إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

٢ ـ حدثنا أبو سلمة ومحمد بن إبراهيم التيمي قال : مر عمر بن الخطاب برجل وهو يقول : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه) (١). ‏ إلي آخر الآية فوقف عليه عمر فقال : انصرف فلما انصرف قال له عمر : من أقراك هذه الآية؟ قال : أقرأنيها أبي بن كعب. فقال : انطلقوا بنا إليه فانطلقوا إليه فإذا هو متكئ على وسادة يرجل رأسه فسلم عليه فر السلام فقال : يا أبا منذر. قال لبيك. قال : أخبرني هذا أنك أقرأته هذه الآية؟ قال صدق ، تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وآله. قال عمر : أنت تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وآله؟! قال نعم أنا تلقيتها ممن رسول الله صلى الله عليه وآله. ثلاث مرات كل ذلك يقوله ، وفي الثالثة وهو غضبان : نعم والله ، لقد أنزلها الله جبريل وأنزلها جبريل على محمد فلم يستأمر فيها الخطاب ولا أبنه!! فخرج عمر وهو

__________________

الظالم) فقالها ففصحت بها لسانه) ، وقال السيوطي : (وأخرج سعيد بن منصور وعبد حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن همام بن حارث قال : كان أبو الدرداء يقرئ رجلا (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعامُ الْأَثيمِ) فجعل الرجل يقول : (طعام اليتيم) فلما رأي أبو الدرداء أنه لا يفهم قال : (إن شجرة الزقوم طعام الفاجر) انتهى. فلا يمكن الاعتماد عليها نعم القراءات التي وردت عن ابن مسعود صريحة في تساهل في تغيير ألفاظ الآيات ، وسيأتي الكلام عنها

(١) التوبة : ١٠٠.

٢٦١

رافع يديه وهو يقول : الله أكبر الله أكبر!! (١)

ومع كل هذا اللجاج المستمر بين أبي كعب وعمر ، لا تجد أحدا منهما يحتج بأحرف سبعة أو ما شاكل! فلم لم يدع ابن الخطاب أو الصحابي الجليل أبي بن كعب أن الاختلاف كان نتيجة نزول القرآن على سبعة أحرف وينتهي هذا الجدال؟!

وليس هذا هو المورد الوحيد الذي حاول عمر التلاعب بالآيات فتصدى له أبي بن كعب ، ومانت صرامة أبي بن كعب رضى الله عنه حجر عثرة في طرييق ابن الخطاب ، وهذا مورد آخر :

عن عمرو بن عامر الأنصاري أن عمر بن الخطاب قرأ (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان) فرفع الأنصار ، ولم يلحق الواو في الذين ، فقال له زيد بن ثابت (وَالَّذينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) (٢). فقال عمر : (الذين تبعوهم بإحسان). فقال زيد : أمير المؤمنين أعلم. فقال عمر : ائتوني بأبي بن كعب. فسأله عن ذلك فقال أبي (وَالَّذينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) ، فجعل كل واحد منهما يشي إلى أنف صاحبه بإصبعه! فقال أبي : والله أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأنت تتبع الخبط. فقال

__________________

(١) المستدرك ٣ : ٣٠٥ ، الدر المنثور ٣ : ٢٦٩ وهناك موارد أخرى كثيرا ما يتعاند أبي مع عمر فيها.

(٢) التوبة : ١٠٠.

٢٦٢

عمر : فنعم إذن ، فنعم ، نتابع أبيا. (١)

وكذا روى ابن شبة : عن فهر ابن أسد قال : حدثنا ثابت أبو زيد عن عاصم الأحوال عن أبي مجلز : أن أبيا قرأ (مِنَ الَّذينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيان) (٢). فقال عمر : كذبت (!) ، فقال أبي : بل أنت أكذب ، فقال له رجل : أتكذب أميرالمؤمنين!؟ فقال : أنا أشد تعظيما لأمير المؤمنين منكم ولكني أكذبه في تصديق الله ولا أصدقه في تكذيب كتاب الله فقال عمر : صدق (٣).

وفي هذه الرواية يقر عمر على نفسه بكذبه على القرآن ولولا صرامة أبي بن كعب لا نطلت هذه الكذبة!

بهذه الأمثلة يتضح أن لو كان للأحرف السبعة وجود وأثر عملي في عصر السلف لما كان هناك مجال للاختلاف في هذه الموارد التي تتحملها مطاطية مفهموم الأحرف السبعة من جواز القراءة بالمعنى.

