حاشية فرائد الأصول - ج ٢

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-089-6
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ٢ الجزء ٣

الفعل المأمور به ذا مصلحة ويكون في تركه مفسدة ، وكذا الفعل المنهي عنه لا يجب أن يكون ذا مفسدة. وأيضا نقول على القول المشهور أيضا يحتمل أن يكون الفعل ذا مفسدة بشرط العلم بكونه كذلك فمن أين يعلم أنّ المفسدة تترتّب حال الجهل أيضا.

قلت : نعم ولكن مجرّد الاحتمال كاف في حكم العقل بلزوم تحصيل طريق الأمن من المفسدة ، ولا ريب أنّ احتمال المفسدة الذاتية للفعل مطلقا بعد باق فيجب الاحتياط بحكم العقل (١).

قوله : ثم إنّه ذكر السيد أبو المكارم (قدس‌سره) في الغنية (٢).

يمكن أن يكون كلامه هذا ناظرا إلى خصوص الجاهل الغافل ، وعليه لم يستدل بالدليل المذكور على البراءة المتنازع فيها ، ويمكن أن يكون ناظرا إلى الأعم منه ومن الجاهل الملتفت الذي نتكلّم عليه.

وكيف كان يمكن الاستدلال به كما هو صريح بعض من تأخّر على التقريب المذكور في المتن.

__________________

(١) أقول : والجواب أنّ حكمة الله البالغة تقتضي بيان ما في الأفعال من المصالح الملزمة والمفاسد ، فكلما لم يبيّن فيه ذلك بأمر أو نهي نستكشف من ذلك عدمها أو تداركها كما في تخلّف الأمارات المجعولة عن الواقع ، بل ربما يقال إنّا نعلم بالتدارك بالأدلة الشرعية الدالة على البراءة في الشبهات الموضوعية إجماعا ، وفي الشبهات الحكمية أيضا على المختار من تمامية أخبار البراءة لإثباتها كما مر مشروحا فتأمل فإنّا نتكلّم على تقدير عدم الدليل الشرعي على البراءة أو الإغماض عنها ليكون الحكم العقلي دليلا في المسألة وافيا للمطلوب فتدبّر ، وقد عرضت هذا الجواب على السيد الأستاذ (دامت بركاته) فارتضاه.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٥٧.

١٢١

قوله : مدفوع بأنه إن قام دليل على وجوب إتيان الشاك ، إلى آخره (١).

لقائل أن يقول نختار الشق الأول ولا محذور ، قوله : أغنى ذلك من التكليف بنفس الفعل ، قلنا هذا إنّما يتم لو دلّ الدليل المفروض على ثبوت حكم ظاهري بإتيان الفعل المشكوك لاحتمال المطلوبية ، فحينئذ يصح أن يقال إنّ هذا التكليف مغن عن التكليف بالواقع المجهول ، وأما إذا فرضنا دلالة الدليل على وجوب إتيان الفعل من حيث كونه مقدمة للتوصّل إلى التكليف الواقعي وإرشادا إليه الذي يرجع محصّله إلى بيان تنجّز الواقع حال الجهل به ، فحينئذ لا يغني هذا عن التكليف بالواقع بل يستلزمه كما لا يخفى ، إلّا أنّ هذا كلّه لا ينافي صحّة الاستدلال بالقاعدة العقلية على المطلوب بالتوجيه المشار إليه في :

قوله : والحاصل أنّ التكليف المجهول لا يصحّ ، إلى آخره (٢).

لأنّه وإن أمكن ورود دليل دال على وجوب إتيان الشاك في التكليف بالفعل ولو بنحو الإرشاد وتنجيز الواقع ، إلّا أنه لم يرد ونحن نتكلّم على هذا الفرض ، فالدليل تام لكن الدليل يرجع بالأخرة إلى أنّ مجرّد وجود الخطاب والتكليف الواقعي لا يفي بوجوب إتيان المحتمل للاحتياط ، وليس هذا من باب التكليف بما لا يطاق الذي هو عنوان الدليل.

والحاصل أنّه لا شيء يقتضي شغل الذمة ظاهرا ، ومجرّد احتمال وجود الحكم الواقعي المجهول بالفعل لا يوجب إيقاع المكلف في كلفة شيء من الفعل والترك ما لم ينضمّ إليه حكم آخر من الشرع أو العقل ولو إرشادا بلزوم رعاية

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٥٨.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٥٨.

١٢٢

هذا الاحتمال مثل قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ونحوها ، وبعد فرض عدم هذه الضميمة فشغل الذمة منفي بعدم مقتضيه ، هذا غاية توجيه هذا الدليل.

وفيه نظر :

أما أوّلا : فبالنقض بأصالة البراءة قبل الفحص فإنها غير جارية إجماعا مع جريان مقدمات هذا الدليل في مواردها بعينها ، إذ ليس هناك أيضا سوى احتمال وجود التكليف الواقعي ، والمفروض عدم قيام دليل على لزوم مراعاة ذاك الاحتمال بالاحتياط.

