تفسير من وحي القرآن - ج ٢٢

السيد محمد حسين فضل الله

تفسير من وحي القرآن - ج ٢٢

المؤلف:

السيد محمد حسين فضل الله


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الملاك
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٤

اليهودي على سائر البشر ، بل كل ما هناك أنهم يستغلون الثغرات الموجودة في كل مجتمع ، لينفذوا إليه من خلالها ، وليعبثوا فيه ما أمكنهم العبث ، وليفسدوا فيه ما أمكنهم الإفساد.

وهكذا كان هؤلاء المنافقون مذبذبين في الموقف بين اليهود وبين المؤمنين ، مما يجعلهم يفقدون شخصيتهم الأصيلة ، في ما هو الانتماء الروحي والفكري على مستوى الاستقرار والثبات.

(وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) وتلك هي سيرتهم عند ما يشعرون بأن المؤمنين لا يمنحونهم الثقة ، أو يخيل إليهم ذلك من خلال القلق النفسي الذي يعيشون فيه على أساس الواقع النفاقي الذي يتمثل في داخلهم ، فيلجئون إلى الحلف الكاذب الذي يحاولون فيه تغطية أوضاعهم السرية المشبوهة ، وإخفاء مواقفهم السيئة ، (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) لأنهم يمثلون في نفاقهم الخطورة الكبيرة على المجتمع المسلم في ما يكيدون له ، وفي ما يكيد له الأعداء من خلالهم بإثارة المشاكل في داخله ، وتحريك عناصر الخوف في مواقعه (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) لأنهم ينطلقون فيه من العقدة الخبيثة الكامنة في مواقع الحقد والعداوة من شخصياتهم ، مما يجعلهم في حركة دائمة للإضرار بالإسلام والمسلمين.

(اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) أي درعا يتقون به من الأفكار الاتهامية التي يحملها المسلمون تجاههم ، فيعملون على تأكيد إخلاصهم وصدقهم ومزاعمهم بالأيمان الكاذبة ، للإيحاء بالموقف القوي الثابت الذي يقفونه ، وبالعمق الإيماني الذي يتمثلونه. وهكذا كان البسطاء من الناس يصدقونهم ، ويثقون بأيمانهم ، فينجذبون إليهم ، وينقادون لهم ، وينفذون مخططاتهم.

(فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وأبعدوا هؤلاء البسطاء الطيبين من المسلمين عن خط الاستقامة ، وقادوهم إلى مواقع الانحراف في متاهات الضلال التي يتحرك

٨١

فيها الشيطان بكلّ حرية في إضلال الناس وإبعادهم عن الله ، (فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) يسحق أوضاعهم الاستعراضية وزهوهم الاستكباري وتعاظم شخصياتهم ، ليواجهوا المهانة في العذاب يوم القيامة في مقابل الامتيازات الطارئة المنتفحة التي كانوا عليها في مواقف النفاق.

(لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) لأن القوة التي تقدمها إليهم الأموال أو يتحرك بها الأولاد ، قد تغني عنهم أمام قوة الناس ، ولكنها لا تغني شيئا أمام قوة الله التي لا يثبت أمامها شيء ، (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) لأنهم عملوا لها من خلال الروحية الخبيثة السوداء التي تختفي وراء مواقفهم ، فتتحرك أعمالهم العدوانية في هذا الجو ، لتقهر القوة الإسلامية بكل قوة ، لمصلحة الكفر والكافرين ، والاستكبار والمستكبرين.

(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) لأن هذه العادة قد تأصلت في نفوسهم بحيث أصبحت جزءا من شخصياتهم ، فيمارسونها بشكل عفويّ من دون شعور ، فلا يفكرون أن الحلف الكاذب أمام الناس قد يمر عليهم ، فلا ينكشف أمره لوجود بعض الحواجز التي تحجب الحقيقة عنهم ، ولكن الحلف أمام الله لا يمكن أن يمرّ من دون انكشاف الكذب فيه ، فهو الذي يعلم سرهم كما يعلم علانيتهم ، فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. فكيف يمكن لهم أن يواجهوا المسألة بهذه الطريقة؟ إنها الغفلة المطبقة على العقول والأفكار التي تمنع الإنسان من التفكير السليم.

(وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) من الثبات على القاعدة التي تحمي مواقعهم ومواقفهم ومصائرهم ، ولكنها القاعدة المهتزة اهتزاز النفاق في مواقعه وحركته ، فلا استقرار لهم على شيء ، تماما كما هو الذي يتحرك في الفراغ ، فلا شيء إلا الهواء ، ولا مجال إلا للسقوط ، (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) في دفاعهم عن أنفسهم في الآخرة ، تماما كما هو الحال في الدنيا.

٨٢

(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) فأحاط بكل أفكارهم ، فلم ينفتحوا على فكر الحق ، ونفذ إلى قلوبهم ، وتمكن منها ، وتحرك في كل نبضاتها وخفقاتها ، وامتد إلى كل آفاقها ، فلم يطلّوا على آفاق الله ورحاب الخير ومواقع الإيمان ، وانطلق إلى مواقع خطواتهم فبعثرها ، وانحرف بها عن الصراط المستقيم ، وأثار فيها الكثير من أجواء الشر والفساد ، (فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ) في الكلمة ، فلا تنطلق به ألسنتهم ، وفي الموقف فلا تعي حضوره ذهنياتهم ، فاستغرقوا في الباطل كله ، يقدسون رموزه ، ويتحركون في مخططاته.

* * *

أولئك حزب الشيطان

(أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ) لأنهم التزموا منهجه ، واتبعوا خطواته ، وصاروا من جماعته ، وعاشوا في أجواء إغراءاته وتهاويله ، وابتعدوا عن الله ، وكذبوا رسله ، ورفضوا شريعته.

(أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، ففقدوا النعيم في الجنة ، وعاشوا في عذاب النار وبئس المصير.

(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) بالعناد والاستكبار والتمرد عليه وعلى رسله ورسالاته (أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) لأن العزة الله جميعا ، فهو الذي يملكها في ذاته المقدسة ، وهو الذي يمنحها لغيره في ما يهيئه من أسبابها وفي ما يعطيه من مواقع القوة فيها ، فلا عزة لغير الله إلا منه ، فكيف ينطلق هؤلاء المنافقون ليأخذوا العزة من المشركين واليهود ، وماذا يملك أولئك منها ليستمدوا قوتها من قوتهم؟ وإذا كان الأمر في الدنيا بهذه المثابة ، فكيف يواجهه هؤلاء الموقف يوم القيامة حيث يكون الأمر كله لله؟

٨٣

(كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) كيف نتصور هذه الغلبة ، هل هي الغلبة في الحجة ، في ما تمثله حجة الإيمان من قوة ، وفي ما تختزنه حجة الكفر من ضعف ، أو هي الغلبة في الإسناد الغيبي ، في ما يؤيد الله به رسله من إنزال الآيات المعجزة ، أو إنزال العذاب على المكذبين من الكافرين والمشركين ، أو هي الغلبة في ساحة الصراع في حركة القوة ، لتكون الغلبة للمؤمنين على الكافرين في تأكيد الوجود الإيماني في عقائد الناس ، وفي حركتهم العملية في خطوطه التشريعية؟

قد يكون الظاهر من الآية إرادة الغلبة بكل هذه المعاني ، في ما يريد أن يؤكده من غلبة المؤمنين على الكافرين في كل مواقع الصراع.

