حاشية فرائد الأصول - ج ٢

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-089-6
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ٢ الجزء ٣

محالة وهي القدر المتيقّن في الزكاة ، والمائتان هو القدر المتيقّن من محل الشركة فرجع إلى الأقل والأكثر.

قوله : لأنّ عدم العلم بحجية شيء كاف في عدم حجيته (١).

وذلك لأنّه يتحقق به موضوع أصالة عدم الحجية ، نعم لو كان الأصل حجية الخبر أو الظن المستفاد منه وخرج منه خبر الفاسق أمكن أن يقال بحجية خبر مجهول الحال تمسكا بعموم الأصل على تأمل فيه من جهة أنه يرجع إلى التمسك بعموم العام عند الشك في مصداق المخصّص ، إلّا أن يدعى أنّ مطلق خبر الواحد مقتض للحجية وفسق الراوي مانع عنها والأصل عدم تحقق المانع بناء على أن يكون أصالة عدم المانع من الأصول العقلائية غير مبتنية على حجية الاستصحاب التعبدي.

قوله : ثم الذي يمكن أن يقال في وجوب الفحص ، إلخ (٢).

وقد سبقه في هذا التوجيه صاحب الجواهر (رحمه‌الله) وكأنه أخذه منه ، فإنّه بعد ما حكى عن المعروف عدم وجوب تصفية الدراهم المغشوشة لتعرف بلوغها النصاب ، وعن المسالك أنه لا قائل بالوجوب قال ما لفظه : ووجه ذلك كله أنّ مقدمات الوجوب لا يجب تحصيلها ولا تعرفها ، لكن قد يناقش بأنّ الأول مسلّم بخلاف الثاني ضرورة معلومية الوجوب في مثله من مذاق الشرع وأنه ليس المراد الوجوب إذا اتفق حصول العلم بوجود الشرط ، فلا يجب حينئذ على من احتمل في نفسه الاستطاعة مثلا أو ظنها اختبار حاله ، ولا على من علّق نذره على شيء مثلا تعرّف حصوله ونحو ذلك ، إذ هو كما ترى فيه إسقاط لكثير

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٤٥.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٤٤٥.

٥٤١

من الواجبات ، نعم هو كذلك حيث لا يكون له طريق إلى التعرّف أو كان فيه ضرر عليه بحيث يسقط بمثله وجوب المقدمة ، ولعله لذلك مال بعض المحققين هنا إلى وجوب التعرّف بالتصفية أو غيرها ، وهو قويّ جدا إن لم يكن إجماع على خلافه (١) انتهى.

لكن يرد عليه النقض بالشبهة التحريمية فإنّ هذا الوجه جار فيها بعينه ، لأنّ أغلب مواردها في مثل النجاسات والغصب في الأموال بإجراء الأصل في شبهاتها الموضوعية قبل الفحص يحصل المخالفة للواقع أزيد مما يلزم في الشبهة الوجوبية كما لا يخفى على الفطن ، فلم لا يقولون فيها بوجوب الفحص إن كان حكم العقلاء بالفحص فيها متّبعا كما يقولون في الشبهة الوجوبية ، فإن كان لإطلاق عمومات البراءة مثل حديث الرفع وشبهه فهو في الموضعين ، وإن كان لإطلاق بعض أخبار البراءة الظاهرة في الشبهة التحريمية مثل قوله (عليه‌السلام) «كل شيء لك حلال» إلى آخره و«كل شيء فيه حلال وحرام» (٢) وقصور دليل البراءة في الشبهة الوجوبية عن شمولها لما قبل الفحص ، فلا فرق بين موارد حصول المخالفة الكثيرة نوعا وغيرها (٣).

ثم إنه لو سلّم ما ذكر في وجه الفحص فإنّما يسلّم في الواجبات المطلقة التي علم تعلّقها بالمكلف كلية وشك في بعض مصاديقها ، فإجراؤه في مثل تخليص الدراهم المغشوشة ومحاسبة المال لتعرّف حال وجوب الزكاة والحج

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ١٩٦.

(٢) الوسائل ١٧ : ٨٧ / أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ١.

(٣) أقول : يمكن أن يكون وجه الفرق بناء العقلاء على الفحص في الأول دون الثاني ، ولا إطلاق يرفع حكم بنائهم تعبدا في الشبهة الوجوبية كما وجد في الشبهة التحريمية ، فليتأمل فإن هذه الدعوى قريبة.

٥٤٢

عليه من الواجبات المشروطة التي لا تجب إلّا بعد حصول الشرط كما ترى لا وجه له ، وبناء العقلاء في مثله بعيد عهدة دعواه على مدّعيها.

قوله : وأما الكلام في مقدار الفحص فملخّصه أنّ حد الفحص هو اليأس (١).

