الوصائل الى الرسائل - ج ١٠

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل الى الرسائل - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-10-4
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

في الطهارة ، والثاني : في التذكية ، ترتّب الأثر على فعله السابق ، إذ المغسول يصير طاهرا بالنسبة إلى كل من يرى ذلك.

وكذا المذبوح حلالا بالنسبة إلى كلّ من يرى ذلك ولا يشترط كونه مقلدا حين الغسل والذبح.

وأمّا ما يختص أثره بمعيّن أو معيّنين : كالعقود ، والايقاعات ، وأسباب شغل الذمة وأمثالها ، فلا يترتب عليه الأثر ، إذ آثار هذه الامور

______________________________________________________

في الطهارة والثاني : في التذكية ، ترتّب الأثر على فعله السابق) فيكون الأوّل طاهرا ، والثاني مذكّى.

وإنّما يترتب الأثر على النوعي (إذ المغسول يصير) من حين غسله وان لم يقلّد الغاسل أحدا بعد (طاهرا بالنسبة إلى كل من يرى) كفاية (ذلك) أي : كل مجتهد يرى كفاية التطهير بالغسل مرة ، فلا يختص أثره بشخص معيّن (وكذا المذبوح) يصير (حلالا بالنسبة إلى كلّ من يرى) كفاية (ذلك) الذبح في التذكية من المجتهدين دون أن يختص بشخص معين.

وعليه : فالمغسول يطهر بذلك الغسل والمذبوح يذكى بذلك الذبح (ولا يشترط) في ترتب أثر الطهارة والتذكية عليهما (كونه مقلدا حين الغسل والذبح) وذلك لأن الطهارة للجميع والتذكية للجميع ، ولا يختص بشخص معيّن أو بشخصين معيّنين.

(وأمّا ما يختص أثره بمعيّن أو معيّنين : كالعقود ، والايقاعات ، وأسباب شغل الذمة) كالنذر والعهد واليمين (وأمثالها) كحق السبق إلى المسجد ، أو الحسينية ، أو ما أشبه ذلك (فلا يترتب عليه الأثر ، إذ آثار هذه الامور) ليست عامة للجميع ،

٢٦١

لا بد من أن يتعلّق بالمعيّن ، إذ لا معنى لسببية عقد صادر عن رجل خاص على امرأة خاصة لحليّتها على كلّ من يرى جواز هذا العقد ومقلّديه.

وهذا الشخص حال العقد لم يكن مقلدا ، فلم يترتب في حقه الأثر كما تقدّم ، وأمّا بعده وإن دخل في مقلديه لكن لا يفيد ، ليترتب الأثر في حقه ، إذ المظنون لمجتهده سببية هذا العقد ـ متصلا بصدوره ـ للأثر ،

______________________________________________________

بل (لا بد من ان يتعلق بالمعيّن) الذي أوقع المعاملة فقط.

وإنّما يتعلق بالمتعاقدين فقط (إذ لا معنى لسببية عقد صادر عن رجل خاص على امرأة خاصة) كعقد زيد على هند (لحليّتها على كلّ من يرى جواز هذا العقد ومقلّديه) فان هندا تكون حلالا ليزيد فقط ، كما هو واضح.

(و) إنّما لم يترتب عليه الأثر ، لأن ما يرجع إلى الظنون الاجتهادية لا بد وان يكون غير المجتهد مقلدا فيها مع ان (هذا الشخص حال العقد لم يكن مقلدا ، فلم يترتب في حقه الأثر) لأن الأثر كان ثابتا في حق المقلد وهذا لم يكن مقلدا (كما تقدّم) الكلام عنه.

(وأمّا) تقليده المجتهد فيها (بعده) أي : بعد صدور العقد ، فانه (وان دخل في مقلديه) لفرض انه قلد المجتهد القائل بجواز مثل هذا العقد (لكن لا يفيد ، ليترتب الأثر في حقه).

وإنّما لا يفيد في حقه لأن المجتهد إنّما يفتي بصحة العقد الفارسي ـ مثلا ـ إذا كان الأثر متصلا بصدور العقد ، والمفروض : انه لم يكن الأثر متصلا بصدور العقد ، لأن العقد كان قبل شهر والأثر حين التقليد بعد شهر كما قال :

(إذ المظنون لمجتهده سببية هذا العقد ـ متصلا بصدوره ـ للأثر) وقوله : «للأثر» متعلق بالسببية فيكون معناه : ان العقد سبب للأثر إذا كان الأثر متصلا بصدور العقد

٢٦٢

ولم يصر هذا سببا كذلك.

وأما السببية المنفصلة فلا دليل عليها ، إذ ليس هو مظنون المجتهد ، ولا دليل على كون الدخول في التقليد كاجازة المالك ، والأصل في المعاملات الفساد ، مع أنّ عدم ترتب الأثر كان ثابتا قبل التقليد ، فيستصحب» ،

______________________________________________________

(و) الحال انه (لم يصر هذا) العقد (سببا كذلك) أي : متصلا لصدوره ، لأن المفروض : ان العقد كان قبل شهر ، والأثر حين التقليد بعد شهر ـ مثلا ـ.

ان قلت : ما المانع من أن يكون مظنون المجتهد سببية العقد للأثر ولو منفصلا ، خصوصا وان الانفصال هنا ظاهري لا واقعي ، لأنه بسبب التقليد ينكشف ان الأثر كان مترتبا حين صدور المعاملة؟.

