حاشية فرائد الأصول - ج ٢

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-089-6
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ٢ الجزء ٣

المركب كالركوع في كل ركعة من الصلاة واحدا بشرط عدم الزيادة عليه ، وإما أن يكون واحدا لا بشرط الزيادة وعدمها ، وإما أن يكون المعتبر طبيعة الجزء مطلقة ، وقد جعل المصنف في المتن الشق الأول خارجا عن مسألتنا بزعم أنه راجع إلى النقيصة ، وقد مرّ حكمها في المسألة الأولى من المسائل الثلاثة ، وفيه تأمل لصدق الزيادة عليه جزما وإن أوجب مع ذلك فقدان شرط الجزء أيضا وفساده بانتفاء شرطه ونفى الإشكال في عدم الفساد بالنسبة إلى الشق الثاني ، وفيه أيضا تأمل بل هو محل الإشكال كما سيظهر ، فانحصر محلّ الإشكال عنده في الشق الثالث ظاهرا ، فتدبّر.

ثم قد تكون الزيادة في الكمية كالأقسام المذكورة ، وقد تكون في الكيفية كأن يأتي بالجزء المندوب بقصد الوجوب كما قيل ، وفيه تأمّل ، ولو مثّل بجعل الجهر واجبا في أذكار الصلاة تشريعا مثلا كان أقرب ولا يخلو عن تأمل أيضا.

ثم إنّ حكم الأقسام المذكورة ، أما في المركب التوصّلي فالتحقيق أنّ الأصل عدم بطلان المركب بزيادة الجزء بأقسامها إلّا أن يكون بزيادة جزء معتبر فيه متّحدا بشرط عدم الزيادة عليه فإنّه يفسد بفقدان شرطه ، أو يكون الزيادة فعلا كثيرا مثلا بحيث يوجب عدم صدق المركب مع هذه الزيادة ، ووجه أصل الحكم واضح ، لأنّ المفروض أنّ المركب توصلي يحصل على أي نحو وقع في الخارج ويكون الزيادة وقصدها لو نواها في ابتداء العمل لغوا محضا ، نعم يبقى احتمال كون الزيادة المفروضة مانعا جعليا أو واقعيا لكنه منفي بأصالة البراءة عن مانعيتها ، وأما في التعبدي فإن اعتبر في الجزء كالسورة في الصلاة مثلا اشتراط عدم الزيادة على الفرد المعبّر عنه بالقرآن بين السورتين فلا إشكال في البطلان باعتبار فقد الشرط ، وإن اعتبر طبيعة الجزء في المركّب وأتى بفردين من هذه الطبيعة فلو فرض أنه أتى بالفردين دفعة في صورة إمكانه فالتحقيق

٤٢١

عدم البطلان لعدم تحقّق الزيادة حقيقة ، إذ لا فرق بين حصول الطبيعة في ضمن فرد واحد أو في ضمن فردين في حصول الامتثال بنفس الطبيعة سواء كانت مأمورة بالأمر النفسي أو بالأمر الغيري كما نحن فيه كما حقق ذلك في مبحث المرة والتكرار ، ويمكن حمل قوله (رحمه‌الله) في المتن كما أنه لو أخذ في الشرع لا بشرط الوحدة والتعدد فلا إشكال في عدم الفساد انتهى ، على إرادة هذا القسم في هذه الصورة ، وحينئذ لا يرد عليه ما أوردنا سابقا فتدبّر ، نعم لو كان إيجاد الطبيعة بإتيان الفرد الثاني بعد إتيان الفرد الأول فإنّه داخل في الزيادة لحصول الامتثال بالفرد الأول ، ولا يجوز الامتثال عقيب الامتثال لسقوط الأمر بإتيان الفرد الأول وسنتكلم عليه إن شاء الله.

وإن اعتبر الجزء فردا لا بشرط عدم الزيادة عليه أو اعتبر الطبيعة جزءا وأتى بفردين منه تدريجا ففي هاتين الصورتين يقع الإشكال ، وكذا لو زاد في المركب شيئا من غير سنخ الأجزاء المعهودة ، فنقول لو قصد ذلك الزائد في ابتداء العمل بأن نوى الإتيان بالمركب المشتمل على هذا الجزء الزائد فلا إشكال في بطلان العمل لأجل فساد نيّته لأنه لم يقصد المأمور به وإنما قصد غيره تشريعا أو اعتقادا ، ولا فرق فيه بين الأقسام المتصوّرة ، وأما إذا قصد الزيادة في الأثناء فالأصل عدم تحقق بطلان المركب بهذه الزيادة ، واحتمال مانعيتها مدفوع بأصل البراءة ، نعم لو فرض أنه قصد في أثناء الركعة مثلا زيادة جزء في آخر الركعة ومضى على هذا القصد في الصلاة إلى آخر الركعة كان ما أتى به بعد القصد المذكور فاسدا لأنه أتاه بقصد غير المأمور به ، إلّا أن ذلك لا يضرّ بما نحن بصدده من بطلان أصل المركب ، غاية الأمر وجوب تدارك الأجزاء الفاسدة بإتيانها ثانيا على الوجه الصحيح لو كان في محلّه ، نعم لو فات محله بأن أتمّ الصلاة مع هذا الحال من غير تدارك بطلت صلاته لعدم الإتيان بتمام أجزائها

٤٢٢

على النحو الصحيح ، هذا.