الوجوه المحتملة لأن تكون حدا للفحص العلم بعدم وجود الدليل واقعا ، والعلم بعدم وجوده فيما بأيدينا من الأدلة ، والعلم بعدم وجدان الدليل وإن زاد الفحص بالغا ما بلغ ، والظن بالعدم بأحد الوجوه الثلاثة ، واليأس عن الوجدان ، ولعله يرجع إلى الظن الاطمئناني بعدم الوجدان ، وكيف كان مقتضى الأصل الأولي لزوم الفحص إلى أن يحصل العلم بعدم الوجدان بعد ذلك لو كان دليل وجوب الفحص ما سوى الإجماع من الأدلة المتقدمة في المتن حتى يصدق العجز عن التوصل إلى الحكم الواقعي لو كان ثابتا في الواقع فيسقط ، إلّا أنّ الاكتفاء بالظن واليأس عن العثور ثابت لما ذكره المصنف في المتن مفصلا ، وأما إن كان دليل وجوب الفحص الإجماع على عدم جواز التمسك بالأصل قبل الفحص فيمكن أن يقال إنّ القدر المتيقّن منه ليس إلّا ما قبل حصول الظن بالعدم ، وبعد حصوله لا إجماع على وجوب الفحص فيتمسك بإطلاق أدلة الأصل ، ولا حاجة إلى هذه المتعبة في إثبات الاكتفاء بالظن ، بل لا يبعد أن يقال بمثله لو كان دليل وجوب الفحص حكم العقل فإنه لا يحكم به بعد حصول اليأس ، فتدبّر.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٤٧.

٥٤٣

قوله : كأن يثبت بالأصل براءة ذمّة الشخص الواجد لمقدار من المال واف بالحج من الدين (١).

احتمالات المسألة ثلاثة ، الأول : أن الاستطاعة أمر وجودي بسيط قد علّق عليه وجوب الحج ، ولا يتحقق هذا المعنى في الخارج إلّا على فرض عدم الدين ، وعلى هذا الاحتمال إثبات موضوع الاستطاعة بأصالة عدم الدين من أوضح أفراد الأصول المثبتة التي لا اعتبار بها عند جماعة منهم المصنف ، وهذا الاحتمال وإن كان أقرب بحسب ظواهر الأدلة إلّا أنّ ظاهر المتن اختيار غير هذا الاحتمال كما سيظهر.

الثاني : أن تكون الاستطاعة معنى مركبا من وجدان ما يكفيه مئونة للحج من الزاد والراحلة والرجوع إلى كفاية إن اعتبرناه ، ومن عدم الدين ظاهرا وإن كان ثابتا في الواقع ولا يعلمه المستطيع ، وعليه لا إشكال في تحقق موضوع الاستطاعة بعد إجراء أصالة البراءة من الدين حتى أنه إن تبيّن بعد ذلك وجود الدين واقعا لا يقدح لتحقق الموضوع الواقعي واقعا وحجه حجة الإسلام واقعا.

الثالث : أن تكون الاستطاعة معنى مركبا من وجدان المال المذكور وعدم الدين واقعا ، وهذا الاحتمال ظاهر المتن حيث إنه جعل وجدان المقدار الكذائي من المال مقتضيا والدين مانعا من الاستطاعة فيقال أحد جزأي الموضوع وهو وجدان المال ثابت بالوجدان والآخر يثبت بالأصل ، وليس ذلك من الأصول المثبتة ، بل الأثر الشرعي وهو وجوب الحج مترتب على نفس مجرى الأصل ولا غائلة فيه ، وليس من باب إثبات الأصل لموضوع الحكم الشرعي بل حاله حال سائر الأصول المعتبرة المترتبة عليها الآثار الشرعية ، ولازم ذلك أنه إن

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٤٩.

٥٤٤

تبيّن بعد ذلك وجود الدين واقعا كشف عن عدم حصول الشرط واقعا وحجه لا يكفي عن حجة الإسلام ، ومن هذا البيان يعرف حال مثال الماء المشكوك الإباحة المذكور في المتن بالمقايسة من كون حكم وجوب الوضوء معلّقا على وجدان الماء المباح الواقعي أو الظاهري.

قوله : ومنه المثال الثاني فإنّ أصالة عدم بلوغ الماء ، إلخ (١).

إن قلنا بأنّ وصف القلّة معنى وجودي بسيط أنيط به الانفعال كما هو ظاهر المتن فلا يمكن إثباته بأصالة عدم الكرية وهو واضح ، إلّا أنا لا نحتاج في إثبات القلّة إلى استصحاب عدم الكرية لجريان استصحاب القلة بنفسه كما لا يخفى ، وإن قلنا بأنه عبارة عن عدم الكرية أو قلنا بأنّ ما أنيط به حكم الانفعال نفس عدم الكرية لا وصف القلة كما هو ظاهر قوله (عليه‌السلام) «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجّسه شيء» (٢) فلا إشكال في جريان الأصل كما مرّ في مثال الاستطاعة بعينه ، وليس من باب إثباته لموضوع حكم آخر ، بل حكم الانفعال مرتّب على نفس مجرى الأصل.

قوله : ولا اختصاص لهذا الشرط بأصل البراءة بل يجري في غيره من الأصول والأدلة (٣).

لم يعلم من صاحب الوافية تخصيص الشروط التي ذكرها بأصل البراءة ، بل علم منه التعميم على ما حكى عنه المحقق القمي (رحمه‌الله) قال في

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٤٩.