قلت : (وأما السببية المنفصلة فلا دليل عليها) حتى يقال : ان العقد قبل شهر ـ مثلا ـ سبب للأثر بعد شهر (إذ ليس هو مظنون المجتهد) فان المجتهد يرى السببية المتصلة لا المنفصلة ، فتكون المعاملة باطلة.

هذا (ولا دليل على كون الدخول في التقليد كاجازة المالك) في كونها مصححة للعقد الفضولي السابق حتى يكون التقليد هنا مصححا للمعاملة السابقة.

(و) على فرض الشك في صحة المعاملة وفسادها بعد التقليد ، نرجع إلى الأصل في المعاملات فنرى ان (الأصل في المعاملات : الفساد) ما لم يثبت دليل على صحتها ، فيلزم القول بفساد المعاملة.

هذا مضافا إلى استصحاب عدم الأثر كما قال : (مع انّ عدم ترتب الأثر كان ثابتا) في الظاهر (قبل التقليد ، فيستصحب» (١)) بعد التقليد أيضا للشك فيه ،

__________________

(١) ـ مناهج الأحكام للنراقي : ص ٣١١.

٢٦٣

انتهى كلامه ملخصا.

والمهم في المقام : بيان ما ذكره في المقدمة ، من أنّ كل ما جعله الشارع من الأسباب لها حقائق واقعية وحقائق ظاهرية ،

______________________________________________________

فان غير المقلّد حيث لم يستند حين المعاملة إلى علم أو علمي ، كانت معاملته فاسدة ، فاذا شككنا في صحة تلك المعاملة وفسادها بعد التقليد استصحبنا فسادها ، فيحكم بالبطلان.

(انتهى كلامه ملخصا ، والمهم في المقام : بيان ما ذكره في المقدمة : من أنّ كل ما جعله الشارع من الأسباب لها حقائق واقعية وحقائق ظاهرية) فانه بعد بيان ما هو وارد على هذا الكلام يظهر بوضوح مواقع النظر في جملة كلامه.

لكن قبل ان نشرع في كلام المصنّف نقول : أن مقتضى القاعدة هنا في المعاملات : ان من جاء بمعاملة من عقد ، أو إيقاع ، أو ما أشبه ذلك ، فاما ان يكون قاطعا ، أو مستندا إلى اجتهاد أو تقليد ، أو بلا استناد :

أما إذا كان قاطعا بصحة المعاملة فانه يرتب عليها الأثر سابقا ولاحقا ، وان كان قاطعا بفساد المعاملة ، فلا يرتب عليها الأثر لا سابقا ولا لاحقا ، وان كان قد رتب الأثر عليها سابقا ظهر بطلانها من حين صدورها ، كما إذا علم ـ مثلا ـ ان زوجته اخته من الرضاعة فالعقد السابق باطل من حين صدوره ، فاذا لم يواقعها ـ مثلا ـ وعقد عليها شخص آخر حال كونها في الظاهر زوجته كان عقد الثاني صحيحا ، لأنها لم تكن زوجته وإنّما زعم إنها زوجته.

وأما ان كان مستندا في المعاملة إلى الظن الاجتهادي أو التقليدي ثم تبدل إلى خلافه ، صح السابق ورتب الأثر لاحقا على ما فعله سابقا ، إذ لا دليل على ان الاجتهاد اللاحق يبطل آثار الاجتهاد السابق بتبدله.

٢٦٤

فنقول : بعد الاغماض عما هو التحقيق عندنا تبعا للمحققين : من أنّ التسبيبات الشرعية راجعة إلى تكاليف شرعية :

______________________________________________________

هذا ، ولعل صاحب الفصول حيث قال : ان الواقعة الواحدة لا تتحمل اجتهادين أشار إلى هذا المعنى ، فاذا عقد على من ارتضعت معه عشر رضعات لصحته عن اجتهاد أو تقليد ، ثم تبدل اجتهاده إلى فساده ، فانها تبقى على الزوجية السابقة.

نعم ، لا يحق له ان يتزوج بعد تبدل الاجتهاد إلى الفساد بمن ارتضعت معه عشر رضعات ، وكذلك في سائر الامور : من الطهارة والنجاسة ، والحلية والحرمة ، والبيع والشراء ، والخمس والزكاة ، والحج والجهاد ، والصلاة والصيام ، وغيرها ، ويشهد لذلك سيرة المسلمين على انهم بتبدل الاجتهاد أو المجتهد لا يرتبون الأثر على ما سبق من أعمالهم ، التي بطلت بنظر المجتهد أو الاجتهاد اللاحق.

وأما إن كان غير مستند في المعاملة إلى اجتهاد أو تقليد ، وذلك بأن كان قد أوقعها بلا مبالات قصورا أو تقصيرا ، لزم عليه ان يرتب على السابق واللاحق أثر الاجتهاد الحالي ، فاذا قلد من يقول بفساد عقد من ارتضعت معه عشر رضعات لزم عليه ان يفارقها أو بصحته ثبت عليها ، وهكذا.

والآن نرجع إلى الكلام المصنّف (فنقول :) لا نسلم ان الأحكام لها حقايق واقعية وحقايق ظاهرية ، فانه (بعد الاغماض عما هو التحقيق عندنا تبعا للمحققين : من أنّ التسبيبات الشرعية راجعة إلى تكاليف شرعية) وليست هي شيئا مستقلا ، فالحكم عند المصنّف قسم واحد لا قسمان.