وثانيا : بالحلّ ، وهو أنّ عدم قيام الدليل على شغل الذمة في الظاهر ليس دليلا على نفي الشغل ، والمطلوب في المقام إقامة الدليل على عدم الشغل ولم يحصل ، غاية الأمر أنّه لم يثبت وجوب الاحتياط أيضا ، فبقي المورد مشكوك الحكم الظاهري ، والمقصود أن يثبت أنّ الحكم الظاهري هنا هو البراءة.

وبعبارة أخرى أنّه يجب على المكلف بعد احتماله ثبوت الحكم في المورد أن يسلك طريقا مأمونا ويتشبث بما يكون عذرا صحيحا عن قبل ذلك المحتمل ، فلا بدّ من إقامة دليل يفي بأنّ المكلّف في هذا الحال مأمون معذور وإن كان التكليف في الواقع ثابتا ، والدليل المذكور لا يفي بذلك ، بل مفاده عدم قيام الدليل على الاحتياط وهو غير قيام الدليل على البراءة ، فبقي كل من الاحتياط والبراءة بلا دليل ، واحتمال وجود الحكم الواقعي غير مأمون من جهته (١).

__________________

(١) أقول : ويمكن دفع هذا الإشكال وتصحيح الاستدلال بأن يقال : إنّ احتمال وجود التكليف بمجرده لا يوجب التماس طريق مأمون إلّا إذا انضمّ إليه قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ، فلو فرض عدم تلك القاعدة أو أغمضنا عنها فالاحتمال المذكور خال عن الاقتضاء ، ففي هذا الموضوع اللااقتضائي يحكم العقل بعدم الحرج في الفعل والترك

١٢٣

قوله : إلّا أن الإذن الشرعي ليس لازما شرعيا للمستصحبات المذكورة بل هو من المقارنات (١).

يعني أنّ المستصحبات المذكورة الثابتة حال الصغر ليست من سنخ الحكم الشرعي بل إنما يكون عدم المنع من الفعل في حال الصغر من جهة عدم الحكم بالمرة ، والمطلوب إثبات عدم المنع في حال البلوغ بمعنى حكم الشارع بالإباحة والإذن والترخيص ، وهذا المعنى ليس عين المستصحب وهو واضح ولا لازما شرعيا له ، بل الحكم بثبوته متوقف على ضمّ مقدمة خارجية وهي عدم خلوّ فعل المكلف عن الحكم حال البلوغ ، فإن لم يكن هناك منع بحكم الاستصحاب فحكمه الإباحة ، ومن المعلوم أنّ الاستصحاب لا يثبت ذلك بناء على عدم حجية الأصول المثبتة ، هذا.

ويمكن توجيه الاستدلال بالاستصحاب ودفع ما أورد عليه بوجوه ثلاثة :

الأول : أن يقال إنّ عدم المنع عن الفعل في حال الصغر قابل للاستصحاب وكاف في المطلوب ، أما أنه قابل للاستصحاب فلأنّا نمنع اعتبار كون

__________________

ويكون هذا دليلا على البراءة وأي دليل أقوى من ذلك ، ولا يرجع هذا إلى الدليل العقلي السابق أعني قبح العقاب بلا بيان ، لأنّ المدعى في هذا الدليل عدم الحكم ظاهرا ولو لم يكن المولى ممن يعاقب على مخالفة أحكامه.

وبعبارة أخرى لا تتحقق مخالفة في مرحلة الظاهر لكي يجب تركها بالاحتياط ، وما ذكر من النقض بأصالة البراءة قبل الفحص غير وارد ، لأنّ وجه عدم إجراء قاعدة البراءة هناك إجراء قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ، ومن المعلوم أنه على هذا التقدير لا يتمّ الدليل هاهنا أيضا ، فإنّ القاعدة من أدلة الأخباري لوجوب الاحتياط فلو تمّت كانت واردة على هذا الدليل العقلي كما أنّها واردة على الدليل العقلي السابق كما صرّح به في المتن.

(١) فرائد الأصول ٢ : ٦٠.

١٢٤

المستصحب أمرا مجعولا شرعيا كالوجوب والحرمة مثلا أو شيئا يكون له لوازم شرعية كموضوعات الأحكام ، بل المعتبر كونه مما يصحّ للشارع أن يحكم ببقائه ، ولا يكون هذا الحكم منه لغوا بأن يكون مرتبطا بما هو من وظيفته ، وعدم المنع الشرعي من الفعل من هذا القبيل فلا مانع من استصحابه.

وأما أنه كاف في المطلوب فلأنّا نمنع وجوب إثبات الإذن والترخيص الشرعي المجعول في مقام الحكم بالبراءة ، بل يكفي ثبوت عدم المنع من الفعل ، فلو قال الشارع إني ما جعلت لشرب التتن حكما من تحريم وغيره يكفينا في إثبات البراءة ولا نتوقّف حتى يقول إني جعلت الإباحة والإذن.

