حاشية فرائد الأصول - ج ٢

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-089-6
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ٢ الجزء ٣

قوله : بناء على عدم العموم في آية الغض للرجال (١).

يوجد في بعض النسخ قوله والنساء معطوفا على الرجال وهو الأظهر ، لأنّ آية غض المؤمنين من أبصارهم وآية غضّ المؤمنات من أبصارهن متماثلتان في العموم وعدمه ، وكلتاهما محلّ للاستدلال للمدّعى من جواز نظر الرجال والنساء إلى الخنثى ، ووجه توهّم العموم في الآيتين من باب حذف المتعلّق وليس ببعيد.

ثم إنّ المصنف غيّر الاسلوب في قوله وعدم جواز التمسك بعموم آية حرمة إبداء الزينة على النساء إلى آخره ، ولم يقل بناء على عدم العموم ، لأنّ العموم هنا ثابت بدليل استثناء إلّا لبعولتهنّ ، إلى آخره.

لكن يرد عليه أوّلا : أنه علل عدم جواز التمسك بعموم آية حرمة إبداء الزينة بكونه من باب اشتباه مصداق المخصّص وهو وارد في آية الغض أيضا كما لا يخفى.

وثانيا : أنّ آية إبداء الزينة أجنبية عما هو بصدده من عدم حرمة نظر الرجال والنساء إلى الخنثى ، والعموم المستفاد منها إنما هو باعتبار حرمة إبداء النساء زينتهنّ للرجال والخناثى المستلزمة لحرمة نظر الرجال والخناثى إلى زينتهنّ ، ولا ربط لها بنظر النساء إلى الخناثى كما هو المدعى ، اللهمّ إلّا أن يكون مراده أنّ النظر وما يشبهه مثل إبداء الزينة بالنسبة إلى الخنثى ليس حراما بناء على عدم العموم إلى آخره ، فتأمل ، وقد سبق شطر مما يتعلق بأحكام الخنثى في آخر رسالة القطع ومحل إشباع الكلام فيها في الفقه كما تعرّض لها الشيخ الكبير

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٥٢.

٣٢١

الشيخ جعفر (رحمه‌الله) في كشف الغطاء (١) وغيره في غيره.

قوله : الثامن أنّ ظاهر كلام الأصحاب التسوية بين كون الأصل في كل واحد من المشتبهين في نفسه هو الحلّ أو الحرمة (٢).

وكذا لو كانا مختلفين بأن كان الأصل في أحدهما الحل وفي الآخر الحرمة كأن كان أحد الإناءين مستصحب الطهارة والآخر مستصحب النجاسة ، لكن التحقيق أنّ العلم الإجمالي لا أثر له فيما كان الأصل فيهما الحرمة ، لأنّ الاجتناب عنهما من باب جريان الأصلين لا من باب العلم الإجمالي المقتضي للاحتياط ، وإن كان حكم الأصلين موافقا للاحتياط ، ولا يمنع جريان الأصلين العلم الإجمالي بحلّية أحد المشتبهين ، لأنّ هذا العلم الإجمالي لا يؤثّر ولا يوجب تكليفا حتى يلزم من إعمال الأصلين طرح ذلك التكليف ، وأيضا التحقيق أنّ العلم الإجمالي لا أثر له فيما كان الأصل في أحدهما الحل وفي الآخر الحرمة ، بل يجري الأصلان ولا ينافيهما العلم الإجمالي ، لأنّ هذا العلم بالنسبة إلى ما كان الأصل فيه الحرمة لا يفيد شيئا وهو واضح ، وبالنسبة إلى ما كان الأصل فيه الحلّ يرجع إلى الشبهة البدوية. وبعبارة أخرى لم يوجب هذا العلم لنا تكليفا جديدا زائدا على ما ثبت علينا فيما كان الأصل فيه الحرمة ، نعم في الصورة الأولى وهو ما كان الأصل في المشتبهين الحلّ حكم الاحتياط على القول به مستند إلى العلم الإجمالي لسقوط الأصلين بالتعارض ، ولا فرق هنا في كون الأصلين من جنس واحد كما لو كان الإناءان مستصحبي الطهارة أو من جنسين كما لو كان أحد المشتبهين مجرى لاستصحاب الطهارة والآخر مجرى

__________________

(١) كشف الغطاء ١ : ٢٥٥ ، ٣ : ١٠.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٥٤.

٣٢٢

لقاعدة الطهارة ، ولا يقال إنّ القاعدة حاكمة على الاستصحاب فلا يتحقق التعارض بينهما ، لأنّ تلك الحكومة إنما هي فيما كان موردهما متحدا لا في موردين كما فيما نحن فيه.

قوله : التاسع أنّ المشتبه بأحد المشتبهين (١).

قد يكون ذلك بصيرورة المشتبه الجديد أيضا طرفا للعلم في عرض المشتبهين السابقين بأن يتبدل العلم بين الاثنين إلى العلم بين الثلاثة ، وهذا من الشبهة المحصورة السابقة ، وقد يكون ذلك باشتباه المشتبه الجديد بأحدهما المعيّن ويكون العلم الإجمالي بين أحد هذين والطرف الآخر ، وهذا هو الذي ذكره أنه من باب مقدمة المقدمة ، هذا.