* * *

كيف نفهم غلبة الله ورسله؟

وقد يثير البعض بعض علامات الاستفهام حول مسألة الغلبة في الواقع ، لما نلاحظه من سيطرة الكفر على الإيمان في قوته العملية ، لما يملكه من وسائل القوة المدمرة الساحقة في كل مجالات الحياة العامة والخاصة ، مما لا يملك الإيمان إلا القليل القليل منه. فكيف نفسر ذلك؟

والجواب عن ذلك أن من الممكن أن يكون المقصود بالغلبة هنا هو انتصار الإسلام على الكفر ، على صعيد النتائج العملية ، عند ما يفشل الكفر في محاولاته الكثيرة في إبعاد الإسلام عن الواقع الفكري والعملي ، فيندفع الناس إلى الإيمان به ، واعتناق أفكاره ، والتزام مناهجه وشرائعه ، ليسقط الكفر في ساحة الصراع ، فلا يستطيع القضاء على الإيمان والمؤمنين. وهكذا رأينا القضية تتجسد في الموقف القوي للإيمان ، ثم يعود الصراع من جديد ، وهكذا

٨٤

يستمر التحدي ، وينطلق الإيمان ، وينزل الله غضبه على الكافرين ويدخل الناس في دين الله أفواجا.

وهكذا تكون الغلبة باستمرار الإيمان قوة تفرض نفسها على الفكر وعلى الواقع ، من دون أن يستطيع الآخرون إبعادها عنه ، مما يجعل من الغلبة غلبة على إرادة الكفر في إسقاط الرسالات ، ليبقى للإسلام دوره وقوته. ثم تمتد الحياة ليكون الدين كله لله في نهاية المطاف.

(إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) فهو الذي يحرك قوته على أساس الحكمة ، ويؤكد عزته في هيمنته على الأمر كله ، في نطاق القوانين التي وضعها للحياة وللإنسان بحكمته ، مما لا يجعل من إفساح المجال لبعض قوى الكفر مظهر ضعف أو انتقاص من عزة الله وقوته ، بل يكون ذلك من تقدير الله وتدبيره ، في ما أراده من حركة الاختلاف بين الناس ، من خلال حكمته.

* * *

٨٥

الآية

(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢٢)

* * *

معاني المفردات

(وَأَيَّدَهُمْ) : التأييد : التقوية.

* * *

صفة المؤمنين بالله ورسوله

كيف تكون صفة المؤمنين بالله ورسوله ، في علاقاتهم الروحية ، وفي

٨٦

مشاعرهم العاطفية ، وفي مواقفهم الحركية ، في ما يتصل بالفئات الكافرة الضالة المخالفة لله ورسوله في عقيدتها وفي خطواتها العملية؟ فهل يحاولون الفصل بين الموقف العقيدي والموقف الذاتي ، لتكون عاطفة القرابة حية في نفوسهم ، بحيث لا تؤثر عليها عاطفة العقيدة ، فتنفتح قلوبهم للكافرين الذين يمتون إليهم بصلة القرابة ، أو يعملون على أن يكون الموقف واحدا ، لتكون الذات تجسيد العقيدة ، ولتكون العقيدة عنوان الذات ، لأن المسألة في الانتماء العقيدي ليست شيئا يتحرك في زاوية من زوايا الكيان ، بل هي الروح التي تشمل الكيان كله؟

* * *

ما تعالجه هذه الآية بأسلوبها الخاص

(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) لأن الإيمان بالله واليوم الآخر يمثل خطا للفكر والعاطفة والحياة ، كما تمثل المحادة لله ورسوله خطا آخر في هذه المواقع ، مما ينعكس على المواقف والعلاقات الخاصة التي تحمل الرفض للفكر المضاد ، وللموقف المعادي ، وللإنسان المتمرد الحاقد ، فلا يجتمع في وعي الإنسان المؤمن وموقفه الانفتاح على الله وعلى رسوله وعلى دينه والموادة المخلصة المنفتحة على المعادين لهم ، بالموقف والعاطفة ، لأن ذلك يمثل اجتماع الشعورين المتنافرين ، كما يفرض التقاء الموقفين المتضادين في ما تفرضه طبيعة كل منهما من شعور وموقف.