الثاني : أن يقال سلّمنا أنه لا يكفي في المطلوب إلّا إثبات الحكم الشرعي بالإذن والإباحة إلّا أنا نثبت هذا المعنى بمجرد استصحاب عدم المنع في حال الصغر بدعوى أنّ عدم المنع هذا وإن لم يكن حكما في حال الصغر إلّا أنّ إبقاءه بحكم الشرع إلى حال البلوغ يجعله حكما في هذا الحال ، ولا ضير في أنّ الشيء الواحد لا يكون حكما في حال وزمان يكون حكما في حال آخر وهو هو بعينه ، ونظير ذلك استصحاب الوجوب الكفائي إلى زمان انحصر أفراد المكلّفين في فرد واحد ، فإنّ المستصحب في زمان تيقّنه السابق كفائي وفي زمان الاستصحاب عيني ، ولا ضير في اختلاف حال هذا الوجوب بحسب الزمانين وهو هو بعينه.

لا يقال : إنّ صيرورته حكما يحتاج إلى الجعل ، ولم يعلم هذا الجعل بالفرض.

لأنّا نقول : يكفي لهذا المقدار من الجعل دليل الاستصحاب من قوله (عليه‌السلام) : «لا تنقض اليقين» وهذا نظير استصحاب الوجوب أو الحرمة فإنّه

١٢٥

يحكم بمجعولية الوجوب والحرمة في زمان الشك بنفس دليل الاستصحاب وإلّا فالحكم الواقعي لا يتعدّى عن الواقع ولا يثبت حال الشك لو لم يكن ثابتا في الواقع ، فإذا حكم الشارع ببقاء كل ما كان متيقنا في السابق تنزيلا فقد جعل ما يماثل المتيقّن السابق بحكمه هذا (١).

الثالث : أن يقال : يمكن إثبات القطع بعدم ترتّب العقاب على الفعل بالاستصحاب لا من جهة أنّه أثر للمستصحبات في حال الصغر حتى يقال إنه أثر عقلي لا يمكن إثباته ، بل من جهة أنّ عدم المنع عن الفعل مطلقا موضوع لحكم العقل بعدم ترتّب العقاب سواء كان عدم المنع واقعا أو ظاهرا.

وبعبارة أخرى : موضوع حكم العقل أعمّ من عدم المنع الظاهري والواقعي فإذا تحقّق موضوعه بالاستصحاب حكم حكما فعليا بعدم العقاب ، وهذا نظير موضوع حكم العقل بوجوب الإطاعة فإنه أيضا أعم من الحكم الشرعي الواقعي ، فإن ثبت بالاستصحاب وجوب شيء مثلا فإنّ العقل يحكم بوجوب إطاعته حكما فعليا ، وليس هذا من باب ترتيب أثر الواجب المتيقّن السابق حتى يقال إنّه أثر عقلي لا يمكن إثباته هذا ، وتمام الكلام يأتي في مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

قوله : فتأمل (٢).

لعل وجهه منع عدم بقاء الموضوع المعتبر في الاستصحاب ، فإنّ عنوان

__________________

(١) أقول : وهذا كلّه لا ينفع في إثبات المطلوب ، لأنّ المستصحب فيما نحن فيه عدم المنع الذي هو من أفراد اللاحكم ، والاستصحاب لا يزيد عن جعل مماثل المتيقّن السابق حال الشك ، وليس الحكم مماثلا للاحكم.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٦١.

١٢٦

البالغ وإن كان مباينا لعنوان الصغير مفهوما إلّا أن الموصوف بالعنوانين أعني ذات الشخص المتّصف بهما متّحد عرفا وهو المناط في موضوع الاستصحاب ، فإنّ شخص زيد مثلا بعد زمان بلوغه بساعة لا يعدّ مغايرا لنفسه بالنسبة إلى ما قبل بلوغه بساعة.

قوله : ولا يرد ذلك على أهل الاحتياط لأنّهم لا يحكمون بالحرمة (١).

فيه نظر ، إذ لو لم يحكموا بالحرمة لما التزموا بالترك دائما ، بل لو قيل إنّ البراءة أنسب بعدم القول بغير علم لأنّهم لا يلتزمون بالفعل بل قد يرتكبون وقد يتركون كان أصوب.

والحق أنّ القولين متساويان في القول بغير علم وعدمه ، والفرق بما ذكر متّضح الفساد ، وإن كان المراد من القول بغير علم خصوص الفتوى فعدم التفرقة أوضح ، لأنّ الفتوى بالاحتياط في عرض الفتوى بالبراءة ، فإن كان الثاني قولا بغير العلم يكون الأول أيضا كذلك كما لا يخفى.

والتحقيق في الجواب ما سيأتي الإشارة إليه في المتن في :

قوله : فبأنّ فعل الشيء المشتبه حكمه اتكالا على قبح العقاب من غير بيان (٢).

توضيحه : أنّ الحكم بالرخصة والإباحة ليس من حيث الحكم الواقعي ، بل الأصولي يعترف بالجهل بالحكم الواقعي ، كما أنّ الأخباري معترف به ، بل إنما يحكم الأصولي بالإباحة الظاهرية بالأدلة التي يعتقد صحّتها من العقل والنقل ،

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٦٢.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٦٣.