وقد ظهر مما ذكرنا أنه لا فرق بين الأقسام الثلاثة المذكورة في المتن إذ لو نوى الزيادة من أول العمل كان باطلا في الجميع ، ولو نواها في الأثناء لم يقتض مجرد ذلك البطلان على التفصيل المذكور ، ففرق المصنف بين الصورة الأولى والأخيرتين غير واضح ، كما أن تسويته حكم الصورة الأولى بين قصد الزيادة من الأول أو في الأثناء أيضا محل نظر.

قوله : ومرجعها إلى الشك في شرطية عدمها (١).

قد مرّ مرارا أن كون الشيء مانعا يغاير كون عدمه شرطا ولا يرجع أحدهما إلى الآخر فتذكّر ، لكن لا يتفاوت الأمر هنا من حيث جريان البراءة.

قوله : وقد يستدل على البطلان بأنّ الزيادة تغيير لهيئة العبادة (٢).

يمكن أن يكون مراد المحقق من هذا الاستدلال عين ما ذكره المصنف في وجه البطلان في القسم الأول من الأقسام المذكورة في المتن من أنّ المركّب المشتمل على هذه الزيادة غير مأمور به وما أمر به لم يقصد الامتثال به ، بل قد يدّعى ظهور عبارة المحقق في ذلك ، فتأمل.

قوله : وإن كان صحة الأجزاء السابقة منها فهي غير مجدية (٣).

يستفاد من كلامه من أوله إلى آخره عدم معقولية فساد الأجزاء السابقة بالمرة ، بدعوى أنّ ما وقع في الخارج فقد وقع على الوجه الذي وقع لا يمكن انقلابه عن وجه وقوعه إلى غيره ، فإذا فرض وقوعها صحيحة لا يمكن انقلابها

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٧١.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٣٧١.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٣٧٢.

٤٢٣

باطلة ، بل صحّتها باقية أبد الدهر لا نحتاج في إثباتها إلى الاستصحاب ، وإنما الشك في صحة الأجزاء الباقية بعد فعل الزيادة المفروضة ولا يمكن إحرازها لا بالاستصحاب ولا غيره والأصل عدم صحّتها ، ونظير ذلك في المحسوسات أنه لو أمر المولى عبده ببناء بيت مثلا فأخذ العبد في تأسيس الأساس وبناء الجدران ثم حصل مانع عن إتمامه فإنّ المقدار المأتي به من الأساس والجدران صحيح في حدّ نفسه لم يطرأ عليه ما يفسده وإنما المانع منع عن الباقي ، فصحّة القدر المأتي به لا ينفع في إتمام الباقي بعد عروض المانع قطعا أو احتمالا.

لكن فيه أوّلا : منع بقاء صحة الأجزاء السابقة دائما ، بل يمكن بطلانها واقعا وارتفاع قابليتها للحوق الأجزاء الباقية وبيان ذلك : أنّ المانع في الأثناء يتصور على وجوه ثلاثة :

الأول : أن يكون مانعا عن الأجزاء السابقة فقط بمعنى تأثيره فيها بسلب وصف الصحة وقابليتها عن لحوق الأجزاء الباقية ، فإنّ ذلك أمر معقول يحمل عليه ظواهر ألفاظ الفساد والبطلان والنقض ونحوها الواردة في الأخبار وكلمات الأخيار ، وهو نظير حبط الأعمال الصحيحة التامة الأجزاء والشرائط فإنّ التحقيق أنه أمر معقول يحمل عليه ظواهر الآيات والأخبار لا تحتاج إلى التأويل ، ونظيره في المحسوسات ما لو فرضنا في المثال المذكور أنه حدث حادث أوجب هدم ما بناه العبد من الأساس والجدران ، فعدم إمكان إتمام البيت لأجل عدم الجدران والأساس.

الثاني : أن يكون مانعا عن لحوق الأجزاء الباقية فقط ، ولازمه بقاء صحة الأجزاء السابقة واقعا كما ذكره المصنف ويماثله المثال المذكور أوّلا في الحس.

٤٢٤

الثالث : أن يكون مانعا عن الأجزاء السابقة واللاحقة معا. وحينئذ نقول لو شكّ في كون الزيادة المفروضة في مسألتنا من قبيل الأول فلا مانع من إجراء أصالة الصحة واستصحاب بقائها ، لأنّ المفروض أنّ جهة الشك منحصرة في بقاء الصحة للأجزاء السابقة بحيث نعلم أنّ الأجزاء اللاحقة على تقدير صحة الأجزاء السابقة تلحقها ويتمّ بها المركب ، لكن هذا مبني على ما هو التحقيق من الحكم بصحة كل جزء جزء من المركّب حين وقوعه ، لأنّ كل جزء من المركب مأمور به بأمر غيري بل بأمر نفسي في ضمن الأمر بالمركّب ، فكلّما أتى بجزء فقد امتثل أمره وسقط الأمر وهو مأمور بالبقية وهكذا إلى أن يتم المركب ، وعليه يمكن دعوى صحة العمل واقعا إلى حين المانع أو محتمل المانعية فيجري الاستصحاب ، وأما لو قلنا على خلاف التحقيق إن امتثال المركب بجميع أجزائه لا يحصل إلّا بالإتمام كما قيل حتى أنّ الجزء الأول يكون اتصافه بوصف الصحة وحصول الامتثال للأمر المتعلّق به عند الإتيان بآخر أجزاء المركب نظير الإجازة على القول بالنقل فلا يجري الاستصحاب ، لأنّ الصحة ليست متيقّنة حتى يمكن استصحابه بل متيقّنة العدم ، ولو شكّ في كون الزيادة المفروضة من قبيل الثاني فهو كما ذكره المصنف ، ولو شك في كونها من قبيل الثالث فإنه وإن أمكن إجراء أصالة الصحة بالنسبة إلى الأجزاء السابقة لكنه لا ينفع لإثبات صحة الأجزاء اللاحقة كما لا يخفى.

