إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

ومن الغريب قولهم إن المصحف المجموع في عهد أبي بكر كان كهيئة الملزمة مربوطا بخيط يجمع ورقة ، فأين كان ذلك الورق في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى احتاجوا إلى العظام والحجارة؟! ولماذا أمكن كتابة أشعار الجتهلية على ورق وعلقت على الكعبة فسميت بالمعلقات وقصر هذا الورق عن القرآن الكريم؟! ، ومتى ، وكيف حدثت هذه النقلة النوعية في عالم الكتابة والتدوين؟!، ولا ريب أن ما تدعيه روايانهم من صعوبة علمهم ومشقة جمع القرآن من العظام والحجارة ليس إلا تعظيما وتضخيما لعمل به ، وللأسف فإن طلب هذا النحو من المفاخرة الكاذبة وتسجيل المناقب الجوفاء طمس على صورة الجمع الحقيقي للقرآن الكريم وشوهها!

عن عثمان بن أبي العاص ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((لا تمس المصحف وأنت غير طاهر)). (١)

عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال : ((إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم)). (٣)

عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((الغرباء في الدنيا أربعة : قرآن في جوف ظالم ، ومسجد نادي قوم لا يصلى فيه ، ومصحف في بيت لا يقرأ فيه ،

__________________

(١) كنز العمال ١ : ٥٤٨ و ٥٤٣ عن الكتاب المصاحف ، وسنن الترمذي وأبي داود ، والمستدرك والطبراني في الكبير ، والدار قطني في سننه.

(٢) نوادر الأصول : ٣٣٤.

٣٨١

ورجل صالح مع قوم سوء)). (١)

عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قال : ((أعطوا أعينكم حظها من العبادة النظر في المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه)). (٣)

عن ابن عباس ، قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((من أدام النظر في المصحف متع ببصره ما دام في الدنيا. )) (٣)

عن ابن مسعود ، قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((من سره إن يحب الله ورسوله فليقرا في المصحف)) (٤).

عن معاذ ، قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((أطيعوني ما دمت بين أظهركم فإذا ذهبت فعليكم بكتاب الله ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، فانه سيأتي زمان يسري على القرآن في ليلة فيسلخ من القلوب والمصاحف)) (٥).

عن أبي أمامة قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((لا تغرنكم هذه المصاحف المعلقة ، إن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن)) (٦).

__________________

(١) كنزل العمال ١ : ٥٤٤ عن الديلمي في الفردوس.

(٢) كنزالعمال ١ : ٥١٠ ، ح ٢٢٦٢. عن نوادر الأصول ، حب.

(٣) كنز العمال ١ : ٣٥٣ ، ح ٢٤٠٦. عن أبي الشيخ.

(٤) نفس المصدر : ٦٠٤ ، ح ٢٧٦٠ عن حل ، هب. عن ابن مسعود.

(٥) كنز العمال ١ : ١٨٩ ، ح ٩٦٠ عن الديلمي.

(٦) نفس المصدر : ٥٣٦ ـ ٥٣٧ ، ح ٢٤٠٠ عن نوادر الأصول.

٣٨٢

والآن ، كيف تنسجم هذه الروايات مع ذهبوا إليه من بعثرة القرآن على أكتاف الإبل وعلى الحجارة وفي صدور الرجال؟ ، وما حيلتنا مع من يلقي ضلال الشك والريبة على كتاب الله فقط لإثبات فضيلة لفلان وفلانة؟!، والأغرب هو ادعاؤهم أن أول من أطلق لفظ (مصحف) على القرآن الكريم هم الصحابة بعد أن فرغوا من جمع القرآن في عهد أبي بكر!

أقوال علماء أهل السنة في أن القرآن جمع في عصر النبوة

قال ابن حزم الأندلسي : وقول رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إذ نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو لئلا يناله العدو. وقوله تعالى (لَمْ يَكُنِ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً ـ فيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) (١). وكتاب الله تعالى هو القرآن بإجماع الأمة ، وقد سمى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم المصحف قرآنا ، والقرآن كلام الله تعالى بإجماع الأمة ، فالمصحف كلام الله تعالى حقيقة لا مجازا ويسمى المستقر في الصدور قرآنا ونقول : إنه كلام الله تعالى ، برهاننا على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إذ أمر بتعاهد القرآن وقال عليه السلام : إنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقلها. (٣)

وقال في الإحكام : فلم يمت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلا والقرآن مجموع كما هو مرتب ، لا مزيد فيه ولا نقص ولا تبديل ، والقراءات

__________________

(١) البينة :١ ـ ٣.

