حاشية فرائد الأصول - ج ٢

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-089-6
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ٢ الجزء ٣

واحد وهو تصوير الصورة التامة في المثال المتقدم ، وبين حرمة شيئين وهو تصوير الصورة التامة والناقصة ، فالأقل يعني التامة متيقن الحرمة والأكثر يعني التامة والناقصة مشكوك الحرمة ، فالمراد من الأقل أقل عددا لا أقلّ جزءا فتأمل.

قوله : ويظهر من المحقق الخونساري دوران حرمة المخالفة مدار الإجماع (١).

قد يقال إنّ قوله بجواز المخالفة القطعية هنا لو لا الإجماع يناقض قوله بعدم جواز خرق الإجماع المركّب وإحداث قول ثالث ، لأنّ المقامين متشاركان في حصول العلم بوجود حكم واقعي معيّن عند الله مشتبه عندنا بين متعدد يعلم بعدم كون الواقع خارجا عن الأطراف ، فلو جازت المخالفة القطعية هنا واختيار ثالث لزم جواز الخرق هناك أيضا باختيار الثالث وترك القولين معا.

وقد يجاب بأنّ عدم جواز خرق الإجماع المركّب إنما يقولون به فيما لو كان هناك إجماع بسيط على نفي الثالث ، لأنّ الثالث مخالف للإجماع البسيط ، وأما إذا لم يكن سوى أنّ بعض الأمة قائل بكذا والبعض الآخر قالوا بكذا ولا قائل بالثالث ، فلا نسلّم عدم جواز القول بالثالث ، لأنّهم لم يقولوا بنفي الثالث ليكون مخالفا لإجماعهم ، بل حصل الإجماع على ثبوت أحد القولين وأنه رأي الإمام (عليه‌السلام) وإن لزمه نفي الثالث ، ولا ريب أنّ ما نحن فيه من قبيل الثاني فلا منافاة.

والأولى أن يجاب بأنّ مرادهم من عدم جواز خرق الإجماع المركب

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٧٩.

٣٤١

إحداث قول ثالث بمعنى الفتوى بأنّ حكم الله الواقعي هو الثالث فإنّه خلاف رأي الإمام (عليه‌السلام) جزما لا القول بعدم وجوب العمل على طبق واحد من القولين وجواز طرحهما ظاهرا في مقام العمل ، وهذا بخلاف مقامنا فإنّ معنى جواز المخالفة القطعية عدم وجوب العمل على طبق أحد الأمرين ولو علمنا إجمالا بكونه واجبا واقعيا ، لا الفتوى بأنّ الحكم الواقعي مغاير للمعلوم بالإجمال فلا منافاة.

قوله : وإلّا لزم الدور كما ذكره العلامة في التحرير (١).

قد مرّ سابقا في رسالة الظن أنّ تقيّد الحكم الواقعي بالعلم لا محذور فيه ما خلا التصويب الباطل بالإجماع ، وإلّا فيمكن الجواب عن الدور على القول بالتصويب بأنّ الحكم وإن كان متوقفا على العلم إلّا أنا نمنع توقّف العلم على الحكم بل إنما يتوقّف على وجود خطاب واقعي ليس هو إلّا مجرّد إنشاء ولا يتّصف بكونه حكما إلّا بعد العلم به وإلّا فالمصوّبة لا ينكرون وجود خطاب واقعي قبل العلم به أنشأه الشارع يتكلف المجتهد الظفر به بالأدلة والأمارات ، فافهم.

قوله : بل في بعض الأخبار ما يدل على وجوب الاحتياط مثل صحيحة عبد الرحمن (٢).

قد مرّت الأجوبة عن التمسّك بأخبار الاحتياط عموما وصحيحة عبد الرحمن خصوصا عند الاستدلال بها للشبهة التحريمية ، فلا وجه للتمسك بها هنا ، فليتأمّل.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٨٠.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٨١.

٣٤٢

قوله : العلم الإجمالي كالتفصيلي علّة تامة (١).

التحقيق في الجواب أن يقال إنّ العلم الإجمالي لما كان مشوبا بالجهل أمكن أن يجعل الشارع ذلك الجهل عذرا للمكلّف كما في الشبهة البدوية وغير المحصورة ، ويكون حكمه الظاهري هو البراءة ولا يحتاج إلى جعل البدل أيضا كما مر توضيحه في الشبهة المحصورة ، وهذا بخلاف العلم التفصيلي فإنّ حكمه الظاهري أيضا مطابق للمعلوم البتة.

قوله : فلا بدّ إما من الحكم بعدم جريان هذه الأخبار في مثل المقام (٢).

لم يبيّن وجه عدم جريان أخبار البراءة في المقام في هذا الشق من الترديد ، ولعل وجهه إما دعوى انصراف أخبار البراءة إلى خصوص الشبهة البدوية كما قيل ولا يبعد ، وإما لأنّ العلم المأخوذ عدمه في موضوع حكم البراءة في هذه الأخبار أعمّ من العلم الإجمالي كما صرّح به الماتن سابقا في حديث «كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام». وفيه ما مرّ سابقا من أنّ كلا من الظهر والجمعة شيء حجب الله علمه إجمالا وتفصيلا ، والمعلوم الإجمالي هو الواجب في البين لا خصوص هذا ولا خصوص ذاك ، لأنّ كلا منهما في حدّ نفسه مجهول صرف ، وإما لما ذكره قبيل ذلك من أنّ أخبار البراءة لو جرت فيما نحن فيه دلّت على جواز المخالفة القطعية وكلامنا بعد فرض عدم جوازها.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٨٢.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٨٣.

