إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

يحتاج إلى تسديد مباشر من الوحي.

وكيف يظن الشيعة به صلى الله عليه وآله وسلم يتركها هكذا عشواء في ظلماء يتخبط بها هذا وذاك من هنا وهناك؟! حتى يصير القرآن دولة لأمزجتهم وميدانا لآرائهم ، يتمزق كل ممزق أو يضيع بموت خفظته ، وهو كتاب آخر الرسالات وانقطاع وحي السماء!

أم كيف يتركه مبعثرا بين ايديهم لتدخل سخلة فتأكل آية منه أو آيتين كما تزعم عائشة؟! وكيف يظن الشيعة به صلى الله عليه وآله وسلم ينام قرير العين والقرآن لم يعرف أوله من آخره بعد ممزق الأشلاء بين الحجارة وخوص النخل!؟ معاذ الله.

والحق أنه ما كان ينتهي صلى الله عليه وآله وسلم من تلقي الوحي إلا ويأمر الكتبة ليدونوا ما سيمليه عليهم ، ثم يأمرهم ليعيدوا عليه صلى الله عليه وآله وسلم فما زاغ أقامة وما نقص أكلمه ، وهكذا كلما نزل قرآن من السماء ازداد حجم المصاحف عند الصحابة التي كانت تضاف لها الآيات المكتوبة في الرقاع وترتب في المصاحف بحسب ما يأمرهم صلى الله عليه وآله وسلم به ، واستمر العمل على هذا المنوال إلى أواخر أيام حياته صلى الله عليه وآله وسلم ، وحينما انقطع وحي السماء كان المصحف قد كمل تلقائيا للعمل الدؤوب والمتواصل في جمع آياته النازلة وترتيبها بعد نقلها من الرقاع إلى المصحف ، وقد كان بعضهم يفتخر بختمه القرآن وجمعه في مصحفه بإملاء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلا يأتي له شبه ولا تشوبه خلجة

٣٦١

وكفي بالله شهيدا وبرسوله جامعا ورقيبا. (١)

القول بأن أول جمع للقرآن كان في زمن أبي بكر لا يصح

هناك بعض أسباب تقف دون قبول الروايات التي تزعم أن القرآن جمع أول مرة في زمن أبي بكر ، من هذه الأسباب :

__________________

(١) هذا التصوير لكيفية جمع القرآن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أسلم تصوير يتجاوز بعض الإشكالات ، وهنا ملاحظة مهمة جدا يجب التنبيه عليها وهي أنه عندما أقول إن جمع القرآن كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا أقصد به أن تدوين القرآن بتمامه وكماله فرغ منه في بداية حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبل أن يتم نزول كل القرآن من السماء! وإنما أقصد أن القرآن رتبت آياته النازلة ونسقت سورة النازلة الواحدة تلو الأخرى كلا على حدة ، فعرف أول السورة من آخرها على وجه منسق منظم وإن لم يتم نزول القرآن بعد ، فيسمى هذا التنسيق والترتيب جمع للقرآن ومصحف مجموع ، فالجمع المقصود منه هو لملمة الشتات في كيان واحد جمعي نضاف إليه أجزاؤه الأخرى يوما بعد يوم في ترتيب وتنسيق إلى أن يكمل في آخر حياته صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعبارة واضحة إن عدم نزول كل القرآن من السماء لا يناقض تسمية هذا الكيان المرتب والمنسق بأنه جمع للقرآن ومصحف مجموع ، وهذا خلاف ما يقول أهل السنة من أن القرآن إلى وفاته صلى الله عليه وآله وسلم كان مبعثرا هنا وهناك ، بعضه في صدور الرجال وبعضه في اللخاف وبعضه في الرقاع وبعضه دون على الحجارة وهكذا ، ولو قالوا : إن القرآن كان مرتبا منسقا ولكن آخر آيات منه لم تدون في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاتفقنا معهم على أن القرآن جمع في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، واقتصر الخلاف على أن إلحاق كل الآيات في هذا الجمع تم في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أم أن بعضها ألحقت فيما بعد.