وثانيا : سلّمنا بقاء الصحة الشأنية بالمعنى الذي ذكره أبدا وليس محلا للاستصحاب ولا ينفع القطع بها أيضا في إحراز صحة بقية الأجزاء ، لكن الشك فيما نحن فيه في بقاء الصحة والقابلية الفعلية المتيقّنة قبل فعل الزيادة فيمكن استصحابها ، وبيان ذلك أنه لو عرض مانع كالحدث مثلا في أثناء الصلاة فلا شكّ في أنه لا يجوز إتمام هذه الصلاة ، لكنّ المفروض أنّ الأجزاء السابقة صحيحة

٤٢٥

موافقة لأمرها ومع ذلك يجب إعادة الصلاة بطهارة جديدة ، فلا جرم يكون الأمر بالإعادة لفوات الأجزاء اللاحقة فيؤمر بإتيانها وإلّا فالأجزاء السابقة قد وقعت صحيحة ، وحينئذ نقول بعد القطع بأنّ الأجزاء اللاحقة لا تصحّ منفردة عن السابقة ، إنّ إتيان الأجزاء السابقة ثانيا في ضمن المركب لا يخلو من كونه إما مقدمة لتحصيل الواجب من الأجزاء اللاحقة بلا أمر أصلا ، ضرورة سقوط الأمر المتعلّق بها بامتثالها في الصلاة الفاسدة وهو كما ترى بديهي الفساد ، كما أنّ الالتزام بعدم إمكان امتثال الأمر المتعلّق ببقية الأجزاء لكونه متوقّفا على إعادة الأجزاء السابقة غير الممكنة بلا أمر متعلق بها أيضا بديهي الفساد ، وإما لعود الأمر الأول الذي سقط سابقا بالامتثال وذلك لأجل صيرورة الامتثال الأول بمنزلة عدم الامتثال في الثمرة ، وبعبارة أخرى صار لغوا بلا فائدة في صيرورته جزءا للمركب التام ، وهذا هو الوجه الذي لا مفرّ منه ، ولذا لو أتى ببعض أجزاء المركب كالوضوء مثلا لا يمكن رفع اليد عنه واستئناف الوضوء لسقوط أمر الجزء المأتي به إلّا بعد إبطال ذلك الجزء بفوات الموالاة ونحوه ، وحينئذ يعود الأمر الأول لأنّ امتثاله السابق صار بحكم عدم الامتثال ، هذا حال عروض المانع القطعي ، وحينئذ نقول لو شكّ في عروض المانع كان مرجعه إلى الشك في صيرورة الأجزاء السابقة لغوا بلا فائدة بعد اليقين بأنها لم تكن كذلك قبل عروض العارض ، فالأصل بقاؤها على الحالة السابقة قبل طروّ المشكوك وهي القابلية الفعلية ، وأما القابلية الشأنية بمعنى أنها بحيث لو لم يعرض لها مانع واقعا ولحق بها الأجزاء الباقية حصل الامتثال بالمركب وأثّر في سقوط القضاء ، فهو باق أبدا بلا ثمرة ولا فائدة.

٤٢٦

قوله : نعم إن حكم الشارع على بعض الأشياء بكونه قاطعا للصلاة ، إلخ (١).

سيأتي في المتن جوابه بجميع الاحتمالات ومحصّله مع توضيحه : أنه إن أريد باستصحاب الهيئة الاتصالية استصحاب بقاء قابلية الأجزاء السابقة للحوق بقية الأجزاء فهو من الأصل المثبت ، وإن أريد به استصحاب نفس الهيئة الاتصالية التي هي عرض قائم بالشيئين المتغايرين ، فإن أريد به اتصال الأجزاء السابقة بعضها مع بعض فهو متيقّن لا مشكوك ، وإن أريد به اتصال الأجزاء السابقة مع اللاحقة فإنّ الشك في وجوده لا بقائه ، بل نقول إنه متيقن العدم إذ لا يتحقق النسبة بين الشيئين إلّا بعد وجودهما ، فقبل وجود أحد المنتسبين وهو الأجزاء اللاحقة وجود النسبة متيقن العدم فينبغي أن يستصحب عدم الاتصال أعني عدم وجود الهيئة الاتصالية التي شرط في الصلاة ، وهذا بعينه نظير استصحاب الموالاة على القول بأنها اتصال بعض الأجزاء مع بعض عقلا أو عرفا فإنه لا يمكن إحراز هذا الأمر النسبي بالاستصحاب بل يجري استصحاب عدمه على ما عرفت ، ولو قيل بأنّ الموالاة عبارة عن عدم مضي زمان طويل بعد الجزء السابق عند إتيان الجزء اللاحق ، فإذا شك في حصول الزمان الطويل عند إرادة إتيان الجزء اللاحق فينفى بالأصل فيحرز الموالاة بالأصل ، ويمكن أن يقال بمثله فيما نحن فيه أيضا بأن يقال إنّ المراد بالهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة أن لا يطرأ حاجز وفاصل بين أجزائها ، فإذا زاد جزءا وشك في حصول الفاصل به فالأصل عدمه ، والشرط حاصل فيأتي ببقية الأجزاء.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٧٤.