٣٤٣

قوله : وإما من الحكم بأنّ شمولها للواحد المعيّن المعلوم وجوبه (١).

يعني كما أنّ الموصول في قوله (عليه‌السلام) «الناس في سعة ما لا يعلمون» (٢) وقوله (عليه‌السلام) «ما حجب الله علمه» (٣) يشمل كلا من الظهر والجمعة كذلك يشمل الواجب المعيّن الواقعي المعلوم إجمالا ، لكن يستفاد من القضية أنّ المكلف في سعة كل من الظهر والجمعة لأنّه غير معلوم وفي ضيق من الواجب المعيّن في الواقع لأنّه معلوم ، ولازم الحكم بوجوب ذلك المعيّن واقعا أن يحكم بوجوب كل من الظهر والجمعة ظاهرا من باب المقدمة العلمية فقد علم وجوبهما ظاهرا ، فيكون هذه الأخبار بالتقريب المذكور من أدلة وجوب الاحتياط في المسألة لا منافية لها.

وفيه أوّلا : أنّ عموم الموصول لا يمكن أن يشمل أفراده مرتين فإنّ الظهر فرد له والجمعة أيضا فرد له قطعا ، وأما أحدهما بعنوان كونه معلوما فلا يكون فردا مغايرا لهما يكون مختلف الحكم معهما بل لا يخرج عنهما ، فلو صحّ ما ذكره لزم شمول الموصول لبعض مصاديقه مرّتين باعتبار اختلاف العنوان.

وثانيا : أنا نمنع أن يكون للقضية مفهوم بأنّ المكلف في ضيق ما يعلم ، اللهمّ إلّا على القول بحجية مفهوم اللقب ، وفيه ما فيه.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٨٣.

(٢) المستدرك ١٨ : ٢٠ / أبواب مقدمات الحدود ب ١٢ ح ٤ وفيه «ما لم يعلموا».

(٣) الوسائل ٢٧ : ١٦٣ / أبواب صفات القاضي ب ١٢ ح ٣٣.

٣٤٤

قوله : ولا منافاة بين عدم وجوب الشيء ظاهرا لذاته ووجوبه ظاهرا من باب المقدّمة (١).

يرد عليه أنّ الظاهر المتبادر من الأخبار إنما هو الإباحة الظاهرية الفعلية لا الاقتضائية الشأنية فلا تجامع الوجوب الظاهري الفعلي من باب المقدمة (٢).

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٨٤.

(٢) أقول : فيه أنّ شمول الأخبار للشبهة المحصورة مساو لشمولها للشبهة البدوية ، ولا ريب أنّ المشتبه بالشبهة البدوية لو صار مقدمة لواجب يحكم بوجوبه فعلا ويبقى إباحته شأنية وكذا لو صار مقدمة للحرام يحكم بحرمته فعلا ، وهكذا يكون الأمر بالنسبة إلى المشتبه بالشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي ، فيتم ما ذكره المصنف من عدم منافاة شمول رواية الحجب والتوسعة للشبهة المحصورة مع كون أطرافه واجبة مقدمة لتحصيل الواجب المردد في البين ، فيكون الحكم بالإباحة شأنية كما في الشبهة البدوية بعينه ، وقد أوردت هذا على السيد الأستاذ (دام ظله العالي) فأجاب بالفرق بين صيرورة أطراف الشبهة مقدمة لواجب آخر غير الواجب المردد في البين ، وبين صيرورته مقدمة للواجب المشتبه في البين ، فإنّ ما ذكرت صحيح في الأول ، وأما ما نحن فيه من قبيل الثاني ولا يصحّ أن يكون وجوب الأطراف لأجل مقدمية الواجب في البين فعليا ومع ذلك يحكم بإباحتها الشأنية ، وذلك لأنّه إما أن يقال بوجوب الأطراف مقدمة للواجب في البين بمقتضى أدلة الأحكام الواقعية ، أو يقال ذلك بمقتضى خصوص مفهوم رواية الحجب والتوسعة ، فإن قلت بالأول فجوابه أنّ المعلوم بالإجمال بمقتضى دليله الواقعي محكوم بالنسبة إلى أدلة البراءة ، لأنّ العلم الإجمالي إنما يكون منجزا للتكليف لو لم يرخّص الشارع في مخالفته بجعل الجهل التفصيلي عذرا للمكلف ، والمفروض أنه رخّص فيها بإطلاق رواية الحجب والتوسعة ، وإن قلت بالثاني كما هو الظاهر فيجاب بأنّ شمول الرواية بمنطوقها للظهر والجمعة بالحكم بالإباحة والرخصة في الترك وبمفهومها لهما أيضا بالحكم بالوجوب مما لا يصح بأن يكون الحكم الأول اقتضائيا والثاني فعليا ، لأنّ مورد الشبهة المحصورة لا ينفك عن هذه المقدمية الموجبة للوجوب بالفرض ، فيبقى الحكم بالإباحة في هذا المورد لغوا محضا ، فإما أن يخرج المورد عن المنطوق كما فرض في الشق الأول من الجواب المذكور في المتن ، وإما

٣٤٥

قوله : فلا دخل له في المقام إذ لا إجمال في الخطاب أصلا (١).