(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٣ : ١٥.

٣٨٣

كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم باقية كلها كما كانت لم يسقط منها شيء ، ولا يحل حظر شيء منها قل أو كثر. (١)

وقال : وهذه الآية (٣) تبين ضرورة أن جمع القرآن كما هو من ترتيب حروفه وكلماته وآياته وسوره ، حتى جمع كما هو ، فإنه من فعل الله عزوجل وتوليه جمعه ، أوحى به إلى نبيه عليه السلام وبينه عليه السلام للناس فلا يسع أحد تقديم مؤخر من ذلك ، ولا تأخير مقدم أصلا. (٣)

وأطنب في موضوع آخر قوله : ويبين كذب هذه الأخبار ما رويناه بالأسانيد الصحيحة أنه صلى الله عليه [وآله] وسلم كان لا يعرف فصل سورة حتى تنزل (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم) ، أنه صلى الله عليه [وآله] وسلم كانت تنزل عليه الآية فيرتبها في مكانها ، ولذلك تجد آية الكلالة وهي آخر آية نزلت وهي في سورة النساء في أول المصحف ، وابتداء سورة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَق) (٤). في آخر المصحف وهما أول ما نزل ، فصح بهذا أن رتبة الآي ورتبة السور مأخوذه عن الله عزوجل إلى جبريل ثم إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، لا كما يظنه أهل الجهل أنه ألف بعد موت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، ولو كان ذلك ما كان القرآن منقولا نقل

__________________

(١) الإحكام في أصول الأحكام المجلد الأول ٤ : ٤٩٢ ط دار الكتب العلمية.

(٢) (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَه‏ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه‏ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَه) (القيامة :١٧ ـ ١٩).

(٣) الإحكام في أصول الأحكام المجلد الأول : ٥٦٦.

(٤) العلق : ١.

٣٨٤

الكافة ولا خلاف بين المسلمين واليهود والنصارى والمجوس أنه منقول عن محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم نقل التواتر ، ويبين هذا أيضا ما صح أنه صلى الله عليه [وآله] وسلم كان يعرض القرآن كل ليلة في رمضان على جبريل ، فصح بهذا أنه كان مؤلفا كما هو عهد الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم ، قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم تركت فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي (١) ، والأحاديث الصحاح أنه صلى الله عليه [وآله] وسلم قرأ المص والطور والمرسلات في صلاة المغرب ، وأن معاذا قرأ في حياته صلى الله عليه [وآله] وسلم البقرة في صلاة العتمة ، وأنه صلى الله عليه [وآله] وسلم خطب بـ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجيد) (٢). وذكر صلى الله عليه [وآله] وسلم خواتم آل عمران وسورة النساء ، وأمره صلى الله عليه [وآله] وسلم أن يؤخذ القرآن من أربعة : من أبي وعبد الله بن مسعود وزيد ز معاذ. وقول عبد الله بن عمرو بن العاص للنبي عليه السلام في قراءة القرآن كل ليلة وأمره صلى الله عليه [وآله] وسلم أن لا يقرأ في أقل من ثلاث ، والذين جمعوا القرآن في حياة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم جماعة ، منهم أبو زيد وزيد وأبي ومعاذ وسعيد بن عبيد وأبو الدرداء ، وأمر صلى الله عليه [وآله] وسلم عبد الله بن عمرو بقراءة القرآن في أيام لا تكون أقل من ثلاث ، فكيف يقرأ ويجمع وهو غير مؤلف؟! هذا محال لا يمكن البتة ، وهذه كلها أحاديث صحاح الأسانيد لا مطعن فيها ،

__________________

(١) أين ابن حزم من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا؟!

(٢) ق : ١.

