الوصائل الى الرسائل - ج ١٠

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل الى الرسائل - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-10-4
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

الحكم الثابت للمعسور ، كاف في اثبات المطلوب ، بناء على ما ذكرنا في توجيه الاستصحاب ، من أنّ أهل العرف يتسامحون فيعبّرون عن وجوب باقي الاجزاء بعد تعذر غيرها من الأجزاء ببقاء وجوبها ، وعن عدم وجوبها بارتفاع وجوبها وسقوطه ، لعدم مداقتهم في كون الوجوب الثابت سابقا غيريا ، وهذا الوجوب الذي يتكلم في ثبوته وعدمه نفسي ،

______________________________________________________

الحكم الثابت للميسور بسبب سقوط الحكم الثابت للمعسور) إذا سلمناه ، فهو (كاف في اثبات المطلوب) : من ان الرواية تشمل عدم السقوط في الكل والكلي ، لا انها خاصة بالكلي كما ذكره المناقش حيث ناقش في وجوب الباقي : بان حكم الاجزاء مقدمي تابع لحكم الكل فيسقط بسقوط الكل فلا وجوب حينئذ للباقي الميسور بعد تعذر المعسور.

وإنّما يكون ما ذكره المناقش كافيا لاثبات المطلوب لانه كما قال : (بناء على ما ذكرنا في توجيه الاستصحاب) في المسألة السابقة (من انّ أهل العرف يتسامحون فيعبّرون عن وجوب باقي الاجزاء بعد تعذر غيرها من الأجزاء) يعبّرون (ببقاء وجوبها) تسامحا (و) يعبّرون (عن عدم وجوبها : بارتفاع وجوبها وسقوطه) أي : سقوط الوجوب تسامحا أيضا.

إذن : فأهل العرف يرون وجوب باقي الاجزاء هو نفس الوجوب الذي كان للكل ، فيحكمون ببقاء وجوب الباقي بعد تعذّر البعض ، وذلك امّا من جهة ان الوجوب شامل للنفسي والمقدمي ، لانه جنس لهما والجنس باق وان تعذر بعض أنواعه ، وإمّا من جهة الوجوب النفسي شامل للكل والجزء.

وانّما يرون وحدة ذلك (لعدم مداقتهم في كون الوجوب الثابت سابقا غيريا ، وهذا الوجوب الذي يتكلم في ثبوته وعدمه نفسي) إذ بالنظر الدقي لم يكن

١٢١

فلا يصدق على ثبوته البقاء ، ولا على عدمه السقوط والارتفاع ، فكما يصدق هذه الرواية لو شكّ بعد ورود الأمر باكرم العلماء بالاستغراق الافرادي

______________________________________________________

الوجوبان شيئا واحدا ، بل شيئان ، وإذا كانا شيئين (فلا يصدق على ثبوته البقاء ، ولا على عدمه السقوط والارتفاع) كما عبّر عنه العرف تسامحا.

ولا يخفى : ان حمل البقاء لوجوب الباقي الميسور في الرواية على الأعم من البقاء الحقيقي كما في الكلي وافراده ، والمسامحي كما في الكل واجزائه يكون كما يلي :

أولا : انه ظاهر الحديث وانه الذي يستفاد منه عرفا.

ثانيا : انا لو حملناه على ما ذكره الفصول : من البقاء الحقيقي ، يكون تأكيدا لما هو بديهي ، لانّ كلّ واحد يعلم ان الافراد الواجبة إذا لم يمكن فرد منها ، وجب الفرد الآخر ، بخلاف ما إذا قلنا بانه أعم من الكل والكلي ، فانه يكون تأسيسا ، لأن بقاء وجوب بعض الأجزاء بعد سقوط البعض الآخر يكون محتاجا إلى دليل خاص غير دليل أصل وجوب الكل.

إذن : فعلى ما ذكره الفصول تكون الرواية تأكيدا ، وعلى ما ذكرناه تكون تأسيسا ، ومن الواضح : ان حملها على التأسيس خير من حملها على التأكيد.

والعمدة في ذلك ما ذكرناه : من الظهور ، وإلّا فان الوجوه الاعتبارية لا تصحح الظهور كما لا تسقطه.

وعليه : (فكما يصدق هذه الرواية) أي : رواية الميسور على وجوب الباقي (لو شكّ بعد ورود الأمر باكرم العلماء بالاستغراق الافرادي) بأن علمنا انّ المولى يريد اكرام كل عالم عالم يعني : كل جزئي من جزئيات الكلي بحيث لم يكن

١٢٢

في ثبوت حكم إكرام البعض الممكن الاكرام ، وسقوطه بسقوط حكم اكرام من يتعذّر إكرامه ، كذلك يصدق لو شكّ بعد الأمر بالمركب في وجوب الاجزاء بعد تعذر بعضه ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

الواجب اكرام مجموع العلماء بما هو مجموع ، بل كان الواجب اكرام زيد مستقلا ، واكرام عمرو مستقلا وهكذا ، فانه كما يصدق رواية الميسور لو شككنا (في ثبوت حكم اكرام البعض الممكن الاكرام ، وسقوطه) أي : سقوط حكم الباقي (بسقوط حكم اكرام من يتعذّر اكرامه) كما في مثال اكرم العلماء (كذلك يصدق لو شكّ بعد الأمر بالمركب في وجوب الاجزاء) الباقية (بعد تعذر بعضه) كما في أقم الصلاة.

