انتفى الاسم ، فسقط الباقي عن الوجوب.

ثم لا يخفى : ان هذا الكلام من صاحب الرياض إنّما هو إشكال منه على المحقق ، حيث انه عند شرح قول المحقق هنا قال :

«ولو تعذر السدر والكافور كفت المرة بالقراح عند المصنّف وجماعة ، لفقد المأمور به بفقد جزئه بعد تسليمه ، وهو كذلك إذا دلت الأخبار على الأمر بالمركب ، وليس كذلك لدلالة أكثرها وفيها الصحيح وغيره على الأمر بتغسيله بماء وسدر ، فالمأمور به شيئان متمايزان وان امتزجا في الخارج ، وليس الاعتماد في ايجاب الخليطين على ما دل على الأمر بتغسيله بماء السدر خاصة حتى يرتفع الأمر بارتفاع خليطه ، وبعد تسليمه لا نسلم فوات الكل بفوات الجزء بعد قيام المعتبرة باتيان الميسور وعدم سقوطه بالمعسور ، وضعفها بعمل الأصحاب طرا مجبور ، فاذن : الأقوى وجوب الثلاثة بالقراح وفاقا لجماعة».

هذا (ودعوى : «أنّه من) القيد و (المقيّد ، لكن لما كان الأمر الوارد بالمقيد مستقلا) بأن كان هنا أمران : أمر بالغسل ، وأمر بكونه بماء السدر ، فانه إذا كان كذلك (فيختصّ) كونه بماء السدر (بحال التمكن ، ويسقط حال الضرورة ، ويبقى المطلقات) الآمرة بالغسل (غير مقيّدة) بالسدر (بالنسبة إلى الفاقد»)

١٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

للسدر ، وكذا بالنسبة إلى الكافور.

والحاصل : ان الدعوى وان تسلّم ان السدر والكافور في ماء الغسل من الشرط والمشروط على التعبيرين ، والمشروط عدم عند عدم شرطه ، إلّا انها تحاول التخلص فيما نحن فيه بجعل الأمر بالشرط مستقلا بحيث إذا تعذر الشرط سقط الشرط وحده والحال ان هذا التخلص ليس بصحيح لان الشرط فيما نحن فيه ليس بأمر مستقل ، بل هو والمشروط بأمر واحد مثل : اغسله بماء السدر واغسله بماء الكافور ، وفي مثله إذا انتفى الشرط ينتفي المشروط ، لوضوح : ان المشروط وغير المشروط أمران متباينان ، فليس أحدهما ميسورا من الآخر.

نعم ، إذا ثبت كل من المركب واجزائه ، والمشروط وشروطه ، بدليل مستقل ، فان كان لدليل المركب أو المشروط اطلاق معتبر لم يكن دليل الجزء والشرط كذلك ، تقيّد الاشتراط والتركيب بحال التمكن من الشرط والجزء ، فعند تعذر الشرط والجزء يتمسك باطلاق دليل المركب والمشروط لفرض ان دليلهما مطلق يشمل حال التمكن من الشرط والجزء وحال العدم.

وعليه : فيكون ما نحن فيه حينئذ من قبيل قوله : أنفق على زوجتك ، مع قوله في كلام آخر : ليكن الانفاق على النحو المتعارف ، فانّ اطلاق الأمر الأوّل : يقتضي وجوب الانفاق بالنحو غير المتعارف إذا تعذر الانفاق على النحو المتعارف.

وإنّما يقتضي ذلك لان للأمر الأوّل اطلاق فيتمسك به عند تعذر المتعارف من الانفاق ، بخلاف الأمر الثاني فانه يسقط بالتعذّر ولا يستطيع ان يقيّد اطلاق الأمر الأوّل حتى في حال التعذر حتى يكون نتيجة التقييد : سقوط الانفاق رأسا عند تعذر الانفاق بالنحو المتعارف.

