إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

أمرت كاتبها بذلك ، وبقي مصحفها بهذه الزيادة إلى أن ماتت ، وهو أيضا فعل عائشة وكذا روي عن أم سلمة رحمها الله (١) ، فلا أدري على جمعهم

__________________

(١) أخرج عبد الرزاق والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن داود في المصاحف عن أبي رافع مولى حفصة قال : استكتبتني حفصة مصحفا فقالت : إذا أتيت على هذه الآية فتعال حتى أمليها عليك كما أقرئتها فلما أتيت على هذه الآية (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) (البقرة : ٢٣٨). قالت أكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) فلقيت أبي بن كعب فقلت : أبا المنذر إن حفصة قالت : كذا وكذا؟ فقال : هو كما قالت أو ليس أشغل ما نكون عند صلاة الظهر في عملنا ونواضحنا))، ((وأخرج مالك وأبو عبيد وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في سننه عن عمرو بن رافع قال : كنت أكتب مصحفا لحفصة زوج النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ والصلاة ِالوُسطَى) فلما بلغتها آذنتها فأملت علي (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) وقالت : أشهد أني سمعتها من رسول الله صبى الله عليه [وآله] وسلم))، ((وأخرج عبد الرزاق عن نافع أن حفصة دفعت مصحفا إلى مولى لها يكتبه وقالت : إذا بلغت هذه الآية (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ والصلاة الوُسطَى) فآذني فلما بلغها جاءها فكتبت بيدها (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر))) ، ((وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق نافع عن ابن عمر عن حفصة أنها قالت : لكاتب مصحفها إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فلما أخبرها أكتب إني سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول : (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى والصلاة العصر)) ، ((وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي من طريق نافع عن

٣٠١

__________________

حفصة زوج النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم إنها قالت لكاتب مصحفها : إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فاخبرها ، قالت : أكتب فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم يقرا (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي الصلاة العصر)) ، وكذا فعل عائشة ، ((وأخرج سعيد بن منصور وأبو عبيد عن زياد بن أبي مريم أن عائشة أمرت بمصحف لها إن يكتب وقالت : إذا بلغتم (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) فلا تكتبوها حتى تؤذوني ، فلما أخبروها أنهم قد بلغوا قالت : امتبوها (صلاة الوسطى صلاة العصر))، ((وأخرج مالك ، واحمد ، وعبد بن حميد ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن أبي داود ، وابن النباري في المصاحف ، والبيهقي في سننه عن أبي يونس مولى عائشة ، قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ والصلاة الوُسطَى) فلما بلغتها آذنتها فأملت علىّ (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى والصلاة العصر وقوموا لله قانتين) وقالت عائشة : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم)) ، وروي ذلك أيضا عن أم سلمة رضوان الله تعالى عليها ، ((وأخرج وكيع وابن المنذر عن عبدالله بن رافع عن أم السلمة ، أنها أمرته أن يكتب لها مصحفا فلما بلغت (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ والصلاة الوُسطَى) قالت : أكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين)) ، وقد بقيت هذه الزيادة في مصحفيهما إلى ماشاءالله : ((أخرج عبد الرزاق وابن أبي داود عن هشام بن عروة قال : قرأت في مصحف عائشة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين)) ، ((وأخرج ابن جرير عن

٣٠٢

المزعوم كيف يوثق باشتمال المصحف على كل آيات القرآن؟ ، وهل توفر لكل آية شاهدان ليشهدا على كل قرآنيتها؟!، وماالدليل عليه؟!