إذن : فالاجزاء في الكل كالجزئيات في الكلي بالنظر المسامحي العرفي (كما لا يخفى) فتكون الرواية شاملة لكليهما.

ثم لا يخفى : انه إنّما تجري قاعدة الميسور فيما إذا لم يكن الجزء المتعذر من الأجزاء المقوّمة ، لانه إذا كان من الاجزاء المقوّمة تغيّر نظر العرف بالنسبة اليه ، فلا يرى التسامح فيه كما تقدّم في مثال الماء لمن تعذّر عليه المرق ، فيلزم في وجوب الباقي بالنسبة إلى الاجزاء صدق الاسم على الميسور من الاجزاء عرفا.

بخلاف الميسور من الافراد ، فانه إذا لم يتمكن إلّا عن فرد واحد ، وجب عليه ذلك الفرد الواحد وان كان أضعف الافراد في نظر العرف ، لان الوجوب هنا مستقل لا يرتبط بعضه ببعض بينما الوجوب في الأجزاء مرتبط بعضه ببعض.

ثم إنّ صاحب الفصول كما تقدّم حمل دليل الميسور على إرادة الحكم لا الموضوع فكان معناه ان حكم الميسور لا يسقط بحكم المعسور ، ولم يحمله على نفس الميسور والمعسور حتى يكون معناه : الميسور لا يسقط بالمعسور.

١٢٣

وبمثل ذلك يقال في دفع دعوى جريان الايراد المذكور على تقدير تعلّق عدم السقوط بنفس الميسور لا بحكمه ، بأن يقال : إنّ سقوط المقدّمة لمّا كان لازما لسقوط ذيها ، فالحكم بعدم الملازمة في الخبر

______________________________________________________

والمصنّف أخذ بظاهر الرواية من ارادة نفس الميسور والمعسور ، فلقائل ان يقول : ان حملكم الرواية على نفس الميسور والمعسور يرفع المناقشة ، إذ مناقشة الفصول جارية حتى على ارادة نفس الميسور والمعسور لا حكمها.

وإنّما تكون جارية لأنّ الاجزاء نفسها إنّما هي مقدمة لتحقق الكل ، فتكون تابعة للكل نفيا واثباتا ، فاذا تعذر بعض الاجزاء انتفى الكل ، فتنتفي المقدمة للتلازم بينهما ، فلا يمكن الحكم بعدم سقوط المقدمة ، ولذا لا يمكن حمل الرواية على الجزء والكل ، لأنه مستلزم للحكم بغير المعقول.

إذن : فلا بد من حمل الرواية على ما له عموم افرادي مثل : اكرم العلماء دفعا لتوهم سقوط الباقي من أجل تعذر البعض فان في العموم الافرادي لا يسقط الباقي لاجل تعذر البعض ، بينما في الكل الاجزائي السقوط قطعي للتلازم العقلي بينهما ، فاذا حملنا الرواية على الكل الاجزائي وردت مناقشة الفصول.

وإلى هذا المعنى أشار المصنّف حيث قال : (وبمثل ذلك) الذي قلناه : من التسامح العرفي في دفع ايراد الفصول على القول : بأن المراد من الميسور في الرواية ، حكم الميسور لا نفسه (يقال في دفع دعوى جريان الايراد المذكور على تقدير تعلّق عدم السقوط بنفس الميسور ، لا بحكمه).

أما تصوير ايراد الفصول على القول : بان المراد من الميسور والمعسور في الرواية نفسهما ، لا حكمهما ، فهو : (بان يقال : انّ سقوط المقدّمة لمّا كان لازما لسقوط ذيها ، فالحكم بعدم الملازمة في الخبر) حيث قال : بأن الميسور لا يسقط

١٢٤

لا بد أن يحمل على الأفعال المستقلة في الوجوب ، لدفع توهم السقوط الناشئ عن ايجابها بخطاب واحد.

وأمّا في الثالثة :

______________________________________________________

بسقوط المعسور ، يكون بالنسبة إلى الاجزاء غير معقول ، ولصونه من ذلك (لا بد ان يحمل على الأفعال المستقلة في الوجوب) كاكرام افراد العلماء لا كأجزاء الصلاة.

وإنّما يحمل على الافراد المستقلة دون الاجزاء مع انه لا ملازمة بين الافراد (لدفع توهم السقوط) أي : سقوط الميسور من الافراد بسقوط المعسور منها (الناشئ) ذلك التوهم في الافراد (عن ايجابها) أي : ايجاب العموم الافرادي (بخطاب واحد) كما مرّ تفصيله.

إذن : فلا يمكن حمل الميسور في الرواية على الاجزاء حتى لو قلنا : بان المراد بالميسور في الرواية نفس الميسور ، لا حكمه.

هذا هو تصوير مناقشة الفصول ، واما دفعه فهو : بأن يقال : ان الاجزاء الباقية بعد تعذر البعض هي نفس الاجزاء قبل تعذر البعض عرفا ، فاذا كان الموضوع بنظر العرف واحدا ، ترتب عليه الحكم ، وهو الوجوب ، فلا يسقط الميسور من الاجزاء بسقوط المعسور منها.