٥ ـ تاريخ الكفار والمنافقين شاهد على بطلانها

لم ينقل لنا من كتاب التاريخ والسير أن المشكرين والمرجفين ـ على مائدهم وتصردهم لكل شاردة وواردة لهدم الإسلام ـ شككوا مصداقية

__________________

(١) في منتخب كنز العمال ٢ : ٥٥.

(٢) المائدة : ١٠٧.

(٣) تاريخ المدينة ٢ : ٧٠٩.

٢٦٣

النبي صلى الله عليه وآله وسلم وألبسوا على المسلمين أن نبيكم ـ والعياذ بالله ـ يختلق الكلام ويخترعه من عند نفسه لأنه يقرأ المقطع الواحد بأشكال متعددة وفي كل يوم يقرؤه بشكل مختلف عما قرأه بلأمس! فلو كان من عند الله عزوجل لالتزام بنصه ولاتبع أمر مولاه الذي يوحي اليه لا أن ينساه فيغيره كل مرة!

وعدم نقل التاريخ شيئا من هذا القبيل يدل على أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان في غاية الحرص على التزام نص واحد ، حتى لا يتسرب الشك والريب إلى القرآن الكريم ، وهو كتاب الخاتم الذي لا كتاب سماوي بعده ، وعلى أقل تقدير يجب أن يتواتر إلينا خبر هذه الأحرف السبعة ولو من جهة الكفار والمشركين والمنافقين على كثرتهم بغية نقض الإسلام بأن قرآن المسلمين مخترع من مخيلة النبى صلى الله عليه وآله وسلم والعياذ بالله.

٦ ـ واقع المسلمين يكذب روايات الأحرف السبعة

ذكرت الروايات أن علة تشريع تلك الأحرف هي رحمة الله عزوجل بأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنها لا تطيق قراءة القرآن على حرف واحد ، ولكن الواقع كذب هذه الدعوى إذ إن اختلاف الأمة في القراءة أصبح نقمة في زمن عثمان ـ وسياتي بيانه بإذنه تعالى ـ حتى كفر الناس بعضهم بعضا هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أن الأمة اليوم كلها مجمعة على حرف واحد ومطيقة لذلك ، مع أنها الآن أحوج ما تكون لتلك الأحرف بدخول كثير من غير العرب في الدين الإسلامي وطغيان اللهجات البعيدة عن فصيح العربية ، فمن نكذب : الروايات أم الواقع؟

٢٦٤

٧ ـ فكرة ذهاب تلك الأحرف تستبعدها الأحداث التاريخية

أين ذهبت تلك الأحرف؟! قد يقال ـ كما سيأتي بإذنه تعالى ـ أن عثمان بن عفان هو الذي أمر بجمع القرآن الكريم بإلغاء الأحرف الستة الأخرى ـ بزعمهم ـ وهي أضعاف هذا القرآن المتداول ، وهذا القول الباطل ، فلو كان للأحرف السبعة وجود في الدنيا الإسلام وقام عثمان بإحراقها ، لما سكتت عنه الجماهير الغاضبة عليه وعلى سياسته وإجحافه بغير بني أمية ، ولكان هذا العمل المفترض من عثمان من الطامات التي لا تغتفر وتستوجب قتله من تلك الجماهير ، ولأثر عنهم الاحتجاج بهذا الأمر ، وواضح أن حذف أضعاف ما بأيدينا من القرآن يعني الكفر الصريح والفاضح المستوجب للقتل ، وهذا لم يرد ولم يؤثر ، فعدم معرفتنا بكيفية ذهاب تلك الأحرف المزعومة يدفعنا لرفض فكرة وجودها من الأساس.

قال ابن حزم الأندلسي في الإحكام : ولقد أنكر أهل التعسف على عثمان أقل من هذا مما لا نكره فيه أصلا ، فكيف لو ظفروا له بمثل هذه الظيمة ، ومعاذ الله من ذلك ، وسواء عند كل ذي عقل إسقاط قراءة أنزلها الله تعالى أو إسقاط آية أنزلها الله تعالى ولا فرق ، وتالله إن من أجاز هذا غتفلا ثم وقف عليه وعلى برهان المنع من ذلك وأصر فإنه خروج عن الإسلام لا شك فيه لأنه تكذيب لله تعالى في قوله الصادق لنا (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُون) (١). وفي قوله الصادق (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ

__________________

(١) الحجر : ٩.

٢٦٥

قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَه) (١) فالكل مأمورون باتباع قرآنه الذي أنزله الله تعالى عليه وجمعه. فمن أجاز خلاف ذلك فقد أجاز خلاف الله تعالى وهذه ردة صحيحة لا مرية فيها. (٢)

أقول : لم يجز أهل السنة ذلك بل جزموا به واعتقدوه!