لا يخفى : ان الفقهاء اختلفوا في انه هل هناك قسمان من الحكم : قسم يسمى

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بالأحكام التكليفية وهي : الواجبات ، والمحرمات ، والمستحبات ، والمكروهات ، والمباحات ، وقسم يسمى بالأحكام الوضعية وهي : الجزئية والشرطية ، والمانعية والقاطعية ، والحرية والرقية ، والملكية والزوجية ، وغير ذلك.

وعليه : فتكون الأسباب الشرعية عند هؤلاء الفقهاء كالأسباب التكوينية أحكاما مستقلة ، غير ان الأسباب التكوينية تؤثر في التكوينيات كالشمس للحرارة ، والثلج للبرودة ، وهذه تؤثر في التشريعيات ، كالعقد للزوجية ، والايقاع لفسخ الزوجية ، كما في الطلاق ـ مثلا ـ؟.

أو قسم واحد من الحكم وهي : الأحكام الخمسة التكليفية فقط ، فليس للشارع أحكام وضعية ، وإنّما الأحكام الوضعية تنتزع من الأحكام التكليفية ، فالحكم بحلية اللحم عقيب الذبح ـ مثلا ـ ينتزع منه سببية الذبح للحلية ، والحكم بحلية النظر إلى المرأة ووطيها عقيب العقد ، ينتزع منه سببية العقد للحلية وهكذا؟.

ومن المعلوم : ان كلام النراقي إنّما يتم على القول الأوّل دون القول الثاني إذ على القول الثاني : لا وجود للأحكام الوضعية حتى ينقسم إلى الأحكام الواقعية والظاهرية.

لكن لا يخفى : ان للنراقي أن يقول : تقسيمنا للأحكام إلى الواقعية والظاهرية لا ينافي عدم القول بالأحكام الوضعية ، وذلك لأنه يمكن أن يقال : ان صحة المعاملة وفسادها منتزع من جواز التصرف وعدم جوازه ، والحكم بالجواز وعدمه الذي هو حكم تكليفي قد يكون واقعيا ، وقد يكون ظاهريا ، فيكون هذا الاشكال من المصنّف على النراقي محل تأمل.

٢٦٦

إنّ الأحكام الوضعية على القول بتأصّلها هي الامور الواقعية المجعولة للشارع ، نظير الامور الخارجية غير المجعولة ، كحياة زيد وموت عمرو ، ولكنّ الطريق إلى تلك المجعولات كغيرها ، قد يكون هو العلم ، وقد يكون هو الظن الاجتهادي ، أو التقليد ،

______________________________________________________

وعليه : فانه بناء على وجود قسمين من الحكم نقول : (إنّ الأحكام الوضعية على القول بتأصّلها) أي : جعل الشارع لها بالأصالة لا تبعا للأحكام التكليفية (هي الامور الواقعية) فلا يكون للعلم والظن ، والشك والوهم ، والتقليد والاجتهاد مدخلية فيها ، ولذلك فان وقع العمل موافقا لما جعله الشارع من الواقع ، ترتب عليه الأثر سواء وافقه الاجتهاد أم خالفه ، وان وقع العمل مخالفا لما جعله الشارع من الوقاع لم يترتب عليه الأثر ، سواء وافقه الاجتهاد أم خالفه؟.

إذن : فالأحكام الوضعية ، هي الامور الواقعية (المجعولة للشارع ، نظير الامور الخارجية غير المجعولة ، كحياة زيد وموت عمرو).

وإنّما تكون نظيرها لأنها لا تتغير عما هي عليه واقعا ، وافقها الاجتهاد أم خالفها ، فكما انه إذا اجتهد في التكوينيات لم يؤثر اجتهاده في تبديل حياة زيد إذا كان حيا واقعا إلى الموت ، كذلك إذا اجتهد في المجعولات الشرعية لم يؤثر اجتهاده في تبديل صحة المعاملة إذا كانت صحيحة واقعا إلى الفساد ، فالواقع باق على ما هو عليه وان خالفه الاجتهاد.

هذا (ولكنّ الطريق إلى) إثبات (تلك المجعولات) الشرعية من الأحكام الوضعية مثل : صحة المعاملة وفسادها ، تكون (كغيرها) من التكوينيات مثل :

حياة زيد وموت عمرو ، على أقسام : فالطريق اليها (قد يكون هو العلم ، وقد يكون هو الظن الاجتهادي ، أو التقليد) أو الاستصحاب ـ مثلا ـ.

٢٦٧

وكلّ واحد من الطرق قد يحصل قبل وجود ذي الأثر ، وقد يحصل معه ، وقد يحصل بعده ، ولا فرق بينها في أنّه بعد حصول الطريق يجب ترتيب الأثر على ذي الأثر من حين حصوله.

إذا عرفت ذلك ، فنقول : إذا كان العقد الصادر من الجاهل سببا للزوجية ،

______________________________________________________

(وكلّ واحد من الطرق قد يحصل قبل وجود ذي الأثر ، وقد يحصل معه ، وقد يحصل بعده) فان العقد قد يقارن الاجتهاد ، وقد يتقدم على الاجتهاد ، وقد يتأخر عن الاجتهاد.

هذا (ولا فرق بينها) أي : بين تلك الطرق (في) هذه الجهة وهي : (انّه بعد حصول الطريق) بأي قسم كان ، وفي أي وقت حصل ، متقدما على العقد أو متأخرا عنه أو متقارنا معه ، مجتهدا كان الذي حصل له الطريق أو مقلدا ، أو غير مجتهد ولا مقلد ، لا فرق في انه (يجب ترتيب الأثر على ذي الأثر من حين حصوله).