هذا البيان منه (رحمه‌الله) ينافي ما ذكره سابقا في تقرير حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان في الشبهات البدوية في أصل التكليف حتى في الشبهات الموضوعية ، ويوافق ما أوردنا عليه هناك من أنّ حكم العقل بالقبح لو سلّم فإنما يسلّم فيما لم يصدر البيان من الشارع واقعا لا فيما بيّنه واختفى علينا لدواعي الاختفاء كما هو بالنسبة إلينا كذلك في سائر الشبهات ، وكذا :

قوله : مع أنّ التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت العمل لا دليل على قبحه إذا تمكّن المكلف من الإطاعة ولو بالاحتياط (٢).

يناسب ما أوردناه عليه هناك من أنّ قبح العقاب بلا بيان إنما يسلّم فيما لم يمكن الاحتياط ، وأما لو أمكن الاحتياط وكان المكلّف ملتفتا إلى ذلك وإلى إمكان أن يكون في عدم البيان مصلحة لا يعلمها المكلف فلا نسلّم القبح ، نعم لو علم بأنه لا مصلحة في عدم البيان ولم يكن مانع عن البيان ومع ذلك لم يبيّن فحينئذ يحكم بالقبح ، وبالجملة ما يستفاد من كلامه هاهنا هو الموافق للتحقيق في المقامين لا ما ذكره في السابق.

__________________

أن يخرج عن المفهوم ، ولا يقاس ذلك بما إذا وجبت الأطراف أو بعضها مقدمة لواجب آخر خارج عن المعلوم في البين فإنّه قد يتّفق ذلك لا دائما ولا ينافيه الحكم بالإباحة قضية كلية ويكون الإباحة فعلية في أغلب الموارد شأنية في بعضها.

أقول : يمكن هذا التقرير فيما نحن فيه أيضا ، لأنّ أخبار البراءة لا تختصّ بالشبهة المحصورة حتى يقال باللغوية ، بل تشمل الشبهة البدوية أيضا ، فباعتبار ذلك يصحّ سوق القضية كلية يكون الإباحة في أغلب مواردها وهي الشبهة البدوية فعلية وفي بعضها وهو الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي شأنية ، فليتأمّل.

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٨٦.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٨٧.

٣٤٦

قوله : ففيه أنه إذا كان التكليف بالشيء قابلا إلخ (١).

للمحقق القمّي أن يدفع هذا الإيراد عن نفسه بما ذكرنا سابقا من أنّ حكم العقل بالقبح إنما يسلّم فيما لو لم يرد من الشارع الحكم بوجوب الاحتياط بل اقتصر على الخطاب المجمل وحكم العقل ، وأما إذا دلّ الدليل على تنجّز الواقع مع كونه مجهولا المستلزم لوجوب الاحتياط فلا نسلّم قبح الخطاب حينئذ.

وبعبارة أخرى : موضوع حكم العقل بالقبح عدم البيان أصلا ولو بهذا المقدار من البيان لا عدم بيان الواقع مع بيان الحكم الظاهري وهو الاحتياط.

قوله : ففيه أنّ سقوط قصد التعيين إنما حصل بمجرد التردد والإجمال (٢).

ليس المحقق المذكور بصدد أنّ علة سقوط قصد التعيين ما ذا ، وأنها تنجّز التكليف بالواقع وعدم اشتراطه بالعلم حتى يرد عليه أن العلة هو الجهل والتردد ، بل مراده بيان مورد السقوط وأنه يسقط في مورد تنجز الواقع المجمل ووجوب الاحتياط ، وأما إذا قلنا بالبراءة فلا واجب حتى يتكلّم في احتياجه إلى اعتبار قصد تعيينه ، فالسالبة حينئذ منتفية الموضوع.

فإن قلت : بناء على مذاق المحقق المذكور من عدم جواز المخالفة القطعية ووجوب الاتيان بأحد المحتملين أيضا يسقط قصد التعيين فلم ينحصر مورد السقوط في فرض تنجّز الواقع.

قلت : إنّ هذا الكلام من المحقق في مقابل القسم الأول الذي حكم فيه بأنّ دقيق النظر يقتضي عدم التكليف بالمجمل للزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة ،

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٨٧.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٨٨.

٣٤٧

ولازمه جواز المخالفة القطعية بالنسبة إليه ، وأما قيام الإجماع على عدم جواز المخالفة القطعية فهو أمر لا ربط له بذلك الخطاب المجمل.

قوله : وهذا الوجه هو الذي ينبغي أن يقصد (١).

