حاشية فرائد الأصول - ج ٢

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-089-6
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ٢ الجزء ٣

يرتفع به احتمال العقاب لا العلم الذي فرض بعد فوات وقت العمل ولا يترتب عليه فائدة كما ذكر في السؤال.

قوله : وسيجيء في باب الاستصحاب أيضا (١).

الظاهر أنه جواب آخر عن السؤال ، والفرق بينه وبين الجواب الأول أنّ الجواب الأول مرجعه إلى عدم جواز ترخيص الشارع ارتكاب أحد الطرفين عقلا بعد فرض كون العلم الإجمالي منجّزا يعاقب على مخالفته كيف ما كان لأنّه قبيح ، ومرجع الثاني إلى قصور دليل الأصل عن شمول طرفي المعلوم بالإجمال بالبيان الذي ذكره في مبحث الاستصحاب.

قوله : فتأمل حتى لا تتوهّم أنّ استعمال قوله (عليه‌السلام) «كل شيء لك حلال» (٢).

يعني تتوهم أنّ لفظة حلال في قوله (عليه‌السلام) «كل شيء لك حلال» يراد به حلّية الأشياء المشكوكة معيّنا في الشبهات البدوية ومخيّرا في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ، ودفعه أنّ المشتبه في الشبهة المحصورة شيء واحد ، لأنّ هناك شكا واحدا وهو في حلّية هذا وحرمة الآخر أو العكس ، لا الشيئان هذا وهذا. وبعبارة أخرى نشك في أنّ هذا حلال أو ذاك فيشمله العموم على وجه التعيين غاية الأمر أنّ أحدهما عنوان كلي يصدق على كل من الطرفين بطريق مانعة الجمع يحكم بحلّيته لأنّه شيء مشكوك الحرمة ، فهو مصداق واحد للشيء وإن كان كليا وهو في عرض سائر المصاديق الشخصية ، هذا غاية ما يمكن من توجيه هذا السؤال.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢١٢.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢١٣.

٢٦١

ويرد عليه ـ مضافا إلى ما سيجيء في المتن ـ أنّ فرض كون الشك في الشبهة المحصورة شكا واحدا خلاف الواقع ، لأنّ كلا من الطرفين مع قطع النظر عن الآخر مشكوك الحلية والحرمة ، فيكون مصداقا للشيء يحكم بحلّيته بحكم الرواية ، ولا يلاحظ بعض أفراد العام منضما إلى فرد آخر حتى يقال إنّ المشكوك في الشبهة المحصورة أحدهما لا كلاهما ، سلّمنا ملاحظة الفردين هاهنا معا ومع ذلك نقول إنّ هناك شكين ومشكوكين لأنّ كلا من الطرفين محتمل الحلية والحرمة في حال ملاحظة الآخر معه ، غاية الأمر أنّ هناك أحدهما معلوم الحرمة وهذا لا يوجب اتّحاد الشكّ والمشكوك فيه.

قوله : وإما لما ذكره بعضهم (١).

هو المحقق النراقي في كتاب مناهج الاصول (٢) على ما حكي عنه.

قوله : إن أريد أنّ مجرد تحصيل العلم بارتكاب الحرام حرام فلم يدل عليه دليل (٣).

كيف ولو كان عنوان تحصيل العلم بارتكاب الحرام بمجرّده مع قطع النظر عن نفس ارتكاب الحرام حراما لزم اطّراده فيما لو استعلم حال ما ارتكبه سابقا من الشبهات البدوية غفلة أو اعتمادا على الأصل وتبيّن أنه كان محرّما في الواقع لكونه تحصيلا للعلم بارتكاب الحرام ، وفيما إذا ارتكب ما عدا مقدار الحرام أوّلا غفلة أو جهلا بسيطا أو مركبا أو نسيانا ، فيكون ارتكاب مقدار الحرام أخيرا حراما لكونه محصّلا للعلم بارتكاب الحرام ، وهذا مع كونه بديهي

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢١٤.

(٢) مناهج الاصول : ٢١٩.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٢١٤ ـ ٢١٥.

٢٦٢

البطلان مما لا يلتزمه القائل ظاهرا.

وأيضا يرد على القائل بناء على هذا الاحتمال في مراده كما هو ظاهر كلامه أنّ القول بحرمة ارتكاب مقدار الحرام لكونه محصّلا للعلم بارتكاب الحرام خروج عن المبحث ، لأنّ البحث في مسألة الشبهة المحصورة ليس إلّا من جهة ارتكاب المحرّم الواقعي الموجود بين الأطراف بالعلم الإجمالي لا من جهة طروّ عنوان آخر يقتضي حرمة بعض الأطراف بذلك العنوان ككونه محصّلا للعلم بارتكاب الحرام وككونه منهيا عنه بنهي الوالدين مثلا وأمثال ذلك (١).

ثم اعلم أنّ هنا احتمالا آخر في كلام القائل غير ما ذكر وهو أن يقول إنّ تحصيل العلم بارتكاب الحرام حرام لو كان بسبب ارتكاب ما يحتمل الحرمة لا مطلقا حتى يشمل ما لو ارتكب الحرام مثلا في السابق بوجه مجوّز للجهل ونحوه ويمكن أن يتفحّص عنه حتى يحصل له العلم بارتكابه الحرام سابقا ، لكن هذا الاحتمال أيضا مشارك للاحتمال السابق في عدم الدليل على حرمته ، مضافا إلى الوجهين اللذين أضفناهما إليه آنفا.