ومنها : سقوط آيات عن ذلك الجمع ونقصان المصحف منها حتى وجدت بعد ثلاث عشرة سنة تقريبا! ؛ لأن جمع القرآن في زمن أبي بكر كان بعد واقعة اليمامة ، وكانت في السنة الحادية عشر بعد الهجرة ، وكان الجمع الثاني للقرآن في سنة خمس وعشرين للهجرة زمن تأمر ابن عفان على الناس ، وهذا ما ذكره ابن أبي داود :

خطب عثمان ـ بء قيامه بجمع القرآن ـ فقال إنما قبض نبيكم منذ خمس عشرة سنة وقد اختلفتم في القرآن عزمت على من عنده شيء من القرآن سمعه من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لما أتاني به (١) ، فالفترة الفاصلة

__________________

عروة قال ك كان في مصحف عائشة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر)) ، ((وأخرج وكيع عن حميدة قالت : قرأت في مصحف عائشة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر)) ، ((وأخرج ابن أبي داود عن قبيصة بن ذؤيب قال : في مصحف عائشة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى والصلاة الوسطى صلاة العصر))، وكذا رواية عروة وحميدة وقبيصة ، ((وأخرج ابن جرير والطحاوي والبيهقي عن عمرو بن رافع قال : کان مکتوبا فی مصحف حفصئ (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر وقوموا لله قانتين)) ، راجع الدر المنثور ٢ : ٣٠٢ ـ ٣٠٤ ـ ٣٠٥. وأما زيادة ابن مسعود فستأتي الشواهد على صدقها في مبحث القراءات الشاذة بإذنه تعالى.

(١) المصاحف : ٢٤ نقلا من تخلیص التمهید : ١٦٨ ـ ١٦٩.

٣٠٣

بين الجمعين ـ مع مراعاة ما بين بدء الجمع وانتهائه في زمن أبي بكر ـ تقرب من ثلاث عشرة سنة. (١)

ومنها : إن آيات القرآن جمعت ودمجت في هذا المصحف بشهادة رجلين ، أي بخير الآحاد ، فلا تواتر!

ولا بأس بالتنبيه هنا على نقطتين وهما :

الأولى : قرر كثير من علماء أهل السنة أن المصحف الذي جمع في زمن أبي بكر كان أكبر حجما من حجم مصحفنا بستة أضعاف، وذلك لاشتماله على الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن الكريم ، وهو ما قد نص عليه عدة ممن تطرق لذكر الفروق بين الجمعين الأول في زمن أبي بكر ، والثاني في زمن عثمان.

ذكر بعض من قال : إن مصحف أبي بكر كان أكبر بستة أضعاف من مصحفنا :

قال السيوطي في الإتقان : وقال القاضي الباقلاني في الانتصار : لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين ، وإنما قصد جمعهم على قراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم ، وإلغاء ما ليس كذلك ، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ، ولا تأويل أثبت مع تنزيل ، ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد ، وذكر كلام المحاسبي مثله ، ومن قبل

__________________

(١) وسيأتي الكلام عن هذا المورد والذي يليه مفصلا في الجمع الثاني إن شاءالله تعالى.

٣٠٤

القاضي ذكر كلام ابن تين وغيره وكلهم سواء في المعنى. (١)

قال في تاريخ القرآن : وجاء في إرشاد القراء والكاتبين : إن زيدا كتب القرآن كله ، بجميع أجزائه وأوجهه المعبر عنها بالأحرف السبعة الواردة في حديث : ((هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرأوا ما تيسر منه))، وكان أولا أتاه جبريل فقال له : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف واحد ، ثم راجعه إلى السابعة فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف ، فأيما حرف قرأوا عليه أصابوا.

فأبو بكر هو أول من جمع القرآن الكريم بالأحرف السبعة التي نزل بها ، واليه تنسب الصحف البكرية ، وكان ذلك بعد وقعة اليمامة التي كان انتهاؤها سنة اثنتي عشرة للهجرة ، فجمعه للقرآن كان في سنة واحدا تقريبا ، ولولا همة الصحابة الذين بذلوا أنفسهم لله لما تم في مدة سنة واحدة كتابة المصحف بالأحرف السبعة كلها ، وجمعه من الأحجار والعظام والجلود ونحوها. (٣)

وقال : إنهم في هذه المرة جمعوه بالأحرف السبعة كلها ، وهذا يستلزم أن يكون حجم مصحف أبي بكر أضعاف حجم مصحف عثمان ؛ لأن هذا جمعه على حرف واحد من الأحرف السبعة. (٣)

__________________

(١) الإتقان ١ :٦٠.

(٢) تاريخ القرآن الكريم : ٢٨ للكردي الخطاط.

