تفسير من وحي القرآن - ج ٢٢

السيد محمد حسين فضل الله

تفسير من وحي القرآن - ج ٢٢

المؤلف:

السيد محمد حسين فضل الله


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الملاك
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٤

ما عند الله خير من اللهو والتجارة

(قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) فإن اللهو لا يلبث أن يفقد أثره في النفس وفي الواقع في لحظات أو في ساعات ، أما التجارة فإنها قد تحقق بعض الربح ، ولكنها قد لا تحقق شيئا في ظروف معينة ، لأن مجرد المبادرة إلى مواضعها ليس كل شيء في ما هي النتيجة الحاسمة للربح ، بل قد تكون هناك مؤثرات أخرى ليست بيد الإنسان مما يتصل بظروف السوق والشخص الآخر والأجواء العامة ، مما يملك الله أمره في ما يملكه من قلوب الناس التي يحولها ويقلّبها كيف يشاء ، أو في ما يهيمن عليه من ظروف الواقع التي يبدلها كما يريد وذلك من خلال الخطة التي وضعها لتوزيع الرزق على عباده عبر الأسباب الاختيارية وغير الاختيارية ، الأمر الذي يفرض على المؤمن الاعتماد عليه وحده لا على الآخرين ممن يحتاجون إليه ويقفون ببابه.

(وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) لأن كل الذين يعتبرهم الناس رازقين بالمباشرة ، هم المرزوقون الذين يستمدون رزقهم من الله الذي هو الرازق الحقيقي للكون كله ، وكل من عداه ، وما عداه ، فهو صدى لإرادته. ولذلك فإن معنى التفضيل في كلمة «خير» لم يأت للمفاضلة في ما هو القاسم المشترك في الحقيقة ، ولكن في ما هو الظاهر في النظرة الساذجة للموضوع ، التي تكتفي بالسطح ، ولا تنفذ إلى العمق ، لأنه هو وحده عمق الوجود كله وسره ومعناه.

* * *

٢٢١
٢٢٢

سورة المنافقون

مدنية

وآياتها احدى عشرة

٢٢٣
٢٢٤

في أجواء السورة

وهذه السورة من السور المدنية التي نزلت لتتحدث عن المنافقين كوجود حركيّ مضادّ في داخل المجتمع الإسلامي. فقد كانوا يمثلون الجماعة التي تكيد للإسلام في العمق ، لأنها لا تؤمن به في صميم العقيدة ، ولكنها تعلق إسلامها في الظاهر ليكون ذلك غطاء لها في تحركاتها التي تريد من خلالها أن تنفذ إلى مواقع العصبية العائلية التي تحميها ، وإلى مكامن العلاقات المتنوعة التي تحتضنها ، لأن هناك فرقا بين الكيد الذي يتحرك في عناوين الكفر وبين الكيد الذي يتحرك تحت عنوان الإسلام ، فقد لا يسمح الإسلام للكافرين أن يتصرفوا ضد الإسلام بحرية ، لأن الحاجز الديني الداخلي يدفع إلى الرفض السريح بطريقة لا شعورية ، لأن الجو العام هو جو الصراع مع الكفر. أما الذين يعلنون الإسلام في الظاهر ، فإنهم يملكون حق المسلم في حماية المجتمع له ، مما يجعل من تصرفاته التي يقوم بها ، أو الخلافات التي يثيرها ، تصرفات فردية تدخل في نطاق المشاكل الداخلية الصغيرة بين المسلمين التي لا تترك أية خطورة على الواقع الإسلامي العام.

وهذا ما نواجهه في الكثير من تجاربنا الاجتماعية أو السياسية في داخل الحركة الإسلامية العامة ، في مواقفها الصلبة ضد الاستكبار العالمي المتصل بقواعد الكفر ، فقد نجد الكثيرين ممن يحملون العنوان الإسلامي بطريقة

٢٢٥

وبأخرى ، يقفون وقفة النفاق التي تفتح أكثر من نافذة على الاستكبار ، لتنطلق من خلال خططه نحو الإضرار بالإسلام والمسلمين في مواقع الصراع الذي يخوضه ضد الكفر والاستكبار ، في الوقت الذي ينطلقون في داخل المجتمع بعناوين إسلامية تمنحهم حرية الحركة ، من خلال ما يملكونه من صفات رسمية أو اجتماعية أو اقتصادية ، مما يجعلهم فريسة سهلة لأجهزة المخابرات الدولية التي تحركهم كأدوات تخريبية ضد سلامة الاتجاه الإسلامي السليم.