بقي شيء ينبغي أن يجعل عاشر التنبيهات ، وهو أنه لو قامت بيّنة على نجاسة أحد الإناءين لم يجب الاجتناب عن الآخر ، لأنه ينطبق المعلوم بالإجمال عليه ، كما لو علمنا تفصيلا بنجاسة أحد الإناءين فإنّ العلم الإجمالي يصير مفصّلا به على ما مرّ بيانه سابقا ، وأما لو قامت البيّنة على طهارة أحدهما المعيّن لم يزل حكم الشبهة المحصورة عن الآخر بأن يحكم بنجاسته شرعا ويترتب عليه جميع أحكام النجاسات ومنها الحكم بنجاسة ملاقيه ، بل يحكم بطهارة ملاقيه على ما هو حكم الشبهة المحصورة على القول به ، والوجه في ذلك أنه لا يثبت بالبيّنة سوى نفس ما أخبر به البيّنة ولوازمه العرفية البيّنة التي يمكن أن يسند إليها بأن يقال إنّ المخبر كما أنه أخبر بالملزوم أخبر باللازم أيضا ، وكذا يثبت بها لوازم المخبر به الشرعية لا غيرهما فنقول فيما نحن فيه : إنّ البيّنة لم يشهد إلّا على طهارة ذلك الإناء المعيّن وليس نجاسة الإناء الآخر

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٥٦.

٣٢٣

لازما عرفيا للمشهود به قطعا ، إذ قد يكون الشاهد جاهلا بحال الإناء الآخر وبحال علم من علم إجمالا بنجاسة أحدهما ويقول إني لا أعلم سوى أنّ هذا الإناء طاهر ، نعم يلزم من طهارة ما شهدت البيّنة بطهارته واقعا بضميمة العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما كون الآخر نجسا ولا وجه لحجية هذا اللازم فيلتزم بالتفكيك بينهما ظاهرا ، كما يقال بالتفكيك بين اللازم والملزوم في مجاري الأصول بناء على القول بعدم حجية الأصول المثبتة كما هو كذلك عند المشهور والمصنف ، نعم يثبت اللوازم الشرعية الثابتة للمشهود به كما يحكم في مثل ما نحن فيه بجواز الوضوء والغسل والشرب ونحوها من الإناء المشهود بطهارته لتحقق موضوع هذه الأحكام شرعا ، فتدبّر.

قوله : والمعروف فيها عدم وجوب الاجتناب (١).

ظاهرهم عدم الفرق بين ما كان الأصل في جميع الأطراف الحلّ كما إذا اشتبه الخمر بالماء بالشبهة غير المحصورة ، وبين ما كان الأصل فيها الحرمة كما إذا اشتبه الميتة بالمذكّى بالشبهة غير المحصورة ، ولازم ذلك كون أمر الشبهة غير المحصورة أخفّ وأسهل من الشبهة البدوية.

قوله : الأول الإجماع الظاهر المصرّح به في الروض (٢).

لا يقال إنّ المسألة أصولية لا يدخل فيها الإجماع ، لأنّا نقول نمنع ذلك فإنّ الحكم بجواز ارتكاب أطراف الشبهة وحلّيتها مسألة فرعية يدخلها الإجماع ، ولا ينافي ذلك أن تكون المسألة ببعض الاعتبارات داخلة في المسائل الأصولية أيضا كأن يتكلّم في أنّ العلم الإجمالي الكذائي منجّز

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٥٧.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٥٧.

٣٢٤

للتكليف أم لا ، نعم يمكن الخدشة في هذا الدليل بأنّ القدر المتيقّن من الإجماع والضرورة هو فيما لم يكن جميع الأطراف محلا للابتلاء ، فليتأمل.

قوله : بمعونة ما ورد من إناطة الأحكام الشرعية وجودا وعدما بالعسر واليسر الغالبين (١).

لعلّه إشارة إلى مثل قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «بعثت بالحنيفية السمحة السهلة» (٢) ونحوه ، فيصير قرينة على أنّ المراد من أدلة الحرج من الآيات والأخبار رفع الحكم عما كان حرجا بالنسبة إلى النوع فيشمل ما نحن فيه ، ويمكن أن يكون إشارة إلى خصوص أخبار رفع الحرج وقد ذكرنا أكثرها في ثالث مقدمات دليل الانسداد من رسالة الظن فإنّ المستفاد منها طرا الحرج النوعي ما عدا رواية عبد الأعلى ، كما أنّ الآية المذكورة في المتن أيضا بقرينة موردها ظاهرة في الحرج النوعي.

قوله : لأنّ الشبهة غير المحصورة ليست واقعة واحدة (٣).

يمكن دفعه بأنه إن كان المراد رفع الحكم الواقعي في موارد الحرج صحّ ما ذكر ، فإنّ عنوان الشبهة غير المحصورة ليس موضوعا لحكم وجوب الاجتناب في الشريعة ، بل عنوان موضوعات الأحكام هو الخمر والبول والدم والميتة إلى غير ذلك ، ولم يلزم من الحكم بوجوب الاجتناب عن كل واحد منها حرج بل من المجموع من حيث المجموع ، لكن نقول إنّ المستدل إنما أراد رفع الحكم الظاهري يعني وجوب الاحتياط من أطراف الشبهة الثابت بحكم العقل

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٥٨.