(٢) الوسائل ١ : ١٥٨ و ١٥٩ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١ ، ٢ ، ٥ (مع اختلاف يسير).

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٤٥١.

٥٤٥

القوانين (١) : ولكن بعض المتأخرين ذكر هنا لجواز العمل بأصل البراءة وأصالة النفي وأصالة عدم تقدّم الحادث شروطا ثلاثة ، إلى آخر ما ذكره ، وأمثلة الثلاثة أيضا شاهدة على عدم الاختصاص كما لا يخفى.

قوله : ولم يعرف وجه فرق بينهما أصلا (٢).

إذ لو صحّ معارضة أصالة طهارة الماء مع أصالة عدم الكرية صح معارضة أصالة عدم الدين مع أصالة عدم وجوب الحج ، ووجه عدم المعارضة أنّ أصالة عدم الكرية حاكمة على أصالة الطهارة ، لأنّ الشك في الطهارة والنجاسة ناش عن الشك في الكرية ، كما أنّ الشك في وجوب الحج أيضا مسبب عن الشك في ثبوت الدين ، فلا وجه للفرق بينهما بترتب الحكم في الثاني دون الأول ، بل الأولى القول بالفرق على العكس على ما ذكرنا سابقا من أنّ الاستطاعة أمر وجودي بسيط قد علّق عليها وجوب الحج بوجودها الواقعي ، ولا يثبت ذلك بأصالة عدم الدين إلّا على القول بالأصل المثبت ، وهذا بخلاف حكم الانفعال المترتب على عدم الكرية الذي هو مجرى للأصل.

قوله : ولو لم يكن مسبوقا بحال ففي الرجوع إلى طهارة الماء ، إلخ (٣).

الأولى أن يحرّر هكذا : ولو لم يكن مسبوقا بحال ففي الرجوع إلى طهارة الماء ونجاسته وجهان مبنيان على أن تكون القلّة شرطا لانفعال الماء بملاقاة النجاسة ، أو تكون الكرّية شرطا لعدم الانفعال.

__________________

(١) القوانين ٢ : ٤٦.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٤٥٢.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٤٥٢.

٥٤٦

ثم إنّ ما ذكره في الوجه الثاني من أنّ الملاقاة مقتضية للانفعال والكرية مانعة عنه والشك فيها شك في المانع لا ينفع في إثبات الانفعال ، إذ لا وجه لترتب أثر المقتضي إلّا بعد إثبات عدم المانع بالأصل ، ولا يجري هنا أصالة عدم المانع ، لأنّ المفروض عدم العلم بالحالة السابقة ، اللهمّ إلّا أن يتشبّث بأصل العدم العقلائي ولا يقول به المصنف ، وتحقيق هذه المسألة والتكلم في أطرافها أنسب بمبحث الاستصحاب كمسألة عدم تقدّم الكرية على ملاقاة النجاسة في المثال الثالث ، وقد تعرّض له المصنف هناك وله تحقيقات وبيانات في أطرافها في الفقه والأصول ولعلنا نتعرّض لها وسائر ما قيل أو يقال فيها مع ما يرد عليها في رسالة الاستصحاب عند تعرّض المصنف ، وفّقنا الله له ولكل خير.

قوله : ويرد عليه أنه إن كانت قاعدة نفي الضرر معتبرة في مورد الأصل (١).

هذا الجواب مأخوذ من كلام صاحب القوانين (رحمه‌الله) ظاهرا وعبارته أوفى وأجمع للجواب حيث قال : وأما الثاني ففيه أنّ نفي الضرر من الأدلة الشرعية المجمع عليها ولا فرق بينه وبين غيره ، وقد عرفت أنّه لا يجوز التمسك بأصل البراءة مع ثبوت الدليل بل قبل التفحّص عن الدليل ، فإن ثبت الضرر وتحقق اندراج محلّ النزاع فيه فلا إشكال في عدم الجواز ، وإن ثبت عدمه فلا إشكال في الجواز ، وإن شك فيه فكذلك أيضا لعدم ثبوت الدليل فلا محصّل لما ذكره ، والمشهور دخول أمثال ذلك تحت قاعدة الإتلاف لصدقه عليه عرفا ، وأما شمول قوله (عليه‌السلام) «لا ضرر ولا ضرار» لذلك فهو

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٥٥.

٥٤٧

موقوف على فهم فقه الحديث (١) انتهى موضع الحاجة.

وأيضا قوله في المتن في ذيل الجواب ومجرّد احتمال اندراج الواقعة في قاعدة الإتلاف أو الضرار إلى آخره ، كأنه مأخوذ من كلام صاحب الفصول (رحمه‌الله) (٢) فإنه تعرّض للجواب عما ذكره الفاضل التوني (رحمه‌الله) في آخر فصل عدم الدليل دليل العدم ، فراجع فإنه لا يخلو عن فائدة قد أعرضنا عن نقله مخافة التطويل.

