حاشية فرائد الأصول - ج ٢

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-089-6
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ٢ الجزء ٣

قوله : أو العبرة بالطريق الشرعي المعثور عليه بعد الفحص (١).

اعلم أنّ المراد بالطريق الشرعي المعثور عليه بعض الفحص هو مطلق الحجة الشرعية التي يجب العمل عليها ولو كان أصلا من الأصول لا خصوص ما جعل بعنوان الطريقية للواقع كخبر الواحد مثلا ، فإن كان هذا مراد المتن فهو وإلّا فالتحقيق هو ذلك فإنّه ليس في جميع الموارد طريق مجعول يعثر عليه بعد الفحص ، بل قد يكون المرجع بعد الفحص أصلا من الأصول وهو واضح.

ثم اعلم أنه قد لا يكون هناك طريق شرعي موجود قبل الفحص كخبر الواحد مثلا ويعثر عليه بالفحص ، بل يحدث بعد الفحص طريق شرعي يجب الأخذ به ، مثلا لو كان في المسألة خبران متعارضان يجب الأخذ بأرجحهما في نظر الفقيه فإن ليس في المسألة قبل الفحص طريق شرعي موجود غير معثور عليه إلّا أنه بالفحص والاجتهاد يصير أحد الخبرين راجحا في نظره ويكون تكليفه الأخذ به وهو طريقه حينئذ ، وأما قبل الفحص والاجتهاد فليس هناك راجح أعني ظنّ بالصدور أو بالواقع ، وكذا لو كان المجتهد قائلا بحجية مطلق الظن فإنّ حدوث الطريق موقوف على الفحص والاجتهاد وتحصيل الظن ، وحينئذ نقول يمكن للقائل بأنّ العبرة في باب المؤاخذة هو الطريق الشرعي التفصيل بين ما كان هناك طريق شرعي موجود غير معثور عليه لترك الفحص فالعبرة بمخالفة ذلك الطريق ، وبين ما لم يكن طريق موجود فعلا فالعبرة بمخالفة الواقع ، فإن كان هذا مراد القائل فهو وإلّا فيكون هذا وجها خامسا في المسألة ، وهذا التفصيل أوجه من الإطلاق بل متعيّن لا يخفى وجهه ، فليتأمل.

ثم اعلم أنه قد يكون في المسألة طريقان يصح الرجوع إلى كل واحد

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٣.

٥٢١

منهما واتفق موافقة عمل المكلف لأحدهما ومخالفته للآخر فهل يعاقب عليه على هذا القول نظرا إلى مخالفته للطريق الشرعي أم لا نظرا إلى موافقته للطريق الشرعي؟ وجهان أوجههما الثاني ، مثلا لو كان في المسألة خبران متعارضان متكافئان وكان الحكم فيه التخيير بحسب مذهب المجتهد واتفق العمل موافقا لأحد الخبرين مخالفا للآخر ، وكذا لو وجب على المقلد تقليد أحد المجتهدين المتخالفين في الرأي تخييرا لتساويهما أو لعدم وجوب تقليد الأعلم واتفق عمله موافقا لرأي أحدهما مخالفا لرأي الآخر ، والظاهر المختار عدم العقاب في الصورة المفروضة بناء على هذا القول لأنّه يصدق أنه وافق الطريق الشرعي في عمله ، لأنّ موافقة الواجب المخير إنما تتحقق بموافقة أحد أطراف التخيير وهو هنا حاصل لا موافقة جميع الأطراف ، ونظير هذا يجري بناء على القول بأنّ العبرة مخالفة الواقع فقط وكان الحكم في الواقع التخيير بين شيئين واتفق عمل المكلف موافقا لأحد شقي التخيير فإنه يسقط به العقاب على القول.

قوله : أو يكفي مخالفة أحدهما فيعاقب في الصورتين (١).

ولازم هذا القول تعدد العقاب لو خالف الواقع والطريق معا كما إذا فرض أنّ الواجب الواقعي هو الظهر وكان الطريق الشرعي المجعول مؤديا إلى وجوب الجمعة ، والمكلف لم يأت بالظهر ولا بالجمعة فيعاقب حينئذ عقابين على الواقع والطريق ، نعم لو كان مخالفة أحدهما بموافقة الآخر لم يكن إلّا عقاب واحد ، ولعل القائل بهذا الوجه يلتزم بتعدد العقاب في الصورة المفروضة وهو مقتضى دليله أيضا لكنه بعيد.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٣.

٥٢٢

قوله : أم يكفي في عدم المؤاخذة موافقة أحدهما فلا عقاب في الصورتين (١).

ظاهر هذا الوجه بحسب عنوانه أنه لو ترك الظهر والجمعة فيما فرضنا في الحاشية السابقة من كون أحدهما واجبا في الواقع والآخر بحسب مؤدى الطريق كان معاقبا لعدم موافقة واحد من الواقع والطريق ، لكن مقتضى ما استدل به لهذا الوجه كما سيأتي في المتن عدم العقاب في الفرض كما لا يخفى ، أو يكون هذا مضافا إلى الوجه الخامس الذي أشرنا إليه في الحاشية السابقة وجها سادسا في المسألة ، وينحصر مورد المؤاخذة بحسب هذا الوجه فيما إذا كان الطريق مؤديا إلى الواقع ولم يعمل به ، ويبقى مع ذلك المنافاة بين المدّعى والدليل فلاحظ وتأمّل.