٣٦٢

١ ـ تضارب الروايات التي تحكي جمعهم الأول

ذكر السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه في كتابه البيان بعض الروايات المتعارضة في حكاية ذلك الجمع ، وسنذكر هنا خلاصة ما توصل إليه رضوان الله تعالى عليه ومن أراد التقصيل فليراجع :

وقد خلص إلى تناقضها في تعيين العهد الذي جمع فيه القرآن مترددا بين عهود أبي بكر، عمر عثمان ، ومن هو المتصدي لذلك؟ هل هو أبو بكر، أو عمر ، أو زيد بن ثابت؟ وهل بقي من الآيات ما لم يدون إلى زمن عثمان؟(١) ومن الذي طلب من أبي بكر جمع القرآن؟ ومتى ألحقت بعض الآيات في القرآن؟ وبماذا ثبت ذلك؟ وهل يكفي ذلك لتواتر القرآن؟ (٣)

٢ ـ اهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم بجمع القرآن

الروايات التي تعرض جمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبين لنا مدى اهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم وحثه الشديد للصحابة ليتكابوا على تدوين القرآن وترتيبه وتنسيق آياته ، فهاك نبذة منها : حدثني سعيد بن سليمان أخبره عن أبيه سليمان بن زيد عن زيد بن

__________________

(١) هذا اعتراض قد بينا جوابه فيما سبق من أن قرآن الدولة لم يتم جمعه لا في زمن أبي بكر ولا في زمن عمر ، لذلك صار لكل من أبي بكر وعمر جمع ، وأما جمع عثمان فهو الجمع الثاني له ، وكلام السيد رضوان الله تعالى عليه يرد على أهل السنة الذين يرون أن المصحف جمع بتمامه في زمن أبي بكر مع أن الروايات تذكر أنه بقي إلى زمن عمر ، وأما على ما بيناه فلا يرد.

(٢) تاريخ القرآن : ٦٦ ـ ٦٧ ، د. الصغير ط. دار المؤرخ العربي.

٣٦٣

ثابت قال : كنت أكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وكان إذا نزل عليه أخذته برحاء شديدة وعرق عرقا شديدا مثل الجمان ثم سري عنه ، فكنت أدخل عليه بقطعة القتب أو كسرة فأكتب وهو يملي علي ، فما أفرغ حتى تكاد رجلي أبدا، فإذا فرغت ، قال : (اقرأه) فإن كان فيه سقط أقامه (٢) ، ثم أخرج به إلى الناس. (١)

عن جده زيد بن ثابت قال : كنت أكتب الوحي عند رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وكان يشتد نفسه ويعرق عرقا شديدا مثل الجمان ثم يسري عنه فأكتب وهو يملي علي، فما أفرغ حتى يثقل ، فإذا فرغت قال : اقرأ فأقرأه فإن كان فيه سقط أقامه.

فقال عثمان : كان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وإذا نزلت عليه الآية فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا. (٣)

__________________

(١) المعجم الكبير ٥ : ١٤٢ ، ح ٤٨٨٩.

(٢) نفس المصدر ٥ : ١٤٢،ح ٤٨٨٨.

(٣) سنن الترمذي ٥ : ٢٧٢، ح٣٠٨٦ (باب ومن سورة التوبة) ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ،المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٤١ ،ح٢٨٧٥ ،و ٢: ٣٦٠، ح ٣٢٧٢.

٣٦٤

أقول : هذه الرواية واضحة في ترتيبه للسور والآيات وتنسيقها في أمكانها المخصوصة ، وبطبيعة الحال فإن الأمر بجعل آية كذا في مكان معين يعني المحافظة على مكانها بين الرقاع ، وتنسيقها بأن لا يسبق المتأخر المتقدم ولا العكس ، وهذا هو الجمع المقصود إلى أن يكمل بهذه الطريقة لوقت النقطاع الوحي ، لا كما يزعم أهل السنة من أن بعضه في رقاع وبعض في حجارة وبعض آخرفي أكتاف وبعض الآيات في صدور الرجال مبعثرة كل واحدة منها في مكان مغاير للأخرى.

عن خارجة بن زيد أن نفرا دخلوا على أبيه زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه فقالوا : حدثنا عن بعض أخلاق النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فقال : كنت جاره فكان إذا نزل الوحي بعث إلي فآتية فأكتب الوحي. (١)

حدثنا محمد بن يوسف عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال : لما نزلت (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنينَ) (٣). قال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ادعوا فلانا فجاءه ومعه الدواة واللوح أو الكتف فقال اكتب ... الخ. (٣)

وهذه الرواية تبين حرصه صلى الله عليه وآله وسلم الشديد على جمع

__________________

(١) السنن الكبرى ٧ : ٥٢ ، ح ١٣١١٨ ،طبقات ابن سعد ١ : ٣٦٣

(٢) النساء : ٩٥.