قوله : وإن أريد أنّ الممنوع عنه عقلا (٢).

هذا الشق من الترديد أيضا يحتمل وجهين : أحدهما أن يريد أنّ حرمة المخالفة العلمية صارت سببا لوجوب إبقاء مقدار الحرام ومانعا عن إجراء أصالة الحلّ فيه بحيث لو خالف وارتكبه بعد ارتكاب ما عدا مقدار الحرام كان حراما يعاقب عليه لو صادف الحرام الواقعي وإلّا كان تجرّيا ولم يحصل حرام

__________________

(١) أقول : اللهمّ إلّا أن يقال إنّ وجود المحرم الواقعي في البين هنا لمّا كان علّة لحصول ذلك العنوان الخارجي ناسب إدخاله في المبحث فتدبّر.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢١٥.

٢٦٣

يعاقب عليه ، لأنّ ما ارتكبه أوّلا ممّا عدا مقدار الحرام كان مرخّصا فيه بدليل حلّ الشبهة ، وما ارتكبه أخيرا كان حلالا في الواقع وإن كان ممنوعا عنه في الظاهر.

الثاني : أن يريد القائل أن المخالفة العلمية حرام بمعنى كون العلم بالمخالفة سببا لكون المحرّم الواقعي الموجود في البين حراما فعليا يعاقب عليه وإن كان المحرّم ما ارتكبه أوّلا ، وحينئذ فمعنى ترخيص الشارع له في الفرض ليس إلّا الترخيص بشرط أن لا يرتكب مقدار الحرام بعده وإلّا فهو حرام يعاقب عليه بشرط ارتكابه بعده بانيا على ذلك من أول الأمر كما هو أحد الاحتمالين أو مطلقا ولو لم يكن بانيا على ارتكاب الجميع من أول الأمر لكن بدا له وارتكب الجميع على الاحتمال الآخر الأظهر ، وكيف ما كان جوابه بجميع الاحتمالات ما ذكره في المتن.

قوله : ومما ذكرنا يظهر فساد الوجه الثاني (١).

وأيضا يرد عليه : أنّ مجموع الأطراف ليس شيئا وراء آحاد الأطراف التي حكمت بحلّيتها بمقتضى أخبار الحل إلّا بالاعتبار ، وأيضا لو كان بهذا الاعتبار محرّما لكونه معلوم الحرمة على ما ذكرت حصل التعارض بينه وبين ما دلّ على حليته باعتبار الآحاد يحتاج ترجيحه إلى دليل مفقود.

قوله : فيجمع بينهما وبين ما دلّ على تحريم العنوان الواقعي إلخ (٢).

صحّة هذا الجمع موقوفة على انفهام جعل بعض المحتملات بدلا عن الحرام الواقعي عرفا من مجموع الدليلين نظير العام والخاص المطلق ، وعهدة

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢١٥.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢١٦.

٢٦٤

هذه الدعوى على مدّعيها.

قوله : منها موثقة سماعة إلخ (١).

قوله «من عمال بني أمية» متعلّق بقوله أصاب ، و«من» فيه ابتدائية ، واحتمل كونها بيانية صفة لرجل والمعنى عن رجل من عمال بني أمية (لعنهم الله) أصاب مالا ، وهو خلاف الظاهر. قوله : «أصاب مالا» يعني أصاب مالا حراما وهو الظاهر منه بقرينة كون المأخوذ منه من عمال بني أمية. وقد يقال إنه أعمّ من ذلك ، وفيه : مع ما مرّ من القرينة ، أنّ قوله «انّ الخطيئة لا تكفّر الخطيئة» وقوله «إن كان خلط الحرام حلالا» إلى آخره شاهدان على أنّ المراد مال الحرام. قوله «إن كان خلط الحرام» إلى آخره ، يراد منه أنه إن كان الآخذ خلط الحرام بالحلال وحصل الشبهة فلا بأس. وقد يقال إنّ الضمير راجع إلى المأخوذ منه والمراد حصول الاشتباه عند المأخوذ منه ، ووجه الحلّية للآخذ حينئذ من جهة حمل تصرّف المأخوذ منه على الصحة ويخرج بذلك عمّا نحن فيه ، وفيه : أنه خلاف الظاهر ، كيف ولو كان المراد ما ذكر لقال إن كان خلطوا الحرام بضمير الجميع الراجع إلى عمال ، فتأمل.

قوله : ليس بأولى من حمل الحرام على حرام خاص يعذر فيه الجاهل كالربا (٢).

حمله على هذا المعنى في غاية البعد جدا ، وإن كان الحمل على جعل البدل أيضا بعيدا لكنه أقرب من ذلك ، إلّا أنّ التحقيق عندنا وعند المصنف على ما يستفاد من باب التراجيح أنّ كل خبر يكون ظاهره مخالفا لدليل قطعي

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢١٦.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢١٧.

٢٦٥

كالإجماع وحكم العقل ودار أمره بين حمله على المعنى التأويلي أو الطرح يتعيّن فيه الطرح أو التوقف الذي هو في معنى الطرح لعدم ترجيح الحمل على التأويل ، وتمام البيان موكول إلى محله.

قوله : متعسّر بل متعذّر (١).