٤٢٧

قوله : وربما يردّ استصحاب الصحة ، إلخ (١).

الراد صاحب الفصول (قدس‌سره) (٢) في ذيل مبحث الصحيح والأعم ، والتحقيق في جوابه يظهر مما ذكرنا من أنّه لو كان الشك في مانعية الزيادة للأجزاء السابقة فقط يجري استصحاب الصحة وليس من الأصل المثبت في شيء ، ولو كان الشك في مانعيتها للأجزاء اللاحقة فقط فلا وجه لجريان أصل الصحة بالنسبة إليها ، وإن كان الشك في مانعيتها للأجزاء السابقة واللاحقة كلتيهما يجري الأصل بالنسبة إلى السابقة ولا ينفع دون اللاحقة.

قوله : وأما أصالة بقاء الأجزاء السابقة على قابلية إلحاق الباقي بها فلا يبعد كونها من الأصول المثبتة (٣).

يريد به دفع دخل تقريره أنه يمكن توجيه استصحاب الصحة بالنسبة إلى الشك في القاطع بأن يقال الأصل بقاء الأجزاء السابقة على قابلية إلحاق الباقي بها ، فأجاب بأنه من الأصول المثبتة ، لأنّ حصول الهيئة الاتصالية لا يترتب على مجرّد قابلية الأجزاء السابقة بل عليها وعلى فعل الباقي ، فيقال لما كانت القابلية للالحاق باقية بحكم الاستصحاب لزم حصول الهيئة الاتصالية عقلا بواسطة فعل بقية الأجزاء.

لكن يمكن أن يورد عليه بأن يقال نظير ما قرره في الشك في المانعية بأنّ بقاء القابلية للأجزاء السابقة ثابتة أبد الدهر لا يحتاج إلى الاستصحاب ، ولا ينفع في إحراز اتصال بقية الأجزاء إليها ، لأنّ الشك إنما هو في إمكان وصل البقية ،

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٧٥.

(٢) الفصول الغروية : ٥٠.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٣٧٦.

٤٢٨

بل هذا التقرير هاهنا أوضح من الشك في المانعية ، وإن أريد استصحاب القابلية الفعلية ففي المقامين سواء أيضا ، فتأمل.

قوله : اللهمّ إلّا أن يقال (١).

هذا دفع للخدشة في استصحاب بقاء الهيئة الاتصالية بأن يقال إنّ المستصحب وهو الهيئة الاتصالية وإن لم يكن متيقّنا في السابق حقيقة باعتبار عدم وجود أحد المنتسبين على ما قرّرناه سابقا لكن أهل العرف يجعلونها موجودة بالمسامحة ، كما أنّ الماء الذي أخذ منه مقدار يشك في بقاء كرّيته وإن لم يكن نفس ما كان متيقّن الكرّية في السابق لكنّه يعدّ نفس الموضوع السابق عرفا بالمسامحة.

وفيه أوّلا : أنّ الفرق بين المثالين واضح ، لأنّ الكرّية متيقّنة في السابق في هذا الموضوع بالمسامحة بخلاف الهيئة الاتصالية بين الأجزاء السابقة واللاحقة فلم يكن ذلك متيقّنا في السابق قط.

وثانيا : أنّ صحة استصحاب الكرية أيضا محلّ منع على التحقيق إذا أخذ من الماء المتيقّن الكرية مقدار معتدّ به لعدم بقاء الموضوع ، نعم يجري استصحاب معصومية شخص هذا الماء الباقي المتيقّنة حين اتصاله بالماء المأخوذ لكونه كرا أو جزءا للكر ، وهذا يفيد ما يراد من استصحاب الكرية.

قوله : ويقال في بقاء الأجزاء السابقة (٢).

كأنه يريد منع الإثبات بكون الواسطة خفية ، وهو محلّ منع كما أشار إليه بقوله فافهم.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٧٦.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٣٧٦.

٤٢٩

قوله : وهو مستلزم لصحتها ولو بالإجماع المركّب أو عدم القول بالتفكيك بينهما (١).

يعني أنّ النهي عن الإبطال بظاهره دال على صحة العمل الذي لم يعرضه الإبطال بالمضيّ فيه ، ولو سلّم عدم الظهور يتم الملازمة بين وجوب المضيّ والصحة بعدم القول بالفصل أو الإجماع المركّب ، لكن لم يعلم وجه ترديد الماتن بين الإجماع المركّب وعدم القول بالفصل.

ويرد على الاستدلال بالآية ـ مضافا إلى ما سيجيء في المتن ـ أنه لو سلّمنا أنّ معناها النهي عن مطلق رفع اليد عن العمل الذي اشتغل به فإنه لا يفيد الصحة ، لأنّ مرجعه إلى حكم تعبّدي بوجوب الاتمام ، اللهمّ إلّا أن يتمّ الإجماع المركّب الذي ادّعاه المستدل ، وفيه منع ظاهر يكفي في سنده مثال الصوم والحج على قول ، نعم لو حمل النهي عن الإبطال ووجوب الإتمام على إتمام العمل بالعنوان الذي شرع فيه بمعنى جعله مصداقا للمأمور به دلّ على الصحة لا محالة ، لكن يرد عليه أنّ هذا العموم مخصّص قطعا بالأعمال الباطلة الواقعية ، وبعد طروّ ما يشكّ في إبطاله للعمل كالزيادة فيما نحن فيه يكون الشك في مصداق المخصّص فلا يتمسك فيه بالعموم فتدبّر.