(٣) البخاری ٣ : ١٠٤٢ ، ح ٢٦٧٦ ،٣ :١٠٤٢ ، ح٢٦٧٧ ،٤ :١٦٧٧، ح ٤٣١٦ ،٤ :١٦٧٧ ،ح ٤٣١٧، السنن الكبرى ٤: ١٦٧٧، ح ٤٣١٨.

٣٦٥

القرآن وتدوينه ، وسيأتي بإذنه تعالى أن الصحابة كانوا يؤلفون القرآن من الرقاع ، ولا ريب أن كتابته مبعثرا في عظام وحجارة يناقض هذه الروايات وما فيها من الاهتمام والحرص بجمع القرآن أولا بأول.

٣ ـ كانوا يعملون على جمع القرآن في عصر النبوة

عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم نؤلف القرآن من الرقاع إذ قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم :طوبى للشام! فقلنا : لأي شيء ذاك؟ فقال : لأن ملائكة الرحمان باسطة أجنحتها عليهم. (١)

هذه الرواية صريحة في أن الصحابة كانوا يؤلفون القرآن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الرقاع التي دون عليها القرآن بإملائه صلى الله عليه وآله وسلم ، فالرقاع كانت المحطة الأولى من التدوين ، أو قل كانت الرقاع مسودة يكتب فيها ما يملى عليهم ومن ثم ينقلون ما فيها مرتبا إلى المصحف المؤلف.

قال الحاكم النيشابوري تعليقا على هذه الرواية : عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم نؤلف القرآن من الرقاع. وفيه الدليل الواضح أن القرآن إنما جمع في عهد رسول الله

__________________

(١) المستدرك ٢ : ٢٤٩ ، ح ٢٩٠٠، ح ٢٩٠١ (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ، شعب الإيمان للبيهقي ٢ : ٤٣٣ ، ح ٢٣١١ تحقيق أبي هاجر ز غلول ط. دار الكتب العلمية ، مسند أحمد ٥ : ١٨٤،ح ٢١٦٤٧ ،سنن الترمذي ٥ :٧٣٤ ،٣٩٥٤.

٣٦٦

صلى الله عليه [وآله] وسلم. (١)

وهذا الاهتمام بتدوين وتأليف القرآن ن الرقاع مع كون البعض قد ختم القرآن كله في عهده صلى الله عليه وآله وسلم سينتج لنا بطبيعة الحال مصحفا مجموعا كاملا عند انتهاء نزول القرآن.

روايات أهل السنة في ختم الصحابة للقرآن في عصر النبوة

وهاك بعض الروايات في أن الصحابة قد ختمواالقرآن في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

أخرج ابن النجار في تاريخه عن رزين بن حصين رضي الله عنه قال : قرأت القرآن من أوله إلى آخره علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما بلغت الحواميم قال لي : قد بلغت عرائس القرآن ، فلما بلغت اثنتين وعشرين آية من (حم عسق) (٣). بكى ثم قال : اللهم إني أسألك إخبات المخبتين ، وإخلاص الموقنين ، ومرافقة الأبرار ،واستحقاق حقائق الإيمان والغنيمة من كل بر ، والسلامة من كل إثم ، ورجوت رحمتك والفوز بالجنة والنجاة من النار ، ثم قال : يا رزين! إذا ختمت فادع بهذه فإن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أمرني أن أدعو بهن عند ختم القرآن. (٣)

عن عباد أبي الأخضر عن خباب عن نبي الله صلى الله عليه [وآله]

__________________

(١) المستدرك ٢ : ٦٦٨ ، ح ٤٢١٧ (هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه).

(٢) الشورى :١ ـ ٢.

(٣) الدر المنثور ٦ : ٤ ـ ٥.

٣٦٧

وسلم أنه لم يأت فراشه قط إلا قرأ (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُون) (١) حتى يختم. (٢)

__________________

(١) الكافرون : ١.