وعلى ضوة ذلك ، فإن كل واحد منهما ينفي الآخر ، مما يعني أن الإيمان موقف ينفى الود الفكري والروحي والعملي لمن حاد الله ورسوله

٨٧

(وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) فلا قيمة لصلة القرابة ، مهما كانت قريبة ، أمام مسألة العقيدة ، فقد تفرض عليه العقيدة في مواقف التحدي أن يقتل الإنسان أباه أو ولده أو أخاه أو أفراد عشيرته إذا وقفوا في الموقف المعادي للإسلام وللمسلمين ، كما حدث لبعض الصحابة في معركة بدر ، وكما حدثنا القرآن الكريم عن موقف نوح من ولده وعن موقف إبراهيم من أبيه. وهذا هو الخط الذي يريد الإسلام للإنسان المسلم أن يقف عنده ويتحرك فيه ، ليكون منفصلا عن كل المواقع المضادة للإسلام ، في عملية رفض فكري وعملي ، يؤكد على الحاجز الفاصل بين الإسلام والكفر ، لتكون المواقف تابعة له.

(أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) من خلال عمق الفكرة والشعور ، بحيث كان الإيمان هو العنوان البارز الثابت في واجهة العقل والروح ، فلا فراغ فيها لغيره ، مما يتصل بالكفر فكرا وشعورا ، (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) في ما يوحي به إليهم من الإشراق والصفاء والنقاء ، وفي ما يمنحهم إياه من الطمأنينة والثبات والاستقرار والعزيمة القوية الصامدة ، (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) فذلك هو جزاء المؤمنين الصامدين في إيمانهم ، المستقيمين في طريقهم ، المتقين في أعمالهم ، (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) بما آمنوا به ، وبما أطاعوه ، (وَرَضُوا عَنْهُ) بما أفاض عليهم من نعمه في كل وجودهم وفي كل مفردات حياتهم العملية في حركة الوجود. وهذا هو الهدف الذي يريد الله للمؤمنين أن يتابعوا السير نحوه ، وهو الرضا المتبادل بينهم وبينه ، فينفتحون عليه في الرضا بقضائه ، ويحصلون على رضاه عنهم ، بإيمانهم وتقواهم ، لتكون حياتهم له ومعه في جميع المجالات.

* * *

٨٨

أولئك حزب الله

(أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ) الذين يؤكدون انتماءهم إلى الله من خلال التزامهم بمواقع رضاه ، وابتعادهم عن مواقع سخطه ، وانطلاقهم في الحياة كلها على مستوى الكلمات والأفعال والعلاقات والأهداف ، من منطلق الإيمان به والرفض لغيره. وهذا هو خط حزب الله الذي يقابله حزب الشيطان في ما يعنيه الانتماء إلى نهج الشيطان ، والسير على خطواته ، والارتباط بأهدافه. وعلى ضوء ذلك ، فلا بد في الانتماء إلى حزب الله ، كعنوان من عناوين الحركة والانطلاق ، من الالتزام الفكري والعملي بالإسلام ، بتأكيد الخط الفاصل الذي يفصل الإنسان عن غير الإسلام ، وذلك بالتدقيق في النهج والخط والحركة والنتائج ، والولاية لله ورسوله وأوليائه ، فذلك هو الأساس في صدق الانتماء. فلا يكفي ، لتأكيد صدق الانتماء الى حزب الله ، الانتماء الى الإسلام بالمعنى البسيط الرسمي الذي يدخل به الإنسان إلى الإسلام ، ذلك أن الفارق فيما بينهما ، تماما كما هو الفارق بين الإسلام والإيمان ، في ما يختلف به المسلم عن المؤمن في ما أشارت به الآية الكريمة في سورة الحجرات في قوله تعالى: (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ١٤].