وعليه : فان السبب إذا حصل حصل المسبب ، سواء علم به الانسان أم لم يعلم به ، قارن حصول السبب علمه أم كان علمه متأخرا عنه.

وبذلك يظهر : ما في كلام النراقي القائل بالفرق بين انكشاف مطابقة الواقع ، وانكشاف مطابقة الفتوى ، إذ ليس هناك وراء الواقع شيء على ما عرفت ، وكذا يظهر ما في كلامه في الفرق بين تقدّم التقليد وتأخره لتصوره انفصال الأثر في صورة تأخر التقليد.

(إذا عرفت ذلك ، فنقول : إذا كان العقد الصادر من الجاهل) غير المجتهد ولا المقلد (سببا للزوجية) في الواقع بأن جعله الشارع سببا من حيث كمال السبب وهو العقد ، وكمال محله وهو : الزوجة والزوج ببلوغهما وعقلهما وغير

٢٦٨

فكل من حصل له إلى سببية هذا العقد طريق عقلي أعني : العلم ، أو جعلي بالظن الاجتهادي ، أو التقليد يترتب في حقّه أحكام تلك الزوجية من غير فرق بين نفس الزوجين وغيرهما ، فانّ أحكام زوجية هند لزيد ليست مختصة بهما ، فقد يتعلّق بثالث حكم مترتب على هذه الزوجية ، كأحكام المصاهرة ، وتوريثها منه ، والانفاق عليها من ماله ، وحرمة العقد عليها حال حياته ،

______________________________________________________

ذلك (فكل من حصل له إلى سببية هذا العقد طريق عقلي أعني : العلم ، أو) طريق (جعلي بالظن الاجتهادي ، أو التقليد) أو الظن على الانسداد ـ مثلا ـ إذا قلنا بالحكومة ، فانه (يترتب في حقّه أحكام تلك الزوجية) سواء علم بذلك أم لم يعلم (من غير فرق بين نفس الزوجين وغيرهما).

وإنّما يعم غير الزوجين أيضا لان لغير الزوجين أحكام بالنسبة إلى هذين الزوجين أيضا ، فانه لا يجوز لأحد أن يتزوج بهذه الزوجة ، كما لا يجوز للزوج ان يتزوج باختها ـ مثلا ـ.

وعليه : (فانّ أحكام زوجية هند لزيد ليست مختصة بهما) كما ذكره النراقي رحمه‌الله (فقد يتعلّق بثالث حكم مترتب على هذه الزوجية ، كأحكام المصاهرة ، وتوريثها منه ، والانفاق عليها من ماله ، وحرمة العقد عليها) أي : على هذه الزوجة لثالث (حال حياته) أي : حياة هذا الزوج لأنها زوجته.

أمّا أحكام المصاهرة : فانه لا يجوز لهذا الزوج ان يتزوج بام هذه الزوجة ولا باختها ، ولا ببنتها ، ولا بخامسة ان كانت هي الرابعة ، ولا ببنت اختها أو بنت أخيها بدون إذنها ، واما توريث هذه الزوجة من هذا الزوج ، فان شخصا ثالثا هو الولي أو الحاكم الشرعي يدفع اليها خفها من ارثه إذا مات ، واما الانفاق على هذه

٢٦٩

ولا فرق بين حصول هذا الطريق حال العقد ، أو قبله ، أو بعده.

ثم إنّه إذا اعتقد السببية وهو في الواقع غير سبب ، فلا يترتب عليه شيء في الواقع.

نعم ، لا يكون مكلفا بالواقع ما دام معتقدا ، فاذا زال الاعتقاد رجع الأمر إلى الواقع وعمل على مقتضاه.

______________________________________________________

الزوجة فيما إذا غاب هذا الزوج عنها بسفر ، أو حبس ، أو سفه ، أو جنون ، فان على ثالث وهو الولي أو الحاكم الشرعي ان ينفق عليها من ماله ، وهكذا غيرها من الأحكام المتعلقة بغير الزوجين بالنسبة إلى هذين الزوجين.

(ولا فرق بين حصول هذا الطريق حال العقد ، أو قبله ، أو بعده) في ترتب أثره في حقه ان كان موافقا للواقع ، وعدم ترتب أثره في حقه من حين صدره ان كان مخالفا للواقع ، بينما النراقي قد فرّق بين هذه الامور كما عرفت.

(ثم انّه) أي : الجاهل الذي لا تقليد له ولا اجتهاد (إذا اعتقد السببية وهو في الواقع غير سبب ، فلا يترتب عليه شيء في الواقع) فما يظهر من النراقي في كلامه السابق من حجية الجهل المركب وان ظهور خلافه بمنزلة تبدل الرأي محل نظر.

(نعم ، لا يكون مكلفا بالواقع ما دام معتقدا) لأنه لا يمكن تحميل الواقع على من هو قاطع بخلاف الواقع كما سبق في بحث القطع (فاذا زال الاعتقاد رجع الأمر إلى الواقع وعمل على مقتضاه) أي : مقتضى الواقع بالنسبة إلى السابق واللاحق.

مثلا : إذا كان مقتضى الواقع فساد العقد بالفارسية والزوج لم ينفق على هذه الزوجة مدة مع زعمه بأنه مديون لها ، تبيّن عدم كونه مديونا لها ، وكذا إذا كان قد عقد على الخامسة ، أو الاخت ، أو الأمّ ، أو البنت ، غير مبال بقطعه ، تبيّن صحة العقد عليهن ، وهكذا.

