إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

آمرتم به) (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا). إلى غير ذلك من روايات التفسير المعدودة من أخبار التحريف.

ويلحق بهذا الباب ما لا يحصى من الروايات المشيرة إلى سبب النزول المعدودة من أخبار التحريف كالروايات التي تذكر هذه الآية هكذا (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) (١) (في علي). والآية نازلة في حقه عليه السلام وما روي أن وفد بني تميم كانوا إذ قدموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقفوا على باب الحجرة ونادوا أن اخرج إلينا فذكرت الآية فيها هكذا (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ) (بنو تميم) (أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (٣). فظن أن في الآية سقطا.

ويلحق بهذا الباب أيضا ما لا يحصى من الأخبار الواردة في جري القرآن وانطباقه كما ورد في قوله (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) (آل محمد حقهم) (٣). وما ورد من قوله (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (في ولاية على والأئمة من بعده) (فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (٤). وهي كثيرة جدا (٥). ثم ذكر وجوه تعارض روايات التحريف ، وكلامه رضوان الله تعالى عليه جدير بالمراجعة.

__________________

(١) المائدة : ٦٧.

(٢) الحجرات : ٤.

(٣) الشعراء : ٢٢٧.

(٤) الأحزاب : ٧١.

(٥) تفسير الميزان١٤ : ١١٢ ـ ١١٣ط الأعلمي.

١٤١

وقال المحقق الشيخ علي أكبر الغفاري في تعليقه على أصول الكافي : لعل المراد أنه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيرا لقوله تعالى (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١). مأخوذة من الوحي لا أنها كانت من أجزاء القرآن ، وعليه يحمل ما في الخبر السابق والآتي (٣) أيضا من استماع الحروف من القرآن ، على خلاف ما يقرأه الناس يعني استماع حروف تفسر ألفاظ القرآن وتبين المراد منها (علمت بالوحي) وكذلك كل ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام ، وقد مضى في كتاب الحجة نبذ منه فانه كله محمول على ما قلناه ، وذلك لأنه لو كان تطرق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شئ منه؛ إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرفة ومغيرة وتكون على خلاف ما أنزله الله فلا يكون القرآن حجة لنا وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية ، به وعرض الأخبار المتعارضة عليه إلى غير ذلك ، وأيضا قال الله عزّ وجلّ : (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٣). فكيف تطرق إليه التحريف والنقصان والتغيير وأيضا قال الله عزّ وجلّ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (٤). وقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام حديث عرض

__________________

(١) البينة : ١.

(٢) وهما في : ٦٢١و : ٦٣٣ من نفس المصدر.

(٣) فصلت : ٤٢.

(٤) الحجر : ٩.

١٤٢

الخبر المروى عنهم عليه السلام على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته ، فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرفا مغيرا ، فما فائدة العرض مع أن خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذب له؟! فيجب رده والحكم بفساده أو تأويله ، وأحسن الوجوه في التأويل أن مرادهم عليه السلام بالتحريف والتغيير والحذف إنما هو من حيث المعنى دون اللفظ ومما يدل على ذلك ما يأتي في كتاب الروضة مارواه الكليني بإسناده إلى الباقر عليه السلام أنه كتب إلى سعد الخير كتابا أوصاه بتقوى الله إلى أن قال : وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حرفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه الحديث (١).

وقال الشيخ الفاضل اللنكراني حفظه الله تعالى : ولكن بعد قيام الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على عدم وقوع التحريف في الكتاب ، وأَن ما بأيدينا مطابق لما أنزل إلى الرسول بعنوان القرآنية لا يبقيى مجال لمثل هذه الروايات ، بل لا بد من حملها على التقية أو على أن المراد بالقرآن هو القرآن المشتمل على الخصوصيات الأخرى أيضا من الشرح والتفسير والتأويل وشأن النزول وأمثالها كقرآن أمير المؤمنين عليه السلام مع أنه يرد على تعبير الروايتين الإشكالات المتقدمة كلاًّ أو جُلاًّ كما لا يخفي وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم ثبوت الرجم في القرآن ، بل الدليل عليه هي السنة المستفيضة ، بل المتواترة (٣).

__________________

(١) أصول الكافي٢ : ٦٣١ ، ح١٦ ، من تعليق علي أكبر غفاري.

(٢) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ـ كتاب الحدود ـ : ١٢٩.