٨ ـ أهل البیت علیهم السلام وموقفهم منهذه الأحرف :

إن أهل البيت عليهم السلام عِدل القرآن ، ولا أعلم بالقرآن من محمد وآل محمد عليهم الصلاة والسلام ، فإن صح عنهم تكذيب نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف زهق باطل غيرهم ، وهذه الروايات عنهم صريحة في تكذيب من ادعى أن عِدلهم ـ القرآن ـ نزل على سبعة أحرف ، فقد روى ثقة الإسلام الكليني رضوان الله تعالى عليه في الكافي الشريف ما نصه :

١ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله ع إن الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف فقال كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد. (٣)

٢ ـ عن حماد بن عيسى عن جابر بن عبدالله قال : قيل لأبي عبدالله عليه

__________________

(١) القيامة : ١٧ ـ ١٩.

(٢) الإحكام في أصول الأحكام المجلد الأول ٤ : ٥٦٦ ط دار الكتب العلمية.

(٣) الكافي ٢ : ٦٣٠ تعليق علي أكبر غفاري ، الموارد الآتية من هامش وسائل الشيعة ننقل ما أورده السيد محمد الخوانساري فيه بحذف الإسناد والمصادر بعد أن ذكر روايتي الكافي.

٢٦٦

السلام إن الناس يقولون : إن القرآن على سبعة أحرف. فقال كذبوا ، نزل حرف واحد من عند رب واحد إلى نبي واحد.

٣ ـ باسناده المتصل عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له قول الناس نزل القرآن على سبعة أحرف قال : واحد من عند واحد.

٤ ـ عن زرارة بن أعين قال : سأل سائل أبا عبدالله عليه السلام عن رواية الناس في القرآن نزل على سبعة أحرف ، فقال : كذبوا الناس في رواياتهم ، بل هو حرف واحد من عند واحد نزل به الملائكة على واحد (١).

فلا مجال بعد هذا كله لدعوى الأحرف السبعة ، ناهيك عن تصريح قرناء القرآن الكريم وأهله أن القرآن واحد نزل من عند الواحد علي واحد ، فلا يترك قل أهل البيت عليهم السلام بقول غيرهم ، وأهل البيت أدرى بما فيه

الأثر العلمي لمبدأ الأحرف السبعة :

على معتقد عملماء أهل السنة في معنى تلك الأحرف بإمكان المسلمين قراءة الآيات المباركة (ن *وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُون) (٢)بهذه الصورة (ن والقلم والذي يكتبون ما أنت بنعمة إلهك بمخبول ، وإن لك لثوابا غير مقطوع) فلا مانع من تغيير اللفظ شرط أن تكون الألفاظ مترادفة! ، فيا لله! كيف يجوزون هذا التلاعب

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ٨٢٢ ـ ٨٢٣.

(٢) القلم : ١ ـ ٣.

٢٦٧

والتحریف لکتاب الله عزوجل؟ وعلى أي من هذه الأشكال المتغايرة نعتمد في إثبات إعجاز القرآن؟ وكيف تصمد كلمات المفسرين أمام هذه المعمعة من تغاير الألفاظ وهم الذين أجهدوا أنفسهم لمعرفة أسرار مواضع الحروف ومحال الكلمات! والتدقيق وإطالة النظر في استخراج حكمة استعمال هذا اللفظ دون غيره؟!، وكيف قالوا إنه لو استعمل لفظ آخر لهدمت بيع وصوامع من عقيدتنا ومبادئنا! وإلى ما شاءالله من النكات التفسيرية المحكمة ، والكثير الكثير من التساؤلات المحرجة!

وبعبارة موجزة : إن مذهب أهل السنة في معني الأحرف السبعة من تغيير الألفاظ وتبديلها بمرادفاتها يعني وبكل صراحة أن تحريف القرآن والتلاعب به ليس بالأمر الخطير بل هو جائز شرعا بفتح الباب على مصراعيه لكل من استحسن لفظا أو أعجبه مقطع من كلام البشر يوافق معنى آية ، فيتلاعب ويستحسن ويصبح القرآن مسرحا ومرتعا يقدم فيه بين يدي الله ويجتهد في ابتداع واختراع كلمات آخرى للآيات!