١٤٦

مدفوعة : بأنّ الأمر في هذا المقيّد للارشاد وبيان الاشتراط ، فلا يسقط بالتعذر ، وليس مسوقا لبيان التكليف ، إذ التكليف المتصور هنا هو التكليف المقدّمي ، لأن جعل السدر في الماء ، مقدمة للغسل بماء السدر

______________________________________________________

وكيف كان : فالدعوى (مدفوعة : بأنّ الأمر في هذا المقيّد) ـ بالكسر ـ على فرض استقلاله إنّما هو (للارشاد وبيان الاشتراط ، فلا يسقط بالتعذر).

والحاصل : انا وان سلمنا ان الشرط بأمر ثان مستقل ، إلّا ان هذا الأمر الثاني بالشرط أمر ارشادي كاشف عن تقيّد الواجب به وان لم يذكر معه في كلام واحد ، فيكون الأمر الأوّل مقيّدا بالثاني وجودا أو عدما فاذا تعذر القيد سقط المقيّد رأسا فلا تكليف بالأمر الأوّل.

(و) ان قلت : الأمر الثاني تكليف مستقل ، فاذا تعذر سقط وحده وبقي الأمر الأوّل بالغسل.

قلت : (ليس) الأمر الثاني المقيّد للأول (مسوقا لبيان التكليف) مستقلا حتى يكون هناك تكليفان أحدهما مستقل عن الآخر ، فاذا سقط التكليف الثاني بالتعذر ، بقي التكليف الأوّل على وجوبه (إذ التكليف المتصور هنا) أي : في الأمر الثاني على رأي المصنّف قدس‌سره (هو التكليف المقدّمي).

وعليه : فالأمر الثاني لا يخلو من أحد وجهين : فهو إمّا ان يكون ارشاديا محضا ، كما قال : الأمر في هذا المقيّد للارشاد ، وإمّا ان يكون مولويا مقدّميا ، وذلك (لأن جعل السدر في الماء ، مقدمة للغسل بماء السدر) كجعل التطهر مقدمة للصلاة مع الطهارة.

وعلى كل من الوجهين : فانه سواء جعلنا الأمر الثاني تكليفيا مقدّميا ، أم ارشاديا محضا ، فالأمر الثاني يكون مقيّدا للأمر الأوّل ولا يسقط وحده بالتعذر ،

١٤٧

المفروض فيه عدم التركيب الخارجي له ، لا جزء خارجي له حتى يسقط عند التعذّر.

وتقييده بحال التمكّن ناش من تقييد وجوب ذيها ، فلا معنى لاطلاق أحدهما وتقيّد الآخر كما لا يخفى على المتأمّل.

______________________________________________________

بل إذا تعذّر السدر سقط الأمر بالغسل أيضا.

وإنّما جعل الأمر الثاني هنا من القيد والمقيّد لا من الجزء والكل ، لان (المفروض فيه عدم التركيب الخارجي له) كما اعترف به المدّعي في الدعوى أيضا ، فالأمر الثاني إذن من المقيّد (لا جزء خارجي له) ليكون من الجزء والكل (حتى يسقط عند التعذّر) أي : تعذر الجزء ويبقى الأمر الأوّل بالغسل على وجوبه لقاعدة الميسور.

والحاصل : ان الأمر بالسدر ، سواء قلنا : انه أمر تكليفي مقدمي ، أم أمر ارشادي محض ، فانه لا يسقط بالتعذر ، بل يكون الاشتراط باقيا حال التعذر أيضا ، فاذا لم يتمكن من السدر سقط الغسل رأسا ، لا انه يسقط السدر ويبقى الغسل بالماء القراح.

(و) إنّما قال : لا يسقط الأمر الثاني وحده حال التعذر ، لان (تقييده بحال التمكّن) حتى يسقط وحده عند التعذر ، أو عدم تقييده بحال التمكن حتى لا يسقط وحده عند التعذر (ناش من تقييد) أو عدم تقييد (وجوب ذيها) أي : تابع في وجوده وسقوطه لذي المقدمة.

إذن : (فلا معنى لاطلاق أحدهما وتقيّد الآخر) أي : لا معنى لأن نقول : بأن الأمر بالغسل مطلق يشمل حال التمكن والتعذر عن السدر والأمر بالسدر مقيّد بحال التمكن منه فقط (كما لا يخفى على المتأمّل).