قوله : وأضعف منه استصحاب وجوب إتمام العمل (٢).

كان الأولى للمستدلّ أن يتمسّك باستصحاب جواز الإتمام أعني الجواز الوضعي ليعمّ سائر المركبات التي لم يعلم حرمة قطعها أو علم عدم حرمة قطعها.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٧٧.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٣٨٠.

٤٣٠

قوله : وربما يجاب عن حرمة الإبطال (١).

قيل إنّ المجيب صاحب الرياض (رحمه‌الله) لكنا لم نجد هذا الجواب منه في كتاب الرياض في مبحث الخلل ، ولعله ذكره في غيره أو في غير الرياض.

قوله : على تقدير العمل باستصحاب وجوب الإتمام يحصل بالاتمام (٢).

هذا الجواب حق على تقدير تسليم ما ذكره من أنّ مرجع وجوب الإتمام إلى إيجاب امتثال الأمر بالكلي في ضمن هذا الفرد ، لكنه في محل المنع ، بل الظاهر من وجوب الإتمام المستفاد من حرمة القطع مجرّد التكليف بالإتمام وعدم رفع اليد عن العمل الذي شرع فيه ، وكذا لو استند فيه إلى الإجماع فإنّ القدر المتيقّن منه هو ذلك لا وجوب جعل الامتثال في هذا الفرد ، وحينئذ فاستصحاب وجوب الإتمام أيضا لا يفيد أزيد من هذا المعنى ، فلا يحصل البراءة اليقينية إلّا بالإعادة كما ذكره المجيب.

قوله : وعلى تقدير عدم العمل به يحصل بالإعادة من دون الإتمام (٣).

لقائل أن يقول على تقدير عدم العمل بالاستصحاب أيضا يكون الحق في مختار المجيب ، لمكان العلم الإجمالي بين وجوب الإتمام وتحصيل الامتثال بهذا الفرد وبين وجوب الإعادة ، إذ يدور الأمر بين فساد هذا الفرد المستلزم للإعادة وصحته المستلزم لوجوب الإتمام ، وهما متباينان يجب الإتيان بهما

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٨١.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٣٨١.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٣٨١.

٤٣١

تحصيلا للبراءة اليقينية عن الاشتغال بإحدى الخصوصيتين المعلوم بالإجمال.

لا يقال : إنّ هذا العلم الإجمالي ينحل إلى علم تفصيلي بوجوب الإتيان بطبيعة الصلاة وشك بدوي بوجوب إتمام هذا الفرد المشكوك الصحة.

لأنّا نقول : ليس كذلك لأنّ الفرد الذي اشتغل به قد حصل به امتثال الطبيعة باعتبار الأجزاء التي أتى بها على تقدير صحة هذا الفرد وإنما هو مأمور بإيجاد الطبيعة باعتبار بقية الأجزاء ، فرجع الأمر بالأخرة إلى العلم بأنه إما أن يجب عليه الإتمام الذي هو بعض الصلاة أو الإعادة التي هي تمام الصلاة ، ولا جامع بينهما يعلم به تفصيلا ليكون الزائد عليه مشكوكا فيه.

قوله : واحتمال وجوبه وحرمة القطع مدفوع بالأصل ، إلخ (١).

لقائل أن يقول إنه ليس هذا من قبيل الشك في أصل التكليف ليكون محلا للبراءة ، بل من قبيل الشك في الفراغ عن التكليف المتيقّن ، فيكون موردا لقاعدة الشغل بيان ذلك : أنه قد يكون الشك في وجوب الإتمام ناشئا عن الشك في فقدان شرط لأصل التكليف كما لو شك الصائم في أثناء النهار في أنه يجب عليه إتمام صومه أم لا من جهة الشك في كون مرضه مضرا بالصوم أم لا ، أو من جهة الشك في أنّ الدم الذي رأته المرأة حيض أم لا ، فمع قطع النظر عن الاستصحاب الموضوعي لو كان جاريا يكون مرجع شكه إلى الشكّ في أنه مكلف بالصوم في هذا اليوم أم لا ، فتجري قاعدة البراءة ، وقد يكون شكّه في وجوب الإتمام ناشئا عن إتيان فعل اختياري يحتمل كونه مفسدا وهو عالم بكونه مكلفا جزما وعلى تقدير فساد عمله يكون قد خالف تكليفه بإفساده له ، فلا شكّ أنه والحال هذه مورد لقاعدة الشغل لأنه كان مكلّفا بوجوب الإتمام يقينا وعدم إفساده وعدم

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٨١.

٤٣٢

قطعه ، والبراءة منه لا يحصل بقدر الإمكان بحكم العقل إلّا بالإتمام لأنّ التكليف معلوم وإنما الشك في حصول المسقط ، وما نحن فيه من الزيادة العمدية من هذا القبيل ، فيجب عليه الإتمام بقاعدة الشغل من قبل التكليف الثابت بوجوب الإتمام ويجب عليه الإعادة بقاعدة الشغل بالتكليف بأصل الصلاة هذا.