١٢٧

كما أنّ الأخباري يحكم بالاحتياط في مرحلة الظاهر للأدلة التي يعتقد صحّتها فليس شيئا منهما قولا بغير علم.

ثم لا يخفى أنّ ما مرّ مرارا من أنّ أغلب أدلة البراءة عقلها ونقلها ليست بحيث تعارضها أدلة الاحتياط ، بل هي من قبيل الأصل في المسألة وأدلة الاحتياط واردة عليها ، لو تمّت لا يمكن القول به في مثل هذا الدليل من أدلتهم ، بل الأمر في مثل هذا الدليل بالعكس فإنّ أدلة البراءة بأجمعها واردة عليه لو تمّت.

قوله : فبمنع منافاة الارتكاب للتقوى (١).

فإنّ التقوى من الوقاية ولا يزيد مدلولها عن حفظ النفس عن ضرر الوقوع في المعصية من العقاب أو المضارّ الذاتية الكامنة في الفعل غير العقاب ، ولا يتحقق هذا المعنى إلّا في معلوم الحكم لا المشتبه.

وإن أريد الاستدلال بمعونة قوله (حَقَّ تُقاتِهِ) و (حَقَّ جِهادِهِ) بتقريب أنّ حق التقوى هو البلوغ إلى غاية مراتب التقوى ولا يتحقق هذا المعنى إلّا بالاحتياط في موارد الشبهة أيضا وإدراك الواقعيات من التكاليف بأجمعها ، ففيه : أنّ هذا المعنى ليس ظاهر الآية ، بل يمكن أن يكون حق التقوى إشارة إلى إتيان جميع الواجبات وترك جميع المحرمات ، فإنّ امتثال بعض التكاليف أيضا من التقوى ، لكن الامتثال في الكل تمام التقوى وحقه.

ويمكن أن يكون المراد من حق التقوى مراعاة المندوبات والمكروهات أيضا ، مضافا إلى الواجبات والمحرمات كما حكي أنه ورد في بعض الأخبار (٢)

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٦٣.

(٢) البرهان ٥ : ١١٣ ـ ١١٦ ، نور الثقلين ٥ : ٩٦ ـ ١٠٠.

١٢٨

تفسير الأتقى بذلك في قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(١) ويكون الأمر بالتقوى حقه لمطلق الرجحان كما أشار إليه الماتن بقوله : مع أنّ غايتها الدلالة على الرجحان إلى آخره ، ولعل سياق هذه الآية وأمثالها دال على ذلك صارف للأمر عن ظاهره من الوجوب ، فليتأمل جيدا.

هذا كله بملاحظة الجمود على لفظ الآية بنفسه ، وإلّا فقد حكى المحدّث الكاشاني في تفسيره (٢) في ذيل الآية في سورة آل عمران أنه ورد في المعاني والعياشي سئل الصادق (عليه‌السلام) عن هذه الآية «قال : يطاع ولا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر» والعياشي أنه (عليه‌السلام) سئل عنها «فقال (عليه‌السلام) منسوخة ، قيل وما نسخها؟ قال (عليه‌السلام) قول الله : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) انتهى ، ثم بعد ذلك يذكر رواية أخرى عن العياشي يظهر منها أنّ المراد من التقوى الاعتقادات الحقة ، وقريب منها ما في مجمع البحرين (٣) فراجع.

ومع هذا كله كيف تطمئن النفس بظاهر الآية الجمودي لو كان حتى يصحّ الاستدلال بها للمقام.

قوله : وأما عن آية التهلكة فبأن الهلاك بمعنى العقاب معلوم العدم (٤).

قد مرّ منع حكم العقل بقبح العقاب في مثل المقام من الشبهات الطارئة

__________________

(١) الحجرات ٤٩ : ١٣.

(٢) تفسير الصافي ١ : ٣٣٧.

(٣) مجمع البحرين ١ : ٤٥١.

(٤) فرائد الأصول ٢ : ٦٣.

١٢٩

من جهة إخفاء المخفين وظلم الظالمين ، وإنما يسلّم فيما لم يصدر بيان من الشارع أصلا ، وقد مر أيضا أن الشبهة الموضوعية التي اتفق الأخباري والأصولي على عدم وجوب الاحتياط فيها لا يراد منها مثل هذه الشبهة الموضوعية التي يرجع إلى الشبهة الحكمية بل هي عينها ، فما أورده في المتن في الجواب عن هذه الآية بكلا شقّيها محل نظر.

نعم ، يمكن الجواب عنها بأنّ الظاهر من التهلكة في الآية المضار الدنيوية ، والخطاب إرشاد إلى التحرّز عنها ، ولا دخل له بما نحن فيه من حكم وجوب الاحتياط بحيث يكون تاركه معاقبا.

وأيضا يظهر الجواب عنها مما يجاب عن الأخبار الدالة على أنّ ارتكاب الشبهة اقتحام في الهلكة وسيأتي.

قوله : ومن السنة طوائف (١).

قد جمعها في الوسائل في باب القضاء ذكر المصنف شطرا منها وما لم يذكره يزيد على ذلك بكثير إلّا أنّ تقريب الاستدلال بالباقي والجواب عنه يظهر مما ذكره ، فليتأمل.