١٤٨

ويمكن أن يستدل على عدم سقوط المشروط بتعذّر شرطه برواية عبد الأعلى مولى آل سام ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام عثرت فانقطع ظفري

______________________________________________________

وان شئت قلت : إنّ المحقق قال : انه إذا تعذر الخليط كفاه غسل واحد ، والرياض أشكل عليه : بأنّ قاعدة الميسور تقتضي ثلاثة أغسال ، والمصنّف وغيره أشكلوا على الرياض بأمور :

الأوّل : انه لا فرق بين العبارتين فسواء قال المولى : اغسله بماء السدر ، أم قال : وليكن في الماء شيء من السدر ، فان الحكم فيهما يكون واحدا.

الثاني : ان احتمال الاستقلال في العطف بالواو ، إنّما هو فيما إذا لم يدل قرينة على خلافه ، وهنا قرينة تدل على ارتباط الماء بالسدر والسدر بالماء ، فلا استقلال لكل منهما ، لان اللازم هو الماء الخليط.

الثالث : انه على فرض الاستقلال ، فان الأمر الثاني هنا إمّا للارشاد المحض ، فيدل على ان الغسل الواجب مشروط بهذه الكيفية ، فلا يسقط الشرط بالتعذر ويبقى أصل الغسل ، وإمّا للتكليف المقدمي ، فيدل على ان جعل السدر في الماء مقدمة للغسل بماء السدر ، فاذا تعذر السدر سقط الغسل رأسا ، لانه من القيد والمقيد ، لا من الجزء والكل حتى يسقط الجزء عند التعذر ، ويبقى أصل الغسل.

هذا ، ولا يخفى : ان الكلام في المقام طويل لا يقتضيه الشرح وان كان الأظهر هو ما قاله الرياض : من وجوب الأغسال الثلاثة إذا تعذر السدر والكافور.

(ويمكن ان يستدل على عدم سقوط المشروط بتعذّر شرطه) بعد ان استدل عليه بالبراءة والاستصحاب على اشكال فيهما (برواية عبد الأعلى مولى آل سام) وهي كما يلي :

(قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام عثرت) أي : زلّت قدمي (فانقطع ظفري) أي :

١٤٩

فجعلت على اصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال : يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزوجل : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) امسح عليه».

فانّ معرفة حكم المسألة ، أعني : المسح على المرارة من آية نفي الحرج ، متوقفة على كون تعسر الشرط غير موجب لسقوط المشروط ، بأن يكون المنفيّ بسبب

______________________________________________________

ظفر أصابع رجله (فجعلت على اصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء) مع تعذر المسح على نفس الاظفر والاصبع؟.

(قال) عليه‌السلام : (يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزوجل) حيث قال سبحانه : ((ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١)) ثم قال : (امسح عليه) (٢) أي : على ما جعله على اصبعه من المرارة ، فإنّ المسح على نفس الاصبع حرج ، ولذا كان مرفوعا.

وإنّما يكون هذا الحديث دليلا على عدم سقوط المشروط مع تعذر شرطه لما ذكره المصنّف بقوله :

(فإنّ معرفة حكم المسألة ، أعني : المسح على المرارة من آية نفي الحرج ، متوقفة على) مقدمة خارجية وهي : (كون تعسر الشرط غير موجب لسقوط المشروط) فالمسح واجب ويشترط ان يكون بمباشرة اليد للرجل ، وحيث ان سقوط الشرط لا يوجب سقوط المشروط ، أمر الامام (بأن يكون المنفيّ بسبب

__________________

(١) ـ سورة الحج : الآية ٧٨.

(٢) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٣ ح ٤ ، تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٣٦٣ ب ١٦ ح ٢٧ ، الاستبصار : ج ١ ص ٧٧ ب ٤٦ ح ٣ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٦٤ ب ٢٩ ح ١٢٣١ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٧٧ ب ٣٣ ح ٣٢.

١٥٠

الحرج مباشرة اليد الماسحة للرجل الممسوحة ، ولا ينتفي بانتفائه أصل المسح المستفاد وجوبه من آية الوضوء.