ثم لا يخفى أنّ مزاحمة الأصل لتضرر المسلم المنفي بدليل قاعدة الإتلاف أو الضرر مبنية على أن يكون أصل البراءة نافيا للضمان كما أنه ناف للإثم والعقاب بناء على نفيه للأحكام الوضعية أيضا وهو غير مختار المصنف ، مع أنه على تقدير التعميم قد خرج عنه الضمانات فإنها ثابتة مع الجهل على ما صرّح به المصنف في ذيل حديث الرفع.

ثم إنّ دلالة حديث الضرار على الضمان محل كلام سيأتي وليس مسلّما.

قوله : كما لا وجه لما ذكره من تخصيص مجرى الأصل ، إلخ (٣).

هذا ثالث الشروط التي ذكرها التوني (رحمه‌الله) وقد تقدم الكلام فيه مستوفى من الماتن ومنّا فراجع.

__________________

(١) القوانين ٢ : ٤٧.

(٢) الفصول الغروية : ٣٦٦.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٤٥٦.

٥٤٨

قاعدة لا ضرر ولا ضرار

قوله : فنقول قد ادعى فخر الدين في الإيضاح في باب الرهن تواتر الأخبار على نفي الضرر والضرار (١).

واستدل أيضا على القاعدة بالإجماع بل الضرورة ، وهو كذلك في الجملة لكنه لا ينفع بالنسبة إلى موارد الشك ، وبأدلة الحرج أيضا ، كما أنه استدل على قاعدة الحرج أيضا بأدلة الضرر ، ولا بأس بذلك كله في الجملة بالنسبة إلى بعض أفراد موضوعهما ، فإنّ النسبة بين موضوع الحرج والضرر عموم من وجه ، والعمدة في دليل القاعدة الأخبار ولم يتعرض المصنف لها سوى ما ورد في قضية سمرة بن جندب ، وقد جمعها المحقق النراقي (رحمه‌الله) في عوائده (٢) وهي إحدى عشرة رواية ثلاثة منها في قضية سمرة وقد ذكر المصنف في المتن روايتين منها ، ثالثها رواية الحذّاء عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٣) وهي قريبة

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٥٧.

(٢) عوائد الأيام : ٤٣ ـ ٤٧.

(٣) الوسائل ٢٥ : ٤٢٧ / كتاب إحياء الموات ب ١٢ ح ١.

٥٤٩

من رواية ابن مسكان (١) إلّا أنه ليس فيها لفظ الضرر والضرار بل فيها إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال «ما أراك يا سمرة إلّا مضارّا اذهب يا فلان فاقلعها واضرب بها وجهه». والرابع مكاتبة محمد بن الحسين عن أبي محمد ، وفي آخرها فوقّع (عليه‌السلام) «يتّقي الله عزوجل ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضارّ بأخيه المؤمن» (٢) والخامس رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال «قضى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه لا يمنع نفع البئر ، وقضى (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلاء ، فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : لا ضرر ولا ضرار» (٣) والسادس رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل شهد بعيرا مريضا وهو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم فجاء وأشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد ، فقضى أنّ البعير برىء فبلغ ثمنه دنانير قال : فقال لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ ، فإن قال أريد الرأس والجلد فليس له ذلك هذا الضرار وقد أعطى حقه إذا أعطى الخمس» (٤) والسابع رواية عقبة بن خالد أيضا عن الصادق (عليه‌السلام) «قال (عليه‌السلام) قضى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال (عليه‌السلام) لا ضرر ولا ضرار» (٥) والثامن رواية طلحة بن زيد عن الصادق (عليه‌السلام) «قال (عليه‌السلام) إن الجار كالنفس غير مضار ولا

__________________

(١) نفس المصدر ح ٤.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٤٣١ / كتاب إحياء الموات ب ١٥ ح ١.

(٣) الوسائل ٢٥ : ٤٢٠ / كتاب إحياء الموات ب ٧ ح ٢.

(٤) الوسائل ١٨ : ٢٧٥ / أبواب بيع الحيوان ب ٢٢ ح ١.

(٥) الوسائل ٢٥ : ٣٩٩ / كتاب الشفعة ب ٥ ح ١.

٥٥٠

آثم» (١) والتاسع ما رواه العلامة في التذكرة وابن الأثير في نهايته وهو قوله (عليه‌السلام) «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» (٢) والعاشر صحيحة البزنطي عن حماد عن معلّى بن خنيس عنه (عليه‌السلام) قال «من أضر بطريق المسلمين شيئا فهو ضامن» (٣) والحادي عشر صحيحة الكناني عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «قال من أضر بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن» (٤) وذكر المصنف في رسالة مفردة معمولة لقاعدة الضرر جميع هذه الروايات ما عدا الروايتين الأخيرتين مع صحة سندهما ، ولعله لعدم عموم فيهما في غير الاضرار بطريق المسلمين ، أو لأنّ مفادهما سببية الإتلاف للضمان مباشرة أو تسبيبا ، إذ قوله (عليه‌السلام) «من أضر بطريق المسلمين» إما أن يراد منه الإضرار بنفس الطريق بتخريبه المانع عن الانتفاع به بالاستطراق ونحوه ، ومعنى ضمانه له أنّ عهدته عليه فيجب إصلاحه وإعادته على حاله قابلا لانتفاعاته ، أو يراد منه الإضرار بالطريق بحفر بئر ونحوه مثلا بحيث يحصل به الضرر على المسلمين بعثور وتلف نفس أو طرف أو مال وضمانه بضمان ما يتلف مترتبا على إفساده للطريق ، ويحتمل أن يكون الطريق كناية عن مطلق ما يتعلّق بأمور المسلمين من شأنهم وكسبهم ومعاملاتهم ونحو ذلك ، وعلى هذا مفاد الروايتين أيضا يكون عاما كمفاد قوله (عليه‌السلام) «لا ضرر ولا ضرار».