والحاصل : ان المراد بعدم السقوط الذي هو بمعنى البقاء : عدم السقوط والبقاء الأعم من الحقيقي والمسامحي ، ومن المعلوم : ان البقاء المسامحي موجود في الجزء بالنسبة إلى الكل كما هو موجود في الفرد بالنسبة إلى الكلي ، لأنّ عرف العقلاء يتسامحون في ذلك فيحكمون بالبقاء وان كان بحسب الدقة العقلية غير باق.

(وأمّا) المناقشة الثالثة (في) الرواية (الثالثة) ونصّها : «ما لا يدرك كله لا يترك

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كلّه» (١) وهي : ان الاستدلال بها لوجوب الباقي إنّما يكون لو حملنا الموصول في «ما لا يدرك كله» بقرينة «كله» على الكل الاجزائي ، وحملنا النهي في : «لا يترك كله» على انشاء التحريم ، لا على الاخبار ، فاذا لم يكن كذلك لم يصح الاستدلال بالرواية على وجوب الباقي ، ولذا أشكلوا في دلالة الرواية المذكورة على ما نحن فيه بأربعة اشكالات :

الأوّل : إنّ جملة «لا يترك» خبرية ، والجملة الخبرية لا تفيد إلّا الرجحان لا الحرمة ، فلا تدل على ما هو المطلوب من وجوب الاتيان بالباقي.

الثاني : انه لو سلم ظهور جملة «لا يترك» في الحرمة ، فالأمر دائر بين حملها على مطلق المرجوحية لتلائم الجملة عموم الموصول الشامل للواجبات والمندوبات جميعا ، وبين تخصيص الموصول بالواجبات ليلائم الموصول ظهور الجملة الخبرية في الحرمة ، وحيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فلا يمكن الاستدلال بالرواية على بقاء الوجوب بعد سقوط بعض الأجزاء.

الثالث : انه لم يعلم من جملة «لا يترك» ان تكون إنشاء ، إذ من الممكن ان تكون اخبارا عن طريقة الناس وان طبيعتهم عدم ترك جميع الشيء بمجرد عدم درك مجموعه ، فلا يكون حينئذ في الرواية دلالة على الحكم الشرعي.

الرابع : انه من الممكن ان يكون لفظ «كل» في قوله : «ما لا يدرك كله» للعموم الافرادي لا للاجزائي ، فيختص بمثل : افراد العلماء لا بمثل اجزاء الصلاة ، فيكون

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٧ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٩ ص ٧٥ ب ٢٣٩ ، بحار الانوار : ج ٥٦ ص ٢٨٣ ب ٢٥.

١٢٦

فما قيل من أنّ جملة «لا يترك» خبرية لا تفيد إلّا الرجحان ، مع أنّه لو اريد منها الحرمة لزم مخالفة الظاهر فيها ، إمّا بحمل الجملة على مطلق المرجوحيّة ، أو اخراج المندوبات ولا رجحان للتخصيص.

مع أنّه قد يمنع كون الجملة

______________________________________________________

المعنى : انه إذا تعذر اكرام عالم وجب اكرام بقية العلماء ، لا إذا تعذر جزء من الصلاة وجب الاتيان ببقية الصلاة.

وإلى الاشكال الأوّل أشار بقوله : (فما قيل من ان جملة «لا يترك» خبرية) والجملة الخبرية التي تستعمل في مقام الطلب (لا تفيد إلّا الرجحان) المطلق وهو أعم من الواجب والمستحب ، فلا تدل الرواية حينئذ على وجوب الميسور من اجزاء الصلاة بعد عدم التمكن من بعض اجزائها الآخر.

وإلى الاشكال الثاني أشار بقوله : (مع انّه لو اريد منها الحرمة لزم مخالفة الظاهر فيها) بأحد نحوين (امّا بحمل الجملة على مطلق المرجوحيّة ، أو اخراج المندوبات) لأنا إذا سلّمنا ان ظاهر الرواية الحرمة ، فالحرمة لا تتم في المندوبات وهو واضح ، وحينئذ فلا بد من مخالفة أحد الظاهرين على ما عرفت.

هذا (ولا رجحان للتخصيص) أي : تخصيص الموصول هنا بالواجبات حتى نحتفظ ببقاء لا يترك على ظاهره من الحرمة ، يعني : لا رجحان للتصرف في :

الموصول على التصرف في «لا يترك» حتى يثبت مطلوبنا من وجوب الباقي بعد تعسر بعض الاجزاء أو تعذرها.

إذن : فغاية ما تدل عليه هذه الرواية : استحباب الاتيان بالقدر الميسور لا وجوبه كما هو المطلوب.

وإلى الاشكال الثالث أشار بقوله : (مع انّه قد يمنع كون) هذه (الجملة)

١٢٧

إنشاء ، لإمكان كونه إخبارا عن طريقة الناس وأنّهم لا يتركون الشيء بمجرد عدم إدراك بعضه.

مع احتمال كون لفظ الكلّ للعموم الافرادي ،

______________________________________________________

الخبرية : لا يترك في قوله عليه‌السلام : «ما لا يدرك كله لا يترك كله» يمنع ان تكون (إنشاء) للحرمة ، أو إنشاء لمطلق المرجوحية الأعم من الحرمة والكراهة ، وذلك (لامكان كونه) أي : كون لا يترك (اخبارا عن طريقة الناس ، وانّهم) في امورهم العرفية (لا يتركون الشيء بمجرد عدم ادراك بعضه).