قوله : والأقوى هو الأول ويظهر وجهه بالتأمل ، إلخ (٢).

قد مرّ منّا أيضا قوة هذا الوجه غير مرّة وصحة دليله بأوفى بيان ، لكن لا يخفى أنّ دليله يشمل ما لو تفحّص وعثر على الطريق المجعول ثم لم يعمل به فإنه يعاقب على نفس الواقع عند المخالفة وإلّا فلا.

قوله : وقد استثنى الأصحاب من ذلك القصر والإتمام والجهر والإخفات (٣).

ويمكن أن يستثنى مواضع أخر لم يذكرها الأصحاب في هذا المقام منها : الإخلال بما عدا الخمسة مما يعتبر في الصلاة من الأجزاء والشرائط بدليل

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٣.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٥.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٧.

٥٢٣

قوله (عليه‌السلام) «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» (١) بناء على التحقيق من عدم اختصاص مفاده بالسهو وعمومه للجهل بالحكم ، وبيانه موكول إلى محلّه.

ومنها : حكم بعضهم بعدم وجوب الكفارة على من أفطر في نهار شهر رمضان عامدا جهلا بالحكم فإنّ الجاهل هنا ليس بحكم العامد بالنسبة إلى خصوص أثر الكفارة فهو معذور فيه ، خلافا لآخرين فحكموا بوجوب الكفارة عليه مطلقا كما عن بعضهم أو في خصوص الجاهل المقصّر كما عن بعض آخر.

ومنها : الإخلال ببعض شرائط التذكية كالتسمية أو الاستقبال جهلا بالحكم فإنه يحكم بحلّية الذبيحة مع فقده ولو كان مقصّرا عند بعض ، فليس الجاهل فيه بحكم العامد.

ومنها : مسألة الربا فإنّ من جهل حكم الربا ولم يجتنب عنه في معاملاته زمانا قصيرا أو طويلا ثم علم فإنه معفوّ عنه ويحكم بحلّيته وصحة معاملاته السابقة الربوية على ما تدل عليه جملة من الأخبار فإنّ الجاهل هنا ليس بحكم العامد ، فتأمل.

قوله : فالأول إما بدعوى كون القصر مثلا واجبا على المسافر العالم (٢).

ولا يرد على هذا الوجه سوى أمرين يمكن الذبّ عنهما : أحدهما أنه يرجع إلى التصويب الباطل ، ويمكن دفعه بأنّ بطلان التصويب ليس من جهة عدم معقوليته كما يقول به العلامة (رحمه‌الله) لأجل الدور على ما سبق بيانه ، بل لأجل الإجماع أو النص عليه ، ومن المعلوم عدم الإجماع في مورد الاستثناء ،

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٣٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٤.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٨.

٥٢٤

ويمكن تخصيص النص أيضا بغير مورده.

ثانيهما : أنه خلاف ظاهر المشهور من ثبوت المؤاخذة ، ومقتضى هذا التوجيه عدمها ، ويمكن دفعه بالتزام المقتضي ومنع كونه ظاهر المشهور ، فتأمل.

قوله : وإما بمعنى معذوريته فيه (١).

والفرق بينه وبين الأول عدم ثبوت التكليف في التوجيه الأول رأسا حتى التكليف الشأني غير المنجّز ، بخلاف الثاني فإنّ التكليف الواقعي بالقصر ثابت إلّا أنه غير منجّز لمكان عذر الجهل ، ويشترك هذا التوجيه مع الأول في عدم الالتزام بالعقاب من جهة عدم المقتضي له كما في التوجيه الأول ، أو من جهة وجود المانع وهو كون الجهل عذرا بجعل الشارع ذلك لمصلحة من المصالح ، إلّا أنك قد عرفت أنّ ذلك خلاف ظاهر المشهور من ثبوت العقاب.

قوله : كما في الجاهل بالموضوع (٢).

يعني أنّ الجاهل بالموضوع لمّا لم يجب الفحص عليه وحكمه العمل بالأصل قبل الفحص فهو مخاطب بما يشتمل على حكم ظاهري هو مؤدّى الأصل ، بخلاف ما نحن فيه من جاهل حكم القصر فلم يخاطب بالعمل بالأصل ، لأنّ العمل بالأصل في الشبهة الحكمية مشروط بالفحص ولم يحصل الشرط ، إلّا أنه مستغنى عنه باعتقاده ، إلى آخر ما في المتن.

قوله : وكونه مؤاخذا على ترك التعلّم (٣).

إما بدعوى كون التعلّم واجبا نفسيا فليس وجوبه تابعا لوجوب فعل

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٨.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٨.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٨.

٥٢٥

القصر فلا يجب عليه القصر واقعا ويعاقب على ترك التعلّم الواجب في نفسه كما يقول به الأردبيلي (رحمه‌الله) (١) وصاحب المدارك (رحمه‌الله) (٢) ، لكنا نقول به في خصوص مورد الاستثناء لا مطلقا في جميع موارد الجهل ، وإما بدعوى صحة العقاب على ترك المقدمة التي لم يتحقق وجوب ذيها إذا كان عدم تحقق وجوبه مستندا إلى ترك المكلف للمقدمة وإلّا ففيه شأنية التحقق كما نحن فيه ، وكلتا الدعويين وإن كانتا معقولتين لكنّهما في غاية البعد كما لا يخفى ، ولا بأس بالالتزام باحداهما لو انحصر المناص فيهما.

قوله : وإما من جهة تسليم تكليفه بالواقع إلّا أنّ الخطاب بالواقع ينقطع عند الغفلة (٣).

