إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

وهذا أيضا رأي المشهور بين علمائهم من أن الأمة لا تطيق قراءة القرآن على حرف واحد ، وأن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم سأل الله عز وجل التخفيف عن هذه الأمة فخفف عنها بإنزال القرآن على سبعة أحرف وكلها شاف كاف. وسيأتي تتمة كلام هذا المقام في جمع القرآن بإذن المولى سبحانه.

الأحرف السبعة في الميزان

اتضح بلا ريب ما لقبول أو رفض أصل الأحرف السبعة من انعكاس بالغ الأهمية في صيانة ألفاظ القرآن من أيدي المتلاعبين والمحرفين للكلم من بعد مواضعه ، فالمستفاد من الوايات ـ هوما ذهب إليه أساطين علمائهم من سلفهم إلى يومنا ـ هو إمكانية تبديل وتغيير ألفاظ القرآن بغيرها لأن الرخصة في ذلك جاءت من الله عز وجل الذي (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (١). فإن ثبت الرخصة فلا يبقى مجال لأحد أن يمنع أو يدعى عدم جواز ذلك.

أما إذا لم تثبت تلك الرخصة أو ثبت العكس! فلعمر الحق. للأحرف السيعة طامة من الطامات وزلزلة عظيمة لركن من أركان الإسلام ، ودعوة صريحة من عند الله افتراء عليه (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ

__________________

(١) الأنبياء : ٢٣.

٢٤١

يُعْرَضُونَ عَلى‏ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذينَ كَذَبُوا عَلى‏ رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمين) (١)

أدلة بطلان مقولة الأحرف السبعة

١ ـ لا دليل يمكن التمسك به لإثبات هذا الأصل

قد مر ذكر الروايات وتبين لنا أنها متعارضة في بيان عدد تلك الأحرف ، وهي على خمسة أقسام ، وبعد أن رجحنا ما رجحه أهل السنة سبعناها لهم ، ثم حصل التعارض من جديد في معنى هذه السبعة وانقسمت الروايات إلى قسمين ، كل قسم لا يلتقي مع القسم الآخر ، القسم الأول : دل على إمكان تغيير ألفاظ القرآن بما يرادفها في المعنى ، أما القسم الثاني : فدل على حصر مواضيع الآيات التي أنزل الله عليها القرآن بسبعة أنواع أي حاكية عن أقسام البيان وأنواع الخطاب ، وساير ناهم مرة أخري بتجريح إمكانية تغيير ألفاظ القرآن بما يرادفها ، ثم حصل التضارب من جديد في حكاية كيفية تشريع تلم الأحرف وعن نفس الصحابي ، فمرة تحكي أن القرآن كان على حرف واحد ومن ثم شرعت تلك الأحرف في ذلك الموقف ، ومرة أخرى أن الأحرف قد أنزل عليها القرآن من قبل وأن الأمة تقرأ بتلك ألحرف تلقائيا ناهيك عن التضارب بين طيات الحادثة وتفاصيلها!

وأهل التحقيق لا يتجاوزون هذا التضارب الذي يقف سدا دون قبول

__________________

(١) هود : ١٨.

٢٤٢

ما تتضمنه الروايات ، فكيف يعتمد عليها ولم تسلم من التعارض والتدافع في أي فقرة من فقراتها؟!، فالحق أنه لا يتسنى لذى دين الجزم بها على الله عز وجل وعليه لا دليل ينهض لإثبات ذاك المعنى من الأحرف السبعة بعد تساقط.

وقد توقف بعض علماء أهل السنة فيها وأشكلت مضامينها عليهم ، ثم بلغ استحسانات بعضهم في بيان معناها أربعين قولا ، وكل هذا يدل على أن الأدلة قاصرة عن إفادة الغاية المرجوة منها ، ولو كان هذا الأصل الذي يمس نصوص القرآن موجودا في الشريعة لما اقتصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذكر المصطلح (سبعة أحرف) دون شرح معناه بصورة جلية وواضحة حتى لا يفتح باب التلاعب بكتاب الله وناموس الرسالة الخاتمة للبشرية ، فأي دليل بعد يعتمد عليه؟!