(٢) المعجم الكبير ٤ : ح ٣٧٠٨ ، أقول : هذه الرواية فيها نحو دلالة على أن المصحف كان آخره مجموعا ومرتبا على ما نحن عليه من كون سورة الكافرين في آخر سور القرآن ، وهناك بعض الروايات المشيرة لهذه المسألة : ففي سنن الترمذي ٢ : ١٠٨ ، ح ٣٠٦ (باب ما جاء في القراءة في صلاة الصبح) : ((وروي عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أنه قرأ في الصبح بالواقعة ، وروي عنه أنه كان يقرأ في الفجر من ستين آية إلى مثة وروي عنه أنه قرأ (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت‏) (تكوير : ١). وروي عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في الصبح بطوال المفصل)). قال الترمذي : ((وعلى هذا العمل عند أهل العلم ، وبه قال سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي))، أقول : وهذا يدل على أن سور المفصل كانت معروفة قبل أن يجمع المصحف في زمن عثمان على هذه الهيئة ، ولا مجال إلا للقول بجمعه بإشراف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن جمع أبي بكر لم يظهر للناس. وأيضا في سنن الترمذي ٢ : ١١٠، ح ٣٠٧ (باب ما جاء في القراءة في الظهر والعصر) و ٢ : ١١٢ ، ح ٣٠٨ (باب ما جاء في القراءة في المغرب) : ((وروي عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في الظهر بأوسط المفصل ، ورأي بعض أهل العلم أن القراءة صلاة العصر كنحو القراءة في صلاة المغرب يقرأ بقصارالمفصل)) ، أقول: واضح أن هذا الترتيب المشتهر بين الصحابة لا مجال له إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي أمر بترتيبه ، وإلا لو ترك كل صحابيليرتب مصحفه على مزاجه لما عرف المفصل من غيره ، وكل هذا يدل على أن القرآن جمع بإشرافه صلى الله عليه وآله وسلم.

٣٦٨

عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال له : اقرأ القرآن في أربعين. (١)

عن سعد بن المنذر الأنصاري أنه قال : يا رسول الله أقرأ القرآن في ثلاث؟ قال : نعم ، قال وكان يقرأون حتى توفي. (٣)

وعن عثمان بن عمرو بن أوس عن أبيه قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم في وفد ثقيف فكان يخرج إلينا فيحدثنا ، فأبطأ علينا ذات ليلة ، فقلنا يا رسول الله لقد أبطأت علينا. فقال : إنه طرأ على حزبي من القرآن فكرهت أن أقطعه حتى أفرغ منه ، فلما أصبحنا سألنا أصحاب رسول صلى الله عليه [وآله] وسلم : كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا : ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشرة ، وما بين (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجيد) (٣). إلى آخر المفصل حزب. (٤)

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ : ١٩٧ ، ح ٢٩٤٧ (قال أبو عيسي هذا حديث حسن ، وروى بعضهم عن معمر عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه أن النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم أمر عبد الله بن عمرو أن يقرأ القرآن في أربعين).

(٢) مجمع الزوائد ٧ : ١٧١ ـ ١٧٢ (باب في كم يقرأ القرآن) رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف. وذكره في ١ : ٢٦٩ (باب ثان في كم يقرأ في الليل) وعلق عليه (رواه أحمد والطبراني في الكبير إلا أنه قال نعم إن استطعت ، وفيه ابن لهبعة وفيه كلام).

(٣) ق : ١.

(٤) مجمع الزوائد ٢ : ٢٦٩ وعلق عليه (رواه الطبراني في الكبير).

٣٦٩

وهذه الرواية واضحة في أن الصحابة كانوا قد جمعوا القرآن في زمن رسول الله صبى الله عليه وآله وسلم ، وإلا فهل لتخريب القرآن وتقسيمه إلى مفصل وغيره معنى سوى أنه كان مرتبا ومنسق السور بضمها بعضها إلى بعض؟!

وعن قيس بن صعصعة أنه قال : يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال : في خمس عشرة. قال : إني أجدني أقوى من ذلك. قال في جمعة. قال : إني أجدني أقوى من ذلك. قال : فمكث كذلك يقرأه زمانا حتى كبر وكان يعصب على عينيه ثم رجع فكان يقرأه في خمس عشرة ، فقال : يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم الأولى. (١)

عن عبد الله بن عمرو قال قلت : يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال : اختمه في شهر. قلت : إني أطيق أفضل من ذلك ، قال اختمه في عشرين ، قلت : إني أطيق أفضل من ذلك ، قال اختمه في خمسة عشر. قلت : إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : اختمه في عشر ، قلت : إني أطيق أفضل من ذلك ، قال اختمه في خمس ، قلت : إني أطيق أفضل من ذلك!قال : فما رخص لي. (٣)

__________________

(١) مجمع الزوائد ٢ : ٢٦٩. وعلق عليه (رواه الطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه كلام).

