إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

عليها فإن أكثرها مأخوذ من كتاب أحمد بن محمد بن السيار المعروف بالسياري ، وهو منسوب إلى فساد المذهب. فعن النجاشي أنه ضعيف الحديث فاسد المذهب ، ذكر ذلك الحسين بن عبيد الله مجفو الرواية كثير المراسيل انتهى. وعن ابن الغضائري في رجاله : أحمد بن محمد بن سيار ، يكني أبا عبد الله القمي المعروف بالسياري ضعيف متهالك غال منحرف ، استثنى شيوخ روايته من كتاب نوادر الحكمة ، وحكى عن محمد بن علي بن محبوب في كتاب نوادر المصنف أنه قال بالتناسخ. (انتهى). وقريب مما حكي عن النجاشي ما حكي عن العلامة رحمة الله في الخلاصة ، فلا ريب في ضعفه. وكثير من تلك الأخبار ـ أي الدلالة على التحريف ـ عن فرات بن إبراهيم الكوفي ، وهو وإن لم ينسب إلى فساد المذهب بل في رجال المامقاني رحمه الله أنه كان من مشايخ الشيخ أبي الحسن على بن بابويه ، وقد أكثر الصدوق رحمه الله الرواية عنه لكنه لم يرد توثيق له من علماء الرجال بالنسبة إليه. وعدة منها عن تفسير العياشي رحمه الله ، وهو وإن كان من الإمامية وكان ثقة ، لكن أكثر الروايات المنقولة في تفسيره مرسلة فلا اعتبار بها. وعدة منها لا ربط لها بالمقام ، بل راجعة إلى كيفية اختلاف القراءات. وعدة منها مقطوع كذبها (١).

وسنبحث في ما يلي عن الوجهب الحق الذي يراه علماء الشيعة لمثل هذه الروايات.

__________________

(١) تقريرات في أصول الفقه للشيخ على الاشتهاردي : ٢٥٧ ـ ٢٥٨.

١٠١

دلالة أغلب الروايات

تضمنت بعض الروايات التي نسبت إلى أهل البيت عليهم السلام آيات قرآنية زيد فيها كلمات وجمل ليست في مصحفنا ، وعُلق في تلك الروايات على هذا المزيج من الآية والكلمة الأجتبية بجملة (هكذا نزلت) أي أن الآية نزلت بهذا الشكل بما فيها من الكلمات الأجنبية ، وهذه أمثلة لتلك الروايات :

الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن أسباط ، عن علي ابن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ : (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (في ولاية علي وولاية الأئمة من بعده) (فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (١). هكذا نزلت (٣).

الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن جعفر بن محمد بن عبيد الله ، عن محمد بن عيسى القمي ، عن محمد بن سليمان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ) (كلمات في محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام من ذريتهم) (فَنَسِيَ) (٣). هكذا والله نزلت على محمد صلى الله عليه وآله.

على بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن

__________________

(١) الأحزاب : ٧١.

(٢) أصول الكافي١ : ٤١٤ ، ح٨ ، تعليق على أكبر غفاري.

(٣) طه : ١١٥.

١٠٢

سنان عن عمار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ) (في علي) (بَغْيًا) (١).

وبهذا الإسناد عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن منخل عن جابر قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد هكذا (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا) (في علي) (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) (٣).

وبهذا الإسناد عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن منخل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزل جبرئل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا) (في علي نورا مبينا) (مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم) (٣).

أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبدالله ، عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) (آل محمد حقهم) (قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) آل محمد

__________________

(١) البقرة : ٩٠.

(٢) البقرة : ٢٣.

(٣) النساء : ٤٧.

١٠٣

حقهم) (رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (١).

وبهذا الإسناد عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن محمد بن الفلضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا) (آل محمد حقهم) (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًاإِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًاوَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) (٣). ثم قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ) (في ولاية علي) (فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُوا) (بولاية علي) (فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (٣) (٤).

أحمد بن مهران ـ رحمه الله ـ عن عبد العظيم ، عن بكار ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : هكذا نزلت هذه الآية (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ) (في علي) (لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) (٥) (٦).

فألصق الوهابيون تحريف القرآن بالشيعة! بدعوى أن بعض رواياتهم تحكي نزول الآيات من السماء بأشكل أخري غير التي نعرفها ، وواضح أن

__________________

(١) البقرة : ٥٩.