(٢) الكافي ٥ : ٤٩٤ / ١ (مع اختلاف يسير).

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٢٥٨.

٣٢٥

بواسطة الحرج ، ولا ريب أن مطلق الشبهة باعتبار هذا الحكم الظاهري واقعة واحدة قد حكم فيها العقل بوجوب الاحتياط بملاك واحد ، وقد أشرنا عند التعرّض لقاعدة الحرج إلى أنها حاكمة على الأصول العملية كما أنها حاكمة على الأدلة الاجتهادية.

قوله : ووجهه أنّ كثيرا من الشبهات غير المحصورة لا يكون جميع المحتملات مورد ابتلاء المكلّف (١).

بناء على أنّ حكم العقل بوجوب الاحتياط مختصّ بما إذا كان جميع المحتملات مورد ابتلاء المكلّف كما هو مختار المصنف على ما حققه في بعض تنبيهات الشبهة المحصورة فهذا الجواب قوي متين ، وإن كان كلام فهو في المبنى ، وقد حققنا ما عندنا هناك ، لكنّه قيل إنّ هذا الوجه لا يكون جوابا عن الاستدلال بقاعدة الحرج للمقام ، بل يكون دليلا آخر لعدم وجوب الاجتناب عن الشبهة غير المحصورة في عرض القاعدة يستدل بكل منهما على المطلوب ولا منافاة بينهما. وفيه أنّ مراد المتن أنه على المبنى المذكور ليس هنا حكم حرجي نحكم برفعه للقاعدة ، إذ الحرج إنما يلزم من وجوب الاحتياط ولا دليل عليه في المورد حتى يلزم منه الحرج ويحكم برفعه ، هذا.

والأولى في الجواب عن هذا الدليل أن يقال : إنّ أدلة رفع الحرج من الآيات والأخبار وإن كانت ظاهرة في الحرج النوعي ما سوى رواية عبد الأعلى ، إلّا أنّ الظاهر منها بقرينة جملة من رواياتها أنها في مقام الدفع وبيان حكمة التشريع ، وأنّ الأحكام المجعولة في الشرع كلها سمحة سهلة وما كان عسرا وحرجا لم يجعلها الشارع ، لا أنّ الأحكام المجعولة قد رفع أفرادها

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٦٠.

٣٢٦

الحرجية.

وقد يجاب أيضا : بأنّ أدلة رفع الحرج لا تدل إلّا على رفع الأحكام الشرعية الحرجية لا الأحكام العقلية كوجوب الاحتياط في مسألتنا هذه بدعوى انصرافها إلى ذلك.

ويمكن أن يجاب عنه أوّلا : بأنّ وجوب الاحتياط أيضا حكم شرعي بعد إمضاء الشارع لحكم العقل. وثانيا : بأنّ أدلة الحرج في المقام مثبتة لحكم الترخيص من الشارع لا رافعة لحكم الاحتياط ، وبيان ذلك : أنّ أدلة الحرج كأدلة الضرر قد يثبت بها رفع الحكم الثابت في مواردهما ، وقد يثبت بها ثبوت الحكم الذي يلزم من عدمه الحرج أو الضرر ، والأول واضح ، وأما الثاني فإنهم يستدلون على وجوب غرامة المتلفات بأدلة الضرر فيقال إنّ عدم جعل الضمان على المتلف ضرر على المالك أورد عليه المتلف ولا ضرر في الإسلام ، فيستكشف منه أنّ الشارع قد جعل حكم الضمان على الضار ، وهكذا نقول فيما نحن فيه بالنسبة إلى أدلة الحرج فإنّ عدم ترخيص الشارع ارتكاب الشبهة غير المحصورة حرج ولا حرج في الدين ، فيعلم من ذلك أنه قد جعل الترخيص والإباحة والحلية فليتأمل ، وقد أشبعنا الكلام في هذه الوجوه في تحقيق قاعدة الحرج في ثالث مقدمات دليل الانسداد من رسالة الظن من شاء فليراجع إليه.

قوله : فهي على عمومها للشبهة غير المحصورة أيضا أخص مطلقا من أخبار الرخصة (١).

وفيه أنه لا وجه لتقديم تخصيص أخبار وجوب الاجتناب بغير الشبهة الابتدائية لكي ينقلب نسبتها مع أخبار الحلّ من التباين إلى العموم والخصوص ،

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٦١.

٣٢٧

بل يلاحظ جميع الأدلة المتعارضة في عرض واحد ، ويلاحظ نسبة بعضها مع بعض على ما بيّنه المصنف في غير موضع من فقهه وأصوله ، وسيأتي منه تحقيقه في رسالة التعادل والترجيح ، والعجب من المصنف كيف رضي بهذا الجواب ، ولعله قد عدل عنه بدليل.

قوله : والحاصل أنّ أخبار الحلّ نصّ في الشبهة الابتدائية (١).

إلّا أنّه جواب آخر غير الجواب الثاني ، مع أنّ ظاهر كونه حاصله أنه عينه بعبارة أوجز وأخصر.

قوله : وهو لا يناسب مساق هذه الأخبار (٢).