إذ لو كان سقوط المعسور ، وهي المباشرة ، موجبة لسقوط أصل المسح ، لم يكن معرفة وجوب المسح على المرارة من مجرّد نفي الحرج ، لأنّ نفي الحرج ، حينئذ يدلّ على سقوط المسح في هذه الوضوء رأسا ، فيحتاج وجوب المسح على المرارة إلى دليل خارجي.

______________________________________________________

الحرج مباشرة اليد الماسحة للرجل الممسوحة ولا ينتفي بانتفائه) أي : بانتفاء الشرط الذي هو المباشرة (أصل المسح المستفاد وجوبه من آية الوضوء) (١) ومن سائر الروايات الدالة على وجوب المسح.

(إذ لو كان سقوط) الشرط (المعسور وهي المباشرة ، موجبة لسقوط) المشروط وهو (أصل المسح ، لم يكن معرفة وجوب المسح على المرارة) مستفادا (من مجرّد نفي الحرج) في الآية (لان نفي الحرج حينئذ) أي : حين تعذر المباشرة (يدلّ على سقوط المسح في هذه الوضوء رأسا ، فيحتاج وجوب المسح على المرارة إلى دليل خارجي).

والحاصل : ان حكم المسألة وهو المسح على المرارة لا يمكن استفادته من آية : نفي الحرج وحدها إلّا بعد ضم قاعدة الميسور المستفادة من الروايات اليها.

وإنّما لا يمكن ذلك إلّا مع ضم القاعدة لأن نفي الحرج في الآية أعم من المسح على المرارة ، فلو لا قاعدة الميسور كانت المسألة مجملة في انه هل المراد من نفي

__________________

(١) ـ اشارة الى الآية ٦ من سورة المائدة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).

١٥١

فرعان

الأوّل : لو دار الأمر بين ترك الجزء وترك الشرط ـ كما في ما إذا لم يتمكّن من الاتيان بزيارة عاشوراء بجميع أجزائها في مجلس واحد ، على القول باشتراط اتحاد المجلس فيه ـ فالظاهر تقديم ترك الشرط ، فيأتي بالأجزاء تامّة في غير المجلس ، وترك الشرط باتيان جميع الأجزاء

______________________________________________________

الحرج سقوط أصل المسح ، أو سقوط المباشرة؟ فبمعونة قاعدة الميسور تتعيّن دلالة الآية على سقوط المباشرة دون أصل المسح ، فيمسح على المرارة.

ومن المعلوم : إنّ أشباه ذلك من أحكام الجبائر في الوضوء والغسل والتيمم بالنسبة للاحياء والأموات يفهم أيضا من هذه الآية بمعونة قاعدة الميسور ـ كما عرفت ـ.

(فرعان : الأوّل : لو دار الأمر بين ترك الجزء وترك الشرط) بان لم يتمكن من الاتيان بهما معا (ـ كما في ما إذا لم يتمكّن من الاتيان بزيارة عاشوراء بجميع أجزائها في مجلس واحد ، على القول باشتراط اتحاد المجلس فيه ـ) فانه إذا اشترط ذلك ودار الأمر بين ان يأتي بكل الأجزاء في مجلسين مما يوجب فقد الشرط وهو : المجلس الواحد ، وبين أن يأتي ببعض الاجزاء في مجلس واحد فيوجب فقد الجزء ، وكذا لو دار الأمر ـ مثلا ـ بين ترك الاستقبال في الصلاة أو ترك الحمد.

(فالظاهر) عند المصنّف (تقديم ترك الشرط ، فيأتي بالأجزاء تامّة في غير المجلس) الواحد.

هذا (وترك الشرط) يكون بأحد وجهين : إمّا (باتيان جميع الأجزاء) بلا شرط ، وذلك بأن لا يكون الشرط في جزء من الاجزاء ، كالاتيان بأجزاء الصلاة جميعها

١٥٢

أو بعضها بغير شرط ، لأنّ فوات الوصف أولى من فوات الموصوف ، ويحتمل التخيير.

______________________________________________________

إلى غير القبلة.