لعل المراد أنه متعسّر لو قيل إنّ قوله (عليه‌السلام) «كل شيء حلال» استعمل في الجامع من الحلية التعيينية والتخييرية وهو الحلّية في الجملة ، ووجه التعسّر عدم القرينة ، ومتعذّر لو قيل باستعماله في المعنيين الحلّية التعيينية في الشبهات البدوية والتخييرية في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي بناء على القول بعدم جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد كما هو الحق ، ونظير ذلك ما ذكره المصنف في تعارض الاستصحابين وفي تعارض الخبرين بناء على حجية الأخبار من باب الطريقية فإنّ شمول الدليل لأحدهما مخيّرا مستلزم لاستعماله في معنيين التعيين في غير المتعارضين والتخيير في المتعارضين ، نعم لو كان حجية الأخبار من باب الموضوعية نحكم بالتخيير ولا ضير فيه ، لأنّ الدليل شامل لكلا المتعارضين ، وعجز المكلّف عن العمل بهما معا مانع عن فعلية التكليف بهما كالمتزاحمين في الغريقين وغيره.

ثم لا يخفى أن ما نحن فيه نظير قوله أكرم العلماء إلّا زيدا أو عمرا فإنه يفهم منه وجوب إكرام زيد وعمرو على التخيير ووجوب إكرام باقي العلماء على التعيين ، فيلزم استعمال لفظ الأمر في معنيين.

ويمكن الجواب عنه بوجوه الأول : أن يقال إنّ كلا من زيد وعمرو في المثال وكلا من الطرفين في الشبهة المحصورة فيما نحن فيه خارج عن الدليل

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢١٨.

٢٦٦

واستعمل اللفظ بالنسبة إلى الباقي في التعييني ، وأما وجوب الإكرام التخييري بالنسبة إلى زيد وعمرو فمستفاد من الخارج.

وفيه أوّلا : أنّ المفروض استثناء أحدهما بظاهر المخصّص فمن أين يحكم باستثناء كلا الفردين.

وثانيا : أنّ انفهام الوجوب التخييري من الخارج كما ذكر لا وجه له ، لأنا نفهم المعنى المذكور من خصوص هذا الكلام المشتمل على الاستثناء مع فرض عدم غيره.

الثاني : أن يقال إنّ إرادة الحكم التعييني في غير المستثنى والتخييري في المستثنى ليس من استعمال اللفظ في معنيين ، لأن استفادة الوجوب التعييني من الأمر ليس من جهة الوضع بل من باب الإطلاق على التحقيق المحقّق في محلّه ، فالأمر يدل على مطلق الوجوب أعمّ من التخييري ، ويفهم من إطلاقه بالتبادر التعيين من قبيل تعدد الدال والمدلول ، وحينئذ لو فرض عدم الإطلاق كما لو قال : أكرم العلماء إلّا بعضهم أو واحدا منهم يحمل على التخيير بالنسبة إلى جميع أفراد العام من قبيل تعدد الدال والمدلول أيضا ، وكذا لو فرض عدم الإطلاق بالنسبة إلى بعض الأفراد فقط كقوله : أكرم العلماء إلّا زيدا أو عمرا ، فالأمر لم يستعمل إلّا في القدر المشترك بين التعيين والتخيير ، وإخراج واحد من زيد وعمرو تخييرا دل على كون الوجوب تخييريا بالنسبة إليهما ، والإطلاق في باقي الأفراد دلّ على كون الوجوب تعيينا بالنسبة إليها ، وقد خرج عن أصل وجوب الإكرام في المثال المذكور فرد واحد وعن التعيينية فردان ، ويعلم جريان هذا البيان فيما نحن فيه من قوله (عليه‌السلام) «كل شيء لك حلال» بالمقايسة ، نعم قد يستشكل على ما ذكرنا من خروج فرد واحد عن أصل

٢٦٧

الوجوب مع اتصاف كلا الفردين بالوجوب التخييري فإنه يشبه التناقض ، وجوابه مبنيّ على تحقيق معنى الوجوب التخييري وبيان حقيقته وليس هاهنا مقام تحقيقه ، والأولى إيكاله إلى محلّه فتدبّر.

الثالث : أن يقال بإرادة الوجوب التعييني في المستثنى والمستثنى منه جميعا لكن يقيد الوجوب في جانب المستثنى في كل من الفردين بترك الآخر فكأنه قال : أكرم زيدا إن لم تكرم عمرا وأكرم عمرا إن لم تكرم زيدا ، فاستعمل الأمر في الوجوب التعييني مطلقا ، غاية الأمر تقييده بالنسبة إلى بعض أفراد متعلّقه ، فيكون الواجب مشروطا بالنسبة إلى ذلك البعض ومطلقا بالنسبة إلى باقي الأفراد ، وبمثل هذا قد أجيب عما أورد على المشهور في الواجب التخييري من أنّ ترخيص ترك بعض أطراف الواجب التخييري ينافي القول بوجوب الكلي.

توضيح الجواب : أنا نلتزم بأنّ وجوب كل واحد من الأطراف مشروط بترك باقيها ، فإذا ترك المكلّف أحد الأطراف وأتى بالآخر فقد ترك ما لم يكن واجبا لعدم حصول شرطه وهو ترك الآخر ، لكن هذا التصوير في تحقيق الواجب التخييري خلاف المختار ، ويرد عليه إيرادات مذكورة في محلها ، فالتحقيق في الجواب عن استعمال اللفظ في أكثر من معنى هو الجواب الثاني.