إن قلنا بأنّ القربة المعتبرة في صحة العبادة هو إتيان ما تعلّق به غرض المولى واقعا المشتمل على المصلحة الواقعية بقصد تحصيل ذلك الغرض وتلك المصلحة ، فلا ريب أن الاتيان بقصد الاحتياط لا ينطبق عليه ، بل لا يتحقق ذلك المعنى إلّا بعد العلم بالواجب ، وإن قلنا بأنّ المعتبر في العبادة ليس إلّا أن يكون داعي المأمور في عمله هو الله بأن يقصد أمرا يرجع إلى الله من موافقة أمره أو التقرّب إليه أو الطمع في ثواب العمل منه تعالى أو الخوف من عقابه أو لأنّه أهل للعبادة أو لأنّ العمل محبوبه إلى غير ذلك من الاعتبارات الراجعة إليه ، فلا ريب أنّ الاتيان بداعي الاحتياط والرجاء بالظفر بمطلوبه من أقوى أفراد القربة بل القربة فيه أتمّ وأكمل من معلوم الوجوب لو فعله بقصد أمره ، لأنّ هذا العبد المحتاط الآتي بما يحتمل أن يكون مطلوبا للمولى أشد اهتماما بإطاعة المولى ممن يأتي بما يعلم أنه مطلوب للمولى لأجله ، وهذا هو التحقيق الذي يعتمد عليه ، لأنّ مستند اعتبار القربة في العبادات منحصر في الإجماع على التحقيق والقدر المتيقّن منه لا يزيد عن أن يكون العمل بداع يرجع إلى الله بوجه من الوجوه.

وما قيل إنّ الأصل في الأوامر هو التعبدية فالمستند في اعتبار القربة هو الأمر بنفسه ، وكذا ما استدلّ له من آية (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٨٩.

٣٤٨

الدِّينَ)(١) وخبر «إنما الأعمال بالنيّات» (٢) و«لا عمل إلّا بنيّة» (٣) وأشباه ذلك مما ذكر في محلّه ، كلّها مخدوشة في محلّها لا يخفى على من راجع ذلك المقام في الكتب الاستدلالية في الفقه والأصول ، وأيضا القدر المسلّم مما يعتبر في صحة العبادة مجرّد قصد القربة وإن لم يعلم بحصولها بل علم عدم حصولها ، ولذا نحكم بصحّة عتق الكافر ووقفه بناء على كونهما من العبادات ، ومن هنا نقول بصحة العبادة لو فعله بقصد أمر تخيّل المكلّف تعلّقه بها جهلا مركبا وكان المتعلّق بها أمرا آخر لم يقصده بشرط أن يكون الفعل المأتي به موافقا لما تعلّق به الأمر الواقعي ، هذا كله بالنسبة إلى القربة المشروطة في صحة العبادة.

وأما قصد الوجه من الوجوب والندب الوصفيين أو الغائيين ، فمع أنه لا دليل عليه من أصله على ما حقّقه المتأخرون في محله ، فلا يمكن اعتباره في مقام الاحتياط جزما ، لأنّ المكلف غير قادر عليه ، وكيف يقدر أن يقصد أني أصلي الظهر الواجب مع الشك في وجوبه وأصلي الجمعة الواجبة مع الشك في وجوبها. وبالجملة قصد الوجه يلازم التعيين أعني تعيين الوجه ، نعم لا يلازم تعيين عنوان المأمور به من الظهرية والعصرية والأدائية والقضائية ، فيمكن قصد الواجب المردد بين الظهر والعصر أو الأداء والقضاء لوجوبه ، كما أنه لا يلازم قصد تعيين العنوان قصد الوجه ، فيجوز قصد خصوص الظهر مرددا بين كونه واجبا أو مندوبا كالمعادة مثلا ، وحينئذ نقول ما أفاده المصنف من تصوير قصد الوجه على الوجه الأول فهو أمر معقول مقدور فيه ، وأما تصويره على الوجه الثاني الذي اختاره فهو أمر غير مقدور بل محال ، وما ذكره من أنه ينوي لكلّ

__________________

(١) البينة ١٨ : ٥.

(٢) الوسائل ١ : ٤٨ / أبواب مقدمة العبادات ب ٥ ح ١٠.

(٣) نفس المصدر ح ٩.

٣٤٩

منهما حصول الواجب به أو بصاحبه ليس معنى قصد الوجه الذي أراده من يعتبره في العبادة كما لا يخفى على من راجع كلام العلّامة وغيره ، حتى أنّ العلّامة (رحمه‌الله) يقول بوجوب تميّز أجزاء الصلاة واجباتها عن مستحباتها مقدمة لقصد الوجه ، وإلّا أمكن أن يأتي بكل عبادة بقصد وجهه الواقعي عند الله الثابت في اللوح المحفوظ ، ومن الواضح أنهم لا يكتفون به.

قوله : ولا يلزم من نيّة الوجوب المقدمي قصده (١).

بل يلزم من نيّة الوجوب المقدمي قصده ، لأنّ من يتصوّر الوجوب المقدمي أعني ما يحكم به العقل مقدمة للعلم بالواجب ويقصده ، لا ينفكّ ذلك عن قصد الفعل لاحتمال وجوبه ، نعم لو غفل حين الفعل عن أنه واجب مقدمي وزعمه واجبا نفسيا أمكن الانفكاك ، فتدبّر.

قوله : وهذا الوجوب إرشادي لا تقرّب فيه أصلا نظير أوامر الإطاعة (٢).

إن كان الوجوب الإرشادي بمعنى ما يرجع إلى الاخبار كأوامر الطبيب فهو كذلك ، إلّا أنّ الأمر المقدمي ليس كذلك ، وإن كان بمعنى ما يرجع إلى الأمر والالزام والتحتيم ولو للغير ، فلا نسلّم عدم التقرّب بقصده وعدم كفاية قصده في تحقّق عنوان العبادة.