٢ ـ المعارضة لصريح القرآن

هذا المعنى من الأحرف السبعة يعنى جواز نسبة ألفاظ ليست في مصحفنا للقرآن بدعوى أن لها معنى واحد تمسكا بما ادعي أنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

(كل كاف شاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب ، نحو قولك : تعال وأقبل وهلم واذهب وأسرع وعجل) ، وهذا اللفظ رواية أحمد ، وإسناده جيد (١).

__________________

(١) الإتقان ١ : ١٤٩ ـ ١٤٨ ط دار ابن كثير.

٢٤٣

وهذا الأصل المنحرف والمستند المائل يتعارض مع صريح الآيات التي تحظر على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم التصرف في ألفاظ الآيات الكريمة وتغييرها من تلقاء نفسه ، وتوجب عليه اتباع ما يوحى إليه بلا زيادة ولا نقصان ولا تبديل ، وإلا لا ستوجب العذاب الأليم جزاء للكذب على الله عزوجل ـ والعياذ بالله ـ ونسبة ما ليس منه إليه ، قال تعالى :

(وَإِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لي‏ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسي‏ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى‏ إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظيمٍ قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) (١).

فهذه الآية تناقض ذلك الأصل الذي يجوز افتراء الكذب على الله عز وجل فيدعي كل قارئ قرآنية كل ما يحلو له ، فيصبح ويقول إن هذه الآية قالها الله عزوجل هكذا ، ويمسي ويقول قالها بشكل آخر وهكذا ، فيغير ألفاظ القرآن ويبدلها بدعوى أن هذا التبديل إنما هو من تلك الأحرف ، وكله كذب على الله وافتراء فإن قول فلان ليس هو قول الله ، ثم ما يدريه أن هذا هو قول الله عزوجل بعينه؟!

ثم ما ينفعل بمثل الآيات التي يستفاد منها عدم تغيير آيات الله وتبديل كلماته بغيرها كقوله تعالى :(وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ

__________________

(١) یونس : ١٧ـ١٥

٢٤٤

لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدا) (١). وغيرها مما يقارب مضمونها؟! (٢)

٣ ـ معارضة السيرة المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم

الأمر الأول : إن بعض الأقوال والأفعال التي صدرت منه صلى الله عليه وآله وسلم تقضي ببطلان هذا الأصل وتنفي وجوده في الشريعة الإسلامية.

وعليه نستطيع الجزم ببطلان هذا المعني للأحرف السبعة وفساد الروايات التي تحكي مضمونه ، فقد ذكرت كتب التفاسير (٣) إن سبب نزول الآية المباركة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ‏ءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ) (٤) هو التنديد بكاتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آنذاك عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري ابن خالة عثمان وأخيه من الرضاعة حينما خان الله ورسوله وكتابه الوحي حيث كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يملي عليه (عزيز حكيم) فيقول

__________________

(١) الكهف : ٢٧.

(٢) الحاقة : ٤٤ ـ ٤٧.

(٣) النساب للبلاذري ٥ : ٤٩ ، تفسير القرطبي ٧: ٤٠ ، تفسير البيضاوي ١ : ٣٩١ ، كشاف الزمخشري ١ : ٤٦١ ، تفسير الرازي ٤: ٩٦ ، تفسير الخازن ٢ : ٣٧ ، تفسير النفسي هامش الخازن ٢ : ٣٧ ، تفسير الشوكاني ٢ : ١٣٣ ، ١٣٥ نقلا عن ابن أبي حاتم ، وعبد بن حميد وابن المنذر ، وابن جريج ، وابن جرير ، وأبي الشيخ. وكله منقول عن الغدير للعلامة الأميني رضوان الله تعالى عليه ٨ : ٢٨١.

(٤) الأنعام : ٩٣.

