الوصائل الى الرسائل - ج ١٠

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل الى الرسائل - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-10-4
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

فعل المحرّمات المجهولة تفصيلا.

وما دلّ بظاهره من الأدلة المتقدمة على كون وجوب تحصيل العلم من باب المقدمة محمول على بيان الحكمة في وجوبه ، وأنّ الحكمة في إيجابه لنفسه صيرورة المكلّف قابلا للتكليف بالواجبات والمحرّمات حتى لا يفوته منفعة التكليف بها ولا يناله مضرّة اهماله عنها ،

______________________________________________________

في دين الله ، ولا تكونوا أعرابا ، فان من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله اليه يوم القيامة» (١) ومثل قوله عليه‌السلام بعد ما سأله السائل : «هل يسع الناس ترك المسألة عما يحتاجون اليه؟ قال : لا» (٢) إلى غيرها من الآيات والروايات الدالة على ان وجوب تحصيل العلم من باب المقدمة لا من باب انه واجب نفسي؟.

قلت : (ما دلّ بظاهره من الأدلة المتقدمة على كون وجوب تحصيل العلم من باب المقدمة) لا انه واجب نفسي (محمول على بيان الحكمة في وجوبه) أي : بيان الحكمة في الوجوب النفسي لتحصيل العلم.

(و) معنى ذلك : (انّ الحكمة في إيجابه لنفسه) أي : في إيجاب العلم وجوبا نفسيا هو : (صيرورة المكلّف قابلا للتكليف بالواجبات والمحرّمات) وذلك (حتى لا يفوته منفعة التكليف بها) أي : بالواجبات والمحرمات (ولا يناله مضرّة اهماله) أي : اهمال المكلّف (عنها) أي : عن تلك التكاليف من الواجبات والمحرّمات.

إذن : فالحكمة في إيجاب التعلم بالوجوب النفسي يكون على قسمين :

الأوّل : إدراك المكلّف مصلحة الواقع ، نظير التقوى ـ مثلا ـ من إيجاب الصوم

__________________

(١) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٣١ ح ٧.

(٢) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٣٠ ح ٣ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٦٨ ب ٧ ح ٣٣٢١٩.

٢٤١

فانّه قد يكون الحكمة في وجوب الشيء لنفسه صيرورة المكلّف قابلا للخطاب ، بل الحكمة الظاهرة في الارشاد وتبليغ الأنبياء والحجج ليس إلّا صيرورة الناس عالمين قابلين للتكاليف.

______________________________________________________

وجوبا نفسيا ، فقد قال سبحانه : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١).

الثاني : صيرورة المكلّف قابلا للخطاب بالتكاليف الشرعية من أمر ونهي.

هذا ، وما نحن فيه : من إيجاب التعلم وجوبا نفسيا إنّما هو للقسم الثاني من الحكمة كما قال : (فانّه قد يكون الحكمة في وجوب الشيء لنفسه) أي : وجوبا نفسيا هو : (صيرورة المكلّف قابلا للخطاب) فكأن الشارع قال للجاهل : تعلّم ، والتعلم عليك واجب نفسي ، والحكمة في إيجاب التعلّم عليك هو : ان تصبح قابلا للخطاب بالصلاة والصيام والحج وما أشبه ذلك.

(بل) هذا القسم الثاني من الحكمة في الواجبات النفسية أمر شائع ، فان (الحكمة الظاهرة في الارشاد) أي : وجوب تعليم الجهال على العلماء (و) كذلك في وجوب (تبليغ الأنبياء والحجج) الأطهار عليهم صلوات الله الملك الجبار أحكام الله تعالى إلى الناس (ليس إلّا صيرورة الناس عالمين قابلين للتكاليف).

إذن : فالتعلم واجب نفسي على افراد الناس لهذه الحكمة وهي : ان يصبحوا قابلين للتكليف بالواجبات والمحرمات حتى لا يفوتهم منفعة التكليف بالواجبات والمحرمات ولا ينالهم مفسدة إهمال الأحكام.

هذا غاية ما يمكن من تقريب كون التعلم واجبا نفسيا.

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ١٨٣.

٢٤٢

لكنّ الانصاف : ظهور أدلّة وجوب العلم في كونه واجبا غيريّا ، مضافا إلى ما عرفت من الأخبار في الوجه الثالث ، الظاهرة في المؤاخذة على نفس المخالفة.

______________________________________________________

(لكنّ الانصاف : ظهور أدلة وجوب العلم في كونه واجبا غيريّا) كقوله تعالى :

(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) (١) فانه ظاهر في ان العلم واجب من جهة كونه مقدمة الاعتقاد ، لا من جهة نفسه ، ولذلك إذا علم ولم يعتقد ، لم ينفعه علمه ، كالكفار فانهم كانوا يعلمون ، لكنهم كانوا لا يعتقدون بالحق ، ولذلك قال فيهم سبحانه : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (٢) وقال سبحانه : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) (٣) إلى غير ذلك (مضافا إلى ما عرفت من الأخبار في الوجه الثالث) من الوجوه الخمسة المتقدمة (الظاهرة في المؤاخذة على نفس المخالفة) لا ترك التعلم ، مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيمن غسل مجدورا اصابته جنابة فكزّ فمات : «قتلوه قتلهم الله ، إلّا سألوا؟ إلّا يمّموه؟» (٤).

وقوله عليه‌السلام لمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء : «ما كان أسوأ حالك لو متّ على هذه الحالة ، ثم أمره بالتوبة وغسلها» (٥).

