حاشية فرائد الأصول - ج ٢

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-089-6
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ٢ الجزء ٣

من الزيادة السهوية عرفا ، وكذا لو نسي جزءا كالسجدة مثلا وتذكّر ولم يتجاوز محلّه بأن لم يدخل في ركن فعاد لتدارك السجدة وسجد وأعاد ما بعد السجدة مما أتى به أوّلا فإنّه يعدّ ما أتى به أوّلا زيادة سهوية ويكون ما أتى به بعد التدارك جزءا فعليا للصلاة ، وهذا بخلاف ما إذا تجاوز محلّ التدارك فإنّه يكون ما أتى به بعد المنسي جزءا فعليا وليس بزيادة ، فالأجزاء المأتي بها بعد الجزء المنسي تبقى مراعاة بالتذكر ، فإن لم يتذكر حتى تجاوز محلّ التدارك تبين أنها كانت أجزاء فعلية ، وإن تذكر وأتى بالمنسيّ وما بعده انكشف أنها كانت زيادة مبنية على السهو.

قوله : الأمر الثاني إذا ثبت جزئية شيء أو شرطيته في الجملة ، إلخ (١).

لا يخفى أنّ فرض المسألة إنما يكون إذا لم يكن دليل اجتهادي يتعيّن به أحد الوجهين من الجزئية والشرطية المطلقتين أو المقيّدتين بحال التمكن ، وقد أشار المصنف إلى أكثر الصور المتصوّرة في المقام ، ولا بأس بأن نفصّل الكلام ونشير إلى جميع الأقسام ليتميّز محل الكلام عن غيره فنقول : إما أن يكون الدليل الدال على وجوب أصل المركّب لبّيا كالإجماع مثلا ، وإما أن يكون دليلا لفظيا مطلقا ، وإما أن يكون دليلا لفظيا مجملا أو مهملا ، وبعبارة أخرى إما أن يكون الدليل مما ثبت له إطلاق يؤخذ به عند الشك أم لا ، وعلى التقديرين إما أن يكون للدليل المثبت للجزء إطلاق أو لا ، فالصور بحسب هذا التقسيم أربع :

الأولى : أن يكون دليل إثبات المركب والجزء مطلقين كما إذا قال صلّ أربع ركعات وقلنا بأنّ الصلاة اسم للأعم ، ثم قال اقرأ السورة في الصلاة بحيث

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٨٧.

٤٤١

يفهم منه الجزئية ، فهنا لا إشكال في إطلاق الجزئية ، فعند تعذّر الجزء يسقط وجوب المركب ، ولا يعارض بإطلاق دليل المركّب اللازم منه بقاء حكم المركّب حين التعذّر ، لأنّ إطلاق دليل الجزء حاكم على دليل المركّب لأنه مقيّد له بحكم العرف.

الثانية : أن يكون دليل إثبات أصل المركب مجملا أو مهملا ودليل الجزء مطلقا ، وحكمه كالأول في العمل بإطلاق دليل الجزء بل أولى ، إذ لا إطلاق للمركّب حتى يتوهّم تعارضه أو تقدمه على إطلاق دليل الجزء ، وذلك كما في المثال المذكور بناء على القول بكون الصلاة اسما للصحيح.

الثالثة : أن يكون دليل إثبات المركّب مطلقا ودليل إثبات الجزء مجملا ، ولا إشكال في الحكم بإطلاق التكليف وعدم سقوطه بتعذّر الجزء المفروض ، لأنّ القدر المتيقّن من التقييد هو حال القدرة ، وذلك كأن يكون دليل الجزء مثل الإجماع أو اللفظ المجمل ودليل المركب مثل أقيموا الصلاة بناء على القول بكونها اسما للأعم.

الرابعة : أن يكون دليل المركّب ودليل الجزء كلاهما مجملين كأن يكون كلا الأمرين مستندا إلى الإجماع ، وهذا القسم محلّ النزاع في المسألة لا غير ، ويدخل في هذا القسم ما لو كان دليل إثبات الجزء منحصرا في قوله أقيموا الصلاة بناء على مذهب الصحيحي ، فإذا شك في كون الجزء الفلاني داخلا في ماهية الصحيح يكون محلا لهذا النزاع.

٤٤٢

قوله : وكذلك لو ثبت أجزاء المركب من أوامر متعددة ، إلخ (١).

التحقيق أنه لو ثبت أجزاء المركب بأوامر متعددة فكل أمر من هذه الأوامر له جهتان ، فمن جهة أنّ كلا من هذه الأوامر يوجب تقييد الباقي فإطلاق كل يقتضي سقوط المأمور به عند تعذّر جزء آخر ، ومن جهة أنّ كلا من هذه الأوامر يقتضي وجوب المأمور به بهذا الأمر مطلقا سواء كان قادرا على الجزء الآخر الثابت بأمر آخر أم لا ، فإطلاق وجوبه يقتضي عدم سقوطه عند تعذّر الجزء الآخر ، والإطلاق الثاني حاكم على الأول على خلاف ما اختاره في المتن.

قوله : وللقول الثاني استصحاب وجوب الباقي ، إلخ (٢).