وقد عرفت في الحاشية السابقة أنه على تقدير جريان أصالة البراءة عن وجوب الإتمام في حدّ نفسه أيضا يجب الاحتياط بالإتمام ثم الإعادة بمقتضى العلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين ، ومن هنا أوجب الاحتياط صاحب الجواهر (رحمه‌الله) تبعا للمحقق (رحمه‌الله) وغيره في رسالة نجاة العباد في فروع يشبه ما نحن فيه وتبعه الماتن وتلميذه المحقق الميرزا الشيرازي بإمضائهما ما اختاره صاحب الجواهر من الفروع ما لو علم بأنه ترك سهوا في صلاته سجدتين لكنه لم يعلم أنه كان من ركعتين حتى تكون صلاته صحيحة أو من ركعة لتكون باطلة فحكم بوجوب الإتمام وقضاء سجدتين وسجدتي السهو مرتين ثم إعادة الصلاة.

لا يقال : إنّ الشك في وجوب الإعادة مسبب عن الشك في وجوب الإتمام ، فلو أجرينا أصالة البراءة عن وجوب الإتمام في الشك السببي يرتفع الشك المسبب على ما هو مقرر في محلّه ، فيتعيّن وجوب الإعادة فقط فيرجع الأمر إلى ما ذكره في المتن.

لأنا نقول : وجوب الإعادة ليس من الآثار الشرعية الثابتة لعدم وجوب الإتمام حتى يثبت بأصالة البراءة عن وجوب الإتمام ، وإنما هو بحكم العقل من بقاء التكليف بأصل الصلاة بالأمر الأول ، فلا يتم ما ذكرت إلّا على القول بحجية الأصول المثبتة التي لا نقول بها.

٤٣٣

ولكن التحقيق مع ذلك كله صحّة ما في المتن من الاكتفاء بالإعادة وعدم وجوب الإتمام من جهة عدم اعتبار العلم الإجمالي المذكور بأحد الأمرين من تعيين الإتمام وتعيين الإعادة ، وذلك لما ذكره المصنف في ثالث تنبيهات الشبهة المحصورة من أنّ اعتبار العلم الإجمالي إنما يكون إذا كان موجبا لثبوت تكليف على كل تقدير ، فلو علم إجمالا بوقوع قطرة من البول في أحد الإناءين اللذين يعلم بكون أحدهما المعيّن بولا مثلا ، لم يؤثر العلم المذكور وجوب الاجتناب عن الإناء الآخر ، لأنّ الشك فيه يرجع إلى الشبهة البدوية ، وهكذا نقول فيما إذا كان أحد الإناءين مستصحب النجاسة ، والضابط أنّ العلم الإجمالي لا يؤثّر فيما إذا كان حكم بعض أطرافه في نفسه مع قطع النظر عن العلم الإجمالي موافقا للاحتياط الذي يحكم به بمقتضى العلم الإجمالي ، وحينئذ نقول فيما نحن فيه إنّ العلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين على التعيين من الإتمام والإعادة لا يؤثّر في الحكم بوجوب الإتمام ، لأنّ الأصل فيه وإن كان هو البراءة بالفرض لكن الأصل بالنسبة إلى الإعادة هو الاشتغال مع قطع النظر عن هذا العلم الإجمالي من جهة العلم باشتغال الذمة بكلي الصلاة والشك في حصول الفراغ منه بمجرّد الإتمام بعد فعل الزيادة ، وهكذا نقول في الفروع التي ذكرها صاحب الجواهر كما أشرنا إلى بعضها فافهم واغتنم.

قوله : بل لا احتياط في الإتمام مراعاة لاحتمال وجوبه (١).

يعني بذلك نفي الاحتياط المطلق وإلّا فلا ريب أنه يحصل بالإتمام الاحتياط في الجملة ، بل قد ذكرنا سابقا في مسألة دوران الأمر بين الوجوب والحرمة مع أنّهم أطلقوا القول بعدم إمكان الاحتياط فيها أنه يمكن الاحتياط

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٨١.

٤٣٤

في الجملة بأن يقصد مما يختاره من الفعل أو الترك رجاء إدراك الواقع به.

قوله : ولا شكّ أنّ هذا الاحتياط على تقدير عدم وجوبه أولى من الاحتياط المتقدّم (١)

إنّ تعارض الاحتياطين يتصور على صور : إذ قد يكونان وجوبيين أو ندبيين وقد يكون أحدهما وجوبيا والآخر ندبيا ، ولا ريب في الأخير في تقديم الاحتياط الوجوبي لوجوبه على الاحتياط الندبي وهو واضح ، وأما الأولان ففي ترجيح أحدهما يحتاج إلى مرجّح ، ويظهر من المتن أن الاحتياط بالنسبة إلى الشك في المكلّف به أرجح من الاحتياط بالنسبة إلى الشك في التكليف. وربما يورد عليه بمنع الترجيح بذلك بمجرّده ، لأنّ في مراعاة كل منهما موافقة قطعية لخطاب الشارع من جهة ومخالفة احتمالية من جهة أخرى ، نعم يمكن أن يرجّح أحدهما على الآخر بقوة الاحتمال فيه بالنسبة إلى الآخر ، ففيما نحن فيه نقول إنّ احتمال وجوب الإتمام أقوى من احتمال اعتبار الجزم في النية فيقدّم عليه لأنه أهم في نظر العقل ، ويمكن أن يرجّح مراعاة الجزم باعتبار احتمال كون الإخلال به إخلالا بأصل الواجب المعلوم بخلاف احتمال وجوب الإتمام فإنّ الإخلال به إخلال بالواجب المشكوك ، فتأمل.