قوله : ولازم ذلك إيجاب الشارع الاحتياط (٢).

لا يحتاج إلى ضمّ هذه المقدمة ، إذ لو ثبت احتمال التهلكة بمعنى العقاب فالعقل يحكم بوجوب دفعها بحكمه المستقل ، ولعل هذا مراد المصنف أيضا فتدبّر.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٦٣.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٧١.

١٣٠

قوله : قلت : إيجاب الاحتياط إن كان مقدمة للتحرّز عن العقاب الواقعي ـ إلى قوله ـ وهو قبيح (١).

قد مرّ في صدر المبحث منع قبح العقاب في مثل المقام ، ونقول هنا أيضا توضيحا ، فإنّ مورد حكم العقل بقبح العقاب ما إذا لم يرد من الشارع ما يبيّن نفس الواقع ، ولم يرد أيضا منه ما يبيّن أنّ المكلف الملتفت مأخوذ بالأحكام الواقعية مطلقا ولو كان جاهلا بخصوصياتها ما دام يمكن موافقتها ، فحينئذ يحكم العقل بقبح العقاب على الحكم المجهول ، وأما إذا ورد أنه يجب التحرّز عن التهلكة الواقعية كما هو مفروض المقام فهذا كاف في تنجّز الواقعيات على ما هي عليه ، ولا يحكم العقل هنا بقبح العقاب على مخالفة الواقع المجهول ، بل يحكم بصحّة العقاب على تقدير حصول المخالفة كما في صورة العلم بالحكم كما لا يخفى.

وسرّ ذلك ما ذكرنا غير مرّة في رسالة القطع وفي رسالة الظن أنّ مخالفة الأحكام الواقعية من الواجبات والمحرمات مقتضية للعقاب مطلقا إلّا في مورد يصحّ للعبد أن يعتذر بعذر صحيح مقبول عند العقل والعقلاء كالنسيان والغفلة لا عن تقصير وكالعجز عن الامتثال والضرورة وأشباهها ، ومنه ما إذا لم يبيّن الشارع أصل الحكم ولم يبيّن أيضا أنه يعاقب على الحكم المجهول ما أمكن فيه الاحتياط ، وأما إذا بيّن أنّ ارتكاب الشبهة اقتحام في الهلكة أي العقاب ومن ارتكب الشبهات يقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم ، فلا ريب أنّ المكلف لا يصحّ حينئذ أن يعتذر في مخالفته للواقع عند العقلاء بأني جهلت الحكم وخالفته من غير علم ، وإن لاحظت بعين الإنصاف أحكام الموالي والعبيد

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٧١.

١٣١

العرفية تجد ما ذكرنا بحيث لا يبقى لك شك وريب ، ولذلك قلنا سابقا إنّ العقل لا يعذر العامل بالأصل قبل الفحص لو خالف الواقع ، وإن فرض أنه لو أتعب نفسه في الفحص لم يجد دليلا أيضا وكان حكمه العمل بالأصل ولم يعاقب على مخالفة الواقع وكان معذورا ، إلّا أنّه إن ترك الفحص وعمل بالأصل يعدّ عاصيا لو خالف الواقع يصحّ عقابه ولا يقبح عند العقل والعقلاء ، وهكذا قلنا في مورد الأمارة المخالفة للواقع إن أخذ بالأمارة فهو معذور بخلاف ما لو خالف الواقع غير معتمد على الأمارة فإنّه يعاقب على هذه المخالفة.

قوله : وما ذكرناه أولى ، إلى آخره (١).

هذا هو الصواب في الجواب عن هذه الأخبار ، وجه الأولوية أمور :

أحدها : أنّ سياق هذه الأخبار آب عن التخصيص ، فإنّ ظاهرها كونها إرشادا إلى حكم العقل وأنّ هذا أمر مركوز في العقول لا أنّ الدخول في الهلكة أمر تعبّدي منهي عنه في بعض الموارد مرخّص فيه في بعض آخر.

الثاني : أنّ مثل هذا التخصيص مستهجن لكونه تخصيصا أكثريا لخروج الشبهة الموضوعية مطلقا في غير الشبهة المحصورة وخروج الشبهة الحكمية الوجوبية أيضا باتفاق من الأخباريين إلّا نادرا منهم ، ولا يبقى تحت العام سوى الشبهة الحكمية التحريمية لفقد النصّ أو إجمال النصّ والشبهة المحصورة ، وهو أقلّ من المخرج بكثير.

الثالث : ما أشار إليه في المتن من أنّه قد استعمل هذه القضية أعني قوله «الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة» تارة في مورد وجوب

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٧٢.