وقد جاءت هذه السورة لتتحدث عن بعض ملامحهم العامة ، ليتعرف المسلمون إليهم من خلالها سواء أكان النفاق نفاقا عاما يتصل بالخطط العامة للكافرين في ما هو الكفر والإسلام ، أم كان النفاق نفاقا خاصا محدودا ببعض الخطط السياسية المضادة في ما هو الإسلام والاستكبار ، لأن المسألة في الأسلوب القرآني أن يفتح للإنسان النافذة الإسلامية الواسعة على الواقع في زواياه الخفية ، من أجل أن يتعرف على الناس في الساحات العامة والخاصة ، ليحترز من كيدهم ومكرهم في ما يمكن أن يحركوه من وسائل الكيد والمكر ، ليكون الإنسان المسلم هو الإنسان الواعي الذي يعرف كيف يواجه المشاكل الصعبة بعقل ذكيّ مثير ، يتغذى من النظرة واللمسة والملاحظة والقراءة ، بما يحقق له الكثير من عناصر الحماية على جميع المستويات.

ولم تكن هذه السورة السورة الأولى والأخيرة التي تحدثت عن المنافقين ، فهناك أكثر من سورة تعرضت لأوضاعهم العامة والخاصة ، ولكن هذه السورة أخذت عنوان «المنافقون» لأن بدايتها كانت تطرح الاسم بشكل صارخ بارز ، مما يجعل الحديث عنهم عنوانا لهذه الجماعة وللسورة.

* * *

٢٢٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الآيات

(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٣) وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٤)

* * *

معاني المفردات

(الْمُنافِقُونَ) : المنافق اسم فاعل من النفاق وهو في عرف القرآن إظهار الإيمان وإبطان الكفر.

(أَيْمانَهُمْ) : الأيمان جمع يمين بمعنى القسم.

(جُنَّةً) : والجنة الترس ، والمراد بها ما يتقى به من باب الاستعارة.

٢٢٧

(فَصَدُّوا) : الصد يجيء بمعنى الإعراض.

(خُشُبٌ) : جمع خشبة.

(مُسَنَّدَةٌ) : التسند نصب الشيء معتمدا على شيء آخر كحائط ونحوه.

(يُؤْفَكُونَ) : يصرفون عن الحق.

* * *

المنافقون في ادعاءاتهم الكاذبة وملامحهم العامة

هذه السورة تلفت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الانتباه والاستعداد لمواجهة المنافقين الذين يخفون نواياهم الحقيقة وراء إعلانهم الظاهري للإسلام ، وتطلب إليه مواجهتهم بالمنطق القرآني الذي يكشف زيف أساليبهم.

(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) ، الذين يعيشون دائما القلق الداخلي الذي يتحرك من خلال الازدواجية العملية المتمثلة في سلوكهم المتأرجح بين الكفر والإيمان ، والذي يضعهم في دائرة الشك من قبل الآخرين ، كون طبيعتهم الذاتية تفسح المجال لذلك ، (قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) في ما توحي به كلمة الشهادة في تطابق القول مع العقيدة ، ليؤكدوا للنبي وللمسلمين من حوله أنهم يؤمنون بالإسلام القائم على التوحيد ورسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما يؤمن المسلمون الآخرون ، ويؤكدون إيمانهم بهذه الشهادة الصارخة ، (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) فليست رسالتك موضع الشك ، فإن الله الذي أرسلك هو الذي يعلم هذه الحقيقة ويؤكدها ، ولكن ذلك شيء ، ومسألة صدق هؤلاء المنافقين في شهادتهم شيء آخر ، (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) في دعواهم الشهادة لك بأنك رسول الله ، لأن قيمة الشهادة بالكلمة أن تكون منفتحة على الشهادة بالقلب ، ولكن الله يعلم أن هؤلاء ينكرون رسالتك في إيمانهم العقلي

٢٢٨

والروحي ، مما يجعل من إعلانهم لهذه الشهادة نوعا من الخديعة والاستغفال والسعي إلى أن يأخذوا شرعية الإسلام لتغطية جرائمهم النفاقية.

(اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) ووقاية يحتمون وراءها كلما شعروا بأن عيون المسلمين تحدق بهم تحديقة شكّ وتساؤل ، وتثير الشبهات حولهم من خلال بعض الأعمال التي يقومون بها ، أو الكلمات التي يتكلمون بها ، فيطلقون الأيمان المغلظة ليطردوا شكوك الآخرين ، وليؤكدوا الثقة بإسلامهم ولينالوا ثقة المجتمع الإسلامي بهم. واستمروا في هذا الاتجاه (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) بألاعيبهم الخفية وأضاليلهم المدسوسة ، وضللوا الكثيرين من الأبرياء ، وانحرفوا بهم عن الصراط السوي ، بأسلوب العاطفة في صداقاتهم وقراباتهم ، (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) مما كانوا يسعون إليه لإزهاق الحق ، وإقامة الباطل ، وخلخلة المسيرة الإسلامية في ساحة الصراع.

(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا) في بدايات أمرهم ، بشكل ظاهريّ ساذج قد ينفذ إلى العمق قليلا ، في ما قد يكون في داخلهم من بعض مواقع الصدق والخير ، وقد لا يكون له عمق في الداخل ، بل كان الإيمان الإيمان المصلحة لا إيمان القلب. (ثُمَّ كَفَرُوا) فساروا في خط الكفر ، والتزموا مفاهيمه ، (فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) بحيث كان الكفر حالة إرادية عميقة في العقل ، رافضة لكل روح إيمانية في ما هو الفكر والشعور ، فأغلقوا قلوبهم عن الله ، فأغلقت عقولهم ومشاعرهم من خلال ذلك ، (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) في ما قد يخاطبهم الرسول أو الدعاة إلى الله بآيات الله ، فلا يفهمون منها شيئا ، لأن الإنسان يفهم بعقله النّيّر المنفتح على الفكر الحق ، فإذا كان عقله مغلقا ، فكيف تنفذ الحقيقة إليه. وتلك هي مشكلة الكثيرين من المنافقين والكافرين ، فهم لا يفقدون قابلية المعرفة بل يفقدون إرادتها التي هي سرّ حركتها في العقل والشعور.

(وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) فهم يتحركون بأجسام منتفخة توحي

٢٢٩

بالعظمة وبالامتلاء وبالقوة ، بحيث يشعر الناس أمامها بأن هؤلاء يمثلون الطبقة العالية من القوم.

(وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) لأنهم من الناس الذين يعطون الإيحاء بأنهم من عقلاء القوم وممن يتمتعون بالحكمة والتجربة ، كما قد يكونون من الأشخاص الذين يستخدمون في منطقهم الكلمات المعسولة والأساليب الخادعة.

(كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) في جمود الروح وبرودة الحيوية ، حتى كأن جلوسهم إلى الجدار في الشكل الجامد ، كما لو كانوا خشبا مرميا على الجدار من دون معنى ولا حركة ولا حياة ولا نفع ، لأن قيمة الخشب في الانتفاع به أن يكون جزءا من السقف أو من الباب أو الجدار ، لا أن يكون خشبا مرميا على الجدار ، وقيل : إنه شبههم بخشب نخرة متأكلة لا خير فيها ، ويحسب من رآها أنها صحيحة سليمة من حيث إن ظاهرها يروق وباطنها لا يفيد ، فكذلك المنافق ظاهره معجب رائع وباطنه عن الخير زائغ.

(يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) فهم يعيشون القلق الداخلي ، والاهتزاز النفسي ، انطلاقا من الازدواجية بين موقفهم الظاهري وحقيقتهم الباطنية ، ويبقى الهاجس الدائم لديهم أن يكشف المسلمون أمرهم على طريقة «كاد المريب أن يقول خذوني» ، مما يجعلهم يحتسبون لكل حركة تصدر من الآخرين كما لو كانت موجهة ضدهم ، ولكل صيحة مثيرة كأنها تثير الناس عليهم ، خوفا وجبنا. (هُمُ الْعَدُوُّ) الداخلي الذي ينفذ إلى الأمة ليثير المشاكل المتنوعة بين أفرادها ، وليحرك الأحقاد التاريخية في داخل صفوفها ، وليخطط الخطط العدوانية للتأمر على سلامتها ، من خلال الشعارات البراقة التي يحركها انطلاقا من النوازع الذاتية أو الجماعية المتحكمة في أوضاعها ، فيبدو الأمر في النزاع والخلاف ، كما لو كان شيئا طبيعيا منطلقا من الواقع الطبيعي في الحياة الاجتماعية العامة ، ولهذا فلا بد من التعامل معهم على طريقة التعامل