١٤٣

وقال السيد هاشم معروف الحسني : ومن خصوص الزيادة الموجودة في مصحف علي عليه السلام كما جاء في بعض المرويات ، لو تغاضينا عن العيوب الموجودة في أسانيدها والتزمنا بصحتها من ناحية السند ، لا بد وان تكون الزيادات المزعومة من قبيل التفسير والتوضيح للمراد من تلك الآيات عن طريق الوحي أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كما نص على ذلك جماعة من علماء الإمامية. ويدل على ذلك ما جاء في الكافي عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) (١). فقال : نزلت في علي والحسن والحسين عليهم السلام. فقلت له : إن الناس يقولون : فما له لم يسم عليا والحسن والحسين في كتاب الله؟قال : قولوا لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وآله نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسر ذلك لهم. هذا بالإضافة إلى أن عليا والمتخلفين معه عن بيعة أبي بكر لم يحتجوا على أحد بورود هذه الأسماء في القرآن الكريم ، ولو كان له ولأ بنائه ذكر صريح في كتاب الله ، لكان احتجاجهم بذلك أجدي وأنفع من جميع الحجج التي استدلوا بها على استخلافه بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكرنا سابقا (٣).

قال السيد هاشم الرسولي المحلاتي : ولا يخفى أن معني النزول في تلك الروايات ليس هو التحريف المدعى في بعض الكلمات ، بل المراد من

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) دراسات ف الحديث والمحدثين : ٣٥٢ ـ ٣٥٣للسيد هاشم معروف الحسني.

١٤٤

النزول هو التفسير والتأويل من حيث المعنى ، كما صرح به معظم العلماء المنتمين إلى ذلك القول كالمحدث الحر العاملير حمه الله في كتاب إثبات الهداة والموبى محسن الفيض في الوافي وغيرهم ، وإلافهي أخبار آحاد لا تعارض ما ثبت بالتواتر بين المسلمين. (١)

وإلى هنا يتضح ان القول بأن تلك الروايات التي تذكر التنزيل تطعن في صيانة القرآن من التحريف فرية لا أصل لها سوى مخيلة الوهابية ، ونحن ـ ولله الحمد ـ في غنى عن كلمات أهل السنة لنفي تلك الفرية ، فكلمات علمائنا واضحة فيها ، ناهيك عن أن مجرد احتمال كون التنزيل بمعني التفسير النازل يكفي لرفع هذه التهمة النكراء ، ولكنا آثرنا الإطناب منذ البداية حتى نرفع تذبذب بعض النفوس ونسكن حشرجة صدورهم لتجلو الحقيقة أمام أعين الوهابية ومن هم على شاكلتهم بذكر بعض أقوال علمائهم التي تؤيد كلمات علماء الشيعة في وجود التنزيل ، وإن لم يسمه أهل السنة بهذا الاسم ، والتسمية ليست بمشكلة.

ثانيا : كلمات أعلام أهل السنة

ولنبدأ بشيخهم الخطابي في شرحه على مختصر سنن أبي داود : قوله أوتيت الكتاب ومثله معه) يحتمل وجهين من التأويل ، أحدهما : أن يكون

__________________

(١) من هامش تفسير العياشي : ٣٩ط الأعلمي.

١٤٥

معناه : أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما اعطي من الظاهر المتلو (١). ويحتمل أن يكون معناه أنه أوتي ألكتاب وحيا يُتلى وأوتي من البيان ، أي أُذن له أن يبين ما في الكتاب ويَعُمّ ويَخُصّ ، وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس له في الكتاب ذكر ، فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به : كالظاهر المتلو من القرآن. (٢)

قال الإمام الشافعي : كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن ـ إلى قوله ـ : ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه يعني السنة ، والسنة أيضا تنزل عليهم بالوحي كما ينزل القرآن ، إلاّ أنها لا تتلى كما يتلى القرآن. (٣) ، ولا ريب أن من السنة تفسير القرآن وتأويله.

قال المروزي في السنة : إلا أن التحليل والتحريم من الله يكون على وجهين ، أحدهما : أن ينزل الله تحريم شيء في كتابه فيسميه قرآنا كقوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ) (٤). وما أشبه ذلك مما قد حرمه

__________________

(١) وهذا بعينه ما قلنا : إنه أخذه أهل البيت عنه صلى الله عليهم أجمعين وسمته الروايات بالتنزيل أي نزل من السماء.