٢٤٥

سعد : (أو عليم حكيم). فيصوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلام ابن سعد ويقره على أن هذه كلها صفات الله عزوجل ، ولكن يجب إبقاؤها كما أنزلها الله عزوجل وأن يلتزم بكتابة ما يسمعه فقط ، فكونها من صفات الله عزوجل وأن يلتزم بكتابة ما يسمعه فقط ، فكونها من صفات الله عزوجل ، ولكن يجب إبقاؤها كما أنزلها الله عزوجل وأن يلتزم بكتابة ما يسمعه فقط ، فكونها من صفات الله عزوجل لا يعني جواز تغيير ألفاظ القرآن علي مزاجك!، ولكنه لم يعبأ بما قيل له وأخذ يغير القرآن ويكتبه محرفا ، ففي روضة الكافي عن أبي بصير رضوان الله تعالى عليه عن أحدهما عليهما السلام قال :

سألته عن قول الله عزوجل : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ‏ءٌ). قال : نزلت في ابن أبي سرح الذي كان عثمان استعمله على مصر وهو من كان رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة هدر دمه وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله فإذا أنزل الله عزوجل (إن الله عزيز حكيم) كتب (إن الله عليم حكيم) فيقول له رسول الله صلى الله عليه وآله : دعها! فإن الله عليم حكيم! (١) وكان ابن أبي سرح يقول للمنافقين : إني لأقول من نفسي مثل ما يجئ به فما يغير علي فأنزل الله تبارك وتعالى فيه الذي أنزل (٢).

__________________

(١) أي اتركها كما نزلت ولا تغيرها ، فان كتبت وإن كان حقا ولكن لا يجوز تبديل ما أنزله الله.

(٢) الكافي ٨ : ٢٠١ بتعليق علي أكبر غفاري وفي تفسير عياشي ١ : ح ٥٩ ، هنا ابن أبي سرح كذب في أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقره على تلك الزيادة وإلا لما نفاه وأهدر دمه.

٢٤٦

وفي الدر المنثور : وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي خلف الأعمي قال كان ابن أبي سرح يكتب للنبي صلي الله عليه [وآله] وسلم الوحي أتي أهل المكة فقالوا يا بن أبي سرح : كيف كتبت لا بن أبي كبشة القرآن؟ قال كنت أكتب كيف شئت فانزل الله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً) (١).

ورووا تلك الحادثة عن رجل آخر اسمه أبو برزة الأسمي (٢): قال

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ٣٠.

(٢) احتمل قويا ذلك افتراء على أبي برزة الأسلمي رضوان الله تعالى عليه ، وذلك لأن أبا برزة من شيعة الإمام أمير المومنين عليه السلام الذين شاركوا معه في صفين والنهروان ، قال ابن حجر في الإصابة ٦ : ٤٣٣ ت ٨٧٢٢: (نضلة بن عبيد الأسلمي أبو برزة مشهور بكنيته. وقال ابن سعد كان من ساكني المدينة ثم نزل البصرة وغزا خراسان ، وقال غيره شهد مع علي ـ عليه السلام ـ قتل الخوارج بالنهروان ، وغزا خراسان بعد ذلك ويقال إنه شهد صفين والنهروان مع علي روي من طريق ثعلبة بن أبي برزة عن أبيه) ، وقال ابن الأثير في أسد الغابة ٥ : ١٩ (نضلة بن عبيد. وروى عنه انه قال أنا قتلت ابن خطل يوم الفتح وهو متعلق بأستار الكعبة وروي ثعلبة أبي برزة أن أباه شهد صفين والنهروان مع علي. وكان أبو برزة عند يزيد بن معاوية لما أتي برأس الحسين بن علي فرآه أبو برزة وهو ينكث ثغر الحسين بقضيب في يده فقال لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذا ربما رايت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يرشفه أما انك يا يزيد تجئ يوم القيامة وابن زياد شفيعك ويجئ هذا ومحمد شفيعه ثم قال فولى). وليس بعزيز على بني أمية أن يزيحوا تلك مخزاة عن ابن أبي سرح أخي الخليفة لأمة ويلصقوها بواحد من شيعة الإمام علي عليه السلام ، وهو الذي اعترض على فعل لعين السماوات والأرض يزيد بن معاوية.

٢٤٧

لقريش : أنا أعلم لكم علم محمد فأتى النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم فقال : يا رسول الله إني أحب أن تستكتبني قال : فاكتب. فكان إذا أملى عليه من القرآن (وكان الله عليما حكيما) ، كتب (وكان الله حكيما عليما) وإذا أملى عليه (وكان الله غفورا رحيما) ، كتب (وكان الله رحيما غفورا). ثم يقول : يا رسول الله اقرأ عليك ما كتب! فيقول : نعم ، فإذا قرأ عليه (وكان الله عليما حكيما) أو (رحيما غفورا) قال له النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : ما هكذا أمليت عليك! وان الله لكذلك! إنه لغفور رحيم وإنه لرحيم غفور!!فرجع إلى قريش فقال ليس آمره بشيء كنت آخذ به فينصرف (١).