وبعبارة أخرى ينقطع التكليف عند الغفلة خطابا لا عقابا ، ولا يخفى أن ظاهر هذه العبارة ثبوت الخطاب أوّلا في زمان ثم ينقطع عند الغفلة كما في الناسي بعد دخول الوقت ، والظاهر أنّ ذلك غير مراده ، بل المراد عدم ثبوت الخطاب من أول الأمر لأجل الجهل والغفلة.

ثم لا يخفى أنّه يحتمل أن يراد انقطاع الخطاب بحسب التنجّز لا عدم ثبوته في ظرف الواقع ، ويحتمل إرادة انقطاعه واقعا وعدم ثبوته أصلا ، والأظهر في العبارة هو الأول ، وعليه فيرد عليه وعلى التوجيه الثاني إشكال التناقض الوارد في الأحكام الظاهرية المخالفة للأحكام الواقعية في موارد الأصول والطرق الشرعية المجعولة بناء على كونها أحكاما شرعية في قبال الأحكام

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١١٠.

(٢) المدارك ٢ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥ و ٣ : ٢١٩.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٨.

٥٢٦

الواقعية على ما هو ظاهر المشهور لا أعذارا كما يظهر من بعض كلمات المتن ، وقد مرّت الإشارة إليه ، بل المقام أولى بالإشكال من ذلك المقام ، لأنّ الحكمين هناك أحدهما واقعي لا يتعدّى إلى الظاهر ، والآخر ظاهري لا يتعدّى إلى الواقع.

وربما يتوهّم عدم التنافي بينهما باعتبار اختلاف ظرفهما أو قيدهما ، وهنا حكمان واقعيان وإن كان أحدهما منجّزا والآخر غير منجّز ، فإنّ ذلك لا يتفاوت في عدم إمكان إنشاء الآمر للمتناقضين وإرادتهما جميعا في الواقع ، فالإشكال باق بعد ، نعم على تقدير عدم ثبوت الأمر بالقصر واقعا كما هو مقتضى الوجه الأول والثالث ومحتمل هذا الوجه الرابع لا يرد هذا الإشكال فيرتفع أصل الإشكال أيضا ، ولا بأس بالتزامه لو لم نظفر بوجه آخر في دفع الإشكال أوجه منه وانحصر دفعه في ذلك.

قوله : لكن هذا كله خلاف ظاهر المشهور حيث إنّ الظاهر منهم كما تقدم بقاء التكليف بالواقع المجهول (١).

يعني بقاء التكليف المنجّز وإلّا فقد عرفت أنّ مقتضى الوجه الثاني من الوجوه الأربعة والرابع منها ظاهرا بقاء التكليف الواقعي ، فإن كان مراد المشهور بقاء التكليف الواقعي أعم من أن يكون منجزا كان موافقا لهما فلا إيراد ، والاستشهاد بأنهم يبطلون صلاة الجاهل بحرمة الغصب شاهد على ما ذكرنا ، لكن يمكن منع الاستظهار المذكور ومنع شهادة الشاهد على ما تقدم بيانه في ذيل الدليل النقلي على وجوب الفحص في أول المسألة.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٩.

٥٢٧

قوله : والتزام أنّ غير الواجب مسقط عن الواجب (١).

بدعوى كون غير الواجب وهو الإتمام مشتملا على مصلحة الواجب وهو القصر في الجملة ولذا يحصل به القربة.

لا يقال : لو فرض أنّ الإتمام مشتمل على المصلحة المطلوبة لزم أن يكون مأمورا به في عرض صلاة القصر على نحو التخيير قضية لتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد النفس الأمرية ، ولا يكون معاقبا على ترك القصر بالمرة.

لأنّا نقول : نفرض أنّ الإتمام غير مشتمل على جميع مصالح المأمور به بل بعضها ، ولذا لم يتعلّق به الأمر لأنّ الغرض إدراك المصلحة التامة ، ولكن لمّا كان ما يدرك بالإتمام من مصلحة المأمور به ولو كان ناقصا بحيث لا يبقى معه مجال لإدراك المصلحة التامة سقط به المأمور به ، ويوضح ذلك ما يقال في نظيره في العرفيات من أنه لو فرض أنّ المولى أمر عبده بأن يسقيه ماء باردا فسقاه العبد ماء غير بارد وزال به عطش المولى ، فلا ريب في سقوط الأمر بذلك ولا يطلب منه في هذا الحال سقيه بالماء البارد ، وليس إلّا من جهة اشتمال ما أتى به على مصلحة المأمور به وهي رفع العطش ، مع أنه لم يكن مأمورا به بالفرض لعدم اشتماله على المصلحة التامة ، لكن بعد إدراك هذا المقدار من مصلحة المأمور به لا يمكن إدراك المصلحة التامة بوجه فلا جرم سقط المأمور به لذلك ، وكذا لو أمره بقتل عدوّه بالذبح من القفا مثلا فقتله بالذبح من المذبح أو بغير الذبح ، أو أمره بسدّ ثغرة السفينة بلوح الساج فسدّها بالخشب وسيّرها في البحر ولا يمكن نزع الخشب وتبديله بالساج وعلى هذا فقس ، ويحمل على هذا الوجه صحة صلاة من أخلّ بغير الأركان من الأجزاء والشرائط سهوا بناء على عدم

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٩.