فإذا كان الإنسان مسلما وارتباط بخط أعداء الله في المسألة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، ليقتصر دوره الإسلامي على المسألة العبادية بمعناها الساذج ، لتكون النتائج النهائية لأعداء الإسلام ، فهو من حزب الشيطان لا من حزب الله ، لأن التحزب للشيطان لا يعني الكفر دائما ، بل قد يعني الانتساب إلى الإسلام في جانب ، والالتزام بالمواقف الشيطانية في الخط العملي في جانب آخر ، كما استوحيناه في ما حدثنا الله به عن المنافقين الذين

٨٩

هم حزب الشيطان الخاسرون .. وعلى هذا الأساس ، فإن المؤمنين المتقين هم حزب الله الذين يشملهم الله بعين رعايته وعنايته (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الذين أخذوا بأسباب الفلاح في الدنيا والآخرة ، ففازوا به في الدرجات العلى عند الله سبحانه ، وذلك هو الفوز العظيم.

* * *

٩٠

سورة الحشر

مدنية

وآياتها أربع وعشرون

٩١
٩٢

في أجواء السورة

هذه السورة من السور المدنية التي عالجت موقعة مهمة من مواقع الأمن الإسلامي في المدينة ، في نطاق الأوضاع القلقة التي كان يتحرك فيها اليهود ضد المسلمين في كيدهم الخفي للإسلام ، بالرغم من المعاهدة التي كانت تربطهم بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علاقة السلم المتبادل المبني على الاحترام العملي في حركة الواقع ، وفي اعتراف الإسلام بالكتاب كله ، كرمز للعلاقات المميزة مع أهل الكتاب ، ولذلك كان الوضع حذرا في ما كان المسلمون يتحسسونه من أوضاعهم المريبة وحركاتهم المشبوهة ، التي ترتكز على الكيد والتأمر على حركة الإسلام كله.

وهذا هو ما تمثله موقعة بني النضير الذين هم أحد فصائل المجتمع اليهودي في المدينة ، إلى جانب بني قريظة وبني قينقاع. وقد صدر منهم ما يؤكد نقض عهدهم مع النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان سبب ذلك في ما نقله رواة السيرة ، أن أبا براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة سيد بني عامر ابن صعصعة ، قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأهدى له هدية ، فأبى أن يقبلها حتى يسلم ، فلم يسلم ولم يبعد ، وأعجبه الإسلام وطلب من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يرسل جماعة إلى أهل نجد في جواره يدعوهم إلى الإسلام ، فأرسل معه سبعين راكبا ، فقتلهم عامر بن الطفيل بئر معونة ، استصرخ عليهم القبائل ، ونجا منهم

٩٣

عمرو بن أمية الضمري ، أطلقه بعد ما جزّ ناصيته ، فخرج عمرو ونزل معه رجلان من بني عامر في ظل شجرة ، وكان معهما عقد وجوار من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعلم به عمرو ، فلما ناما ، قتلهما بمن قتله بنو عامر عند بئر معونة ، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عزم على أن يديهما ، فانطلق إلى بني النضير يستلفهم في ديتهما ومعه نفر من أصحابه ، فقالوا : نعم يا أبا القاسم ، وجلس إلى جدار من بيوتهم وتأمروا على قتله ، فقالوا : نعم يعلو هذا البيت فيلقي عليه صخرة يقتله بها ويريحنا منه ، ونهاهم سلام بن مشكم ، وقال : ليخبرن بما هممتم به ، وأنه نقض للعهد ، فلم يقبلوا ، فانتدب لذلك رجل وصعد ليلقي الصخرة ، فجاءه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوحي بذلك ، فنهض سريعا كأنه يريد حاجة ، فتوجه إلى المدينة ولحقه أصحابه فقالوا : قمت ولم نشعر ، قال : همت يهود بالغدر وأخبرني الله بذلك فقمت ، وأرسل إليهم محمد بن مسلمة فقال : اذهب إلى يهود فقل لهم : اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني ، وقد هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه ، فقالوا : نتحمل ، فأرسل إليهم عبد الله بن أبي ابن سلول : لا تفعلوا ، فإن معي من العرب ومن قومي ألفين يدخلون معكم وقريظة وحلفاؤكم من غطفان يدخلون معكم ، فطمع حيي بن أخطب سيد بني النضير في ذلك ، ونهاه سلام ابن مشكم أحد رؤسائهم ، وقال : إن ابن أبيّ يريد أن يورطكم في الهلكة ، ويجلس في بيته ، ألا تراه وعد بني قينقاع مثل ما وعدكم ، وهم حلفاؤه ، فلم يف لهم ، فكيف يفي لنا ونحن حلفاء الأوس؟ فلم يقبل حيي وأرسل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك ، فكبّر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكبّر المسلمون وقال : حاربت يهود ، وتجهز لحربهم واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، وكان أعمى ، وأعطى رايته علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، واعتزلتهم قريظة ، فلم تعنهم ، وخذلهم ابن أبيّ وحلفاؤهم من غطفان ، وسار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناس ، حتى نزل فصلى بهم العصر بفنائهم وقد تحصنوا ، وقاموا على