وفي تاريخ اليعقوبي : عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري ، وكان يكتب لرسول الله فصار إلى مكة فقال : أنا أقول كما يقول محمد ، والله ما محمد نبي وقد كان يقول لي : اكتب (عزيز حكيم) ، فأكتب (لطيف خبير) ، ولو كان نبيا لعلم (٢).

وبعد أن ظهرت منه الخيانة طرده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فلحق عبد الله بن سعد بن أبي سرح بالمشركين ، وكان يقول لهم : إني كنت أصرف محمدا حيث أريد. فأنزل الله فيه الآية ، وأهدر النبي صلى الله عليه وآله

__________________

(١) الدرالمنثور ٦ : ٣٥٢.

(٢) تاريخ يعقوبي ١: ٥٩ ـ ٦٠.

٢٤٨

وسلم دمه ، فشفع له عثمان خلافا لرغبة الله ورسوله!. (١)

وقال البلاذري في فتوح البلدان عن الواقدي : وأول من كتب له من

__________________

(١) أخرج في سنن أبي داود ٣ : ٥٩ ح ٢٦٨٣ بسنده عن سعد : (قال : لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وسماهم وابن أبي سرح فذكر الحديث قال : وأما ابن أبي سرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان فلما دعا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال : يا نبي الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبي فبايعه بعد ثلاث ، ثم أقبل على أصحابه فقال : أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله. فقالوا : ما ندري يا رسول الله ما في نفسك ألا أو مأت إلينا بعينك قال : إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين)وعلق عليه أبو داود : قال أبو داود كان عبد الله أخا عثمان من الرضاعة وكان الوليد بن عقبة ظاخا عثمان لأمه وضربه عثمان الحد إذ شرب الخمر. وفي السير الكبير للشيباني ٢ : ١٦٩ : (وأيد هذا ما روي أن عثمان جاء بعبد الله بن سعد بن أبي سرح يوم فتح مكة إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال : بايع عبد الله ،فأعرض عنه. حتى جاء إلى كل جانب هكذا ، فقال : بايعناه فلينصرف. فلما انصرف قال لأصحابه : أما كان فيكم من يقوم إليه فيضرب عنقه قبل أن أبايعه؟ فقالوا : أهلا أو مات إلينا بعينك يا رسول الله. فقال : ما كان لنبي أن تكون له خائنة الاعين. وأحد لا يظن أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كان يرضى بكفره ، ولكن علم أنه كان يظهر في ذلك تقية. فلهذا أعرض عنه وقال ما قال) ، مع العلم أن هذا الفاجر أمره معاوية على المؤمنين في خلافته فحرق الأخضر قبل اليابس! وكذلك فعل عثمان بابن خالته من قبل.

٢٤٩

قريش عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، ثم ارتد ورجع إلى مكة وقال لقريش : أنا آتي بمثل ما يأتي به محمد. وكان يملي عليه (الظالمين) فيكتب (الكافرين). يملي عليه (سميع عليم) فيكتب (غفور رحيم) وأشباه ذلك. فأنزل الله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ‏ءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ) (١) فلما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بتركه ، وولاه عثمان مصر (٢).

وذكر الحاكم في المستدرك على الصحيحين : فأما عبد الله بن سعد ابن أبي سرح فإن الأخبار الصحيحة ناطقة بأنه كان كتابا لرسول الله صلى الله عليه وآله فظهرت خيانته في الكتابة فعزله رسول الله صلى الله عليه وآله فارتد عن الإسلام ولحق بأهل مكة (٣).

__________________

(١) الأنعام : ٩٣.

(٢) فتوح البلدان : ٦٦٢ ط دار النشر للجامعين ، أقول والى المسلمين نزلت فيه هذه الآية (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ‏ءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى‏ إِذِ الظَّالِمُونَ في‏ غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْديهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُون‏) (الأنعام : ٩٣) هكذا السلف الصالح وإلا فلا!

(٣) المستدرك علي الصحيحين ٣ : ١٠٠.