٢٣٠

مع العدو ، لأنهم إذا كانوا الأصدقاء في الظاهر ، فهم الأعداء في الباطن.

(فَاحْذَرْهُمْ) في أسلوب العمل ، في ما يمكن أن تحركه منه أسرار قد ينقلونها إلى العدو ، وفي ما تثيره من قضايا مصيرية قد يتدخلون فيها فيفسدونها من خلال علاقاتهم الخاصة والعامة بالمجتمع. (قاتَلَهُمُ اللهُ) أي أخزاهم ولعنهم ، وربما كان ذلك دعاء عليهم بالهلاك لأن من قاتله الله فهو مقتول ، ومن غالبة فهو مغلوب.

(أَنَّى يُؤْفَكُونَ) ويصرفون عن الحق ، ويبتعدون عنه ، مع ظهور أمره في كثرة الدلالات عليه.

* * *

٢٣١

الآيتان

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٦)

* * *

معاني المفردات

(لَوَّوْا) : التلوية تفعيل من لوى يلوي ليّا بمعنى مال.

* * *

من صور كبرياء المنافقين

وهذه صورة من صور التكبّر والاعتداء العدواني التي يتمثل فيها موقفهم الاستعراضي إزاء شخصية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال العقدة النفسية الطاغية المتأصلة في شخصياتهم التي قد تتنفس في سلوكهم من حيث لا يشعرون.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ) في ما يمكن أن يكون الناس من أهلهم وأصحابهم قد اطلعوا عليه من نفاقهم الخفي ، فيقدّمون لهم النصح

٢٣٢

بأن يتوبوا ويشهدوا الرسول على توبتهم ، ويؤكدوا ذلك بالطلب إليه أن يستغفر لهم ربه ليغفر لهم ، فينالوا بذلك الرضوان من الله ورسوله ، (لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) استهزاء بهذه الدعوة ، أو إعراضا عن خط الاستقامة ، لأنهم لا يؤمنون بالله ورسوله في عمق كيانهم ، فلا يرون هناك خطأ يحتاج إلى تصحيح ، ولا ذنبا يحتاج إلى استغفار.

(وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) عن الحق ، في ما هو الإسلام والإخلاص لله ، (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) في ما يعيشون فيه من الإحساس بالكبرياء الذي قد يجدون أنفسهم فيه في الموقع الأعلى الذي لا يصل إليه الرسول ، ولا غيره ، من خلال موقعهم الطبقي أو المالي ، أو من خلال العظمة الذاتية الفارغة التي يوحون بها لأنفسهم ، أو يوحي بها إليهم غيرهم ممن يتزلفون للنفاق وأهله.

(سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) لأن المسألة في استغفارك لأي إنسان في ما قد تفرضه عليك ضغوط المجاملة والمداراة التي قد يخيل للبعض أنك تخضع لها حرصا على بعض التوازنات الاجتماعية في علاقتك بالمجتمع من حولك لمصلحة حركة الرسالة ، ليست مسألة ذاتية الاستغفار في صدوره عنك ، بل المسألة مسألة قابليتهم لغفران الله لهم ، لأن المغفرة بيده ، وليس لك أن تستغفر إلا لمن كان يعيش هذه القابلية وهم المؤمنون العصاة ، أما الكافرون الذين لا يؤمنون بالله ، والمشركون الذين يشركون بعبادته غيره ، فليس لهم طريق إلى رحمة الله ، ورضوانه ، وبالتالي فليس لهم مجال في عفو الله وغفرانه ، لأنهم لا يتعلقون من رحمة الله بشيء ولا يجدون أنفسهم بحاجة إلى رحمة الله ، مما يجعل الفسق عندهم خطا يؤكدون إرادتهم فيه ، ويرفضون غيره ، (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) لأن الله قد فتح لهم باب الهداية ، فأغلقوها على أنفسهم ، فلا يفتحها الله لهم من جديد مع بقاء إراداتهم الرافضة على حالها.