وما ورد في تفسير قوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) (٦) حيث يقال للعبد يوم

__________________

(١) ـ سورة محمد : الآية ١٩.

(٢) ـ سورة النمل : الآية ١٤.

(٣) ـ سورة البقرة : الآية ١٤٦ ، سورة الانعام : الآية ٢٠.

(٤) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٤٠ ح ١ والكافي (فروع) : ج ٣ ص ٦٨ ح ٥ ، من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ١٠٧ ح ٢١٩ ، مستدرك الوسائل : ج ٢ ص ٥٢٨ ب ٤ ح ٢٦٣١ ، وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٣٤٦ ب ٥ ح ٣٨٢٤ ، تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١٨٤ ب ٨ ح ٣.

(٥) ـ الكافي (فروع) : ج ٦ ص ٤٣٢ ح ١٠ ، تهذيب الاحكام : ج ١ ص ١١٦ ب ٥ ح ٣٦ ، من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٨٠ ح ١٧٧ ، وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٣٣١ ب ١٨.

(٦) ـ سورة الانعام : الآية ١٤٩.

٢٤٣

ويمكن أن يلتزم حينئذ باستحقاق العقاب على ترك تعلم التكاليف ، الواجب مقدمة ، وان كانت مشروطة بشروط مفقودة حين الالتفات إلى ما يعلمه إجمالا من الواجبات المطلقة والمشروطة ،

______________________________________________________

القيامة : هل علمت؟ فان قال : نعم ، قيل : فهلا عملت؟ وان قال : لا ، قيل له : هلّا تعلمت حتى تعمل؟ (١) إلى غيرها من الروايات الظاهرة في كون المؤاخذة على نفس المخالفة لا على ترك التعلم.

(و) عليه : فقد ظهر : ان وجوب التعلم غيري لا نفسي ، لكن يبقى عليه إشكال التفصيل في العقاب بين الواجبات المطلقة وغير المطلقة ، وللتخلص من هذا الاشكال (يمكن أن يلتزم حينئذ) أي : حين كان وجوب التعلم غيريا لا نفسيا ، ـ إضافة إلى ما تقدّم ـ : (باستحقاق العقاب على ترك تعلم التكاليف ، الواجب) ذلك التعلم (مقدمة ، وان كانت) تلك التكاليف (مشروطة بشروط مفقودة حين الالتفات إلى ما يعلمه إجمالا).

والحاصل : انه لا فرق في تنجز التكليف حين الالتفات اليه ولو اجمالا بين أن يكون (من الواجبات المطلقة والمشروطة) فانها تتنجز على الملتفت إليها إجمالا بلا فرق بينها ، إلّا ان التكاليف المطلقة تتنجز بنحو الاطلاق ، والمشروطة بنحو التقييد.

ولا يخفى : إنّ هذا كما قلنا هو وجه أخر لحل وإشكال التفصيل في العقاب على القول بأنّ وجوب التعلم مقدمي نفسي ، وحاصله كما يلي :

إنّ المكلّف حين التفاته الاجمالي إلى ان عليه بعض التكاليف ، تتنجز عليه تلك التكاليف بلا فرق بين أن يلتفت إلى ما ليس له شرط كوجوب الستر ،

__________________

(١) ـ الأمالي للمفيد : ص ٢٩٢ ح ١ ، مجموعة ورام : ج ٢ ص ١٧٨.

٢٤٤

لاستقرار بناء العقلاء في مثال الطومار المتقدم على عدم الفرق في المذمّة على ترك التكاليف المسطورة فيه بين المطلقة والمشروطة ،

______________________________________________________

أو إلى ما له شرط كالحج ، أو إلى ما له وقت كالصوم والصلاة ، فلا فرق بين التكاليف المطلقة والمشروطة في تنجزها على المكلّف حين الالتفات الاجمالي اليها ، فصلاة الظهر ـ مثلا ـ إذا التفت إليها قبل الظهر إجمالا ، يكون مكلفا بها لكن بشرط دخول الوقت ، وهكذا.

وعليه : فالتكليف بالظهر ـ مثلا ـ موجود الآن حين الالتفات الاجمالي إليه ، فلا يقال انه لا تكليف قبل الظهر لأن الوقت لم يدخل بعد ، كما انه لا يقال لا تكليف بعد الظهر لأنه غافل والغافل لا يكلف ، وإذا لم يكن تكليف على الغافل فلا يصح عقابه على ترك الصلاة حتى نضطر إلى أن نقول : بأن العقاب على ترك التعلم ، بل نقول : ان العقاب على ترك الصلاة الملتفت إليها قبل الوقت إجمالا وان كان التكليف بها مشروطا بدخول الوقت.

وإنّما نقول : بانه لا فرق بين الواجبات المشروطة والمطلقة (لاستقرار بناء العقلاء في مثال الطومار المتقدم) الذي كتب المولى أوامره فيه وأعطاه لعبده فلم ينظر العبد إلى ما جاء فيه ، وكان فيه بعض التكاليف المطلقة وبعض التكاليف المشروطة ، فان للمولى الحق في معاقبته على كلا القسمين من التكاليف.

وإنّما له الحق في ذلك ، لأن بناء العقلاء (على عدم الفرق في المذمّة على ترك التكاليف المسطورة فيه) أي : في ذلك الطومار (بين المطلقة والمشروطة) فتساوي ذم العقلاء على تركهما يدل على تنجز التكليف بالمشروط حين الالتفات إليه إجمالا وان كان قبل حصول شرطه.

