إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

بالتقسير ، وعن مالك من عدة أوجه. انتهى كلامه.

ورواية الدراوردي المذكورة قد أخرجها الدارقطني في غرائب مالك من طريقة عن الثلاثة عن نافع نحو رواية ابن عون عنه ولفظه (نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها، فأعظم الناس ذلك فنزلت. قال : فقلت له من دبرها في قبلها؟ فقال : لا، إلا في دبرها) وتابع نافعا على ذلك زيد بن أسلم عن ابن عمر وروايته عند النسائي بإسناد صحيح ، وتكلم الأزدي في بعض رواته ورد عليه ابن عبد البر فأصاب. قال : ورواية ابن عمر لهذا المعنى صحيحة مشهورة من رواية نافع عنه بغير نكير أن يرويها عنه زيد بن أسلم.

قلت : وقد رواه عن عبد الله بن عمر أيضا ابنه عبد الله ، أخرجه النسائي أيضا وسعيد بن يسار وسالم بن عبد الله ابن عمر عن أبيه مثل ما قال نافع وروايتهما عنه عند النسائي وابن جرير ولفظه (عن عبد الرحمن ابن القاسم قلت لمالك : إن ناسا يروون عن سالم : كذب العبد على أبي ، فقال مالك : أشهد على زيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه مثل ما قال نافع ، فقلت له : أن الحارث بن يعقوب يروي عن سعيد بن يسار عن ابن عمر أنه قال : أف ، أو يقول ذلك مسلم فقال مالك : أشهد على ربيعة لأخبرني عن سعيد بن يسار عن ابن عمر مثل ما قال نافع) وأخرجه الدارقطني من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك وقال : هذا محفوظ عن مالك صحيح أنتهى ، روى الخطيب في الرواة عن مالك من طريق إسرائيل بن روح قال : سألت مالكا عن ذلك فقال : ما أنتم قوم عرب هل يكون الحرث الا موضع الزرع؟

وعلى هذه القصة اعتمد المتأخرون من المالكية ، فلعل مالكا رجع عن

٤٤١

قوله الأول ، أو كان يرى أن العمل على خلاف حديث ابن عمر فلم يعمل به ، وإن كانت الرواية فيه صحيحة على قاعدته ، ولم ينفرد ابن عمر بسبب هذا النزول ، فقد أخرج أبو يعلى وابن مردويه وابن جرير والطحاوي من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري (أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه، وقالوا: نعيرها. فأنزل الله عز وجل هذه الآية) وعلقه النسائي عن هشام بن سعيد عن زيد، وهذا السبب في نزول هذه الآية مشهور، وكأن حديث أبي سعيد لم يبلغ ابن عباس وبلغه حديث ابن عمر فوهمه فيه ، فروى أبو داود من طريق مجاهد عن ابن عباس قال إن ابن عمر وهم ، والله يغفر له إثما ، كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب فكانوا يأخذون بكثير من فعلهم وكان أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة فأخذ ذلك الأنصار عنهم ، وكان هذا الحي من قريش يتلذذون بنسائهم مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار فذهب يفعل فيها ذلك فامتنعت ، فسرى أمرهما حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فأنزل الله تعالى (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) مقبلات ومدبرات ومستلقيات في الفرج ، أخرجه أحمد والترمذي من وجه آخر صحيح عن ابن عباس قال: جاء عمر فقال: يا رسول الله ، هلكت حولت رحلي البارحة فأنزلت هذه الآية (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) أقبل وأدبر واتقى الدبر والحيضة ، وهذا الذي حمل عليه الآية موافق لحديث جابر المذكور في الباب في سبب نزول الآية كما سأذكره عند الكلام عليه.

٤٤٢

وروى الربيع في الأم عن الشافعي قال: احتملت الآية معنيين : أحدهما أن تؤتى المرأة حيث شاء زوجها ؛ لأن (أنى) بمعنى أين شئتم، واحتملت أن يراد بالحرث موضع النبات والموضع الذي يراد به الولد هو الفرج دون ما سواه ، قال : فاختلف أصحابنا في ذلك وأحسب أن كلا من الفريقين تأول ما وصفت من احتمال الآية قال فطلبنا الدلالة فوجدنا حديثين أحدهما ثابت وهو حديث خزيمة بن ثابت في التحريم فقوى عنده التحريم.

وروى الحاكم في مناقب الشافعي من طريق ابن عبد الحكم أنه حكى عن الشافعي مناظرة جرت بينه وبين محمد بن الحسن في ذلك ، وأن ابن الحسن احتج عليه بأن الحرث إنما يكون في الفرج ، فقال له : فيكون ما سوى الفرج محرما فالتزمه؟ فقال : أرأيت لو وطأها بين ساقيها أو في أعكانها أفي ذلك حرث؟ قال: لا ، قال : أفيحرم؟ قال : لا، قال فكيف تحتج بما لا تقول به؟ قال الحاكم: لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم ، وأما في الجديد فصرح بالتحريم. انتهى. وقال : وذهب جماعة من أئمة الحديث كالبخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي على النيسابوري إلى أنه لا يثبت فيه ـ أي تحريم الدبر ـ شيء.