٥٢٨

كونها أجزاء علمية أو شرائط علمية ، بل تكون جزئيتها مطلقة كما تقتضيه ظواهر الأدلة ، فإنّ حكم الشارع بالصحة وعدم الإعادة مع ترك الجزء المستلزم لعدم الإتيان بالمأمور به لا يكون إلّا من جهة اكتفائه بهذا الناقص غير المأمور به عن المأمور به ، لكونه مشتملا على مصلحة المأمور به في الجملة بحيث لا يبقى معه محل لإدراك مصلحة المأمور به التامة ، وهذا الوجه أوجه من حمل الأجزاء على كونها أجزاء علمية ، لأنّ ظاهر أدلة الأجزاء هو الجزئية المطلقة ، ولا ينافيه قوله (عليه‌السلام) «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» (١) الذي عمدة أدلة صحة الصلاة الناقصة في حال السهو ، لعدم دلالته على أنّ ما أتى به كان مأمورا به بل مجرّد عدم الإعادة ، فليتأمل في ذلك ، وفي :

قوله : نعم قد يوجب إتيان غير الواجب فوات الواجب فيحرم بناء على دلالة الأمر بالشيء على النهي عن الضد كما في آخر الوقت (٢).

فإنّ فوات الواجب بإتيان غير الواجب على البيان المذكور لا يختص بآخر الوقت ، بل يجري في أول الوقت أيضا كما لا يخفى ، فبناء على اقتضاء الأمر للنهي عن الضد يكون المأتي به حراما مطلقا ، لكنّ المبنى ضعيف.

قوله : مثل قوله (عليه‌السلام) في الجهر والإخفات «تمت صلاته» (٣).

لا نسلّم دلالة قوله (عليه‌السلام) «تمّت صلاته» على أنّ ما أتى به مأمور به ، بل معناه تمامية صلاته الشخصية التي أتى بها لا تمامية صلاته التي أمر بها.

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٣٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٤.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٩.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٩.

٥٢٩

قوله : والموارد التي قام فيها غير الواجب مقام الواجب ، إلخ (١).

وفيه : أنّ بعض الموارد التي قام فيها غير الواجب مقام الواجب يكون المسقط غير فعل المكلف كما إذا وجب عليه غسل ثوبه للصلاة فغسله غيره ، أو أصابه المطر فطهر ونحو ذلك ، فيسقط به الواجب ولا يعقل فيها ثبوت الأمر للبدل كما لا يخفى ، إلّا أن يقال إنّ يقال إنّ المراد ما قام غير الواجب من فعل المكلف مقام الواجب من فعله ، لكن يرد عليه أيضا أنّ ما يسقط به الواجب من فعل المكلف قد لا يكون مأمورا به قطعا كأن يكون حراما مسقطا للواجب فلا يعقل كونه مأمورا به ، لكن ذلك إنما يتصور في التوصليات دون التعبديات ، نعم يتم ما ذكره في التعبديات لو سلّمنا أنّ الظاهر ثبوت الأمر بالبدل وهو في محلّ المنع أيضا ، ولعله إلى بعض ما ذكرنا أشار بقوله فتأمّل.

قوله : والثالث ما ذكره كاشف الغطاء (رحمه‌الله) من أنّ التكليف بالإتمام مترتب على معصية الشارع بترك القصر (٢).

هذا الترتب الذي أشار إليه كاشف الغطاء مما لا بد من التزامه وتعقّله بنحو من الأنحاء لا مفرّ منه ، لأنّا نجد بالوجدان أنّ فرضه واقع في المطلوبات العرفية بالنسبة إلى الموالي والعبيد وغيرهم من الآمرين والمأمورين ، ألا ترى أنه قد يأمر الشخص عبده أو ابنه مثلا بالسفر للتجارة تعيينا لا يرضى بتركه بوجه من الوجوه ثم لمّا علم أن العبد أو الولد لا يطيعه في ذلك ويترك سفر التجارة ، يأمره بغيره من الاشتغال بخدمة أو صنعة أو حرفة ونحوها بحيث يكون المأمور عند اشتغاله بما أمره الآمر ثانيا وامتثاله له ملوما عند العقلاء بسبب مخالفته للأمر

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٩.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٤٣٩ ـ ٤٤٠.

٥٣٠

الأول ، كما أنّ المأمور به الأولي في هذا الحال أيضا محبوب في نفس الآمر مطلقا ومطلوب له كذلك ، لم يرفع اليد عنه ، لكن لمّا علم عصيان المأمور وتركه له رأى أنّ المأمور به الثانوي أيضا محبوب له على تقدير عدم حصول الأول بعصيان المأمور ، فلذلك أمره به ولا يرضى بتركه في هذه المرتبة وعلى تقدير عصيان الأمر الأول ، وهذا المعنى واضح لمن تدبّر ، فلا بدّ من أن يكون هذا الأمر والطلب صحيحا بوجه من الوجوه ، فإن تعقلنا ما ذكره كاشف الغطاء (رحمه‌الله) (١) من ثبوت الأمرين الفعليين على نحو الترتب فهو وسيأتي الكلام فيه ، وإلّا فيمكن أن يقال بالترتب بمعنى آخر وبوجه آخر ، وهو أنّ الآمر لمّا علم بعدم حصول محبوبه ومطلوبه من جهة عصيان المأمور وكان له مطلوب آخر على هذا التقدير ، وعلم أيضا عدم إمكان الأمر به مع بقاء الأمر الأول للزوم اجتماع الأمر والنهي أو الأمر بالضدين وهو ممتنع ، رفع اليد عن الأمر الأول وأسقطه مقدمة لصحة أمره الثاني بالمطلوب الثاني لئلّا يفوت منه هذا المحبوب في هذه المرتبة كما فات مطلوبه في المرتبة الأولى ، وهذا نظير ما لو عجز المأمور عن إتيان المأمور به الأولي فإنه يرتفع الأمر الأول بسبب العجز عن امتثاله ويصحّ به الأمر الثاني بمطلوبه المتأخّر في المرتبة عن الأولي ، والفرق بينه وبين الأول أنّ الأمر الثاني في الأول لمّا كان مع القدرة على امتثال الأمر الأول صحّ عقابه عليه فهو كما لو أمره بعد حصول عصيان الأمر الأول بشيء آخر ، بخلاف الثاني فإنه لا عصيان فيه ولا عقاب.