(٢) مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري ، ومعالم السنن لأبي سليمان الخطابي ، وتهذيب الإمام ابن القيم الجوزية٧ : ٧ ـ ٨تحقيق أحمد محمد شاكر.

(٣) تفسير ابن كثير١ : ٤.

(٤) المائدة : ٣.

١٤٦

في كتابه. والوجه الآخر : أن ينزل عليه وحيا على لسان جبريل بتحريم شيء أو تحليله أو افتراضه فيسميه حكمة ولا يسميه قرآنا ، وكلاهما من عند الله كما قال الله : (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (١). وقال : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ) (٢). فتأولت العلماء أن الحكمة هاهنا هي السنة (٣) ، لأنه قد ذكر الكتاب ثم قال والحكمة ففصل بينهما بالواو فدل ذلك على أن الحكمة غير الكتاب وهي ما سن الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم مما لم يذكر في كتاب. لان التاویل ان لم یکن کذلک فیکون کانه قال : (وأَنزَلَ الله عَلیکَ الکتاب) وهذا يبعد ، فيقال لمن قال بقول أبي ثور ما أنكرت أن يحول النبي صلى الله عليه[وآله]وسلم عما فرض عليه عمله بالكتاب فيأمره أن يعمل بغير ذلك بوحي يوحيه إليه على لسان جبريل من غير أن ينزل عليه في ذلك قرآنا ولكن ينزل عليه حكمة يسميها سنة (٤) ، وهذا مالا ينكره إلاّ ضعيف الرأي (٥).

__________________

(١) النساء : ١١٣.

(٢) البقرة : ٢٣١.

(٣) مفتاح الجنة١ : ١١ : (قال تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) إلى قوله : (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) آل عمران : ١٦٤. قال الشافعي : سمعت من أرضي من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم ثم أخرج بأسانيده عن الحسن وقتادة ويحيى بن أبي كثير أنهم قالوا : الحكة في هذه الآية السنة).

(٤) وروايات الشيعة تسميها تنزيلا ، ولا مشاحة في الاصطلاحات.

(٥) السنة للمروزي١ : ١١٠ المسألة ٤٠١.

١٤٧

وقال الإمام أبو المحاسن يوسف الحنفي : عن ابن عباس (لا وحي إلاّ القرآن) ما قاله رأيا بل توقيفا ، وليس فيه ما يدفع أن يوحى إلى النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم بأشياء كثيرة ليست في القرآن ، ويكون معنى قوله لا وحي إلاّ القرآن نفسه وما أمر به القرآن مما لم يقله إلاّ بالقرآن ، لأن الله عزّ وجلّ قال لنا فيه (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) (١) إلى قوله ومعه من السنة ما قد كان معه التي منها الوحي الذي يوحي إليه مما ليس هو بقرآن؛ لأن ما كان معه من ذلك عن النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم داخل في القرآن إذ كان قبولهم إياه منه صلى الله عليه[وآله] وسلم بأمر القرآن إياهم به يحتمل أن يكون قو ـ له لا وحي سوى القرآن من باب لا عالم سوى فلان ، يعني هو في أعلى مراتب العلم وكل عالم سواه دون رتبته ، لا أن لا عالم أصلا سواه ، ومثله لا زاهد إلاّ عمر بن عبد العزيز ، وفي الدنيا زهاد كثير إلاّ أنهم لم يقدروا من الدنيا على مثل ما قدر هو فرسه فيها (٣).

قال الإمام أبو بكر الجصاص : ويدل على أن مراده كان كما وصفنا ، أنه قال : لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبته في المصحف ، فلو كان عنده آية من القرآن لكتبها فيه ، قال الناس ذلك أو لم يقولوه فهذا يدل على أنه لم يرد بقوله : إن الرجم في كتاب الله أنه من القرآن.

وروي عنه أنه قال : إن الرجم مما أنزل الله وسيجيء قوم يكذبون به

__________________

(١) الحشر : ٧.

(٢) معتصر المختصر٢ : ٣٦٨.

١٤٨

وهذه اللفظ أيضا لا دلالة فيه على أنه أراد به أنه من القرآن ، لأن فيما أنزل الله تعالى قرآنا وغير قرآن ، قال الله تعالى في وصف الرسول عليه السلام : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحَى).