(٢) النساء : ١٦٨ ـ ١٦٩.

(٣) النساء : ١٧٠.

(٤) اصول الكافي١ : ٤١٦ ـ ٤١٧ ، ح٢٣إلى ٢٨عدا ٢٤.

(٥) النساء٦٦.

(٦) أصول الكافي١ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ ، ح٥٨ ، ٥٩ ، ٦٠.

١٠٤

تلك الكلمات قد نقصت وذهبت إذ لا وجود لها اليوم في مصحفنا ، فالشيعة تعتقد نقص القرآن ، والحمدالله رب العالمين!

هذا ملخص كلامهم بعد تخليصه من الشوائب والحسف ، وهذا ـ على ما فيه من خلط بين الرواية والاعتقاد بمضمونها الذي طالما يقعون فيه ، إذ لا ملازمة بينهما! ، وبعد التسليم بصحة أسانيد كل الروايات السابقة (١) ـ كلامٌ

__________________

(١) يحاول بعض الوهابية إلزام الشيعة بصحة كل روايات الكافي!! ، وهذا مضحك للغاية!إذ الكافي (كتابنا) لا كتاب الوهابية!ونحن أدرى بكتبنا منهم! ، ولكن كما قيل (الأمر ما جذع قصير أنفه) فهم يذكرون هذا في مقدمة كتبهم استغفالا منهم لعوامهم ولإقناعهم بإن الكافي عند الشيعة مثل البخاري ومسلم عند أهل السنة ، كل مافيه صحيح! ، وهذا ـ كالعادة ـ كذب على جمهور الشيعة ، بل على كل الشيعة في زماننا ، والأغرب أنهم يقومون بذكر مدح علماء الشيعة لكتاب الكافي كدليل على صحة كل ما فيه!! ، فهل القول بأنه من أفضل الكتب ، أو أنه جليل القدر ، أو أنه لم يصنف مثله ، أو أنه أصح الكتب وأَتقنها يعني أنه لا يوجد فيه روايات ضعيفة وغير مقبولة عند الشيعة؟! ، نعم هذا الكلام يدل على أنه جليل القدر وعظيم المنزلة ولم يصنف مثله وأصح الكتب وأتقنها بالقياس إلى غيره من الكتب وهذا غير الحكم بصحة كل مااافيه من الروايات ، فهذا لا يقول به الشيعة.

وقد حاول أحد الوهابية (ناصر ، ق) في كتابه أصول مذهب الشيعة ـ وهي رسالة دكتوراه ـ إقناع بني جلدته المساكين بهذه الفكرة بالإحالة على مصادر التي مدحت كتاب الكافي ، مع أن كل المصادر التي أحال عليها هي للأَخبارية ومع ذلك يعمم الحكم على كل الشيعة!! ، ثم يستغرب الوهابي من الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه كيف حكم بالوضعع على ما روي في تحريف القرآن ، مع أنها موجودة في الكافي ، ومع ذلك يبقى المتخلف مصرا على أن

١٠٥

ساقط من رأس؛ لأن عبارة (هكذا نزلت) لا يفهم الشيعة منها أن هذا

__________________

كل ما في الكافي صحيح عند الشيعة؛لأنهم مدحوه!! ، مع أن نفس الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه هو ممن مدح الكافي! ، وهذا كلام الوهابي في كتابه السابق في١ : ٢٢٧عن الكليني رضوان الله تعالى عليه : (الملقب عند الشيعة بثقة الإسلام ومؤلف أصح كتاب من كتبهم الأربعة المعتمدة في الرواية عندهم). وقال : (والكافي للكليني ـ رضوان الله تعالى عليه ـ عند شيوخ الرافضة في أعلى درجات الصحة؛لأن الكليني كان معاصرا للسفراء الأربعة ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ الذين يدعون الصلة بالمهدي الغائب المنتظر ـ عليه السلام ـ ولهذا كان التحقق من صحة مدوناته أمرا ميسورا له؛ لأنه يعيش معهم في بلد واحد وهو بغداد ـ

أقول : هذا الكلام لا يقبله محققو الشيعة لأدلة ذكروها في كتبهم ، فليحتفيظ بهذا الكلام لنفسه ـ ولكن يلاحظ أن ابن بابويه القمي ـ الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه ـ حكم بوضع ما روي في تحريف القرآن مع وجودها في الكافي الذي يصفونه بهذا الوصف ويوثقونه

هذا التوثيق).