قوله : ولبيان معنى الزيادة وأنّ سجود العزيمة كيف يكون زيادة في المكتوبة مقام آخر (٢).

التحقيق أن يقال إنه لو أتى في المركّب بفعل بقصد كونه من المركب وأنه جزؤه يصدق عليه الزيادة وإن لم يكن ذلك الفعل من سنخ أجزاء المركب فضلا

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٨١ ـ ٣٨٢.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٣٨٣.

٤٣٥

عن أن يكون من سنخها ، وكذا لو أتى بفعل يكون من سنخ أجزاء المركب وإن لم يكن يقصد جزئيته كما لو زاد في أثناء الصلاة ركعة من صلاة أخرى سهوا بزعم عدم دخوله في الصلاة الأول أو الفراغ عنها مثلا لصدق الزيادة عليه عرفا ، وعليه يحمل كون سجود العزيمة زيادة في المكتوبة ، نعم لو أتى بفعل في أثناء الصلاة لا بقصد الجزئية ولم يكن مماثلا لأجزاء الصلاة لا يعدّ زيادة عرفا ، لكنه ثبت في خصوص الصلاة البطلان ووجوب الإعادة عن مثل ذلك أيضا وإن لم يصدق عليه الزيادة في الصلاة بمعنى الزيادة في أجزاء الصلاة ، وإنما يصدق الزيادة في الصلاة بمعنى زيادة أمر في ضمن الصلاة بحيث يكون الصلاة ظرفا لوجوده كما ورد (١) في شأن مانعية التكتّف للصلاة بأنّه عمل وليس في الصلاة عمل ، وتمام الكلام في الفقه.

قوله : في ذكر الزيادة سهوا التي تقدح عمدا (٢).

بأن يحتمل كون الزيادة السهوية مانعا أو أن يكون عدمها شرطا ، ووجه الشك مع فرض قادحيّتها عمدا أن يدل دليل على أنّ زيادة الجزء الفلاني عمدا مبطل ، أو على أنّ الزيادة في الجملة مبطل مرددا بين كون المراد منها خصوص الزيادة العمدية أو مطلق الزيادة الشاملة للسهوية ، فالقدر المتيقّن منها الزيادة العمدية ويبقى الشك في السهوية منها ، ثم ما ذكره من أنّ مرجع الشك في إخلال الزيادة إلى الشك في إخلال النقيصة نظرا إلى رجوعه إلى الشك في شرطية عدمها قد مرّ ما فيه من منع ذلك وأنه أعمّ منه ومن الشك في مانعية الزيادة إلّا أنّ حكمهما سواء بحسب الأصل على ما عرفت سابقا.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٦٦ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٤.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٣٨٤.

٤٣٦

قوله : وإلّا فاللازم ترجيح قاعدة الاشتغال على البراءة كما لا يخفى (١).

يعني إنّ لم نجوّز الفصل في الحكم الظاهري بأن انعقد الإجماع على التلازم في الحكم الظاهري مثلا أيضا ، كما أنّ التلازم ثابت في الحكم الواقعي مثل ما قيل في المشهور في مسألة الماء المتمم كرا من عدم إمكان اختلاف حكم الماء الواحد بالطهارة والنجاسة ظاهرا بالإجماع على ذلك ، لكنه في مثال ما نحن فيه محلّ منع واضح ، وإلّا فإن أراد عدم جواز الفصل في الحكم الظاهري من جهة سراية التلازم في الحكم الواقعي إلى الظاهر فلا وجه له ، فإنّ التفكيك بين المتلازمين واقعا في الظاهر في الشرعيات فوق حدّ الإحصاء.

ثم إنّ ما ذكره من ترجيح قاعدة الاشتغال على البراءة محلّ نظر بل منع في مثل ما نحن فيه ، وإنما ذلك فيما إذا كان مورد الأصلين شيئا واحدا بأن يكون مجرى البراءة من جهة ومجرى الاشتغال من جهة أخرى ، وأما إذا كانا في موردين كما نحن فيه فلا وجه للترجيح بل يقع التعارض بينهما ، مثلا لو فرضنا الإجماع على التلازم ظاهرا بين وجوب غسل الجمعة وجزئية السورة للصلاة بناء على القول بالاشتغال في الشك في الجزء والشرط فحينئذ يقع التعارض بين أصالة البراءة عن غسل الجمعة وقاعدة الاشتغال بالمركّب ، ولا وجه لترجيح القاعدة على البراءة.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٨٥.

٤٣٧

قوله : فمقتضى «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» والمرسلة المذكورة (١).

كون تعارض عموم لا تعاد وعموم أخبار الزيادة بالعموم من وجه حق على ما وجّهه في المتن ، وأما تعارض المرسلة مع عموم أخبار الزيادة ليس بالعموم من وجه ، لأنّ المرسلة أخصّ مطلقا من أخبار الزيادة ، لأنّ دلالة قوله (عليه‌السلام) «تسجد سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة» (٢) على كل من الزيادة والنقيصة بالنصوصية لا بالعموم لكي يمكن إخراج الزيادة عن تحت عمومه وعن تحت عموم أخبار الزيادة ، فيدور الأمر بينهما ، بل لا بد من ترجيح المرسلة وتخصيص عموم أخبار الزيادة بها هذا ، مع قطع النظر عن لسان حكومتها على أخبار الزيادة كحكومة لا تعاد عليها.