٩٤

حصنهم يرمون بالنبل والحجارة (١)

قال صاحب السيرة الحلبية : «وأمر بلالا فضرب القبة ، وهي من خشب عليها مسوح ، وكان رجل من يهود اسمه عزّوز أو غزول ، وكان أعسر راميا يبلغ نبله ما لا يبلغه نبل غيره ، فوصل نبله تلك القبة فأمر بها فحوّلت. وفقد عليّ قرب العشاء ، فقال الناس : يا رسول الله ما نرى عليّا ، فقال : دعوه ، فإنه في بعض شأنكم ، فعن قليل جاء برأس غزول ، كمن له عليّ حين خرج يطلب غرّة من المسلمين ومعه جماعة ، فشدّ عليه فقتله وفر من كان معه ، فأرسل رسول الله مع علي أبا دجانة وسهل بن حنيف في عشرة فأدركوهم وقتلوهم.

وحاصرهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة عشر يوما ، وقيل : أكثر ، وكان سعد بن عبادة في تلك المدة يبعث بالتمر إلى المسلمين ، وقطع نخلهم وحرق لهم نخلا بالبويرة ، فنادوه : يا محمد ، كنت تنهى عن الفساد وتعيبه ، فما بال قطع النخل؟ وقذف الله في قلوبهم الرعب ، فقالوا : نخرج من بلادك ، فقال : لا أقبله اليوم ولكن اخرجوا ولكم دماؤكم وما حملت الإبل من أموالكم إلا الحلقة (أي آلة الحرب) ، فنزلوا على ذلك ، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم ، فيهدم الرجل بيته عما استحسن به من باب ونجاف وغيرهما لئلا ينتفع بها المسلمون ، وكان المسلمون يخربون مما يليهم ، فخرجوا إلى خيبر ، ومنهم من خرج إلى الشام» (٢).

وقد أثارت السورة مسألة النتائج للنصر الإسلامي عليهم ، في ما أفاء الله به على المسلمين من أموالهم ، فحددت كيفية توزيعه بالطريقة التي تمثل الشمول للجميع بحيث لا يختص به أحد.

__________________

(١) نقلا عن السيرة الحلبية ، راجع أعيان الشيعة ، م : ١ ، ص : ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ، دار التعارف.

(٢) (م. ن.).

٩٥

وانطلق النداء الإلهي في السورة للمؤمنين في الدعوة إلى التفكير بالمستقبل الأخروي ، كيف يعدّون العدة له ، وكيف يواجهون المسألة بمنطق التقوى في دراسة حسابات الماضي للمستقبل ، وفي الانضباط أمام الخطوات العملية في ما يقومون به من خطوات في خط الطاعة ، ليحصلوا على الجنة التي يدخلها الفائزون برحمة الله ورضوانه. وتختم الحديث بالتأكيد على القرآن في إيحاءاته الفكرية والروحية في وعي الإنسان ، في خشوعه لله ، لأنه لو أنزل على جبل لكان خاشعا متصدعا من خشية الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ، له الأسماء الحسنى ، فليتوجه الناس إليه ويسبحوه مع المسبّحين.