(٣) نفس المصدر : ٣١.

٣٠٥

وستأتي بقية أقوالهم في كيفية الجمع الثاني للمصحف وما حذفه عثمان من أحرف القرآن الستة.

الثانية : إن هذا المجموع بقي عند أبي بكر ، ومن ثم عند عمر ، وبعده عند حفصة ، وطيلة ثلاث عشرة سنة لم يستفد منه المسلمون شيئا بصريح رواية البخاري.

قال في المصحف المرتل : واللافت أن المحافظة على هذه الصحف كانت بالغة ، فقد كانت عند أبي بكر لم تفارقه في حياته ، ثم عند عمر أيامه ، ثم كانت عند حفصة لا تمكن منها كما أوضحنا. (١)

__________________

(١) المصحف المرتل بواعثه ومخططاته : ٥٧ ، لبيب السعيد ، ط. دار الكتب العربي. أقول : السبب في عدم الاستفادة منه واضح ؛ لأن ذلك الجمع لم ينته لا في زمن أبي بكر ولا في زمن عمر.

٣٠٦

الجمع الثاني للقرآن

والجمع الثاني كان لتوحيد المسلمين على مصحف واحد يتم جمعه ، ويسمى بالمصحف الإمام ، ليلتزم به الجميع ولا يتجاوزون خطه ورسمه ، وتلغى المصاحف الأخرى ، وهذا حدث في زمن عثمان.

سببه :

رحمة اللهصارت نقمة!

زعموا أنه بعد جمع القرآن على سبعة أحرف ، بقيت تلك الصحف عند أبي بكر ، وبعدها عند عمر طيلة فترة تأمرهما على الناس ، وبقي الناس على ما كانوا عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجود الأحرف السبعة في دنيا المسلمين يقرأون بها ، إذ نزل القرآن ـ بزعمهم ـ على سبعة أحرف رحمة لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وبمضي الوقت وبعد العهد عن زمن النزول ، اختلف الناس وتضاربوا ، فبدل أن تكون الأحرف السبعة رحمة لهم ، أصبحت وبالا ونقمة عليهم! ، فصار التكفير على قدم وساق بين القراء وصبيانهم ، ووصل الوباء للجنود في أقاصي الثغور ، وعلى حدود الدولة الإسلامية! ، وهكذا تفاهمت المشكلة أكثر فأكثر بدعوى أن الناس لم تكن تعلم أن الأحرف السبعة رحمة! لذلك لم يختلف الصحابة (١) بعد علمهم

__________________

(١) وقد مر عليك أن الصحابة هم الذين اختلفوا ، وستأتي البقية بإذنه تعالى.

٣٠٧

أن كلا من تلك الأحرف شاف كاف ، ولكن الناس لم يلتفتوا لذلك!

قال ابن جرير الطبري في تفسيره بسنده عن أبي قلابة : لما كان ف خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل ، والمعلم يعلم قراءة الرجل ، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون ، حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين ، قال أيوب: فلا أحسبه إلا قال : حتى كفر بعضهم بقراءة بعض. (١)

وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : وفي رواية عمارة بن غزية إن حذيفة قدم من غزوة فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان فقال : يا أميرالمؤمنين أدرك الناس! قال : وما ذاك؟ قال : غزوت فرج أرمينية فإذا أهل الشام يقرأون بقراءة عبدالله بن مسعود فيأتون بما لم يسمع أهل الشام فيكفر بعضهم بعضا.

وقال أيضا : ومن طريق محمد بن سيرين قال : كان الرجل يقول لصاحبه : كفرت بما تقول. فرفع ذلك إلى عثمان فتعاظم في نفسه ، وفنده ابن أبي داود أيضا من رواية بكير بن الأشج أن ناسا بالعراق يسأب أحدهم عن الآية فإذا قرأها قال : ألا إني أكفر بهذه ففشا ذلك في الناس. (٣)

فاستجاب عثمان لهذا الأمر الخطير ، وقام في الناس قائلا : أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة ، وأنتم تمترون في القرآن وتقولون : قراءة أبي

__________________

(١) جامع البيان للطبري ج١ : ٢٢١ ، المقنع للإمام الداني : ٦.