فالأولى في الجواب عن هذا الصنف من الأخبار العامة الشاملة للشبهة المحصورة والبدوية أن يقال إنّ الجمع بينها وبين ما دل على المنع من ارتكاب الحرام الواقعي بجعل البدل مما لا يساعده العرف ، فإنّ المقبول من الجمع ما إذا كان الدليلان بحيث لو اقترنا في كلام متكلّم واحد فهم ذلك بأن يكون أحدهما قرينة على صرف الآخر عرفا ، وما نحن فيه ليس كذلك ، أو يقال إنّ قوله (عليه

٢٦٨

السلام) «كل شيء حلال» يدل بالفرض على حلّية جميع أطراف الشبهة المحصورة ، فإذا علمنا بعدم جواز الحكم بالحلية في الكل للزوم التناقض يدور الأمر بين تخصيصه بإخراج مقدار الحرام على البدل وإبقاء الباقي تحت العموم على ما يقوله المستدل بالتوجيه الذي ذكره ، وبين تخصيصه بإخراج الشبهة المحصورة بتمام أطرافها عن العموم ، والثاني أقرب عرفا وإن كان أكثر تخصيصا من الأول ، فإنّ الترجيح بقلة التخصيص في مورده من جهة مساعدة الفهم العرفي عليه وهاهنا الأمر بالعكس ، أو يقال إنّ ظهور عموم «كل شيء» بالنسبة إلى الشبهة المحصورة إذا كان مخالفا للمقطوع به من وجوب الاجتناب عن المحرّم الواقعي في البين يجب طرح هذا الظهور بالنسبة إلى الشبهة المحصورة لا حمله على المعنى التأويلي وجعله دليلا عليه كما حقّق في باب التراجيح ، وقد أشرنا سابقا إلى هذا الجواب وكذا إلى الجواب الأول.

قوله : ونحوه مما يمكن الالتزام بخروجه عن قاعدة الشبهة المحصورة (١).

قد مرّ أنّ حمل الرواية على مورد الربا بعيد في الغاية ، نعم يمكن حمله على حصول الشبهة عند المأخوذ منه ، وجواز أخذه منه اعتمادا على اليد والتصرّف المحمول على الصحيح ، ويمكن تخصيص حكمه بمورده في الأموال لكن بعد إخراج الخمس بسبب الأخبار الدالة على وجوب إخراج الخمس عن المال الحلال المختلط بالحرام وحلّية الباقي ، وكيف كان إما أن تطرح الرواية لأجل كونها مخالفا للمقطوع به من وجوب الاجتناب عن المحرّم الواقعي ، أو يحمل على أقرب هذه المحامل المذكورة.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢١٨.

٢٦٩

قوله : ومن ذلك يعلم حال ما ورد في الربا من حل جميع المال المختلط به (١).

المشهور لم يعملوا بهذه الأخبار ، فإن لم نعمل نحن أيضا بها سقط الاستدلال ، وإن عملنا بها نقول إنّ للربا خصوصية لا يتعدّى حكمه إلى غيره ، فقد ورد حلية الربا بين الوالد وولده والزوج والزوجة والربا الذي أخذه حال الجهل بحرمته وإن كانت عينه موجودة.

قوله : منها قوله (عليه‌السلام) «ما اجتمع الحلال والحرام إلّا غلب الحرام الحلال» (٢).

وفيه : أنّ الظاهر من الاجتماع هو الخلط المزجي لا الاشتباه ولا الأعمّ منهما ولا أقل من الشك والإجمال ، كما أنّ الظاهر من قوله «خلطه الحرام» في رواية ضريس (٣) لو لم يكن صريحه هو المزج فقط لا الأعم ، وكذا قوله (عليه‌السلام) «حتى يجيئك شاهدان أنّ فيه الميتة» في رواية ابن سنان (٤) ، نعم قوله (عليه‌السلام) «اتركوا ما لا بأس به حذرا عما به البأس» (٥) ليس ظاهرا في الخلط المزجي وإن كان يحتمله ، لكنه ليس ظاهرا في الشبهة المحصورة أيضا بل الظاهر منه هو الأمر بالتقوى وغاية الاحتياط كي لا تطمع النفس في ارتكاب المحرمات ، فهو يؤدي مضمون قوله (عليه‌السلام) «والمعاصي حمى

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢١٨.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢١٩.

(٣) الوسائل ٢٤ : ٢٣٥ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٦٤ ح ١.

(٤) الوسائل ٢٥ : ١١٨ / أبواب الأطعمة المباحة ب ٦١ ح ٢ وفيه : عن عبد الله بن سليمان.

(٥) بحار الأنوار ٧٧ : ١٦٤ / ١٩٢ (مع اختلاف يسير).

٢٧٠

الله فمن يرتع حولها يوشك أن يقع فيه» (١) ونظائره ، فهو إرشاد إلى حكم العقل بحسن الاحتياط مطلقا.

قوله : وفائدة الاستدلال بمثل هذا الخبر معارضته لما يفرض (٢).

