إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

في الكافر ، فلا يولونه ولاية ، ولا يفكونه من عدو ، ولا يعطونه شيئا من بيت المال ، ولا يقبلون له شهادة ، ولا فتيا ولا رواية ، ويمتحنون الناس عند الولاية والشهادة والافتكاك من الأسر وغير ذلك ، فمن أقر بخلق القرآن حكموا له بالإيمان ومن لم يقر به لم يحكموا به بحكم أهل الإيمان ، ومن كان داعيا إلى غير التجهم قتلوه أو ضربوه وحسبوه ، ومعلوم أَن هذا من أغلظ التجهم فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من قولها ، وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من مجرد الدعاء إليها ، والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب ، ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر ، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم ، فإن الستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع ، وهذه الأقول والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفّروا المعينين من الجمهية الذين كانوا يقولون : إن القرآن مخلوق وان الله لا يرى في الآخرة (١).

__________________

(١) وقال أيضاً١٢ : ٤٩٨ : (والأصل الثاني : إن التكفير العام كالوعيد العام يجب القول بإطلاقه وعمومه ، وأما الحكم على المعين بأنه كافر أو مشهود له بالنار ، فهذا يقف على الدليل المعين ، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه).

أقول : إن الوهابية علاوة على مخالفتهم لأئمتهم في تعميم الكفر على المشتبه الذي لم يقم عنده دليل على شرعية ما أنكره ، فقد تجاوز أمرهم واستفحل حتى كفروا المعين من العلماء بل كفروا بعض علماء أهل السنة بأسمائهم كأحد المشهورين في زماننا فقط؛ لأنه طعن في نتائج انتخابات الرؤساء التي تصل إلى٩, ٩٩% فقال : لو انتخب الله عزّ وجلّ بعظمته رئيسا

٨١

والدليل على هذا الأصل الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار ، أما الكتاب فقوله سبحانه وتعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ) (١). وقوله : (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (٣). وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم أن الله تعالى قال : قد فعلت لما دعا النبي والمؤمنون بهذا الدعاء.

وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال : أعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش ، وأنه لم يقرأ بحرف منها إلاّ أعطيه. وإذا ثبت بالكتاب المفسر بالسنة أن الله قد غفر لهذه الأمة الخطأ والنسيان ، فهذا عام عموما محفوظا ، وليس في الدلالة الشرعية ما يوجب أن الله يعذب من هذه الأمة مخطئا على خطئه ، وان عذب المخطئ من غير هذه الأمة ، وأيضا قد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال : إن رجلا لم يعمل خيرا قط ، فقال لأهله : إذا مات فأحرقوه ثم ذروا نصفه في البر ونصفه في البحر ، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ، فلما مات الرجل فعلوا به كما أمرهم ، فأمر الله البر فجمع ما فيه ، وأمر البحر فجمع ما فيه فإذا هو قائم بين

__________________

لأهل الأرض لما وافق أهلها عليه بهذه النتيجة ، فأطلق أحد مشايخ الوهابية حكمه فقال : إن لم يرجع فهو كافر!

(١) الأحزاب : ٥.

(٢) البقرة : ٢٨٦.

٨٢

يديه ، ثم قال : لم فعلت هذا؟ قال : من خشيتك يا رب ، وأنت اعلم. فغفر الله له.

وهذا الحديث متواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، رواه أصحاب الحديث والأسانيد من حديث أبي سعيد وحذيفة وعقبة بن عمرو وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وجوه متعددة ، يعلم أهل الحديث انها تفيدهم العلم اليقيني ، وإن لم يحصل ذلك لغيرهم ممن لم يشركهم في أسباب العلم ، فهذا الرجل كان قد وقع له الشك والجهل في قدرة الله تعالى على إعادة ابن آدم بعد ما أُحرق وذرَّ ، وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك ، وهذان أصلان عظيمان ، أحدهما متعلق بالله تعالى وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير ، والثاني متعلق باليوم الآخر ، وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت ويجزيه على أعماله ، ومع هذا فلما كان مؤمنا بالله في الجملة ومؤمنا باليوم الآخر في الجملة ، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت وقد عمل عملا صالحا ، وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح (١).

ومن كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه : ومنهم من قال : المسائل الأصولية هي ما كان عليها دليل قطعي والفرعية ما ليس عليها دليل قطعي. قال أولئك : وهذا الفرق خطأ أيضا ، فان كثيرا من المسائل العلمية عليها أدلة قطعية عند من عرفها وغيرهم لم يعرفها ، وفيها ما هو قطعي بالإجماع كتحريم المحرمات ووجوب الواجبات الظاهرة ، ثم لو أنكرها الرجل بجهل وتأويل لم

__________________

(١) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير١٢ : ٤٨٧ ـ ٤٩٣.