وروي في بعض ألفاظ هذا الحديث أنه قال : إن مما أنزل الله أية الرجم. وهذا اللفظ لو ثبت لم يدل أيضا على أن مراده أنه كان من القرآن؛ لأن ما يطلق عليه اسم الآية لا يختص بالقرآن دون غيره ، قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ). ثم قال تعالى : (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ). فسمى الدلالة القائمة مما خلق على توحيده آية فليس يمتنع أن يذكر (آية) الرجم وهو يعني أن ما يوجب الرجم أنزله الله على رسوله عليه السلام بوحي من عنده (١).

قال الإمام ابن قتيبة : ولم يكن رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم يعلم من حكم الله تعالى إلاّ ما علمه الله عزّ وجل ، ولا كان الله تبارك وتعالى يعرفه ذلك جملة ، بل ينزله شيئا بعد شيء ، ويأتيه جبريل عليه السلام بالسنن كما كان يأتيه بالقرآن ، ولذلك قال : أوتيت الكتاب ومثله معه يعنى من السنن (٣).

وقال أيضا : إن جاز أ، ينسخ الكتاب بالكتاب جاز أن ينسخ الكتاب بالسنة ، لأن السنة يأ تيه بها جبريل عليه السلام عن الله تبارك وتعالى ، فيكون المنسوخ من كلام الله تعالى الذي هو قرآن بناسخ من وحي الله عزّ وجلّ الذي

__________________

(١) الفصول في الأصول٢ : ٢٥٨.

(٢) تأويل مختلف الحديث١ : ١٦٦.

١٤٩

ليس بقرآن ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم : أوتيت الكتاب ومثله معه. يريد أنه أوتي الكتاب ومثل الكتاب من السنة (١).

وقال البيهقي : هذا الحديث يحتمل وجهين : أحدهما : إنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أوتي من الظاهر المتلو (٣). والثاني : إن معناه أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى ، وأوتي مثله من البيان أي أذن له أن يبين ما في الكتاب فيعم ويخص ، وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس في الكتاب له ذكر فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلو من القرآن (٣).

وقال أبو الطيب الآبادي : (أوتيت الكتاب) أي ألقرآن ، (ومثله معه) أي الوحي الباطن غير المتلو ، أو تأويل الوحي الظاهر وبيانه بتعميم وتخصيص وزيادة ونقص ، أو أحكاما ومواعظ وأمثالا تماثل القرآن في وجوب العمل أو في المقدار (٤).

وقال الشيخ محمد رشيد رضا : وليس كل وحي قرآناً ، فإن للقرآن أحكاماً ومزايا مخصوصة ، وقد ورد في السنة كثير من الأحكام مستندة إلى الوحي ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا أصحابه يعدّونها قرآنا ، بل جميع ما قال عليه السلام على أن دين هو وحي عند الجمهور ، واستدلوا

__________________

(١) نفس المصدر : ١٩٥.

(٢) وهو التنزيل الذي يدعيه علماء الشيعة.

(٣) عون المعبود١٢ : ٢٣١ ـ ٢٣٢.

(٤) عون المعبود١٢ : ٢٣١.

١٥٠

عليه بقوله (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) (١). وأظهره الأحاديث القدسية. ومن لم يفقه هذه التفرقة من العلماء وقعت له مأوهام في بعض الأحاديث رواية ودراية ، وزعموا أنها كانت قرآناً ونسخت (٢).

وقال أحد علمائهم حال تعرضه لرواياتهم التي فيها ادعاء أبي بن كعب قرآنية هذه الآية مع الجملة الزائدة (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) (ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام) (فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (٣) :

إن الذي ذكره أبي قد كان من الوحي الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم مما سوى القرآن الذي هو المتلو في الصلوات ، وذلك بمنزلة السنن التي أوحيت إليه خارج القرآن (٤). قال الله عزّ وجلّ (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (٥) فأخبر عن بيانه بعد ما يقرأه جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه[وآله]وسلم وقال تعالى (وَاذْكُرْنَ مَا

__________________

(١) النجم : ٣ ـ ٤.

(٢) تفسير المنار١ : ٤١٤ ـ ٤١٥. ط دار المعرفة.

(٣) الفتح : ٢٦.