(٢) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٩ : ٢٢ ، ح ٤٧٠٢.

٣٠٨

وقراءة عبدالله ، يقول الرجل للرجل : والله مايقيم قراءتك ... الخ (١) ، وحينما استحفل الأمر وتفاقم عبأ حذيفة بن يمان رضوان الله تعالى عليه نفسه وانتدبها ليحث ابن عفان ويوقظه لخطورة هذه الظاهرة.

الهدف منه :

بعد أن صحا عثمان للخطر الداهم ، قرر أن يحذف الأحرف السبعة التي أنزلها الله عزوجل على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كقرآن ـ بزعمهم ـ ويبقي حرفا واحدا ، حتى يتخلص من رحمة الله التي انقلبت نقمة! وهذا الحرف الواحد هو القرآن الذي بين أيدينا.

كيفيته :

أمر عثمان زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمان بن الحارث بن هشام ، فنسخوا ما جمع في زمن أبي بكر ليكتبوا مصحف تتوحد عليه الأمة الإسلامية ويكون القرآن الرسمي ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف أرجع عثمان جمع أبي بكر إلى حفصة ، ثم بعث إلى الأقطار بنسخ من هذه المصاحف المنسوخة لتتوحد الناس عليها ، وكإجراء وقائي ، أمر عثمان بجمع المصاحف المحتوية على كل القرآن بأحرفه السبعة ليحرقها أمام الملأ ،

__________________

(١) كتاب المصاحف لابن أبي داود السجستاني ١ : ٢١٦ تحقيق محب الدين واعظ.

٣٠٩

ويتخلص من آيات قرآنية تقدر بستة أضعاف قرآننا الفعلي والتي كانت موجودة في المصحف الذي جمع في زمن أبي بكر ، وكان من الصحابة من رفض تسليم مصحفه حتى تضيع تلك الآيات ، وراح يطعن في نزاهة الجمع والجامعين ، وأنكر إحراق المصاحف ، وحذف قرآن كثير أنزله الله عزوجل.

اعتراف علماء أهل السنة بإحراق عثمان لستة أضعاف القرآن :

قال ابن جرير الطبري ، قريب العهد من تلك الوقائع : والآثار الدالة على أن إمام المسلمين وأمير المؤمنين عثمان بن عفان رحمة الله عليه جمع المسلمين نظرا منه لهم (١) ، وإشفاقا منه عليهم ، ورأفة منه بهم ، حذار الردة من بعضهم بعد الإسلام ، والدخول في الكفر بعد الإيمان ، إذ ظهر من بعضهم ـ بحضرته وفي عصره ـ التكذيب ببعض الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن ، مع سماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم النهي عن التكذيب بشيء منها ، وإخباره إياهم أن المراء فيها كفر ، فحملهم رحمة الله عليه إذ رأى ذلك المراء بينهم في عصره ، وبجداثة عهدهم بنزول القرآن ، وفراق رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم اياهم بما آمن عليهم معه عظيم البلاء في الدين من تلاوة القرآن على حرف واحد ، وجمعهم على مصحف واحد ، وحرق ما عدا المصحف الذي جمعهم عليه ، وعزم على كل من كان عنده مصحف مخالف المصحف الذي جمعهم عليه أن يحرقه ، فاستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة ، ورأت أن فيما فعل من ذلك الرشد والهداية ،

__________________

(١) ابتأ بالأسلوب الشاعري ، فلاحظ!

٣١٠

فترك القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له ، ونظرا منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها ، حتى درست من الأمة معرفتها وتعفت آثارها ، فلا سبيل لأحد اليوم إلى القراءة بها لدثورها وعفو آثارها وتتابع المسلمين على رفض القراءة بها من غير جحود منها بصحتها وصحة شيء منها ، ولكن نظرا منها لأنفسها ولسائر أهل دينها فلا قراءة اليوم للمسلمين إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح (!) دون ما عداها من الأحرف الستة الباقية. (١)

قال مكي بن أبي طالب القيسي: إن هذه القراءات كلها التي يقرأ بها الناس اليوم وصحت روايتها عن الأئمة ، إما هو جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووافق اللفظ بها خط المصحف ـ إلى قوله ـ وإذ كان المصحف بلا اختلاف كتب على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن على لغة واحدة ، والقراءة التي يقرأ بها لا يخرج شيء منها عن خط المصحف ، فليست إذا هي السبعة الأحرف التي نزل بها القرآن كلها.