١٣٢

التوقّف كما في مقبولة عمر بن حنظلة وصحيحة جميل ، وأخرى في مقام رجحان التوقّف كما في رواية الزهري وموثّقة سعد بن زياد ، مع أنها قضية واحدة يراد منها معنى واحد ، إذ يبعد كل البعد أن يراد وجوب الوقوف بالخصوص في المورد الأول ومطلق رجحانه في المورد الثاني ، بل الظاهر إرادة معنى واحد مناسب للمقامين وهو مطلق الرجحان ، وعلى هذا يكون المراد من الهلكة مطلق الأمر المرجوح الذي يحتمله المكلف في مورد الشبهة ، فيصير محصّل معنى القضية أنّ الوقوف عند الشبهة أمر راجح ، ومع عدم الوقوف والدخول في الشبهة ربما يقع فيما يحتمله من المحذور ، فإن كان المحتمل عقابا ربما يقع فيه ، وإن كان محذورا آخر من كراهة أو محرّم واقعي بلا عقاب أو مفسدة ذاتية دنيوية أو أخروية يقع فيه ، وحينئذ نقول في الشبهة التحريمية التي هي محل النزاع لا يحتمل المكلّف العقاب لمكان حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان.

لا يقال : هذا يرجع إلى الجواب الأول في المتن بعينه وقد أجبت عنه وقلت يكفي هذا المقدار من البيان في رفع موضوع حكم العقل بقبح العقاب.

لأنّا نقول : إنّ الكلام هناك كان مبنيا على أنّ القضية بصدد بيان أنّ ارتكاب الشبهة باعث لاحتمال الوقوع في الهلكة. وبعبارة أخرى احتمال العقاب مستفاد من نفس هذه الأخبار ، وعلى هذا التقدير لا يدفعه حكم العقل بقبح العقاب كما ذكرنا ، والكلام هنا مبني على ظهور الأخبار في أنّ المحذور الذي يحتمله المكلف في حدّ نفسه مع قطع النظر عن هذه الأخبار في ارتكاب الشبهة يقع فيه لو طابق الاحتمال للواقع ، فلا بدّ أن يكون احتمال العقاب في مثل ما نحن فيه ثابتا في نفسه حتى يشمله إطلاق هذه الأخبار ويثبت وجوب الاحتياط وليس فليس.

١٣٣

قوله : ومن موارد استعمالها في غير اللازم رواية الزهري (١).

كون الاستعمال في مورد الرواية لمطلق الرجحان أيضا فيه تأمل ، إذ ترك رواية لم يحصها الراوي كما أنه ليس بواجب ليس براجح أيضا ، بل الراجح أن يرويها لعلها تعاضد رواية أخرى أو دليلا آخر أو يحصل بها وبأمثالها التواتر أو نحو ذلك من الفوائد ولا حسن في تركه ، اللهمّ إلّا من جهة أنها قد تكون سببا للشبهة وإدخال المؤمنين في خلاف الواقع ، ويندفع ذلك بأن يبيّن الراوي حال الرواية وأنها ضعيفة السند أو الدلالة (٢).

قوله : واعتضادا بالكتاب والسنّة والعقل (٣).

لم نعرف المراد من الاعتضاد بالسنة فإنّه إن كان هناك سنّة دالة على البراءة فهي في عداد باقي الأخبار تعارض أخبار التوقّف وإلّا فلا معاضدة ، ولعله أراد قوله (عليه‌السلام) : «بعثت على الملّة الحنيفية السمحة السهلة» (٤) ونحوه.

قوله : وفيه أنّ مقتضى أكثر أدلة البراءة المتقدمة (٥).

يريد به منع المرجّحات الثلاثة التي ذكرها المجيب ، أما قوة السند فلأنّ الدال من أخبار البراءة بحيث يعارض أدلة التوقف منحصر في مرسلة الفقيه وهي قوله (عليه‌السلام) : «كل شيء مطلق» ومن المعلوم أن هذه الأخبار

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٧٢.

(٢) أقول : ظاهر الرواية أنه لا يجوز لك رواية خبر لا تحسنه لأجل نسيان سنده أو متنه أو نحو ذلك بصورة الجزم به ، وهذا لا دخل له بما نحن فيه فتدبر.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٧٤.

(٤) الكافي ٥ : ٤٩٤ / ١ (مع اختلاف يسير).

(٥) فرائد الأصول ٢ : ٧٤.

١٣٤

الكثيرة الدالة على التوقف وإن كانت ضعيفة أقوى من مرسلة واحدة ، مع أنّ فيها مقبولة عمر بن حنظلة وقد بلغت في الاعتبار عندهم إلى حيث سمّيت بالمقبولة.

وفيه : ما مرّ عند ذكر أخبار البراءة أنّ جلّها لو لم يكن كلها دالّ على البراءة بحيث يعارض أخبار التوقف وليس من قبيل الأصل بالنسبة إلى الدليل فراجع.

وأما قوّة الدلالة فإنّها غير معلومة. وفيه : أنها معلومة لأنّ أخبار البراءة نصّ في الرخصة والإباحة وأخبار التوقّف على تقدير تسليم تماميتها ظاهرة في وجوب التوقّف يمكن حملها على مطلق الرجحان كما حملناها فيجب تقديم النص وصرف الظاهر.