٢٧٠

وبالجملة : فحال الأسباب الشرعية حال الامور الخارجية ، كحياة زيد وموت عمرو ، فكما أنّه لا فرق بين العلم بموت زيد بعد مضيّ مدة من موته ، وبين قيام الطريق الشرعي في وجوب ترتيب آثار الموت من حينه ، فكذلك لا فرق بين حصول العلم بسببية العقد لأثر بعد صدوره ، وبين الظن الاجتهادي به بعد الصدور ، فانّ مؤدّى الظن الاجتهادي الذي يكون حجة له وحكما ظاهريا في حقه هو كون هذا العقد المذكور حين صدوره محدثا لعلاقة الزوجية بين زيد وهند.

والمفروض : أنّ دليل حجية هذا الظن لا يفيد سوى كونه طريقا

______________________________________________________

(وبالجملة : فحال الأسباب الشرعية حال الامور الخارجية) التكوينية (كحياة زيد وموت عمرو) ومنتهى الفرق بينهما : ان الثاني تكويني والأوّل تشريعي.

(فكما انّه لا فرق بين العلم بموت زيد بعد مضيّ مدة من موته ، وبين قيام الطريق الشرعي) كالبينة على موته (في وجوب ترتيب آثار الموت من حينه) أي : من حين الموت لا من حين الانكشاف (فكذلك لا فرق بين حصول العلم بسببية العقد لأثر بعد صدوره ، وبين الظن الاجتهادي به بعد الصدور) في وجوب ترتيب الأثر على العقد من حين صدوره ، لا من حين الانكشاف.

وعليه : (فانّ مؤدّى الظن الاجتهادي الذي يكون حجة له) أي : لهذا الشخص الجاهل بعد ان اجتهد أو قلّد (وحكما ظاهريا في حقه هو : كون هذا العقد المذكور حين صدوره محدثا لعلاقة الزوجية بين زيد وهند) فلا انفصال بين العقد وأثره ، واذا لم يكن انفصال بينهما كان ما ذكره النراقي من الانفصال بين الأثر والمؤثر لا وجه له.

هذا (والمفروض : انّ دليل حجية هذا الظن لا يفيد سوى كونه طريقا

٢٧١

إلى الواقع ، فأي فرق بين صدور العقد ظانّا بكونه سببا ، وبين الظن به بعد صدوره؟.

وإذا تأملت في ما ذكرنا عرفت مواقع النظر في كلامه المتقدّم ، فلا نطيل بتفصيلها.

ومحصّل ما ذكرنا : أنّ الفعل الصادر من الجاهل باق على حكمه الواقعي التكليفي

______________________________________________________

إلى الواقع) لا انه سبب ، فان هذا الظن ـ حسب الفرض ـ حجة من باب الطريقية فيكشف عن ترتب الأثر على العقد من حين صدوره ، لا من باب السببية حتى يكون ناقلا للأثر من حين تعلق الظن به ، والظن قد حصل الآن ، بينما العقد قد حصل قبل شهر ، فوقع الانفصال بين العقد وأثره.

والحاصل : انا ذكرنا في أول مبحث الظن : ان الظن طريق وليس بسبب ، وحينئذ (فأي فرق بين صدور العقد ظانّا بكونه سببا ، وبين الظن به بعد صدوره؟) فكلاهما يؤدي إلى ان العقد لمّا تحقق وكان موافقا للواقع ترتب عليه أثره متصلا به لا منفصلا عنه.

(وإذا تأملت في ما ذكرنا عرفت : مواقع النظر في كلامه المتقدّم ، فلا نطيل بتفصيلها) أي : لا حاجة لعدّ مواقع النظر فيها : من جعله الأحكام تكليفية ووضعية ، وذلك بالفرق بين مطابقة الواقع ومطابقة الفتوى ، وبين تقدّم التقليد وتأخره ، وكذا بين الجهل البسيط والجهل المركب.

(ومحصّل ما ذكرنا : انّ الفعل الصادر من الجاهل) الذي لم يكن مجتهدا ولا مقلدا (باق على حكمه الواقعي التكليفي) من استحقاق العقاب وعدمه ، فاذا باشر المرأة وكان حراما عليه واقعا مباشرتها ـ لعدم تأثير النكاح بالعقد الفارسي

٢٧٢

والوضعي ، فاذا لحقه العلم ، أو الظن الاجتهادي أو التقليد كان هذا الطريق كاشفا حقيقيا أو جعليا عن حاله حين الصدور ، فيعمل بمقتضى ما انكشف ، بل حققنا في مباحث الاجتهاد والتقليد :

______________________________________________________

في حلية المرأة ـ استحق العقاب ، وإلّا فلا.

(و) باق أيضا على حكمه الواقعي (الوضعي) من الصحة وعدمها ، فاذا أوقع معاملة في الخارج وكانت صحيحة واقعا ترتب عليها الأثر ، وإلّا فلا ، فالفعل الصادر من الجاهل لا يتغير ، بل يبقى على ما هو عليه واقعا من حيث الحرمة والحلية ، والصحة والفساد.

هذا بالنسبة إلى ما صدر من الجاهل غير المجتهد ولا المقلد من حيث الحكم الواقعي تكليفا ووضعا ، واما بالنسبة إلى ما يلحقه من الانكشاف ، فحكمه كما قال : (فاذا لحقه العلم ، أو الظن الاجتهادي ، أو التقليد) أو الظن الانسدادي (كان هذا الطريق كاشفا حقيقيا) فيما إذا كان علما (أو جعليا) فيما إذا كان دليلا شرعيا معتبرا ، سواء في الأحكام أم في الموضوعات ، فانه يكشف على كل تقدير (عن حاله حين الصدور).