قوله : فيدور الأمر بين الاقتصار على أحد المحتملين (٣).

هذا أيضا يستلزم التشريع لو قلنا بأنّه إدخال ما لم يعلم أنه من الدين في

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٨٩.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٩٠.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٢٩٠.

٣٥٠

الدين ، لأنه قصد القربة بما يحتمل أنه ليس من الدين.

قوله : ولا شكّ أنّ الثاني أولى لوجوب الموافقة القطعية بقدر الإمكان ، إلخ (١).

لا يخفى أنه يلزم على هذا الوجه أن ينقلب العبادة في موارد الاحتياط إلى الواجب التوصلي ولا يشترط في صحّتها قصد القربة ، وفيه ما فيه مع أنه التزام بمقالة المتوهّم من عدم إمكان الاحتياط في العبادات بوصف كونها عبادة.

قوله : وإنما يقتضي وجوب قصد التقرّب والتعبد في الواجب المردّد بينهما (٢).

قد عرفت سابقا أنه يكفي في تحقق قصد القربة مجرّد احتمال الأمر ، وعليه فكل من الظهر والجمعة يقع مقرونا بقصد القربة ، غاية الأمر أنّ ما هو واجب منهما واقعا يقع صحيحا لكونه جامعا للشرائط المعتبرة والآخر فاسدا ، لا لعدم تحقق قصد القربة بالنسبة إليه بل لعدم كونه واجبا في نفسه وعدم تعلّق أمر به.

وأما ما اختاره في المتن من أنّ قصد القربة والوجه إنما يتحقق بالنسبة إلى أحدهما وهو الواجب الواقعي منهما دون الآخر ، فيرد عليه مضافا إلى ما مرّ سابقا ، أنه يلزم أن يقال بعدم إمكان حصول قصد التقرّب وصحة العمل فيما إذا تبيّن كون كل منهما واجبا في الواقع لأنّه لم يقصد القربة إلّا إلى أحدهما ، فأحدهما باطل من جهة عدم قصد القربة والآخر أيضا باطل لعدم جواز

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٩١.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٩١.

٣٥١

الترجيح بلا مرجّح ، إذ لا مرجّح يقتضي توجّه هذا القصد الذي فعله إلى أحدهما في الواقع كما كان يتوجّه في صورة كون أحدهما واجبا إلى ذلك الواجب الواقعي ، وأيضا يلزم أن لا يمكن قصد التقرّب فيما إذا كان علمه الإجمالي جهلا مركبا بأن لا يكون شيء من الظهر والجمعة واجبا في الواقع لأنّ قصده حينئذ لا يصادف الواجب الواقعي حتى يتحقق به قصد القربة (١).

قوله : ولذا أسقط الحلي وجوب الستر عند اشتباه الساتر الطاهر بالنجس (٢).

مقتضى سقوط الشرط المشتبه سقوط شرطية طهارة الساتر في الصلاة فيصلي في الثوب المشتبه ، لا سقوط نفس الساتر في الصلاة حتى يصلي عاريا لأن الشرط المجهول الذي أوجب مراعاته الاحتياط هو وصف الساتر لا نفس الساتر ، فالقائل بعدم وجوب الاحتياط ينبغي أن يقول بسقوط الشرط الذي أوجب الاحتياط لا غيره.

قوله : وإما دوران الأمر بين إهمال هذا الشرط المجهول وإهمال شرط آخر وهو وجوب مقارنة العمل لوجهه (٣).

إنما يتصوّر هذا الدوران لو كان هناك دليل يدلّ على شرطية تعيين الوجه عند العمل مقارنا له مطلقا ، كما أن دليل شرطية طهارة الساتر مطلق ، وإلّا فلو

__________________

(١) أقول : للماتن أن يلتزم بهذين اللازمين ولا يترك ما اقتضاه دليله بمجرد هذه الاستبعادات ، مضافا إلى أنّ له أن يقول يتعلّق القصد في الفرضين المذكورين بعين ما يتعلق به العلم الإجمالي ، إذ لا شك في أنّ العلم الإجمالي قد تعلّق بشيء البتّة لأنه لا يتصور العلم بدون المعلوم ، فتأمل جيدا.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٣٠١.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٣٠٢.

٣٥٢

فرض إهمال دليل اعتبار الوجه كظهور الإجماع وبناء العقلاء وغيرهما مما ادّعي دلالتها على ذلك كان القدر المتيقّن منها صورة التمكّن منه أعني عند عدم مزاحمته لشرط آخر ثابت الشرطية على الإطلاق ، وحينئذ نقول لو فرض عدم التمكّن من إحراز أحد الشرطين كان مقتضى الأصل الأولي سقوط المشروط أي الصلاة رأسا لكنه قد ثبت وجوب الصلاة مع ما يتمكن إحرازه من الشرائط ، لما ورد من أنّ الصلاة لا تسقط بحال (١) فيدور الأمر بين إحراز شرط الستر أو الوجه ، واختار الحلّي (٢) تقديم مراعاة الوجه والصلاة عاريا ، والحق ما ذكره المصنف من تقديم مراعاة شرط الستر ، لا لما قيل من أنّ الوجه معتبر في طريق الامتثال ومرتبته متأخرة عن نفس المأمور به وشرائطه ، لأنّا نمنع اعتبار أمر في طريق الامتثال لم يكن معتبرا في المأمور به أولا كما حقق في محلّه ، ثم نمنع وجوب تقديم رعاية ما يعتبر في المأمور به على ما يعتبر في طريق الامتثال لو لم نقل بالعكس ، إذ النية وكيفياتها روح العبادة وبها تتحقّق حقيقتها ثانيا ، بل لأنّ نيّة الوجه في نفسها غير مقدورة فيما نحن فيه بخلاف إحراز شرط الستر وطهارته فإنه في نفسه مقدور بتكرار الصلاة وإن لزم منه فوات الوجه ، فالمتعيّن سقوط الوجه الذي هو معجوز عنه في نفسه.