(٤) هذا يؤيد ما ذكرنا من أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم (وإني أوتيت القرآن ومثله معه) بمعني التفسير النازل الذي هو جزء السنة.

(٥) القيامة : ١٨ ـ ١٩.

١٥١

يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) (١) وإنما هي حكمة كان رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم يتلوها سوى آيات القرآن ، وروي عن الرسول صلى الله عيه[وآله]وسلم أنه قال : أوتيت القرآن ومثله معه.

وقال : والذي ذكره أُبيّ مما أقرأه رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم ويجعله وحيا أنزل عليه من غير أن يجعله قرآنا يتلى ، وإن ثبت أنه أطلق عليه اسم القرآن ، فإن ذلك على معنى اشتقاق الاسم مما يقرأ ، ليس أنه أدعى أنه مما يتلى في الصلوات (٣).

لاحظ هذا المقطع الأخير فهو كلام مهم جدا ، وقد نص عليه الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في أوائل المقالات ، وقال : إن لفظ القرآن يطلق مجازا على غير النص القرآني ، قد استعمله الشيخ المفيد في معناه المجازي وسيأتي ذكره إن شاء الله.

وكذا قال ابن حزم الأندلسي : وقد قال قوم في آية الرجم إنها لم تكن قرآنا وفي آيات الرضعات كذلك. قال أبو محمد ـ أي ابن حزم ـ : ونحن لا نأبى هذا ولا نقطع أنها كانت قرآنا متلوا في الصلوات ، ولكنا نقول إنها كانت وحيا اوحاه الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه[وآله] وسلم مع ما أوحى إليه من القرآن ، فقرئ المتلو مثبوتا في المصاحف والصلوات ، وقرئ سائر الوحي منقولا محفوظا معمولا به كسائر كلامه الذي هو وحي فقط. (٣)

__________________

(١) الأحزاب : ٣٤.

(٢) مقدمتان في علوم القرآن : ٨٦ ـ ٨٧ ، من كتابب المباني ، وهي المقدمة الأولى.

(٣) الإحكام في أصول الأحكام٤ : ٤٩٣ط. دار الكتب العلمية.

١٥٢

وكلام إمامهم ابن حزم هو عين ما يقوله الشيعة بالنسبة لتلك الكلمات الداخلة بين مفردات الآية ، إلاّ أنهم يرون تلك الجمل نازلة تفسيرا لآيات القرآن ، ولكن لابتعاد أهل السنة أو قل لتحرجهم من الأحذ عن مناهل الوحي وبيوت العصمة ذهبوا بهذه الموارد يمنة ويسرة ، يرقعونها بالتخاريج والوجوه ، وما وجدوا لها حلاً إلاّ أنها حذفت مع ما حذفه عثمان حينما جمع المصاحف ، بدعوى أن القرآن نزل على سبعة أشكال! أو أنها قرآن رفعه الله وأبطله! ، وسيأتي الكلام بإذنه تعالى.

وأما أقوال المحدثين من علمائهم فحدث ولا حرج ، ننقل بعض كلماتهم في هذا المجال ، قال أحد علماء الأزهر :

وكما حفظ الله شريعته بكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، رفع الإصر والحرج عن خلقه ، فأنزل على نبيه الكريم إلى جانب القرآن العزيز نوعا آخر من الوحي هو السنة ، أنزلها عليه بالمعنى وجعل اللفظ إليه إيذانا بأن في الأمر سعة على الأمة وتخفيفا عليها ، وأن المقصود هو مضمونها لا ألفاظها إلى قو ـ له فإن السنة تبيان للقرآن العزيز ووحي من رب العالمين وثاني مصادر التشريع.

وقال : وإنك لتلمس آثار رحمة الله وحكمته في أن جعل الوحي على قسمين : قسما لا تجوز روايته بالمعنى بل لابد فيه من التنزام الألفاظ المنزلة وهو القرآن الكريم ، وقسما تجوز روايته بالمعنى لمن يستطيع ذلك وهو السنة النبوية المطهرة وفي ذلك صون للشريعة والتخفيف عن الأمة ، ولو كان الوحي كله من قبيل القرآن الكريم في التزام أدائه بلفظه لشق الأمر وعظم الخطب ولما استطاع الناس أن يقوموا بحمل هذه الأمانة الإهلية ، ولو كان الوحي كله السنة النبوية المطهرة وفي ذلك صون للشريعة والتخفيف عن الأمة ، ولو كان الوحي كله من قبيل القرآن الكريم في التزام أدائه بلفظه لشق الأمر وعظم الخطب ولما استطاع الناس أن يقوموا بحمل هذه الأمانة الإهلية ، ولو كان الوحي كله

١٥٣

من قبیل السنة في جواز الرواية بالمعنى لكان فيه مجال للريب ومثار للشك ومغمز للطاعنين ومنفذ للملحدين (١).