وليس كل علماء أهل السنة على هذا الرأي ، فهذا ابن حزم ينال من علماء السنة سلفا وخلفا ويكر عليهم تجهيلا وتنسيقا وتكفيرا أيضا! ، قال :

وأما من حدث وأسند إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فلا يحل له إلا أن يتحرى اللفاظ كما سمعها ، لا يبدل حرفا مكان آخر وإن كان معناهما واحدا ولا يقدم حرفا ولا يؤخر آخر ، وكذلك من قصد تلاوة آية أو تعلمها وتعليمها ولا فرق ، وبرهان ذلك أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم علم البراء بن

٢٦٨

عازب دعاء فيه (ونبيك الذي ارسلت) ، فلما أراد البؤاء أن يعرض ذلك الدعاء على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال (وبرسولك الذي أرسلت) فقال النبي عليه السلام : لا ، ونبيك الذي أرسلت ، فأمره عليه السلام كما تسمع ألا يضع لفظة (رسول) في موضع لفظة (نبي) وذلك حق لا يحيل معنى وهو عليخ السلام رسول ونبي ، فيكف يسوغ للجاهل المغفلين أو الفساق المبطلين ، أن يقولوا : إنه عليه السلام كان يجيز أن توضع في القرآن مكان (عزيز حكيم) (غفور رحيم) أو (سميع عليم) وهو يمنع من ذلك في دعاء ليس قرآنا ، والله يقول مخبرا عن نبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم (ما يَكُونُ لي‏ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسي) (١) ولا تبديل أكثر من وضع كلمة مكان أخرى ، أم كيف يسوغ لأهل الجهل والعمى ـ يقصد أبا حنيفة وأتباعه ـ إباحة القراءة المفروضة في الصلاة بالأعجمية مع ما ذكرنا ومع إجماع الأمة على أن إنسانا لو قرأ أم القرآن فقدم آية على أخرى أو قال : الشكر للصمد مولى الخلائق وقال هذا هو القرآن لكان كافرا بإجماع (٢) ، ومع قوله تعالى (لِسانُ الَّذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبين) (٣) ففرق الله تعالى بينهما وأخبر أن القرآن إنما هو باللفظ العربي لا بالعجمي ، وأمر بقراءة

__________________

(١) يونس : ١٥.

(٢) على هذه الضابطة يجب تكفير ابن مسعود وعمر وأبي الدرداء وأبي بن كعب وابن عباس وعائشة وحفصة لأن كلا منهم ادعى قرآنية الجمل الزائدة الغريبة التي جاء بها كما سيأتي بيانه بإذنه تعالى.

(٣) النحل : ١٠٣.

٢٦٩

القرآن في الصلاة فمن قرا بالأعجمية فلم يقرأ قرآنا بلا شك.

وقال : وبلا خلاف من أحد من الأمة أن القرآن معجزة وبيقين ندري أنه إذا ترجم بلغة أعجمية أو بألفاظ عربية غیر الفاظه ، فان تلک الترجمة غیر معجزة ، واذ هی غیر معجزة فليست قرآنا ومن قال فيما ليس قرآنا إنه قرآن فقد فارق الإجماع وكذب الله تعالى ، وخرج عن الإسلام إلا أن يكون جاهلا ومن أجاز هذا وقامت عليه الحجة ، ولم يرجع فهو كافر مشرك مرتد حلال الدم والمال ، لا نشك في ذلك أصلا (١).

وشدد النكير في موضع آخر: فحرام على كل أحد أن يظن أن شيئا أخبر رسول الله صلى الله علي [وآله] أمته لا تطيق ذلك ، أتى عثمان فحمل الناس عليه فأطاقوه ، ومن أجاز هذا فقد كذب رسول رسول الله صلى الله عليه [وىله] فيقوله لله تعالى (إن أمته لا تطيق ذلك) ، ولم ينكر الله تعالى عليه ذلك ولاجبريل عليه السلام وقال هؤلاء المجرمون : إنهم يطيقون ذلك ، وقد أطاقوه فيالله ويا للمسلمين! أليس هذا اعتراضا مجردا على الله عزوجل مع التكذيب لرسوله صلى الله عليه [وآله] وسلم؟ فهل الكفر إلا هذا؟ نعوذ بالله العظيم أن يمر بأوهامنا فكيف أن نعتقده (٢).

__________________

(١) الإحكام في أصول الأحكام ١ : ٢٢٠ ـ ٢٢٢ ط دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، أقول : عني ابن حزم بهذا التكفير والمروق عن الملة إمام الحنفية النعمان حيث جوز الأخير قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة! وسيأتي الكلام عنه بإذنه تعالى.

(٢) الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٥٧٠. ط دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى.