ويؤيد تنجز التكليف حين الالتفات إليه إجمالا وان كان قبل حصول الشرط :

٢٤٥

فتأمل.

______________________________________________________

إنه إذا دخل قبل الظهر حجرة مصنوعة من الخشب واغلق على نفسه بابها وألقى المفتاح خارج الحجرة ولم يكن هناك من يفتح له الباب ، فانه يعاقب على ترك الصلاة قطعا ، مع إنه غير قادر على الطهور ماء وترابا ، وقد قال جملة من الفقهاء : بأن فاقد الطهورين لا يصلي.

وكذا لو لم يأكل طعام السحور قبل الفجر في شهر رمضان مثلا وكان لضعف مزاجه لا يتمكن من الصيام بدون أكل طعام السحور ، فانه يعاقب على إفطاره هذا.

وكذا لو ذهب إلى مكان لا يوجد فيه خمر ، لكن يعلم إجمالا بأنه بعد ساعة يأتي ظالم بخمر فيجبره على شربها ، فانه يلزم على قولكم : من ان الواجب المشروط لا يكون منجزا حين الالتفات إليه إجمالا قبل تحقق شرطه ، ان لا يكون معاقبا ، لأنه قبل مجيء الخمر لم يكن مكلفا وبعد مجيئها لم يكن مختارا ، مع وضوح انه معاقب عليه ، لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

وكأنه إلى هذا أشار صاحب الكفاية في حاشيته حيث قال : ويمكن ان يقال : ان التكاليف الموقتة والمشروطة في الشريعة يكون التكليف فيها فعليا منجزا بحيث يجب على المكلّف تحصيل غير ما علق عليه من مقدماته مما كان باختياره ، وذلك بأن يكون الوقت والشرط من قيود المادة والمأمور به ، لا من قيود الهيئة والأمر.

(فتأمل) ولعله إشارة إلى عدم توقف العقاب على توجه الخطاب ، بل مجرد المبغوضية كافية ، ومن المعلوم : ان كلا من ترك الصلاة في الوقت ، والافطار في نهار شهر رمضان ، وشرب الخمر في المثال المتقدم مبغوض للمولى ، لأن فيه تفويت مصالح وجلب مفاسد ، فالعقاب لأجل جلب المفسدة ودفع المصلحة ، لا لأجل توجه الأمر.

٢٤٦

هذا خلاصة الكلام بالنسبة إلى عقاب الجاهل التارك للفحص العامل بما يطابق البراءة.

وأما الكلام في الحكم الوضعي

وهي : صحّة العمل الصادر من الجاهل وفساده ، فيقع الكلام فيه تارة في المعاملات ، وأخرى في العبادات.

______________________________________________________

هذا ، وقد ذكر جملة من المعلقين والمحشين على قوله : فتأمل ، مطالب نحن في غنى عن ذكرها ، لأنها لا تناسب الشرح ، والله سبحانه العالم.

(هذا خلاصة الكلام بالنسبة إلى) الحكم التكليفي وهو : (عقاب الجاهل التارك للفحص العامل بما يطابق البراءة) وكذا يكون حال العامل بما يطابق التخيير ، أو الاستصحاب التارك للفحص ، وكان التخيير أو الاستصحاب مخالفا للحكم الذي إذا فحص عنه وجده.

(وأما الكلام في الحكم الوضعي وهي : صحّة العمل الصادر من الجاهل وفساده) فهل عمل الجاهل صحيح أو فاسد؟ (فيقع الكلام فيه تارة في المعاملات) بالمعنى الأعم وهي ما لا تحتاج إلى قصد القربة مما ذكر في الفقه من العقود ، والايقاعات ، والأحكام.

وقال بعض : ان المعاملة تطلق على كل ما جعله الشارع سببا أو شرطا أو مانعا أو قاطعا لشيء آخر ، بلا فرق بين أن يكون من العقود والايقاعات : كالنكاح والطلاق ، أو الجنايات : كالقتل والقذف ، أو التوصليات : كغسل الثوب للتطهير والذبح لحلية اللحم ، وغير ذلك.

(واخرى في العبادات) وهي التي يشترط فيها قصد القربة بحيث انه إذا

٢٤٧

أمّا المعاملات :

فالمشهور فيها أنّ العبرة فيها بمطابقة الواقع ومخالفتها ، سواء وقعت عن أحد الطريقين أعني الاجتهاد والتقليد ، أم لا عنهما ، فاتفقت مطابقته للواقع ، لأنها من قبيل الأسباب لامور شرعية ، فالعلم والجهل لا مدخل له في تأثيرها وترتّب المسبّبات عليها.

فمن عقد على امرأة عقد

______________________________________________________

لم يقصد القربة فيها لم تتحقق تلك العبادة.

(أمّا المعاملات ، فالمشهور فيها) بين الفقهاء خلافا للنراقي كما يأتي كلامه (انّ العبرة فيها) أي : في المعاملات إنّما هي (بمطابقة الواقع ومخالفتها) فان طابقت الواقع صحت ، وان خالفت الواقع فسدت (سواء وقعت عن أحد الطريقين أعني الاجتهاد والتقليد ، أم لا عنهما) بأن وقعت المعاملة بدون اجتهاد أو تقليد.

وعليه : فان وقعت المعاملة عن جهل بلا اجتهاد أو تقليد ، ومع ذلك (فاتفقت مطابقته للواقع) فانها صحيحة ، لأن عمله هذا طابق الواقع ومطابقة الواقع هو المعيار في الصحة والفساد على مذهب المخطئة ، والاجتهاد والتقليد عندهم طريقان إلى الواقع وليس أكثر.