٨٣

یکفر حتی تقام علیه الحجة ، کما ان جماعة استحلوا شرب الخمر علی عهد عمر ، منهم قدامة وراوا انها حلال ولک تکفّرهم الصحابة حتی بینوا لهم خطاهم فتابوا ورجعوا ، وقد کان علی عهد النبي طائفة اکلوا بعد طلوع الفجر حتی تبین لهم الخیط الابیض من الخیط الاسود ولم یؤثمهم النبي صلی الله علیه وآله وسلم فضلا عن تکفیرهم وخطؤهم قطعی ، وکذلک اسامة بن زید قد قتل الرجل المسلم وکان خطؤه قطعیا ، وکذلک الذین وجدوا رجلا في غنم له ، فقال : انی مسلم فقتلوه ، وخذوا ماله کان مخطئا قطعا ، وکذلک الذین تیمموا الی الآباط وعمار الذی تمعک فی التراب للجنابة کما تمعک البدابة بل والذین اصابتهم جنابة فلم یتیمموا ولم یصلوا کانوا مخطئین قطعا.

واهل السنة لایبتدعون قولا ولا یکفرون من اجتهد فاخطا ، وان کان مخالفا لهم مستخلا لدمائهم ، کما لم تکفّر الصحابة الخوارج مع تکفیرهم لعثمان وعلي ومن والاهما واستحلالهم لدماء المسلمین المخالفین لهم.

وقال ابن تیمیة ایضا : وهذا من اقوال القدریة والمعتزلة وغیرهم التی خالفوا بها الکتاب والسنة واجماع السلف والعقل الصریح ، کما بسط في موضعه.

اقول : ومع ذلک لم یکفّر ابن تیمیة المعتزلة.

٨٤

كلمات علماء أهل السنة في عدم كفر من انكر سور وآيات القرآن باجتهاد منه

مرت كلمات علماء السنة في عدم تكفير من قال قولا اشتبه فيه ولو كان قوله كفرا في نفسه ، وهنا نذكر كلمات علماء السنة في عدم تكفير من اجتهد فأنكر آيات من القرآن أو ادعى نقصانه مشتبها :

وقال العلامة ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق : أنها ـ البسملة ـ من الفاتحه ومن كل سورة ، ونسب إلى الشافعي ووجه الأصح إجماعهم على كتابتها مع الأمر بتجريد المصحف ، وقد تواترت فيه ، وهو دليل تواتر كونها قرآنا ، وبه اندفعت الشبهة للخلاف ، وإنما لم يحكم بكفر منكرها؛ لأن إنكار القطعي لا يوجب الكفر إلاّ إذا لم يثبت فيه شبهة قوية ، فإن ثبتت فلا كما البسملة (١).

وقال أيضاء : ويكفر إذا أنكر آية من القرآن أو سخر بآية منه إلاّ المعوذتين ، ففي إنكارهما اختلاف والصحيح كفره ، وقيل لا ، وقيل إن كان عاميا يكفر وإن كان عالمالا (٣).

وكلامه واضح في وجود اختلاف بين الفقهاء في كفر من أنكر قرآنية هاتين السورتين ، وواضح أن سبب قول بعض فقهائهم أن العالم لا يكفر إن أنكر هما بخلاف العامي؛ لأن العالم يطلع على الروايات التي وردت في المعذوتين وموقوف ابن مسعود من إنكارهما ، فتنشأ عنده شبهة في كونهما من

__________________

(١) البحر الرائق١ : ٣٣٠ ـ ٣٣١.

(٢) البحر الرائق٥ : ١٣١.

٨٥

القرآن أم لا ، لذلك لا يكفر ، بخلاف العامي الذي لا مكان للاشتباه عنده وهذه هي القاعده التي يقولها الشيعة.

وكذا نقل لنا الإمام البروسوي قول الإمام ابن عوض الحنفي وغيره من العلماء في عدم تكفير من أنكر المعوذتين لنفس السبب الذي ذكرناه سابقا وهو حصول الشبهة لدى المنكر سببها إنكار ابن مسعود لهما ، قال :

وفي نصاب الاحتساب (١) : لو أنكر آية من القرآن سوى المعذوتين يكفر انتهي. (٣)

وفي الأكمل عن سفيان بن سختان قال : من قال : إن المعوذتين ليستا من القرآن لم يكفر لتأويل ابن مسعود رضي الله عنه كما في المغرب للمطرزي.