(أو) باتيان (بعضها بغير شرط) كما إنه إذا أراد الاحتفاظ بقراءة الحمد الذي هو جزء الصلاة طالت صلاته ، فرآه الظالم وأجبره على الانحراف من القبلة حيث يقع بعض أجزاء الصلاة فاقدا للشرط فيما إذا أراد الاحتفاظ بالجزء وهو قراءة الحمد ، فيدور أمره بين ترك الحمد واتيان جميع الصلاة إلى القبلة ، وبين قراءة الحمد واتيان بعض الصلاة إلى غير القبلة.

هذا ، وفي كلا الوجهين قال المصنّف بتقديم ترك الشرط.

وإنّما قال المصنّف بتقديم ترك الشرط بوجهيه على ترك الجزء (لأنّ فوات الوصف أولى من فوات الموصوف) وذلك لأن الوصف متأخر عن الأصل ، والجزء يعدّ من الأصل ، فالجزء سابق على الشرط ، والسابق أولى بالمراعاة ، فاللازم الاتيان بالجزء لأنّ تقدّم رتبة الجزء على الشرط في مقام تأليف الماهية يعطي للجزء أهمية أكثر.

(ويحتمل التخيير) فيما لو دار الأمر بين ترك الشرط أو الجزء ، وذلك لأن مجرد تأخر رتبة الشرط في التصور لا يوجب تعيّن فوات الشرط عند الدوران بين فواته وفوات الجزء.

هذا ، لكن الظاهر في المسألة هو : التفصيل بين ما إذا أحرز الأهمية في أحدهما إلى حد المنع عن النقيض ، فيقدم الأهم ، وبين ما لم يحرز ذلك فيتخيّر.

وأمّا ما ذكره المصنّف قدس‌سره في وجه تقديم الجزء ، فهو وجه اعتباري لا يوجب الجزم ، فإنّ تقدّم لحاظ الجزء في مقام التأليف لا يقتضي ترجيحه على الشرط

١٥٣

الثاني : لو جعل الشارع للكلّ بدلا اضطراريا ، كالتيمم ، ففي تقديمه على الناقص وجهان :

______________________________________________________

عند وقوع التزاحم بينهما ، بل لا بد من ملاحظة مرجحات باب التزاحم ، فربما يقدّم الجزء وربما يقدّم الشرط.

هذا ، ولا يخفى : ان المصنّف رحمه‌الله تبع الدروس في هذا الأمر حيث قد سبقه الدروس في الاستدلال بأنّ فوات الوصف أولى من فوات الموصوف على ما حكي عنه.

ومما ذكرنا : من ان اللازم مراعاة أهم الأمرين ان كان ، وإلّا فالتخيير ، يعلم حال ما إذا دار الأمر بين شرطين ، أو بين جزءين ، أو بين مانعين ، أو بين قاطعين ، أو بالاختلاف مثل شرط ومانع إلى غير ذلك.

نعم ، ربما يقال : ان اللازم مراعاة المقدّم زمانا وان تساويا ، فاذا دار الأمر ـ مثلا ـ بين ان يقوم في الركعة الاولى أو الثانية ، فانه يلزم تقديم القيام في الركعة الاولى على القيام في الركعة الثانية ، لانه قادر الآن ولا وجه لحفظ القدرة للركعة الثانية بدون الاضطرار إلى ذلك ، وكذا إذا دار الأمر بين الصيام أول يوم من شهر رمضان أو ثاني يوم منه ، وهكذا.

ومن المعلوم : ان تقديم المقدّم زمانا هو نوع من الترجيح الذي ذكرنا انه من مقتضيات التزاحم فيما إذا كان راجح هناك.

الفرع (الثاني : لو جعل الشارع للكلّ بدلا اضطراريا كالتيمم) الذي هو بدل اضطراري عن الوضوء والغسل (ففي تقديمه على الناقص) من المبدل منه ، كما إذا دار الأمر بين الوضوء الناقص أو التيمم ، أو دار الأمر بين الغسل الناقص أو التيمم (وجهان) :

١٥٤

من أنّ مقتضى البدليّة : كونه بدلا عن التام ، فيقدّم على الناقص كالمبدل.