وإنّما يمكن ان يكون «لا يترك» اخبارا لا إنشاء ، لان النبي والأئمة من أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين اضافة إلى بيانهم للأحكام الشرعية من الواجبات والمستحبات والمكروهات والمحرمات والمباحات كانوا يخبرون عن أحوال الناس وكيفية معاشرتهم الاجتماعية وغيرها ، مثل ما ورد من قوله عليه‌السلام :

ومن هاب الرّجال تهيّبوه

ومن وهن الرّجال فلن يهابا (١)

ومثل قوله عليه‌السلام : «من دخل مداخل السوء اتّهم» (٢) إلى غير ذلك.

ومع هذا الاحتمال لا يمكن الاستدلال بهذه الرواية على وجوب الباقي من الأجزاء بعد تعسّر البعض أو تعذره.

وإلى الاشكال الرابع أشار بقوله : (مع احتمال كون لفظ الكلّ للعموم الافرادي) دون الاجزائي ، فيكون المقصود من قوله : «ما لا يدرك كله» يعني : كل افراده لا كل اجزائه ، فيختص بالعموم الذي له افراد ، فاذا تعذر بعض هذه الافراد ، وأمكن بعضها

__________________

(١) ـ الخصال : ص ٧٣ ح ١١١ (بالمعنى) ، ديوان الإمام علي عليه‌السلام : ص ٢٥.

(٢) ـ وسائل الشيعة : ج ١٢ ص ٣٨ ب ١٩ ح ١٥٥٧٨ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٩ ص ٢٦٤ ب ٣٥٥ وص ٢٦٥.

١٢٨

لعدم ثبوت كونه حقيقة في الكلّ المجموعي ، ولا مشتركا معنويا بينه وبين الأفرادي ، فلعله مشترك لفظي أو حقيقة خاصة في الافرادي ، فيدلّ على أنّ الحكم الثابت لموضوع عام بالعموم الافرادي ، إذا لم يمكن الاتيان به على وجه العموم لا يترك موافقته فيما أمكن من الافراد.

ويرد على الأوّل : ظهور الجملة في الانشاء الالزامي ، كما ثبت في محله ،

______________________________________________________

الآخر فالأفراد الممكنة يجب الاتيان بها ولا يجوز تركها لأجل تلك الافراد المتعذرة.

وإنّما يحتمل اختصاص «كل» بالعموم الافرادي (لعدم ثبوت كونه حقيقة في الكلّ المجموعي) ذي الأجزاء (ولا مشتركا معنويا بينه) أي : بين الكل المجموعي (وبين الأفرادي) حتى يشمل الكل والكلي ويكون على هذين التقديرين دليلا على وجوب الاجزاء الباقية من المركب المتعسر بعض اجزائه.

وإنّما لم يثبت كون كل كذلك لانه كما قال : (فلعله) أي : لفظ كل في الرواية (مشترك لفظي) بين الافرادي والمجموعي فيكون مجملا فلا يمكن التمسك به.

(أو) لعله (حقيقة خاصة في الافرادي) فقط (فيدلّ على انّ الحكم الثابت لموضوع عام بالعموم الافرادي) مثل : اكرم الفقهاء (إذا لم يمكن الاتيان به على وجه العموم) بان لم يتمكن من اكرام كل واحد واحد من العلماء (لا يترك موافقته فيما أمكن من الافراد).

وبهذه الاشكالات الأربعة ظهر : انه لا يمكن الاستدلال بهذه الرواية لوجوب الباقي من الاجزاء بعد تعذّر البعض أو تعسره.

هذا (ويرد على الأوّل :) من الاشكالات وهو : ان جملة لا يترك خبرية ما يلي :

أولا (ظهور الجملة في الانشاء الالزامي) لا مطلق الرجحان واضح (كما ثبت في محله) من مباحث الألفاظ حتى قال بعض العلماء : ان الجملة الخبرية

١٢٩

مع أنّه إذا ثبت الرجحان في الواجبات ثبت الوجوب ، لعدم القول بالفصل في المسألة الفرعيّة.

وأمّا دوران الأمر بين تخصيص الموصول والتجوّز في الجملة ، فممنوع ، لأن المراد بالموصول في نفسه ليس هو العموم قطعا ،

______________________________________________________

المستعملة للطلب أقوى دلالة من الأمر والنهي ، فقول المولى لعبده : تدخل السوق وتشتري اللحم ، أقوى دلالة من قوله : ادخل السوق واشتر اللحم ، وكذلك قول المولى : لا يشرب أحد من عبيدي الخمر ، أقوى دلالة من لا تشربوا الخمر.

ثانيا : (مع انّه إذا ثبت الرجحان في الواجبات ثبت الوجوب ، لعدم القول بالفصل) فان كل من قال بالرجحان في الواجبات ، قال بالوجوب فيها ، فاذا دلت الرواية على الرجحان دلت على الوجوب أيضا ، لأن الفقهاء (في) هذه (المسألة الفرعيّة) التي هي محل الكلام ، اتفقوا على ان الاتيان بالميسور من اجزاء الواجب إذا كان راجحا كان واجبا ، فليس هناك قول بانه راجح وليس بواجب.

