سورة الطلاق
[١١٠٤] فإن قيل : كيف قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) [الطلاق : ١].
أفرد الخطاب أوّلا ، ثم جمعه ثانيا؟
قلنا : أفرد سبحانه النبيّ صلىاللهعليهوسلم أوّلا بالخطاب ؛ لأنّه إمام أمته وقدوتهم ، إظهارا لتقدمه ورئاسته ؛ وأنه وحده في حكم كلهم وسادّ مسدّ جميعهم.
الثاني : أنّ معناه : يا أيها النبيّ قل لأمتك إذا طلقتم النساء.
[١١٠٥] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق : ٢ ، ٣] ، ونحن نرى كثيرا من الأتقياء مضيقا عليهم رزقهم؟
قلنا : معناه يجعل له مخلصا من هموم الدنيا والآخرة. وعن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ينجيه من كلّ كرب في الدّنيا والآخرة. والصحيح أنّ هذه الآية عامة ، وأن الله يجعل لكلّ متّق مخرج من كلّ ما يضيق على من لا يتقي ؛ ولهذا قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «إنّي لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم (وَمَنْ يَتَّقِ) [الطلاق : ٢] وجعل يقرؤها ويعيدها». وأما تضييق رزق الأتقياء فهو ، مع ضيقه وقلته ، يأتيهم من حيث لا يأملون ولا يرجون ؛ وتقليله لطف بهم ورحمة ليتوفر حظهم في الآخرة ويخف حسابهم ، ولتقل عوائقهم عن الاشتغال بمولاهم ، ولا يشغلهم الرخاء والسعة عما خلقوا له من الطاعة والعبادة ، ولهذا اختار الأنبياء والأولياء والصديقون الفقر على الغنى.
[١١٠٦] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق : ٣] ، أي من يتق به فيما نابه كفاه الله شر ما أهمه. وقد رأينا كثيرا من الناس يتوكل على الله في بعض أمورهم وحوائجهم ولا يكفيهم الله تعالى همها؟
قلنا : محال أنه يتوكل على الله حقّ التوكل ولا يكفيه همه ؛ بل ربما قلق وضجر واستبطأ قضاء حاجته بقلبه أو بلسانه أيضا ففسد توكّله ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) [الطلاق : ٣] ، أي نافذ حكمه ، يبلغ ما يريده ولا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب ، وبقوله تعالى : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق : ٣] ، أي جعل