وأمّا معاضدتها بالكتاب والسنّة والعقل فلأنّ ما استفيد منها ليس إلّا أن الأصل عند عدم الدليل على الواقع ولا على وجوب الاحتياط في الظاهر هو البراءة ، ومن الواضح أنّ الأصل لا يعاضد الدليل كما لا يعارضه. وفيه : ما مرّ من أنّ الآيات على تقدير تماميتها سيّما قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها)(١) معارضة لأخبار التوقف ، وليس مفادها تقرير حكم العقل من عدم العقاب بلا بيان أصلا ، نعم حكم العقل على ما قرّره وما قرّرناه أيضا ليس معاضدا هذا ، نعم لو قيل في وجه تقديم أخبار التوقف ردّا على المجيب بأنّها أقوى من جهة معاضدتها بسائر فرق أخبار الباب من أخبار الاحتياط وأخبار التثليث وقد بلغت في الكثرة إلى نيّف وسبعين على ما في الوسائل كان له وجه فتأمل.

__________________

(١) الطلاق ٦٥ : ٧.

١٣٥

قوله : لأنّ الحكم في تعارض النصين الاحتياط (١).

إنّ هذا خلاف التحقيق وخلاف مختار المصنف فلا يكون ردّا على المجيب ، وإن قال به الخصم يعني الأخباري ، فإنّ قوله لا يكون حجة على غيره.

قوله : مع أنّ التخيير لا يضرّه (٢).

التحقيق أنّ التخيير يضرّه ، لأنّه إن قيل بالتخيير في العمل كما اختاره بعضهم فإنّه عين البراءة ، وإن قيل بالتخيير في الأخذ بإحدى الروايتين والإفتاء بها والالتزام بها فليس يلزم اختيار أخبار التوقف ، فله اختيار أخبار البراءة ، كما أن له اختيار أخبار التوقف ، فلا يصح له أن يحكم بحرمة شرب التتن مطلقا في الظاهر ، وأن الحكم بإباحته قول بغير علم فتدبر.

قوله : فيوجد في أدلة التوقف ما لا يكون أعم منه (٣).

لا يخفى أنه لا يخلو عن مسامحة في التعبير ، ومراده أنّ أخبار التوقف باعتبار شمولها لما ورد فيه نهي معارض بالإباحة بضميمة الإجماع على عدم الفرق بين أقسام الشبهة الحكمية التحريمية في الحكم تعارض أخبار البراءة غير الشاملة للمورد المذكور على نحو تعارض التباين ، ولا ينفع أخصّية أخبار البراءة ، إذ لا يمكن إخراج بعض أفراد الشبهة التحريمية عن عموم أخبار التوقّف دون بعض لمكان الإجماع على عدم الفرق.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٧٥.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٧٥.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٧٥.

١٣٦

قوله : فتأمل (١).

يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ الإجماع على عدم الفرق غير معلوم ، إذ يمكن القول بالتوقّف في المتعارضين بمقبولة عمر بن حنظلة وغيره وبالبراءة فيما لا نصّ فيه لأخبار البراءة ، أو إلى أنه يمكن قلب الإجماع المذكور بأن يقال إنّ الشبهة التحريمية فيما لا نص فيه حكمها البراءة لأخصية أخبارها من أخبار التوقف ، ويلحق الشبهة من جهة تعارض النصّين بها بالإجماع المركب ، أو إلى منع كون ما ورد فيه نهي معارض بما دلّ على الإباحة غير داخل في قوله «كل شيء مطلق» ودخوله في الغاية ، لأنّ الظاهر من قوله (عليه‌السلام) «حتى يرد فيه نهي» حتى يرد نهي مفيد مبيّن للواقع رافع للشبهة ، وإلّا فمجرد ورود النهي وإن كان خبرا ضعيفا غير معتبر لا ينفع في حصول الغاية ، وكذا النهي المبتلى بالمعارض فإنّ ذلك غير متبادر منه.

قوله : سواء كان عملا أم حكما أم اعتقادا فتأمل (٢).

لعله إشارة إلى أنّ الظاهر من أخبار التوقف هو التوقف في العمل كما استظهره سابقا بما لا مزيد عليه ، لا الأعم منه ومن الفتوى والاعتقاد فإنّ ذلك في غاية البعد ، أو إشارة إلى أنه إن سلّمنا ذلك لا نسلّم أنّ أخبار البراءة أعم من الأمور الثلاثة بل هي مختصة بحكم البراءة في العمل ، فبهذا الاعتبار تكون أخصّ مطلقا من أخبار التوقّف ، أو إلى أنّه إن سلّمنا ذلك أيضا نقول إن أخبار التوقف شاملة للشبهة الوجوبية من حيث العمل كما أنها شاملة لها من حيث الفتوى ، وأخبار البراءة غير شاملة لها ، فبهذا الاعتبار أيضا تكون أخبار البراءة

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٧٥.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٧٦.

١٣٧

أخصّ مطلقا من أخبار التوقف ، وكيف كان فقد ظهر ضعف جميع ما أورده على الجواب المذكور ، والأولى ترك أمثال هذه الإيرادات الضعيفة لكي لا يحتاج إلى الأمر بالتأمل في ذيلها ، ولا يحضرنا الآن جواب عن الجواب المذكور فالظاهر صحّته ، وسيجيء في آخر المسألة مزيد بيان لحكم تعارض هذه الأخبار وغيرها من أخبار الاحتياط وأخبار التثليث مع أخبار البراءة إن شاء الله.