٢٧٠

الشيعة الإمامية ومعني الأحرف السبعة

كلمات علماء الطائفة رضوان الله عليهم :

قال شيخ الطائفة الطوسي رضوان الله تعالى عليه في تبيان : واعلموا أن العرف من مذهب أصحابنا والشائع من أخبارهم ورواياتهم : أن القرآن نزل بحرف واحد على نبي واحد. (١)

وقال أمين الإسلام الشيخ الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان : الظاهر من مذهب الامامية أنهم أجمعوا على القراءة المتداولة وكرهوا تجريد قراءة مفردة والشائع في أخبارهم أن القرآن نزل بحرف واحد. (٢)

وقال المولى الفيض الكاشانى رحمه الله في تفسير الصافى : أقول : والتوفيق بين الروايات كلها أن يقال : إن القرآن سبعة أقسام من الآيات ، وسبعة بطون لكل آية ، ونزل على سبع لغات. وأما حمل الحديث على سبعة أوجه من القراءات ، ثم التكلف في تقسيم وجوه القراءات على هذا العدد ـ كما نقله في مجمع البيان عن بعضهم ـ فلا وجه له ، مع أنه يكذبهما رواه في الكافي باسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن القرآن واحد نزل من عند الواحد ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة.

__________________

(١) التبیان فی تفسیر القرأن ١ : ٧.

(٢) مجمع البيان ١ : ٧٩.

٢٧١

وبإسناده عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : إن الناس يقولون : إن القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال : كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد.

ومعني هذا الحديث معني سابقة ، والمقصود منهما واحد وهو : أن القراءة الصحيحة واحدة ، إلا أنه عليه السلام لما علم أنهم فهموا من الحديث الذي رووه صحة القراءات جميعا مع اختلافها كذبهم. وعلى هذا فلا تنافي بين هذين الحديثين وشيء من أحاديث الأحرف أيضا. (١)

قال المحقق الهمداني رضوان الله تعالى عليه في مصباح الفقيه : والحق انه لم يتحقق أن النبى صلى الله عليه وآله قرأ شيئا من القرآن بكيفيات مختلفة ، بل ثبت خلافه فيما كان الاختلاف في المادة أو الصورة النوعية التي يؤثر تغيرها في انقلاب ماهية الكلام عرفا كما في ضم التاء من أنعمت ضرورة أن القرآن واحد نزل من عند الواحد كما نطق به الأخبار المعتبرة المروية عن أهل بيت الوحي والتنزيل مثل ما رواه ثقة الإسلام الكليني ....

ولعل المراد بتكذيبهم تكذيبهم بالنظر إلى ما أوردوه من هذا القول مما يوجب تعدد القرآن ، وإلا فالظاهر كون هذه العبارة صادرة عن النبى صلى الله عليه وآله ، بل قد يدعى تواتره ، ولكن أعداء الله حرفوا عن موضوعها وفسروها بآرائهم ، مع أن في بعض رواياتهم إشارة إلى أن المراد بالأحرف أقسامه ومقاصده (٢) ، فانهم على ما حكي عنهم رووا عنه صلى الله عليه وآله

__________________

(١) الصافی ١ : ٦١.

(٢) وهذا القول لا يمس كرامة القرآن بأي وجه كان ، وهو عين القسم الآخر من الروايات غير

٢٧٢

أنه قال : نزل القرآن علي سبعة أحرف : أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل ، ويؤيده ما روي من طرقنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كل قسم منها كاف شاف ، وهي : أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقصص، وربما يظهر من بعض أخبارنا أن الأحرف إشارة إلى بطون القرآن و ـاويلاته ، مثل ما عن الصدوق في الخصال بإسناده عن حماد قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام إن الأحاديث تختلف منكم فقال : إن القرآن نزل عاى سبعة أحرف وأدنى ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه ثم قال : و (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِساب).

قال حجة الله البلاغي رحمه الله : ولا تتشبث لذلك بما روي من أن القرآن نزل على سبعة أحرف فإنه تشبث واه واهن. أما أولا فقد قال في الإتقان في المسألة الثانية من النوع السادس عشر : اختلف في معنى السبعة أحرف على أربعين قولا وذكر منها عن ابن حبان خمسة وثلاثين. وما ذاك إلا لوهن روايتها واضطرابها لفظا ومعنى. وفي الإتقان ...... فذكر باقي الأدلة.

قال العلامة السيد الطباطبائي رحمه الله في الميزان : فالمتعين حمل السبعة

__________________

القراءة بالمعني.

(١) ص : ٣٩.