بل لا يصحّ مطلقا للزوم التخصيص القبيح ، نعم يمكن منع كون الباقي نادرا ، بل الشبهات البدوية التي لا تدخل تحت الشبهة غير المحصورة أيضا كثيرة ، مضافا إلى أنّ الشبهات المحصورة وغير المحصورة التي بعض أطرافها خارج عن محل الابتلاء أيضا تبقى تحت العموم ، وحينئذ يكون الخارج أقل بمراتب من الباقي ، ولعله إلى ذلك أشار بقوله فتدبّر.

قوله : فتأمل (٣).

لعله إشارة إلى منع عدم اعتبار سوق المسلمين مع العلم الإجمالي بوجود الحرام في السوق ولو مع الانحصار ، بل السوق كالبيّنة أمارة الحلية إلّا مع العلم التفصيلي بالحرمة.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٦١.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٦٢.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٢٦٣.

٣٢٨

قوله : ولم يعتبر العلم بعدم إتيانه فتأمّل (١).

لعله إشارة إلى الفرق بين الضرر الدنيوي والأخروي فإنّ احتمال الضرر الدنيوي إذا كان بعيدا لا يعتنى به عند العقلاء بخلاف الضرر الأخروي أي العقاب فيحكم العقل بلزوم التحرّز عن احتماله وإن كان بعيدا في الغاية لعظم خطره ، بل في الضرر الكثير العظيم الخطر الدنيوي أيضا نمنع عدم اعتناء العقلاء باحتماله ولو كان بعيدا ، فالأولى إبدال هذا الدليل بدليل آخر يمكن إرجاعه إليه أيضا وهو أن يقال إنّ العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة لا يعدّ علما في العرف والعادة ، بل يسمى الشبهة في كل من أطرافه شبهة بدوية ، وحينئذ قوله (عليه‌السلام) «كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام» (٢) لا يشمل هذا العلم الإجمالي لأنّه لا يسمى علما في العرف بل يعد شكا ، وهذا المعنى أيضا ميزان حدّ الشبهة غير المحصورة على التحقيق لا الوجوه الأخر الآتية في المتن.

قوله : السادس أنّ الغالب عدم ابتلاء المكلف إلخ (٣).

يرد عليه مضافا إلى منع كون عدم الابتلاء مانعا عن تنجّز العلم ، أنه يبقى الحكم في غير الغالب محتاجا إلى الدليل.

فإن قلت : إنه يتم بالإجماع المركب. قلت : إنّ الإجماع إن تمّ فإنه إجماع بسيط يستدل به على أصل المسألة ، ولا يكون هذا الدليل السادس دليلا آخر بضميمة ذلك الإجماع فتدبّر فيه.

والتحقيق أنّ صورة عدم الابتلاء ببعض الأطراف خارجة عن موضوع

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٦٥.

(٢) الوسائل ١٧ : ٨٩ / أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ٤.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٢٦٥.

٣٢٩

المسألة ، لأنّه لا كلام في عدم منجزية العلم حينئذ حتى مع انحصار الشبهة فضلا عن الشبهة غير المحصورة ، لكنه على مذاق المصنف من الفرق بين الابتلاء وعدمه ، وكيف ما كان الصواب من هذه الوجوه الستة هو الوجه الخامس ، لكن على التقريب الذي ذكرنا لا على ما قرره المصنف وقد عرفت وجهه.

قوله : بحيث لا يلزم العلم التفصيلي (١).

هكذا في بعض النسخ ، وفي بعض النسخ بحيث يلزم العلم التفصيلي بإسقاط لفظة لا ، فعلى الأول يكون القيد احترازا عما لو ارتكب جميع الأطراف دفعة فإنّه حرام تفصيلي لا يجوز ارتكابه قطعا ، وعلى الثاني يكون فائدة القيد هي الإشارة إلى أنّ المراد بارتكاب جميع الأطراف ارتكاب مقدار من الأفراد بحيث يعلم اشتمالها على الحرام وإن لم يستغرق الأفراد ، مثلا لو علمنا بمحرّمين أو ثلاثة بين الأطراف هل يجوز ارتكاب الشبهات ولو حصل العلم بارتكاب أحد المحرّمين أو المحرّمات ، أم يجب إبقاء مقدار الحرام ، وبالجملة الغرض تعميم العنوان بحيث يشمل المثال المذكور ولا يختصّ بارتكاب الجميع.

قوله : إلّا أنّ الأخبار لو عمّت المقام دلّت على الجواز (٢).

يعني إن كان دليل الرخصة هو الأخبار الدالة على حلّ الشبهة يشمل جميع الأطراف بلسان واحد فيجوز ارتكاب الجميع ، وكذا لو استند إلى الوجه الخامس ، لكن بينهما فرق وهو أنه على التمسك بالوجه الخامس يختص الحكم بما إذا لم يقصد ارتكاب الجميع من أول الأمر وعلى التمسك بالأخبار يعمّه وغيره.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٦٦.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٦٦.

٣٣٠

ثم إنه لم يتعرّض لما يلزم على التمسك بالوجه الثاني والرابع والسادس ، والظاهر أنها كالوجه الأول أعني الإجماع قاصرة عن إفادة جواز ارتكاب الجميع ، لأن العسر النوعي يرتفع بعدم وجوب الموافقة القطعية بالاحتياط ، وأما حرمة المخالفة القطعية بلزوم إبقاء مقدار الحرام فلا حرج فيه نوعا ، وكذا رواية المحاسن لا إطلاق فيها بحيث تفيد حلية جميع الأطراف ، بل مفادها أنه من أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة لا يحرم جميع أطراف الشبهة ، وأما أنّ المرخّص فيه هو الجميع أو ما عدا مقدار الحرام فإنّ الكلام ليس مسوقا لبيانه.