وهنا توجيه ثالث للاستصحاب ذكره المصنف مع الوجهين المذكورين هنا في التنبيه الحادي عشر من تنبيهات الاستصحاب بقوله وهنا توجيه ثالث وهو استصحاب الوجوب النفسي المردد بين تعلّقه سابقا بالمركب على أن يكون المفقود جزءا له مطلقا فيسقط الوجوب بتعذّره ، وبين تعلّقه بالمركّب على أن يكون الجزء جزءا اختياريا يبقى التكليف بعد تعذّره ، والأصل بقاؤه فثبت به تعلّقه بالمركب على الوجه الثاني ، وهذا نظير استصحاب وجود الكرّ في هذا الإناء لإثبات كرّية الباقي فيه ، انتهى.

ويرد على الوجه الأول المذكور في المتن ـ مضافا إلى أنّا نمنع الوجوب الغيري للجزء زائدا على الوجوب النفسي الثابت له في ضمن الكل جزما ، ضرورة لزوم تكرر الوجوب والإيجاب بلا فائدة ـ أنّ مطلق الوجوب

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٨٨.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٣٨٩.

٤٤٣

المستصحب مردد بين الوجوب الغيري المتيقّن الارتفاع والنفسي المشكوك الثبوت.

وعلى الوجه الثاني : أنه مبني على المسامحة العرفية في الموضوع وهي في محلّ المنع ، مع أنّ المبنى أيضا محلّ إشكال سيأتي الإشارة إليه في رسالة الاستصحاب إن شاء الله ، وتنظيره بمثل استصحاب كثرة الماء وقلّته قد عرفت جوابه سابقا في منع استصحاب الكرّية.

وعلى الوجه الثالث : أنه من الأصول المثبتة التي لا اعتبار بها عند المصنف وغيره ، اللهمّ إلّا أن يقال إنه بعد الحكم ببقاء أصل الوجوب بالاستصحاب يحكم العقل مستقلا بوجوب الإتيان بالباقي لانحصار المتعلّق فيه.

ويمكن توجيه الاستصحاب بوجه رابع سالم عن الإيرادات المذكورة وهو استصحاب عين الوجوب النفسي المتعلّق بالأجزاء الباقية.

لا يقال : إنّ الوجوب المتعلّق بالباقي كان متيقّنا في السابق في ضمن الوجوب المتعلّق بالكل وقد ارتفع ذلك الوجوب قطعا ويبقى الشك في حدوث وجوب آخر متعلق بالباقي.

لأنّا نقول : يمكن أن يكون الوجوب متعلّقا بسائر الأجزاء ما عدا الجزء المتنازع فيه على نحو الإطلاق ، وبهذا الجزء المتنازع فيه على تقدير التمكّن منه ، وهو وجوب واحد متعلق بالمركّب على هذا النحو ، وإن شئت افرض العلم بكون السورة واجبة بهذا النحو فهل ترى أنه لو كان في أول الوقت متمكنا من السورة ثم طرأ العجز عنها ارتفع الوجوب الأول وحدث وجوب آخر ، بل المعلوم أنّ الوجوب الأول باق متعلقا بالأجزاء الباقية ، وهذا نظير ما لو أوصى

٤٤٤

إلى زيد مطلقا وإلى عمرو ما دام عادلا بإنشاء واحد ثم اتفق أنّ عمرا فسق بعد مدة فيبقى زيد وصيا مستقلا لا بوصاية أخرى بل بنفس الوصاية الأولى ، ونظير ما لو كان الواجب مخيرا بين أمور فتعذر ما سوى واحد منها فيتعيّن الواجب فيه لا بوجوب آخر تعييني بل بنفس الوجوب السابق وهكذا ، والحاصل أنّ اختلاف المتعلق مطلقا لا يوجب تعدد الوجوب بل قد يتحد الوجوب مع اختلاف المتعلّق كما في هذه الأمثلة فتدبّر.

وقد يقال إنه بناء على ثبوت الأحكام الوضعية كما هو الحق يجري استصحاب بقاء جزئية الجزء المتنازع فيه وينتج سقوط الواجب بتعذّره موافقا لأصالة البراءة.

وفيه : أنّ سقوط الواجب بتعذّر الجزء من آثاره العقلية التي لا يثبت بالاستصحاب ، هذا كله حكم ما لو كان المكلف مسبوقا بالقدرة بعد تنجّز الخطاب ثم طرأ العجز.

وأما إذا لم يكن مسبوقا بالقدرة كما إذا دخل عليه وقت الصلاة مثلا عاجزا عن الجزء المشكوك ، فإن قلنا إن الواجب بالنسبة إلى الوقت مشروط يكون الشك في أصل تعلّق الوجوب والأصل عدمه ، نعم يمكن توجيه الاستصحاب التعليقي على القول به بأن يقال إنه قبل طريان العجز كان بحيث لو دخل عليه الوقت تعلّق به الوجوب أو الاستصحاب الكلي بأن يقال إنه كان كلّما دخل عليه الوقت في السابق وجب عليه الصلاة فيثبت الوجوب في الوقت الحاضر بالاستصحاب ، وكذا لو قلنا بأنّ الواجب مطلق معلّق بالوقت. وتوهم جريان استصحاب الوجوب الثابت قبل الوقت ليس في محلّه ، لأنّ ثبوت الوجوب وإن كان قبل الوقت على تقدير كون الواجب معلقا بالوقت إلّا أنه

٤٤٥

موقوف على التمكن من جميع أجزاء المركب وشرائطه في الوقت وإلّا كشف عن عدم تحقق الوجوب في السابق.