* * *

٢٣٣

الآيتان

(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨)

* * *

تأمر المنافقين على المسلمين

وهذه صورة من صور التآمر العلني الذي كانوا يحركونه في مجالسهم العائلية أو في الحالات التي يشعرون فيها باليأس من وصولهم إلى غاياتهم النفاقية ، فينفّسون ببعض الكلمات الحادة عن العقدة الخبيثة الكامنة في نفوسهم.

(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) وهذا لون من ألوان الحرب الاقتصادية التي كان المنافقون يعملون على التخطيط لها

٢٣٤

لإبعاد المؤمنين المحيطين بالرسول عنه ، وذلك بالإيعاز إلى الأغنياء الذين ينفقون على المهاجرين أو غيرهم من المسلمين المستضعفين ليمتنعوا عن الإنفاق عليهم ، ولكن الله سبحانه يرد على هؤلاء بأن الله لم يجعل مصادر الرزق الذي يمد به عباده المؤمنين محصورة في مورد خاصّ ، أو في جماعات معينة ، ليعيشوا المشكلة القاتلة في حياتهم العامة عند ما يغلق عنهم هذا الباب أو ذاك.

(وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) التي تتسع للخلائق كلهم ، فلا تضيق عن أحد ، ولا تنفذ مواردها مهما امتدت في موارد الحياة كلها ، وتلك هي الحقيقة الإيمانية التي تفرضها الألوهية المطلقة المهيمنة على الأمر كله ، وعلى الخلق كلهم. (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) لاستغراقهم في عقدة النفاق التي تحجب عنهم حقائق العقيدة والحياة ، فلا يملكون الانفتاح على الله في آفاق غناه وقدرته المطلقة.

وقد نستوحي هذا الموقف في جميع المواقع التي يهدد فيها الكثيرون من الكافرين والظالمين ، العاملين والمجاهدين بالضغط الاقتصادي ، كعقوبة على بعض المواقف الإسلامية والجهادية التي يقفونها في ساحات العمل والجهاد ، فقد ينبغي للمؤمنين الواعين أن يستلهموا من العقيدة هذا الموقف الإيماني الحاسم ، ليواجهوا كل الضغوط وكل التهاويل المحيطة بهم ، بالارتفاع إلى مستوى الثقة بالله الذي تكفّل لعباده بالرزق من حيث لا يحتسبون ، من خزائن رزقه التي لا تنفد ولا تضيق عن سؤال أحد ولا حاجة أحد.

* * *

المدينة ... واستكبار المنافقين

(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) وتلك مقالة

٢٣٥

شيخ المنافقين عبد الله بن أبيّ الذي كان يعبر بها عن جمهور المنافقين الذين يتبعونه ، على أساس أنه هو الأعز الذي يملك الامتداد العشائري في المدينة ، بينما لا يملك ذلك رسول الله الذي اعتبره الأذلّ ، وذلك باعتبار أنه غريب فيها وهو ليس من أهلها ، ولا عشيرة له فيها.

وقصة هذه الآية في سبب نزولها ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلغه أن بني المصطلق يجتمعون لحربه ، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما سمع بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل ، فتزاحف الناس واقتتلوا ، فهزم الله بني المصطلق وقتل منهم من قتل ، ونقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم ، فبينا الناس على ذلك الماء إذ وردت واردة الناس ، ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له جهجاه بن سعيد ، يقود له فرسه ، فازدحم جهجاه وسنان الجهني من بني عوف بن خزرج على الماء فاقتتلا ، فصرخ الجهني يا معشر الأنصار ، وصرخ الغفاري : يا معشر المهاجرين ، فأعان الغفاري رجل من المهاجرين يقال له جعال وكان فقيرا ، فقال عبد الله بن أبيّ لجعال : إنك لهتاك ، فقال : وما يمنعني أن أفعل ذلك ، واشتد لسان جعال على عبد الله ، فقال عبد الله : والذي يحلف به لأزرنك ويهمك غير هذا. وغضب ابن أبيّ وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم حديث السن فقال ابن أبيّ : قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا ، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل: سمّن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ ، يعني بالأعزّ نفسه ، وبالأذلّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم أقبل على من حضره من قومه فقال : هذا ما جعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ولأوشكوا أن يتحولوا من بلادكم ويلحقوا بعشائرهم ومواليهم. فقال زيد بن أرقم : أنت والله الذليل القليل