ومن أنّ الناقص حال الاضطرار تام ، لانتفاء جزئيّة المفقود ، فيقدّم على البدل كالتام ويدلّ عليه رواية عبد الأعلى المتقدّمة.

______________________________________________________

أمّا وجه تقديم البدل فهو قوله : (من أنّ مقتضى البدليّة : كونه بدلا عن التام ، فيقدّم على الناقص كالمبدل) وهو التام حيث يقدّم على الناقص ، وذلك لان التيمم في قوة الوضوء التام حال تعذر الوضوء لانه مقتضى البدلية ، وكما يقدّم الوضوء التام على الوضوء الناقص ، كذلك يقدّم التيمم الذي هو بدله على الوضوء الناقص.

وأمّا وجه تقديم الناقص فهو قوله : (ومن انّ الناقص حال الاضطرار تام ، لانتفاء جزئيّة المفقود ، فيقدّم) الناقص (على البدل كالتام) أي : كما يقدّم الوضوء التام على التيمم ، كذلك يقدّم الوضوء الناقص على التيمم ، لانّ الناقص في حال تعذّر الجزء بمنزلة التام.

(ويدلّ عليه) أي : على تقديم الناقص من المبدل على التام من البدل الاضطراري ، اضافة إلى قاعدة الميسور : (رواية عبد الأعلى المتقدّمة) حيث أمره الامام عليه‌السلام فيها ، بوضوء ناقص ، وذلك بأن يمسح على الجبيرة (١) ، ولو كان التيمم مقدّما على الوضوء الناقص لكان تكليفه التيمم ، فلأمره بالتيمم لا بالوضوء الناقص.

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٣ ح ٤ ، الاستبصار : ج ١ ص ٧٧ ب ٤٦ ح ٣ ، تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٣٦٣ ب ١٦ ح ٢٧ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٦٤ ب ٢٩ ح ١٢٣١ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٧٧ ب ٣٣ ح ٣٢.

١٥٥

الأمر الثالث

لو دار الأمر بين الشرطيّة والجزئيّة ،

______________________________________________________

لكن لا يخفى انه يشترط هنا كما ذكرنا فيما سبق : لزوم ان يصدق الميسور على الناقص ، فاذا لم يصدق عليه كان اللازم البدل ، كما إذا تعذّر عليه غسل وجهه في الوضوء وتمكن من غسل اليدين والمسحين فقط ، فان اللازم تقديم التيمم ، لا الوضوء الفاقد لغسل الوجه ، وكذا إذا تمكن من الصيام مع شرب الدواء في اليوم مرات لمكان مرضه ، فانه ينتقل إلى البدل وهو القضاء ، لا الناقص من صوم شهر رمضان.

(الأمر الثالث) من الامور التي ينبغي التنبيه عليها : (لو دار الأمر بين الشرطية والجزئية) بان علمنا إنّ الشيء الفلاني واجب ، لكن لم نعلم هل انه شرط أو جزء؟ وذلك كما تقدّم في مثال السدر والكافور حيث لم نعلم ان الواجب هو الماء ، والسدر والكافور من شرطه ، أو ان الواجب هو ماء السدر وماء الكافور ، بان يكون هناك جزءان : ماء وسدر ، أو ماء وكافور؟.

وكذا حال النية في الصلاة بان لم نعلم هل النية جزء أو شرط؟.

وهكذا الطمأنينة بين السجدتين حيث لم نعلم هل انها جزء من الصلاة أو شرط وهكذا؟.

وعليه : فهل هناك أصل يدل على ان هذا جزء أو شرط ، أو انه لا أصل في المقام؟

ثم لا بأس هنا بعد ان ذكرنا في المباحث القريبة الفرق بين الجزء والشرط ، ان نشير الآن إلى الثمرة المترتبة على كون الشيء جزءا أو شرطا ، فانهم ذكروا الثمرة في امور هي : مثل ما لو نذر ان يعطي لمن صلى الصبح ـ مثلا ـ دراهم بعدد أجزاء

١٥٦

فليس في المقام أصل كليّ يتعيّن به أحدهما ، فلا بد من ملاحظة كل حكم يترتب على أحدهما وأنّه موافق للأصل أو مخالف له.