وإنّما العبرة في صحة المعاملات مطابقتها للواقع (لأنها) أي : المعاملات (من قبيل الأسباب لامور شرعية) وكما ان الأسباب العرفية لا تنفك عن مسبباتها وجودا وعدما ، فكذلك الأسباب الشرعية لا تنفك عن مسبباتها وجودا وعدما بلا مدخلية للعلم أو الجهل فيها كما قال : (فالعلم والجهل لا مدخل له في تأثيرها وترتّب المسبّبات عليها ، فمن عقد على امرأة عقد) بالفارسية ـ مثلا ـ اجتهادا

٢٤٨

لا يعرف تأثيره في حلية الوطي فانكشف بعد ذلك صحته ، كفى في صحته من حين وقوعه ، وكذا لو انكشف فساده رتّب عليه حكم الفاسد من حين الوقوع ، وكذا من ذبح ذبيحة بفري ودجيه ، فانكشف كونه صحيحا

______________________________________________________

وتقليدا ، ولا عن اجتهاد أو تقليد وهو (لا يعرف تأثيره في حلية الوطي) وكان في الواقع مؤثرا لحلية الوطي ، حلّ الوطي ، وان كان في الواقع غير موجب لحلية الوطي لم يحل الوطي.

نعم ، إذا فعل ذلك عن اجتهاد أو تقليد صحيح ، كان معذورا فيما فعله ، وكان الوطي ذلك وطي شبهة.

وعليه : فاذا عقد بالفارسية (فانكشف بعد ذلك صحته ، كفى في صحته من حين وقوعه) فيترتب عليه آثار الصحة من حين الوقوع لا من حين انكشاف الصحة.

(وكذا لو انكشف فساده رتّب عليه حكم الفاسد من حين الوقوع) لا من حين انكشاف الفساد.

هذا ، وترتب الفساد من حين الوقوع يثمر ـ مثلا ـ ان لا نفقة للمرأة ، فلو لم يكن الرجل ينفق عليها مدة زواجها ، وكانا يزعمان انه مديون لها ، انكشف بذلك عدم المديونية ، وانكشف أيضا ان زواج الرجل باختها أو بالخامسة كان حلالا وان زعم حين الزواج انه كان حراما ، وانكشف أيضا ان أخذ المرأة الارث من الرجل بعد موته لم يكن صحيحا فيلزم عليها ان ترده إلى سائر الورثة ، وكذا إذا ماتت المرأة وورثها الرجل ، إلى غير ذلك من الأحكام المترتبة عليه.

(وكذا من ذبح ذبيحة بفري ودجيه) وهما العرقان في جانبي الحلقوم ، فقد قال بعض بكفاية فريهما ، بينما المشهور قالوا : بلزوم فري الأوداج الأربعة ، فزعم حين ذبحه بفري ودجيه انه صار حراما (فانكشف كونه صحيحا) فانه يترتب

٢٤٩

أو فاسدا ، ولو ترتب عليه أثرا قبل الانكشاف ، فحكمه في العقاب ما تقدّم من كونه مراعى بمخالفة الواقع كما إذا وطأها ، فانّ العقاب عليه مراعى.

______________________________________________________

عليه أثر الصحة من حين الذبح (أو فاسدا) فانه يترتب عليه أثر الفساد من حين الذبح أيضا.

إذن : فالعبرة بمعاملة الجاهل ـ في نفسها لا بملاحظة الأثر المترتب عليها ـ من حيث الحكم الوضعي : الصحة والفساد هو : مطابقتها للواقع وعدم مطابقتها له ، فان طابقته صحت ، وإلّا فلا.

هذا حكم المعاملة في نفسها ، اما حكمها بالنسبة إلى الأثر المترتب عليها ، فالكلام يقع فيه من جهتين : جهة حكمه التكليفي ، وجهة حكمه الوضعي. اما جهة حكمه التكليفي فهو ما أشار إليه بقوله :

(ولو ترتب عليه) أي : على معاملة الجاهل (أثرا قبل الانكشاف) أي : قبل انكشاف صحة المعاملة وفسادها ، وذلك بأن تصرف فيها ـ مثلا ـ (فحكمه) التكليفي من حيث الحرمة وعدمها يعني : (في العقاب) وعدمه هو : (ما تقدّم) في المبحث السابق عند بيان الحكم التكليفي لعمل الجاهل : (من كونه مراعى بمخالفة الواقع) فان كان مخالفا للواقع كان حراما وعوقب عليه ، وإلّا فلا.

أما مثال ذلك فهو : (كما إذا وطأها) أي : المرأة التي عقد عليها بالفارسية ، أو أكل من لحم الذبيحة التي ذبحت بفري ودجيها ، أو تطهر بالكرّ الذي قدر مائه سبعة وعشرون شبرا ، أو ما أشبه ذلك (فانّ العقاب عليه مراعى) بمخالفة الواقع ، فان كان مخالفا للواقع ومن دون حجة شرعية عوقب عليه ، وإلّا بان كان له حجة شرعية من اجتهاد أو تقليد ، أو كان مطابقا للواقع فلا يعاقب عليه.

٢٥٠

وأمّا حكمه الوضعي كما لو باع لحم تلك الذبيحة ، فحكمه كما ذكرنا هنا من مراعاته حتى ينكشف الحال.