أقول : فمع اعترافه بأن الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه حكم بالوضع على بعض الروايات التي في الكافي وهو رأس الشيعة وشيخهم في زمانه ، ألا يكون هذا سببا كافيا لإيقاظه وتبديد أحلامه السابقة! ، اللهم بلى ، إلاّمن طمس على عقله.

ملاحظة : هذا الوهابي اعتاد في كثير من مواضع كتابه السابق على نقل فكرة معينة ونقضها بعد عدة أسطر أو بعد صفحة ، فلا أدري هل هو أسلوب جديد في الكتابة؟ ، أم هي خواطر تدور في رأسه لا رابط بينها؟ ، أم ماذا؟ ، فأدعو كل من كانت هوايته حل الألغاز والأحاجي اقتناء هذا الكتاب.

١٠٦

المنُزل قرآن كله ، أي أن تلك الكلمات الدخيلة لا يرون أنها من نفس جنس القرآن حتى يقال إن القرآن في نظرهم حرُف ونقص بسقوطها! ، نعم الباقي هو من القرآن أما ما دمج فيه فليس منه (١) ؛لأن كلمة النتزيل الواردة في الروايات معناها يختلف عما هو معروف بيننا اليوم الذي خُصّ بنزول عين آيات القرآن ، والمقصود من التنزيل في الروايات هو التفسير النازل عن طريق الوحي توضيحا وتبيانا للمراد وشرحا للآيات القرآنية ، فليس التنزيل قرآنا منزلا ، وإنما تفسيرٌ منزل من قِبل الله تعالى ورثه أهل البيت عليهم السلام عن جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا هو اعتقاد محققي ومراجع الشيعة أن جبريل عليه السلام لم ينزل بالقرآن فقط ، وإنما أنزل تفسيره أيضا ، وهو المسمى في بعض الروايات بالتنزيل (٢) ، فلا يصح الافتراء

__________________

(١) وهذا ما يعتقده الشيعة ، والذي تعمد الأعراب تجاهله كما تعمدوا تجاهل كثير غيره ، وسببه واضح فتأليب الرعاع وإثارة الغوغاء على الشيعة هو غاية المنى وسدرة المنتهى عند الوهابية ، حتى إن بعضا منهم يعكف في لياليه قارئا كتب الروايات عند الشيعة يتصيد ما يحلو له من الروايات ويخترع التهم وينسج العقائد ويحيك الآراء التي لم ينزل ، الله بها من سلطان ، وما أن يبزغ الفجر حتى يرمي الشيعة بكل تخيلاته وسماديره ، وكل دليله هو : (رُوي) ، وهل هذا يكفي؟!والوهابية بعلمهم هذا يخترعون المذاهب والآراء للشيعة ثم يكرون عليها مشنعين مبدعين ، وفي الحقيقة هم لا يبدعون إلاّمخيلتهم وتصوراتهم السقيمة ، وكل هذا استدرار لغضب الهمج والطغمة منهم ، وعلى هذا تمر الأيام!

(٢) وهناك رأي يقول : إن قول الإمام عليه السلام في الرواية (هكذا نزلت) يقصد به أن نزول هذه

١٠٧

على الشيعة بأن من عقائدهم تحريف القرآن فقط لوجود روايات في كتبهم تذكر آيات القرآن مع كلمات غيرها وتعقبها بعبارة (هكذا نزلت)! إذ النزول من السماء في روايات الشيعة أعم من نزول القرآن ، وهذا نفس قول علماء أهل السنة بأن القرآن قد نزل مثله معه ، وستأتي كلماتهم فيه بإذنه تعالى ، وإلى هنا يتضع الوجه الصحيح لعشرات ـ إن لم نقل مئات ـ من الروايات التي أبهمت على الوهابية الذين لا خبرة له بروايات أهل البيت عليهم السلام فاستفادوا منها تحريف القرآن.