ثم لا يخفى عليك جهة اختلاف الأخبار باعتبار بعض القيود التي لعله يتفاوت المفاد بها في بعض المقامات الآتية ، فإنّ في رواية زرارة «لا ضرر ولا

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ١٢٦ / أبواب أحكام العشرة ب ٨٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢٦ : ١٤ / أبواب موانع الارث ب ١ ح ١٠.

(٣) الوسائل ١٩ : ٢٣٨ / كتاب الهبات ب ٦ ح ٤.

(٤) الوسائل ٢٩ : ٢٤١ / أبواب موجبات الضمان ب ٨ ح ٢.

٥٥١

ضرار على مؤمن» وكذا في مكاتبة محمد بن الحسين «ولا يضار بأخيه المؤمن» وهذا القيد مفقود في باقي الأخبار ، وفي رواية التذكرة والنهاية الأثيرية «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» وهذا القيد ليس في باقي الروايات ، وباعتبار ترتيب أثر الوضع كالضمان ونحوه في بعضها دون بعض.

ولا يخفى أيضا ورود الإشكال أو حصول الإجمال في بعض هذه الروايات مما لا يتعلّق بجهة الاستدلال ولا ينافي صحة الاستدلال بها على ما نحن بصدده مثل ما استشكل به المصنف في الرسالة من حكم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بقلع عذق سمرة فإنّ نفي الضرر لا يقتضيه ، بل المناسب الحكم بالاستئذان ، وإجباره عليه وقلع عذقه أمر زائد على دفع الإضرار المنفي ، ولعل العلاج كان منحصرا فيه وهي قضية في واقعة لا نعلم خصوصياتها ، ومثل قوله (عليه‌السلام) «ولا آثم» في رواية طلحة بن زيد «إنّ الجار كالنفس غير مضار ولا آثم» فإنه غير متّضح المفهوم وإن وجّهه في العوائد بما لا يخلو عن بعد ، والأوجه أن يقال إنه ليس داخلا في وجه التشبيه ، بل المراد التنبيه على أن الاضرار بالجار آثم فكأنه قال (عليه‌السلام) لا تضرّ بالجار ولا تكن آثما بالإضرار عليه ، والله أعلم ، ومثل اشتراك صاحب الدرهمين في رواية هارون بالخمس بدلا عن الرأس والجلد مطلقا ، ولعل الرأس والجلد بعد برء البعير يقوّم بأزيد من الخمس أو أقل إلى غير ذلك.

ثم إنّ التعبير بالضرر المنفي في هذه الأخبار مختلف بحسب الصيغة بألفاظ أربعة : الضرار والضرر والإضرار والمضارة ، ولذلك تعرّض المصنف في

٥٥٢

الرسالة وكذا صاحب العوائد (١) والعناوين (٢) بل القوانين (٣) لنقل كلمات اللغويين في الألفاظ المذكورة وأشار إليه في المتن عند :

قوله : وأما معنى اللفظين فقال في الصحاح الضر خلاف النفع ، إلخ (٤).

محصّل ما يستفاد من كلماتهم أمور ثلاثة : الأول الصيغة ، فالضرر اسم المصدر في صريح كلام الصحاح (٥) وكذا المصباح (٦) أيضا وكذا في بعض آخر على ما حكاه النهاية الأثيرية (٧) في آخر كلامه ، وظاهر أول كلامه أنه مصدر ، وكلام القاموس (٨) محتمل للأمرين. وظاهرهم أنّ الضرار مصدر ضرّه أو ضارّه ، كما أنّ المضارّة والإضرار على ما في بعض النسخ بدل الضرار كما في العناوين مصدران لضاره وأضرّه ، والظاهر أنه لا ثمرة في تعيين الصيغة ويتم الاستدلال على كل تقدير إن تم من سائر الوجوه.

الثاني : الفرق بين الضرر والضرار ، ويستفاد من كلام النهاية الأثيرية وجوه ثلاثة في الفرق كما حكاه في المتن ، ووجه في اتحاد معناهما ، ويشعر بالفرق كلام الصحاح والمصباح والقاموس أيضا كما لا يخفى ، إلّا أنه لا تطمئنّ

__________________

(١) عوائد الأيام : ٤٧.

(٢) العناوين ١ : ٣٠٧.

(٣) القوانين ٢ : ٥٠.

(٤) فرائد الأصول ٢ : ٤٥٩.

(٥) الصحاح ٢ : ٧١٩.

(٦) المصباح المنير : ٣٦٠.

(٧) النهاية لابن الأثير ٣ : ٨١.