ومما ذكرنا يعرف حال ما لو شك في أصل وجوب الجزء كالسورة وقد تعذّرت فالكلام فيه هو الكلام فيما نحن فيه بعينه. لا يقال : إنا إن قلنا بأنّ حكم الشك في جزئية السورة حال التمكّن منها هو البراءة ففي حال التعذر أيضا كذلك بالأولى ، لأنا نقول : ليس كذلك لأنّا نحتمل ارتفاع وجوب أصل المركّب عند تعذّر الجزء في الثاني بخلاف الأول فإنّ الوجوب مجزوم به على كلّ تقدير بالتمكّن من إتيان الواجب بجميع أجزائه ، نعم يمكن الفرق بينه وبين المسألة السابقة بجريان استصحاب الوجوب هنا فيما لو كان متمكنا من الجزء في أول الوقت ثم تعذّر من غير ورود الإشكالات السابقة ، فإنه لو دخل عليه وقت الصلاة مثلا متمكنا من قراءة السورة وحكم بعدم وجوبها وأن الواجب ما عدا السورة بقاعدة البراءة صحّ له استصحاب التكليف بالصلاة بلا سورة عند تعذّرها من غير إشكال كما لا يخفى.

قوله : وضعف أسنادها مجبور باشتهار التمسّك بها بين الأصحاب (١).

قد ناقش في ذلك أيضا المحقق النراقي (رحمه‌الله) في عوائده قال ما لفظه : فنقول لا شكّ في عدم اعتبار تلك الأخبار من حيث السند ولا من حيث وجودها في أصل معتبر ، ولكن تصدّى بعضهم لإثبات حجيتها ببيان اشتهارها وانجبارها بالعمل فقال : إنه ذكرها الفقهاء في كتبهم الاستدلالية على وجه القبول وعدم الطعن في السند أصلا ، ومع ذلك مشهورة في ألسنة جميع المسلمين

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٩٠.

٤٤٦

يذكرونها ويتمسّكون بها في محاوراتهم ومعاملاتهم من غير نكير ، فهي بالعمل مجبورة وبالشهرة معتضدة فيكون حجة.

ويرد عليه : أنه إن أريد انجبارها بالشهرة المتنية فهي ليست مشهورة إلّا في ألسنة المتأخرين وهي غير كافية ، بل اشتهارها عندهم أيضا ليس إلّا بنقل بعضهم عن بعض في مقام الاحتجاج وردّه ، وهذا ليس من الشهرة الجابرة فإنه لو ذكر واحد حديثا ضعيفا ثم ذكره الجميع ناقلا عنه ردّا للاستدلال به لا يحصل له الشهرة المتنية الجابرة ، وحال تلك الثلاثة من ذلك القبيل كما ترى أنه استدل نادرا بالأول في مقام إثبات كون الأمر للندب وذكره الباقون نقلا منه فردّوا عليه وكذلك الثانيان ، وإن أريد الشهرة المدلولية فهي ممنوعة وإن كان الفتوى في بعض جزئيات مدلولها مشهورة وهي غير اشتهار المدلول ، فالظاهر عدم حجية تلك الأخبار وعدم صلاحيتها لإثبات الأحكام المخالفة للأصول إلّا أن يكتفى في انجبار الخبر الضعيف بالشهرة المحكية أيضا كما هو المحتمل بل الأظهر فإنه يمكن القول بحجية تلك الأخبار حيث إنّه نسب بعضهم القول بوجوب الإتيان بما يتمكّن به من الأجزاء إلى الأكثر (١) انتهى.

ولا يخفى أنّ من ردّ الاستدلال بهذه الأخبار من حيث الدلالة يظهر منه صحة السند عنده وإلّا كان له الأولى ردّه به ، وعلى هذا لو قيل إنّ مشهور المتأخرين اعتمدوا على هذه الأخبار كان في محلّه فتأمّل.

__________________

(١) عوائد الأيام : ٢٦٢.

٤٤٧

قوله : أما الاولى فلاحتمال كون من بمعنى الباء أو بيانيا وما مصدرية (١).

المعروف في تقريب الاستدلال بها أنّ «من» للتبعيض وهي ظاهرة فيه ولو بمعونة المقام ، و«ما» موصولة أو موصوفة ، وهو مع صلته أو صفته بدل قوله منه ، و«منه» في موضع المفعول من قوله فأتوا.

وفيه : أنّ الأصل والظاهر في «من» الابتدائية ، وبه يكون الاستدلال أظهر ، ويندفع به بعض الإشكالات الآتية كما سيظهر ، ولا يحتاج إلى جعل «ما» موصولة أو موصوفة في تقريب الاستدلال ، بل يتمّ على تقدير كونه مصدرية زمانية ويكون محصّل المعنى كلّما أمرتكم بشيء فاتوا منه كلا أو بعضا ما دمتم قادرين عليه أو مقدار استطاعتكم منه. ولا يخفى أيضا أنّ الاستدلال مبني على كون إذا من أدوات العموم ولا يبعد وإن كان محلا للخلاف ، وبالجملة كون «من» للتبعيض أو بمعنى باء التعدية أو للتبيين خلاف الظاهر ، بل توجيه التبيين بالخصوص فيما نحن فيه لا يخلو من حزازة بل غير صحيح سواء جعلناه بيانا للمأتي أو لما استطعتم على ما في العوائد ، لعدم كون مجروره بيانا للمبيّن به كما في قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ)(٢) والحاصل أنّ هذه المناقشة في غير محلّها بعد ظهور «من» في الابتداء وبه يتمّ الاستدلال ، وبسط الكلام في احتمالات كلمة من ولفظة ما وشيء وأمر فاتوا لعله تطويل بلا طائل.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٩٠.