توضيحه أن أخبار التثليث على هذا ليس مفادها إلّا الإرشاد بترتّب الهلاك والمفسدة التي تترتب على ارتكاب المحرّم الواقعي في نفسه ، ففي الشبهة البدوية التي لم يتنجّز التكليف بها لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان تكون المفسدة المترتبة منقصة ذاتية ، وفي الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي التي تنجّز التكليف بها بحكم العقل يكون المفسدة المترتبة هي العقاب ، فحينئذ يمكن أن يورد عليه بأنّ الحكم بلزوم الاحتياط في الشبهة المحصورة قد استفيد من حكم العقل بتنجّز التكليف ، فما الفائدة في الاستدلال بخبر التثليث مع أنه إرشاد إليه ولا يفيد تكليفا مولويا نظير قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(٣) فإنه لا يفيد سوى إيجاب الواجبات وتحريم المحرّمات المدلولة عليها بأدلّتها ، أجاب بأن فائدته معارضته لما يفرض من الدليل على جواز ارتكاب أحد المشتبهين مخيرا وجعل الآخر بدلا عن الحرام الواقعي كالأخبار السابقة عموما وخصوصا ، لأنّ مقتضاها حلية أحد المشتبهين مخيرا وإن صادف الحرام الواقعي بجعل الآخر بدلا ، ومقتضى خبر التثليث حرمته وترتّب العقاب عليه لو صادف المحرّم ، ولو لم يكن خبرا لتثليث لم يكن معارضة بين ذلك الدليل وحكم العقل بوجوب الاجتناب عن المحرم الواقعي المستفاد عن أدلة عنوان المحرّم الواقعي ، لأنّه بعد ما فرضنا جواز ترخيص الشارع ارتكاب أحد

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ١٦١ / أبواب صفات القاضي ب ١٢ ح ٢٧ (مع اختلاف يسير).

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٢١.

(٣) النساء ٤ : ٥٩.

٢٧١

الطرفين وجعل الآخر بدلا يكون ذلك الدليل حاكما على حكم العقل ، لأنّه كان معلّقا على عدم ترخيص الشارع ارتكاب أحد الطرفين وقد حصلت الرخصة وخرج عن موضوع حكمه.

فإن قلت : إذا كان خبر التثليث محمولا على الإرشاد إلى حكم العقل الذي لم يكن معارضا للدليل المفروض كان مساويا لحكم العقل المذكور مماثلا له في المفاد لا يزيد عليه كما في قوله (أَطِيعُوا اللهَ) بالنسبة إلى التكاليف الواقعية ، ومع هذا كيف يكون معارضا للدليل المفروض ولا يكون حكم العقل معارضا له.

قلت : لعلك تزعم أن الإرشاد والتقرير الذي يستفاد من خبر التثليث نظير ما يستفاد من موافقة حكم الشرع للعقل بقاعدة الملازمة بحيث لا يفيد سوى مجرّد التأكيد فقط ، وحينئذ يكون تابعا للمرشد إليه محضا حاله حاله حتى من جهة المعارضة للدليل المفروض والحكومة ، وليس كذلك بل الإرشاد هاهنا يفيد إمضاء حكم العقل بترتب العقاب وتقريره وتثبيته ، فلا جرم يعارض ما دلّ على عدم ترتّب العقاب على الارتكاب. وبعبارة أخرى يستفاد من خبر التثليث أنّ ما حكم به العقل من ترتب العقاب على ارتكاب المحرّم في الشبهة المحصورة فعليّ يترتب عليه. وبعبارة أخرى يفيد تنجيز ترتب العقاب على مخالفة الواقع فلا يحتمل المقام مع هذا ترخيصه ترك الاحتياط في بعض الأطراف ولو بجعل البدل ، وهذا بخلاف حكم العقل مجردا عن هذا الإمضاء والتقرير والتنجيز فإنّ موضوعه كان مقيّدا بعدم الترخيص المذكور ولذا لم يحصل التعارض بينه وبين دليل الترخيص.

٢٧٢

قوله : لكنه معارض بمثل خبر التثليث وبالنبويين بل مخصّص بهما لو فرض عمومه للشبهة الابتدائية (١).

يعني أنّ «كل شيء حلال» ونحوه مما يفرض دليلا على جواز ارتكاب أحد المشتبهين معارض بخبر التثليث ، لأنّهما متباينان لفرض شمول كل منهما للشبهات البدوية والشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ، بل مخصّص بخبر التثليث لأنّه نصّ في الشبهة البدوية وظاهر بالنسبة إلى الشبهة المقرونة بالعلم ، فيخصص بخبر التثليث ، لأنّه نصّ بالنسبة إلى الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي وظاهر بالنسبة إلى الشبهة البدوية ، كما أنّ ظاهر الثاني أيضا يخصّص بنص الأول نظير الجمع الذي ارتكبه الشيخ (رحمه‌الله) في الجمع بين خبر «ثمن العذرة سحت» (٢) وخبر «لا بأس ببيع العذرة» (٣)(٤).

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٢١.

(٢) الوسائل ١٧ : ١٧٥ / أبواب ما يكتسب به ب ٤٠ ح ١ (مع اختلاف يسير).

(٣) نفس المصدر ح ٣.