وإنّما يكشف عن حاله من حين صدوره لا من حين الانكشاف ، لأن ذلك هو مقتضى الطريقية لما عرفت : من ان أدلة الطرق المجعولة إنّما هي كالعلم حجّة من باب الطريقية ، لا من باب السببية (فيعمل بمقتضى ما انكشف) له من الخلاف أو الوفاق من حين صدوره.

هذا هو بالنسبة إلى الجاهل الذي لم يجتهد ولم يقلد ، واما بالنسبة إلى المجتهد أو المقلد فيما صدر عنهما ، فكما قال : (بل حققنا في مباحث الاجتهاد والتقليد :

٢٧٣

أنّ الفعل الصادر من المجتهد أو المقلّد أيضا باق على حكمه الواقعي ، فاذا لحقه اجتهاد مخالف للسابق كان كاشفا عن حاله حين الصدور ، فيعمل بمقتضى ما انكشف

______________________________________________________

انّ الفعل الصادر من المجتهد أو المقلّد أيضا) لا يغير الواقع ، بل هو (باق على حكمه الواقعي) فاذا اجتهد ، أو قلد مجتهدا يرى حرمة من ارتضعت معه عشر رضعات وكانت في الواقع حلالا عليه بقيت على حليتها ، أو يرى انها تحلّ له وكانت في الواقع حراما عليه بقيت على حرمتها ، وإلى غير ذلك.

نعم ، هنا إشكال وهو : انه لو فرض عدم انكشاف الواقع إطلاقا ، فما هي فائدة الواقع حتى يحكم به الشارع؟.

والجواب عنه : بأنه ينكشف في زمان الحجة عجل الله تعالى فرجه.

هذا الجواب يرد عليه : بأن الحكم إذن ينفع في زمانه ، فلما ذا جعل في زماننا؟.

اللهم إلّا أن يقال : انه لا يوجد هناك حكم بحيث لا ينكشف إلّا في زمان الحجة إطلاقا ، وحينئذ يرد عليه : انه إذا خفي الحكم في زمان المفيد ـ مثلا ـ وانكشف في زمان المحقق ، فأية فائدة لتشريع هذا الحكم في زمان المفيد وجعله حكما واقعيا له؟.

وكيف كان : فان الفعل الصادر من المجتهد أو المقلد يكون باقيا على ما له من الحكم واقعا (فاذا لحقه اجتهاد مخالف للسابق كان) الاجتهاد اللاحق (كاشفا عن حاله) أي : حال الفعل (حين الصدور ، فيعمل بمقتضى ما انكشف) له من حين الصدور ، فانه كما على الجاهل ان يعمل بمقتضى ما انكشف له من حين الصدور كذلك على المجتهد والمقلد العمل بمقتضى ما انكشف له من حين الصدور.

٢٧٤

خلافا لجماعة ، حيث تخيّلوا : أنّ الفعل الصادر عن الاجتهاد أو التقليد إذا كان مبنيا على الدوام واستمرار الآثار ، كالزوجيّة ، والملكية ، لا يؤثر فيه الاجتهاد اللاحق ، وتمام الكلام في محلّه.

وربما يتوهّم : الفساد في معاملة الجاهل من حيث الشكّ في ترتب الأثر على ما يوقعه فلا يتأتى منه قصد الانشاء في العقود والايقاعات.

وفيه : أنّ قصد الانشاء إنّما يحصل بقصد تحقق مضمون الصيغة ،

______________________________________________________

مثلا : إذا كان الواقع حلية الذبيحة التي ذبحت بفري ودجيها فقط ، وكان الاجتهاد الأوّل على الحرمة ، ثم تبدل اجتهاده إلى الحلية ، كشف الاجتهاد الثاني عن الحلية من حين الذبح لا من حين الاجتهاد الثاني.

(خلافا لجماعة حيث تخيّلوا : انّ الفعل الصادر عن الاجتهاد أو التقليد إذا كان مبنيا على الدوام واستمرار الآثار ، كالزوجيّة ، والملكية) والوقفية ، والاباحة ، والحرمة ، وما أشبه ذلك ، قالوا : بأنه (لا يؤثر فيه الاجتهاد اللاحق).

لكنّك قد عرفت : ان قول هؤلاء الجماعة هو مقتضى القاعدة ، وهو الذي جرت عليه سيرة المتشرعة بالنسبة إلى القضايا السابقة ، اما بالنسبة إلى القضايا اللاحقة فيلزم عليه العمل وفق الاجتهاد الثاني (وتمام الكلام في محلّه) من بحث الاجتهاد والتقليد.

هذا (وربما يتوهّم : الفساد في معاملة الجاهل من حيث الشكّ) الذي يعترضه من غير فرق بين العقد والايقاع ، فان الجاهل يشك (في ترتب الأثر على ما يوقعه) من عقد أو إيقاع (فلا يتأتى منه قصد الانشاء في العقود والايقاعات) وحيث لا يتأتى منه قصد الانشاء يكون عقده وإيقاعه باطلا.

(وفيه : انّ قصد الانشاء إنّما يحصل بقصد تحقق مضمون الصيغة) يعني :

٢٧٥

وهو : الانتقال في البيع ، والزوجية في النكاح ، وهذا يحصل مع القطع بالفساد شرعا ، فضلا عن الشك فيه ، ألا ترى أنّ الناس يقصدون التمليك في القمار ، وبيع المغصوب ، وغيرهما من البيوع الفاسدة.