(وامّا) الاشكال الثاني الذي ذكره المستدل وهو : (دوران الأمر بين تخصيص الموصول ، والتجوّز في الجملة ، فممنوع) إذ لا دوران بين الأمرين ، فانه لو كان الموصول شاملا للمستحبات كان الأمر يدور بين الشيئين الذين ذكرهما المستشكل ، بينما الموصول ليس بشامل للمستحبات من أول الأمر بقرينة لا يترك الظاهر في تحريم الترك كما قال : (لان المراد بالموصول في نفسه) أي : من أول الأمر (ليس هو العموم) الشامل للواجبات والمستحبات (قطعا) وذلك لما عرفت : من قرينة «لا يترك» الظاهرة في تحريم الترك.

وإنّما قلنا بأنّ الموصول ليس للعموم ، لأنه بالاضافة إلى قرينة «لا يترك» :

١٣٠

لشموله للأفعال المباحة بل المحرّمة ، فكما يتعيّن حمله على الأفعال الراجحة بقرينة قوله : «لا يترك» ، كذلك يتعيّن حمله على الواجبات بنفس هذه القرينة ، الظاهرة في الوجوب.

وأمّا احتمال كونه إخبارا عن طريقة الناس ، فمدفوع بلزوم الكذب

______________________________________________________

انه لو كان للعموم كان غير صحيح قطعا ، وذلك (لشموله للأفعال المباحة بل المحرّمة) أيضا لان لفظ «ما» بنفسه شامل لكل الأفعال من الواجب والمستحب والمكروه والمباح والمحرّم.

إذن : (فكما يتعيّن حمله) أي : حمل لفظ «ما» من أول الأمر (على الأفعال الراجحة) فلا يشمل المباح والمكروه والمحرّم (بقرينة قوله) عليه‌السلام : («لا يترك» ، كذلك يتعيّن حمله) من أول الأمر (على الواجبات بنفس هذه القرينة ، الظاهرة في الوجوب).

لا يقال : العموم الشامل للأحكام الخمسة في الموصول هنا مقطوع العدم ، لكن على الظاهر لا مانع هنا من حمل الموصول هذا على الواجب والمستحب ، فيكون لا يترك أيضا محمول عليهما ؛ لأنّه يقال : هذا خلاف ظاهر «لا يترك» ، فظهور «لا يترك» يوجب حمل الموصول أيضا على الوجوب.

أقول : لا يبعد ان يكون الموصول في الرواية ظاهرا في الأعم من الواجب والمستحب ، ويكون لا يترك واجبا في الواجب ، ومستحبا في المستحب ، فان هذا هو المستفاد عرفا من هذه الرواية.

(وامّا احتمال كونه إخبارا عن طريقة الناس) لا إنشاء للحكم الشرعي ، وهذا هو الاشكال الثالث على دلالة الرواية (فمدفوع بلزوم الكذب) فان الناس كثيرا

١٣١

أو اخراج أكثر وقائعهم.

وأمّا احتمال كون لفظ الكلّ للعموم الافرادي ، فلا وجه له ، لأن المراد بالموصول هو فعل المكلّف.

وكلّه عبارة عن مجموعه.

______________________________________________________

ما يتركون الميسور بسبب المعسور (أو اخراج أكثر وقائعهم) وهو تخصيص مستهجن وكلاهما مقطوع العدم.

وهنا جواب آخر لعله أولى من هذا الجواب وهو : ان الأصل في كلماتهم عليهم‌السلام هو : بيان الأحكام لا التاريخ والحكاية وما أشبه ، لان بيان الأحكام هو شأنهم ، فانهم وان كانوا ربّما يتكلمون في غيره لكنه يحتاج إلى قرينة ، والقرينة مفقودة في مثل المقام ، ولذا حمل العلماء : «ومن هاب الرجال إلى آخره» (١) على انه بيان لاستحباب تهيّب الناس وكراهة وهنهم ، وحملوا : «من دخل مداخل السوء اتّهم» (٢) على انه بيان لكراهة ذلك.

(وأمّا) الاشكال الرابع وهو : (احتمال كون لفظ الكلّ للعموم الافرادي) دون الكل المجموعي الذي هو عبارة عن المركب (فلا وجه له ، لان المراد بالموصول هو فعل المكلّف) لا افعال المكلّف ، إذ الموصول عندهم من قبيل المطلقات لا من قبيل العمومات حتى يختص بالعموم الافرادي.

(و) عليه : فيكون المراد من لفظ (كلّه) في الرواية : (عبارة عن مجموعه) أي : مجموع اجزائه ، لا كل فرد فرد منه ، فيكون المعنى : ما لا يدرك مجموعه

__________________

(١) ـ الخصال : ص ٧٣ ح ١١١ (بالمعنى) ، ديوان الإمام علي عليه‌السلام : ص ٢٥.

(٢) ـ وسائل الشيعة : ج ١٢ ص ٣٨ ب ١٩ ح ١٥٥٧٨ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٩ ص ٢٦٤ ب ٣٥٥ وص ٢٦٥.

١٣٢

نعم ، لو قام قرينة على إرادة المتعدّد من الموصول بأن اريد : أنّ الافعال التي لا يدرك كلّها ، كاكرام زيد ، وإكرام عمرو ، وإكرام بكر ، لا يترك كلّها ، كان لما احتمله وجه ، لكن لفظ الكلّ حينئذ أيضا مجموعيّ لا افراديّ ، إذ لو حمل على الافرادي كان المراد : «ما لا يدرك شيء منها لا يترك شيء منها» ، ولا معنى له ،

______________________________________________________

من حيث المجموع لا يترك جميعه.