(٤) أقول : الانصاف أنّ حمل العبارة على المعنى المذكور غير وجيه منحرف عن السداد ، بل الظاهر بل المتيقّن أنّ مراده أن المفروض من الدليل على جواز ارتكاب أحد المشتبهين إن كان مختصا بموارد العلم الإجمالي كان معارضا لخبر التثليث الدال على لزوم الاحتياط كالصنف الثاني والثالث من الأخبار المذكورة في المتن سابقا ، وإن كان أعم منه ومن الشبهة البدوية كالصنف الأول منها مثل قوله (عليه‌السلام) «كل شيء حلال» ونحوه كان خبر التثليث والنبويين أخصّ منه مطلقا فيخصص بهما. لا يقال إنّ خبر التثليث أيضا شامل للشبهة البدوية بالتوجيه الذي ذكرت من أنه إرشاد إلى ترتّب المنقصة الذاتية على ارتكابها لو صادف المحرّم الواقعي فيعارض قوله (عليه‌السلام) «كل شيء حلال» تعارض التباين ، لأنّا نقول شموله لها من حيث إنّه لا يفيد حكما شرعيا كعدم شموله. وبعبارة أخرى لا يفيد حكم حرمة الارتكاب إلّا بالنسبة إلى الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي فيعارض ما يفيد حكم الحلّية فإن كان أعم مطلقا مثل «كل شيء حلال» يخصّصه جزما.

٢٧٣

قوله : فيسلم تلك الأدلة فتأمل (١).

يوجد في بعض النسخ قوله فتأمّل ، ويمكن أن يكون إشارة إلى ما ذكرنا سابقا في الشبهة التحريمية في الشك في التكليف من أنّ المراد بالهلكة في خبر التثليث هو الوقوع في المحرم الواقعي وهو مرغوب عنه مرجوح لا العقاب ولا المفسدة الذاتية فتأمل. ويمكن أن يكون إشارة إلى أنّ مثل قوله «كل شيء لك حلال» كما أنه ينفي العقاب على ارتكاب الشبهة البدوية كذلك ينفي المفسدة الذاتية الاخروية بالتدارك وبه جاز الترخيص وإلّا كان الاحتياط واجبا بحكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ، فعلى هذا لا يشمل خبر التثليث للشبهة البدوية أصلا.

ثم لا يخفى أنّ ما ذكره المصنف من قوله ولمّا كان دفع الضرر غير العقاب غير لازم إجماعا كان الاجتناب عن الشبهة المجرّدة غير واجب بل مستحبا مبني على مذاقه من حكم العقل المنجّز بقبح العقاب بلا بيان في الشبهة البدوية مطلقا حتى في الشبهة الموضوعية وقد تقدم منع حكم العقل مطلقا أوّلا ، ومنع حكمه في خصوص الشبهة الموضوعية لو سلّمناه في الشبهة الحكمية ثانيا ، ومنع كون حكمه منجّزا لو سلّمنا ذلك أيضا ، بل معلّق على عدم إيجاب الشارع للاحتياط لتجويز العقل تنجيز الواقع المجهول بالنسبة إلى غير الغافل ثالثا ، وحينئذ يقع التعارض بين حديث التثليث و«كل شيء لك حلال» تعارض التباين ، وحينئذ فلا وجه لقوله بل مخصّص بهما ، اللهمّ إلّا أن يقال إنّ الضمير في قوله بهما راجع إلى النبويين لا حديث التثليث والنبويين كما هو الظاهر ، لكن قد عرفت عدم دلالتهما على الاحتياط في الشبهة المحصورة بل ظاهرهما صورة

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٢١.

٢٧٤

المزج ، ولو فرض شمولهما للشبهة المحصورة يكون النسبة بينهما وبين قوله (عليه‌السلام) «كل شيء حلال» عموما من وجه ، فيبقى التعارض في خصوص الشبهة المحصورة التي هي مادة الاجتماع بحاله.

ومحصّل الكلام : أنّ الاستدلال بحديث التثليث ونحوه لم يفدنا في الحكم بوجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة لكونه معارضا بعموم «كل شيء حلال» تعارض التباين ، فلو حكمنا بتقديمه لزم الحكم بوجوب الاحتياط في الشبهة البدوية أيضا موافقا للأخباريين ، ولو حملناه على الاستحباب أو غيره من المحامل ككون المراد منه الشبهة قبل الفحص أو في زمان الانفتاح وإمكان الرجوع إلى الإمام (عليه‌السلام) ففي المقامين ، فلم ينفع الاستدلال بحديث التثليث على المطلوب ، فإذن أظهر الوجوه ما ذكرنا سابقا من أنّ المراد من قوله (عليه‌السلام) «هلك من حيث لا يعلم» وقوعه في نفس المحرّم الواقعي الذي يحسن الاحتراز عنه فيفيد استحباب الاحتياط.

قوله : منها ما ورد في الماءين المشتبهين (١).

من قوله (عليه‌السلام) «يهريقهما ويتيمم» (٢) فأوجب الاجتناب عن الطاهر في البين أيضا مقدمة لترك التوضّي بالنجس ، لكن فيه أوّلا : أنه ليس نظيرا لما نحن فيه من دوران الأمر بين الحرمة وغير الوجوب ، بل من قبيل دوران الأمر بين الواجب وغير الحرام لو قلنا بعدم الحرمة الذاتية للتوضّي بالماء النجس كما هو الحق ، أو من قبيل دوران الأمر بين الواجب والحرام لو قلنا بأنّ التوضّؤ بالماء النجس محرّم ذاتي ، اللهمّ إلّا أن يدّعى القطع بعدم الفرق بينه وبين

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٢١.

(٢) الوسائل ١ : ١٥٥ / أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١٤.

٢٧٥

الشبهة التحريمية ، وفيه تأمل.