وقال ف مباحث علوم القرآن : وعلى فرض تسليم جعل الحديث السابق دليلا يصح أن يؤوّل تأويلا آخر يبعده عن دائرة الاسدلال في نظر بعض الباحثين : فقد يكون المراد من قول السيدة عائشة : (كان فيما أنزل الله) وحياً غير القرآن ، فالذي ينزل على النبي ليس يلازم أن يكون قرآناً ، فقد يكون حديثاً نبوياً او قدسياً ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم فيما أخرج البخاري : (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) (٣).

وكل هذه الكلمات تدل على أن وجود كيان آخر غير القرآن نزل من السماء ووحي جاء به جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر لا شك فيه ولا ريب بين المسلمين.

ولذا صار من الطبيعي ألا يرى الشيعة قرآنية كل ما كان تنزيلا ، فقد تنزل من السماء آية قرآنية وبين مفرداتها تفسيرها الدال على معناها أو تفسيرها بالباطل ، لذا تضمنت روايات الكافي الشريف للكليني عليه رضوان الله تعالى كمًّا لا بأس يه من التنزيل المبارك المرادف للآيات الكريمة المعجزة وهو لا يعدو السنة النبوية ، وقد أنزلت من قبل الله تعالى شرحا وبيانا

__________________

(١) الحديث والمحدثون أو وعناية الأمة الإسلامية بالسنة النبوية : ١٨_١٩ للشيخ محمد محمد أبو زهرة ، مطبعة مصر.

(٢) مباحث في علوم القرآن : ٢٦٢ للدكتور القصبي زلط ط. دار القلم.

١٥٤

وتفسيرا.

وإلى هنا يفرض سؤال نفسه ، وهو : هل يعقل اتهام مذهب أهل البيت عليهم السلام بتحريف القرآن لوجود مثل هذه الروايات؟!أليس الأجدر اتهام الصحابة الذين كانوا يقرأون التنزيل كقرآن ، ويقر بذلك كل علماء أهل السنة ، وسيأتي الكلام عنه بإذنه تعالى.

مافَعل التنزيل وما فْعل به!

في مبحث جمع القرآن سيتضح بإذنه تعالى أن الإمام عليه السلام كتب كل ما نزل من السماء قرآنا وتفسيرا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفترة قصيرة ، أي أنه كتب النص القرآني بسوره وآياته وتنزيلها وتفسيرها الموحى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وجاء به إلى القوم في المسجد حتى نظر فيه عمر ، فلم يرق له ذكر أسماء المشركين والمنافقين من رجال ونساء قريش وفضحهم ، وهم آنذاك وجوه الصحابة من الطلقاء وغيرهم ، لذا كان هذا التنزيل أشد وطئاً على النفوس من النص القرآني؛ لأنه كان يبين مبمه ويفصل مجمله بذكر أسماء المنافقين ونواياهم ، ويتضح هنا معنى ادعاه الصحابة ـ كما تنص صحاح روايات أهل السنة ـ أن كلا من سورة الأحزاب وسورة براءة كانت تعدل سورة البقرة في الطول ، ولكن سقط وضاع القسم الأكبر منهما ، ونذكر هنا بعض رواياتهم ونحيل البعض الآخر إلى محله :

أخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط ، وأبو الشيخ والحكام وابن مردويه عن حذيفة رضي الله عنه قال : التي تسمّونها سورة التوبة هي سورة العذاب ، والله ما تركت أحداً إلاّ نالت منه ، ولا تقرأون منها مما كنا نقرأ إلاّ

١٥٥

ربعها. (١)

وكذا الحال في سورة الأحزاب : عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم مئتي آية ، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلاّ ما هو الآن. (٣)

وسيأتي ذكر قدر آخر من رواياتهم الدالة على سقوط أكثر سورة الأحزاب ، وقد جاءت بنفس مضمون رواياتهم عند الشيعة في ثواب الأعمال للشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه : عن أبي عبد الله عليه السلام : ((سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم ، يا ابن سنان! إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب ، وكانت أطول من سورة البقرة لكن نقصوها وحرفوها)) (٣).