__________________

(١) تفسير الطبري ١ : ٢٠ ـ ٢١، قال الكردي الخطاط : ٤٦ بعد نقله لكلام الطبري ما نصه : (ولقد أتينا بكلام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى ، لأنه من كبار الأئمة ، ولأن عصره كان قريبا من عصر ألصحابة والتابعين ، فإ،ه ولد سنة مئتين وأربع وعشرين وطاف الأقاليم في طلب العلم ، وسمع عن الثقات الأجلة ، وجمع من العلوم ما لم يشاركه أحد في عصره ، وله تصانيف عديدة ، حكي أنه مكث أربعين سنة فكتب في كل يوم منها أربعين ورقة ، توفي في شوال عام ثلاثمئة وعشرة وصلى على قبره عدة شهور ليلا ونهارا).

٣١١

ولو كانت هي السبعة كلها وهي موافقة للمصحف ، لكان المصحف قد كتب على سبع قراءات ، ولكان عثمان رضي الله عنه قد أبقى الاختلاف الذي كرهه ، وإنما جمع الناس على المصحف ليزول الاختلاف. (١)

قال ابن القيم الجوزية : ومن ذلك جمع عثمان رضي الله عنه الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة ، التي أطلق لهم رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم القراءة بها لما كان ذلك مصلحة (٣) ، فلما خاف الصحابة رضي الله عنهم على الأمة أن يختلفوا في القرآن ورأوا أن جمعهم على حرف واحد أسلم وأبعد من وقوع الاختلاف ، فعلوا ذلك ومنعوا الناس من القراءة بغيره (٣).

قال الكردي الخطاط في التاريخ القرآن : فخلاصة ما تقدم إن أبابكر أول من جمع القرآن بإشارة عمر رضي الله عنهما ، وكان جمعه بالأحرف السبعة

__________________

(١) الإبانة عن معاني القراءات لمكي بن أبي طالب القيسي : ٢ ـ ٤ تحقيق د. عبد الفتاح شلبي.

(٢) قول ابن القيم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أطلق لهم القراءة بها أمر صريح بحسب رواياتهم ، فيمكنك تغيير مفردات الآيات على مزاجك ، وكله قرآن منزل من عند الله عزوجل ، وتغافل ابن القيم أن الإطلاق والترخيص بالقراءة بها لا يعني الترخيص بحذفها وإلغائها من المصاحف ، فإن هذا النخريق والتحريق تحريف للقرآن ومحو لآثاره ، فمثلا من يقول إنك مخير بين القصر التمام في ظهر يوم عرفة لا يعني به جواز إلغاء القصر ومنع الناس من أدائها فيه فهذا تحريف لأحكام الله عزوجل ، والأمر واضح.

(٣) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية : ١٦.

٣١٢

كلها التي نزل بها القرآن ، وسببه الخوف من ضياعه بقتل القراء في الغزوات ، ثم في خلافه عثمان كثر اختلاف الناس في قراءة القرآن ، فخشي رضى الله عنه عاقبة هذا الأمر الخطير ، وقام بجمع القرآن على حرف واحد من الأحرف السبعة وهو حرف قريش ، وترك الأحرف الستة الباقية حرصا منه جمع المسلمين على مصحف واحد وقراءة واحدة ، وعزم على كل من كان عنده مصحف مخالف لمصحفه الذي جمعه أن يحرقه ، فأطاعوه واستصوبوا رأيه ، فالمصحف العثماني لم يجمع إلا بحرف واحد من الأحرف السبعة ، وان القراءات المعروفة الآن جميعها في حدود ذلك الحرف الواحد فقط ، وأمل الأحرف الستة فقد اندرست بتاتا من الأمة. (١)