(٢) الحج ٢٢ : ٣٠.

٤٤٨

قوله : نعم إخراج كثير من الموارد لازم ولا بأس به ، إلخ (١).

نمنع لزوم ذلك أيضا ، لأنّ المراد من الشيء أعم من المركّب الارتباطي فيشمل مثل أكرم العلماء إذا تعذّر إكرام بعضهم إلى غير ذلك من المركبات غير الارتباطية ، فبهذه الملاحظة نمنع كون الخارج من العموم أكثر ، مضافا إلى أنّ المندوبات التي يشملها النبوي ويستحبّ فعل أبعاضها لو تعذّر جميعها أيضا كثيرة ، نعم يرد على الاستدلال بالنبوي (٢) ما أشار إليه في الفصول من أنّ صدر الخبر يكشف عن أنّ المراد منه استحباب تكرار العمل ما استطعتم فلا ربط له بما نحن فيه ، قال في الفصول وذلك بشهادة ما قبله عليه على ما روي من أنّه خطب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : «إنّ الله كتب عليكم الحج فقام عكاشة ، ويروى سراقة بن مالك فقال أفي كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثا ، فقال : ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم ، والله لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم ، فاتركوني ما تركتكم وإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم إلى أنبيائهم ، إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (٣) انتهى.

ولكن يمكن دفع ذلك بإرادة الجامع بين المعنيين بناء على كون «من» ابتدائية ، فالمعنى فاتوا مما أمرتكم به كلا أو بعضا مرة أو مرارا ما استطعتم ، نعم حمل الأمر في الحديث على الوجوب على ما هو مبنى الاستدلال ينافيه مورد الحديث جزما لعدم وجوب تكرار الحج بقدر الاستطاعة ، فلا بدّ من حمله على الندب أو مطلق الرجحان فيسقط الاستدلال ، اللهمّ إلّا بضميمة الإجماع على أنّه

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٩١.

(٢) عوالي اللآلي : ٥٨ الحديث ٢٠٦.

(٣) الفصول الغروية : ٧٤.

٤٤٩

لو كان الإتيان ببعض المركب الواجب راجحا فهو واجب ، فتدبّر.

قوله : وأما الثانية فلما قيل من أنّ معناه ، إلخ (١).

المورد صاحب العوائد في العوائد (٢) ، ولا يخفى أنه على المعنى الذي حمله عليه لا يحتاج إلى حمل الجملة الخبرية على الإيجاب لكي يمنع دلالتها عليه أوّلا ، وعدم شموله للمندوبات التي يستدلون فيها بالخبر ثانيا ، بل هو نظير قوله (عليه‌السلام) «لا ينقض اليقين بالشك» (٣) معناه أنّ الحكم الذي كان ثابتا للميسور عند عدم تعسّر المعسور باق بعد التعسّر أيضا إن واجبا فواجب وإن مستحبا فمستحب ، بل على المعنى الآخر أعني تعلّق عدم السقوط بنفس فعل الميسور كما هو الأظهر ، ومختار المتن أيضا كذلك ، ضرورة أنّ السقوط وعدم السقوط وإن كان متعلّقا بالفعل فإنّما هو باعتبار الحكم ، ولا يحمل الجملة الخبرية على مطلق الرجحان أيضا ليشمل المندوبات ، ويتم حكم الوجوب في الواجبات بالإجماع المركب أو عدم القول بالفصل.

قوله : وأما في الثالثة فما قيل ، إلخ (٤).

المورد صاحب العوائد أيضا أورد الإيرادات الأربعة بترتيب المتن ببيان أوضح وأبسط عما في المتن ، ولا يخفى أنّ الإيراد الأول والثالث مبنيان على قراءة «لا يترك» بصيغة النفي ، وإلّا فعلى قراءته بصيغة النهي بالجزم هما ساقطان ، لكن لمّا لم يتعيّن أحدهما نحتاج إلى إثبات كون الجملة الخبرية في

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٩١.

(٢) عوائد الأيام : ٢٦٥.

(٣) الوسائل ١ : ٢٤٥ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.

(٤) فرائد الأصول ٢ : ٣٩٣.

٤٥٠

مقام الإنشاء والإلزام ليصحّ الاستدلال على الاحتمالين.

ثم إنّ الإيراد الثالث وهو احتمال بقاء الجملة الخبرية على ظاهره وحمله على إرادة الاخبار عن عادة الناس بأنّهم ما لا يدركون كله لا يتركون كلّه احتمال مرجوح في الغاية بالنسبة إلى شأن الإمام (عليه‌السلام) ووظيفته من بيان الأحكام ، وإن كان قد تقتضي الحكمة والمصلحة بيان القصص والحكايات والاخبار عن أفعال الناس وعاداتهم فإنه نادر لا يحمل الكلام عليه إلّا مع ثبوت قرينة على ذلك ، وكذا إيراده الثاني مبني على مختاره من عدم ترجيح التخصيص على المجاز لو دار الأمر بينهما ، وأما على المشهور المختار في ترجيح التخصيص فهو غير وارد ، إلّا أن يقال إنّ خصوص المجاز اللازم في المقام أعني كون المراد من النهي مطلق المرجوحية من المجازات الظاهرة الشائعة الكثيرة الوقوع ، فيمكن منع أشيعية التخصيص عنه وأرجحيته منه.