وثانيا : لو أغمضنا عن ذلك أو قلنا بأنّه يفيد وجوب الاحتياط في مطلق الشبهة المحصورة ، أنّ للمورد خصوصية لعل الحكم بوجوب الاحتياط مستند إليها ليست فيما نحن فيه وهي ثبوت البدل للوضوء وهو التيمم ، فوجوب ترك الوضوء بالمرة للاحتياط عن استعمال الماء النجس لمكان البدل فكأنّه لم يترك الوضوء ، فلا يدل على لزوم الاحتياط عند عدم البدل الشرعي مثل ما نحن فيه.

وثالثا : أنه يمكن أن يكون الأمر بإهراق الماءين وترك الوضوء رأسا من جهة أنه إن توضأ بكلا الإناءين لتحصيل العلم بالوضوء بالماء الطاهر لزم العلم بنجاسة البدن وهو مانع عن الصلاة ، فيدور الأمر بين إحراز الطهارة من الحدث والصلاة مع المانع وبين مراعاة عدم المانع وترك الشرط ، وقد رجّح الشارع الثاني على الأول ، وإن توضأ بأحد الإناءين لم يحرز الطهارة التي هي شرط لصحة الصلاة ، وكيف كان لا يقاس به ما نحن فيه من الشبهة المحصورة ، وبمثل الجواب الأول يجاب عما ورد في الثوبين المشتبهين وفي وجوب غسل الثوب من الناحية التي يعلم بإصابة بعضها النجاسة فإنهما أيضا من الشبهة الوجوبية الغيرية وما نحن فيه من الشبهة التحريمية النفسية ، إلّا أن يدّعى العلم بعدم الفرق بينهما ، وفيه ما لا يخفى.

قوله : ومنها ما ورد في وجوب غسل الثوب من الناحية إلخ (١).

يمكن أن يجاب عن هذا ـ مضافا إلى ما مرّ ـ بأنّ الأمر بغسل تمام الناحية المتيقّن نجاسة بعضها من جهة أنّ الصلاة في ذلك الثوب باطل مطلقا ولو لم نقل بمنجّزية العلم الإجمالي ، لأنّه يصدق أنه صلّى في الثوب النجس المعلوم

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٢٢.

٢٧٦

تفصيلا حتى لو غسل بعض أطراف تلك الناحية أيضا لا يجوز الصلاة فيه لاستصحاب نجاسة الثوب أو استصحاب نجاسة الموضع النجس السابق واقعا ، إلّا أن يقال إنّ الشك في نجاسة الثوب مسبّب عن الشك في كون ما عدا المغسول من الناحية نجسا ، إذ المقدار المغسول مقطوع الطهارة والأصل فيما عداه الطهارة ، فانحصر وجه وجوب غسل الجميع في كون العلم الإجمالي منجّزا ، لكن لا يخفى أنّ استصحاب نجاسة الثوب في الفرض من القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي الذي حرّره المصنف في أول تنبيهات الاستصحاب واختار صحة جريانه ، بل أورد نفس الإيراد الذي أوردنا عليه من جريان الاستصحاب الحاكم وأجاب عنه ، فإذن لا يبقى له مجال في الاستشهاد بالرواية على منجزية العلم الإجمالي فتدبر.

قوله : ومنها ما دلّ على بيع الذبائح المختلط ميّتها بمذكاها (١).

هو روايتان للحلبي (٢) لم يعمل بهما المشهور ، تقريب الاستدلال أنّ المنع عن بيعها من المسلم ليس إلّا من جهة منجّزية العلم الإجمالي ، والانصاف أنّ الاستدلال بهما في غاية الضعف ، إذ لو لم يكن العلم الإجمالي منجّزا أيضا لم يجز البيع المذكور لعدم جواز أكل شيء من المشتبهين ، لأنّ الأصل الموضوعي في كل منهما عدم التذكية ولا يقصر الشبهة فيهما عن الشبهة البدوية والأصل فيها الحرمة لجريان اصالة عدم التذكية ، فهو نظير ما كان الإناءان المشتبهان مسبوقين بالنجاسة وقد طهر أحدهما ، فيجري فيهما استصحاب النجاسة ويجب الاجتناب عنهما ولو لم نقل بمنجزية العلم الإجمالي ، بل نقول مقتضى القاعدة

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٢٢.

(٢) الوسائل ١٧ : ٩٩ / أبواب ما يكتسب به ب ٧ ح ١ ، ٢.

٢٧٧

عدم جواز البيع المذكور ممّن يستحل الميتة أيضا سواء قلنا بمنجزية العلم الإجمالي أو لم نقل ، لأنّ الكفار أيضا مكلّفون بالفروع كالأصول وحكم المسلم والكافر سواء. لا يقال إنّ الكفار يقرّون على ما يستحلّون وتمضى معاملاتهم عليها ، لأنّا نقول نعم ولكن لا يجوز معاملة المسلم معهم فيما يستحلّون كالخمر والخنزير وهو واضح ، وبالجملة إما أن نطرح الروايتين لما ذكرنا كما فعله المشهور ، أو نعمل في خصوص موردهما تعبدا أو نؤوّلهما بما يوافق القواعد ، وقد تعرّض المصنف لذلك في كتاب المكاسب وذكر هناك شطرا وافيا في فقه المسألة وفقه الخبر فراجع.

قوله : بناء على حملها على ما لا يخالف عمومات حرمة بيع الميتة (١).