٢٥٠

قد يقال إن فعل الرسول صلى الله عليه وو آله وسلم مع ابن أبي سرح لا يدل على عدم جواز القراءة بالمعني إذ الكتابة غير القراءة وما فعله ابن أبي سرح هو الكتابة لا القراءة ، ويرد عليه أن هذا الادعاء مدفوع بفعل الصحابة أنفسهم وذلك لورود عشرات الروايات التي تنص على أن الصحابة كانوا يكتبون التغيير والتبديل في مصاحفهم الخاصة وهم وجوه الصحابة على ما سيأتي بيانه كعمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وعائشة وحفصة وأبي بن كعب وغيرهم ، فاختصاص الحرمة بالكتابة يناقضه فعل الصحابة ، ثم إن الأصل هو القراءة ولا الكتابة لأن السماح بالتلاعب في القراءة هو سماح بالتلاعب في الكتابة بطبيعة الحال لما سيأتي من أن المصاحف لم تكن تتميز كلماتها إلا بالقراءة وكانوا يكتبون المصاحف عن القراءة لأن القرآن نزل منجما لا ككتاب مسطور.

وعلى أي حال فهذه الحادثة تعد أدل دليل على إنكار الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لتبديل أللفاظ القرآن بغيرها ولو بمرادفاتها نحو (عليم حكيم) بدلا عن(عزيز حكيم) وهو عين منطوق روايات الأحرف السبعة ، وعلى ذلك فسيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كاشفة عن كذب هذه الرخصة المخزية للقرآن ولأهله ، وأنها تعتبر خيانة لله ولرسوله نعوذ بالله من الخذلان.

وهناك نص يبين عدم رضاه صلى الله عليه وآله وسلم بتغيير ترتيب الآيات والانتقال من آية فى سورة إلى آية فى سورة أخرى ، فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه بطريقين أحدهما حثنا حاتم بن إسماعيل عن عبدالرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال : مر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم

٢٥١

على بلال وهو يقرأ من هذه السورة ، فقال : بأبي أنت يا رسول الله إني أردت أن أخالط الطيب بالطيب ، فقال صلى الله عليه [وآله] وسلم : إقرأ السورة على نحوها. (١)

فكيف يظن به صلى الله عليه وآله وسلم يرضى بخلط القرآن بكلا البشر مع أنه يرضى بخلط كلام الله ببعضه البعض؟!

الأمر الثاني : وردت فمصنفات أهل السنة الروائية عدد من الروايات التي تحكي حدوث اختلاف بين الصحابة في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في قراءاتهم لآيات القرآن ، فأخبروه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فاحمر وجهه وتربد وحذرهم مغبة الاختلاف فى القرآن لئلا يكونوا كالذين من قبلهم أضاعوا كتب الله باختلافهم فيها فهلكوا وأهلكوا.

وقد جاء هذا المعنى في عدة مصادر منها مسند أحمد عن ابن مسعود قال : تمارينا في سورة في سورة من القرآن فقلنا خمس وثلاثون آية ، ست وثلاثون آية قال : فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فوجدنا عليا رضي الله تعالى عنه يناجيه ، فقلنا : إنا اختلفنا في القراءة. فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال علي رضي الله تعالى عنه : إن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يأمركم أن تقرأوا كما علمتم. (٢)

__________________

(١) المصنف ٦ : ١٥٠ ـ ١٥١ ح ٣٠٢٥٠ ط دارالكتب العلمية ،الطريق الآخر (حدثنا عبيدالله بن إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم).

(٢) مسند أحمد ١ : ١٠٥ ، ح ٨٣٢.

٢٥٢

وقد زاد طبري في تفسيره : فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وقال : إنما هلك من كان قبلكم باتلافهم بينهم. قال : ثم أسر إلى علي شيئا فقال لنا علي : إن رسول الله يأمركم أن تقرأوا كما علمتم (١).

وهذه الحادثة دالة على غضبه وعدم رضاه صلى الله عليه وآله وسلم على من يتجاوز حدود ما علمه لهم ، حيث أوجب عليهم التزام قراءته بنص قوله (إقرأوا القرآن كما علمتم) لأنه معلم القرآن ومتلقي الوحي ، ولم يؤثر عنه صلى الله عليه وآله وسلم قراءة آية ما بأشكال متعددة متغايرة وإلا لأوصلته لنا رسله ، ولصار حديث الأندية عند المشركين وو المنافقين قبل المؤمنين ، وهذا الأمر يناقص معنى الأحرف السبعة الذي يسمح للجميع بقراءة القرآن كيفما أراد بتبديل كلمات الآيات.