وهذه الرواية على ما فيها من ضعف سند فصلت مجمل ما في الروايات أهل السنة الصحيحة ـ في نظرهم ـ من أنهم حذفوا حال جمع القرآن أسماء هؤلاء الرجال والنساء وصفاتهم ، إلى غير ذلك مما كان في جملة المنزل تفسيرا

__________________

(١) الدر المنثور للسيوطي ج٣ : ٢٠٨ ، المستدرك على الصحيحين٣ : ٢٠٨ ، وعلق عليه (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ، وعن الصنّف لابن أبي شيبة١٠ : ٥٠٩ ، ح١٠١٤٣ ، ومجمع الزوائد المجلد السابع : ٢٨ (سورة براءة) علق عليه (رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات).

(٢) الإتقان في علوم القرآن٢ : ٢٥.

(٣) ثواب الأعمال : ١١٠.

١٥٦

على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا كقرآن ، وإنما كتنزيل مفسر مقترن بآيات القرآن ، وهو ما كان موجودا في مصحف الإمام على عليه السلام فرفض مصحفه لأجل ذلك.

وكذا هو الحال بالنسبة لسورة البينة التي أوردناها فيما سبق من كتاب الكافي : عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : دفع إلي أبو الحسن عليه السلام مصحفنا وقال : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١).

فوجدت فيها اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ، قال : فبعث إلي : ابعث إلي بالمصحف (٣).

وكذا الحال في مضمرة بصائر الدرجات : عن ابراهيم بن عمر عنه قال : إن في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن وكانت فيه أسماء الرجال فألقيت ، وإنما الاسم الواحد في وجوه لا تحصى تعرف ذلك الوصاة (٣).

ونشعر هنا أن السور التي يدعي سلفهم الصالح احتواء أصلها على أضعاف ما هو موجود ، وقد نقصت وحرفت وفقد منها ما فقد ، كانت في الغالب سورا ذات طابع خاص من الشدة والتنكيل بالمشكرين والنافقين من الصحابة ، نيلا من نواياهم وإخمادا لإرجافهم بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينما تزوج زينب بنت جحش ، كما في سورة الأحزاب ، وفضحا

__________________

(١) البينة : ١.

(٢) الكافي٢ : ٦٣١.

(٣) بصائر الدرجات١ : ١٩٥ ـ ١٩٦ ، ح٦

١٥٧

لنفاقهم وتلكئهم عن الجهاد ، كما في سورة براءة ، ووعيدا بنار جهنم للمشركين والكفار ، كما في سورة البينة ، فتتفق كلمات الصحابة مع الروايات التي وردت عن أهل البيت عليههم السلام من أن تلك الضائح والأسماء كانت على نحو التنزيل ، وأن هذا التنزيل هو الذي حُرف وأُبعد عن ساحة المصحف المجموع ، وهذا ما قصدته روايات أهل البيت عليهم السلام ، فلو وردت رواية فيها أن القرآن قد حُرّف يكون المقصود من القرآن فيها ما يشمل النص القرآني المعجز الوحي الآخر الذي رادفه وهو التنزيل ، فصار حذف التنزيل والتفسير هو تحريفا للقرآن في الحقيقة ، وهو ماكان موجودا في المصحف الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السلام.

القرآن حُرّف!

فتحصل إلى هنا أن كل ما أنزل من السماء من النصوص القرآنية والتفسير والذي يسمي المجموع منهما بالقرآن مجازا قد حُرّف وعلى أيدي بعض الصحابة حينما جمعوه إما عن جهل أو عمد ، ولكنهم لم يحذفوا منه إلاّ التنزيل أي تفسير الآيات القرآنية ، أما النصوص المعجزة التي تحدى الله بها أهل الأرض أن يأتوا بمثلها فهي محفوظة تامة لا نقص فيها ولا زيادة ، وإنماقصد بالقرآن ما يعم النص القرآني المعجز وتفسيره وتنزيله وهذا الأخير هو الذي حرفوه وأنقصوه.