لا يخفى أنّ هذا البناء مخلّ بوجه الاستدلال ، بل يناسب البناء المذكور جواز البيع من المسلم أيضا وجواز ارتكاب بعض أطراف الشبهة وإلّا لما جاز بيع المذكّى المشتبه بالميتة الذي لا يجوز الانتفاع به ، وكيف كان كلمات الفقهاء أيضا في المقام مختلطة لا يخفى على من راجعها ينبغي التكلّم فيها في الفروع.

قوله : وقد يستأنس له بما ورد من وجوب القرعة في قطيع الغنم (٢).

لم يعرف وجه الاستيناس بالخبر لكون وجوب الاجتناب عن كل من المشتبهين أمرا مسلّما مفروغا عنه بين الأئمة (عليهم‌السلام) والشيعة في مقابل القول بجواز ارتكاب ما عدا مقدار الحرام ، بل الاستيناس به لهذا القول أقرب ،

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٢٢.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٢٣.

٢٧٨

اللهمّ إلّا أن يكتفى في الاستيناس بما ذكره في المتن بعيد هذا من دلالة الرواية على عدم جواز ارتكاب شيء من أطراف الشبهة قبل القرعة ، وفيه تأمل ، وكيف كان فقد ظهر مما ذكرنا أنه لا يستفاد من شيء من الأخبار المذكورة وجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة التحريمية فضلا عن أن يحصل منها الاستقراء القطعي أو الظني أو يستشمّ منها الاستقراء.

قوله : لا بدّ من طرح الرواية أو العمل بها في خصوص موردها (١).

فإن قلت : لم لا تقول بالقرعة في جميع موارد الشبهة المحصورة بعمومات القرعة وأنها لكل أمر مشكل أو مشتبه فإنّها شاملة للشبهة المحصورة. قلت : أوّلا : أنّ أخبار القرعة كعمومات نفي الضرر ونحوها لا يعمل بها إلّا في موارد عمل الأصحاب بها على ما هو مقرر في محلّه مع إشكالاته وأجوبتها. وثانيا : أنّ النسبة بين عموم أخبار القرعة وأدلة كل واحد من الأصول عموم مطلق فيخصّص بها ويقدّم على القرعة ، لكن على هذا لا يبقى مورد لعموم دليل القرعة ، إذ ما من مورد إلّا ويجري فيه أحد الأصول من الاستصحاب أو البراءة أو الاحتياط أو التخيير (٢).

ويستفاد من كلام المصنف في أواخر رسالة الاستصحاب جواب آخر للسؤال وهو أنّ أدلة الأصول حاكمة على دليل القرعة ، وهو مشكل بل لو قيل

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٢٣.

(٢) أقول : لنا موارد لا يجري فيه أصل من الأصول كما إذا تردد مال بين شخصين مثلا. فإن قيل : إنّ تخصيصها بمثل هذا المورد حمل على فرد نادر ، وبعبارة أخرى يلزم من إخراج مجاري الأصول من عمومات القرعة التخصيص الأكثر المستهجن. قلنا : لنا أن نستكشف من عدم إعمال الفقهاء للقرعة في موارد جريان الأصول أنّ مورد القرعة الأمر المشتبه الحكم مطلقا من الحكم الواقعي والظاهري معا ، فتأمل.

٢٧٩

بالعكس كان أولى ، لظهور بعض أخبار القرعة في كونها طريقا إلى الواقع فهي ملحقة بالطرق التعبدية ، وتمام الكلام يأتي إن شاء الله في الاستصحاب والعمدة هو الجواب الأول ، فتدبّر.

قوله : فلا مؤاخذة إلّا على تقدير الوقوع في الحرام (١).

هل المؤاخذة على تقدير الوقوع في الحرام بقدر المعلوم بالإجمال أو مطلقا ولو فرض الوقوع في الحرام أزيد من المقدار المعلوم ، مثلا لو علم بأنّ أحد الأشياء الثلاثة محرّم واحتمل حرمة الباقيين أيضا وارتكب الجميع واتّفق أنه كان الجميع محرّما في الواقع فهل يعاقب بناء على كون وجوب الاحتياط إرشاديا صرفا عقابا واحدا بقدر المعلوم بالإجمال أو يعاقب عقابات ثلاثة؟ وجهان ، من أنّ التكليف المنجّز الفعلي منحصر في واحد وكانت الشبهة بالنسبة إلى الآخرين بدوية مجرى للبراءة ولم يتنجّز التكليف بهما فلا عقاب عليهما ، ومن أنّ كل واحد من الثلاثة مشتبه بالشبهة المحصورة يصحّ العقاب عليه على تقدير مصادفته للحرام وقد فرض المصادفة.

فإن قلت : لم يصادف الحرام الواقعي المعلوم المنجّز إلّا واحدا منها.

قلت : ليس الحرام المعلوم ممتازا حتى يقال إنه منطبق على هذا الفرد دون ذاك ، نعم لو فرض امتياز المعلوم بالإجمال كان لما ذكرت وجه كما لو علم إجمالا بأنّ أحد الثلاثة خمر واتّفق حرمة الآخرين من جهة أنّهما مال الغير فإنّه حينئذ لا ينطبق المعلوم بالإجمال إلّا على الخمر الواقعي منها ، بل نقول في هذه الصورة أيضا نلتزم بتعدد العقاب بوجه آخر قد أشرنا إليه مرارا وهو أنّ مخالفة الأحكام الواقعية الإلزامية مقتضية لاستحقاق العقاب إلّا في مورد يعتذر العبد

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٢٩.

٢٨٠