وكيف كان توجيه ما ذكره كاشف الغطاء (رحمه‌الله) أنّ الأمر بالإتمام فيما نحن فيه وكذا الأمر بالضد في مسألة الضد ليس في مرتبة الأمر بالقصر أو

__________________

(١) كشف الغطاء ١ : ١٧١.

٥٣١

الأمر بالواجب ، بل هو مترتّب على ترك القصر ومتأخر عن مرتبة الأمر بالقصر ، لأنّه على تقدير عصيان الأمر بالقصر فلم يجتمع الأمران حتى يلزم المحذور ، وجوابه أنّ الأمر بالإتمام وإن كان متأخرا عن الأمر بالقصر في الرتبة لكنّ الأمر بالقصر ثابت في مرتبة الأمر بالإتمام ، لأنّه غير مقيّد بشيء فيجيء المحذور ، لأنّه لازم على تقدير ثبوت الأمرين في مرتبة واحدة وهو هنا حاصل ، وهذا مراد الماتن في :

قوله : ويردّه : أنا لا نعقل الترتيب (الترتب) في المقامين وإنما يعقل ذلك ، إلخ (١).

التحقيق أن يقال إنّ محذور الأمر بالقصر والإتمام على تقدير معصيته في التكليف بالقصر فيما نحن فيه ، وكذا الأمر بضد الواجب في مسألة الضد شيئان على ما ذكروه ، أحدهما : امتناع الأمر بالضدين في وقت واحد لأنه من التكليف بما لا يطاق.

ويمكن الجواب عن ذلك : بأنّ المسلّم من امتناع الأمر بالضدين هو ما لو أريد منه الجمع بين الضدين ، ولا شكّ في قبح مثل هذا التكليف فهو ممتنع على الحكيم ، وهذا بخلاف ما نحن فيه فإنه لم يأمر بالجمع بين الضدين بل أمر أوّلا بشيء لو امتثله المكلف وأتى به لم يأمر بشيء آخر ولو عصى يأمره بشيء آخر مع بقاء الخطاب الأول وهذا ليس بممتنع ، إما من جهة أن وجه الامتناع هو القبح لا غير ولا قبح في مثل هذا التكليف مع فرض وجود المندوحة للمكلّف ، فهو إنما وقع في مضيقة الأمر بالضدين بسوء اختياره ، وإما من جهة أنّ المفروض لا

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٤٠.

٥٣٢

يرجع إلى الأمر بالضدين على ما بيّنه واختاره في الفصول (١) فراجع.

وثانيهما : اجتماع الأمر والنهي في موضعين ، حيث إنّ الأمر بكل من الضدين يقتضي النهي عن الآخر.

ويمكن الجواب عنه : أما بالنسبة إلى أصل الواجب كالإزالة مثلا فبما ذكره صاحب الفصول (رحمه‌الله) في بعض تصويرات الواجب المعلّق حيث قال (رحمه‌الله) واعلم أنه كما يصحّ أن يكون وجوب الواجب على تقدير حصول أمر غير مقدور وقد عرفت بيانه ، كذلك يصحّ أن يكون وجوبه على تقدير حصول أمر مقدور فيكون بحيث لا يجب على تقدير عدم حصوله وعلى تقدير حصوله يكون واجبا قبل حصوله ، وذلك كما لو توقّف الحج المنذور على ركوب الدابة المغصوبة ، فالتحقيق أنّ وجوب الواجب حينئذ ثابت على تقدير حصول تلك المقدمة وليس مشروطا بحصولها كما سبق إلى كثير من الأنظار (٢) انتهى موضع الحاجة ، وكلامه هنا موافق للتحقيق ، لكن ما ذكره في ذيل كلامه من أنّ الواجب ليس مشروطا بحصولها إلى آخره محل نظر ، إذ يمكن فرض الواجب مشروطا بحصول المقدمة المحرّمة على نحو الشرط المتأخر فإنه معقول أيضا على التحقيق وبيانه في محله.

وحينئذ نقول فيما نحن فيه إنّ فعل الإزالة مأمور به وليس بمنهي عنه ، لأنّ النهي ليس إلّا من قبل كون ترك الإزالة واجبا من حيث كونه مقدمة لفعل الصلاة المأمور به فيكون فعلها حراما ، إلّا أنا نمنع وجوب خصوص هذه المقدمة بدعوى أنّ الأمر بالصلاة ليس مطلقا بل مشروط أو معلّق على تقدير

__________________

(١) الفصول الغروية : ٩٨.

(٢) الفصول الغروية : ٨٠.