(نعم ، لو قام قرينة) خارجية (على ارادة المتعدّد من الموصول بان اريد : انّ الافعال التي لا يدرك كلّها كاكرام زيد ، واكرام عمرو ، واكرام بكر ، لا يترك كلّها ، كان لما احتمله) من ارادة كل فرد فرد من العام ، لا كل جزء جزء من المركب (وجه) وجيه.

(لكن لفظ الكلّ حينئذ) أي : حين قيام القرينة (أيضا مجموعيّ لا افراديّ) فيكون المعنى : ان الأعم من الأجزاء في المركب والأفراد في العام إذا لم يدرك كله المجموعي لا يترك كله ، بل يأتي بما تيسر منه ، فيكون لفظ الكل مجموعيا على كلا التقديرين ، سواء كان المراد الفعل الذي لا يدرك كله فيما كان ذا أجزاء كالصلاة ، أم كان المراد الأفعال التي لا يدرك كلها فيما كان ذا أفراد كالعلماء.

وإنّما يكون لفظ الكل مجموعيا حتى مع قيام القرينة على ان الموصول للمتعدد (إذ لو حمل) لفظ الكل (على الافرادي كان المراد) حسب ظاهر العبارة (ما لا يدرك شيء منها لا يترك شيء منها ، و) من الواضح : ان هذا (لا معنى له) فان مثل هذا الكلام ليس بصحيح.

لكن الأوثق وغيره اشكلوا على المصنّف بقولهم : وفيه ما لا يخفى : لانه لو حمل لفظ كل على العموم الافرادي كان النفي في القضيتين مفيدا لسلب

١٣٣

فما ارتكبه في احتمال العموم الافرادي مما لا ينبغي له ، لم ينفعه في شيء.

فثبت ممّا ذكرنا : أنّ مقتضى الانصاف تمامية الاستدلال بهذه الروايات ، ولذا شاع بين العلماء بل جميع الناس الاستدلال بها في المطالب ، حتى أنّه يعرفه العوامّ بل النسوان والأطفال.

______________________________________________________

العموم الصادق مع السالبة الجزئية ، وما ذكره إنّما يتم لو كان مقتضاه عموم السلب فتدبر (١).

وكيف كان : (فما ارتكبه) المستشكل (في احتمال العموم الافرادي مما لا ينبغي له) ارتكابه ، لانه لا معنى له.

وإنّما لا ينبغي له ارتكابه ، لانه (لم ينفعه في شيء) مما أراد اثباته ، وذلك لما قد تقدّم : من ان المراد بالموصول هو : فعل المكلّف لا افعال المكلّف ، لان الموصول هنا ظاهر في المطلق لا في العموم ، فيتناسب مع ذي الاجزاء لا مع ذي الافراد.

وعليه : (فثبت ممّا ذكرنا : انّ مقتضى الانصاف تمامية الاستدلال بهذه الروايات) الثلاث من النبوي والعلويين لافادة وجوب الباقي من الاجزاء عند تعسّر البعض أو تعذره.

(ولذا شاع بين العلماء ، بل جميع الناس الاستدلال بها) أي : بهذه الروايات (في المطالب) المشابهة لما نحن فيه (حتى انّه يعرفه العوامّ بل النسوان والأطفال) الذين يميّزون مثل هذه الامور.

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٣٩١ دفع ما أورد على دلالة العلويين على وجوب الباقي المتيسّر.

١٣٤

ثم إنّ الرواية الاولى والثالثة وإن كانتا ظاهرتين في الواجبات إلّا أنّه يعلم جريانهما في المستحبّات بتنقيح المناط العرفيّ ، مع كفاية الرواية الثانية في ذلك.

______________________________________________________

(ثم إنّ الرواية الاولى) وهي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فأتوا منه ما استطعتم» (١) (والثالثة) وهي قوله عليه‌السلام : «ما لا يدرك كله لا يترك كله» (٢) (وان كانتا ظاهرتين في الواجبات) ما كان : «فأتوا» و «لا يترك» (إلّا انّه يعلم جريانهما في المستحبّات بتنقيح المناط العرفيّ) فان العرف يفهم من مثل هذه العبارات ان مناطها موجود في المستحبات أيضا.

لكن ربما يقال : بأن ظاهر الروايتين هو الأعم من الواجب والمستحب ، فلا حاجة إلى المناط ، كما لا تحتاج الرواية الثانية إلى المناط على ما أشار اليه المصنّف بقوله : (مع كفاية الرواية الثانية في ذلك) أي : في شمولها للواجب والمستحب بلا حاجة إلى المناط ، وذلك لان قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور» (٣) بنفسه يشمل الواجب والمستحب معا.

ولا يخفى : ان هذه الروايات كما تشمل الواجب والمستحب تشمل الحرام والمكروه أيضا ولو بالمناط يعني : بغض النظر عن الأدلة الموجودة في المقام فان هذه الروايات تشملهما أيضا ، فاذا كان شيء حراما ، واضطر إلى ارتكاب بعضه لا جميعه حرم عليه ارتكاب الباقي ، وكذلك إذا كان شيء مكروها ، كأكل الجبن ،

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٦ (بالمعنى) ، بحار الانوار : ج ٢٢ ص ٣١ ب ٣٧.