وممّا ذكرنا يظهر : أنّه لا فرق في صحة معاملة الجاهل مع انكشافها بعد العقد ، بين شكّه في الصحة حين صدورها وبين قطعه بفسادها ، فافهم ،

______________________________________________________

إنّ الجاهل يعتبره هكذا ، فانه بمجرد تحقق مضمون العقد يحصل المراد من قصد الانشاء (وهو : الانتقال في البيع ، والزوجية في النكاح) والحرية في العتق ، والتملك في حيازة المباح ، وما أشبه ذلك (وهذا يحصل مع القطع بالفساد شرعا فضلا عن الشك فيه) أو الظن بعدمه.

(ألا ترى) كشاهد لما ذكرناه : من حصول القصد حتى مع القطع بالفساد (انّ الناس يقصدون التمليك في القمار ، وبيع المغصوب ، وغيرهما من البيوع الفاسدة) فلا يصح أن يقال : انهم لا يقصدون التمليك وما أشبه بمعنى : انه لا يتمشى منهم قصد الانشاء ، بل يتمشى منهم ذلك إلّا ان إنشائهم في غير موقعه ، فيكون كانسان ليس له الاعتبار فيعتبر ورقا خاصا دينارا ـ مثلا ـ فانه إنشاء لكنه لا ينطبق على الخارج ، لا انه لم يكن إنشاء.

(وممّا ذكرنا) فيما سبق : من انّ الفعل الصادر من الجاهل يكون باقيا على حكمه الواقعي بلا تغيير (يظهر : انّه لا فرق في صحة معاملة الجاهل) الذي ليس بمجتهد ولا بمقلد (مع انكشافها) أي : انكشاف صحة المعاملة (بعد العقد ، بين شكّه في الصحة حين صدورها ، وبين قطعه بفسادها) أو ظنه بأحدهما.

(فافهم) ولعله إشارة إلى ما ذكرناه : من عدم وجود فائدة للحكم الواقعي الذي لم ينكشف أصلا ، فان الحكيم لا يحكم بشيء ليس له تأثير في الخارج ، أو إشارة

٢٧٦

هذا كله حال المعاملات.

وأمّا العبادات :

فملخّص الكلام فيها : أنّه إذا أوقع الجاهل عبادة عمل فيها يقتضيه البراءة ؛ كأن صلى بدون السورة ، فان كان حين العمل متزلزلا في صحة عمله ، بانيا على الاقتصار عليه في الامتثال ، فلا إشكال في الفساد وإن انكشف الصحة بعد ذلك ، بلا خلاف في ذلك ظاهرا ،

______________________________________________________

إلى ما ذكرناه : من ان السيرة جرت على عدم تغيير السابق بسبب تغيير الاجتهاد والتقليد وان كان آثار السابق باقيا ، أو هو إشارة إلى غير ذلك مما ذكره بعض الشراح والمحشين.

(هذا كله حال المعاملات) بالمعنى الأعم الشامل للايقاعات والأحكام أيضا.

(وأمّا العبادات : فملخص الكلام فيها : انه إذا أوقع الجاهل عبادة عمل فيها يقتضيه البراءة) أو الاستصحاب ، أو التخيير ، من دون فحص (كأن صلى بدون السورة ، فان كان حين العمل متزلزلا في صحة عمله ، بانيا على الاقتصار عليه في الامتثال) لا على الفحص بعد العمل (فلا إشكال في الفساد وان انكشف الصحة) بأن انكشف (بعد ذلك) اجتهادا وتقليدا : ان ما أتى به سابقا في حال جهله كان جامعا لجميع أجزاء المأمور به وشرائطه ، وفاقدا لكل الموانع والقواطع.

وعليه ، فانكشاف الجامعية في عبادة الجاهل بعد إتيانه بها ، لا يكشف عن صحتها (بلا خلاف في ذلك ظاهرا).

وإنّما يكون باطلا وان كان جامعا للأجزاء والشرائط وفاقدا للموانع والقواطع

٢٧٧

لعدم تحقق نيّة القربة ، لأنّ الشاك في كون المأتي به موافقا للمأمور به كيف يتقرب به؟ وما ترى من الحكم بالصحّة فيما شك في صدور الأمر به على تقدير صدوره ، كبعض الصلوات والأغسال التي لم يرد بها نصّ معتبر ، وإعادة بعض العبادات الصحيحة ظاهرا

______________________________________________________

(لعدم تحقق نيّة القربة) من الشاك (لأنّ الشاك في كون المأتي به موافقا للمأمور به ، كيف يتقرب به؟) فان الانسان إذا لم يعلم بأن هذا العمل يقرّبه إلى مولاه ، لا يتمكن أن يقول في نفسه : اني أعمل هذا العمل متقربا به إلى المولى واقعا.

لا يقال : ان كان المشكوك لا يمكن التقرب به ، فكيف يتقرب في الاحتياطات الواجبة ، كما لو كان الشك في المكلّف به ، مثل : دوران أمر الصلاة بين الظهر والجمعة ، أو دوران أمر القبلة بين أربع جهات؟ أم كيف يتقرب في الاحتياطات المستحبة ، كما لو كان الشك في غير المكلّف به ، مثل : بعض الأغسال والصلوات المندوبة ، أو إعادة العبادات السابقة استحبابا ، مع وضوح رجحان الاحتياط في كل ذلك ، وتسليمه عند الجميع؟.