٥٣٣

ترك الإزالة وعدم حصولها ، ومن المعلوم أنّ المقدمة إذا كانت مما علّق عليه الوجوب وكان وجوب الواجب على تقديره لا تكون واجبة بوجوب ذي المقدمة بل إنما يجب ما كان مقدمة للوجود فقط لا ما كان مقدمة للوجوب أيضا ، ولذا لا يجب تحصيل الاستطاعة مقدمة للحج أو تحصيل النصاب مقدمة للزكاة ، فإذا لم يجب ترك الإزالة لأنّ وجوب الصلاة على تقديره لم يحرم فعل الإزالة ، فهو مأمور به غير منهي عنه وذلك ما أردناه.

وأما بالنسبة إلى الضد كالصلاة مثلا فيما ذكره صاحب الفصول (رحمه‌الله) أيضا متفرعا على مختاره من أنّ الواجب من المقدمة هو المقدمة الموصلة كما هو التحقيق عندنا أيضا ، بدعوى أنّ ما يجب مقدمة لفعل الإزالة ترك الصلاة المتوصل به إلى فعل الإزالة لا مطلق ترك الصلاة ولو لم يتوصل به إلى فعل الإزالة ، فالصلاة مأمور بها غير منهي عنها ، لعدم كون تركها غير المتوصل به إلى فعل الإزالة واجبا بوجوب الإزالة ، قال في بعض كلامه في بحث الضد ، وقد عرفت أنّ قضية رجحان خاص مرجوحية ترك هذا الترك الخاص دون الفعل فلا ينافي رجحانه على بعض الوجوه ، وقد بيّنا أنّ رجحان فعل الضد مبني على تقدير عدم التوصل بتركه إلى فعل الواجب ، فقضيته مرجوحية تركه على هذا التقدير لا مطلقا ، ومرجعه إلى مرجوحية تركه غير المتوصل به ، لأنّ تقييد الصفة يستلزم تقييد الموصوف من حيث الاتصاف فلا ينافي رجحان الترك المتوصل به فاندفع المنافاة ، لأنّ مبناه على اجتماع وصفي الرجحان والمرجوحية في محل واحد ، وعلى ما قررنا يغاير مورد كل واحد لمورد الآخر ، وإنما يلزم الاجتماع إذا كان ترك الضد راجحا على الإطلاق أو راجحية فعله على الإطلاق ، أو على تقدير التوصل بتركه وقد بيّنا خلافه انتهى.

والحاصل أنّ ما يجب بوجوب الإزالة من باب المقدمة إنما هو ترك

٥٣٤

الصلاة المتوصّل بذلك الترك إلى فعل الإزالة ، فالمنهي عنه ليس إلّا الصلاة التي يكون تركها موصلا إلى فعل الإزالة لا الصلاة التي أتى بها ، لأنّه لم يتوصل بتركها إلى الإزالة ، فيصحّ أن تكون مأمورا بها لعدم المانع من تعلّق النهي بها.

لكن يمكن دفع هذا الجواب : بأنّ الصلاة المأتي بها أيضا منهي عنها وتركها مأمور به وإن قلنا بالمقدمة الموصلة بأن يقال يجب ترك هذه الصلاة والتوصل به إلى فعل الإزالة ، فكما أنّ تركها واجب كذلك التوصل به إلى فعل الواجب أيضا واجب ، إذ لا معنى لوجوب الترك المتوصل به إلى فعل الإزالة إلّا وجوب المقيّد والقيد جميعا ، فقوله أزل النجاسة عن المسجد فورا يستلزم وجوب ترك الصلاة في زمان الفور ووجوب التوصّل بذلك الترك إلى الإزالة ، فإذا صلّى فقد أتى بما هو مطلوب الترك الموصوف بقيد التوصّل به إلى فعل الإزالة فقد أتى بما هو محرم الفعل ، وهذا معنى دقيق يطّلع عليه من بلغ إلى حقيقة المقدمة الموصلة وحقّيتها فليتأمل.

واعلم أنّ هذا كله بناء على القول باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه الخاص ، وأما على القول بالعدم على ما هو التحقيق المحقّق في محلّه بمنع كون ترك الضد مقدمة لفعل ضده ، فلا يتوجّه إشكال اجتماع الأمر والنهي ، ويصحّ الترتب الذي أشار إليه كاشف الغطاء (رحمه‌الله) (١) وشيّده تلميذه (رحمه‌الله) وصهره الشيخ محمد تقي (رحمه‌الله) في حاشية المعالم (٢).

ثم إنّ ما ذكرنا كله بالنسبة إلى مسألة الضد واضح ، وأما بالنسبة إلى ما نحن فيه من مسألة القصر والإتمام في حق الجاهل المقصّر ففي جريانه خفاء

__________________

(١) كشف الغطاء ١ : ١٧١.

(٢) هداية المسترشدين ٢ : ٢٧١ وما بعدها.

٥٣٥

ويترتب على إرجاعه إلى مسألة الضد ، وهو كذلك بعد دقة النظر ، إذ بعد فعل كل منهما لا يبقى محل للآخر ، فهما لا يجتمعان في زمان واحد ، فتأمل.

قوله : فإن كانت الشبهة في التحريم فلا إشكال ولا خلاف ظاهرا في عدم وجوب الفحص (١).