(٢) مصباح الفقيه ٢ : ٢٧٥.

(٣) آلاء الرحمان في تفسير القرآن : ٣٠.

٢٧٣

أحرف على أقسام الخطاب وأنواع البيان ، وهي سبعة على وحدتها في الدعوة إلى الله وإلى صراطه المستقيم ، ويمكن أن يستفاد من هذه الروايات حصر أصول المعارف الإلهية في الأمثال ، فإن بقية السبعة لا تلائمها إلا بنوع من العناية على ما لا يخفى. (١)

قال السيد الخوئي رحمه الله في البيان : إن جميع ما ذكرلها ـ الأحرف السبعة ـ من معاني أجنبي عن مورد الروايات ... وعلى هذا فلا بد من طرح الروايات ، لأن الاتزام بمفادها غير ممكن. والدليل على ذلك :

أولا : إن هذا إنما يتم في بعض معاني القرآن التي يمكن أن يعبر عنها بألفاظ سبعة متقاربة. ومن الضروري أن أكثر القرآن لا يتم فيه ذلك ، فكيف تتصور هذه الحروف السبعة التي نزل بها القرآن؟

ثانيا : إن المراد من هذا الوجه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جوز تبديل كلمات القرآن الموجودة بكلمات أخرى تقاربها في المعنى ـ وشهد لهذا بعض الروايات المتقدمة ـ فهذا الاحتمال يوجب هدم أساس القرآن ، المعجزة الأبدية ، والحجة على جميع البشر ، ولا يشك عاقل في أن ذلك يقتضي هجر القرآن المنزل وعدم الاعتناء بشأنه. وهل يتوهم عاقل ترخيص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقرأ قارئ (يس والذكر العظيم ، وانك لمن

__________________

(١) الميزان ٣ : ٧٤ ، لا يخفى أن معنى الأحرف السبعة هنا غير المعنى الذي قال به أهل السنة ويرفضه علماء الشيعة الإمامية وهو جواز تلاعب القارئ في مفردات القرآن حسب ما يشتهيه القارئ على أن يختم آية الرحمة بالعذاب وبالعكس.

٢٧٤

الأنبياء على طريق سوي ، إنزال الحميد الكريم ، لتخوف قوما ما خوف أسلافهم فهم ساهون) ، فلتقر عيون المجوزين لذلك. سبحانك اللهم إن هذا إلا بهتان عظيم. وقد قال الله تعالى : (ما يَكُونُ لي‏ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسي‏ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى‏ إِلَي) (١)وإذا لم يكن للنبي أن يبدل القرآن من تلقاء نفسه ، فكيف يجوز ذلك لغيره؟ وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم البراء بن عازب دعاء كان فيه : (ونبيك الذي أرسلت) فقرأ البراء (ورسولك الذي أرسلت) فأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يضع الرسول موضع النبي. فإذا كان هذا في الدعاء ، فماذا يكون الشأن في القرآن؟ وإن كان المراد من الوجه المتقدم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ على الحروف السبعة ويشهد لهذا كثير من الروايات المتقدمة (٢) فلا بد للقائل بهذا أن يدل على هذه الحروف السبعة التي قرأ بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن الله سبحانه قد وعد بحفظ ما أنزله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُون‏) (٣)

ثالثا : أنه صرحت الروايات المتقدمة بأن الحكمة في نزول القرآن على سبعة أحرف هي التوسعة على الأمة ، لأنهم لا يستطيعون القراءة على حرف واحد ، وأن هذا هو الذي دعا النبي إلى الاستزادة إلى سبعة أحرف. وقد رأينا أن اختلاف القراءات أوجب أن يكفر بعض المسلمين بعضا. حتى حصر

__________________

(١) يونس : ١٥.

(٢) أقول : والواقع يكذب قراءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لآيات القرآن بأشكال متعددة كما أشرنا له سابقا.

(٣) الحجر : ٩.

٢٧٥

عثمان القراءة بحرف واحد ، وأمر بإحراق بقية المصاحف.

ويستنتج من ذلك أمور :

إن الاختلاف في القراءة كان نقمة على الأمة. وقد ظهر ذلك في عصر عثمان ، فكيف يصح أن يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الله ما فيه فساد الأمة. وكيف يصح على الله أن يحيبه إلى ذلك؟ وقد ورد في كثير من الروايات النهي عن الاختلاف. وأن فيه هلاك الأمة. في بعضها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تغير وجهه واحمر حين ذكر له الاختلاف في القراءة. وقد تقدم جملة منها ، وسيجيء بعد هذا جملة أخرى.