وقال في هدية المهدين : وفي إنكار قرآنية المعوذتين اختلاف المشايخ والصحيح أنه كفر ، انتهى (٣).

وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : فإن قيل : إذا قلتم إنها ـ البسملة ـ ليست بقرآن هل تكفّرون من قال : إنها قرآنا ، كما تكفّرون من جعل : قفا

__________________

(١) راجع كشف الظنون للقسطنطيني الحنفي٢ : ١٩٥٣ ، إنكار ابن مسعود للمعوذتين سيأتي الكلام عنه بإذنه تعالى.

(٢) روح البيان١٠ : ٥٤٦ط دار إحياء التراث.

(٣) المصدر السابق.

أقول : هذه المصنفات لعلماء من أهل السنة قد أغفلها الدهر ، فيتضح أن الاقتصار على المصنفات الموجودة بين أيدينا للحكم بخلو فرقة ما من رأي معين أمر غير صحيح.

٨٦

نبك قرآناً؟ قيل : هذا يلزم على قول من يكفر من قال إنها ليست منه ، وهذا ليس بصحيح ولا مرضي ، بل كل من أثبتها آية من القرآن مخطئ ذاهب عن الحق ولم يجب تكفيره؛ لأن النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم أمر بكتابتها في فواتح السور ، وجهره بها تارة ، فوجوب تخطئته لأجل تركه تأمل حال عادته صلى الله عليه[وآله] وسلم في إلقاء القرآن ، وأنه يلقيه إلقاء شائعا ذائعا فكان مخطئا في هذا الوجه متأولاً ضربان من التأويل لا يُصيّره بمثابة من ألحق بالقرآن ما علم ضرورة من أنّ الرسول صلى الله عليه[وآله] وسلم قال قولا ظاهرا إنها ليست من القرآن وأشاع ذلك إشاعة تكفّر من ردّها (١)

وقال العلامة محي الدين النووي في المجموع : وأجمعت الأمة على أنه لا يكفر من أثبتها ـ البسملة ـ ولا من نفاها؛لاختلاف العلماء فيها ، بخلاف ما لو نفى حرفاً مجمعاً عليه أو أثبت ما لم يقل به أحد ، فإنه يكفر بالإجماع (٣).

أقول : إن كان تضارب روايات البسملة عندهم كفيلاً في تحقق الشبهة المانعة من التكفير فلا ريب في تحققها عند بعض الكلمات من القرآن.

وهذا ما ذكره البيهقي في سننه الكبرى : قالوا والذي روينا عن الشافعي

__________________

(١) نكت الانتصار لنقل القرآن٧٩.

(٢) المجموع٣ : ٢٨١ ، إعانة الطالبين١ : ١٣٩ ، عون المعبود٢ : ٣٥٣ ، نيل الأوطار للشوكاني٢ : ٢٠٨ ط الحلبي الثانية.

أقول : قول النووي الاخير ستأتي مناقشته بإذنه تعالى.

٨٧

وغيره من الائمة من تكفير هؤلاء المبتدعة فإنما أرادوا به كفرا دون كفر هو كما قال الله عزّ وجلّ : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (١) ، قال ابن عباس : إنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه ، إنه ليس بكفر ينقل عن ملة ولكن كفر دون كفر.

قال الشيخ رحمه الله : فكأنهم أرادوا بتكفيرهم ما ذهبوا إليه من نفي هذه الصفات التي أثبتها الله تعالى لنفسه ، وجحودهم لها بتأويل بعيد مع اعتقادهم إثبات ما أثبت الله تعالى فعدلوا ، عن الظاهر بتأويل ، فلم يخرجوا به عن الملة وإن كان التأويل خطأ ، كما لم يخرج من أنكر إثبات المعوذتين في المصاحف كسائر السور من الملة لما ذهب إليه من الشبهة ، وإن كانت عند غيره خطأ (٣).

وكلامه الأخير نص صريح ، ولا يحتاج إلى تعليق حتى أن شيخ الوهابية ابن تيمية نص على عدم تكفير من أنكر قرآنا ثابتا لاشتباهه ولعدم قيام الدليل لدى المنكر ، كتواتر قرآنية السورة والآية ، وحال هذا المنكر للقرآن في عدم تكفيره عند ابن تيمية حال بعض الصحابة والتابعين الذين أنكروا بعض نصوص القرآن الثابتة بالتواتر؛ لعدم قيام الحجة لديهم ، نقدم أولا كلامه عن عدم تكفير من اشتبه وادعى أن بعض ما في القرآن ليس من كلام الله عزّ وجلّ :

__________________

(١) المائدة : ٤٤.