والحاصل أنه لا دوران هنا بين مراعاة أحد الشرطين وترك الآخر في عرض واحد ، ولنفرض مثالا للدوران لتوضيح المطلب : وهو أنا لو فرضنا تردد الفائتة بين الظهر والمغرب وأمكن تعيينها بوجه كالرجوع إلى الدفتر مثلا وكان في الفرض ثوبه متيقّن النجاسة وأمكنه تطهيره لكن لا يمكنه كلا الأمرين لضيق وقت ونحوه ، فيدور الأمر بين تعيين الفائتة ليتمكن من قصد الوجه ويقصده مع

__________________

(١) روى مضمونه في الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٢) السرائر ١ : ١٨٤ ـ ١٨٥.

٣٥٣

فوات شرط الستر ، وبين غسل الثوب لإحراز شرط الستر مع فوات الوجه ، فيحكم بالتخيير لو لم يكن أهمّ في البين وإلّا فيقدّم مراعاة الأهم ، والفرق بين هذا المثال ومثال ما نحن فيه أنّ إحراز كل واحد من الشرطين في هذا المثال مقدور مع قطع النظر عن الآخر والعجز باعتبار إحرازهما معا ، وهذا بخلاف ما نحن فيه فإنّ إحراز شرط الستر في نفسه مقدور بتكرار الصلاة في الثوبين مع قطع النظر عن الوجه ، لكن إحراز شرط الوجه غير مقدور في نفسه إلّا بعد فرض إسقاط الشارع شرط الستر ، فيحصل به القدرة على الوجه لأنّه إن أتى بصلاتين في ثوبين فات الوجه وإن أتى بصلاة واحدة في أحد الثوبين أو عاريا فات الوجه أيضا لأنه لا يعلم أنّ هذه الصلاة واجبة أم لا ، نعم لو علم بتصرّف الشارع في شرطية الستر هنا وإسقاطها يقدر على الوجه ، فالعجز تعلّق أوّلا بالوجه معيّنا فهو المتعيّن للسقوط ، ولم يتعلّق بأحد الأمرين حتى يحصل الدوران والتخيير أو تقديم الأهم ، هذا غاية توجيه المقام وهو محتمل كلام المصنف في المتن في ردّ الدوران وتقديم مراعاة جانب الستر (١).

قوله : أما الأول فلأنّ مفروض الكلام إلخ (٢).

لا يخفى أنّ من يدّعي انصراف أدلة شرط الستر إلى صورة العلم التفصيلي لا يجعل المسألة من الشك في المكلّف به ، بل يجعلها من الشك في التكليف

__________________

(١) أقول : ولي في الفرق المذكور بعد تأمل ، بل مثال ما نحن فيه أيضا مثال للدوران كالمثال المذكور بعينه ، لأنّا نمنع عدم قدرة المكلّف على الوجه في نفسه مع قطع النظر عن شرط الستر ، بل لو فعل صلاة واحدة عاريا أو في أحد الثوبين ونوى الوجه بها فقد أتى بالوجه وإن فات شرط الستر وبطلت الصلاة من جهته وكذا العكس ، فيدور الأمر بينهما ويبقى تقديم أحدهما محتاجا إلى الدليل ، فليتأمل جيدا.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٣٠٢.

٣٥٤

ويحكم بسقوط الشرط المجهول لذلك ، وليس مفروض كلامه ما عنون المصنف هنا كلامه من الشك في المكلّف به فإنّ المدّعي يتكلم في فقه المسألة ولا دخل له بما نحن بصدده في المسألة الأصولية ، فافهم.

قوله : وحاصله أن ينوي في كلّ منهما فعلها احتياطا (١).

قد عرفت سابقا أنّ التحقيق حصول ما يعتبر في عبادية العبادة من القربة بإتيان الفعل لاحتمال المطلوبية وتعلّق الأمر به ، حتى في صورة تمكّن تحصيل العلم التفصيلي بالمأمور به وقصده معينا يجوز ترك تحصيله وإتيان محتملات المأمور به بداعي الاحتمال لو لم يعدّ ذلك لعبا بأمر المولى بأن يكون ذلك لغرض صحيح عقلائي ولو لأجل كونه أسهل على المكلف من تحصيل العلم التفصيلي ، وحينئذ نقول إنّ من قصد فيما نحن فيه الاقتصار على أحد الفعلين برجاء أن يكون هو الواجب الواقعي فقد أتى بما يعتبر في العبادة من القربة ، فإن طابق الواقع فعمله صحيح واقعا مبرئ للذمة واقعا ، وظاهر المتن أنه فاقد للقربة فلا يصح وإن صادف الواجب الواقعي ، لكنه حكم بتحقق القربة بالإتيان بداعي الاحتمال بمجرّده في الشبهة البدوية لأنّه غاية الميسور فيها ، ففرّق بين ما يحصل به القربة في الشبهة البدوية والشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي ، وفيه تحكّم وإن كان ولا بدّ فالأولى أن يقال إنّ العقلاء في مقام امتثال أوامر المولى يحكمون بلزوم تحصيل العلم التفصيلي والامتثال التفصيلي مهما أمكن ذلك ولا يكتفون بالامتثال الإجمالي وإن كان صحيحا من حيث قصد القربة ، وفيما لم يمكن الامتثال التفصيلي يحكمون بلزوم الامتثال العلمي الإجمالي إن أمكن ولا يكتفون بالامتثال الاحتمالي وإن صادف الواقع ، وإن لم يمكن ذلك أيضا