٣٨٥

وبهذا يلوح كذب الأخبار المفتعلة بخلافها ، لأن تلك لا تصح من طريق النقل أصلا ، فبطل ظنهم أن أحدا جمع القرآن وألفه دون النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، ومما يبين بطلان هذا القول ببرهان واضح أن في بعض المصاحف التي وجه بها عثمان رضي الله عنه إلى الآفاق واوات زائدة على سائرها ، وفي بعض المصاحف (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَميدُ) (١). في سورة الحديد وفي بعضها بنقصان (هو) ، وأيضا فمن المحال أن يكون عثمان رضي الله عنه أقرأ الخلفاء وأقدمهم صحبة وكان يحفظ القرآن كله ظاهرا ، ويقوم به في ركعة (!) ، يترك قراءته التي أخذها من فم النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ويرجع إلى قراءة زيد وهو صبي من صبيانه ، وهذا ما لا يظنه إلا جاهل غبي ، ومنها أن عاصما روى عن زر وقرأ عليه ، لم يقرأ على زيد ولا على من قرأ على زيد شيئا ، إلا أنه قد صح عنه أنه عرض على زيد فلم يخالف ابن مسعود ، وهذا ابن عامر قارئ أهل الشام لم يقرأ على زيد شيئا ولا على من قرأ على زيد ، وإنما قرأ على أبي الدرداء ومن طريق عثمان رضي الله عنهما ، وكذلك حمزة لم يأخذ من طريق زيد شيئا ، وقد غلط قوم فسموا الأخذ بما قاله رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وبما اتفق عليه علماء الأمة تقليدا وهذا هو فعل أهل السفسطة والطالبين لتلبيس العلوم وإفسادها وإبطال الحقائق وإيقاع الحيرة. (٢)

__________________

(١) الحج : ٦٤.

(٢) الإحكام في أصول الأحكام ٦ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨.

٣٨٦

قال الإمام أبو عبد الله المحاسبي في كتاب فهم السنن : وفي قول زيد بن ثابت (فجمعته من الرقاع والأكتاف وصدور الرجال) ما أوهم بعض الناس أن أحدا لم يجمع القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم وأن من قال : إنه جمع القرآن أبي بن كعب وزيد ليس بمحفوظ ، وليس الأمر على ما أوهم ؛ وإنما طلب القرآن متفرقا ليعارض بالمجتمع عند من بقي ممن جمع القرآن ليشترك الجميع في علم ما جمع فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شيء ، ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف ، ولا يشكوا في أنه جمع عن ملأ منهم. (١)

وأما أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل فبغير شك جمعوا القرآن ، والدلائل عليه متظاهرة ، قال : ولهذا المعني لم يجمعوا السنن في كتاب ، إذ لم يمكن ضبطها كما ضبط القرآن. قال : ومن الدليل على أن تلك المصاحف التي كتب منها القرآن كانت عند الصديق لتكون إماما ولم تفارق الصديق في حياته ولا عمر أيامه ثم كانت عند حفصة لا تمكن منها. (٣)

وقال ألامدي : إن المصاحف المشهورة في زمن الصحابة كانت مقروءة عليه صلى الله عليه [وآله] وسلم ومعروضة. (٣)

قال في مدخل إلى القرآن الكريم : إن النص المنزل لم يقتصر على كونه

__________________

(١) البرهان فی علوم القرأن للزرکشی ١ : ٢٣٨ ط. البابي الحلبي تحقيق أبو الفضل ابراهيم.

(٢) نفس المصدر : ٢٣٩.

(٣) تاريخ القرآن : ٧٣ للدكتور الصغير ط. دار المؤرخ العربي.

٣٨٧

قرآنا أو مجموعة من الآيات تتلى أو تقرأ ، وتحفظ في الصدور ، وإنما كان أيضا كتابا مدونا بأعداد ، فهاتان الصورتان تتظافران وتصحح كل منهما الأخرى ، ولهذا كان الرسول كلما جاءه الوحي وتلاه على الحاضرين أملاه من فوره على كتبه الوحي. (١)

وقال في إعجاز القرآن : وللنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم صحابة كانوا يكتبون القرآن إذا أنزل ، إما بأمره أو من عند أنفسهم تاما وناقصا ، وأما الذين جمعوا القرآن بتمامه بالاتفاق فهم خمسة ، فذكرهم. (٣)

وقال في تاريخ القرآن : وأما عدم نسخ كبار الصحابة مصاحف على نمط ما جمعه أبوبكر ، فلم يكن هناك ما يدعو لذلك لعدم اختلاف ما جمعه أبو بكر بما عند الناس ، وإن بعضهم كتبوا مصاحفهم على عهد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وتلقوه منه سماعا ، فكان جمع أبي بكر بمثابة سجل للقرآن يرجع إليه إذا حدث أمر كما وقع لعثمان حين جمعه القرآن فإنه رجع إلى الصحف البكرية وكانت عند حفصة بنت عمر. (٣)

وقال القرآن والملحدون : غير أن من الحق أن نقول أيضا : إن ما جاء في المجموعة الثالثة (٤) إجمالا أكثر وثاقة من جهة ، وأنها مع القوال المؤيدة لها

__________________

(١) مدخل إلى القرآن الكريم : ٣٤.