قوله : لأنّ المراد بالموصول في نفسه ليس هو العموم قطعا لشموله للأفعال المباحة ، إلخ (١).

يعني أنّ قصر الموصول على غير المباحات والمحرّمات والمكروهات ليس من باب التخصيص بل من باب التخصّص وتضييق دائرة العموم من أول الأمر بقرينة «لا يترك كله». وبعبارة أخرى ينساق من هذه القضية أنّ كل فعل مركّب قابل لمطلوبية بعضه عند تعذّر كله إذا تعذّر كله وبقي التمكّن من بعضه فذلك البعض مطلوب ، فلا يشمل المباحات والمحرّمات والمكروهات ، وهكذا نقول بالنسبة إلى المندوبات بعد ظهور قوله «لا يترك كلّه» في التحريم أنه ينساق منها أنّ كل مركب قابل لحرمة ترك بعضه إذا تعذّر كله يحرم ترك ذلك

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٩٣.

٤٥١

البعض الميسور منه (١).

قوله : وأما احتمال كون لفظ الكلّ للعموم الأفرادي (٢).

الأولى أن يقال إنّ كون كل للعموم الأفرادي أو المجموعي تابع لعموم كلمة الموصول الراجع إليه ضمير كلّه ، لا أنّ عموم الموصول تابع لعموم كل ، فتأمل جدا.

قوله : إذ لو حمل على الأفرادي كان المراد ما لا يدرك شيء منها ، إلخ (٣).

فيه نظر ، لأنّ العموم الأفرادي قسمان : الأول أن يكون اللفظ الدال على

__________________

(١) أقول : فيه نظر أما أولا : فلأنّ إرجاع تخصيص الموصول بغير الواجب إلى التخصص لئلّا يكون خلاف ظاهر اللفظ حتى يعارض بمجازية النهي في مطلق المرجوحية ، مدخول بأنّه لا وجه له مع صدق تعريف التخصيص عليه أي قصر العام على بعض ما يتناوله بحسب وضعه ، ولا شكّ أنّ عموم الموصول بمقدار ما يشمله صلته بحسب وضعه ، وعلى هذا فقوله «ما لا يدرك كلّه» أعني الموصول باعتبار صلته عام يشمل جميع المركبات الارتباطية وغير الارتباطية ، فلا جرم يكون خروج المباحات والمحرّمات كالمندوبات تخصيصا ، إلّا أنّ خروج غير المندوبات مقطوع به لعدم احتمال القضية لها على كل تقدير ، وأما المندوبات فلما كان يحتمل القضية شمولها بإرادة مطلق المرجوحية من النهي دار الأمر بينه وبين التخصيص كما ذكره المورد ، وقد عرفت أنّ ترجيح التخصيص على خصوص هذا المجاز الشائع الكذائي في محلّ المنع.

وأما ثانيا : سلّمنا عدم كون خروج المندوبات تخصيصا إلّا أنه لا شكّ في كونه خلاف الظاهر المستفاد من الوضع ، فيدور الأمر بينه وبين المجاز في لفظ النهي ، ويصير هذا أنسب بغرض المورد ، لأنّ ترجيح التخصيص على المجاز مشهور وترجيح هذا الأمر الخلاف الظاهر على المجاز لم يعهد من أحد فليتأمل.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٣٩٤.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٣٩٤.

٤٥٢

العموم مرآة للأفراد بالمعنى الحرفي كاللام في الجمع المحلّى باللام مثل قوله : لا تكرم الفسّاق فإنّ مفاده في القضية السالبة عموم السلب ، كما أنّ مفاده في القضية الموجبة عموم الاثبات. الثاني أن يكون الدال على العموم عنوانا للأفراد بحيث يكون هو المأمور به والمنهي عنه كلفظ كلّ فإنه يراد منه عنوان الشمول والإحاطة ، فإذا وقع ذلك العنوان في حيّز النفي يفيد سلب العموم كما في الكلّ المجموعي بعينه لا فرق بينهما من هذه الجهة ، ومن هنا اشتهر عند علماء البيان أنّ قوله لم آخذ كلّ الدراهم يفيد سلب العموم (١).

__________________

(١) أقول : فيه نظر ، لأنه إن أريد من لفظ كلّ عنوان الشمول والإحاطة فهو عين الكل المجموعي ولا نتصوّر للكل المجموعي معنى غير ذلك ، اللهمّ إلّا ما يظهر من كلام بعضهم من أنّ المراد منه ما يفيد كون ما يضاف إليه هو المركّب الارتباطي كما يقال كل العسكر فتح البلد ، نظرا إلى أن الفتح لا يحصل إلّا بالمجموع من حيث المجموع ، وحيث إنّ المعروف أنّ مثل قوله لم آخذ كل الدراهم مما وقع كل عقيب النفي يفيد سلب العموم أشكل عليهم قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ)[لقمان ٣١ : ١٨] وقوله : قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي علي ذنبا كلّه لم أصنع ، مما أريد به عموم السلب.