ولا إشكال فيما ذكرنا بعد ملاحظة أدلّة سببية تلك المعاملات ،

______________________________________________________

(وأمّا حكمه الوضعي) أي : حكم الأثر المترتب على معاملة الجاهل من حيث الصحة والفساد قبل انكشاف صحة المعاملة وفسادها وذلك (كما لو باع لحم تلك الذبيحة) التي ذبحت بفري ودجيها (فحكمه) أي : حكم هذا الأثر وهو البيع من حيث الصحة والفساد هو : (كما ذكرنا هنا : من مراعاته حتى ينكشف الحال) أي : حال ذي الأثر وهي معاملة الجاهل نفسها.

وعليه : فان انكشف صحة الذبح انكشف صحة البيع ، وان انكشف فساد الذبح انكشف فساد البيع ، وكذا الحكم إذا تزوج بالعقد الفارسي ودخل بالمرأة على المهر المسمى ، ولكن هنا انكشف الفساد ، قال المشهور : عليه ان يعطيها مهر المثل ، لكنا تنظّرنا في مهر المثل في الفقه لاحتمال وجوب مهر المسمى ، وذلك لأن المسمى ان كان أقل من المثل ، فهي دخلت على الأقل حيث أسقطت حقها عن الزائد فلا حق لها في الأكثر ، وان كان أكثر فهو دخل على الأكثر حيث سمى الزائد على المثل ، فلا حق له في إعطاء الأقل الذي هو المثل.

بقي شيء وهو : انه لو عقد بالفارسية ـ مثلا ـ ثم شك في صحته وفساده اجتهادا أو تقليدا ، كان عليه في الظاهر : الاجتناب لأصالة فساد المعاملة حتى يتأكد من صحتها ، وكذلك إذا ذبح الحيوان بفري ودجيه ثم شك في صحة الذبح وفساده ، كان عليه الاجتناب عن تلك الذبيحة لأصالة عدم التذكية وهكذا.

هذا (ولا إشكال فيما ذكرنا) من دوران حكم معاملة الجاهل تكليفا ووضعا مدار الواقع ، وذلك (بعد ملاحظة أدلّة سببية تلك المعاملات) لمسبباتها ،

٢٥١

ولا خلاف ظاهرا في ذلك أيضا إلّا من بعض مشايخنا المعاصرين ، حيث أطال الكلام في تفصيل ذكره ـ بعد مقدمة هي :

أنّ العقود والايقاعات ، بل كلّ ما جعله الشارع سببا ، لها حقائق واقعية هي ما قرّره الشارع أولا ، وحقايق ظاهرية هي ما يظنّه المجتهد أنّه ما وضعه الشارع ، وهي قد تطابق الواقعية وقد تخالفها.

______________________________________________________

وسيذكر المصنّف ان هذه الأسباب الشرعية كالامور الواقعية غير المجعولة في عدم توقف تأثيرها على قيام طريق علمي أو ظني حجة عليها ، فكما ان النار تحرق سواء علم بها الانسان أم لا ، كذلك العقد الصحيح يؤثر أثره سواء علم الانسان بصحته أم لا.

(ولا خلاف ظاهرا في ذلك أيضا إلّا من بعض مشايخنا المعاصرين) وهو النراقي قدس‌سره في كتابه المناهج (حيث أطال الكلام في تفصيل ذكره) هناك بين الجاهل المركب والجاهل البسيط ، وبين العقد والذبح ، وذلك (بعد مقدمة هي) كالتالي :

(انّ العقود والايقاعات بل كلّ ما جعله الشارع سببا) كسببية الذبح لحل اللحم ، وحيازة المباح للتملك ـ مثلا ـ (لها حقائق واقعية هي : ما قرّره الشارع أولا) وبالذات مثل : جعل الشارع حيازة المباح سببا للملك ، والاعراض عن الشيء سببا للخروج عن الملك ، وما أشبه ذلك (وحقايق ظاهرية هي : ما يظنّه المجتهد) ظنا حجة على (انّه ما وضعه الشارع) كما إذا ظن المجتهد بأن العقد الفارسي سبب للحلية ، وان عشر رضعات سبب لانتشار الحرمة.

إذن : فالأسباب الشرعية لها حقائق واقعية ، وحقائق ظاهرية (وهي) أي : الظاهرية (قد تطابق الواقعية وقد تخالفها) فنظر المجتهد قد يطابق الواقع وقد

٢٥٢

ولمّا لم يكن لنا سبيل في المسائل الاجتهادية إلى الواقعية ، فالسبب والشرط والمانع في حقّنا هي الحقائق الظاهرية.

ومن البديهيات التي انعقد عليها الاجماع بل الضرورة : أنّ ترتب الآثار على الحقائق الظاهرية يختلف بالنسبة إلى الأشخاص ، فان ملاقاة الماء القليل للنجاسة سبب لتنجّسه عند واحد دون غيره ، وكذا قطع الحلقوم للتذكية والعقد الفارسي للتمليك ، أو الزوجيّة.

______________________________________________________

يخالفه ، فاذا طابق الواقع كان قد أدرك الواقع وان خالفه كان معذورا.

هذا (ولمّا لم يكن لنا سبيل في المسائل الاجتهادية) أو الاصول العملية (إلى الواقعية) التي هي ثابتة في اللوح المحفوظ (فالسبب والشرط والمانع) والقاطع (في حقّنا هي الحقائق الظاهرية) التي يؤدي اليها نظر المجتهد من الأدلة الاجتهادية ، أو الاصول العملية.