ناهيك عن أن الروايتين السابقتين سكتتا عن مقطع مهم جاء في الرواية صحيحة السند وهي :

حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرحمان عن همام عن عاصم عن أبي وائل عن عبدالله قال : سمعت رجلا يقرأ (حم) الثلاثين يعني الأحقاف فقرأ حرفا وقرأ رجل آخر حرفا لم يقرأه صاحبه وقرأت أحرفا فلم يقرأها صاحبي ، فانطلقا إلى النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم فأخبرناه ، فقال : لا تختلفوا فإنما هلك من كان قبلكم باختلافهم. ثم قال : انظروا أقرأكم رجلا

__________________

(١) تفسير طبري ١ : ١٥ ، وعنه في كنز العمال ١ ١٦٧ ، ح ٨٩٠.

٢٥٣

فخذوه بقراءته. (١)

وهذه الرواية تقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بعدم الاختلاف وأن يقتدوا برجل أتقن قراءة القرآن وهذا الاقتداء يعني الاتحاد على قراءة واحدة ، وأن هلاك الأمة بالاختلاف والفرقة في قراءة القرآن ، فأين الأحرف السبعة من هذه الرواية؟!

الأمر الثالث : دعاء الله عزوجل يصح بأي لغة وبأي شكل كان ، وإن ورد مأثورا كان الاتزام بألفاظه أتم وأكمل من تغييرها لمرادفتها لما لنظم الدعاء من أسرار لا نعلمها ، حتى ورد أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم علم البراء بن عازب دعاء كان فيه (ونبيك الذي أرسلت) ولكن البراء أبدل كلمة (ونبيك) إلى (وبرسولك) فأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يغير ألفاظ الدعاء وأن يتقيد بما علمه.

وهذا ما ذكره ابن حزم في الإحكام وسيأتي الكلام عنه ، فإن كان

__________________

(١) مسند أحمد١ : ٤٠١ ، ح ٣٨٠٣ علق عليه أحمد محمد شاكر (إسناده صحيح) والمعلق حضي بإشادة وشهادة عالية من الألباني في المقدمة صحيح الترغيب والترهيب : ١٨ ـ ١٩ (والحق ـ والحق أقول ـ إن القليل من علماء الحديث ـ فضلا عن غيرهم ـ من له عناية تامة بالتمييز الأول كالحافظ المنذري على تساهله المتقدم بيانه ، والحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه وتلميذه السخاوي في كتابه المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة وغيرهم ، وفي عصرنا هذا الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه وتعليقه على مسند الإمام أحمد وغيره ، ومثله اليوم أقل القليل).

٢٥٤

للدعاء هذه الخصوصية ويلزم أن نتقيد بنصه فكيف يصح التبديل والتغيير في القرآن المعجز في نظمه ومضمونه حتي يكون عرضة لتلاعب القراء؟

٤ ـ موقف الصحابة العلمي المناقض لهذا الأصل :

سمع الصحابة في عصر النزول هذا القرآن غضا طريا من لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع ذلك حدث الاختلاف فيما بينهم في قراءة القرآن بتغيير بعض الفاظه ، وكانت تحصل لذلك بعض المشادات ، ولم نر أحدا منهم يفض النزاع بدعوى أن هذا الاختلاف والتباين بيننا في القراءة سببه نزول القرآن على الأحرف السبعة!

ولا يخفي اعتبار هذا الوجه كسبب مقبول لتغاير قراءات السلف يقطع به دابر الشحناء والتباغض ، ولذا لا يعقل إهمالهم لذكر سبب الاختلاف ـ الأحرف السبعة ـ مع أهميته البالغة ، فهذا الإهمال منهم يدل على أن هذا المعنى المستفاد من الروايات الأحرف السبعة قد تولد في عصر متأخر عن عصر الصحابة.