__________________

الآية من السماء كان على هذا المعنى لا على المعنى الذي يدعيه الناس ، أي أن هذا قصد الله عزّ وجلّ من الآية ، وقد يتبادر أن هذا الرأي يخالف الرأي الأول ، حيث يفيد هذا أن الوحي ليس له دور في إضافة تلك الكلمات كتفسير للآيات ، بل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي أضافها من عند نفسه ، وبعبارة أخرى عندما يقال هذا تنزيلها أي هذا معناها التي نزلت عليه الآية ، وكلمات التنزيل إنما جاءت من قِبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومنه إلى أهل بيته عليهم السلام إنما هو وحي يوحي ، وكله من عند الله عزّ وجلّ؛فلا يقال هذا من السماء وهذا من عند الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فتفسير القرآن والسنن والعلم بالمغيبات وكلمات الني صلى الله عليه وآله وسلم كلها تنسب حقيقة إلى الله عزّ وجلّ ، فلا فرق بين النظرتين؛ بل هي نظرة واحدة وهي نزول هذه الكلمات من السماء تفسيرا وشرحا للمراد ، وعلى أي حال فالكل يتفق على أن تلك الكلمات تفسيرا للقرآن لا عين القرآن ، وهذا محل الكلام.

١٠٨

الوهابية والخيال المتناقض!

بزغ لنا اليوم رأي جديد أو قل فلتة جديدة مفادها أن محدثي الشيعة هم الذين أقمحموا تلك الزيادات بين كلمات الرواية ، وأصحاب الفلتات هم بعض الوهابية كالعادة ، فقد قال الوهابي (ناصر. ق) في أصول مذهب الشيعة : وقد الكتملت صورة هذه الأسطورة ـ تحريف القرآن ـ على أيديهما فبدأت الروايات عند القمي والكليني ـ رضوان الله تعالى عليهما ـ تأخذ بهذه الأسطورة إلى مرحلة عملية فبدأوا بإقحام كلمة (في علي) بعد أي آية فيها لفظ (أنزل الله إليك) و (أنزلنا إليك) ، وزيادة لفظ (آل محمد حقهم) بعد لفظ (ظلموا) حيثما وقع في القرآن ... الخ (١).

لنسلم له أن تلك الزيادات من التحريف الصريح كما حيب المغفل ، ولنترك لأجله كلمات علماء الشيعة الآتية التي تنص على أنها من التنزيل ، ولننبذ أيضا ـ لسواد عينيه ـ كلمات علماء السنة التي تنص على وجود التنزيل في الشريعة ، كما سيأتي بإذنه تعالى ، ولنسائله :

كيف علم أن القمي والكليني رضوان الله تعالى عليهم قد أقحما هذه الجمل بين الآيات؟! ، أليس من المحتمل أنهما سمعاها ممن أقحمها بزعمه؟طبعا لا جواب!

ثم كيف يقتصر عملهما على إقحامها ، والروايات إنما تتحدث عن خصوص هذه الجمل المقمحة؟!أليس الصحيح هو أن يقول ، إنهما وضعا

__________________

(١) أصول مذهب الشيعة١ : ٢٤٠.

١٠٩

تلك الروايات بتمامها ، والعياذ بالله؟

وكما قلت سابقا : إن هذا الوهابي به أسلوب خاص في الكتابة ، حيث اعتاد على الدوام نقض ما ذكره مسبقا ، وهذا يظهر بأقل اطلاعة على كتابه (١) ، فهنا قال الوهابي إن روايات التحريف هي نتاج إقحام وتلاعب من

__________________

(١) أقول هذا لأني لم أكلف نفسي إلاّ قراءة مبحث تحريف القرآن قراءة سريعة ، ولو نظر المنصف في كل الأدلة التي ساقها ـ رواية أو حادثة أو قول عالم ـ لوجد أنها غير صريحة في المراد ، بل تحتمله كما تحتمل غيره ، فكان الوهابي يرجع ما يتناسب مع الفكرة المسبقة التي التقطها من الشوارع واختزنها في دماغه ، مع أن الإنصاف أن يرجع ما يتناسب مع الفكرة المسبقة التي التقطهان من الشوارع واختزنها في دماغه ، مع أن الإنصاف أن يرجع ما رجحه الشيعة أنفسهم! ، لذا صار شغله الشاغل في هذا الكتاب اصطياد ما يؤيد فكرته المتهالكة من كتب الشيعة ، وأذكر من باب المثال لا أكثر ولا أقل ، زعمه أن الكليني رضوان الله تعالى عليه قال بتحريف القرآن؛لأنه روى في كتابه روايات التحريف وسكت عنها ، فصار يضرب على هذا الوتر ، وما يكاد أن يرفع قلمه عنه حتى يخوص فيه من جديد! ، ومع كل هذا الضجيج والعجيج قال في آخر المبحث تحت عنوان (نتائج الموضوع) ١ : ٣٠٢ : (كما أن لديهم روايات تقول بالتحريف ، فإن عندهم روايات أخرى تنفي هذا الباطل وتنكره مثل قول إمامهم : واجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك على أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها ، فهم في حالة الاحتجاج عليه مصيبون ، وعلى تصديق ما أنزل الله مهتدون ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((لاتجمتمع أمتي على ضلالة)). ومثل ما جاء عندهم في ثواب قراءات القرآن ، وفضل حامل القرآن ، ووجب عرض أحاديثهم عليه ، والتمسك به إلى قيام الساعة ، وهذا يبطل أن يكون محرفا أو مخفيا عند منتظرهم).