(ومن البديهيات التي انعقد عليها الاجماع بل الضرورة : انّ ترتب الآثار على الحقائق الظاهرية يختلف بالنسبة إلى الأشخاص) المجتهدين ، وذلك حسب اختلافهم في الاجتهاد.

مثلا : (فان ملاقاة الماء القليل للنجاسة سبب لتنجّسه عند واحد) من المجتهدين (دون غيره) لأن بعضهم يرى عدم انفعال الماء القليل.

(وكذا قطع الحلقوم) وحده في الذبح سبب (للتذكية) عند بعض ، بينما البعض الآخر يرى وجوب قطع الأوداج الأربعة.

(و) كذا (العقد الفارسي للتمليك ، أو الزوجيّة) تمليكا في المعاملات وزوجية في النكاح ، يصح عند بعض المجتهدين دون بعض ، فان بعض المجتهدين يرى اشتراط العربية في ذلك.

٢٥٣

وحاصل ما ذكره من التفصيل : أنّ غير المجتهد والمقلّد على ثلاثة أقسام ، لأنّه إمّا غافل عن احتمال كون ما أتى به من المعاملة مخالفا للواقع ، وإمّا أن يكون غير غافل ، بل يترك التقليد مسامحة.

فالأول : في حكم المجتهد أو المقلد ، لأنه يتعبّد باعتقاده

______________________________________________________

هذا كله حال المجتهد ومقلده ، لأن المقلد أيضا مأمور باتباع نظر المجتهد ، فيختلف المقلدون في الحلّية والحرمة ، والزوجية وعدمها ، والملكية وعدم الملكية باختلاف المجتهدين فيها.

(وحاصل ما ذكره من التفصيل : إنّ غير المجتهد والمقلّد على ثلاثة أقسام) بالنسبة إلى ما يوقعه من المعاملات :

الأوّل : الغافل عن مخالفة الواقع.

الثاني : غير الغافل عن مخالفة الواقع ، لاحتمال أن يكون ما صدر منه اما موافقا ، أو مخالفا للحكم القطعي.

الثالث : غير الغافل عن مخالفة الواقع ، لاحتمال ان يكون ما صدر منه اما موافقا ، أو مخالفا للحكم الظني.

وإلى القسم الأوّل أشار بقوله : (لأنّه إمّا غافل عن احتمال كون ما أتى به من المعاملة مخالفا للواقع) بان كان غافلا مطلقا ، أو جاهلا مركبا.

وأشار إلى القسم الثاني بقوله : (وإمّا أن يكون غير غافل بل يترك التقليد مسامحة) لعدم مبالاته بالتقليد كما هو حال بعض الناس خصوصا أوائل بلوغهم.

(فالأول : في حكم المجتهد أو المقلد ، لأنه يتعبّد باعتقاده) فهو امّا قاطع والقطع حجة من أي سبب حصل ، أو غير ملتفت إطلاقا وغير الملتفت لا حكم له ،

٢٥٤

كتعبد المجتهد باجتهاده والمقلد بتقليده ما دام غافلا ، فاذا تنبّه فان وافق اعتقاده قول من يقلده فهو ، وإلّا كان كالمجتهد المتبدّل رأيه ، وقد مرّ حكمه في باب رجوع المجتهد.

وأمّا الثاني : وهو المتفطّن لاحتمال مخالفة ما أوقعه من المعاملة للواقع ـ فامّا أن يكون ما صدر عنه موافقا أو مخالفا للحكم القطعي الصادر من الشارع ،

______________________________________________________

فيكون تعبده باعتقاده (كتعبد المجتهد باجتهاده والمقلد بتقليده) في الحكم ، لكن (ما دام غافلا) وقوله : «ما دام غافلا» ، متعلق بقوله : «في حكم المجتهد أو المقلد».

وعليه : (فاذا تنبّه) إلى انه لا ينبغي له ان يعمل بدون اجتهاد أو تقليد ، وان عمله السابق كان بدون اجتهاد أو تقليد (فان وافق اعتقاده) الذي عمل به (قول من يقلده) أو اجتهد هو فرأى عن صحة ما عمله سابقا (فهو) لأنه لا شيء عليه بعد ذلك ، فقد كان تكليفه ان يعمل بقول المجتهد فاتفق ان قول المجتهد أو ان اجتهاده كان موافقا لما عمله.

(وإلّا ، كان كالمجتهد المتبدّل رأيه) لأنه يرى حينئذ غير ما يراه في السابق ، فلا يصح له ان يعمل حينئذ بما رآه سابقا ، بل عليه ان يعمل بما يراه الآن (وقد مرّ حكمه في باب رجوع المجتهد) عن اجتهاده السابق إلى اجتهاد لاحق جديد ، وسيأتي أيضا تفصيل ذلك ان شاء الله تعالى.

(وأمّا الثاني : وهو المتفطّن لاحتمال مخالفة ما أوقعه من المعاملة للواقع) فانّه يكون على قسمين : (فامّا ان يكون ما صدر عنه موافقا أو مخالفا للحكم القطعي الصادر من الشارع) كما إذا علم قطعا حلية البيع الذي أوقعه بالفارسية سابقا ،

٢٥٥

وإمّا أن لا يكون كذلك ، بان كان حكم المعاملة ثابتا بالظنون الاجتهادية.