وأما الوجه السادس فكأنه نصّ في عدم جواز ارتكاب مقدار الحرام منها وإلّا صار جميع الأطراف محلا للابتلاء والمفروض خلافه.

قوله : لكن مع عدم العزم على ذلك من أول الأمر (١).

بل مع العزم أيضا ، لأنّ مناط الرخصة وهو عدم الاعتناء بمثل هذا العلم الإجمالي عند العقل والعقلاء موجود في صورة العزم على ارتكاب الكل من أول الأمر تدريجا ، نعم لو كان غرضه من ارتكاب الجميع التوصّل إلى الحرام فإنّه يصدق به العصيان إذا صادف الحرام وهو كلام آخر يجري في الشبهات البدوية أيضا على ما مرّ بيانه غير مرّة من أنّ مثل هذا الجهل المقارن لقصد التوصّل إلى الحرام لا يكون عذرا للمكلّف في ارتكاب الحرام الواقعي المقتضي للعقاب لو لا العذر ، وأخبار الحلّ أيضا منصرفة عن الفرض المزبور.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٦٦.

٣٣١

قوله : فالأقوى في المسألة عدم جواز الارتكاب إذا قصد ذلك من أول الأمر (١).

قد عرفت أنّ الأقوى جواز الارتكاب ، ونمنع صدق المعصية واستحقاق العقاب بعد دليل الترخيص على ما قررنا في الوجه الخامس فإنه يعدّ العلم بالنسبة إلى جميع الأطراف بمنزلة العدم من أوّلها إلى آخرها بنسبة واحدة ، وما ذكره (رحمه‌الله) في توجيهه بقوله والتحقيق عدم جواز ارتكاب الكل إلى آخره مدخول بما مرّ غير مرة من جواز ترخيص الشارع ارتكاب المحرّم الواقعي ظاهرا لعذر عقلي أو جعلي بمعنى عدم المؤاخذة عليه حتى في الشبهة المحصورة أيضا ، بل في صورة العلم التفصيلي أيضا في مثل القطّاع ونحوه ، وأنّ حكم العقل بالتنجز حال العلم بالواقع إجمالا أو تفصيلا معلّق على عدم ترخيص الشارع ارتكابه على ما مرّ بيانه مشروحا في رسالة القطع ، ولمّا امتنع ذلك عند المصنف للزوم التناقض على زعمه جعل التحقيق هنا عدم جواز ارتكاب جميع الأطراف ، بل عدم جواز ترخيص ارتكاب البعض أيضا إلّا بجعل بعض آخر منها بدلا عن الحرام على ما بيّنه في الشبهة المحصورة ونحن قدّمنا ما فيه.

ثم إنّه يستفاد من تحقيقه هذا عدم جواز ارتكاب الجميع مطلقا ولو لم يقصد ذلك من أول الأمر أيضا ، فلا يناسب جعله دليلا لعدم الجواز في خصوص فرض القصد إلى ارتكاب الجميع من أول الأمر.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٦٦.

٣٣٢

قوله : وفيه مضافا إلى أنّه إلخ (١).

يعني أنه لم يجعل الحكم متعلقا بعنوان غير المحصور في واحد من أدلة المسألة حتى يرجع في فهم مدلول لفظ غير المحصور إلى العرف ، أما بالنسبة إلى غير الإجماع من الأدلة الستة المتقدمة فواضح ، وأما الإجماع لو تمّ فنحن نقطع بعدم انعقاده على هذا اللفظ ليرجع في مؤدّاه إلى العرف ، ولو كان منعقدا على اللفظ المذكور تمّ الميزان ظاهرا.

قوله : لكنك قد عرفت التأمل في ذلك الدليل (٢).

قد عرفت حقّية ذلك الدليل بالتقرير الذي ذكرنا من كون العلم فيها غير معتنى به عند العقلاء ، وأنهم يعدّون الشبهة بالنسبة إلى كل من الأطراف بدوية ، وهذا هو ضابط غير المحصور أيضا كما أشار إليه في المتن ، وحينئذ لو شك في أنّ الشبهة من المحصورة أو غير المحصورة للشك في دخولها في هذا الضابط فالمرجع أصالة البراءة والجواز كما استظهر من المحقق الثاني ، ووجهه عدم ثبوت المقتضي للعقاب وهو العلم التفصيلي أو الإجمالي على نحو المحصور ، لأنّ الشك في ثبوت المقتضي في حكم عدم ثبوته ، لكن هذا إنما يتم على مذاق القوم من أنّ المقتضي للتنجّز هو العلم بالتكليف ، وأما على مذاقنا من أنّ التكاليف الواقعية مقتضية لوجوب الامتثال وصحّة العقاب على مخالفتها مطلقا إلّا أن يكون للمكلّف عذر صحيح عقلي أو شرعي فيشكل الأمر ، لأنّ مقتضى التكليف وصحة العقاب معلوم والمانع مشكوك ، لكن نقول المانع معلوم وهو أخبار البراءة الشاملة بعمومها للشبهة غير المحصورة.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٦٨.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٧٠.