قد مرّ سابقا الإشكال فيما إذا كان الشك مما يزول بأدنى تأمّل والتفات ، بل يجب في مثله الفحص وتحصيل العلم إما لعدم صدق الشك على مثله وإما لانصراف أدلة البراءة عنه ، مثلا لو شكّ في أنّ ثوبه تنجس بالدم أم لا لكنه يعلم أنه إن نظر إلى الثوب يحصل له العلم بالحال لكنه لا ينظر إليه ويتشبّث بأصالة البراءة ، فإنّ ذلك مع أنه غير منصرف الأدلة ويشك في صدق الشك عليه لعله خلاف السيرة بعيد عن مذاق الشرع أيضا ، بل قد يدعى عدم جواز التمسك بأصل البراءة قبل الفحص في كل مورد يعلم أنه بالفحص يحصل له العلم بالحال.

قوله : وإن كانت الشبهة وجوبية فمقتضى أدلة البراءة حتى العقل (٢).

قد مرّ التأمل سابقا في حكم العقل بالبراءة في الشبهة الحكمية فضلا عن الشبهة الموضوعية التي ليس بيانها من وظيفة الشارع ، بل نقول إنّ بناء العقلاء على الفحص كما سيأتي في المتن في بعض الأمثلة ، وما ادّعى في المتن من أنّ مقتضى حكم العقلاء في بعض الأمثلة عدم الفحص مثل قول المولى لعبده أكرم العلماء أو المؤمنين فإنه لا يجب الفحص في المشكوك حاله محلّ نظر بل منع ، ولو صحّ ما ذكر فهو من جهة إرادة الجنس من الجمع المحلّى باللام لا العموم ،

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٤١.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٤٤٢.

٥٣٦

فالحق أنّ حكم العقل والعقلاء على الفحص في الشبهات الموضوعية مطلقا خرج ما خرج وبقي الباقي.

قوله : وأيّد ذلك المحقق القمي (رحمه‌الله) في القوانين (١).

ذكر ذلك في قانون شرائط العمل بخبر الواحد في ذيل دليل المشهور على اعتبار عدالة الراوي (٢) ، وحكي عنه ذلك أيضا في جامع الشتات ، ثم إنّ الفرق بين الجهل بمقدار المال وبين كفايته للاستطاعة بعد العلم بمقداره تحكّم لا نعرف له وجها ، فليتأمل.

قوله : فقد أفتى جماعة منهم كالشيخ والفاضلين (٣).

الظاهر أنّ فتوى الجماعة في فروع باب الزكاة ، بل كلام المعالم (٤) والقوانين أيضا ليست ناظرة إلى وجوب الفحص مقدمة لإعمال أصل البراءة كما فهمه المصنف ، بل يظهر منهم وجوب الاحتياط في مثل هذه الشبهات الموضوعية ، فإن علم الواقع بالفحص وإلّا احتاط ، لا أنه بعد الفحص يعمل بالبراءة ، بل ما ذكرنا صريح المحقق في الشرائع في مسألة الفضة المغشوشة أو كالصريح ، نعم ظاهر ما حكاه المصنف في المتن عن تحرير العلامة (رحمه‌الله) هو مسألة وجوب الفحص ، لكن هذا أعني العمل على الاحتياط في الشبهات الموضوعية خلاف التحقيق لإطلاق أدلة البراءة النقلية ، وقد تمسك في الجواهر (٥) لوجوب تصفية الفضة المغشوشة بعد العلم الإجمالي ببلوغها

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٤٤٢.

(٢) القوانين ١ : ٤٦٠.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٤٤٣.

(٤) معالم الدين : ٢٠١.

(٥) جواهر الكلام ١٥ : ١٩٨.

٥٣٧

النصاب الأول بوجه آخر أقرب وإن كان محلّ نظر أيضا ، وهو العلم بحصول الشركة في هذا المال فيجب تخليصه عن مال الشركاء الذين هم أرباب الزكاة حتى يجوز التصرف فيه ، فالمقام مقام استصحاب الشركة إلى العلم بزوالها ، ولا بأس بنقل عبارته بعينها قال : لكن قد يقال إنّ أصل البراءة لا يجري في حق الغير المعلوم ثبوته في المال في الجملة ، ولا أصل يشخّص كونه مقتضى النصاب الأول أو الثاني ، وتيقّن الخمسة دراهم مثلا باعتبار أنها فريضة المائتين ، وبعض فريضة المائتين والأربعين لا يقتضي تيقّن النصاب الأول الذي هو عبارة عن المائتين التي لم يتم معها أربعون ، ودعوى أنّ المائتين وأربعين نصابان والثمانين ثلاثة نصب ، وهكذا واضحة الضعف ، بل الظاهر أن المائتين وأربعين نصاب واحد كالمائتين ، فحينئذ مع العلم بحصول سبب شركة الفقير ولا أصل يشخّصه لا يجدي أصل براءة ذمة المالك من دفع الزائد في دفع تعرف مقدار الشركة ، بل عند التأمل ما نحن فيه كالمال الذي خلط أجنبي معه مال شخص آخر ويمكن علم المقدار فتأمل جيدا ، انتهى كلامه رفع مقامه.