(٢) السنن الكبرى للبيهقي١٠ : ٢٠٧ ، ح٢٠٦٨٨.

٨٨

ولا ريب أن من قال : إن أصوات العباد قديمة فهو مفتر مبتدع له حكم أمثاله ، كما أَن من قال : إن هذا القرآن ليس هو كلام الله فهو مفتر مبتدع له حكم أمثاله ، ومن قال : إن القرآن العربي ليس هو كلام الله ، بل بعضه كلام الله وبعضه ليس كلام الله مفتر مبتدع له حكم أمثاله (١) ، ومن قال : إن معنى آية الكرسي وآية الدين ، وقل هو الله أحدن وتبت يدا أبي لهب معنى واحد فهو مفتر مبتدع له حكم أمثاله ، وأما التكفير فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد وقصد الحق فأخطا لم يكفرن بل يغفر له خطأه ، ومن تبين له ماء به الرسول فشاقّ الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر (٣).

فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص ، فليس كل مخطئ ولا مبتدع ولا جاهل ولا ضال يكون كافرا ، بل ولا فاسقا ، بل ولا عاصيا ، لا سيما في مثل مسألة القرآن ، وقد غلظ فيها خلق من أئمة الطوائف المعروفين عند الناس بالعلم والدين ، وغالبهم يقصد وجها من الحق فيتبعه ويعزب عنه وجه آخر لا يحققه ، فيبقى عارفا ببعض الحق جاهلا بعضه بل منكرا له (٣).

وأفصح ابن تيمية عما في صدره حينما استدل على عدم جواز تكفير من أنكر نصوص القرآن الثابتة التي نقرؤها في صلاتنا ، لشبهة عرضت له أو

__________________

(١) فها هو ابن تيمية لم يكفر من ادعى التحريف بل بدّعه وضلّله فقط.

(٢) لاحظ تعليق الكفر على علم المنكر بصدور ما أنكره من الشرع.

(٣) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير١٢ : ١٧٩ ـ ١٨٠.

٨٩

لعدم ثبوتها عنده بالتواتر ، قال :

وأيضاً فإن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل ، واتفقوا على عدم التكفير بذلك ، مثل ما انكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي ، وأنكر بعضهم أن يكون امعراج يقظة ، وأنكر بعضهم رؤية محمد ربه ولبعضهمم في الخلافة والتفضيل كلام معروف ، وكذلك لبعضهم في قتال بعض ولعن بعض وإطلاق تكفير بعض أقوال معروفة ، وكان القاضي شريح يذكر قراءة من قرأ (بل عجبتَ) ويقول : إن الله لا يعجب ، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال : إنما شريح شاعر يعجبه علمه ، وكان عبد الله أفقه منه ، فكان يقول (بل عجبتُ) فهذا قد أنكر قراءة ثابتة ، وأنكر صفة دل عليها الكتاب والسنّة ، واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة ، وكذلك بعض السلف أنكر بعضهم حروف القرآن (١) ، من إنكار بعضهم قوله : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) (٣). وقال (٣) : إنما هي (أولم يتبين الذين آمنوا) ، وأنكر الآخر قراءة قوله : (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (٤). وقال (٥) : إنما هي : (ووصى ربك) وبعضهم (٦) كان حذف المعوذتين ، آخر (١) يكتب سورة القنوت.

__________________

(١) وهذا اعتراف صريح منه بإنكار السلف بعض أحرف من القرآن.

(٢) الرعد : ٣١.

(٣) وسيأتي بيان أن هذا المنكر هو حبر الأمة ابن عباس.

(٤) الإسراء : ٢٣.

(٥) قصد الضحاك بن مزاحم ، كما سيأتي بإذنه تعالى.

(٦) قصد عالم القرآن عبد الله بن مسعود ، كما سيأتي بإذنه تعالى.

٩٠

وهذا خطأ معلوم بالإجماع والنقل المتواتر (٣) ، ومع هذا فلم يكن قد تواتر النقل عندهم بذلك لم يكفروا ، وإن كان يكفر بذلك من قامت عليه الحجة النقل المتواتر (٣) (٤).

وإلى هنا يتضع ما أرادته الوهابية من الشيعة ، يريدون من الشيعة تكفير بعض علمائهم سفاهة وعلى دين الوهابية! (٥) ، لا على مذهب أهل

__________________

(١) قصد سيد القراء أبي بن كعب ، كما سيأتي بإذنه تعالى.