٢ ـ قد تضمنت الروايات المتقدمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن أمتي لا تستطيع ذلك ((القراءة على حرف واحد)) وهذا كذب صريح ، لا يعقل نسبته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنا نجد الأمة بعد عثمان على اختلاف عناصرها ولغاتها قد استطاعت أن تقرأ القرآن على حرف واحد ، فكيف يكون من العسر عليها أن تجتمع على حرف واحد في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد كانت الأمة من العرب الفصحى.

٣ ـ إن الاختلاف الذي أوجب لعثمان أن يحصر القراءة فى حرف واحد قد اتفق في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد أقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل قارئ على قراءته ، وأمر المسلمين بالتسليم لجميعها ، وأعلمهم بأن ذلك رحمة من الله لهم ، فكيف صح لعثمان ، ولتابعيه سد باب الرحمة ، مع نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المنع عن قراءة القرآن وكيف جاز للمسلمين رفض قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ قول عثمان وإمضاء عمله ، أفهل وجوده أرأف بالأمة من نبيها أو أنه تنبه لشيئ قد جهله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبل وحاشاه ، أو أن الوحي قد نزل على عثمان بنسخ تلك الحروف؟!.

٢٧٦

وخلاصة الكلام :إن بشاعة هذا القول تغني عن التكلف عن رده ، وهذه هي العمدة في رفض المتأخرين من علماء السنة لهذا القول. ولأجل ذلك قد التجأ بعضهم كأبي جعفر محمد بن سعدان النحوي ، والحافظ جلال الدين السيوطي إلى القول بأن هذه الروايات من المشكل والمتشابه ، وليس يدري ما هو مفادها مع أنك قد عرفت أن مفادها أمر ظاهر ، ولا يشك فيه الناظر إليها ، كما ذهب إليه واختاره أكثر العلماء (١).

قال في بحوث في تاريخ القرآن : ولعمرى أن هذه النظرية ـ نظرية القراءة بالمعني كما قيل ـ كانت أخطر نظرية في الحياة الإسلامية ، لأنها أسلمت النص القرآني إلى هوي كل شخص يثبته على ما يهواه. وواضح أن تخيير الشخص أن يأتي من تلقاء نفسه بمرادفات لكلمات القرآن أو بما لا يخالفه يستلزم وقوع الريب في القرآن العزيز. وقد قال الله تعالى (قُلْ ما يَكُونُ لي‏ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسي‏ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى‏ إِلَي ‏)(٢).

ولا يوافق الأئمة المعصومون على هذا التفسير الشائع لسبعة أحرف ، وقد سئل الإمام أبو عبدالله الصادق عليه السلام عما يقوله الناس من أن القرآن نزل على سبعة أحرف فقال : كذبوا ـ إلى أن قال ـ ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد. وروى ثقة افسلام كليني بسنده عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : إن القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن

__________________

(١) البيان : ١٨١ ـ ١٨٣.

(٢) يونس : ١٥.

٢٧٧

الاختلاف يجئ من قبل الرواة. ومن المعلوم أن الاختلاف المشار إليه في عصره (عليه السلام) هو الاختلاف في القراءات الموروثة عن ابن مسعود وأمثاله ، فالإمام إذا يكذب هذا النحو من الاختلاف. قال الفقيه الهمداني ـ بعد نقله حديث التكذيب هذا ـ : ولعل المراد بتكذيبهم تكذيبهم بالنظر إلى ما أرادوه من هذا القول مما يوجب تعدد القرآن ، وإلا فالظاهر كون هذه العبارة صادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) ، بل يدعي تواتره.

إذا ، فلابد من الرجوع إليهم والاعتماد عليهم في معرفة المراد من حديث سبعة أحرف ، فنجد أمامنا مما نقل عنهم ما يلي ـ فذكر روايتين ، ثم قال ـ فالذي يستفاد من هذين الحديثين هو أن المراد من الأحرف السبعة هو الوجوه التي ترجع إلى معاني كلام الله وتأويلاته ، وهذه المعاني سبعة إن كان المراد بالسبعة نفس معناها الأصلي ، وإن كان المقصود بالسبعة هنا الكناية عن الكثرة في الآحاد ـ كما يكني بكلمة سبعين عن الكثرة في العشرات ـ فيكون المراد هو أن القرآن نزل على حروف كثيرة آحادها. وربما يستشهد لهذا المعنى الثاني بما رواه في بحار الأنوار عن المعلى بن خنيس ، قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله ، لكن لا تبلغه عقول الرجال.