٢٣٦

المبغض في قومك ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عز من الرحمن ومودة من المسلمين ، والله لا أحبك بعد كلامك هذا ، فقال عبد الله : اسكت فإنما كنت ألعب. فمشى زيد بن أرقم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك بعد فراغه من الغزو فأخبره الخبر ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرحيل ، وأرسل إلى عبد الله فأتاه فقال : ما هذا الذي بلغني عنك؟ فقال عبد الله : والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك قط ، وإن زيدا لكاذب وقال من حضر من الأنصار : يا رسول الله شيخنا وكبيرنا لا نصدق عليه بكلام غلام من غلمان الأنصار ، عسى أن يكون هذا الغلام وهم في حديثه ، فعذره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفشت الملامة من الأنصار لزيد.

ولما استقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسار ، لقيه أسيد بن الحضير فحياه بتحية النبوة ثم قال : يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أو ما بلغك ما قال صاحبكم ، زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل ، فقال أسيد : فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت ، هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال : يا رسول الله ارفق به ، فو الله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجّوه ، وإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا. وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ ما كان من أمر أبيه ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ، إنه قد بلغني أنك تريد قتل أبي ، فإن كنت لا بد فاعلا فمرني به ، فأنا أحمل إليك رأسه ، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبرّ بوالديه مني ، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبدا الله بن أبي أن يمشي في الناس فأقتله ، فأقتل مؤمنا بكافر ، فأدخل النار ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل ترفق به وتحسن صحبته ما بقي معنا.

قالوا : وسار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى ، وليلتهم حتى أصبح ، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ، ثم نزل بالناس ، فلم يكن إلا أن وجدوا مس الأرض وقعوا نياما ، إنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي خرج من عبد الله بن أبيّ ، ثم راح بالناس حتى نزل على ماء

٢٣٧

بالحجاز فويق البقيع يقال له بقعاء ، فهاجت ريح شديدة آذتهم وتخوفوها ، وضلّت ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك ليلا ، فقال : مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة ، قيل : من هو؟ قال : رفاعة ، فقال رجل من المنافقين : كيف يزعم أنه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته ، ألا يخبره الذي يأتيه بالوحي؟ فأتاه جبريل فأخبره بقول المنافق وبمكان الناقة ، وأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك أصحابه وقال : ما أزعم أني أعلم الغيب وما أعلمه ، ولكن الله تعالى أخبرني بقول المنافق وبمكان ناقتي ، هي في الشعب ، فإذا هي كما قال ، فجاءوا بها وآمن ذلك المنافق ، فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد في التابوت ...

قال زيد بن أرقم : فلما وافى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة ، جلست في البيت لما بي من الهم والحياء ، فنزلت سورة «المنافقون» في تصديق زيد وتكذيب عبد الله بن أبيّ ، ثم أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأذن زيد فرفعه عن الرحل ثم قال : يا غلام صدق فوك ووعت أذناك ووعى قلبك ، وقد أنزل الله في ما قلت قرآنا. وكان عبد الله بن أبيّ بقرب المدينة ، فلما أراد أن يدخلها جاءه ابنه عبد الله ابن عبد الله بن أبيّ حتى أناخ على مجامع طرق المدينة فقال : ما لك ويلك؟ فقال : والله لا تدخلها إلا بإذن رسول الله ولتعلمن اليوم من الأعز ومن الأذل ، فشكا عبد الله ابنه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأرسل إليه أن خلّ عنه يدخل فقال : أما إذا جاء أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنعم ، فدخل ، فلم يلبث إلا أياما قلائل حتى اشتكى ومات.