______________________________________________________

صلاته ، فهل يجب أن يعطيه درهما بازاء النية أم لا؟ فعلى الجزئية يجب ان يعطيه درهما بازائها ، وعلى الشرطية لا.

ومثل ما لو نذر وقوع عمل في وقت خاص ، وكان ذلك الوقت لا يسع لأداء العمل مع الاتيان بالشيء المشكوك في انه جزء أو شرط لذلك العمل ، فانه إذا كان ذلك المشكوك شرطا انعقد النذر ، بينما لو كان جزءا لم ينعقد ، وذلك فيما إذا كان النذر خاصا بالأجزاء دون الشروط.

ومثل ما لو قلنا بجريان قاعدة الميسور في الأجزاء دون الشروط ، فانه يجب الاتيان بالميسور عند تعذر المشكوك بناء على كونه جزءا ، بخلاف ما إذا كان شرطا.

ومثل ما لو آجر نفسه لعمل مشتمل على شيء مردد بين الشرط والجزء وأخل به ، فان كان شرطا لم يقسّط الثمن عليه لبنائهم على انه ليس للشرط ثمن ، بينما إذا كان جزءا قسّط الثمن عليه بمقداره.

وكيف كان : (فليس في المقام أصل كلي يتعيّن به أحدهما ، فلا بد من ملاحظة كل حكم يترتب على) خصوص (أحدهما) من الشرط أو الجزء (وانه موافق للأصل أو مخالف له) فاذا شك في شيء انه جزء للصلاة أو شرط فيها وقلنا : بان الرياء في الجزء مبطل للعمل دون الشرط ، كان مقتضى الأصل : عدم ابطال الرياء فيه ، لانه لم يحرز كونه جزءا حتى يبطله الرياء.

قال : في الأوثق : «ربما يمكن تمييز الجزئية أو الشرطية بحسب تعبيرات الشارع في الأدلة اللفظية ، فان قال الشارع : لا صلاة إلّا بطهور ، أو بستر ،

١٥٧

الأمر الرابع

لو دار الأمر بين كون الشيء شرطا أو مانعا ، أو بين كونه جزءا أو كونه زيادة مبطلة.

ففي التخيير هنا ، لأنّه من دوران الأمر في ذلك

______________________________________________________

أو باستقبال ، أو ما يؤدي هذا المعنى ، يستفاد منه كون هذه الامور خارجة عن حقيقة الصلاة معتبرة في كيفيتها وهو معنى الشرطية ، وان قال : تطهّر ، وتستّر ، واستقبل مثل قوله : اركع واسجد في الصلاة استفيد منه كونها داخلة في الماهية» (١).

(الأمر الرابع) من الامور التي ينبغي التنبيه عليها : (لو دار الأمر بين كون الشيء شرطا أو مانعا) كالجهر بالقراءة في ظهر يوم الجمعة ـ مثلا ـ حيث لا نعلم هل انه شرط في صحة القراءة ، أو مانع عن صحتها حتى يكون الاجهار بها مبطلا للصلاة؟.

(أو) دار الأمر (بين كونه جزءا أو كونه زيادة مبطلة) كتدارك الحمد ـ مثلا ـ عند الشك فيه بعد الدخول في السورة ، حيث لا نعلم هل انه جزء فيجب الاتيان به ، أو زيادة مبطلة فيحرم الاتيان به؟.

وعليه : فهل الحكم في مثل ذلك هو التخيير ، لانه من دوران الأمر بين الوجوب والتحريم ، أو انه لا بد من الاحتياط والاتيان بالعمل مرتين : مرة مع ذلك الشيء المشكوك ، ومرة مع عدمه لانه من العلم الاجمالي؟.

إذن : (ففي التخيير هنا) بين الفعل والترك (لأنه من دوران الأمر في ذلك

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٣٩٤ دوران الأمر بين ترك الجزء وبين ترك الشرط.