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٠٣.

٣٥٥

يكتفون بالامتثال الاحتمالي ، وهذا المعنى زائد على مجرّد قصد القربة فإنه حاصل في المراتب الثلاثة بوجه واحد ، والتحقيق هو الأول فتدبّر.

قوله : وعلى ما ذكرنا فلو ترك المصلّي المتحيّر في القبلة (١).

ظاهر هذا الكلام بل صريحه أنّ هذا التفصيل من استحقاق عقاب واحد في الفرضين الأوّلين وعدم استحقاقه في الفرض الثالث متفرّع على كون وجوب إتيان المحتملات عقليا إرشاديا لا شرعيا ، ومفهومه أنه لو كان الوجوب شرعيا لم يتفرّع عليه هذا التفصيل.

وفيه : أنه لا يتمّ على مذاقه في كيفية جعل الأصول والأمارات من أنها مجعولة من حيث الطريقية لا السببية وهو الحق المحقّق في محلّه ، فنقول لو كان وجوب إتيان الأطراف شرعيا أيضا كما إذا كان جميع الأطراف مستصحب الوجوب مثلا كان الأمر كذلك ، لأنّ مؤدّى الأصول والأمارات أحكام ظاهرية لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب إلّا على تقدير مصادفتها للواقع كالحكم العقلي فيما نحن فيه بعينه ، بل السر في التفصيل المذكور أن الواجب الواقعي متّحد بالفرض لا يمكن أن يستحق تارك جميع محتملاته أو بعضها المصادف للواقع إلّا عقاب ترك ذلك الواجب وأما ترك بعضها غير المصادف للواجب الواقعي فليس فيه إلّا التجرّي.

تنبيه :

لو ترك جميع محتملات الواجب المعلوم كالفائتة المرددة بين الخمس

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٠٦.

٣٥٦

مثلا واتفق أنه كان الجميع واجبا عليه في الواقع لكنه لا يعلم بأزيد من واحدة منها استحق عقاب ترك كل واحد منها ، ولا ينفع جريان أصل البراءة في الزائد عن المعلوم للجهل به في دفع استحقاق العقاب على الواقع ، لأنه كان مكلّفا في الظاهر بإتيان الجميع ولم يفعل ، وهذا مصحّح للعقاب على ترك الواقع المجهول ، وبالجملة لا يعدّ الجهل بالواقع عذرا في تركه بعد فرض كونه واجب الاتيان ظاهرا ولو من باب المقدمة للواجب المعلوم في البين ، وقد تقدّم هذا المطلب غير مرّة في نظائر المقام في الشبهة التحريمية وفي مسألة التجرّي من رسالة القطع وغيره.

قوله : الرابع لو انكشف مطابقة ما أتى به للواقع قبل فعل الباقي (١).

هذا المطلب فيما لم يحتمل وجوب الزائد من المعلوم بالإجمال واضح ، وأما إذا احتمل كون سائر الأطراف أيضا واجبا وانكشف مطابقة ما أتى به للواجب الواقعي قبل فعل الباقي فقد يقال يجب الاتيان بالباقي لاستصحاب الاشتغال ، والحقّ خلافه لجريان البراءة بالنسبة إلى الباقي. وما يقال من أنّ قاعدة الاستصحاب حاكمة على أصالة البراءة ممنوع بكلّيته ، بل قد يكون الأمر بالعكس فيما إذا كان الشك في الاشتغال ناشئا عن الشك في أصل التكليف كما هو كذلك فيما نحن فيه ، فيجري أصالة البراءة بالنسبة إلى الشك السببي ويرتفع به حكم الشك في المسبب ، وقد مرّ هذا المطلب أيضا في نظائر المقام غير مرّة فتذكّر.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٠٧.

٣٥٧

قوله : لم يسقط الامتثال في الواجب المردد باعتبار شرطه (١).

الظاهر أنّ نظره إلى خصوص الصلاة وقد ورد فيها الصلاة لا تسقط بحال (٢) وإلّا فلو فرض سقوط الشرط بتعذّره أو تعسّره لزم سقوط المشروط أيضا قضية للشرطية المطلقة ، فإذن لا فرق في الشبهة غير المحصورة الوجوبية بين أن يكون التردد بين المحتملات باعتبار نفس الواجب أو شرطه.

قوله : وأما في غيره مما كان نفس الواجب مرددا فالظاهر أيضا عدم سقوطه (٣).