(٨) القاموس المحيط ٢ : ٧٧.

٥٥٣

النفس بشيء في ذلك مع هذا الاختلاف ، ويحصل بذلك في معنى الضرر والضرار بعض الإجمال فافهم.

الثالث : معنى الألفاظ الأربعة ، ولا يخفى اختلاف التعابير في معنى الضرر من كونه ضدّ النفع والنقص في الأعيان وسوء الحال وإدخال المكروه ، وفي معنى الضرار من كونه هو الضيق أو المضارة أو جزاء الضرر أو الضرر من غير أن ينتفع به أو كونه مرادفا للضرر ، ولا يحصل منه أيضا شيء تطمئن به النفس فيما يختلف به المعنى.

إلّا أنّ الذي يسهّل الخطب أنّ العرف محكّم في موارد الاختلاف ، فلنتكلّم في تحقق المعنى العرفي من جهات ، إحداها : أنّ صدق الضرر يختلف بالنسبة إلى الموارد والأشخاص فربما يعدّ تلف شربة من الماء أو حبّات من الحنطة ضررا بالنسبة إلى بعض الأمكنة أو بعض الأزمان أو بعض الأشخاص ، ولا يعدّ ضررا بالنسبة إلى مكان آخر أو زمان آخر أو شخص آخر ، وهكذا في سائر مقولات الضرر في المال والنفس والعرض وغيرها ، والعرف محكّم في جميع مواردها ، وهذا مما لا إشكال فيه ظاهرا.

الثانية : أنّ مجرّد عدم النفع أو فوات النفع ليس بضرر ، فمن تسبب لفوات نفع لغيره لا يقال إنه أضرّه كما إذا زاحم التاجر في تجارته بأن باع مثل جنس متاعه من طالبيه بأقل مما يبيع التاجر من ثمن فيفوت منفعة التاجر أو يقلّ ، لكن الظاهر صدق الضرر في بعض موارد فوات النفع كما لو حبس حرا كسوبا يوما أو أياما فإنه يقال في العرف إنه أضرّ به ، وتضرّر ذلك الحر بفوات انتفاعه بكسبه مقدار كذا وكذا ، ويلزم أن يحكم بضمانه بقاعدة الضرر كما اختاره الأردبيلي (١)

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٥١٣.

٥٥٤

وصاحب الرياض (١) وبعض آخر خلافا للمشهور ، ولعلهم لم يفهموا من أخبار الضرر والضرار الضمان وحملوها على مجرّد الحرمة كما هو أحد محتملاتها كما سيأتي بيانه ، لا لعدم تحقق موضوع الضرر ، ويظهر من صاحب الجواهر (رحمه‌الله) (٢) أيضا الاعتراف بصدق موضوع الضرر ، إلّا أنه لم يحكم بالضمان نظرا إلى أنّ الأخذ بعموم نفي الضرر يحصل منه فقه جديد وسيأتي الكلام في هذا الإشكال إن شاء الله.

الثالثة : أنّ المنقصة التي تقابل بالعوض ليست ضررا في العرف كما في المعاوضات التي بنيت على ذلك وكما في صرف البذر والعمل والعامل في الزراعة ، وكذا في التجارة وصرف الحبّ في الشبكة للصيد إذا حصل المقصود من الزرع والربح والصيد ، بل ربما يقال بعدم صدق الضرر مع عدم حصول المقصود أيضا ، وفيه تأمّل ، نعم تدارك الضرر وجبرانه بعد حصوله لا يدفع صدق الضرر عرفا حتى لو فرض العلم بتحقق التدارك قبل حصول الضرر فإنه لا ينافي صدق الضرر ، فإنّا نجد الفرق بين المعاوضة وبين الإقدام على الضرر الذي نعلم بجبرانه وحصول تداركه بعد تحققه.

وهاهنا كلام غريب لصاحب العوائد (٣) وتبعه صاحب العناوين (٤) وأصرّا عليه وهو أنّ المنقصة المقابلة بالعوض الأخروي والمثوبة ليست بضرر ، ومنه وقع صاحب العوائد (قدس‌سره) في مضيقة إشكال ثم أجاب عنه ثم أورد عليه ثم أجاب ، ولا بأس بنقل عبارته ثم الإشارة إلى ما يرد عليه ، قال (قدس‌سره)

__________________

(١) رياض المسائل ١٤ : ١٦ ـ ١٧.

(٢) جواهر الكلام ٣٧ : ٤٠.

(٣) عوائد الأيام : ٥٦.

(٤) العناوين ١ : ٣١٣ ـ ٣١٤.

٥٥٥

بقي هنا أمر آخر وهو أنّ الضرر كما مرّ هو ما لم يكن بإزائه عوض ، والعوض كما أشرنا إليه يعمّ الأخروي أيضا ، والعوض الدنيوي مما يمكن درك وجوده أو انتفائه بخلاف الأخروي ، وعلى هذا فكيف يمكن فهم أنّ الضرر الذي يتضمّنه الحكم الفلاني لا عوض له حتى يكون ضررا. ودفعه أنّ الضرر هو الذي لم يكن بإزائه عوض معلوم أو مظنون ، واحتمال العوض لا ينفي صدق الضرر مع أنّ العوض الأخروي معلوم الانتفاء بالأصل.