* * *

اسم السورة

وجاء اسم الحشر ليكون عنوانا للسورة باعتبار الحديث فيها عن أول الحشر في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) والمراد به ، في رأي ابن عباس والأكثرين من المفسرين ، أن أهل الكتاب أخرجوا من جزيرة العرب للمرة الأولى ، وكانوا من قبل في عزة ومنعة ، وقيل في أول حشرهم للقتال ، أو للجلاء إلى الشام.

* * *

٩٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الآيات

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (٢) وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤) ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) (٥)

* * *

واقعة بني النضير

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فهذه هي الوظيفة الإيمانية التي تمثل

٩٧

دور الكون في ما يحتويه من موجودات حية أو جامدة ، في وجوده التكويني المنفتح على إعلان عظمة الله بوسائله التعبيرية المتنوعة ، ليكون ذلك منطلقا للإنسان ليستوحي ذلك في إقباله على الله ، وفي خضوعه له ، وفي انفتاحه على كل مشاريعه العملية من خلال الإحساس بذلك ، ليكون مرتكزا على أساس الشعور بالموقف القوي من خلال الشعور بعظمة الله في كل مواقع القوة (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الذي لا يقترب أحد من مواقع عزته بأي موقع قوة ، كما أنه يدبر الحياة في كل حركتها بحكمته.

(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) بتدبيره الذي ألهمه رسوله ، وبنصره الذي نصره به ، في نطاق العقيدة الإيمانية التي ترجع فيها كل أفعال الإنسان إلى الله ، في ما توحي به من أن الله هو الذي يملك عمق الأسباب التي تبدو مرتبطة بالإنسان في ظواهرها ، ليبقى الإنسان مشدودا إلى الله في شعوره بالحاجة المطلقة إليه ، لأن كل طاقاته الذاتية مستمدة من الله في أصل وجودها وفي استمرارها في الحركة.

وهكذا كانت الآية تؤكد أن الله هو الذي أخرج الكافرين برسوله من أهل الكتاب ، وهم بنو النضير ، من ديارهم ، بفعل الخطة الحكيمة المتحركة بقوة الموقف الإسلامي الذي وقفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمون معه في مواجهتهم للتمرد اليهودي على المعاهدة المعقودة بينهم وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أسلفنا الكلام عما هو المراد من أول الحشر الذي يوحي بالبداية لإخراج اليهود عن الجزيرة العربية.

وقد كان هذا الإخراج وليد نظرة إسلامية للعقلية اليهودية العنصرية التي تختزن في داخلها العقدة الخبيثة ضد الإسلام والمسلمين في ما كانت تثيره من حقد متأصل في الذات ، وشعور مرضيّ بالتفوق ، مما يجعل المجتمع اليهودي ـ بحسب طبيعته ـ مجتمعا معقدا مثيرا للقلق والإرباك في محيطه

٩٨

الإسلامي ، بالمستوى الذي يشكّل فيه خطرا مستقبليا على سلامة الدين الإسلامي الوليد ، هذا من جهة. ومن جهة أخرى ، فإن التجربة المريرة التي عاشها المسلمون معهم ، في نطاق المعاهدة المعقودة فيما بينهم ، كانت تجربة قاسية ، لا سيما في الحلف العدواني بين اليهود والمنافقين ، بحيث استطاع اليهود أن يستغلوا مجتمع النفاق ، للتدخل في قضايا المسلمين باسم الإسلام الذي كان يتستر به المنافقون الذين كانوا يبطنون الكفر في داخلهم. ولكن الله أراد لنبيّه أن لا يعرض لهم بسوء التزاما بالعهد ، حتى يكونوا هم الذين ينقضونه بأنفسهم ، فلما نقضوه وكان بنو النضير أول الناقضين وقف المسلمون موقفا حازما منهم ، وكان الجلاء هو الحل الطبيعي الواقعي للمشكلة ، بالرغم من قسوته في ذاته ، ولكننا عند ما ندرسه من ناحية الامتناع عن قتل الذكور وسبي النساء والأطفال ، فإننا نجده حلا لا يبتعد عن الرحمة بالمعنى العسكري للكلمة ، وهكذا أخرجهم الله بتدبيره.

(ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا) لأنهم كانوا يملكون القوة والمنعة والمال الكثير ، بالمستوى الذي يرفضون معه أن يسلّموا أمرهم للقرار الإسلامي في إخراجهم بطريقة سلمية (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ) في ما كان يخيل إليهم من مناعة الحصون التي يتحصنون بها ويضغطون من خلالها على أعدائهم ، على أساس ما تمنحه لهم من مواقع الأمان ، وكانوا يتعلقون بالأسباب المادية في ما يستغرقون فيه من عقدة القوّة المستعلية ، من دون انفتاح على الأسباب الغيبية المخزونة في علم الله ، ودراسة لعناصر القوة الروحية الخفية الكامنة في المجتمع الإسلامي بقيادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مما جعلهم يعيشون الغفلة المطبقة على عقولهم ومشاعرهم (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) لأنهم لم يفكروا في الانهيار الكبير الذي امتد إلى كل مواقعهم ومواقفهم ، فكانت المفاجأة الكبيرة أن مجتمعهم لم يكن مرتكزا على أساس القوة الحقيقية ، بل كانت المسألة مسألة وهمية خاضعة لغرور العظمة الكاذبة ، فكان الواقع الذي تحداهم هو

٩٩

واقع الهزيمة النفسية ، (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) عند ما واجهوا القوة الإسلامية المتماسكة الواثقة بربها وبقيادتها وبالمؤمنين في مواقعها ، فرأوا فيها الموقف القوي الذي يواجه العدو بثقة وقوة حاسمة. وهكذا كانت الحرب النفسية في ما يمكن أن تحركه من نقاط الضعف في نفوس الناس ، هي الوسيلة الفضلى للنجاح في الحرب السياسية والعسكرية ، لأنها تحطّم الإرادة الإنسانية التي تحرك السلاح ، وتثبت الموقف. وهذا هو الذي يجب أن يراقبه المسلمون في ما يخططون له من معارك الإسلام في مواجهة الكفر والطغيان ، كما ينبغي لهم أن ينتبهوا إليه في ما يخططه الأعداء وما يعملون على إثارته في مواجهة المسلمين ، من الحرب النفسية التي يحركون فيها نقاط الضعف لدينا أمام نقاط القوة عندهم ، بالكلمة والفعل والإيحاء والموقف.

(يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) فقد كانوا يدمرون بيوتهم ، أو يعيثون ببنائها ، لئلا يغنمها المسلمون فيسكنوا فيها ، وهي على حال جيدة صالحة للسكن ، وكان المؤمنون يخربونها من أجل أن يصلوا إليهم ويسيطروا عليهم.

وقيل : إن التعبير جار مجرى الكناية في ما يوحي به تخريب البيوت من إفساد أوضاعهم الحياتية واستقرارهم الأمني ، وذلك بنقضهم لعهدهم مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبتأليب المؤمنين عليهم ، كنتيجة لذلك ، وهو خلاف الظاهر.

(فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) وخذوا من هؤلاء درسا في خط السير ، وفي طريقة المواجهة للأوضاع والظروف المحيطة بكم ، في ما تقبلون عليه من مواقف ومشاريع في ساحات الصراع بين الحق والباطل ، لتتخذوا الموقف الحق بحكمة وقوة وعزيمة ، ولتقدّروا النتائج السلبية أو الإيجابية من خلال الدراسة الموضوعية الواعية.

(وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ) في ما أراده لهم من حفظ نفوسهم ،

١٠٠