الروايات الدالة على افتعال معنى الأحرف السبعة بعد زمن الصحابة :

١ ـ اعتراض عمر على قراءة أبي بن كعب :

أخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن الانباري في المصاحف عن خرشه بن الحر قال : رأي معي عمر بن الخطاب لوحا مكتوبا فيه (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى‏ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١). فقال : من أملى عليك هذا؟ قلت : أبي بن كعب. قال : إن أبيا أقرؤنا

__________________

(١) الجمعة: ٩.

٢٥٥

للمنسوخ اقرأها (فامضوا إلى ذكر الله). (١)

هنا صرح عمر أن هذه الجملة (فامضوا إلى ذكر الله) قرآن منزل ، فإن كان للأحرف السبعة وجود لما جاز لعمر أن ينهي أبي بن كعب عن قراءة الآية بالصورة التي نقرأ بها اليوم.

٢ ـ تعريض سعد بن أبي وقاص بقراءة ابن المسيب :

وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأبو داود في ناسخة وابنه في المصاحف والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص أنه قرأ (ما ننسخ من آية أو ننساها) فقيل له : إن سعيد بن المسيب يقرأ (ننسها) (٢) فقال سعد : إن القرآن لم ينزل على المسيب ولا آل المسيب قال الله (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٣) (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسيت) (٤) (٥).

فلو كان لهؤلاء عهد بمعنى الأحرف السبعة لما كان من الجائز أن ينهى سعد عما رخص به الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

__________________

(١) الدر المنثور ٦: ٢١٩.

(٢) البقرة : ١٠٦.

(٣) الأعلى : ٦.

(٤) الكهف : ٢٤.

(٥) الدر المنثور ١ : ١٠٤ ط دار المعرفة بلأوفست.

٢٥٦

٣ ـ اعتراض عبدالله بن زبير على قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

وأخرج الفراء عن ابن زبيرأنه قال على المنبر : ما بال صبيان يقرأون (نخرة) (١) إنما هي (ناخرة). (٢)

ولو كان ابن زبير يعرف شيئا عن الأحرف السبعة لما رفض قراءة رسول الله صلى الله علي وآله وسلم بل لجوز كلا القراءتين.

٤ ـ اعتراض ابن زبير الآخر على قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

أخرج ابن حاتم عن عروة بن الزبير أنه كان يعجب من الذين يقرأون هذه الآية (وَالَّذينَ سَعَوْا في‏ آياتِنا مُعاجِزينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحيم‏) (٣) قال : ليس (معاجزين) من كلام العرب إنما هي (معجزين) يعني مثبطين (٤).

فإن الكلام للأحرف السبعة وجود لما نهي ابن الزبير عن القراءة المتواترة التي نقرأ بها اليوم ، فما بالك وهو يلحن ويخطئ قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

__________________

(١) النازعات : ١١.

(٢) الدر المنثور ٦ : ٣١٢.

(٣) الحج :٥١.

(٤) الدر المنثور ٦ : ٣٦٦.

٢٥٧

٥ ـ إنكار ابن سيرين على قراءة الحسن البصري :

وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين أنه سئل : كيف تقرأ هذه الآية (فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم) (١) أو (فرغ عن قلوبهم) قال (فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم) (٢) قال : فان الحسن يقول برأيه أشياء أهاب أن أقولها. (٣)

ولا مجال للاعتراض على قراءة الحسن البصري إن كان للأحرف السبعة وجود.

وأما لو تغاضينا عن الأدلة المتوافرة في تحديد معنى الأحرف السبعة وسايرنا بعض نفر من علمائهم بأن معنى الأحرف السبعة هي الوجوه المحتملة للفظ باختلاف القراءات (٤) فإن هذا الوجه لا ينسجم وفعل

__________________

(١) سبأ : ٢٣.

(٢) سبأ : ٢٣.

(٣) الدر المنثور ٥ : ٢٣٧.