قال في موضع آخر : أما عثمان رضي الله عنه ، فانه لم يجمع القرآن إلا بعد أن رأى اختلاف الناس في قراءته ، حتى أن بعضهم كان يقول : إن قراءتي خير من قراءتك ، وكان جمعه له بحرف واحد وهو لغة قريش وترك الأحرف الستة الباقية ، فكان من الواجب حمل الناس على اتباع مصحفه وعلى قراءته بحرف واحد فقط قبل أن يختلفوا فيه اختلاف اليهود والنصارى. (٣)

قال أحد الوهابية حينما فرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان : إن جمع أبي بكر على الأحرف السبعة ، أما جمعه في عهد عثمان فقد كان على حرف

__________________

(١) تاريخ القرآن الكريم : ٤٤ ـ ٤٥ ، للكردي الخطاط.

(٢) نفس المصدر : ٢٩ ـ ٣٠.

٣١٣

واحد. (١)

وللأسف فقد بينت روايات أهل السنة هذا الجمع المصيري الذي استقر عليه الإسلام بصورة لا تختلف كثيرا عن جمع أبي بكر من التساهل وعدم الدقة ، وتتضارب الروايات في تحديد الشخصيات التي قامت بهذا العمل وما هي وظيفة كل واحد منهم ، ولكن أبي بن كعب كان هو القيم على هذا الجمع ويصحح ما أخطأوا به.

وجاء في البخاري : عن ابن شهاب إن أنس بن مالك حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فرج أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان : يا أميرالمؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمان بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن

__________________

(١) دراسات في علوم القرآن الكريم د. فهد عبد الرحمان الرومي أستاذ الدراسات القرآنية في كلية المعلمين بالرياض.

٣١٤

في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.

قال ابن شهاب : وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت ، أنه سمع زيد بن ثابت قال : فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقرأ بها ، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري (مِنَ الْمُؤْمِنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه) (١) فأحلقناها في سورتها في المصحف. (٣)

وكما نرى فقد اتضح للمسلمين في وقت متأخر أن جمع زيد بن ثابت في زمن أبي بكر لم يكن تاما! فقد أنقص ذلك الجمع آية من القرآن لم تكتب فيه ، وبقي كذلك ناقصا مدة ثلاث عشرة سنة في غفلة من جميع الصحابة!فلم يجد زيد بن ثابت ذلك النقص إلا مع خزيمة بن ثابت من بين الصحابة وهو من وجد معه آخر سورة التوبة في جمع أبي بكر! والآن قد وجد معه آية

__________________

(١) الأحزاب: ٢٣.

(٢) صحيح البخاري ٤ : ١٩٠٨ ، ح ٤٧٠٢ و ٣ : ١٠٣٣ ، ح ٢٦٥٢ ، ٤: ١٤٨٨، ح ٣٨٢٣، هذه الرواية تفيد أن مصحف حفصة كان ينسخ منه القرآن ، مع أن الروايات الأخرى تنص على كونه المرجع الأخير للتثبت مما جمع بخط زيد بن ثابت ، كما هي رواية الطبري التي يذكر فيها أن المملي هو أبان بن سعيد بن العاص توفي سنة سبع وعشرين ، وإن كان أغلب العلماء يرون أنه توفي في يوم أجنادين في خلافة أبي بكر ، راجع ترجمته في الإصابة والاستيعاب وأسد الغابة ونسب قريش وسير أعلام النبلاء.

٣١٥

من سورة الأحزاب! ، فاقتصر زيد على شهادة خزيمة ؛ لأن شهادته كانت تعدل شهادة رجلين ، فدمجها في المصحف ، وتمت العملية بنجاح تام!

هل كان المصحف العثماني مجرد عن مصحف أبي بكر؟

الذي يفهم من رواية البخاري هو أنهم نسخوا المصحف العثماني من جمع أبي بكر ، وهذا لايمكن قبوله بهذه البساطة لأمور:

١ ـ قالوا إن جمع أبي بكر اشتمل على الأحرف السبعة ومصحف عثمان ينقص عنه بستة أضعاف ، فكيف يصح القول أن المصحف العثماني كان مجرد نسخة عن جمع أبي بكر؟!