(٢) إعجاز القرآن للرافعي : ٣٦.

(٣) تاريخ القرآن : ٤٥ ط. الحلبي الثانية طاهر الخطاط ، راجعه فضيلة الشيخ على الضياع شيخ المقارئ بالديار المصرية.

(٤) وهي الروايات التي تصرح بأن القرآن قد تم ترتيبه آيات وسورا آخر حياة النبي صلى الله عليه

٣٨٨

الصادرة عن كثير من علماء المسلمين وأئمتهم أكثر اتساقا مع طبائع الأمور والظروف من جهة أخرى. فالقرآن أعظم مظاهر النبوة ، ومعجزتها الخالدة ، وكان مدار الاحتجاج والدعوة مع العرب والكاتبين الذين كانت لهم كتبهم المتداولة في أيديهم المكتوبة على قراطيس وورق ومواد لينة تنشر وتطوى بسهولة ، وقد تكرر في القرآن كثيرا الإشارة إلى كتب الكاتبين من جهة وذكر (الكتاب) في القرآن بمعني (القرآن) من جهة أخرى. فلا يعقل في حال أن يهمل النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم تدوين ما كان ينزل عليه من الوحي القرآني ، وأن لا تكون عنايته بذلك فائقة ، وأن لا يحرص على تدوينه في وسائل لينة تطوى وتنشر كالصحف والقراطيس وورق الحرير ، ثم على حفظ مدوناته حرصا شديدا مرتبة منسقة ، بل والمعقول أن يكون ذلك من أمهات مشاغلة المستمرة.

وما روي من أن القرآن كان يكتب على الوسائل البدائية الثقيلة الحجم والصعبة الحفظ والنقل ، كأضلاع النخيل ، وقطع الخشب والحجارة ، وأكتاف العظام لا يصح أن يقبل على علاته بناء على ما تقدم بأن كان ورد في حديث يعد من الصحاح ، وكل ما يحتمل أن يكون أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم إذ يستدعي أحد كتابه لإملاء ما يكون نزل عليه من وحي على فور نزوله ـ وهو ما كان يفعله دائما على ما تفيده الأحاديث والقرائن القرآنية ـ أن لا يكون متيسرا إلا شيء من هذه الوسائل البدائية ، فيكتب الكاتب عليها

__________________

وآله وسلم.

٣٨٩

ما يميله النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم مؤقتا ريثما ينقل إلى مكانه من سجلات القرآن مما عبر عنه زيد بن ثابت كاتب وحي رسول الله في قوله في حديث مأثور له (كنا نؤلف القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم من الرقاع).

ولقد كان في مكة والمدينة جاليات نصرانية ويهودية تتداول كتبا مكتوبة على قراطيس تطوى وتنشر كما قلنا قبل. ولقد كانت مكة مدينة تجارية متصلة بالبلاد المجاورة المتحضرة التي يكثر فيها وسائل الكتابة اللينة مما لا يعقل إلا أن يكون أهل هذه البيئة قد اقتبسوا ذلك. ولقد احتوى القرآن أوامر بتدوين المعاملات التجارية النقدية وغير النقدية صغيرة كانت أم كبيرة ، ولقد تعددت الآيات القرآنية التي تذكر (الصحف) في صدر القرآن والكتب الأخرى ، ولم يقل أحد إنها كانت تعني تلك الوسائل البدائية ، بل إن المفهموم القرآني هو في جانب كونها وسائل تطوى وتنشر (١).

وفي تفسير القرآن الحكيم : كان كل يكتب ما تيسر له كتابه وكان منهم بعض قليل كتبوا القرآن كله ، والإجماع على : علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وقبل وفاة الرسول عرض زيد القرآن عرضة على رسول الله صلوات الله عليه ، ففي عهده صلوات الله عليه كان القرآن مرتب السور والآيات ولكنه غير مجموع في كتاب واحد. (٣)

__________________

(١) القرآن والملحدون : ٣١٩ ـ ٣٢٠ ـ ٣٢١ ، للدكتور محمد عزة دروزة.