قلت : لكن طرقها كثيرة فمجموعها صالح للاحتجاج به ويؤيد القول بالتحريم أنا لو قدمنا أحاديث الإباحة للزم أنه أبيح بعد أن حرم ـ أقول : هنا مصادرة صريحة ـ والأصل عدمه، فمن الأحاديث الصالحة الإسناد حديث خزيمة بن ثابت، أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة ، وصححه ابن حبان ، وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان أيضا، وحديث ابن عباس وقد تقدمت الإشارة إليه ، وأخرجه الترمذي من وجه آخر بلفظ

٤٤٣

لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر ، وصححه ابن حبان أيضا ـ أقول : مذ متى يعتقد بتصحيح ابن حبان ويترك تضعيف البخاري ومن على شاكته؟! ـ وإذا كان ذلك صلح أن يخصص عموم الآية ، ويحمل على الإتيان في غير هذا المحل بناء على أن معنى(أنى) (حيث) وهو المتبادر إلى السياق ويغنى ذلك عن حملها على معنى آخر غير المتبادر والله أعلم. انتهى.

أقول : قد سبق كلامك أن طرق التحليل صحيحة وهي الأكثر! وعلى أي حال غرضنا بيان أن حلية وطء الدبر كان واضحا لدى سلف أهل السنة وقد أظهر الله عزوجل مكر القوم وخيانتهم للأمانة في هذه المسألة ، فتأمل كيف تحاشوا التصريح بألفاظ الحديث ، فبعضهم يموه والبعض يترك بياضا بدل جملة (في دبرها) والبعض يدمج كلامه بين طيات الحديث ليوهم القارئ أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والبعض يدلس وكله على حساب الدين! ولله في خلقه شؤون!، وفي المجموع شرح المهذب للنووي ١٦ : ٤١٦ وما بعدها ، قام الشارح برد معظم الروايات التي تدل على حرمة الوطء في الدبر بالضعف ؛ لاشتمال سندها على مجاهيل ومهملين ومن طعن فيهم وذكر الروايات التي تدل على الحلية ثم أردف : (وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : لم يصحح عن رسول الله صلى الله عليه ـ آله ـ وسلم في تحريمه ولا تحليله شيء والقياس أنه حلال.

وقد أخرجه ابن حاتم في مناقب الشافعي ، وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الأم عنه ، وكذلك الطحاوي عن عبد الحكم عن الشافعي وروي الحاكم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : سألني محمد بن الحسن فقلت له : إن كنت تريد المكابرة وتصحيح

٤٤٤

الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم ـ أقول : يدل على أن الروايات لا تصح ـ وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك على المناصفة ، قلت : فبأي شيء حرمته قال : بقوله تعالى (فأتوهن من حيث أمركم الله) ، قال (فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) والحرث لا يكون إلا في الفرج. فقلت : أفيكون ذلك حراما لما سواه؟ ، قال : نعم. قلت : فما تكون لو وطأها بين ساقيها أو أعكانها أو تحت إبطيها أو أخذت ذكره بيدها أفي ذلك حرث؟ قال : لا. قلت ك فيحرم ذلك؟ قال : لا. قلت فلم تحتج بما لا حاجة فيه؟! قال : قال الله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون) قال : قلت له : هذا ما تحتاجون به للجواز ، إن الله أثنى على من حفظ فرجه عن غير زوجته أو ما ملكت يمينه فقلت له : أنت تتحفظ من زوجتكك ومن ما ملكت يمينك!) ، ثم ذكر الشارح أن هناك من كذب هذا الخبر عن الشافعي وضعف راوي الخبر وهو ابن عبد الحكم فقال الشارح : (وتهقب الحافظ ابن حجر في التلخيص هذا ـ أي التكذيب ـ فقال : (لا معنى لهذا التكذيب فإن ابن عبد الحكم لم يتفرد بذلك ، بل قد تابعه عليه عبد الرحمن بن عبدالله أخوه عن الشافعي) ثم قال : (إنه لا خلاف في ثقة ابن عبد الحكم وأمانته وقد روي الجواز أيضا عن مالك) وحكي أن مالكا سئل عن ذلك فقال : الآن اغتسلت منه).