قوله : ثم لو دلّ دليل على قدح الإخلال بشيء سهوا كان أخص من الصحيحة إن اختصت بالنسيان وعممت بالزيادة والنقصان (٣).

توجيه هذه العبارة لا يخلو عن إشكال وإعضال ، إلّا أنا نذكر ما تيسّر لنا في شرحه فنقول : ظاهر لفظ الإخلال بالشيء وإن كان هو النقيصة إلّا أن المقصود منه في العبارة أعم منها ومن الزيادة على الظاهر وإلّا لم يرتبط الكلام بمسألة ما نحن فيه ، وأيضا قوله بعد ذلك والظاهر أنّ بعض أدلة الزيادة مختصة بالسهو قرينة على ذلك ، لأنّ ظاهره أنه يريد به بيان صحّة المقدّم وصدقه ليترتب عليه صدق التالي في الشرطية أعني قوله لو دلّ دليل إلى قوله كان أخصّ إلى

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٨٥.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٥١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣ (مع اختلاف يسير).

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٣٨٦.

٤٣٨

آخره ، وإن احتمل كونه كلاما مستقلا غير مرتبط بما قبله.

ثم ظاهر قوله بشيء هو الشيء المعيّن كالسورة مثلا ، ويحتمل أن يريد به مطلق ما يحصل به الإخلال من نقيصة أيّ جزء يفرض أو زيادته ، ويشهد بذلك قوله والظاهر أنّ بعض أدلة الزيادة مختصة بالسهو ، ضرورة أنّ قوله (عليه‌السلام) «إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة» إلى آخره (١) لا يدل على حكم زيادة الشيء المعيّن.

ثم إنّ قوله كان أخصّ من الصحيحة مشتبه المراد ، فيمكن أن يكون وجه الأخصيّة فرض ذلك الدليل الدال على قدح الإخلال مختصا بالنقيصة والصحيحة أعم منها ومن الزيادة ، ويمكن أن يكون الوجه فرض القادح شيئا معينا كما أشرنا أنه ظاهر عبارة المتن ، وعليه يكون الدليل المفروض أخصّ من الصحيحة مطلقا سواء حملناها على أعم من الزيادة أو على خصوص النقيصة ، ويحتمل بعيدا أن يكون وجه الأخصية فرض الدليل المذكور دالا على قدح الإخلال سهوا يعني مقيدا بالسهو لا مطلق الإخلال الشامل للسهو بالعموم ، وفرض الصحيحة شاملا لعدم الإعادة لمطلق الإخلال أعم من العمد والسهو ، لكن هذا مع أنه خلاف الإجماع مخالف لظاهر الصحيحة أيضا ، إذ على هذا الاحتمال ينحصر أجزاء الصلاة وشرائطها في الخمسة التي تعاد الصلاة منها وهو كما ترى ، اللهمّ إلّا أن يقال لا منافاة بين كون الشيء جزءا أو شرطا إلّا أنّ الإخلال به لا يوجب الإعادة ولو كان الإخلال عمدا عصيانا ، ويقال إنّ ذلك لا ينافي الجزئية ، وفيه تأمّل.

ثم إنّ قوله إن اختصّت بالنسيان أيضا مشتبه المراد ، فيمكن أن يكون قيدا

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١.

٤٣٩

للصحيحة إلّا أنه مستدرك ، إذ لا دخل لهذا الاختصاص في وجه أخصية الدليل المفروض ، لأنه لو كانت الصحيحة أعم من النسيان والعمد تكون أعم أيضا بالأولى ، ويمكن أن يكون قيدا للدليل المفروض كونه دالا على قدح الإخلال بشيء سهوا ويكون احترازا عما يدل على قدح الإخلال مطلقا شاملا للسهو في ضمن العموم ، إلّا أنّ لفظ اختصّت بالتاء لا يناسبه وكان المناسب التعبير باختصّ بدون التاء.

ثم قوله وعممت بالزيادة والنقصان قيد للصحيحة على الظاهر ، وغرضه من القيد بيان وجه أعمّية الصحيحة ، وذلك إنما يتم إذا كان الدليل المفروض مختصا بالنقيصة أو الزيادة وإلّا فإن كان أعمّ منهما كما استظهرناه من كلامه فلا نعلم له وجها ، إذ لو كان وجه أخصية الدليل المفروض اختصاصه بشيء خاص كالسورة مثلا كما احتملناه يكون القيد مستدركا.

ثم قوله والظاهر أنّ بعض أدلة الزيادة مختصة بالسهو إلى آخره ، قد عرفت أنه يحتمل أن يكون مثالا للدليل المفروض كونه دالا على قدح الإخلال ، لكنه يرد عليه أنّ قوله (عليه‌السلام) «إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة» ليس أخصّ من الصحيحة بل أعم منها من وجه لأنه أعم من الخمسة وغيرها ، كما أن الصحيحة أعم منه باعتبار عمومها للزيادة والنقيصة ، ويحتمل بعيدا أن يكون كلاما مستقلا متعلقا بما سبق ولا كرامة فيه ، هذا ما خطر بالبال في تفسير العبارة فتدبّر.

بقي شيء ينبغي أن ينبّه عليه : وهو أنّ الزيادة السهوية أعم مما يقع سهوا وغفلة أو مبنيا على السهو ، فمن شك في إتيان جزء وهو في محلّه فأتى به ثانيا عمدا للأمر به ما لم يتجاوز عن محله ثم تبيّن أنه كان آتيا به أوّلا يعدّ ذلك أيضا

٤٤٠