(٢) تفسير القرآن الحكيم : ١٧ ، لمحمد عبد المنعم خفاجة.

٣٩٠

أقول : إن قصد أن القرآن لم يكن مجموعا بتمامه لأنه نزل منجما ثم تم جمعه في أواخر حياته فهذا صحيح ، وأما لو قصد أن كل سورة كانت على حدة من غير أن تجمع كلها فتصبح مصحفا فهذا لا يتوافق مع ما مر ، فكيف يكون مرتب السور مع كونه غير مجموع في كتاب واحد؟ أم قصد أن كل سورة كانت تدون وتوضع فوق الخرى وضعا بلا شد وربط ، ثم جاء أبو بكر فأمر بشدها بخيط؟!

وفي موجز البيان : والمصاحف التي عرضت على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم في حياته وقرئت عليه ثلاثة : مصحف عبد الله بن مسعود ، ومصحف أبي بن كعب ، ومصحف زيد بن ثابت وهو آخرها عرضا على النبي صلوات الله وسلامه عليه (١) ، وإذ كانت في سنة وفاته وبقراءته كان يقرأ عليه الصلاة والسلام ، ولذلك اختاره المسلمون. وجاء في صحيح البخاري من حديث قتادة قال : ـ وذكر الحديث ـ قول أنس : إنه لم يجمع القرآن غير أربعة. يحتمل أنه لم يجمع القرآن وأخذه تلقائيا من الرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم غير أولئك الأربعة ، لأنه قد ثبت بالطرق المتواترة أنه جمع القرآن عثمان بن عفان رضي الله عنه وتميم الداري ، وعبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو بن العاص. وإنما كان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يأمر بكتابة ما

__________________

(١) سيأتي بإذنه تعالى أن آخر من شهد العرضة الأخيرة من الصحابة هو عبد الله بن مسعود حسب رواياتهمم الصحيحة ، وتركيزهم الدائم على أنه زيد بن ثابت لتصحيح إيكال أبي بكر مهمة جمع القرآن له وهو حدث السن دون بقية الصحابة.

٣٩١

ينزل عليه من القرآن الكريم وجمعه لتبليغ الوحي على الوجه الأكمل ، لأن الاعتماد على حفظ الصحابة غير كاف ، لأنهم عرضة للنسيان والموت فلو اعتمد على حفظهم وحده نخشى ضياع شيء منه بالنسيان أو الموت ، وأما الكتابة فباقية لا يتكرق إليها شيء من ذلك وليعاضد المكتوب المحفوظ وقال الذهبي : عثمان أحد من جمع القرآن على عهد الرسول قرأ عليه المغيرة بن أبي شهاب المخزومي)) (١).

وفي التبيان في علوم القرآن : وجمع القرآن في المصحف واحد في عهد أبي بكر لا يعني أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكن لديهم مصاحف كتبوا فيها القرآن من قبل ، فإن ذلك لا ينافي أن يكون لبعض الصحابة مصحف خاص. (٣)

وفي مباحث في علوم القرآن : وكان جبريل يعارض رسول الله بالقرآن في ليالي رمضان ويعارض الصحابة رسولهم حفظا وكتابة ولم تكن هذه الكتابة مجتمعة في مصحف عام بل عند هذا ما ليس عند ذاك من الآيات والسور. وقد نقل العلماء أن نفرا منهم : علي بن أبي طالب ، ومعاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود قد جمعوا القرآن كله على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلا أن زيد بن ثابت كان رضي الله عنه متأخرا على الجميع. (٣)

__________________

(١) موجز البيان في مباحث علوم القرآن : ٤٨ لكمال الدين الطائي.

(٢) التبيان في علوم القرآن : ٦٤ لمحمد على الصابوني.

(٣) مباحث في علوم القرآن : ٥٠.

٣٩٢

فكان أبو بكر بهذا أول من جمع القرآن في مصحف وإن وجدت مصاحف فردية عند بعض الصحابة كمصحف علي. (١)

ونذكر هنا كلام أحد علماء الإباضية لما فيه من فائدة مع إطنابه في الدفاع عن جمع القرآن ، فقال في منهج الطالبين : فإني لأعجب ممن يقبل من المسلمين قول من زعم أن الرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ترك القرآن الذي هو حجته على أمته والذي تقوم به دعوته والفرائض التي جاء بها من عند الله ولم يجمعه ، ولم يضمه ، ولم يخطه ، ولم يحصه ، ولم يحكم المر في قراءته وما يجوز من الاختلاف فيها ، وما لا يجوز في إعرابيه ومقداره ، وتأليف سوره ، وهذا لا يتوهم على رجل من عامة المسلمين فكيف برسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم.