وفي الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي ٩ : ٣١٧ ط مكتبة دار الباز: (قال الشافعي رحمه الله : ذهب بعض أصحابنا في إتيان النساء في أدبارهن إلى إحلاله وآخرون إلى تحريمه) ، (وحكي عن نافع وابن أبي مليكة وزيد بن أسلم أنه مباح ، ورواه نافع عن ابن عمر واختلفت الرواية فيه عن مالك فروى عنه أهل المغرب أنه أباحه في كتاب السيرة. وقال أبو مصعب : سألته

٤٤٥

عنه فأباحه. وقال ابن القاسم : قال مالك : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال ، وأنكر أهل العراق ذلك عنه).

وفي تفسير القاسمي المسمى بمحاسن التأويل لعلامة الشام محمد جمال الدين القاسمي ٣ : تفسير الآية ط الحلبي : (وثمت روايات أخر تدل على أن هذه الآية إنما نزلت رخصة في إتيان النساء في أدبارهن. قال الطحاوي : روي أصبغ بن نباته عن عبد الرحمن بن القاسم قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك أنه حلال (يعني وطء المرأة في دبرها) ثم قرأ (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) ثم قال : فاي شيء أبين من هذا؟ هذه حكاية الطحاوي نقلها ابن كثير.

وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي : قال ابن القاسم : ولم أدرك أحدا أقتدي به في ديني يشك فيه. والمدينون يروون في الرخصة عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم. يشير بذلك إلى ما روي عن ابن عمر وأبي سعيد.

أما حديث ابن عمر فله طرق. رواه عنه نافع ، وعبيد الله بن عمر بن عبد الله بن عمر ، وزيد بن أسلم ، وسعيد بن يسار ، وغيرهم. أما نافع فاشتهر عنه من طرق كثيرة جدا ، منها رواية مالك ، وأيوب ، عبيد الله بن عمر العمري ، وابن أبي ذئب ، وعبد الله بن عون ، وهشام بن سعد ، وعمر بن محمد بن زيد ، وعبدالله بن نافع ، وأبان بن صالح ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة. قال الدارقطني ، في أحاديث مالك التي رواها خارج (الموطأ) : أخبرنا أبو جعفر الأسواني المالكي بمصر حدثنا محمد بن أحمد بن حماد أخبرنا أبو الحرث أحمد بن سعيد الفهري أخبرنا أبو ثابت محمد بن عبيد الله حدثنا

٤٤٦

الداودي عن عبيد الله بن عمر بن حفص عن نافع قال : قال لي ابن عمر: أمسك علي المصحف يا نافع. فقرأ حتى أتى على هذه الآية (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) ... فقال : تدري يا نافع فيم أنزلت هذه الآية؟ قال قلت: لا؟ قال ، فقال لي :في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها ، فأعظم الناس ذلك ، فأنزل الله تعالى (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) قال نافع : فقلت لابن عمر: من دبرها في قبلها؟ قال :لا. إلا في دبرها.

قال أبو ثابت : وحدثني به الداوردي عن مالك وابن أبي ذئب. وفيهما عن نافع مثله.

وفي تفسير البقرة من صحيح البخاري: أخبرنا إسحاق أخبرنا النضر أخبرنا ابن عون عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه. فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان. فقال : تدرى فيما أنزلت؟ فقلت: لا! قال: نزلت في كذا وكذا. ثم مضى. وعن عبد الصمد حدثني أبي ـ يعني عبد الوارث ـ حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمرفي قوله تعالى (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) قال: يأتيها في ( ... )قال: رواه محمد بن يحيى بن سعيد عن أبيه عن عبيد الله بن عمرعن نافع عن ابن عمر هكذا وقع عنده. والرواية الولى ـ في تفسيرإسحاق بن راهويه ـ مثل ما ساق ، لكن عين الآية وهي (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) وعين قوله كذا وكذا. فقال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن. وكذا رواه الطبري من طريق ابن علية عن ابن عون.

وأما رواية عبد الصمد فهي في تفسير إسحاق أيضا عنه ، وقال فيه: يأتيها في الدبر.

وأما رواية محمد فقد أخرجها الطبراني في (الأوسط) عن علي بن

٤٤٧

سعيد عن أبي بكر العين عن محمد بن يحيى بن سعيد بلفظ : إنما أنزلت (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) رخصة في إتيان الدبر. وأخرجه الحاكم في (تاريخه) من طريق عيسى بن مثرود عن عبد الرحمن بن القاسم ومن طريق سهل بن عمار عن عبد الله بن نافع. ورواه الدارقطني في (غرائب مالك) من طريق زكريا الساجي عن محمد بن الحرث المدلي عن أبي مصعب. ورواه الخطيب في (الرواة) عن مالك من طريق أحمدبن الحكم العبدي. ورواه أبو إسحاق الثعلبي في (تفسيره) والدارقطني ـ أيضا ـ من طريق محمد بن صدقة الفدكي ، كلهم عن مالك. وقال الدارقطني : هذا ثابت عن مالك.