ولكن ثمة فرق بين تفسير هؤلاء وتفسير الئمة (عليهم السلام) فإن الأئمة قالوا بأن المراد هو سبعة أوجه من المعاني ، وهؤلاء قالوا بسبعة أوجه للألفظ المختلفة ، وإن اتفقوا على تفسير الحرف بالوجه. ويؤيد هذا الذي ذهبنا إليه تبعا لأئمة أهل البيت (عليه السلام) في تفسير الأحرف السبعة ما رواه ابن جرير الطبري في مقدمة تفسيره عن أنس بن عياض عن أبي حازم

٢٧٨

عن أبي سلمة قال : لا أعلمه إلا عن ابي هريرة : فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : انزل القرآن على سبعة أحرف فالمراء فيه كفر ـ ثلاث مرات ـ فما عرفتم منه فاعلموا به ، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه. حيث إن المستفاد من هذا الحديث هو أن السبعة أحرف هي في المعاني لا في الألفاظ فتخلص : أن القرآن انزل على سبعة وجوه من المعاني والتأويلات ، لكن لا تبلغ العقول إلا الأقل منها ، ولابد من الرجوع إلى الراسخين في العلم في الأكثر. والظاهر أنه مأخوذ من الحرف وهو الطرف والجانب ، وكأن للألفاظ القرآنية جوانبا وأطرافا ، أي معاني كلها محتملة احتمالا قريبا ، وهذا النحو من الاستعمال شائع في اللغة الفارسية ، فيقولون : إن كلامه (دو بهلو است) أي أنه ذو معنيين محتملين احتملا قريبا ، يساوي أحدهما الآخر في الظهور (١).

تأمل في كلمات هؤلاء الأعلام عليهم أتم الرحمة والرضوان تراها مكاتفة يدا واحدة تذب عن القرآن الذي وجهت له أخطر فكرة وهي دعوة لتحريفه تحت ستار الدين ، فكان صيانة القرآن من التبديل والتغيير هو المحفز لهم لرفض مبني الأحرف السبعة.

فتاضح أن عقيدة أهل السنة في الأحرف السبعة عقيدة صارخة وبكل وقاحة أن القرآن الكريم يتبع أهواء القراء ولا يثبت على حال ، وأن كل من أراد الاستمزاج والتفنن بكتاب الله فإن الباب على مصراعية مشرع! حتى ليظن أن القرآن لم ينزل لتتبع نصوصه ، بل ليتبع هو أمزجتنا!، وهكذا أصبح تحريف القرآن دينا بين طوائف المسلمين ، فلا تجد لدعوى تحريف القرآن هذه

__________________

(١) بحوث في تاريخ القرآن للسيد مير محمدي زرندي : ٣٢ ـ ٣٥.

٢٧٩

رادعا أو مستنكرا بين صفوفهم! نعوذ بالله من الخذلان.

التفسير مغرض!

لعل البعض يستشكل وجود هذا الكم من الروايات الأحرف السبعة في مصنفات القوم ولا يرى له وجهه مقبولا من وضع أو كذب ، والحق أن الوجه المقبول لها موجود وبوجوه متعددة أيضا ، إذ من المحتمل قويا دخول زوائد حرفت معني الأحرف السبعة في ضمن تلك الروايات ، وليس ذلك ببعيد بعد حصول التضارب في نقل الحادثة الواحدة وبملاحظة المعنى الذي حكته روايات أهل البيت عليهم السلام ، أما أصل مفهوم الأحرف السبعة فلا أحد ينكر وجوده في القرآن ، وإنما الكلام كله دائر حول المعنى الذي جعل من مفهومها دعوة مفتوحة لتحريف القرآن.

علل تغيير معنى مفهوم الأحرف السبعة :

تغيير مفهوم الأحرف السبعة والمراد منها يستظهر سببه من جهات أرى أنها لا تخرج عنها وهي :

١ ـ ابن مسعود وأهل الكوفة

من المحتمل أن ابن مسعود وأهل الكوفة قد حملوا هذا المعنى من جواز تغيير الألفاظ لمعانيها على روايات نزول القرآن على سبعة أحرف ، لأن ابن مسعود كان يقوم دائما بتغيير مفردات القرآن إلى معانيها المترادفة بدعوى أن المعنى واحد! وستأتي ما يدل عليه بإذنه تعالى.

٢ ـ الأحرف السبعة وسيلة لتبرير اجتهادات الصحابة في نصوص القرآن.

قلنا غن للأحرف السبعة معنيين عند أهل السنة المعنى الأول أن القرآن

٢٨٠