١٥٨

الشيء بين الوجوب والتحريم ، أو وجوب الاحتياط بتكرار العبادة وفعلها مرّة مع ذلك الشيء ، واخرى بدونه ، وجهان.

مثاله الجهر بالقراءة في ظهر الجمعة حيث قيل بوجوبه ، وقيل بوجوب الاخفات وابطال الجهر ، وكالجهر بالبسملة في الركعتين الأخيرتين ، وكتدارك الحمد عند الشك فيه بعد الدخول في السورة.

______________________________________________________

الشيء بين الوجوب والتحريم) ولا دليل على أحدهما ، ولذلك ان شاء فعل وان شاء ترك.

(أو وجوب الاحتياط بتكرار العبادة وفعلها مرّة مع ذلك الشيء ، واخرى بدونه؟) أي : بدون ذلك الشيء؟ (وجهان).

ومن المعلوم : ان الاحتمال الثاني وهو لزوم الجمع بينهما احتياطا إنّما هو مع القدرة عليه ، وإلّا فبدونها كما إذا ضاق الوقت فلم يسع لصلاتين ، فاللازم القول بالتخيير.

أما (مثاله) أي : مثال الدوران بين الشرطية والمانعية فهو : (الجهر بالقراءة في ظهر) يوم (الجمعة حيث قيل بوجوبه ، وقيل بوجوب الاخفات وابطال الجهر ، وكالجهر بالبسملة في الركعتين الأخيرتين) لمن يريد قراءة الفاتحة فيهما ، فهل عليه ان يجهر بها أو يخفت ، لان في المسألة قولين؟.

(و) أما مثال الدوران بين الجزئية والزيادة المبطلة فهو (كتدارك الحمد عند الشك فيه بعد الدخول في السورة) حيث قد عرفت : انه يحتمل كون الحمد واجبا ، فاللازم الاتيان به ، فيكون تركه مبطلا ، ويحتمل انه قد تجاوز محله ، فلا يجوز الاتيان به ، فيكون الاتيان به مبطلا.

١٥٩

فقد يرجّح الأوّل.

أمّا بناء على ما اخترناه : من أصالة البراءة مع الشك في الشرطية والجزئية ،

______________________________________________________

وعليه : فان هنا وجهين : التخيير ، والاحتياط ، ومع ذلك قال : (فقد يرجّح الأوّل) وهو : التخيير ، فيكون المكلّف الشاك في ان الجهر بالقراءة في ظهر الجمعة ـ مثلا ـ شرط أو مانع ، مخيرا بين الجهر والاخفات ، فله ان يجهر بالقراءة في ظهر الجمعة وله ان يخفت بها.

هذا ، ولكن لما كانت هذه المسألة مرتبطة بمسألة الشك في الشرط والجزء ، كان الحكم فيها مبتنيا على الحكم في تلك المسألة ، وقد كان في تلك المسألة قولان : قول بالبراءة ، وآخر بالاحتياط ، فكيف قال بالتخيير ورجّحه في هذه المسألة مع ابتنائها في الحكم على تلك المسألة؟ فلا بد إذن من تصحيح التخيير هنا على القولين هناك :

أمّا أول القولين في مسألة الشرط والجزء وهو : البراءة ، فقد قال به المصنّف ، ولذلك بدأ يشرح كيفية جريان البراءة هنا ليبني عليه التخيير فقال :

(أمّا بناء على ما اخترناه : من أصالة البراءة مع الشك في الشرطية والجزئية) فان المصنّف قد اختار البراءة هناك في مسألة الشك في شرطية شيء أو جزئيته ، وبنى عليها هنا التخيير ، وذلك لان البراءة هنا تقتضي عدم وجوب احدى الخصوصيتين من الجهر والاخفات على الشاك في الجهر والاخفات ـ مثلا ـ فيكون مخيرا بين الاتيان بالقراءة جهرا ، وبين الاتيان بها اخفاتا.

إن قلت : كيف تجري البراءة هنا مع انها تستلزم المخالفة القطعية ، فيلزم القول بالاحتياط ، وحينئذ فلا تخيير.

١٦٠