(٢) فمن اعتراف ابن تيمية بإنكار سلفه لما هو موجود في مصاحفنا من القرآن نجده يقول : إن هذا من الخطأ ، وهذا بعينه ما نقمته الوهابية على الشيعة عندما قالوا بخطأ من قال منهم بتحريف القرآن ، مع أن شيخ إسلامهم ابن تيميه يقولها ، ولا من نكير! ناهيك عن أن إنكار هؤلاء السلف للقرآن أشنع وافظع ؛ لأنهم أنكروا الموجود وأضافوا غيره ، أي هو تحريف بالنقص وزيادة بخلاف بعض الشيعة الذين قالوا نقص منه فقط ، وعلى أي حال فالشيعة على مر الزمن يستضعفون بالباطل.

(٣) مجموع فتاوى ابن تيمية١٢ : ٤٩٢مطابع الرياض ط الأولى١٣٨٢ه.

(٤) وأوضح منه من ادعى سقوط شيء من القرآن ، ويرى أن وقوع التحريف في القرآن قد جاء به الشرع وتواترت فيه الأخبار ، ولا معنى لأن يثبت عندهم بالتواتر عدم كونها من القرآن فهي من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

(٥) ولا غرابة في ذلك فقد قامت الوهابية على أكتاف التكفير وسفك الدماء ، قال صديق بن حسن القنوجي في أبجد العلوم٣ : ١٩٤ وما بعدها : (قال الشيخ الإم العلامة محمد بن ناصر الحازمي الآخذ عن شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكانيك واشهر ما ينكر عليه ـ مبتدع الوهابية محمد بن عبد الوهاب ـ خصلتان كبيرتان :

٩١

__________________

الأولى : تكفر أهل الأرض بمجرد تلفيقات لا دليل عليها ، وقد انصف السيد الفاضل العلامة داود بن سليمان في الرد عليه في ذلك.

الثانية : التجاري على سفك الدم المعصوم بلا حجة ولا إقامة برهان ، وتتبع هذه جزئيات ـ إلى قوله ـ ثم لما تم للشيخ عبد العزيز ، واجتمع على الإسلام معه عصابة قوية صاروا يدعون من حولهم من القرى بالرغبة والرهبة ، ويقاتلون من حولهم من الأعراب ثم لما تمكن في قلوبهم الإسلام ، وهم عرب غنام قرر لهم إن من دعا غير الله أو توسب بنبي أو ملك أو عالم فإنه مشرك شاء أو أبي ، اعتقد ذلك أم لا ، وتعدى ذلك إلى تكفير جمهور المسلمين ، وقد قاتلهم بهذا الوجه الذي أبداه ـ إلى قوله ـ بعد بلوغها الشيخ الفاضل عبد الرحمان النجدي ، ووصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أشياء أنكر ما عليه من سفك الدماء ونهبه الأموال وتجاريه على قتل النفوس ولو بالاغتيال وتكفير الامة المحمدیة في جمیع الاقطار ، فبقی معنا تردد فیما نقله الشیخ عبدالرحمان ، حتی وصل الشیخ مربد وله نباهة ووصل ببعض رسائل ابن عبد الواهاب التی جمعها فی وجه تکفیر أهل الإيمان ، وقتلهم ونهبهم ، وحقق لنا أحواله وأفعاله وأقواله ، فرأينا أحوال رجل عرف من الشريعة شطراً ولم يمعن النظر ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية وبدله على العلوم النافعة ويفقهه فيها ، بل طالع بعضا من مؤلفات الشيخ أبي العباس ابن تيمية ومؤلفات تلميذه ابن القيم الجوزية ، وقلدهما من غير إتقان ، مع أنهما يحرمان التقليد ـ إلى قوله ـ ثم وقفت لهذا العهد على كتاب رد المحتار وحاشية الدر المختار للسيد محمد أمين بن عمر المعروف بابن العابدين بمصر حالا وكان في سنة ما لفظه : كما وقع في زماننا في أَتباع عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين ، وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة لكنَّهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وإن من خالف اعتقادهم مشرك

٩٢

السنة ولا على مذهب شيخهم ابن تيمية ، فضلا عن مذهب أهل البيت الذي تدين به الشيعة! ، ولا أزيدك علما أن الوهابية يستمز جون التكفير ويستهوونه ، وإنكانت رعونتهم في إطلاق كلمة الكفر مخالفة لنفس المذهب الذي ينتسبون له!

هل هناك شبهة قوية دعت للقول بتحريف القرآن؟!