وهذا عين ما نسب للشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه فيه المسائل السروية : لا شك أن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى

١٥٨

وتنزيله ، وليس فيه شيءٌ من كلام البشر ، وهو جمهور المنزل, الباقي مما أنزله الله تعالى قرآنا (١) عن المستحفظ للشريعة المستودع للأحكام لم يضع منه شيء. وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع (٢) ، لأسباب دعته إلى ذلك ، منها : قصوره عن معرفة بعضه ، ومنها : شكه فيه وعدم تيقنه

__________________

(١) وكلامه رضوان الله تعالى عليه عين ما قلناه؛لأن الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه يعتقد أن كلمة القرآن تشمل النصوص القرآنية والتنزيل المفسرلها ، فكلها تسمى قرآنا ، كما صرح بذلك في قوله فيما سبق في أوائل المقالات : ٩١ : (وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً ، قال الله تعالى (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه : ١١٤). فسمّى تأويل القرآن قرأناً ، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسيراختلاف) ، والشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه قد بين في أوائل المقالات أنه يميل إلى صيانة القرآن من التحريف ، وإنما الذي نقص من القرآن هوتنزيله أي تفسيره ، وسنعيد ذكر كلمته فيما يأتي إن شاء الله تعالى لكن كل هذا خفي عن الوهابية فصاروا يكيلون التهم للشيخ المفيد ويتهمونه بالتحريف!!

واعتقد أن القارئ الكريم قد اكتفى بالشواهد التي تحكي جهل الوهابية وافتراءهم المتواصل ولكنا سنشير ما سنحت الفرصة لما يخطر ببالنا من افتراءهم ، ولا ريب أن ما نكتبه ليس كل شيء ، بل هو ما نتذكره مما اطلعنا عليه ، فما ظنك بما لم نطلع عليه؟!

(٢) فإن من اللازم أن يقرن التنزيل المفسربالقرآن ، كأن يوضع في هامش القرآن ليتضح معنى الآيات الكريمة حال تنزيلها مع ذكر أسماء المنافقين والمشركين والكفار ، وهو ما فعله الإمام علي عليه السلام في المصحف الذي جمعه أول مرة ، فرفضه ابن الخطاب وتبعه على ذلك ابن أبي قحافة خوفا من بيان تلك الأسماء والنوايا فيفتضح الأمر وتظهر الضغائن.

١٥٩

ومنها : ما تعمد إخراجه منه. وقد جمع أمير المؤمنين عليه السلام القرآن المنزل من أوله إلى آخره ، وألفه بحسب وجب من تأليفه ، فقدم المكي على المدني والمنسوخ على الناسخ ، ووضع كل شيء منه محله. (١)

ونقول هنا : إن من اعتاد سماع افتراءات الوهابية لا يستغرب تصيدهم روايات الكافي وغيره من المصنفات وأخذها زادا دسما يخوضون فيه مع إهمالهم الدائم لتصريحات علمائنا التي تصرح بفساد فهم مضمون تلك الروايات بالفهم الساذج والغفلة عن باقي الأدلة.

وكذا لا يستغرب يعيهم لأخد ما تشابه منها وعرضه للعوام بطريقة

__________________

(١) المسائل السروية : ٧٨ ـ ٧٩ ، الناشر المؤتمر العالمي بناسبة الذكرى الألفية لوفاة الشيخ المفيد تحقيق الشيخ المستبصر صائب عبد الحميد حفظه الله ، وهذا كله مبني على ثبوت الكتاب للشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه فقد نقلناه من قبل كلام السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه وتشكيكه في نسبة (المسائل السروية) للشيخ المفيد وعليه لا يمكن التعويل على كتاب لمعرفته رأي المفيد رضوان الله تعالى عليه.

وهنا يتضح جهل الوهابي (عثمان. خ) عندما نسب القول بتحريف القرآن للشيخ المفيد بنقل كلامه السابق من المسائل السروية ، فأخطأ خطأين أحدهما في فهم المقصود حيث فسره بما يخالف كلام الشيخ في كتابه الثابت له وهو أوائل المقالات الذي نص فيه على تنزيه القرآن من التحريف وقد نقله الوهابي نفسه في الوجه الأخرمن شريطه فذكر أنه من الشيعة الذين لا يقولون بالتحريف!! ، والخطأ الآخر هو عدم التحقق من نسبة الكتاب للمؤلف.

١٦٠