فإن قيل : هذا ينفع إذا لم يكن الحكم المتضمّن للضرر داخلا في عموم دليل شرعي ، وأما إذا كان داخلا فيه سيّما إذا كان من باب الأوامر وأمثاله يثبت العوض ويلزمه عدم تعارض نفي الضرر مع عمومه مع أنه مخالف لكلام القوم ، مثلا إذا ورد إذا استطعتم حجّوا أو إذا دخل الوقت صلّوا يدل بعمومه على الأمر بالحج والصلاة في كل وقت حصل الاستطاعة أو دخل الوقت وإن تضمّن ضررا كليا والأمر يدل على العوض فلا يكون ضررا.

قلنا : الأمر تعلّق بالحج والصلاة ولازمه تحقق الأجر المقابل لماهية الحج والصلاة المتحقق في حالة عدم الضرر أيضا ، وأما حصول عوض في مقابل الضرر وأجر له فلا دليل عليه ، نعم لو كان نفس الضرر مما أمر به يحكم بعدم التعارض وعدم كونه ضررا كما في قوله (عليه‌السلام) «إذا ملكتم النصاب فزكّوا» وأمثاله ، انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول : قد عرفت أنّ مقابلة الضرر بالأجر الأخروي لا ينافي صدق الضرر عرفا فلا إشكال ، وبه أجاب المصنف (قدس‌سره) عن كلام العوائد في الرسالة ، وإلّا فالإشكال وارد عليه ولا يصح دفعه بما دفعه من عدم دلالة عمومات الأدلة على حصول العوض الأخروي في مقابل الضرر ، وإنما هو في مقابل

٥٥٦

ماهية العبادة ، لما أشار إليه في المتن كما سيأتي عن قريب عند تعرّضه لكلام العوائد من أنه يكفي في تدارك الضرر الأجر المستفاد من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «أفضل الأعمال أحمزها» (١) وما اشتهر في الألسن وارتكز في العقول من أنّ الأجر على قدر المشقة ، فيقال إنّ الفرد الضرري أكثر أجرا من غيره من أفراد الماهية ، فتكون هذه الزيادة في مقابل نفس الضرر ، إلّا أنّ المصنف أجاب في المتن أوّلا عن أصل الإشكال بأنه يظهر من حكومة الروايات على سائر الأدلة وورودها في مقام الامتنان أنّ مصلحة الحكم الضرري المجعول بالأدلة العامة لا تصلح أن تكون تداركا للضرر حتى يقال إنّ الضرر يتدارك بالمصلحة العائدة إلى المتضرر بل ليس ضررا.

ولا يخفى أنّ هذا الجواب بظاهره لا محصّل له ، لأنّ حكومة الروايات على تقدير التسليم وورودها في مقام الامتنان إنما تنفع في رفع الإشكال إن تحقق صدق موضوع الضرر وهل الكلام إلّا في ذلك ، والمفروض أنّ الأجر الأخروي المكشوف من شمول عمومات الأوامر لهذا الفرد الضرري قابل لأن يقابل لهذا الضرر ويخرجه عن موضوعه ، فيحكم بعدم موضوع الضرر بدليل ثبوت ذلك العموم.

وبالجملة صدق موضوع الضرر موقوف على عدم شمول عموم الأمر للفرد الضرري ، وعدم شموله له موقوف على صدق موضوع الضرر عليه حتى يكون خارجا عن العموم بواسطة الحكومة فالمسألة دورية ، فلا ملجأ بعد فرض العلم بأنّ أخبار الضرار حاكمة على الأدلة إلّا عن أن يقال إنها حاكمة على أدلة الأحكام الوضعية دون التكليفية ، لعدم العلم بصدق الموضوع في التكليفيات ،

__________________

(١) بحار الأنوار ٦٧ : ١٩١ و ٢٣٧.

٥٥٧

هذا.

مضافا إلى أنّه لو قطعنا بحكومة أخبار الضرر على التكليفيات أيضا وأنها ناظرة إلى شرحها وتفسيرها على ما هو معنى الحكومة ، وقلنا بأنّ العوض الأخروي موجب لعدم صدق الضرر كما هو المفروض ، كان مفاد أخبار الضرار أنه لا ضرر في التكاليف المجعولة ، يعني ما ترونه ضررا بحسب الظاهر فإنه ليس بضرر واقعا لأنّه متدارك بالأجر الأخروي ، وكأنّ الماتن يجعل الحكومة منحصرا فيما يرجع إلى تخصيص الأدلة مع أنها بحسب معناها الذي اختاره وهو أن يكون الحاكم بلسانه شارحا ومفسّرا للدليل المحكوم أعم من ذلك يشمل مثل ما ذكرنا ، فليتأمل.

قوله : إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم أنّ المعنى بعد تعذّر إرادة الحقيقة عدم تشريع الضرر (١).