وفيه : أنّ الشك في ثبوت الشركة في أزيد من القدر المعلوم ، فيستصحب ملكية المالك بالنسبة إلى المقدار الزائد عن المعلوم ، أما إذا كان جميع المال مسبوقا بملك المالك كما في الفضة المغشوشة فواضح ، وأما إذا كان المال مسبوقا بملكية الغير وانتقل إلى ملك المزكّي واحتمل عدم انتقال مقدار الزكاة إليه بل إلى أهل الزكاة كما في زكاة التجارة فيما إذا اشترى شيئا فيه الربح من حين الشراء فيحكم فيه أيضا بملكية المشترى ثم خروج مقدار الزكاة عن ملكه إلى ملك أرباب الزكاة وإلّا لم تصح المعاملة ، وكذا إذا حصل الربح بعد الشراء بارتفاع القيمة فإنّ قضية تبعية المنافع والنماءات للعين في الملك تقتضي ملكية

٥٣٨

مالك العين لجميع الارتفاع خرج ما خرج ، وما شك في بقائه على مقتضى التبعية فالأصل بقاؤه على حكم التبعية ، وكأنه (رحمه‌الله) تفطّن لورود هذا الإشكال عليه فدفعه بقوله وتيقّن الخمسة دراهم مثلا إلى آخره ، ومحصّله عدم رجوع الاشتراك بالنسبة إلى المعلوم هاهنا إلى الأقل والأكثر ، بل إلى المتباينين لدوران الأمر بين وظيفة المائتين ووظيفة المائتين والأربعين ، فيدور الأمر بين إحدى الشركتين المختلفتين لا جامع بينهما ، ولمّا كان هنا مظنّة دخل وهو أن يقال إنّ ثبوت اشتراك المائتين من الدراهم بالنسبة إلى وظيفته من الخمسة دراهم معلوم تفصيلي وإنما الشك في تحقق الاشتراك في الأربعين بعده بالنسبة إلى وظيفته من الدرهم الواحد ، فيرجع إلى الأقل والأكثر ، فدفعه بقوله ودعوى أنّ المائتين والأربعين نصابان إلى آخره ، يعني أنّ ما ذكرت مبني على كون المائتين في ضمن المائتين والأربعين نصابا والأربعين في ضمنه بعد المائتين نصابا آخر ، ففيما نحن فيه يعلم بالنصاب الأول ويشك في النصاب الثاني ، وهذا المبنى ضعيف ، بل الحق المختار أنّ مجموع المائتين والأربعين نصاب واحد وظيفته ستة دراهم ، فيرجع المسألة إلى العلم بثبوت الشركة باعتبار ثبوت نصاب واحد مردد بين كونه مائتين وكونه مائتين وأربعين ولا جامع بينهما ، فيرجع إلى المتباينين المقتضي للاحتياط ، هذا توضيح مراده ، ولعمري إنه دقق النظر فيما أفاده لكن مع ذلك ما بنى عليه الأمر على كل من المبنيين محل نظر.

أما ما فرّع على المبنى الأول أعني كون المائتين والأربعين نصابين من تسليم رجوع المسألة إلى الأقل والأكثر على هذا المبنى ، فلما قوّاه هو (رحمه‌الله) في تحقيق معنى العفو عن الزائد على النصاب الأول ما لم يبلغ إلى النصاب الثاني من أنّ معناه عدم وجوب إخراج شيء آخر من المال من باب الزكاة زائدا على المقدار الذي يجب إخراجه في النصاب الأول ، لا عدم كون الزائد عن

٥٣٩

النصاب الأول متعلّقا للزكاة ، بل مقدار ما يجب إخراجه في النصاب الأول متعلّق بجميع المال حتى الزائد عن النصاب ، قال (رحمه‌الله) في ذيل مسألة زكاة الأنعام في النصاب الخامس من نصب الشاة ما لفظه : إنما الكلام في أمرين ، أحدهما ما يظهر من غير واحد بل هو صريح الفاضل في التذكرة وغيرها وغيره من اختصاص متعلق الوجوب في النصاب دون العفو ، ولعلهم أخذوه مما في النصوص من أنه لا شيء فيه ، لكنه قد يشكل بناء على أن الزكاة في العين بأنّ إشاعة النصاب تستلزم الإشاعة في الجميع فينبغي حينئذ توزيع التالف على الجميع ، كما أنه ينبغي تبعية النماء للجميع ، إلى أن قال لأنّ مقتضى الإشاعة توزيع التالف على الحقّين وإن كان الزائد على النصاب عفوا ، إذ لا منافاة بينهما كما لا يخفى على المتأمل ، وهو جيّد جدا إلّا أن يقوم إجماع ، انتهى موضع الحاجة.

فعلى هذا نقول إنّ المسألة مورد الاحتياط وإن قلنا بأنّ المائتين والأربعين نصابان ، إذ بعد العلم ببلوغ المائتين يحصل العلم بثبوت الاشتراك بالنسبة إلى جميع الدراهم الموجودة سواء بلغت إلى النصاب الثاني أم لم تبلغ إليه بل هو في بعض مراتب العفو ، فإخراج مقدار الزكاة المعلوم وهو الخمسة دراهم لا يوجب العلم بتخليص جميع الدراهم الموجودة عن الشركة ، بل مقتضى الاستصحاب عدمه على الوجه الذي اختاره على المبنى الثاني.

وأما ما فرّع على المبنى الثاني أعني كون المائتين والأربعين نصابا واحدا من رجوع الأمر إلى المتباينين دون الأقل والأكثر ، فلأنّ المائتين من الدراهم الموجودة محلّ للشركة بالنسبة إلى خمسة دراهم قطعا على كل تقدير ، إذ لا يخلو الأمر من ثبوت النصاب الأول فهو هو ، أو ثبوت النصاب الثاني فهو في ضمنه ، لأنّ زكاة كل أربعين في ضمنه درهم ، فزكاة المائتين خمسة دراهم لا

٥٤٠