(٢) سنن الترمذي ٥ : ١٩٦ ، ح ٢٩٤٦ وعلق عليه (قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه يستغرب من حديث أبي بردة عن عبد الله بن عمرو ، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عبد الله بن عمرو ، وروي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال : لم يفقهمن قرأ القرآن في أقل من ثلاث. وروي عن عبد الله بن عمرو

٣٧٠

عن عبد الله بن عمرو قال : جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال : إني أخشى أن يطول عليك زمان أن تمل. (١)

سمعت عكرمة بن سليمان يقول : قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت الضحى قال لي : كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم ، فإني قرأت على عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك ، وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك ، وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك ، وأخبره أبي أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أمره بذلك. (٣)

وهذه تدل على أن الضحى كانت في أواخر سور القرآن في زمن النبي

__________________

أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال له: اقرأ القرآن في أربعين. قال إسحاق بن إبراهيم : ولا نحب للرجل أن يأتي عليه أكثر من أربعين ولم يقرأ القرآن لهذا الحديث. وقال بعض أهل العلم : لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث للحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم) ، شعب الإيمان للبيهقي ٢ : ٣٩٤ ، ح ٢١٦٦.

(١) الفتح الرباني مع مختصر شرحه بلوغ الماني ١٨ :١٨ لأحد عبد الرحمان البنا ط. دار الشهاب القاهرة.

(٢) شعب الإيمان للبيهقي ٢ : ٣٧١ ، ح ٢٠٧٩ تحقيق أبي هاجر زغلول ط. دار الكنب العلمية. علق عليه المحقق (أخرجه البيعقي من طريق الحاكم في المستدرك ٣ : ٣٠٤ وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله : البزي قد تكلم فيه).

٣٧١

صلى الله عليه وآله وسلم كما هي عندنا الآن.

عن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : من صلى صلاة فريضة فله دعوة مستجابة ، ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة. (١)

قرأ ابن عباس على أبي ، فلما ختم ابن عباس قال : استفتح بالحمد ، وخمس آيات من البقرة ، هكذا قال لي النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم حين ختمت عليه. (٣)

أقول علماء أهل السنة في ختم القرآن في عصر النبوة

قال ابن حزم : مسألة : ويستحب أن يختم القرآن كله مرة في كل شهر ،

__________________

(١) المعجم الكبير للطبراني ١٨ : ٢٥٩ ، ح ٦٤٧ ، وهو في مجمع الزوائد المجلد الرابع ٧ : ١٧٢ (باب الدعاء عند ختم القرآن) ، والإتقان ١ : ١١١ ، والنشر في القراءات العشر ٢ : ٤٠٢.

(٢) النشر ٢ : ٤٤٠ ـ ٤٤١ بأسانيد عدة ، أقول : هذه الروايات تدفع إشكال عدم معقولية جمع القرآن كاملا في حياته صلى الله عليه وآله وسلم لأن القرآن كان ينزل منجما فكيق يجمع وهو لم ينزل بعد! ، وواضح أنه يكفي أن يجمع في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يصدق أنه جمع في حياته صلي الله عليه وآله وسلم ، وهذه الروايات تصرح أنهم ختموا القرآن في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا مانع من أن يجمع القرآن شيئا فشيئا إلى أن يكمل في آخر حياته صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا المعنى جمع القرآن الذي نقصده ، نعم القول بأنهم لم يجمعوا القرآن بتمامه إلى زمن قريب من وفاته صلى الله عليه وآله وسلم قول صحيح ، ولكن هذا لا يمنع من كتابهم الآيات أولا بأول بإشراف منه صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن ينتهي نزول الآيات فينتهي حينها جمع المصحف.

٣٧٢

فان ختمه في أقل فحسن. ويكره أن يختم في أقل من خمسة أيام ، فان فعل ففي ثلاثة أيام لا يجوز أن يختم القرآن في أقل من ذلك. ولا يجوز لأحد أن يقرأ أكثر من ثلث القرآن في يوم وليلة. برهان ذلك ما حدثناه ـ بسنده ـ عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((اقرأ القرآن في شهر ، قلت إني أجد قوة ، قال : فاقرأه في عشرين ليلة ، قلت اني أجد قوة ، قال فاقرأه في سبع ، لا تزد على ذلك)) وبسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص : أنه قال لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((في كم أقرأ القرآن؟ قال : في شهر)) ثم ذكر الحديث ، وفيه أنه عليه السلام قال له : ((أقرأه في سبع ، قال : إني أقوى من ذلك ، قال عليه السلام : لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) (١).