لأنّه يقال : بأن هناك فرقا بينهما كما قال : (وما ترى من الحكم بالصحّة فيما شك في صدور الأمر به) من العبادات حيث يحكم الفقهاء بصحته (على تقدير صدوره) أي : صدور الأمر به في الواقع (كبعض الصلوات والأغسال التي لم يرد بها نصّ معتبر) فان الفقهاء يحكمون بصحة الاحتياط فيه استحبابا مع كونه مشكوكا ، وذلك للتسامح في أدلة السنن.

(و) كذا ما ترى من الحكم بصحة (إعادة بعض العبادات الصحيحة ظاهرا) على ما يفعله بعض المقدسين حيث يعيدون عباداتهم لاحتمال خلل في تلك العبادات التي أتوا بها سابقا ، كما نقل من إعادة العلامة وبعض الفقهاء الآخرين

٢٧٨

من باب الاحتياط ، فلا يشبه ما نحن فيه ، لأن الأمر على تقدير وجوده هناك لا يمكن قصد امتثاله إلّا بهذا النحو ، فهو أقصى ما يكون هناك من الامتثال ، بخلاف ما نحن فيه حيث يقطع بوجود أمر من الشارع ، فان امتثاله لا يكون إلّا باتيان ما يعلم مطابقته له ، وإتيان ما يحتمله لاحتمال مطابقته له لا يعدّ إطاعة عرفا.

______________________________________________________

عباداتهم مرة أو مرّات (من باب الاحتياط) استحبابا لادراك الواقع.

وكذا ما ترى من الحكم بصحة عملين أو أكثر مما يعلم بوجود الواقع بينهما كالصلاة عند اشتباه القبلة ، فانه يصح التقرب بالمشكوك في كل ذلك بدون المشكوك فيما نحن فيه ، للفرق بينهما (فلا يشبه) ذلك (ما نحن فيه) من إتيان الجاهل بالعبادة شاكا في صحتها وسقمها.

وإنّما لا يشبه ذلك ما نحن فيه (لأن الأمر على تقدير وجوده هناك) أي : في الموارد المذكورة : كالشك في المكلّف به ، والصلوات المستحبات ، وما أشبه ذلك (لا يمكن قصد امتثاله إلّا بهذا النحو) من الامتثال ، لعدم القطع بوجود أمر من الشارع هناك (فهو) أي : هذا الاحتياط (أقصى ما يكون هناك من الامتثال) لأنه لا امتثال وراء ذلك ، ولهذا يصدق عليه الطاعة عرفا.

(بخلاف ما نحن فيه) من عبادة الجاهل (حيث يقطع بوجود أمر من الشارع ، فان امتثاله لا يكون إلّا باتيان ما يعلم) أو يظن ظنا معتبرا (مطابقته له) أي : لذلك الأمر الموجود من الشارع ، فيلزم العلم بالمطابقة حتى يتمكن من الجزم بقصد القربة ، والعلم بالمطابقة لا يحصل إلّا عن طريق الاجتهاد أو التقليد ، ولذلك فان ترك الاجتهاد والتقليد (وإتيان ما يحتمله) مأمورا به من الشارع (لاحتمال مطابقته) أي : مطابقة ما يأتي به (له) أي : لأمر الشارع (لا يعدّ إطاعة عرفا).

٢٧٩

وبالجملة : فقصد التقرب شرط في صحة العبادة إجماعا ، نصّا وفتوى ، وهو لا يتحقق مع الشك في كون العمل مقرّبا.

وأمّا قصد التقرب في الموارد المذكورة من الاحتياط فهو غير ممكن على وجه الجزم ، والجزم فيه غير معتبر إجماعا ،

______________________________________________________

لكن يمكن أن يقال : إنّ إمكان الجزم بقصد القربة وعدم إمكان الجزم به ، ليس فارقا بعد إمكان الاتيان بالعبادة المحتملة بقصد الرجاء ، ولا دليل على أكثر منها ، مؤيدا ذلك بأن الجاهل إذا ظهر له مطابقة عمله لفتوى المجتهد ، أو اجتهد فظهر له مطابقة عمله لاجتهاده فرح على إتيانه بالعمل المطلوب للمولى ، مما يدل على ان الفطرة تشير إلى كفاية مثل ذلك.

نعم ، إذا لم يتطابق عمله للواقع ، ولم يكن مستندا إلى اجتهاد أو تقليد حال العمل ، حق للمولى عقابه على مخالفته للواقع وعدم استناده إلى اجتهاد أو تقليد ، ومعلوم : ان هذا بحث آخر.

(وبالجملة : فقصد التقرب) على نحو الجزم (شرط في صحة العبادة إجماعا نصّا وفتوى) على ما يراه المصنّف (وهو لا يتحقق مع الشك في كون العمل مقرّبا) فلا بد من إزالة الشك ، ولا يزول الشك فيما نحن فيه إلّا بالاجتهاد أو التقليد ، فاذا لم يكن أحدهما حين العمل وقع باطلا ، وهذا أصل يجب أن يبني عليه.

(وأمّا قصد التقرب في الموارد المذكورة من الاحتياط) الواجب أو المستحب (فهو غير ممكن على وجه الجزم) لأنه لا يعلم بالحكم جزما ، فكيف يقصد القربة جزما؟.

وهذا (والجزم فيه) أي : في مورد لم يمكن الجزم فيه (غير معتبر إجماعا ،

٢٨٠