وقد يتساءل البعض ، هل وجدت شبهة عند من قال بتحريف القرآن أم قال به استمزاجا وترفا واتباعا للهوى؟

قد بينا فيما سبق عدم قيام الدليل عندهم على صيانة القرآن من التحريف ، لا من القرآن الكريم ولا من السنة المطهرة ، وذكرنا كيف فهموا الآيتين وحديث الثقلين وأحاديث عرض السنة على كتاب الله عزّ وجلّ ، فهذا يعني أن المانع من اعتقاد التحريف مفقود عندهم ، وفي المقابل وردت كثير من الروايات التي تصرح وتلوح بحصول النقص في كتاب الله عزّ وجلّ وحذف بعض الكلمات منه ، وهذه الروايات جاءت متظافرة في كتب الفريقين المعتمدة ، كالبخاري ومسلم عند السنة ، والكافي عند الشيعة ، بل قالوا : إن هناك أخبارا ونبوءات من النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقول : إن هذه الأمة ستحرّف كتاب ربها ، وهذه الرواية أخرجها البخاري في صحيحه :

__________________

واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم ، حتى كسر الله شوكتهم وخرب بلادهم وظفرت بهم عساكر المسلمين عام ثلاثة وثلاثين ومئتين وألف) ، راجع كذلك خلاصة الكلام لفقيه الشافعية زيني دحلان ، وغيره ممن كتبوا عن الوهابية.

٩٣

عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم قال : لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قلنا : يا رسول الله! اليهود والنصارى؟قال : فمن؟! (١). فقالوا : إن هذه تدل على أن المسلمين سيقتفون أثر من كان قبلهم من اليهود والنصارى ولا يحيدون عن مسيرتهم ، ومن العلوم أن تحريف التوراةوالإنجيل من أهم السمات ابارزة في ما فعله اليهود والنصاري ، وهذا أمر يحتاج إلى إجابة! (٣)

قالوا أيضا : إن القرآن الكريم يدل على هذا المعنى في سورة النشقاق ويفي بالغرض نقل مقطع من تفسير ابن كثير :

وقوله تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ) (٣). قال البخاري ـ بسنده ـ : قال ابن عباس : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ) حالا بعد حال. قال هذا نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم. هكذا رواه البخاري بهذا اللفظ ، وهو محتمل أن يكون ابن عباس أسند هذا التفسير عن النبي صلى الله تعالى عليه[وآله] وسلم ، كأنه قال : سمعت هذا من نبيكم صلى الله عليه[وآله] وسلم ، فيكون قوله : (نبيكم) مرفوعا على الفاعلية من (قال) وهو الأظهر والله أعلم. كما قال أنس : لا يأتي عام إلاّ والذي بعده شر منه ، سمعته من نبيكم صلى الله عليه

__________________

(١) صحيح البخاري٣ : ١٢٧٤.

(٢) والشيعة يستطيعون الإجابة عليها ، وستأتي في مبحث جمع القرآن إن شاء الله تعالى.

(٣) الإنشقاق : ١٩.

٩٤

[وآله] وسلم.

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرنا أبو بشر عن مجاهد أن ابن عباس كان يقول : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ) قال : يعني نبيكم صلى الله عليه[وآله] وسلم يقول : حالا بعد حال. هذا لفظه وقال على بن أبي طلحة عن ابن عباس : طبقا حالا بعد حال. وكذا قال عكرمة ومرة والطيب ومجاهد واحسن والضحاك ومسروق وأبو صالح ، ويحتمل أن يكون المراد (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ) حالا بعد حال ، قال هذا يعني المراد نبيكم صلى الله عليه[وآله] وسلم.

وقال ابن إسحاق والسدي عن رجل عن ابن عباس : (طَبَقًا عَن طَبَقٍ) منزلا على منزل ، وكذا روى العوفي عن ابن عباس مثله وزاد : ويقال : أمرا بعد أمر وحالا بعد حال. وقال السدي نفسه : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ) أعمال من قبلكم منزلا بعد منزل. قلت ـ ابن كثير ـ : كأنه أراد معنى هذا الحديث الصحيح خ٣٤٥٦م٢٦٦٩ : لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا : يارسول الله! اليهود والنصارى؟ قال : فمن؟! ، وهذا محتمل (١).

وكل هذه الشبه مانعة من التكفير وتجتث أصوله من الأساس ، بل لا يتصور التكفير في مثل هذه الموارد؛ لأن هؤلاء بأدلتهم وشبههم التي تحتاج إلى ما يرفعها ويزيحها لا يريدون منها إلاّ بث الشكورى والتفجّع للمصاب

__________________

(١) تفسير ابن كثير٤ : ٤٩٠ ـ ٤٩١.