قال ابن كثير : ثم روى البخاري ومسلم وأبو داود من حديث يحيى أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمان مولى أبي هريرة عن أبي سلمة قال : واحسبني سمعت أنا من أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال : قال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : اقرأ القرآن في شهر. قلت : إني أجد قوة ، قال : فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك.

فهذا السياق ظاهره يقتضي المنع من قراءة القرآن في أقل من سبع ، وهكذا الحديث الذي رواه أبو عبيد ـ بسنده ـ عن قيس بن صعصعة أنه قال للنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال : ((في

__________________

(١) المحلى بالآثار لابن حزم ٣ : ٥٣ مسألة ٢٩٤.

٣٧٣

كل خمس عشرة. قال : إني أجدني أقوى من ذلك قال : ففي كل جمعة ـ إلى قوله ـ ولكن دلت أحاديث أخر على جواز قراءته فيما دون ذلك ، كما رواه الإمام أحمد في مسنده ـ بسنده ـ عن سعد بن المنذر النصاري أنه قال : يا رسول الله أقرأ القرآن في ثلاث؟ قال نعم. قال : فكان يقرأ حتى توفي ، وهذا إسناد جيد قوي حسن)). (١)

قال الشيخ البنا : عن عبد الله بن عمرو أن رجلا أتي النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بابن له فقال : يا رسول الله إن إبني هذا يقرأ المصحف بالنهار ويبيت بالليل ، فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((ما تنقم أن ابنك يظل ذاكرا ويبيت سالما)).

وقال في شرحه : إن معنى (يقرأ المصحف بالنهار) ظاهره أنه كان يختم القرآن في يوم وينام بالليل فأنكر عليه والده فعله وشكاه إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ؛ لأنه لم يفعل إلا ما يوجب الثناء عليه ، وفيه جواز ختم القرآن في اليوم لمن لم يخل بالقراءة والله أعلم (٣) ، وكذا قال الكثير ممن شرحوا تلك الروايات من علمائهم.

٤ ـ بعض الصحابة أتموا جمع القرآن في عصر النبوة

عن قتادة عن أنس رضى الله تعالى عنه جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أربعة كلهم من الأنصار ، أبي بن كعب ومعاذ بن

__________________

(١) فضائل القرآن لابن كثير : ٧٩.

(٢) الفتح الرباني مع مختصر شرحه بلوغ الأماني لأحمد البنا ١٨ : ١٨ ط. دار الشهاب القاهرة.

٣٧٤

جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد ، قلت لأنس : من أبو زيد؟ قال أحد عمومتي. (١)

عن أنس بن مالك قال : مات النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة ، أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد قال : ونحن ورثناه. (٣)

أقول : قوله (نحن ورثناه) نص صريح في أن الجمع الذي قصده أنس هو الجمع التقليدي في الصحف وعلى ظهر الرقاع ، لا كما قال أهل السنة من أن جمع هؤلاء كان بمعنى الجمع في الصدور ، إذ كيف يصح توريث ما هو محفوظ في الصدور؟!

٥ ـ المصحف موجود في عصر النبوة

الروايات الآتية تتعارض مع قولهم إن أول جمع للمصحف كان في زمن أبي بكر إذ فيها أن لفظ المصحف ، كان متداولا في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا معناه وجود كيان جمعي للقرآن منسق ومرتب الصحفات ، وهذا

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ٢٢٨ ، ح ٣٥٩٩ ، صحيح مسلم ٧ : ١٤٩ و ١٥٠ ، السنن الكبرى ٦ : ٢١١ ، سنن الترمذي ٥ : ٣٣١ ، مسند أحمد ٣ : ٢٣٣، ٢٧٧.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ١٠٣ ، صحيح مسلم ٤ : ١٩١ ، الاتقان ١ : ٧٠ عن ابن جريرو البخاري ، فتح الباري ٩ : ٤١ ـ ٤٢ ، تفسير ابن كثير ٤ : ٢٨ نقلا عن صحيح مسلم ، البرهان لزركشي ١ : ٢٤١ ، أقول : وليس هؤلاء فقط من جمع المصحف في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ، وسيأتي ذكر البقية في ضمن كلمات علمائهم الآتية.