فلو لم يكن القرآن مجموعا مكتوبا في عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فأي شيء كان يكتب هؤلاء؟ وكيف يجوز على القوم الذين ذكرنا أحوالهم أن يتركوا جمع القرآن والوقوف على تأليفه ومقدمه ومؤخره ، وهو إنما أنزل عليهم وفيهم على ما تقدم من شرح.

ومما يدلنا على حفظهم لما استحفظوا له وفهمهم لما اسنكفوا إياه أنهم كانوا علماء لنظم السور وتأليف الآي، لا يحرفون الكتابة ولا يقصرون في التأدية ، وإنما أول ما أنزل من القرآن بمكة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَق ) (٣).

وأول ما أنزل بالمدينة سورة البقرة وآخر ما نزل سورة براءة ، فلو كانوا إنما

__________________

(١) مباحث في علوم القرآن : ٥٢.

(٢) العلق : ١.

٣٩٣

ألفوا السورة على تقدير رأيهم لقدموا في المصحف المقدم وأخروا والمؤخر ، ففي تقدمهم سورة البقرة وتأخيرهم سورة براءة ـ دليل على أنهم اتبعوا ولم يبتدعوا وحكموا ولم يتخرصوا.

ولقد قال أبو ذر رضي الله عنه : لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وما يقلب طائر جناحه في السماء إلا وعندنا منه علم فكيف تجهل تأويل السور ومواضع الآي أمة قد شهدت أول ذلك وآخره؟.

وقد روى أصحاب الحديث : أن القرآن كان مفرقا حتى جمعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وروى آخرون أن الذي جمعه : عثمان بن عفان وأنهم أخذوا آية من هاهنا وآية من هاهنا ، وأن الرجل كان يخبر بالآية ويسأل عنها الشهود ثم تكتب ، وأن زيد بن ثابت ـ لما أمره عثمان بن عفان أن يكتب في المصحف ـ فقد آيتين حتى وجدهما عند الرجلين من الأنصار ، وأن زيدا وغيره من الصحابة تولوا تأليف السور والآيات وهذه الأخبار مطعون عليها ، ويقال أن الزنادقة دلسوا وأضافوا الزيادات والأحاديث في أحاديث الأئمة. بل إن الدلالة قد قامت من طريق العقل ، لأن السور كانت معروفة متولفة في زمان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وإن القرآن كان قد فرغ من جمعه.

وقال الشعبي : لم يجمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلا ستة كلهم من النصار ، فلو لم يكن القرآن مجموعا مؤلفا على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فكيف كان يجمعه هؤلاء الستة ويحفظونه؟ (١).

__________________

(١) منهج الطالبين وبلاغ الراغبين ١ : ٢١٩ ـ ٢٢٦ للشيخ خميس الرستاقي.

٣٩٤

وإلى هنا نقول إن المصحف كان مجموعا في آخر زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والشيعة الإمامية لم ينفردوا في إزاحة هذه المنقصة عن مقام النبوة ، بل وافقهم قليل من أهل السنة ، والعبرة بالكيف لا بالكم ، ونختم بما ذكره النديم في الفهرست لما فيه من لم للشتات:

الجماع للقرآن على عهد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليه ، سعد بن عبيد بن نعمان بن عمرو بن زيد رضي الله عنه ، أبو الدرداء عويمر بن زيد رضي الله عنه ، معاذ بن جبل بن أوس رضي الله تعالى عنه ، أبو زيد بن ثابت بن زيد بن النعمان ، أبي بن كعب بن قيس بن مالك بن امرئ القيس ، عبيد بن معاوية بن يزيد بن ثابت بن الضحاك. (١)

أول من جمع قرآنا بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم :

أول من جمع قرآنا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو سيد العرب طرا، الإمام علي عليه السلام ، وهذا من الشهرة بمكان لا ينكره إلا مكابر ، وقد وردت نصوصه في كتب الفريقين.