المذكور في المتن في المراد من نفي الضرر والضرار في الأخبار معنيان ، وذكر المصنف في الرسالة معان ثلاثة ، ونحن نحرّر المقام على ما ذكره في الرسالة وعلى ترتيبها فنقول :

المعنى الأول : حمله على النهي ، فيكون المعنى تحريم الفعل الضرري وتوجيهه بأحد وجوه ثلاثة ، الأول : أن تكون الجملة الخبرية مستعملا في الإنشاء كقوله (عليه‌السلام) «المؤمنون عند شروطهم» (٢) ونظائره في الأخبار كثيرة. الثاني : ما في العوائد ، وهو أن يكن النفي باقيا على حقيقته ويكون المعنى لا ضرر ولا ضرار مجوّزا ومشروعا في دين الإسلام بطريق مجاز الحذف

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٦٠.

(٢) الوسائل ٢١ : ٢٧٦ / أبواب المهور ب ٢٠ ح ٤.

٥٥٨

بدلالة الاقتضاء كما يقدّر في قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «رفع عن أمتي تسعة» مؤاخذة التسعة أو آثارها. الثالث : أن يكون نفي موضوع الضرر كناية عن حرمته ، فقد نزّل الشارع الضرر لكونه محرما منزلة المعدوم وقال «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» يعني تنزيلا لا تحقيقا ، وهذا المعنى لا يشمل أكثر الموارد التي استدل الفقهاء (رحمهم‌الله) بالقاعدة عليها من موارد الضمان والخيارات والشفعة وغيرها مما ستسمع إن شاء الله.

وبالجملة هذا المعنى مختص بإفادة التكليف وحرمة الضرر على الغير بل على النفس أيضا على تأمل في الثاني ، ولا ربط له بالوضعيات أصلا ، بل في التكليفيات أيضا لا تدل هذه الأخبار على هذا المعنى إلّا على مجرّد الحرمة دون الفساد إن كان الفعل من العبادات أو المعاملات ، مثلا تدل على حرمة الوضوء الضرري لا فساده لعدم دلالة التحريم على الفساد ، لكن في المتن أنه لا بدّ من أن يراد بالنهي زائدا على التحريم الفساد وعدم المضي للاستدلال به في كثير من رواياته على الحكم الوضعي ، فالنهي هنا نظير الأمر بالوفاء بالعقود والشروط.

فإن أراد دلالة النهي على التحريم والفساد في عرض واحد بحسب مدلول اللفظ فهو فاسد على مذاق المحقّقين من المتأخرين من عدم دلالة النهي المراد به التحريم على الفساد ، والنهي الذي يدل على الفساد هو النهي الإرشادي الذي لا يراد منه سوى الإرشاد إلى عدم ترتب الأثر المقصود على المنهي عنه ، وإرادة المعنيين معا استعمال للفظ في أكثر من معنى واحد إذ لا جامع بين الطلب والإرشاد على ما تقرر في محله.

وإن أراد أن النهي لا يدل إلّا على التحريم إلّا أنّ التحريم في خصوص

٥٥٩

المقام يستتبع الفساد كما هو كذلك في مثال النظير على ما بيّنه المصنف في مبحث الخيارات من كتاب المكاسب فهو أيضا فاسد وبيانه موقوف على نقل ما أفاده (رحمه‌الله) من كيفية استتباع التكليف للوضع في الأمر بالوفاء بالعقود والشروط قال في أول مبحث الخيارات عند الاستدلال على أصالة اللزوم بآية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ما لفظه : والمراد بوجوب الوفاء العمل بما اقتضاه العقد في نفسه بحسب الدلالة اللفظية نظير الوفاء بالنذر ، فإذا دلّ العقد مثلا على تمليك العاقد ماله من غيره وجب العمل بما يقتضيه التمليك من ترتيب آثار ملكية ذلك الغير له ، فأخذه من يده بغير رضاه والتصرّف فيه كذلك نقض لمقتضى ذلك العقد فهو حرام ، فإذا حرم بإطلاق الآية جميع ما يكون نقضا لمضمون العقد ومنها التصرّفات الواقعة بعد فسخ المتصرّف من دون رضا صاحبه كان هذا لازما مساويا للزوم العقد وعدم انفساخه بمجرّد فسخ أحدهما ، فيستدلّ بالحكم التكليفي على الحكم الوضعي أعني فساد الفسخ من أحدهما بغير رضا الآخر وهو معنى اللزوم (١) انتهى.

ثم بعد تضعيف بعض ما أورد على الاستدلال المذكور قال (رحمه‌الله) وأضعف من ذلك ما نشأ من عدم التفطن لوجه دلالة الآية على اللزوم مع الاعتراف بأصل الدلالة لمتابعة المشهور ، وهو أنّ المفهوم من الآية عرفا حكمان تكليفي ووضعي ، وقد عرفت أن ليس المستفاد منها إلّا حكم واحد تكليفي يستلزم حكما وضعيا ، انتهى.

وقال في ذيل أول مسقطات خيار المجلس وهو إسقاطه بالشرط في ضمن وجوه تصوير الشرط المذكور ما لفظه : الثاني : أن يشترط عدم الفسخ

__________________

(١) المكاسب ٥ : ١٨.

٥٦٠