فلما نزلت هذه الآيات وبان كذب عبد الله قيل له : نزلت فيك أي شداد فاذهب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستغفر لك ، فلوى رأسه ثم قال : أمر تموني أن أؤمن فقد آمنت ، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت ، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد فنزل : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) إلى

٢٣٨

قوله (لا يَعْلَمُونَ) (١).

* * *

الرسول يعالج المشكلات بالأسلوب الإسلامي

وقد نلاحظ في هذه القصة صلابة الأنصار الذين كانوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في رفضهم الخضوع للإثارة العاطفية التي حاول عبد الله بن أبي أن يثيرهم بها ، في تحريك العصبية ضد المسلمين من المهاجرين ، كوسيلة من وسائل إيجاد خلل عميق في المجتمع الإسلامي ، كما نلاحظ موقف زيد ابن أرقم الشاب في شجاعته الأدبية أمام هذا المنافق الكبير بالرغم من تفاوت السنّ بينهما ، في دلالة ذلك على روح التمرد الإيمانية التي تتجاوز كل الأعراف في الوقوف ضد الأساليب النفاقية.

وهكذا نقف بكل تقدير وإعجاب أمام موقف ولده عبد الله الذي استعد ليقتل والده بأمر رسول الله ، إذا كان له أمر بذلك ، لئلا يقتله مسلم آخر ، فيتعقد ضده بفعل النوازع النفسية العاطفية الطارئة التي يمكن أن تحدث له ، بفعل عوامل الإثارة ، ثم تأكيده الحاسم على منع أبيه دخول المدينة إلا بإذن من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليثبت له وللناس أن الرسول وحده هو الذي يملك الأمر كله ، فلا يملكه أحد غيره ممن قد تسول له نفسه أن يجد في نفسه موقعا للقوة ، أو يرى في موقعه موقعا للعزة المميزة على الرسول وعلى المسلمين.

ثم نلاحظ في أجواء الأسلوب الرسالي الذي عالج به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسألة كيف أثار القضية معه ليدفعه إلى تكذيب نفسه أمام الجماهير ، وليستثير احتجاج المسلمين الآخرين ، لإبعاد المسألة عن تأثيراتها المحتملة في داخل المجتمع بفعل العصبية الطارئة ، ثم كان موقفه العفو العملي عنه ، وتوجيه ولده

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج : ١٩ ، ص : ٢٩٥ ـ ٢٩٦ ـ ٢٩٧.

٢٣٩

بأن يحسن صحبته وأن يرفق به ما دام عضوا في المجتمع الإسلامي من موقع الانتماء الشكلي ، لأن المرحلة كانت تفرض ذلك ، لئلا يكون التصرف العنيف سببا في إثارة بعض المواقع الضعيفة تحت تأثير ردود الفعل العصبية المحتملة ، لأن البعض كان لا يزال جديد عهد بالإسلام ، مما يجعله غير قادر على خوض التجربة الصعبة في الداخل.

ولا بد لنا ـ كإسلاميين يخوضون الحركة الإسلامية في المجتمع الذي تتحرك فيه بعض نماذج النفاق ـ من أن ندرس التجربة الرسولية في هذا المجال ، في تعامله مع المنافقين بالطريقة التي يمكننا من خلالها أن نحفظ سلامة الحركة في دائرة النظرية والتطبيق.

* * *

ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين

(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) فإن العزة تنطلق من مواقع القوة التي تمنح صاحبها القدرة على إخضاع كل القوى له ، والوقوف أمامها لمنعها من التحرك في الاتجاه الذي يؤكد قوتها في مقابل قوته. والله هو القاهر فوق عباده ، والمهيمن على الأمر كله ، وليس لعباده معه شي ، فهم الفقراء إليه في كل شي ، وهو الغني عنهم في كل شيء ، مما يجعل العزة له جميعا ، كما أكد ذلك في كتابه العزيز ، (وَلِرَسُولِهِ) الذي يستمد عزته من الله ، لأنه يستمد قوته منه ، فينصره على الكافرين والمشركين ، ويظهر دينه على الدين كله ، (وَلِلْمُؤْمِنِينَ) في ما يعيشونه في داخل أنفسهم من الشعور بالقوة من خلال اعتمادهم على الله وتوكلهم عليه ، مما يجعلهم في الموقع القوي الذاتي المتحرك في إرادتهم الصلبة الرافضة لأي ذل.

٢٤٠