٢ ـ توجد روايات تحكي وقوع النزاع بين الجامعين في بعض الآيات التي كتبت في صحف أبي بكر ، فكانوا يتركون الآيات التي وقع فيها النزاع ليأتي من سمعها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليكتبوها على ما سمعه! فكيف يكون المصحف العثماني مجرد نسخة؟!

قال في الإتقان : أخرج ابن داود من طريق محمد بن سيرين ، عن كثير بن أفلح قال : لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار ، فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها ، وكان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا تداروؤا في شيء أخروه. (١)

__________________

(١) الإتقان ١ : ١٦٥ ، وعلق عليه ابن سيرين بقوله : (فظننت أنما كانوا يؤخرونه لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونه على قوله) ، وظنه غير صحيح لأنهم قالوا : إن زيد بن ثابت

٣١٦

وكذا أخرج ابن أشته من طريق أيوب عن أبي قلابة قال : حدثني رجل من بني عامر يقال له أنس بن مالك ، قال : اختلفوا في القراءة على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون ، فبلغ ذلك عثمان بن عفان ، فقال عندي تكذبون به وتلحنون فيه؟! فمن نأى عني كان أشد تكذيبا وأكثر لحنا ، يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما. فاجتمعوا فكتبوا ، فكانوا إذا اختلفوا وتدارؤوا في آية ، قالوا : هذه أقرأها رسول الله فلانا. فيرسل إليه وهو على رأس ثلاث من المدينة ، فقال له : كيف أقرأك رسول الله آية كذا وكذا فيقول كذا وكذا فيكتبونها وقد تركوا لذلك مكانا. (١)

٣ ـ نفس رواية البخاري تحكي طعن عثمان بمصحف أبي

__________________

هو الذي علم بالعرضة الأخيرة ، وكان زيد بجانبهم ولا داعي للسفر إليه كما في الرواية الآتية ، أو يقال كما في رواياتهم الصحيحة : إن ابن مسعود هو من علم بالعرضة الأخيرة فكانوا يسافرون إلى العراق حتى يسمعوا منه ، وهذا أشكل من سابقة ؛ لأن العراق لا يمكن الوصول إليها بثلاثة أيام ـ كما هو حال الرواية الآتية ـ ثم إن ابن مسعود حجب عن هذا الجمع بكل جزئياته ، فظن ابن سيرين غير صحيح ، وظاهر الرواية هو أنهم كانوا يختلفون في أصل الآية ونصها فينتظرون من يأتي ليكتبوه ، والرواية الآتية تبين ذلك.

(١) الإتقان ١ :١٦٥.

٣١٧

بكر الذي عند حفصة وعدم رضاه بما فيه ، فكيف يكون مصحف عثمان نسخة عن جمع أبي بكر؟!

فقد علمنا سابقا أن زيد بن ثابت هو الذي قام بمجمع مصحف أبي بكر ، فلو كان المصحف العثماني نسخة عما في مصحف أبي بكر لكان زيد هو المرجع ي تحديد المكتوب في مصحف أبي بكر ، لا أن يقول عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم.

وزيد لم يكن قرشيا بل مدنيا ، فقول عثمان هو الحقيقة إلغاء لمرجعية مصحف أبي بكر الذي كتبه زيد بخط يده حال النزاع ، فصارت الأولوية لرجال قريش على مصحف أبي بكر (١) ، فكيف يكون المصحف العثماني نسخة عن مصحف أبي بكر؟!

وعلى هذا يتأكد ما بيناه سابقا من أن جمع أبي بكر لم يكن بهذه الدقة التي يمكن بها اتفاق الصحابة على ما كتبه زيد بن ثابت ورضاهم به ، وقلنا سابقا أنه لم يكمل.

اعتراضات:

١ ـ القرآن يثبت بخبرالواحد!