٣٣٣

فإن قلت : قد علمنا بخروج الشبهة المحصورة عن العموم فيرجع الشك في المسألة إلى الشك في مصداق المخصّص فلا يتمسك فيه بالعموم.

قلت : الحق جواز التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية وبيانه موكول إلى محلّه ، ومن لا يجوّز ذلك يلزمه القول بأصالة الاشتغال بناء على ذلك المسلك.

بقي شيء قد أشرنا إليه في صدر عنوان المبحث وهو أنه لا فرق بين أن يكون الأصل في أطراف الشبهة هو الحلّ أو الحرمة في ظاهر كلماتهم ، فيجوز ارتكابها مطلقا مع أنّ الشبهة البدوية ليست كذلك فلا يحكم بالحلّ والجواز فيها إلّا فيما كان الأصل فيها ذلك وإلّا فيرجع إلى أصالة الحرمة ، ويبعد أن يكون الشبهة غير المحصورة مع العلم بوجود الحرام بين أطرافها أخفّ حكما من الشبهة البدوية ، منتهى الأمر أن يكون حكمها بعد إلغاء العلم الإجمالي حكم الشبهة البدوية. ويؤيده أن مقتضى ما اخترناه من الوجه الخامس أن يعدّ مثل هذا العلم الإجمالي كالعدم فيرجع الشبهة إلى الشبهة البدوية ، لكن يمكن توجيهه بأنّ المشتبه الكذائي بعد عدم اعتناء العقل والعرف للعلم الإجمالي الكذائي يعدّ معلوم الحلية بعد العلم بحلّية سائر الأطراف ، وهي بهذه الكثرة سوى واحد مثلا (١).

__________________

(١) إلّا أنّ هذا التوجيه لا ينفع فيما كان بقية الأطراف مشكوكة بالشبهة البدوية كما هو الغالب ، مثلا لو كان هناك مائة ألف جلد أو لحم يشك في تذكية حيوان كل واحد منها فيحكم بحرمة الجميع لأصالة عدم التذكية ، ولو فرض أنا علمنا بعد ذلك كون أحد الأطراف محرما لزم الحكم بحلية الجميع لصيرورته من الشبهة غير المحصورة وهذا مما لا يلتزم به أحد ، ولقد كان السيد الأستاذ (دام ظلّه) مصرّا على عدم الفرق بين كون الأصل في الأطراف هو الحلّ أو الحرمة ، مستشهدا بظواهر بعض الأخبار المتفرقة وظواهر كلمات الأصحاب ، ولمّا عرضت عليه النقض بالمثال المذكور سكت ولم يردّ جوابا وكأنه رجع عما أصرّ عليه ، فليتأمّل.

٣٣٤

قوله : وأما الثلاث الأخر ـ إلى قوله ـ فيظهر حكمها مما ذكرنا في الشبهة المحصورة (١).

ظاهره أنه يجب الاحتياط في المسائل الثلاثة بناء على وجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة بل هي منها بحسب المناط ، لكن لا يخفى أنّ مسألة تعارض النصّين لها خصوصية من بينها فإنّه يحكم فيها بالتخيير ، إما لأنّه الأصل في المتعارضين وإما لثبوت التعبد به بأخبار التخيير ، وتمام الكلام في محلّه في باب التراجيح.

قوله : كما إذا تردد الغناء المحرّم (٢).

كأن تردد بين كونه هو الصوت المطرب أو الصوت مع الترجيع ، فالصوت المطرب مع الترجيع محل الاجتماع ومتيقّن الحرمة ، ومحلّ الافتراق هو الصوت المطرب بلا ترجيع والصوت مع الترجيع بلا طرب ، يعلم بحرمة أحدهما فيجب الاحتياط بتركهما.

قوله : حرمة الأذان الثالث يوم الجمعة (٣).

فإنه مردد بين كونه أذان العصر أو أذان ابتدعه العامة قبل الظهر.

قوله : حيث قرئ جدّد بالجيم والحاء (٤).

منشأ التردّد اختلاف نسخ الرواية ، وعلى قراءة جدد بالجيم أيضا قيل معناه تجديد بناء القبر بالتجصيص ونحوه بعد الاندراس ، وقيل كناية عن قتل

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٧٥.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٧٥.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٢٧٥.

(٤) فرائد الأصول ٢ : ٢٧٦.

٣٣٥

النفس المحترمة فإنه يجدّد به قبر أي يحدث ، وقيل المراد نبش القبر ودفن ميت آخر فيه ، فعلى هذا يكون الإجمال في التجديد أيضا ، لكن الظاهر منه هو المعنى الأول.

قوله : وليس المثالان الأولان من الأقل والأكثر كما لا يخفى (١).