(٢) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٧ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٩ ص ٧٥ ب ٢٣٩ ، بحار الانوار : ج ٥٦ ص ٢٨٣ ب ٢٥.

(٣) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٥ ، بحار الانوار : ج ٨٤ ص ١٠١ ب ١٢ ح ٢.

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أو النوم بين الطلوعين ـ مثلا ـ.

بقي هنا شيء وهو : انه قد تقدّم في مباحث الألفاظ : ان العموم على ثلاثة أقسام : استغراقي ، ومجموعي ، وبدلي.

أمّا الأوّل وهو العام الاستغراقي : فيلاحظ فيه كل فرد من أفراده موضوعا مستقلا للحكم ، كاكرم كل عالم إذا لوحظ كل فرد من افراد هذا العام موضوعا مستقلا لوجوب الاكرام بحيث لا يرتبط أيّ فرد منه بفرد آخر ، ولازم هذا القسم : حصول الاطاعة والمعصية بفعل كل واحد وترك كل واحد من افراده.

وأما الثاني وهو العام المجموعي : فيلاحظ فيه جميع الافراد موضوعا واحدا للحكم ، بحيث يكون كل فرد من الأفراد جزءا من الموضوع ، فيكون الاتيان بالمجموع من حيث المجموع مطلوبا واحدا قد ارتبط امتثال بعضه ببعضه الآخر على نحو لو أتى بالجميع إلّا واحدا لم يتحقق الامتثال ، وذلك كما إذا قال المولى : كن يقظا كل ساعات الليل ، لان السارق يترصّد غفوته ليسرق المتاع ، ولازم هذا القسم : حصول الاطاعة بفعل الجميع ، والعصيان ولو بترك فرد واحد من أفراده.

وأمّا الثالث : وهو العام البدلي : فيلاحظ فيه واحد من الافراد على البدل موضوعا للحكم ، كاكرام عالما من العلماء ، فانه يحصل الامتثال باكرام أي واحد شاء من العلماء ، ولازم هذا القسم : حصول الاطاعة بفعل واحد من الافراد ، والعصيان بترك الجميع.

هذا هو تمام الكلام فيما ينبغي التنبيه عليه في الجزء.

١٣٦

وأما الكلام في الشروط

فنقول : إنّ الأصل فيها ما مرّ في الأجزاء من كون دليل الشرط إذا لم يكن فيه إطلاق عام لصورة التعذّر وكان لدليل المشروط إطلاق ، فاللازم الاقتصار في التقييد على صورة التمكن من الشرط.

______________________________________________________

(وأما الكلام في الشروط) علما بأنّ الفرق بين الجزء والشرط يكون واضحا ، لان الجزء : ما كان داخلا في الماهية ومعتبرا في عرض سائر الأجزاء كالركوع والسجود وما أشبه بالنسبة إلى الصلاة ، والشرط : ما كان خارجا عن حقيقة المركب وليس من اجزائه الخارجية بل من كيفياته ، فيكون المركب مقيّدا به بحيث يكون التقييد داخلا والقيد خارجا ، كالطهارة والقبلة وما أشبه في الصلاة.

ولهذا فقد عرّف بعضهم الشرط : بأنّه ما يلزم من عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده الوجود ، كالوضوء ـ مثلا ـ فانه إذا كان معدوما لم تكن صلاة ، امّا إذا كان موجودا لا يلزم ان تكون صلاة.

وربما عرّف الشرط : بانه ما يتوقف عليه الشيء ولا يكون مقوّما له ، ومن المعلوم : ان الشرط في كلامنا يشمل الشرط المتقدّم ، والشرط المتأخر ، والشرط المقارن ، لأنّ كل هذه الأقسام من الشروط تعطي لونا للمشروط.

وعليه : (فنقول : انّ الأصل فيها) أي : في الشروط (ما مرّ في الأجزاء : من كون دليل الشرط إذا لم يكن فيه إطلاق عام لصورة التعذّر وكان لدليل المشروط إطلاق ، فاللازم الاقتصار في التقييد على صورة التمكن من الشرط) فاذا كان للمركب إطلاق معتبر ولم يكن للشرط مثل ذلك الاطلاق ، اختص الشرط بصورة التمكن ، إذ عند تعذر الشرط يتمسك باطلاق دليل المشروط ، فلا يسقط المشروط بتعذّر الشرط.

١٣٧

وأمّا القاعدة المستفادة من الروايات المتقدمة ، فالظاهر عدم جريانها.

______________________________________________________

أمّا في غير هذه الصورة من الصور الأخر فيسقط المشروط عند تعذر الشرط فيها ، وذلك لأصالة البراءة من المشروط.

لكن لا يخفى : ان في عبارة المصنّف نوع تسامح ، ولذا قال في بحر الفوائد :

«إنّ حق التحرير في المقام ان يقول قدس‌سره : ان الأصل فيها ما مر من الرجوع إلى البراءة ، أو الاستصحاب على الوجهين ، فيرجع اليه إذا لم يكن لدليل المشروط إطلاق يرجع اليه ، أو كان له إطلاق لا يرجع اليه من جهة إطلاق دليل الشرط ، فانه لا يرجع إلى الأصل في الصورتين ، فان ما أفاده بقوله : من كون دليل الشرط إلى آخره ، لا يمكن أن يجعل بيانا للأصل ، إلّا ان يجعل المراد من الأصل : الأصل الثانوي المستفاد من دليل المشروط ، فلا بد ان يراد بالأصل : الثانوي» ، انتهى.