٩٥

والرزية التي طرات على كتاب الله عزّ وجلّ بزعمهم ، فهم في الحقيقة يريدون وجه الله عزّ وجلّ والدفاع عن كتابه وبيان ما تعرض له القرآن من تحريف وتلاعب ومظلومية ، ويحسبون أن قولهم السابق يوافق الأدلة الشرعية ولا يعارضها بل هم على يقين من ذلك ، فغاية ما يقال فيهم أنهم قد أخطؤوا وما أصابوا الحق في هذه المسألة (١) ، وكل هذا ينفي دعوى التكفير التي ترجع إلى إنكار شيء ، وهو يعلم أن الشريعة جاءت به ، فيكذب الله ورسوله. فإين هذا من ذاك؟!

نظرة في روايات التحريف عند الشيعة

كلمه حول مصادر تلك الروايات

المتأمل في الروايت التي استدل بها على وقوع التحريف لا يدل ظاهر

__________________

(١) الوهابية الذين تسيل أشداقهم لإطلاق كلمة الكفر لا تروق لهم هذه الكلمات التي تخضع للموازين الشرعية ، وتسير حسب القواعد العلمية ، وعلى أي حال فإن كلمات علماء أهل السنة واضحة تؤيد ما كتبناه ، وقد نقلنا نصوصهم سابقا ، فحتى ابن تيمية ـ كما سيأتي ذكره ـ يقول كما ذكرنا ، وهذا كلام إمامهم في القراءات مكي القيسي الذي يصف من يقصد تبديل القرآان ةتغييره بأنه قد غلط ، فقال في الإبانة في معاني القراءات : ٥ : (فهي إذا خارجة عن مراد عثمان وعن السبعة الأحرف ، والقراءاة بما كان هكذا خطأ عظيم ، فمن قرا القرآن بما ليس من الأحرف السبعة وبما لم يرد عثمان منها ولا من تبعه إذ كتب المصحف ، فقد غَيّرَ كتاب الله وبَدّلَه ، ومن قصد إلى ذلك فقد غلط) ، فليشنع الوهابية وليعربدوا كما شاءوا ، وكما قيل : صرير باب أو طنين ذباب!

٩٦

كثير منها عليه صراحة ، فبعضها دلت على أن الإمام المعصوم عليه السلام كان في مقام التفسيرن والبعض الآخر جاء بمعنى التنزيل ، ناهيك أن الجم الغفير من تلك الروايات اقتبس من كتب غير معتمدة ومحل كلام عند الأعلام والمراجع الشيعة ، نحو تفسير العياشي الذي كل رواياته بحكم المراسيل؛ لأن الذي نسخ التفسير حذف أسانيد رواياته! ، وأيضا كتاب سُليم ابن قيس الهلالي رحمه الله الذي قال فيه الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه :

هذا الكتاب غير موثوق به ولا يجوز العمل على أكثرهن وقد حصل فيه تخليط وتدليس. فينبغي للمتديّن أن يتجنب العمل على أكثره ، وقد حصل فيه تخليط وتدليس. فينبغي للمتديّن أن ينتجب العمل بكل ما فيه ولا يعولّ على جملته والتقليد لروايته (١).

وقال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه : وكيفما كان فطريق الشيخ إلى كتاب سّليم بن قيس الهلالي المروي بطريق حماد بن عيسى ، وذلك فإن في الطريق محمد بن على الصيرفي أبا سمينة ، وهو ضعيف كذاب (٣) ، وقيل : إن أبان بن عياش زاد في كتاب سليم بن قيس.

وكذلك تفسير على بن ابراهيم القمي رضوان الله تعالى عليه الذي نسب إليه القول بالتحريف بسبب ما كَتب في مقدمة التفسير وبعض الروايات فيه إلاّ أن من غير المعلوم أن القمي نفسه قد كتبها ، وجزء كبير من

__________________

(١) تصحيح الاعتقاد : ٧٢.

(٢) صيانة القرآن : ٢٢٦ ، وكذا المورد السابق منه : ٢٢٥.

٩٧

التفسير ليس للقمي ، والتفسير من الجلد إلى الجلد مع مقدمته غير موثوق به وساقط عن الاعتبار.

قال الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله : (وبهذا تبيّن أن التفسير ملفق من تفسير على بن إبراهيم وتفسير أبي الجارود ، ولكل من التفسيرين سند خاص ، يعرفه كل من راجع هذا التفسير ، ثم إنه بعد هذا ينتقل عن علي بن إبراهيم كما ينتقل عن مشايخه الآخرين إلى آخر التفسير. وبعد هذا التلفيق كيف يمكن الاعتماد على ما ذكر في ديباجة الكتاب لوثبت كون الديباجة لعلي بن ابراهيم نفسه؟).