أما المثال الأول فتوهّم كونه من الأقل والأكثر في غاية الضعف ، لاختلاف كيفية صلاة الظهر والجمعة الكاشفة عن اختلاف حقيقتهما ، مضافا إلى اختلاف عدد الركعات ، وأما المثال الثاني فقد يتخيل كونه من الأقل والأكثر بدعوى أنّ صلاة القصر والتمام فردان لحقيقة واحدة كالظهر مثلا ولا اختلاف بينهما إلّا أنّ الإتمام يزيد على القصر بركعتين وتشهد مع اتفاق الكيفية ، فيكون نظير الصلاة مع السورة والصلاة بلا سورة ، لكنه ضعيف أيضا ، لأنّ الفرد الأقل وهو القصر إنما يصحّ بشرط لا وبشرط عدم إلحاق الركعتين الأخيرتين فيباين الأكثر وهو بشرط الركعتين الأخيرتين ، وأما الصلاة مع السورة وبلا سورة فالأقلّ فيها إنما يصح لا بشرط ، إذ لو كان الواجب في الواقع هو الصلاة بلا سورة لا ينافيه قراءة السورة ندبا ، ولو فرض دوران الأمر بين كون السورة جزءا أو مانعا يكون نظير القصر والإتمام من المتباينين ، لأنّ الأقل حينئذ يكون بشرط لا وبشرط عدم السورة والأكثر يكون بشرط السورة وهما متباينان كالقصر والتمام.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٧٧.

٣٣٦

قوله : واعلم أنا لم نذكر في الشبهة التحريمية من الشك في المكلّف به صور دوران الأمر بين الأقل والأكثر (١).

محصّل المراد أنّ المحرّم المردد بين الأقل والأكثر ليس كالواجب المردد بين الأقل والأكثر منقسما إلى قسمين ارتباطي واستقلالي بل منحصر في الاستقلالي وبيان ذلك : أنّ الواجب المردد بين الأقل والأكثر قد يكون استقلاليا كأداء الدين الواجب المردد بين درهم ودرهمين بمعنى أنّ أجزاء الواجب لا يرتبط بعضها ببعضه فلو كان الواجب في الواقع أداء درهمين لا يتوقف امتثاله بأداء مجموع الدرهمين بل يحصل الامتثال بأداء درهم أيضا بقدر الدرهم ، لكن يبقى الاشتغال بدرهم آخر ، فالواجب ينحل بالأخرة إلى واجبين يدور الموافقة والمخالفة في كل منهما مدار موافقته ومخالفته لا الموافقة والمخالفة في الآخر ، وفي هذا القسم يرجع العلم الإجمالي بوجوب أداء درهم أو درهمين إلى العلم التفصيلي بوجوب درهم واحد على كل تقدير والشك في وجوب أداء الدرهم الآخر ابتداء ولا إشكال في كونه مجرى للبراءة ، وقد يكون ارتباطيا كالصلاة الواجبة المرددة بين كونها مع السورة أو بلا سورة بمعنى أنّ أجزاءها مرتبطة بعضها ببعض ، فلو كان الواجب في الواقع هو الصلاة مع السورة لا يحصل الامتثال بالصلاة بغير السورة بل تكون لغوا محضا ، وهذا القسم هو معركة للآراء في أنه لو علم إجمالا بوجوب أحدهما هل هو مجرى للبراءة أو الاشتغال على ما يأتي تفصيله في المتن.

وأما الحرام المردد بين الأقل والأكثر فإن كان من قبيل الأول كقراءة العزائم للجنب والحائض المرددة بين كون المحرّم عليهما قراءة خصوص آية

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٧٧.

٣٣٧

السجدة أو تمام السورة ، فلا شك أنه مجرى للبراءة كالشبهة الوجوبية ، لأنّه يرجع إلى العلم بحرمة خصوص الآية تفصيلا والشك في حرمة ما سواها بدوا ، إذ لو كان المحرّم في الواقع تمام السورة وقرأ آية منها فقط فقد فعل الحرام بقدرها وحصل الامتثال بالنسبة إلى الباقي ، وإن كان من قبيل الثاني مما كان الحرام مركبا بوصف التركيب حتى لا يكون أجزاؤه حراما كتصوير صور ذوات الأرواح وكقراءة ما زاد على السبع أو السبعين آية من القرآن للجنب والحائض ، فإنّ تصوير بعض الصورة كيد واحدة أو رجل واحدة ، وكذا قراءة آية أو آيتين مما لا يصدق عليه المركب ليس بحرام جزما ، وحينئذ فلو علم إجمالا بحرمة التصوير المردد بين تصوير الصورة التامة أو ما يشمل الصورة الناقصة بمثل عين أو يد أو رجل ، وكذا لو علم إجمالا بحرمة قراءة القرآن مرددة بين ما زاد على السبع وبين ما زاد على السبعين فإن ذلك مورد البحث ، وغرض المصنف أنه يرجع أيضا إلى الأقل والأكثر الاستقلالي في الشبهة التحريمية كالقسم الأول منها ، لأنّ التصوير التام وكذا قراءة ما زاد على السبعين معلوم الحرمة تفصيلا فإنه إما نفس الحرام أو مشتمل على الحرام ، والتصوير الناقص وكذا ما زاد على السبع ولم يبلغ السبعين مشكوك الحرمة بدوا فيكون مجرى للبراءة كالقسم الأول. وبالجملة يدور الأمر بين كون الحرام فردا واحدا من التصوير وهو التام فقط أو فردين منه أي التام والناقص ، فالتام متيقّن الحرمة والناقص مشكوك الحرمة بدوا مجرى للبراءة ، هذا غاية توضيح مرامه (قدس‌سره).