(٤) هذا المعنى للأحرف وإن كان مخالفا لروايات الصحيحين وغيرهما فقد ذهب له ابن قتيبة والرازي وبعض من المتأخرين ، قال ابن قتيبة (وإن المراد بالأحرف السبعة ، الأوجه التي يقع بها التغاير : (فأولها)ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته ، مثل ((ولا يضار كاتب)) بفتح الراء وضمها. (وثانيها) ما يتغير بالفعل مثل ((بعد وباعد)) بلفظ الطلب والماضي. و (ثالثها) ما يتغير باللفظ مثل ((ننشرها وننشزها)) بالراء المهملة والزاي المعجمة. (ورابعها) ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج مثل ((طلح منضود وطلع منضود)). (وخامسها) ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل ((جاءت سكرة الموت بالحق ، وجاءت سكرة الحق بالموت)). (وسادسها) ما يتغير

٢٥٨

الصحابة ، وذلك لعدم وجود أحد منهم برر موقفه وقراءته بدخولها ضمن الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن عندما انتقد في قراءته ، بل إن هذا الوجه يتعارض مع فعلهم أيضا لأن بعض تلك القراءات رفضت وضرب بها عرض الجدار!

٦ ـ امتراء نفر من التابعين في القراءة :

أخرج سعيد بن مصور والطبراني عن الأخنس قال امترينا في قراءة هذا الحرف (ويعلم ما يفعلون) أو (تفعلون) فأتينا ابن مسعود فقال (تفعلون) (١) ولو كان للأحرف السبعة مكان بينهم لكان من اللازم أن يقول ابن مسعود أن كل تلك الوجوه شافية كافية ما لم تختموا آية رحمة بعذاب أو العكس!

بعض الروايات الدالة على رفض السلف للمعني الآخر للأحرف السبعة :

١ ـ أخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والا بتداء والخطيب في تاريخه عن عبد الرحمان بن كعب بن مالك عن أبيه قال : سمع عمر رجلا يقرأ هذا الحرف (ليسجنـنه عتي حين) فقال له عمر : من أقرأك هذا الحرف؟ قال : ابن مسعود ، فقال عمر : (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حين) (٢) ثم كتب الى ابن مسعود : سلام

__________________

بالزيادة والنقصان مثل ((وما خلق الذكر والأنثى)) بنقص لفظ ((ما خلق)). (وسابعها) ما يتغير بإبدال كلمة بأخرى مثل (كالعن المنفوش ، وكالصوف المنفوش).

(١) الدر المنثور ٦ : ٨.

(٢) يوسف : ٣٥.

٢٥٩

عليك أما بعد فإن الله أنزل القرآن فجعله قرآنا عربيا مبينا وأنزله بلغة هذا الحي من قريش ، فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش ولا تقرؤهم بلغة هذيل. (١)

وها قد اعترض عمر على قراءة ابن مسعود وهي على حرف مختلف عن حرفه ، فلو كان لتلك الأحرف أصل شرعي لما جاز لعمر الاعتراض على قراءة ابن أم عبد الغضة ، لأن ابن مسعود كان سيرد عليه بجواز القراءة علي سبعة أحرف ، فكيف يصح الاعتراض من عمر على ما جوزه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! (٢)

__________________

(١) الدر المنثور ٤ : ١٨ ، كنز العمال ٢ : ٥٩٣ ، ح ٤٨١٣.

(٢) والحق إن ابن مسعود كان يغير عمليا مفردات الآيات ويجتهد فيها ، وقد نقل عنه ذلك في كثير من الموارد التي سنذكرها إن شاءالله تعالى ، ولعله يتضح بنقل هذه الرواية ونحيل البقية لمقامه ففي الدر المنثور ٦ : ٣٢ (وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الأنباري وابن المنذر عن عون بن عبد الله أن ابن مسعود أقرأ رجلا (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعامُ الْأَثيمِ) (الدخان : ٤٣ ـ ٤٤) فقال الرجل (طعام اليتيم) فرددها عليه فلم يستقم بها لسانه ، فقال : أتستطيع أن تقول (طعام الفاجر)؟ قال : نعم ، قال : فافعل) ، إر أن الرواية معارضة فيي أغلب تفاصيلها بروايتين أخرين ترويان نفس الحادثة نقلت أحدهما عن أبي الدرداء ، والأخرى عن أبي بن كعب ، ومن غير المعقول أن تتكرر حتى في نفس قول الرجل : (طعام اليتيم)! قال السيوطي : (وأخرج ابن مردودية عن أبي بن كعب انه كان يقرئ رجلا فارسيا فكان إذا قرأ إن (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعامُ الْأَثيمِ) قال : (طعام الأثيم) فمر به النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال قل له (طعام.

٢٦٠