فالأول : يترتب عليه الأثر مع الموافقة ، ولا يترتب عليه مع المخالفة ، إذ المفروض أنّه ثبت من الشارع قطعا أنّ المعاملة الفلانية سبب لكذا ، وليس معتقدا لخلافه ، حتى يتعبّد بخلافه

______________________________________________________

لعدم اشتراط العربية ، في البيع ، أو علم قطعا حرمة المرأة التي عقد عليها بالفارسية سابقا ، لاشتراط العربية في النكاح.

(وإمّا ان لا يكون كذلك ، بان كان حكم المعاملة ثابتا بالظنون الاجتهادية) كما إذا ظن بحلية التي ارتضعت معه عشر رضعات ، أو ظن بحرمة منظورة الأب.

(فالأول) من قسمي المتفطن لمخالفة الواقع ، وكان ما صدر عنه موافقا أو مخالفا للحكم القطعي ، فانه (يترتب عليه الأثر مع الموافقة ، ولا يترتب عليه مع المخالفة) أي : ان كان ما أوقعه من المعاملة موافقا للحكم الواقعي ترتب عليه الأثر ، وان كان مخالفا للحكم الواقعي لم يترتب عليه الأثر.

وإنّما قال : يترتب عليه الأثر مع الموافقة (إذ المفروض : أنّه ثبت من الشارع قطعا أنّ المعاملة الفلانية سبب لكذا) أي : ان معاملة البيع بالعقد الفارسي ـ مثلا ـ سبب لانتقال المتاع إلى المشتري والثمن إلى البائع قطعا ، وحيث ان المعاملة توافقت مع الحكم الواقعي الثابت من الشارع قطعا ترتب عليها الأثر.

(و) إنّما قال : لا يترتب عليه الأثر مع المخالفة ، إذ المفروض ان المتفطن للمخالفة الجاهل بالحكم الواقعي (ليس معتقدا لخلافه) أي لخلاف الحكم الواقعي ، لأن جهله كان بسيطا وليس مركبا ، فلا يكون قاطعا بالخلاف (حتى يتعبّد بخلافه) الذي اعتقد به ويكون معذورا عليه بسبب قطعه ، فانه حيث لم يكن كذلك بل كان جهله بسيطا لم يترتب عليه الأثر مع المخالفة.

٢٥٦

ولا دليل على التقييد في مثله بعلم واعتقاد ، ولا يقدح كونه محتملا للخلاف ، أو ظانا به ، لأنّه مأمور بالفحص والسؤال ، كما أنّ من اعتقد حلّية الخمر مع احتماله الخلاف يحرم عليه الخمر وإن لم يسأل ،

______________________________________________________

إن قلت : انه يلزم من ذلك ان لا يترتب عليه الأثر حتى مع الموافقة للواقع ، وذلك لعدم العلم بالموافقة للواقع حين المعاملة.

قلت : (ولا دليل على التقييد في مثله) أي : لا دليل في مثل ما أوقعه من المعاملات إذا تطابقت مع الواقع أن تكون مقيدة (بعلم واعتقاد) ممّن أوقعها ، فان الشارع لم يقل : ان المعاملة صحيحة ان علمت صحتها حين إيقاعها ، أو ان اعتقدت صحتها حين إيقاعها ، بل يقول : ان المعاملة صحيحة ، والمفروض انه أوقع هذه المعاملة صحيحة ، فتؤثر أثرها بمجرد موافقتها للواقع وان لم يعلم صحتها حين إيقاعها.

(و) إن قلت : انه يقدح في صحة معاملة المتفطن للمخالفة ـ وان طابقت الواقع ـ احتماله أو ظنه بالمخالفة قبل المعاملة ، فلا يترتب الأثر عليها ، لأنه لا يجوز له الاقدام على المعاملة قبل الفحص والسؤال.

قلت : (لا يقدح) في صحة معاملة المتفطن وترتب الأثر عليها بعد ان طابقت الواقع (كونه محتملا للخلاف ، أو ظانا به) حتى وان كان منشأ توهم القدح هنا هو : (لأنّه مأمور بالفحص والسؤال).

وعليه : فكون الجاهل مأمورا بالفحص والسؤال لا يقدح في صحة معاملته بعد مطابقتها للواقع وان لم يسأل (كما انّ من اعتقد) أي : غلب على ظنه (حلّية الخمر مع احتماله الخلاف) أي : الحرمة (يحرم عليه الخمر وان لم يسأل).

٢٥٧

لأنه مأمور بالسؤال.

وأمّا الثاني : فالحق عدم ترتب الأثر في حقه ما دام باقيا على عدم التقليد ، بل وجود المعاملة كعدمها سواء طابقت أحد الأقوال أم لا؟.

إذ المفروض عدم القطع

______________________________________________________

وإنّما يحرم عليه ذلك (لأنه مأمور بالسؤال) والفحص كما تقدّم : من ان الشبهات الحكمية لا يجوز ارتكابها إلّا بعد الفحص.

إذن : فالمعيار في ترتب الأثر وعدمه هو : موافقة الواقع وعدمها ، فكلما ظهر كون الشيء موافقا للواقع ترتب الأثر عليه وان كان يحرم عليه ارتكابه قبل الفحص ، فان من المعلوم : ان الحرمة غير قادحة هنا ، لأن الكلام هنا في ترتب الأثر على المعاملة وعدم ترتبه ، لا في جواز الارتكاب قبل الفحص وعدمه ، فان عدم جواز الارتكاب قبل الفحص مسلّم.