وقد يجاب بأنّ القضية في نفسها لا تفيد أزيد من سلب العموم ، ولكن يستفاد عموم السلب من الخارج بتقريب أنّ عدم حبّه لكل مختال فخور أعم من عدم حبّه لأحد منهم وعدم حبّه لجميعهم بحيث يجتمع مع حبّ بعضهم واتفق انطباقه هنا للفرد الأول قد علم ذلك من الخارج.

أقول : الظاهر أنّ عموم السلب في مثل المثالين مقصود بالإفادة واستعمل اللفظ فيه لا أنّه من باب الاتفاق بقرينة الخارج ، وذكر صاحب الفصول في أول مبحث الجمع المحلّى في الفرق بين المثالين وبين غيره وجها دقيقا وهو أنّه قد يعتبر ورود النفي على الكلام بعد اعتبار نسبة الكلام على الوجه المقصود في الإثبات ويحمل عليه المثالان ، فإنّ الكلام مع قطع النظر عن النفي يفيد عموم الإثبات ، ونفي هذا المفهوم لا يكون إلّا بعموم السلب ، وقد يعتبر النسبة السلبية متعلقا بمدلول كلّ فيفيد سلب العموم ويحمل عليه باقي الأمثلة ، هذا ملخّص

٤٥٣

قوله : ثم إنّ الرواية الأولى والثالثة وإن كانتا ظاهرتين في الواجبات (١).

يمكن أن يقال إنّ مفاد الروايتين أيضا كمفاد الرواية الثانية مثل مفاد أخبار الاستصحاب في إبقاء نفس الحكم الثابت في الزمان الأول ، وإبقاء نفس الحكم الثابت للمجموع المعجوز عنه إن واجبا فواجب وإن مستحبا فمستحب ، يستفاد هذا المعنى من سياق الروايتين (٢).

ثم لا يخفى أنّ إطلاق هذه الأخبار على تقدير تماميتها حاكم على إطلاق دليل الجزء لو فرض بحيث يشمل حال العجز عنه اللازم منه سقوط أصل الواجب بالعجز عنه ، فلا يتوهّم التعارض بينهما ، وهكذا نقول بالنسبة إلى إطلاق دليل الشرط في المسألة الآتية بناء على جريان قاعدة الميسور في الشروط أيضا.

قوله : فنقول إنّ الأصل فيها ما مرّ في الأجزاء ، إلخ (٣).

وكذا بالنسبة إلى جريان استصحاب الوجوب الغيري أو النفسي حال فقدان الشرط وحال فقدان الجزء حرفا بحرف.

__________________

كلامه ، وهو وجه وجيه لو ساعده الانفهام العرفي من اللفظ ، وفيه إشكال والله العالم بحقيقة الحال.

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٩٤.

(٢) أقول : فيه منع واضح ، وقد استفيد هذا المعنى من الرواية الثانية من قوله لا يسقط ، لأنّ السقوط يدلّ على تحقق ما يقتضي الثبوت في الجملة ، وليس إلّا على نحو ثبوت أصل المركّب من الوجوب أو الندب ، فتدبّر.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٣٩٥.

٤٥٤

قوله : أما الأولى والثالثة فاختصاصهما بالمركّب الخارجي واضح (١).

الأظهر مساواتهما للرواية الثانية في الشمول لفاقد الشرط أيضا بدلالة فهم العرف ، أما في الرواية الأولى فبناء على ما اخترناه من كون لفظة من ابتدائية واضح ، فإنّ مفادها على هذا أنه إذا أمرتكم بشيء فاتوا منه أي من قبله ومن ناحيته مقدار المستطاع ، ولا ريب أنّه يصدق على فاقد الشرط أنه مقدار المستطاع من الشيء ، وكذا بناء على كون من للتبعيض فإنّ العرف لا يفرّق بين الجزء والشرط بالنسبة إلى المأتي والساقط فكأنه يفهم من القضية أنه لو تعذّر بعض ما يعتبر في المأمور به فأت بالقدر الممكن منه. ويؤيد أو يدل على ما ذكرنا أنّ قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «فاتوا منه ما استطعتم» يفهم منه وجوب إتيان الأجزاء المقدورة مع الشرائط ، وإلّا لزم صحة إتيان الأجزاء بدون شرائط المركّب ، فيظهر من ذلك أنّ الساقط للتعذّر أيضا أعم من الشرط.

وأما في الرواية الثالثة فإنا إذا راجعنا في نظائر هذا التركيب من الأمثلة العرفية إلى وجداننا وفهم العرف نجد عدم الفرق في الساقط والباقي بين الأجزاء والشرائط ، ألا ترى أنه لو قال المولى لعبده إذا نزل الضيف فقدّم إليه الطعام كذا وكذا من أنواع الطعام وليكن كذا وكذا من الآداب والشرائط ، ثم قال لو لم يمكن كل ذلك فلا تترك كله ، فإنّه يفهم منه أنّ كل جزء أو شرط لا يتمكن منه لا يوجب سقوط الباقي ، يعني إذا نزل الضيف فأكرمه بجميع ما تقدر مما فصّلت لك جزءا أو شرطا.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٩٥.

٤٥٥

قوله : ولكنّ الإنصاف جريانها في بعض الشروط (١).