التحقيق أن يقال بناء على ما اخترناه في الشبهة غير المحصورة التحريمية من أنّ العلم بالتكليف في الشبهة غير المحصورة كعدم العلم في نظر العقل وعرف العقلاء وأنه يعدّ عندهم الحرام أو الواجب المشتبه بأمور مباحة معلوم الإباحة ، أنه يجوز المخالفة القطعية في المقامين سواء ، وما ذكره في المتن من الفرق بينهما بأنّ المخالفة في الشبهة التحريمية لا يعلم بها إلّا بعد ارتكاب جميع الأطراف وفي الشبهة الوجوبية يعلم بها من أول الأمر غير فارق على المبنى المذكور ، مع أنّ لنا أن نفرض المحتملات في الشبهة التحريمية آني الحصول بارتكاب واحد في زمان واحد لا تدريجي الحصول كما هو الغالب فينتفي الفرق. وأيضا يمكن فرض ترك المحتملات في الشبهة الوجوبية أيضا تدريجي الحصول كما لو علم بوجوب صوم يوم معيّن في السنة واشتبه بين أيامها فإنه لا يعلم المخالفة إلّا فيما بعد السنة ، وحينئذ نقول لو قام إجماع مثلا على عدم جواز

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٠٨.

(٢) ورد مضمونه في الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٣٠٨.

٣٥٨

المخالفة القطعية يكتفى بفعل أحد المحتملات فقط ولا يجب أزيد منه ، هذا كله على المبنى المختار.

وأما لو قلنا بأنّ العلم بالواجب الواقعي مقتض لتنجزه مطلقا إلّا أنه قام الإجماع أو دليل العسر في الشبهة غير المحصورة على عدم وجوب الموافقة القطعية بالاحتياط التام ، فلا بدّ أن يقتصر على ما يستفاد من دليل الترخيص مما قام عليه الإجماع أو يندفع به العسر في المقامين أيضا ويحكم بالاحتياط في الباقي ، وكذا لو قلنا بأنّ الشارع اكتفى بالموافقة الاحتمالية عن الموافقة القطعية في الشبهة غير المحصورة نقول به في المسألتين ، فيكتفى بترك أحد المحتملات في الشبهة التحريمية وإتيان أحدها في الشبهة الوجوبية ، فما اختاره المصنف في الشبهة التحريمية من لزوم إبقاء مقدار الحرام وجواز ارتكاب باقي الأطراف طرا ، وفيما نحن فيه من الشبهة الوجوبية بوجوب إتيان ما تيسّر من المحتملات متمسكا ببناء العقلاء لم نعرف وجهه ، فتأمل جيدا.

قوله : وهذا الحكم مطّرد في كل مورد وجد المانع من الاتيان ببعض غير معيّن (١).

هذا إشارة إلى التفصيل الذي ذكره في خامس تنبيهات الشبهة المحصورة التحريمية من أنه لو اضطرّ إلى ارتكاب أحد الأطراف ، وفرّق فيما لو اضطر إلى واحد معيّن بين ما كان الاضطرار قبل العلم الإجمالي أو بعده ، وحكم بالبراءة في الأول والاشتغال في الثاني ، وقد تكلّمنا عليه هناك بما يناسبه فراجع ، وعليه فقوله ولو طرأ المانع من بعض معيّن منهما ففي الوجوب كما هو المشهور إلى آخره ، لا يخلو عن إشكال وإجمال فتدبّر.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٠٩.

٣٥٩

قوله : ظاهر الأكثر الأول لوجوب اقتران الفعل المأمور به عندهم بوجه الأمر (١).

قد عرفت في مسألة الظهر والجمعة أنّ المصنّف اعترف بإمكان قصد الوجه عند الاحتياط بأحد الوجهين واختياره الوجه الثاني منهما ، ويظهر من كلامه هذا عدم إمكان قصد الوجه في الامتثال الإجمالي بالاحتياط ، فينافي ما ذكره هناك ، إلّا أن يقال إنّ هذا الكلام ليس على مذاقه بل على مذاق القوم ، أو يقال إنّ الاكتفاء بالوجه الاحتمالي على ما ذكره هناك من جهة عدم إمكان إحراز الوجه التعييني ففي صورة إمكانه كما فيما نحن فيه يتعيّن ذلك.

قوله : مبنيّان على أنه هل يجب مراعاة ذلك من جهة نفس الواجب (٢).

وبعبارة أخرى الجزم المعتبر في المأمور به على القول به هل هو في مقابل التردد المستلزم لتكرار العمل أو كثرة التكرار فيه أو في مقابل تردد جهات المأمور به وإن لم يستلزم تكرار العمل ، فعلى الأول يحصل الجزم فيما نحن فيه على أي تقدير ، إذ لا يزيد التكرار بإتيان الصلاتين قصرا ثم تماما على إتيان الظهر قصرا وتماما ثم إتيان العصر كذلك ، وعلى التقديرين يحصل الفرضان بأربع صلوات ، وعلى الثاني لا يحصل الجزم إلّا بإتيان كلا محتملي الظهر ثم الدخول في محتملي العصر لكي يعلم عند الشروع في محتملات العصر أنه مأمور بالعصر جزما. ولا يخفى أنّ الأقوى هو الثاني بناء على القول باعتبار الجزم في النية ، لأنّ معنى الجزم في النية هو أن يعلم المكلّف عند الدخول في

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣١٠.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٣١٣.

٣٦٠