٣٧٥

هو محل النزاع سواء أكان الجمع بتمام الآيات أو ببعضها ، فإن تحقق هيئة المصحف المنسق الورق ، والمرتب السور هو حقيقة الجمع كما أكدنا عليه مرارا ، وهذه الروايات تدل عليه :

عن عثمان بن عبدالله بن أوس الثقفي عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : قراءة الرجل القرآن في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف يضاعف على ذلك إلى ألفي درجة. (١)

عن سلمة وهو ابن الأكوع أنه كان يتحرى موضع مكان المصحف يسبح فيه ، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كان يتحرى ذلك المكان ، وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر شاة (٣) ، ولا ريب في أنه كان يتحراه لكونه مكانا للمصحف.

__________________

(١) المعجم الكبير للطبراني ١ : ٢٢١ ، ح ٦٠١ ، وقد ذكر في الجامع الكبير للسيوطي ١٢ : ٣٩٣٠ ، ح ٢٨٤ ، وعلق عليه بأنه قد صحح ، وابن عدي في الكامل ٧ : ٢٤٥٤ ، والهيثمي في مجمع الزائد ٧ : ١٦٥ (كتاب التفسير) باب (القراءة في المصحف وغيره) ، والبيهقي في شعب الإيمان ٢ : ٤٠٧ ، ح ٢٢١٧ و ، ح ٢٢١٨ ، الموسوعة الفقهية ١٣ : ٢٥٧ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (الكويت).

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٥٩ وأخرجه البخاري في صحيحه ١ : ١٢٧ بأدنى اختلاف ، وابن ماجة ١ : ٤٥٩ والسنن الكبرى للبيهقي ٢ : ٢٧١ ، والطبراني في المعجم الكبير ٧ : ٣٤ ، ح ٦٢٩٩ بلفظ (عن سلمة بن الأكوع أنه كان يتحرى موضع المصحف يسبح فيه ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كان يتحرى ذلك المكان).

٣٧٦

عن عبد الله بن عمرو أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بابن له فقال : يا رسول الله إن ابني هذا يقرأ المصحف بالنهار ويبيت بالليل! فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((ما تنقم أن ابنك يظل ذاكرا ويبيت سالما)) (١).

عن نافع عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ينهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو (٣).

استدل بعض علماء أهل السنة على أن المقصود هنا هو المصحف بتمام الآيات القرآنية لا ببعضها ، قال الإمام أبو المحاسن الحنفي:

عن النافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو ، وهو من كلام النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لا من كلام الراوي فإنه روي فأني أخاف أن يناله العدو. وقد اختلف أهل العلم في السفر به إلى أرض العدو ، فابو حنيفة وصاحباه ذهبوا إلى إباحته ، وبعضهم إلى كراهته منهم مالك ، وعن محمد : إن

__________________

(١) مسند أحمد ٢ : ٢٧٠ ، وعنه في مجمع الزوائد للهيثمي ٢ : ٢٧٠.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٧ : ٢٦٦ ن ح ٥٤٥ ، علق عليه أحمد محمد شاكر (إسناده صحيح) ، وقد روي بلفظ آخر في سنن أبي داود ١ : ٥٨٧ (باب المصحف يسافر به إلى أرض العدو) : ((عن أن عبد الله بن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو)) ، قال مالك : أراه مخافة أن يناله العدو. وهو في شعب الإيمان ٢ : ٤٢٦ ، ح ٢٢٨٨، ح٢٢٨٩.

٣٧٧

كان مأمونا عليه من العدو فلا بأس ، وإن كان مخوفا عليه فلا ينبغي أن يسافر به إليهم ، وهذا أحسن الأقوال وعليه يحمل القول الأول منهم ، وما روي عن ابن عباس أنه قال : أخبرني أبوسفيان بن حرب من فيه إلى في : أن هو قل دعا لهم بكتاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقرأ فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى‏ كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُم‏) (١) ، ليس بمعارض لنيهه صلى الله عليه [وآله] وسلم من المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو ، لأن محمل النهي السفر بمجملة القرآن وما في كتابه صلى الله عليه [وآله] وسلم إنما هو بعضه ، فالجمع بينهما بإباحة السفر بلأجزاء التي فيها من القرآن بعضه وبالكراهة في السفر بكليته ؛لیهم عند خوفهم عليه (٢) ، فيكون معنى الحديث نهي الصحابة عن السفر بالمصحف كاملا إلى أرض العدو.