وأما زيد بن أسلم : فروى النسائي والطبري من طريق أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عنه عن ابن عمر : أن رجلا أى امرأته في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فوجد من ذلك وجدا شديدا، فأنزل الله عزوجل (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) الآية.

وأما عبيد الله بن عمر: فروى النسائي من طريق زيد بن رومان عنه : أن ابن عمر كان لا يرى به بأسا. موقوف.

وأما سعيد بن يسار: فروى النسائي والطحاوي والطبري من طريق عبد الرحمن بن القاسم قال : قلت لمالك: إن عندنا بمصر اليث بن سعيد يحدث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال : قلت لابن عمر : إنا نشتري الجواري فنحمض لهن (والتحميض : الإتيان في الدبر) فقال : أف! أو يفعل هذا مسلم؟ قال ابن القاسم : فقال لي مالك : أشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عنه فقال : لا بأس به.

٤٤٨

وأما حديث أبي سعيد : فروى أبو يعلى وابن مردوية في (تفسيره) والطبري والطحاوي من طرق : عن عبد الله بن نافع ، عن هذام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري : أن رجلا أصاب امرأة في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا : أثفرها! فأنزل الله عزوجل (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم). ورواه أسامة بن أحمد التجيبي من طريق يحيى بن أيوب بن هاشم بن سعد ، وبلفظه : كنا نأتي النساء في أدبارهن ويسمى ذلك الإثفار ، فأنزل الله الآية. ورواه من طريق معن بن عيسى عن هشام ـ ولم يسم أبا سعيد ـ قال : كان رجل الأنصار .... هذا، وقد روي في تحريم ذلك آثار كثيرة نقلها الحافظ ابن كثير في (تفسيره) ، وابن حجر في تخريج الرافعي. وكلها معلولة.

أقول: ومع ذلك يعتمد عليها ابن حجر ويترك الصحيح المستفيض!! ـ ولذا قال البزاز : لا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا ، لا في الحظر ولا في الإطلاق ، وكل ما روي فيه عن خزيمة بن ثابت من طريق فيه ، فغير صحيح. وكذا روى الحاكم عن الحافظ أبي علي النيسابوري ، ومثله عن النسائي ، وقاله قبلهما البخاري.

وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في تحريمه ولا تحليله شيء. والقياس أنه حلال.

وقال ابن رشد في كتاب (البيان والتحصيل في شرح العتيبة) روى العتبي عن ابن القاسم عن مالك أنه قال ـ وقد سأله عن ذلك مخليا به ـ فقال : حلال ليس به بأس.

وأخرج الحاكم عن محمد بن عبد الحكم قال : قال الشافعي كلاما كلم

٤٤٩

به محمد بن الحسن في مسألة إتيان المرأة في دبرها ـ فذكر الخبر السابق ، ثم ذكر رجوع الشافعي إلى الحرمة تعويلا على حديث خزيمة ـ وحديث خزيمة رواه الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وأبو نعيم بالسند إلى خزيمة بن ثابت : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال: حلال. فلما ولى الرجل دعاه ـ أو أمر به فدعي ـ فقال كيف قلت؟ في أي الخرزتين؟ أمن دبرها في قبلها؟ فنعم! أم من دبرها في دبرها فلا! إن الله لا يستحي من الحق. لا تأتوا النساء في أدبارهن.

ـ أقول: لا أدري كيف سأل الرجل (في دبرها) فغفل وأخذ الحكم ومن ثم تدروك الخطأ وقيل له (من دبرها أم في دبرها)!؟ وهل هذا إلا فتح باب السهو في بيان الحكم الشرعي من النبي؟!؟ ـ

قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير : وفي إسناده عمرو بن أحيحة. وهو مجهول الحال. واختلف في إسناده اختلافا كثيرا. ثم قال الحافظ : وقد قال الشافعي : غلط ابن عيينة في إسناد حديث خزيمة ـ يعني حين رواه ـ. وتقدم قول البزار: وكل ما روي فيه عن خزيمة بن ثابت ، من طريق فيه ، فغير صحيح. وقال الرازي في (تفسيره) : ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد من الآية: أن الرجل مخير بين أن يأتيها من قبلها في قبلها، وبين أن يأتيها من دبرها في قبلها. فقوله: (أنّى شِئتُم) محمول على ذلك.

ونقل نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهن. وهذا قول مالك. واختيار السيد المرتضى من الشيعة. والمرتضى رواه عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه. وبالجملة فهذا المقام من معارك الرجال ومجاول الإبطال. وقد استفيد مما أسلفناه : أن من جوز

٤٥٠

ذلك وقف من لفظ الآية. فإنه تعالى جعل الحرث اسما للمرأة. قال بعض المفسرين : إن العرب تسمي النساء حرثا. قال الشاعر:

إذا أكل الجراد حرث قوم

فحرثي همه أكل الجراد

يريد : إمرأتي ، وقال آخر:

إنما الأرحام أرض

ولنا محترثات

فقلبنا الزرع فيها

وعلى الله النبات ...!