توضيحه : أنّ من الشروط ما يعدّ واجدها مباينا لفاقدها عرفا كالإيمان في الرقبة المؤمنة وكالناطقية في الإنسان ، فإنّ الرقبة الكافرة مباينة للرقبة المؤمنة والحمار مباين للإنسان وإن أخذ وصف الإيمان أو الناطقية في الدليل بصورة القيد للرقبة أو الحيوان ، ومنها ما يعدّ فاقدها مجانسا لواجدها عرفا بحيث يكون هو هو ولو مسامحة كالستر والقبلة مثلا للصلاة فيصدق على فاقدها أنه الميسور من الصلاة ، ففي القسم الأول لا تجري قاعدة الميسور لعدم صدقه عليه ويجري في القسم الثاني لمكان الصدق المذكور.

فإن قلت : إنّ تشخيص هذه الصغرى مما لا يمكن في الشرائط الشرعية التي لا نعلم حقيقة كيفية جعلها عند الشارع ، فلعله اعتبر الستر أو القبلة نظير الناطقية في الإنسان ، ويكون فاقد الستر أو القبلة مباينا لواجده في نظر الشارع.

قلت : يمكن تشخيصه إما بالأدلة الشرعية التي يميّز به الأركان عن غيرها مثل قوله (عليه‌السلام) «أليس قد أتممت الركوع والسجود» (٢) ونحوها ، فإنّ فاقد مثل الستر بعد إتمام الركوع والسجود ليس مباينا للواجد ، وإما بدلالة العرف فإنه بعد ما علمنا أنه اعتبر في المركب كذا وكذا من الأجزاء الحسّية والشرائط المعلومة يكون كالمركبات الخارجية الأخر فهمه بيد العرف بالنسبة إلى ما ينتفي المركب بانتفائه وما يبقى بعد انتفائه مسامحة.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٩٥.

(٢) الوسائل ٦ : ٩٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٩ ح ٢.

٤٥٦

قوله : ومما ذكرنا يظهر ما في كلام صاحب الرياض (١).

لا بأس بنقل كلام الرياض بلفظه لتوضيح الحال فنقول : قال في شرح قول المحقق : ولو تعذّر السدر والكافور كفت المرة بالقراح ، عند المصنف وجماعة لفقد المأمور به بفقد جزئه ، وهو بعد تسليمه ، كذلك إذا دلّت الأخبار على الأمر بالمركب ، وليس كذلك لدلالة أكثرها وفيها الصحيح وغيره على الأمر بتغسيله بماء وسدر ، فالمأمور به شيئان متمايزان وإن امتزجا في الخارج ، وليس الاعتماد في إيجاب الخليطين على ما دل على الأمر بتغسيله بماء السدر خاصة حتى يرتفع الأمر بارتفاع المضاف إليه ، وبعد تسليمه لا نسلّم فوات الكل بفوات الجزء بعد قيام المعتبرة بإتيان الميسور وعدم سقوطه بالمعسور ، وضعفها بعمل الأصحاب مجبور ، فإذن الأقوى وجوب الثلاث بالقراح (٢) انتهى.

وظاهر هذا الكلام أنه بنى الأمر على أنّ وجوب الغسل ووجوب كون الغسل بماء السدر تكليفان مستقلان من باب تعدد المطلوب وإن كان أحدهما موضوعا للآخر ، فهو كالأمر بالصلاة والأمر بكونها في المسجد تكليف في تكليف لا يسقط أولهما بتعذر الثاني لا أنه تكليف واحد متعلّق بالمركب ، ولو سلّم كونه كذلك يعني من قبيل التكليف بالمركب يكفي في الحكم بوجوب الجزء عند تعذّر الكل قاعدة الميسور ، ولا يخفى أنه كلام موزون ولا ربط له بمسألة القيد والمقيّد بوجه.

نعم يرد عليه أنّ حمله للخبر على تعدد المطلوب خلاف الظاهر ، مضافا إلى أنه خلاف الإجماع ظاهرا ، إذ يلزم عليه صحة الغسل بالماء القراح عند

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٩٦.

(٢) رياض المسائل ١ : ٣٦٤ ـ ٣٦٥.

٤٥٧

التمكّن من السدر أيضا ، غاية الأمر عصيانه بمخالفته للتكليف الآخر وهو كون الغسل بماء السدر ، ويشهد لما ذكرنا من عدم إرادته القيد والمقيّد قوله : لا نسلّم فوات الكل بفوات الجزء ، وقوله في صدر كلامه وهو كذلك إذا دلّت الأخبار على الأمر بالمركّب.

ثم إنّه ليس في الرواية لفظ وليكن فيه شيء من السدر ، وليس في كلام صاحب الرياض أيضا ، والظاهر أنه نقل الرواية بالمعنى ، ولفظه موافق لما في الرياض من عطف السدر على الماء.

ثم إنّ المصنف نقل عبارة الرياض بما يقرب من لفظها في كتاب الطهارة دليلا على ما ذكره المحقق في المتن ، وأورد عليها بوجوه أربعة لا يخفى ما فيها من الاختلاط ، أشار إلى الأول منها بقوله : وفيه أنّ المأمور به شيء واحد هو الغسل ، ومتعلّقه أيضا شيء واحد مركب من شيئين ممتزجين على ما هو مدلول قوله (عليه‌السلام) «اغسله بماء وسدر» وليس معناه اغسله بماء واغسله بسدر ، وإن كان الأصل في العطف يقتضي ذلك ، إلّا أنّ العطف على هذا النحو بحرف الواو كثير كما لا يخفى انتهى. وظاهره بل صريحه أنه حمل كلام الرياض على تعدد المطلوب كما ذكرنا وإن لم يكن مناسبا للإيرادات الثلاثة الباقية وهو جيّد.