قوله : إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم الاحتياط حتى تسألوا (١).

قوله «أصبتم» بصيغة المبني للمجهول يعني إذا ابتليتم بمثل هذا ، وليس بصيغة المبني للفاعل بمعنى الوصول والتعرض لأنّه يتعدّى بالنفس يقال أصابه لا أصاب به ، وكيف كان تقريب الاستدلال مبني على أن يكون المشار إليه بلفظ هذا واقعة الصيد ، ويكون المراد بمثله مطلق الحكم المجهول وقد أمر فيه بالاحتياط فيشمل ما نحن فيه من الشبهة التحريمية خرج ما خرج من الشبهة الوجوبية البدوية والشبهة الموضوعية وبقي الباقي. ولا يخفى أنّ المصنف قد أهمل هذا الاحتمال في مقام الجواب عن الاستدلال ولعلّه اعتمد على كونه خلاف ظاهر لفظ المثل ، فتأمل.

قوله : ومنها موثقة عبد الله بن وضاح على الأقوى (٢).

فإنّ في طريق الرواية سليمان بن داود المنقري المختلف فيه بين علماء الرجال فقد مدحه جمع وضعّفه جمع آخر ، والأظهر عند المصنف هو الأول ، وعلى الثاني فالرواية ضعيفة ، وقيل إنها صحيحة ولا بدّ فيه من المراجعة. ثم قوله

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٧٦.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٧٦.

١٣٨

«ويرتفع فوق الجبل حمرة» يراد به أنه يستبين الحمرة في أعلى الجبل فكأنّها ارتفعت عن الأرض واستقرّت على أعلى الجبل ، ويحتمل بعيدا ظهور الحمرة فوق الجبل على السماء يعني الحمرة المشرقية ، وعليه يحمل ما احتمله المصنف بعيدا في آخر الجواب من كون المراد من الحمرة الحمرة المشرقية ، فهذا الاحتمال بعيد في بعيد.

قوله : وليس في السند إلّا علي بن محمد الكاتب (١).

إنه من المجاهيل كما عن الوجيزة فروايته ملحقة بالضعاف وإن كان يروي عنه المفيد.

قوله : ولا تجعل رقبتك عتبة للناس (٢).

وفي نسخة من البحار (٣) التي هي عندنا هكذا «ولا تجعل رقبتك للناس جسرا» وأيضا فيها : إنّ أصل الحديث من خطّ البهائي (رحمه‌الله) لا الشهيد (رحمه‌الله) كما في المتن.

ثم الأمر بالهرب من الفتيا كالهرب من الأسد لا بدّ من أن يحمل على صورة مرجوحيّتها ، لعدم وثوق الشخص من نفسه في القيام بوظيفته أو نحو ذلك ، وإلّا يكون الفتوى لأهلها واجبة أو مندوبة كما لا يخفى.

قوله : ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط (٤).

لعل وجه الاستدلال بالمرسلة بمفهوم الشرط وهو أنّ من لم يسلك سبيل

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٧٧.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٧٧.

(٣) بحار الأنوار ١ : ٢٢٦.

(٤) فرائد الأصول ٢ : ٧٨.

١٣٩

الاحتياط فهو ناكب عن الصراط. وفيه : أنها في مقام بيان حسن الاحتياط وهي كقوله الاحتياط سبيل النجاة ، ولو كانت القضية بصدد المفهوم فعمومه ممنوع ، غاية الأمر أنه يستفاد منها أنّ تارك الاحتياط قد يتّفق أنه ناكب عن الصراط وذلك مسلّم في الاحتياطات الواجبة كمورد العلم الإجمالي.

قوله : وإما أن يكون السؤال عن حكمها (١).

الأولى إسقاط لفظ أن يكون كما لا يخفى.

قوله : وعلى تقدير قولنا بوجوب الاحتياط في مورد الرواية وأمثاله (٢).

لم يظهر ما أراده من هذه العبارة ، إذ لو قلنا إنّ مورد الرواية من قبيل الشك في أصل التكليف كالدين المردّد بين الأقل والأكثر يكون ما نحن فيه من الشبهة البدوية مماثلا له البتّة ولا نجد الفرق بين الشك في جنس الدين في أصله والشك في الزائد والعلم بمقدار درهم منه مثلا بعد التصديق بأنه يرجع إلى الشك في التكليف ، نعم قد يتوهّم أنه من قبيل الشك في المكلف به ، وهو مع كونه فاسدا كلام آخر.

قوله : ولا مضايقة عن القول بوجوب الاحتياط في هذه الواقعة الشخصية (٣).

لعل وجه الفرق بين هذه الواقعة وما نحن فيه أنّ مورد التمكن من استعلام حال الواقعة قليل لا يلزم فيه حرج ومشقة من الاحتياط فيه بخلاف موارد

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٧٨.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٧٨.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٧٩.

١٤٠