 وحينئذ ففي قوله تعالى: (فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم)إطلاق في إتيانهن على جميع الوجوه، فيدخل فيه محل النزاع. واعتمد أيضا في سبب النزول ما رواه البخاري عن ابن عمر كما تقدم.

وقال في رواية جابر المروية في (الصحيح) المتقدمة : أن ورود العام على سبب لا يقصره عليه. وأجاب عن توهيم ابن عباس لابن عمر رضي الله عنهم المروي في (سنن أبي داود) بأن سنده ليس على شرط البخاري فلا يعارضه ، فيقدم الأصح سندا، ونظرا إلى أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم في هذا الباب حديث.

قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : ذهب جماعة من أئمة الحديث ـ كالبخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي على النيسابوري ـ إلى أنه لا يثبت فيه شيء. وأما من منع ذلك : فتأول الآيات المتقدمة على صمام واحد. نظر إلى أن الأحاديث المروية ـ من طرق متعددة ـ بالزجر عن تعاطيه، وإن لم تكن شرط الشيخين في الصحة ، إلا أن مجموعها صالح للاحتجاج به. اه.

أقول : يقدم الضعيف القليل على الصحيح المستفيض ، هكذا حالهم دائما عند ضيق الخناق!.

٤٥١

وقال أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن ١ :١٧٣ الحلبي : (اختلف العلماء في جواز نكاح المرأة في دبرها ، فجوزه طائفة كبيرة وقد جمع ذلك ابن شعبان في كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن، وأسند جوازه إلى زمرة كريمة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة ، وقد ذكر البخاري عن ابن عون عن نافع قال : كان ابن عمر رضي الله عنه إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان. قال: أتدري فيم أنزلت؟ قلت :لا! قال : نزلت في كذا وكذا. ثم مضى. ثم أتبعه بحديث أيوب عن نافع عن ابن عمر (فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) قال: يأتيها في ( ... ) ولم يذكر بعده شيئا)، وعنون الراغب الأصفهاني في كتابه محاضرات الأدباء ٢ : ٢٦٧ فرعا بعنوان (الرخصةفي إتيان المرأة في دبرها) فقال : (استدل مالك في ذلك بقوله تعالى (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) وقالت عائشة رضي الله عنها : إذا حاضت المرأة حرم الجحران فدل على أنهما كانا حلالا قبل الحيض).

وفي النهاية لا بأس بذكرها ما صادفناه في كتب أهل السنة مما يرفع به الملل والضجر ، نحو ما نقله العلامة السيوطي في دره المنثور ١ : ٢٥٦ : (وأخرج ابن جرير عن ابن أبي مليكة أنه سئل عن إتيان المرأة في دبرها فقال : قد أردته من جارية لي البارحة ، فاعتاصت علي ، فاستعنت بدهن!!) ، وجزم الإمام العز بن عبد السلام بتجويز ابن مليكة إتيان النساء في أدبارهن فقال في تفسيره ١ : ٢١٥ : (وبه قال ابن أبي مليكة). ومن الدر نفسه : (وأخرج الخطيب في رواية مالك عن أبي سليمان الجوزاني قال : سألت مالك بن أنس عن وطء الحلائل في الدبر ، فقال لي : الساعة غسلت رأسي منه!)، وفي تهذيب

٤٥٢

الكمال ٢٦ : ١٠١ رقم ٥٤٦٢ : (محمد بن عجلان القرشي أبو عبد الله المدني ، كان عابدا ناسكا فقيها وكانت له حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم وكان يفتي. قال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه ثقة ، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه سمعت ابن عيينة يقول : حدثنا محمد بن عجلان وموسى بن عقبة أيهما أعجب إليك فقال : جميعا ثقة وما أقربهما كان ابن عيينة يثني على محمد بن عجلان ، وقال إسحاق عن يحيى بن معين ثقة ، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل قيل بيحيى بن معين من تقدم داود بن قيس أو محمد بن عجلان؟ قال : محمد ، وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين محمد ين عجلان ثقة أوثق من محمد بن عمرو بن علقمة ما يشك في هذا أحد. وكان ثقة كثير الحديث ، وقال أبو سعيد بن يونس قدم مصر وصار إلى الإسكندرية فتزوج بها امرأة من أهلها فأتاها في دبرها فشكته إلى أهلها فشاع ذلك، فصاح به أهل الإسكندرية، فخرج منها) ، أقول هكذا العلماء وإلا فلا!، وفي كتاب محاضرات الدباء ٢ : ٢٦٨ ط دار مكتبة الحياة : (رفعت امرأة قصة إلى القاضي تدعي أن زوجها يأتيها في دبرها ، فسأله فقال : نعم!( ... ) في دبرها وهو مذهبي ومذهب مالك! فخجل القاضي). وقد ذكر الراغب الصفهاني في نفس الصفحة أبيات شعر لهمام القاضي يروم وطأ امرأة في دبرها على مذهب الإمام مالك فنظم لها رغبته على القافية!:

ومذعورة جاءت على غير موعد

تقنصها والنجم قد كاد يطلع

فقلت لها لما استمرحديثها

ونفسي إلى أشياء منها تطلع

أبيني لنا هـل تؤمنين بمالك؟

فإني بحب المالكية مولع

٤٥٣

فقالت : نعم إني أدين بدينه

ومذهبه عدل لدي ومقنع

فبتنا إلى الإصباح ندعو لمالك

ونؤثر فتياه احتسابا ونتبع

انتهى.

أقول : كل هذا يدل على أن مذهب مالك كان مشهورا معروفا حتى عرفته مجان الشعراء وصارت تنظمه وتتغزل به!

٤٥٤

ملحق رقم (٣)

السرخسي في المبسوط ٤ : ٢١٢ ـ ٢١٤ : (باب نكاح الصغير والصغيرة : وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه تزوج عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة بنت ستة سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين وكانت عنده تسعا ، ففي الحديث دليل على جواز نكاح الصغير والصغيرة بتزويج الآباء، بخلاف ما يقوله ابن شبرمة وأبو بكر الأصم رحمهم الله تعالى أنه لا يزوج الصغير والصغيرة حتى يبلغا ـ إلى قوله ـ ثم حديث عائشة رضي الله عنها نص فيه، وكذلك سائر ما ذكرنا من الآثار، فإن قدامة بن مظعون تزوج بنت الزبير رضي الله عنه يوم ولدت وقال: إن مت فهي خير ورثتي وان عشت فهي بنت الزبير.

وزوج ابن عمر رضي الله عنه بنتا له صغيرة من عروة بن الزبير رضي الله عنه ، وزوج عروة بن الزبير رضي الله عنه بنت أخيه ابن أخته وهما صغيران، ووهب رجل ابنته الصغيرة من عبد الله بن الحسن، فأجاز ذلك علي رضي الله عنه، وزوجت امرأة ابن مسعود رضي الله عنه بنتا لها صغيرة ابنا للمسيب بن نخبة فأجاز ذلك عبد الله رضي الله عنه ولكن أبو بكر الأصم رحمه الله تعالى كان أصم لم يسمع هذه الأحاديث ـ إلى قوله ـ : وفيه دليل ان الصغيرة يجوز أن تزف إلى زوجها إذا كانت صالحة للرجال فإنها ـ أي عائشة ـ زفت إليه وهي بنت تسع سنين، فكانت صغيرة في الظاهر، وجاء في الحديث انهم سمنوها فلما سمنت زفت إلى رسول الله. (!)

٤٥٥

قال: وبلغنا عن إبراهيم أنه كان يقول إذا أنكح الوالد الصغير أو الصغيرة فذلك جائز عليهما وكذلك سائر الأولياء ، وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله تعالى فقالوا : يجوز لغير الأب والجد من الأولياء تزويج الصغير والصغيرة ، وعلى قول مالك رحمه الله تعالى ليس لأحد سوى الأب تزويج الصغير والصغيرة ، وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى ليس لغير الأب والجد تزويج الصغير والصغيرة، فمالك يقول القياس أن لا يجوز تزويجهما إلا أنا تركنا ذلك في حق الأب للآثار المروية فيه).

قال البهوتي في كشاف القناع ٥ : ٤٥٢ ـ ٤٥٣: (ولو كان لامرأته ثلاث بنات من غيره فأرضعن ثلاث نسوة له صغارا فأرضعت كل واحدة من بنات الزوجة واحدة من زوجاته الصغار إرضاعا كاملا، أي خمس رضعات ولم يدخل بالكبرى حرمت عليه ؛ لأنها من جدات النساء ولم ينفسخ نكاح الصغار، لأنهن لسن أخوات إنما هن بنات خالات ، ولا يحرم الجمع بين بنات الخالات ولا يحرمن بكونهن ربائب ؛ لأن الربيبة لا تحرم إلا بالدخول بأمها أو جدتها ولم يحصل ، ولا ينفسخ نكاح من كمل رضاعها أولا لما ذكرنا وإن كان دخل بالأم حرم الصغائر أبدا أيضا ؛ لأنهن ربائب دخل بجدتهن، وإن أرضعن أي بنات زوجته واحدة من زوجاته الصغار أرضعتها كل واحدة منهن رضعتين اثنتين حرمت الكبرى، صححه في المبدع وغيره ؛ لأنها صارت جدة بكون الصغيرة قد كمل لها خمس رضعات من بناتها وقيل: لا تحرم الكبيرة؛ اختاره الموفق والشارح وصححه في الإنصاف ـ إلى قوله ـ وإن كان زوج الصغيرة ما دخل بالكبيرة بقي نكاح الصغيرة؛ لأنها ربيبة لم يدخل بأمها ، وإن طلق صغيرة فأرضعتها امرأة له حرمت المرضعة ، لأنها صارت من أمهات