وقال : ثم إن الاعتماد على هذا التفسير بعد هذا الاختلاط مشكل جداًّ ، خصوصا مع ما فيه من الشذوذ في المتون. وقد ذهب بعض أهل التحقيق إلى أن النسخه المطبوعه تختلف عمّا نقل عن ذلك التفسير في بعض الكتب وعند ذلك لا يبقى اعتماد هذا التوثيق الضمني أيضا ، فلا يبقى اعتماد لا على السند ولا على المتن (١) ، علاوة على أن رواي التفسير ـ بما فيه من روايات للقمي أو لأبي الجارود ـ لم تثبت وثاقته.

وعليه يتضح جهل احد الوهابية وهو (عثمان. خ) عندما يقول في أحد أشرطته :

أولهم على بن إبراهيم القمي صاحب التفسير ، قال في مقدمة تفسيره ، وأما ما هو على خلاف ما أنزلة الله فهو قوله : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ

__________________

(١) كليات في علم الرجال : ٣١٦ ـ ٣١٧.

٩٨

أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (١) ثم ذكر انها نزلت (كنتم خير أئمة أخرجت للناس). انتهى. وقد ذكر علماء الشيعة أن القمي يقول بالتحريف وقالوا عنده فيه غلو.

وأما بالنسبة لما قاله بعض علماء الشيعة فلا عبرة فيه لاعتمادهم على ما كُتب في ذلك التفسير إذ ما كانوا معاصرين للقمي رضوان الله تعالى عليه وحيث أن التفسير ساقط عن الاعتبار فما ينسب للقمي به ساقط أيضا.

وكذا كتاب المسائل السورية للشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه ، فقد قال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه في معجم رجال الحديث :

أقول : إن نسبة هذا الكتاب إلى الشيخ المفيد قدس سره لم تثبت ، ولم يذكر النجاشي والشيخ له كتابا يسمى بالمسائل السرورية ، نعم ذكر النجاشي له كتابا وهو النقض على ابن الجنيد بالاجتهاد بالرأي ، أي بجواز العمل بالظن ، ومما يؤكد عدم صحة هذه النسبة أنها لو صحت لذكرها النجاشي والشيخ ، فإن ما نسب إليه أعظم من قوله بالقياس ، فكيف لم يطلع على ذلك النجاشي والشيخ وهما تلميذان للمفيد قدس سره؟! (٣). وهكذا بالنسبة لكتاب الحتجاج للطبرسي رضوان الله تعالى عليه ، إذ كل رواياته مراسيل وبلا إسناد ، فلا يتعبد بما فيه ، وغيرها من المصادر

__________________

(١) آل عمران : ١١٠.

(٢) معجم رجال الحديث١٥ : ٣٧٧.

٩٩

التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام وتفسير فرات الكوفي.

وروايات التتحريف نابعة في الغالب من هذه الكتب والمصنفات المخدوشة سندا ومتنا ، قال المحقق هادي معرفت حفظه الله حال كلامه عن فصل الخطاب :

أما الروايات الخاصة ، والتي اسنتد إليها ـ المحدث النوري ـ لإثبات التحريف سواء أكانت دالة بالعموم على وقوع التحريف أم ناصةّ على مواضع التحريف ، فهي تربوا على الألف ومئة حديث (١١٢٢) منها (٦١) رواية دالة بالعموم و (١٠٦١) ناصة بالخصوص ، حسبما زعمه. لكن أكثريّتها الساحقة نقلها من أصول لا إسناد لها ولا اعتبار ، من كتب ورسائل ، إما مجهولة أو مبتورة أو هي موضوعة لا أساس لها رأساً. والمنقول من هذه الكتب تربو على الثمانمئة حديث (٨١٥) وبقي الباقي (٣٠٧) وكثرة من هذا العدد ترجع إلى اختلاف القراءات مما لا مساس لها بمسألة التحريف وهي (١٠٧) والبقية الباقية (٢٠٠) رواية ، رواها من كتب معتمدة ، وهي صالحة للتأويل إلى وجه مقبول ، أو هي غير دالة على التحريف ، وإنما أقمحمها النوري إقحاما في أدلة التحريف (١).

وقال السيد البروجردي رضوان الله تعالى عليه في تقريرات بحثه : إن الرياوات التي دلت على وقوع التحريف قد أخذت من كتب لا اعتماد

__________________

(١) مصادر الفقه الإسلامي ومنابعه : ٧٦ للشيخ المحقق جعفر السبحاني حفظه الله. وللزيادة راجع صيانة القرآن من التحريف للمحقق محمد هادي معرفت حفظه الله.

١٠٠