قد مر بين الملاحظات على الجمع الأول إن زيد بن ثابت كان يثبت آيات القرآن بخبر الواحد ، يأتيه شاهدان فيشهدان على أن هذه الجملة قرآن منزل ، فيقوم زيد بإثباتها في المصحف ، حتى أنه كان يثبته بشهادة رجل واحد تعدل

__________________

(١) العصبية القرشية هي التي عودنا عليها عثمان ، فلم بكتف بالتفصيل بالعطاء وفي الإمارة بل حتى في كتابة القرآن!

٣١٨

شهادته شهادة رجلين ، وهو خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، فقد أثبت زيد بشهادته في أول جمع آية (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُفٌ رَحيم‏) (١) ، وفي الجمع الثاني أتى خزيمة بآية من سورة الأحزاب (مِنَ الْمُؤْمِنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه‏) (٢) فدمجها أيضا.

كما جاء في صحيح البخاري عن خارجة بن زيد أن زيد بن ثابت قال : نسخت الصحف في المصاحف ، ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقرأ بها ، فلم أجدها إلا مع خزيمة ابن ثابت الأنصاري ، الذي جعل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم شهادته شهادة رجلين ، وهو قوله : (مِنَ الْمُؤْمِنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه))) (٣) ، فعليه كيف يقولون أن القرآن ثبتت آياته بالتواتر؟!

وحاول القرطبي في تفسيره أن يبعد شبهة الشيعة ـ بزعمه ـ من أن آيات القرآن ثبتت بخبر الواحد فافترى المؤدب بقوله : وقد طعن الرافضة ـ قبحهم الله تعالى ـ في القرآن ، وقالوا : إن الواحد يكفي في نقل الآية والحرف كما فعلتم ، فإنكم أثبتم بقول رجل واحد وهو خزيمة بن ثابت وحده آخر سورة

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) الأحزاب : ٢٣.

(٣) صحيح البخاري ٤ : ٢٣ وفي ج ٦ : ١٤٦وفي ج ٤ :٢٤ وفي ج ٥ :١٢٢ وفي ج ٦ :٢٢٦ وسنن الترمذي ، ح ٣١٠٤ وعلق عليه بقوله (حسن صحيح).

٣١٩

براءة وقوله : (مِنَ الْمُؤْمِنينَ رِجالٌ) فالجواب : إن خزيمة رضي الله عنه لما جاء بهما تذكرهما كثير من الصحابة وقد كان زيد يعرفهما ولذلك قال : ففقدت آيتين من آخر سورة التوبة ولو لم يعرفهما لم يدر هل فقد شيئا أو لا ، فالآية إنما ثبتت بلإجماع لا بحزيمة وحده ، جواب ثان : إنما ثبتتبشهادة خزيمة وحده لقيام الدليل على صحتها في صفة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فيه قرينة تغني عن طلب شاهد آخر بخلاف آية الأحزاب ، فإن تلك بشهادة زيد وأبي خزيمة لسماعهما إياها من النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم.

أقول : يرد على جوابه الأول ما يلي:

١ ـ إن قوله (تذكرهما كثير من الصحابة) ادعاء محض.

٢ ـ وقول زيد بن ثابت (ففقدت آيتين ... ) إن صح لا يثبت علمه المسبق بنصها ، فما المانع أن يعلم بوجود آية صفتها كذا وكذا، ولكنه لا يضبط نصها ولا كلماتها؟ كمن يقول إننا كنا نقرأ آية تسمى آية الدين ، وتتكلم عن الدين والشهود وكذا وكذا ولكنه يجهل نصها ، وهذا محتمل جدا ، وكلامنا إنما هو في تواتر القرآن بما هو تواتر تفصيلي أي ضبط النص حرفا بحرف ، وهذا لا يدل عليه كلام زيد السابق.

بل إن ظاهر الكلام عدم علمه بتلكما الآيتين حين الجمع ، وإنما علم عندما جاءه بهما خزيمة رضوان الله تعالى عليه ، وعلى أي حال فمجرد حكاية زيد للحادثة لا يعني أنه كان يعلم نصهما في وقت الجمع على الإجمال فضلا

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ١ : ٥٦. حصل خلط عند القرطبي، فالذي ورد في صحيح البخاري أن خزيمة بن ثابت هو صاحب آية الأحزاب ، أما براءة فأبو خزيمة.

٣٢٠