٤٥٦

نسائه فإن كان لم يدخل بها أي الكبيرة فلا مهر لها لمجيء الفرقة من قبلها وله نكاح الصغيرة ؛لأنها ربيبة غير مدخول بأمها. ـ قال ـ ولو تزوج رجل امرأة كبيرة ، وتزوج آخرطفلة صغيرة ثم طلقاهما ونكح كل واحد منهما زوجة الآخر ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما ـ أقول واضح أن الصغيرة يجب أن يكون عمرها أقل من سنتين ـ لأنها صارت من أمهات نسائهما وإن كان زوج الصغيرة دخل بالكبيرة حرمت عليه الصغيرة لأنها ربيبة مدخول بأمها).

أقول : ويحكم هنا بجواز نكاح الصبي الذي عمره أقل من سنتين للمرأة الكبيرة في ضمن ذكره لحكم إرضاعها له ، قال في نفس الصفحة السابقة: (وإذا طلق امرأته ولها منه لبن فتزوجت بصبي دون الحولين فأرضعته بلبنه خمس رضعات انفسخ نكاحها من الصبي وحرمت عليه أبدا ـ ثم قال ـ ولو تزوجت الصبي أولا ثم فسخت نكاحها لمقتض كعيب أو فقد نفقة أو إعسار بمقدم صداق ثم تزوجت كبيرا فصار لها منه لبن فأرضعت به الصبي حرمت عليهما أبداعلى الكبير؛ لأنها صارت من حلائل، أبنائه وعلى الصغير؛ لأنها صارت أمه.

قال في المستوعب: وهي مسألة عجيبة، لأنه تحريم طرأ لرضاع أجنبي، قال في المستوعب: وكذلك لو زوج أمته لعبد له يرضع ـ ثم قال ـ ولو زوج رجل أم ولده أو أمته بصبي مملوك فأرضعته بلبن سيدها حرمت عليهما، أما المملوك فلأنها صارت أمه، وأما السيد فلأنها من حلائل أبنائه ولا يتصور هذا أي تزوج أم الولد أو الأمة لصبي إن كان الصبي حرا؛ لأن من شرط نكاح الحر الأمة خوف العنت ولا يوجد ذلك أي خوف العنت في الطفل، وفيه تلويح

٤٥٧

بالرد على صاحب الرعاية، ورد بأنه غير مسلم؛ لأن الشرط خوف عنت العزوبة لحاجة متعة أو خدمة والطفل قد يحتاج للخدمة، فيتصور كما في المنتهى وغيره ، فإن تزوج بها الطفل لغير حاجة خدمة كان النكاح فاسدا، وإن أرضعته لم تحرم على سيدها ؛لأنها ليست من حلائل أبنائه لفساد النكاح وإن تزوجها لحاجة خدمة صح النكاح وإن أرضعته حرمت عليهما).

وقال في :٤٥٥ (وإذا أرضعت زوجته الأمة امرأته الصغيرة رضاعا محرما فحرمتها عليه بأن كان دخل بالأمة كان ما لزمه من صداق الصغيرة وهو نصفه له في رقبة الأمة، لأن ذلك من جنايتها وإن أرضعتها أي زوجته الصغيرة أم ولده حرمتا عليه أبدا أما الزوجة فلأنها صارت بنته أو ربيبته وأما أم الولد فلأنها من أمهات نسائه وعليه نصف مهر الصغيرة ولا غرامة عليها أي على أم الولد لأنها أفسدت على سيدها ولا يجب له عليها غرم ويرجع على مكاتبته إن كانت هي المفسدة لنكاح الزوجة الصغيرة لأنه يلزمها أرش جنايتها).

أقول : لا ريب أن الرضاع المقصود به هنا هو ما كان ناشرا للحرمة أي ما كان عمر الزوجة الصغيرة فيه أقل من سنتين ، وكشاهد عليه قوله في ٥ : ٤٥٦ (وإن شكت المرضعة في الرضاع أو كماله في الحولين ولا بينة تحريم فلا تحريم وإن شهد به أي الرضاع امرأة واحدة مرضية على فعلها بأن شهدت أنها أرضعته خمسا في الحولين أو شهدت امرأة واحدة مرضية على فعلها بأن شهدت أن فلانة أرضعته خمسا في الحولين، أو شهدت بذلك رجل واحد ثبت الرضاع بذلك ولا يمين على المشهود له ولا على الشهادة).