والتحقيق أنّ المحرّم المردد بين الأقل والأكثر إذا كان مركبا يتصوّر على صور ، لأنّه قد يكون مرددا بين الأقل بشرط لا وبشرط عدم الزيادة عليه بحيث لو أتى بالزائد لم يفعل محرّما أصلا ، وبين الأكثر وهو الأقل بشرط شيء وبشرط الإتيان بالزائد معه بحيث لو لم يأت بالزائد لم يفعل محرّما ، وقد يكون مرددا

٣٣٨

بين الأقل لا بشرط الزيادة وعدمها وبين الأكثر وهو الأقل بشرط الزيادة.

أما القسم الأول فإنه يرجع إلى المتباينين وحكمه وجوب الاحتياط على ما مرّ في الشبهة المحصورة ، وهكذا في الشبهة الوجوبية أيضا لو دار الأمر بين وجوب الأقل بشرط لا والأكثر كان حكمه وجوب الاحتياط وليس داخلا في المسألة المعروفة المتنازع فيها وهو ظاهر. والظاهر أنّ مراد المصنف ليس هذه الصورة.

وأما القسم الثاني فهو أيضا يتصوّر على وجهين : أحدهما أن يكون كل واحد من الأقلّ والأكثر دفعي الحصول. والثاني : أن يكون تدريجي الحصول بحيث يوجد الأقل في ضمن الأكثر قبل حصول الأكثر ثم يوجد الأكثر بانضمام الأجزاء الزائدة. فإن كان الأول فالظاهر أنه ينطبق على ما في المتن من أنّ الأكثر متيقّن الحرمة والأقل مشكوك الحرمة ابتداء ، لأنّ الأمر دائر بين كون الحرام كلا الفردين بحيث لو أتى المكلف بأحدهما فعل محرما أو بهما فعل محرّمين ، وبين كون الحرام خصوص الأكثر بحيث لو أتى بالفرد الأقل لم يفعل حراما ، فيكون الفرد الأقل مشكوك الحرمة بدوا والفرد الأكثر متيقّن الحرمة ، نعم لا يعلم أن الأكثر بتمام أجزائه حرام أو بعضها ، وهذا لا أثر له بعد كون الفعل آني الحصول يوجد بإيجاد واحد. وإن كان الثاني كحرمة التصوير المردد بين التام والناقص فلا يتمّ ما ذكره المصنف من رجوعه إلى الأقل والأكثر الاستقلالي ، وما ذكره من أنّ الأكثر متيقّن الحرمة تفصيلا ، فيه أنه ليس كذلك ، لأنّه لم يعلم بعد أنّ المحرّم تمام الأكثر أو بعضه فهو باق على إجماله ، وإنما يتم كلامه لو علمنا بأنّ الأكثر بجميع أجزائه حرام.

والحق أنه لا فرق بين الشبهة الوجوبية والتحريمية في الارتباطي في

٣٣٩

الابتناء على البراءة والاشتغال كل على مذهبه ، لأنّ من يدّعي الاشتغال في الشبهة الوجوبية يقول إنا قد علمنا بالتكليف بواجب واقعي معيّن عند الله مردد عندنا بين الأقل والأكثر ولا يحصل اليقين بالفراغ منه إلّا بإتيان الأكثر ، ونحن نقول يجري نظيره فيما نحن فيه بأنّا قد علمنا بالاشتغال بترك محرّم واقعي معيّن عند الله مردّد عندنا بين الأقل والأكثر ولا يحصل اليقين بامتثال ذلك التكليف الواقعي إلّا بترك الأقل والأكثر جميعا ، إذ لو اقتصر على ترك الأكثر وأوجد الأقل لم يتيقن الامتثال ، لاحتمال كون المحرّم هو الأقل المأتي به ، بل نقول إنّ هذا البيان يجري في الأقل والأكثر الدفعيّ الحصول أيضا بعينه كما لا يخفى.

ثم إنه يرد على ما اختاره في المتن جواز المخالفة القطعية نظير ما أورد على المحقق القمّي على ما اختاره من جواز ارتكاب أحد المشتبهين بالشبهة المحصورة من أنه يلزمه جواز المخالفة القطعية بارتكاب المشتبه الآخر مثلا لو جاز تصوير الصورة الناقصة لأنه من الشبهة البدوية وارتكبه المكلّف جاز إتمامه أيضا ، لأنّ الشبهة بالنسبة إلى الإتمام أيضا شبهة بدوية فيجوز ارتكابه غاية الأمر أنه بعد الإتمام يعلم أنه قد أتى بالحرام إما بالبعض أو الكل ، وتحصيل العلم بارتكاب الحرام لا دليل على حرمته.

قوله : لأنّ الأقل حينئذ معلوم الحرمة والشك في حرمة الأكثر (١).

هكذا في بعض النسخ ، وفي بعض النسخ عكس الترتيب هكذا : لأنّ الأكثر حينئذ معلوم الحرمة والشك في حرمة الأقل ، وهذا مطابق لمراد المصنف دون الأول.

ويمكن توجيهه على النسخة الأولى أيضا بأنّ الأمر دائر بين حرمة أمر

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٧٧ (لاحظ الهامش).

٣٤٠