ثم أشار إلى الثاني منها بقوله : ثم إذا سلّم دلالة اغسله بماء وسدر على كون المأمور به شيئين متمايزين لم يقدح التعبير عنه في بعض الأخبار الأخر بماء السدر ، لأنّ التركيب العقلي الاعتباري المنتزع من التركيب الخارجي بمنزلة المركب الخارجي في عدم سقوط جزئه الميسور بتعسّر جزئه الآخر ، فإن ماء السدر ليس من قبيل ماء الرمّان كما هو واضح ، انتهى.

وظاهر هذا الإيراد بل صريحه وصريح الإيرادين الأخيرين أنه حمل

٤٥٨

كلام الرياض على أنّ المستفاد من الرواية كون المأمور به من قبيل المركب الذي يجري فيه قاعدة الميسور لا من قبيل القيد والمقيّد حتى لا تجري فيه القاعدة ، فأورد عليه بأنّ القيد والمقيّد أيضا قد يكون شبيها بالمركب تجري فيه القاعدة ، والظاهر أنه أشار إلى ما في المتن هنا من التفصيل في القيد بين كون فاقده مباينا لواجده كماء الرمان وبين غيره على ما بيّن سابقا.

وفيه أوّلا : أنه أجنبي عن كلام الرياض كما عرفت.

وثانيا : أنه ينافي الإيراد الأول.

وثالثا : أنه أنبأ عن أنّ صاحب الرياض لا يرى جريان قاعدة الميسور في القيد والمقيّد ، وهو مخالف لصريح ما حمل عليه كلامه.

ثم أشار إلى الثالث منها بقوله : ثم لو سلّم تغاير عنواني الإضافة والعطف في المؤدى كان اللازم تحكيم ما دلّ على وجوب الغسل بماء السدر على ما دلّ على وجوب الغسل بماء وسدر ، لأنّ الأول كالتقييد للثاني فتأمل ، انتهى.

ولعله أشار بقوله فتأمل إلى منع التحكيم المذكور بل هما متعارضان ، ولكن الإنصاف أنّ التحكيم المذكور مما يساعده العرف ، بل لا يبعد دعوى ظهور عنوان العطف أيضا في خصوص محلّ الكلام في التقييد كما يظهر من عبارة المتن هنا.

ثم أشار إلى الرابع منها بقوله : ثم لا وجه لما ذكره أخيرا بقوله وبعد تسليمه إلى آخره ، إذ لا دليل على وجوب المقدور من الشيئين المتمايزين خارجا المأمور بهما على وجه الاجتماع إلّا أدلة عدم سقوط الميسور بالمعسور ، وإلّا فهو لا يحتاج إلى الاستدلال بها في التكاليف المستقلة ، كما أنها لا يجري في التركيبات العقلية الحاصلة بسبب الإضافة أو التوصيف كماء

٤٥٩

الرمان ونحوه.

فالتحقيق أنّه لا فرق بين التركيب الإضافي والعطفي ، والأول غير قادح من حيث كونه تركيبا عقليا ، كما أنّ الثاني لا ينفع لأنّ التركيب الخارجي إنما هو في متعلّق المأمور به أعني الغسل لا نفسه ، فالأولى التمسك بأدلة عدم سقوط الميسور بالمعسور حيث إنها جارية في المقام عرفا وإن كان المأمور به شيئا واحدا وهو الغسل ، فإنّ العبرة في مجاري تلك الأدلة موارد إجراء العرف إياها لا بمجرّد التركيب الخارجي ، انتهى.

ولا يخفى اضطراب أجزاء هذا الكلام ، فإنّ قوله إذ لا دليل على وجوب المقدور من الشيئين إلى آخره ، ظاهر في حمله لأول كلام الرياض على المركب وذيله على المقيّد ، وحينئذ لا يلائمه قوله وإلّا فهو لا يحتاج إلى الاستدلال بها في التكاليف المستقلة فإنه ناظر إلى تعدّد المطلوب ، وقوله كما أنها لا يجري في التركيبات العقلية إلى آخره ، ناظر إلى تفصيل المتن.

إذا عرفت ذلك ظهر لك أن قوله في المتن فإن جعلنا ماء السدر من القيد والمقيّد إلى آخره ، إشارة إلى الإيراد الثالث المذكور مبنيا على حمل كلام الرياض على الأمر بالمركّب في صدر عبارته ، وقوله وإن كان من إضافة الشيء إلى بعض أجزائه كان الحكم فيها واحدا ، ناظر إلى الإيراد الأول ظاهرا أو احتمالا ، إلّا أنّ التعبير بإضافة الشيء إلى بعض أجزائه لا يخلو عن مسامحة فإنّه من باب إضافة بعض أجزاء الشيء إلى بعضه الآخر ، وكيف كان فالظاهر أنّه يريد بقوله ومما ذكرنا يظهر ما في كلام صاحب الرياض إلى آخره ، أنه يستفاد من كلام الرياض عدم جريان قاعدة الميسور في القيد والمقيّد مع أنه يمكن جريانها فيه على التفصيل المذكور ، هذا غاية توجيه العبارة ، وقد عرفت ما فيه فتدبّر.

٤٦٠