وقال في ٥ : ٥٢٤: وإذا تزوج امرأة كبيرة ذات لبن من غيره زوجا كان

٤٥٨

أو غيره، ولم يدخل الثاني بها وتزوج بثلاث صغائر دون الحولين ـ عمرهن أقل من سنتين ـ فأرضعت الكبيرة إحداهن حرمت الكبيرة أبدا؛ لأنها صارت من أمهات نسائه. وبقي نكاح الصغيرة؛ لأنها ربيبة لم يدخل بأمها، وفارق ما لو ابتدأ العقد عليهما؛ لأن الدوام أقوى من الابتداء. فإن أرضعت الكبيرة اثنتين من الصغائر منفردتين أو معا انفسخ نكاحهما ... الخ).

قال ابن عابدين الحنفي في حاشيته ٣: ٢١٩: (قوله ولو أرضعت الكبيرة ولو المبانة ضرتها الصغيرة (أي التي في مدة الرضاع) ولا يشترط قيام نكاح الصغيرة وقت ارضاعها ، بل وجوده فیما مضی کاف لما في البدائع لو تزوج الصغیرة فطلقها ثم تزوج كبيرة لها لبن فأرضعتها حرمت عليه ؛ لأنها صارت أم منكوحة كانت له فتحرم بنكاح البنت ـ إلى قوله ـ وفي الخانية وعلى مولاها ؛ لأن العبد صار ابنا للمولى فحرمت عليه ؛ لأنها كانت موطوءة أبيه وعلى المولى ؛ لأنها امرأة ابنه. قوله وكذا لو أوجره (أي لبن الكبيرة) رجل في فيها أي الصغيرة).

وقال أبو المناقب الزنجاني في تخريج الفروع على الأصول ١ : ١٩٢ ـ ١٩٣: (اختلف العلماء في مورد النكاح ما هو ، فذهب الشافعي إلى أن مورده المنافع ، أعني منافع البضع واحتج في ذلك بأمرين ... وذهب أبو حنيفة إلى أن مورده العين الموصوفة بالحل وحكمه ملك العين ، واحتج في ذلك بأمور أربعة : أحدها ... وثانيها: أنه لو كان المعقود عليه المنافع لما صح نكاح الطفلة الرضيعة).

قال النووي في روضة الطالبين ٥ : ٣١٥ : (ولا يشترط حصول المنفعة

٤٥٩

والفائدة في الحال ، بل يجوز وقف العبد والجحش الصغيرين والزمن الذي يرجى زوال زمانته. كما يجوز نكاح الرضيعة).

وقال أيضا في ٥ :٤٥٩ : (قال ابن الحداد : فلو قال لها : أنت طالق ثلاثا، فله في الحال نكاح أختها ، لحصول البينونة ، وكذا الحكم لو ارتدت فخالعا في الردة. ولو كان تحته صغيرة، وكبيرة مدخول بها ، فارتدت الكبيرة ، وأرضعت أمها في عدتها الصغيرة ، وقف نكاح الصغيرة)، أقول: ولا يخفى أن الصغيرة في هذه الموارد يقصد بها الرضيعة التي يكون إرضاعها ناشرا للرحرمة أي من لم تمض من عمرها سنتان.

وفي ٦ : ٤٢٥: (ولو كان تحته صغيرة وله خمس مستولدات ، فأرضعتها كل واحدة رضعة بلبنه لم ينفسخ نكاح الصغيرة على الوجه الأول ، وينفسخ على الثاني ، وهو الأصح ، ولا غرم عليهن لأنه لا يثبت له دين على مملوكه ، ولو أرضع نسوته الثلاث ومستولدتاه زوجته الصغيرة فانفساخ نكاح الصغيرة على الوجهين ، وأما غرامة مهرها ، فإن أرضعن مرتبا ، فالانفساخ يتعلق بإرضاع الاخيرة فإن كانت مستولدة ، فلا شئ عليها ، وإن كانت زوجة ، فعليها الغرم).

وفي ٦ : ٤٣٤: (فرع : تحته صغيرة وكبيرة ، فأرضعت أم الكبيرة أيضا على الأظهر. ولو أرضعتها جدة الكبيرة أو أختها أو بنت أختها فكذلك. ويجوز في الصور أن ينكح واحدة منهما بعد ذلك ولا يجمعهما. ولو أرضعتها بنت الكبيرة فحكم الانفساخ كما ذكرنا ، وتحرم الكبيرة على التأبيد وكذا الصغيرة إن كانت الكبيرة مدخولا بها ؛ لكونها ربيبته ، وحكم مهر الصغيرة على الزوج ، والغرم على المرضعة

٤٦٠