(وأمّا الثاني :) من قسمي المتفطن لمخالفة الواقع وكان ما صدر عنه من المعاملة موافقا أو مخالفا لما ثبت بالظنون الاجتهادية ، سواء الأدلة الاجتهادية أم الاصول العملية فحكم معاملته كما قال : (فالحق عدم ترتب الأثر) على المعاملة (في حقه) أي : في حق هذا الجاهل البسيط المتفطن لاحتمال مخالفة ما أوقعه من المعاملة للواقع ، فانه (ما دام باقيا على عدم التقليد) لا يترتب الأثر في حقه حتى ولو انكشف مطابقة معاملته لفتوى المجتهد الذي يجب عليه تقليده لكنه لم يقلده بعد.

(بل وجود المعاملة كعدمها) في حق المتفطن غير المقلد من جهة عدم ترتب الأثر عليها (سواء طابقت) المعاملة (أحد الأقوال) للمجتهدين الذين يجوز رجوعه إليهم لتساويهم فرضا (أم لا؟) بأن لم تطابق فتوى أحد المجتهدين.

وإنّما تكون المعاملة هنا كعدمها لأنه كما قال : (إذ المفروض عدم القطع

٢٥٨

بالوضع الواقعي من الشارع ، بل هو مظنون للمجتهد ، فترتّب الأثر إنّما هو في حقّه.

ثم إن قلّد بعد صدور المعاملة المجتهد القائل بالفساد ، فلا إشكال فيه ؛ وإن قلّد من يقول بترتّب الأثر ، فالتحقيق التفصيل بما مرّ في نقض الفتوى بالمعنى الثالث ،

______________________________________________________

بالوضع الواقعي من الشارع) في صورة مطابقته لفتوى أحد المجتهدين (بل هو مظنون للمجتهد ، فترتّب الأثر إنّما هو في حقّه) وحق مقلديه فقط.

إذن : هناك فرق بين مطابقة المعاملة للواقع ، وبين مطابقة المعاملة لفتوى المجتهد ، إذ الحكم الواقعي منطبق في الصورة الاولى ، امّا الصورة الثانية : وهي فتوى المجتهد ، فإنّما تنفع المجتهد ومقلديه ، والمفروض : انه لم يدخل في مقلدي هذا المجتهد ، ولذا إذا سأل عنه يوم القيامة لما ذا عملت بهذا العمل المخالف للواقع؟ لم يتمكن ان يعتذر : بأنه مجتهد ، لأنه ليس بمجتهد ولا : بأن مجتهد قال كذا ، لأنه ليس بمقلد ، فلا يصح ان يستند إلى المجتهد في عمله هذا المخالف للواقع.

(ثم ان قلّد بعد صدور المعاملة) منه (المجتهد القائل بالفساد ، فلا إشكال فيه) أي : في فساد معاملته من أول ما أوقعها.

(وان قلّد من يقول بترتّب الأثر) وصحة المعاملة (فالتحقيق التفصيل بما مرّ في نقض الفتوى بالمعنى الثالث) فانه قد ذكر هناك في باب تبدل رأي المجتهد معاني ثلاثة لنقض الفتوى مما حاصله :

إنّ النقض ان كان بمعنى : الحكم بفساد الأعمال السابقة وتجديد الصوم والصلاة ، فهو خلاف الاجماع.

٢٥٩

فيقال : أنّ ما لم يختص أثره بمعيّن أو بمعيّنين كالطهارة والنجاسة ، والحلية والحرمة وأمثالها ، يترتب عليه الأثر ، فاذا غسل ثوبه من البول مرة بدون تقليد ، أو اكتفى في الذبيحة بقطع الحلقوم فقط ـ مثلا ـ كذلك ، ثم قلّد من يقول بكفاية الأوّل :

______________________________________________________

وإن كان بمعنى : العمل في المستقبل بالفتوى الثانية ، فهذا لا إشكال فيه.

وإن كان بمعنى : سلب آثار المعاملات الماضية بأن تصير الزوجة أجنبية ، والطاهر نجسا ، ففيه تفصيل كالتالي :

القول بعدم الجواز في الأثر الشخصي كزوجية زينب لزيد ، لأن إبطال العقد الواقع فارسيا ـ مثلا ـ من الأوّل ينافي وقوعه صحيحا ، وإبطاله من الآن لا معنى له ، لعدم وجوده فعلا حتى يكون موردا للفتوى الثانية ، و : بالجواز في الأثر النوعي كطهارة الثوب ، لأن الغسل مرة ـ مثلا ـ قد أثر من الأوّل في طهارة الثوب في حق كل من يرى كفاية الغسل مرة ، ولم يؤثر من الأوّل في حق من لا يرى كفايته ، غاية الأمر انه إلى الآن كان داخلا في العنوان الأوّل فكان طاهرا في حقه ، والآن داخل في العنوان الثاني فنجس في حقه ، وهذا ليس بنقض.

وعليه : فان هذا المعنى الثالث للنقص وهو التفصيل بين الأثر الشخصي فغير مترتّب ، وبين الأثر النوعي فمترتب جار في المقام أيضا (فيقال : انّ ما لم يختص أثره بمعيّن أو بمعيّنين) أي : بشخص معيّن أو بشخصين معيّنين (كالطهارة والنجاسة والحلية والحرمة وأمثالها ، يترتب عليه الأثر ، فاذا غسل ثوبه من البول مرة بدون تقليد ، أو اكتفى في الذبيحة بقطع الحلقوم فقط) لا الأوداج الأربعة ، (ـ مثلا ـ كذلك) أي : بدون تقليد أيضا (ثم قلّد من يقول بكفاية الأوّل :

٢٦٠