وان شئت قلت : انه إذا كانت هناك قاعدة مستفادة من الروايات بالنسبة إلى الشرط أخذ بتلك القاعدة ، وإذا لم تكن قاعدة أخذ بالأصل اللفظي ، وإذا لم يكن الأمران فالأصل هو أحد ما تقدّم : من البراءة ، أو الاستصحاب ، كما ذكر تفصيله في الكلام عن الجزء.

(وأمّا القاعدة المستفادة من الروايات المتقدمة ،) يعني بها قاعدة الميسور (فالظاهر : عدم جريانها) عند تعذر بعض الشروط.

لكن لا يخفى ان هذا هو ما يراه المصنّف ، وإلّا فالظاهر : إنّ العرف يفهم من جميع تلك الروايات عدم الفرق بين الجزء والشرط والمانع والقاطع بالنسبة اليها ولا منافاة بين الدقة العقلية التي ذكرها ، والفهم العرفي الذي نراه ، ومن المعلوم :

١٣٨

أمّا الاولى والثالثة : فاختصاصهما بالمركب الخارجي واضح.

وأمّا الثانية : فلاختصاصها ـ كما عرفت سابقا ـ بالميسور الذي كان له مقتض للثبوت حتى ينفي كون المعسور سببا لسقوطه.

ومن المعلوم : أن العمل الفاقد للشرط ، كالرقبة الكافرة ـ مثلا ـ لم يكن المقتضي للثبوت فيه موجودا

______________________________________________________

إنّ المعيار هو الثاني لا الأوّل.

وكيف كان : فالمصنّف يناقش في دلالة الروايات على وجوب الباقي عند تعذر بعض الشروط وذلك بقوله : (أمّا الاولى والثالثة :) وهما : «فأتوا منه ما استطعتم» (١) و «ما لا يدرك كله لا يترك كله» (٢) (فاختصاصهما بالمركب الخارجي واضح) وذلك بقرينة التبعيض في الاولى ولفظ الكل في الثالثة ، فلا يشملان الشرط.

(وأمّا الثانية : فلاختصاصها ـ كما عرفت سابقا ـ بالميسور الذي كان له مقتض للثبوت) وذلك بان يكون الميسور في نظر العرف هو المأمور به النفسي مسامحة (حتى ينفي كون المعسور سببا لسقوطه) أي : سقوط الميسور ، فالميسور بنظر العرف باق على وجوبه عند تعذر بعض الاجزاء لوجود المقتضي لثبوته ، دون الميسور بعد تعذر بعض الشروط فانه كما قال :

(ومن المعلوم : ان العمل الفاقد للشرط كالرقبة الكافرة ـ مثلا ـ لم يكن المقتضي للثبوت فيه موجودا) وذلك لان الرقبة الكافرة مباينة في نظر العرف

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٦ (بالمعنى) ، بحار الانوار : ج ٢٢ ص ٣١ ب ٣٧.

(٢) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٨ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٩ ص ٧٥ ب ٢٣٩ ، بحار الانوار : ج ٥٦ ص ٢٨٣ ب ٢٥.

١٣٩

حتى لا يسقط بتعسر الشرط ، وهو الايمان.

هذا ، ولكن الانصاف جريانها في بعض الشروط التي يحكم العرف ، ولو مسامحة باتحاد المشروط الفاقد لها مع الواجد لها.

ألا ترى : أنّ الصلاة المشروطة بالقبلة ، أو الستر ، أو الطهارة ، إذا لم يكن فيها هذه الشروط كانت عند العرف هي التي فيها هذه الشروط ؛ فاذا تعذرت احدى هذه صدق الميسور على الفاقد لها ، ولو لا هذه المسامحة

______________________________________________________

للرقبة المؤمنة ، وكذا الصلاة مع الطهارة مباينة للصلاة بلا طهارة ، فليست هي حينئذ المأمور به النفسي مسامحة (حتى لا يسقط) الميسور الباقي منها (بتعسر الشرط ، وهو الايمان) في الرقبة والطهارة في الصلاة مثلا.

(هذا ، ولكن الانصاف جريانها) أي : جريان الرواية الثانية وهي رواية الميسور (في بعض الشروط التي يحكم العرف ، ولو مسامحة باتحاد المشروط الفاقد لها) أي : للشروط (مع الواجد لها) فهما عند العرف شيء واحد ، إلّا ان أحدهما ميسور والآخر معسور.

(ألا ترى : انّ الصلاة المشروطة بالقبلة ، أو الستر ، أو الطهارة ، إذا لم يكن فيها هذه الشروط كانت عند العرف) بالنظر المسامحي (هي التي فيها هذه الشروط ، فاذا تعذّرت احدى هذه) الشروط (صدق الميسور على الفاقد لها) أيضا ، لأن أهل العرف يرون الصلاة صلاة سواء كانت مع الشرط أم بدون الشرط.

نعم ، يرون من اللازم أولا : الاتيان بها مع الشروط المذكورة ، فاذا تعذر شيء من تلك الشروط رأوا من اللازم : الاتيان بها بحسب المقدور من تلك الشروط.

(و) عليه : فانه (لو لا هذه المسامحة) العرفية لم تجر قاعدة الميسور هنا ،

١٤٠