قال ابن سعد في الطبقات : عن أيوب وابن عون عن محمد قال : نبئت أن عليا أبطأ عن بيعة أبي بكر ، فلقيه أبو بكر ، فقال : أكرهت إمارتي؟ فقال : لا ، ولكنني آليت بيمين أن أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن. قال : فزعموا أنه كتبه على تنزيله. قال محمد : فلو أصيب ذلك الكتاب كان

__________________

(١) الفهرست للنديم : ٣٠.

٣٩٥

فيه علم. قال ابن عون : فسألت عكرمة عن ذلك الكتاب فلم يعرفه. (١)

وأخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف : عن الأشعث عن محمد بن سيرين قال : لما توفي النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أقسم علي أن لا يرتدي برداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن ف مصحف ففعل ، فأرسل إليه أبو بكر بعد أيام ، أكرهت إمارتي يا أباالحسن؟ : قال : لا ، والله ، إلا أني أقسمت أن لا أرتدي برداء إلا لجمعه فبايعه ثم رجع. (٣)

__________________

(١) التسهيل لعلوم التنزيل ١ : ٤.

(٢) كتاب المصاحف لابن أبي داود ١ : ١٨٠ ط. قطر ، من باب التذكير بالبديهيات أقول : إنا لا نسلم بكل ما قالته الرواة ، خاصة إذا كان العقل السليم لا يستسيغه ، لأن البخاري في صحيحه وغيره من أهل التاريخ ذكروا أنه عليه السلام لم يبايع ابن أبي قحافة إلا بعد ستة أشهر ، ومن غير المعقول أن يترك المبايعة طيلة ستة أشهر لأنه حلف ألا يخرج من بيته إلا بعد جمع القرآن ، ومع أن الرواية تقول إنه كان يخرج في كل يوم جمعة؟!، فلماذا لم يبيع في أيام الجمع التي توجد في ستة أشهر؟!، وهل البيعة بصفق اليد تحتاج إلى مراجعة الوائر الحكومية؟!، أخرج البخاري في صحيحه ٤ : ١٥٤٩، ح ٣٩٩٨ : (فأبي أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعائشت بعد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها على ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر).

٣٩٦

وفي التسهيل لعلوم التنزيل : كان القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآلأه وسلم مفرقا في الصحف وفي صدور الرجال ، فلما توفي جمعه علي بن أبي طالب على ترتيب نزوله. ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير ولكنه لم يوجد. (١)

وحيث أن ابن حجر العسقلاني حصر جمع القرآن بأبي بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلي عنق الروايات ، فال في فتح الباري :

وأخرج ابن أبي داود من طريق ابن سيرين قال : علي لما مات رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : آليت أن لا آخذ على ردائي إلا لصلاة الجمعة حتى أجمع القرآن فجمعته. قال ابن حجر : هذا أثر ضعيف لانقطاعه وبتقدير صحته فمراده بجمعه حفظه في صدره وما تقدم من رواية عبد خير عنه أصح فهو المعتمد. (٣)

قصد ابن حجر أن جمع أمير المؤمنين عليه السلام للقرآن كان بمعنى حفظه في الصدر!، ولازمه أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن يحفظ القرآن إلى ما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!! ، وتعقبه العلامة السيوطي في إتقانه فقال :

قلت : قد ورد من طريق آخر أخرجه ابن الضريس في فضائله ، حدثنا

__________________

(١) التسهيل لعلوم التنزيل ١ : ٤.

(٢) الإتقان ١ : ٥٧.

٣٩٧

هودة بن خليفة ، حدثنا عون عن محمد بن سيرين عن عكرمة قال : لما كان بعد بيعة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب عليه السلام في بيته فقيل لأبي بكر : قد كره بيعتك فأرسل إليه. فقال أكرهت بيعتي ، قال : لا والله ، قال ك ما أقعدك عني؟ قال : رأيت كتاب الله يزاد فيه فحدثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه ، قال له أبو بكر : فإنك نعم ما رأيت. قال محمد فقلت لعكرمة : ألفوه كما أنزل الأول فالأول ، قال : لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه هذا التأليف ما استطاعوا. (أخرجه) ابن اشتة في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين وفيه : أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ. وأن ابن سيرين قال : تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه. (١)

وقال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد : قال ابن سيرين : وبلغني أنه كتبه على تنزيله ولو أصيب ذلك لوجد فيه علم كثير. قال أبو عمر : أجمع أهل العلم بالحديث أن ابن سيرين أصح التابعين مراسل ، وأنه كان لا يروي ولا يأخذ إلا عن ثقة ، وأن مراسيله صحاح كلها ليس كالحسن وعطاء في ذلك والله أعلم. (٣)

وأخيرا نذكر ما قاله صاحب الفهرست : عن عبد خير عن علي عليه السلام أنه رأي من الناس طيرة عند وفاة النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم

__________________

(١) الاتقان ١ : ٥٧.