عن أبي أمامة الياهلي قال : لما كان في حجة الوداع قام رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وهو يومئذ مردف الفضل بن العباس على جمل آدم فقال : يا أيها الناس خذوا من العلم قبل أن يقبض العلم وقبل أن يرفع العلم وقد كان أنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ

__________________

(١) أل عمران : ٦٤

(٢) معتصر المختصر ١ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧.

٣٧٨

لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَليم) (١). قال : وكنا قد كرهنا كثيرا من مسألته واتقينا ذلك حين أنزل الله عزوجل ذلك على نبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم، قال فأتينا أعرابيا فرشوناه برداء فاعتم به قال حتى رأيت حاشية البرد خارجة من حاجيه الأيمن ، قال : ثم قلنا له : سل النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، قال فقال له : يا نبي الله كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف ، وقد تعلمنا ما فيها وعلمناها نساءنا وذرارينا وخدمنا؟! قال : فرفع النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم رأسه وقد علت وجهه حمرة الغضب ، قال فقال : أي ثكلتك أمك ، وهذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف لم يصبحوا يتعلقوا منها بحرف مما جاءتهم به أنبياؤهم ، ألا وإن ذهاب العلم أن يذهب حملته ، ثلاث مرار. (٢)

عن أبي محرز أن عثمان بن أبي العاص وفد إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم مع ناس من ثقيف ، فدخلوا على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقالوا له إحفظ علينا متاعنا أو ركابنا. فقال : على أنكم إذا خرجتم انتظرتموني حتى أخرج من عند رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم. قال : فدخلت على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فسألته مصحفا كان عنده فأعطانيه واستعملني عليهم وجعلني إمامهم وأنا أصغرهم. (٣)

__________________

(١) المائدة : ١٠١.

(٢) مسند أحمد ٥ : ٢٦٦ ، وهو في مجمع الزوائد ١ : ١٩٩.

(٣) المعجم الکبیر للطبرانی ٩ : ٦١ ، ح ٨٣٩٣.

٣٧٩

عن عمر بن عبد العزيز ، عن أبي الوازع ذريح بن الوازع عن أبيه وكانت له صحبة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((النظر إلى المصحف عبادة)). (١)

حدثنا جعفر بن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين ـ عليهم السلام ـ عن ابن عباس قال : ((كانت المصاحف لا تباع ، كان الرجل يأتي بورقة عند النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فيقوم الرجل فيحتسب فيكتب ، ثم يقوم آخر فيكتب ، حتى يفرغ من المصحف)). (٣)

أقول : الرواية دالة على وجود ورق للكتابة ، فلا حاجة إذن لجريد النخل والأحجار الرقيقة والعظام وغيرها من الأمور الغريبة التي ادعوها ،

__________________

(١) الإصابة في تمييز الصحابة ٦ : ٥٩٣ ت ٩٠٩٦ وعلق عليه ابن حجر (قلت ولهذا المتن طرق أخرى أوردها أبو نعيم من حديث عائشة بسند واه ولفظه كتاب الله بدل المصحف) ، أقول : لا يشكل بأن هذه الروايات بصدد الكلام عن قضية كلية ، أى أن المصحف المقصود هو المصحف كحقيقة ستوجد بين المسلمين فيما بعد ، وذلك لأن سكوت الصحابة عن طلب معنى كحقيقة ستوجد بين المسلمين فيما بعد ، وذلك لأن سكوت الصحابة عن طلب معنى هذه الحقيقة التى تتعلق بها بعض الأحكام ـ كعدم السفر واستحباب النظر وغيرهما ـ أمر غير معقول بعدم معهوديتهم بهذه الحقيقة ، نعم لفظ (مصحف) لا يثبت أنه الجمع الكامل للقرآن ، وهذا لا ضير فيه ، لأنا قلنا : إن جمع القرآن يكفي فيه ترتيب السور والآيات في ملزمة وتضاف إليها الآيات واحدة تلو الخرى بعد نزولها ، وأما كونه جمع كاملا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يستفاد من لفظ (مصحف) بل لأدلة أخرى وقد بينا بعضها.

(٢) السنن الكبرى للبيهقي ٦ : ١٦.

٣٨٠