(٢) التمهيد لابن البر ٨ : ٣٠٠ ـ ٣٠١.

٣٩٨

فأقسم أنه لا يضع عن ظهره رداءه حتى يجمع القرآن ، فجلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن ، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه. وكان المصحف عند أهل جعفر. (١)

بماذا تميز مصحف أمير المؤمنين عليه السلام؟

مرت بعض روايات أهل السنة التي تنص على أن مصحف أمير المؤمنين عليه السلام يتميز بترتيب الآيات حسب النزول ، فأوله سورة الفلق وهكذا إلى آخر القرآن وعليه يكون الناسخ متأخرا عن المنسوخ ، ولكن اليعقوبي في تاريخه ذكر أن السور كانت مجزاة على سبعة أجزاء على نحو مغاير لترتيب النزول :

وروي بعضهم أن علي بن أبي طالب كان جمعه لما قبض رسول الله وأتى به يحمله على جمل ، فقال : هذا القرآن قد جمعته ، وكان قد جزاة سبعة أجزاء (٣) ثم ذكر جزء بسوره المندرجة تخته فالول في مقدمته سورة البقرة ، والجزء الثاني آل عمران والثالث النساء والرابع المائدة والخامس الأنعام والسادس الأعراف والسابع الأنفال ، والأولى اعتماد الروايات.

ولعل أهم ما دفع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لكتابة المصحف مع

__________________

(١) الفهرست للنديم : ٣٠ في باب (ترتيب سور القرآن في مصحف أمير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه) ، راجع أنساب الأشرف ١ : ٥٨٧ ، طبقات ابن سعد ٢ : ٣٣٨ و ٢ ق ٢ : ١٠١، الإتقان ١ : ٢٠٤ ، كنز العمال ٢ : ٥٨٨ ، الاستيعاب بهامش الإصابة ٢ : ٢٥٣ ، حلية الأولياء ، والأربعون للخطيب.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٥.

٣٩٩

وجود مصاحف كثيرة في الدنيا المسلمين آنذاك ، هو أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب فيه التنزيل والتفسير الذي أنزل مرادفا للآيات ، فكان قرآنا جامعا لكل ما أنزل من السماء قرآنا ، أي النصوص القرآنية والتقسير المنزل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أملاه صلى الله عليه وآله وسلم وخطه الإمام عليه السلام بيده الشريفة.

وقد ذكر قريبا منه بعض علماء أهل السنة : وما نسب إلى الإمام علي من قرآن فهو تفسير معنى ما جاء ، بأسلوبه ونسج كلامه (١)، والمقطع الأخير (بأسلوبه ونسج كلامه) بعيد عن الأدلة.

المشكلة في التنزيل!

بعد أن فرغ عليه السلام من كتابته ، جاءهم بالمصحف مشتملا على كل ما أنزل من السماء أي القرآن وتفسيره المنزل المسمى بالتنزيل ، وناولهم إياه حينما كانوا ملتفين في المسجد ، حتى نظر فيه ابن الخطاب فلم يرق له وجود فضائح الكفار والمنافقين من صناديد قريش وكبرائهم مع ذكرهم بأسمائهم وأسماء آبائهم (٣) في هامش السور والآيات التي نكلت بهم ، كسورة براءة التي

__________________

(١) معجم القراءات القرآنية ١ : ١٨ ط. جامعة الكويت ، د. أحمد مختار عمر ، د. عبد العال سالم مكرم.

(٢) هذا ليس بغريب فسيرة الرجل شاهدة على ذلك ، حتى نص أحد علماء أهل السنة أن ابن الخطاب قد أفصح عما يحيك في صدره من قتل هؤلاء الكفار حينما شرب الخمر يوما ورثاهم بأبيات من الشعر ، قال شهاب الدين محمد الابشيهي في المستطرف ٢ : ٢٦٠ : (قد أنزل الله

٤٠٠