وأحال على أصول الكافي عند ذكر مصادرها! ، فقل لي بربك كيف حكم أن الكليني رضوان الله تعالى عليه يرى تحريف القرآن ، وقد روى مثل هذه الروايات ، وكتب مثل هذه

١١٠

القمي والكليني رضوان الله تعالى عليهما ، ثم يأتي بعد صفحات ليقول : إن روايات التحريف قد تلقفها القمي رضوان الله تعالى عليه من كل افاك أثيم ـ بزعمه ـ ومن ثم أخذها الكليني رضوان الله تعالى عليه من شيخه القمي!! :

ويلاحظ أن معظم رويات الكليني ـ رضوان الله تعالى عليه ـ صاحب الكافي هي عن هذا القمي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ الذي تلقف هذه الروايات عن كل أفاك أثيم وسجلها في تفسيره (١).

أي أن التلاعب من الرواة لا من القمي ولا من الكيني رضوان الله تعالى عليهما! ، فما عدا مما بدا؟! ، والعجب أن هذه التخرصات والتناقضات تضمنتها رسالة دكتوراه حازت مرتبة الشرف الأولى! ، هزلت.

ما يدل من الروايات على أن المقصود من التنزيل هو التفسير

١ ـ من روايات الشيعة والوقائع التاريخية

منها ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام شرحا للآية الكريمة (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) (٣) :

__________________

الفصول ، وهي في نظر الوهابي تنفي تحريف القرآن؟! ، فلماذا ألزم الكليني عقيدة التحريف بسبب روايته لروايات تدل عليه ـ بزعمه ـ ولم يلزمه عدم اعتقاده ، وقد روي ما يدل على عدم اعتقاده؟! ، فالأمر ليس إلاّ فكرة مسبقة في دماغ الكاتب ينقصها التقاط رواية هنا وكلمة هناك!!

(١) أصول مذهب الشيعة١ : ٢٦٩ز

(٢) مريم : ٢٦

١١١

عن أبي عبد الله عليه السلام : قوله جل ثناؤه : (صوما وصمتا) ، قال : قلت : صمتا من أي شئ؟ قال : من الكذب. قال : قلت : (صوما وصمتا) تنزيل؟قال : نعم (١).

فظاهر مقطع الرواية (قوله جل ثناؤه) أن هذه الجملة (صوما وصمتا) قرآن كغيره ، ولكن بالتأمل في باقي الروايات يتضح أنها من التنزيل المفسرِّ للقرآن ، ففي الكافي :

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، ثم قال : مريم : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا) (٣). أي صوما صمتا (وفي نسخة أخري أي : صمتا) فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم (٣).

ويدل الجمع بين الروايتين على أن هذه الزيادة (صوما صمتا) تنزيل من السماء ، ولكن لاكقرآن بل كتفسير ، وهذا التفريق خفي على بعض الصحابة حتى دمجوا كثيرا من التنزيل مع القرآن وصاروا يقروأونه كقرآن وقد حار علماء السنة في تأويل هذه الوجوه ، وستأتي الإشارة لذلك مع ذكر بعض الموارد التي خلط الصحابة فيها القرآن بالتنزيل ، ونذكر هنا هذا المورد والبقية تأتي إن شاء الله تعالى :

أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري

__________________

(١) مستدرك الوسائل٧ : ٣٧١ ، ح٨٤٤٦.

(٢) مريم : ٢٦.

(٣) الكافي٤ : ٨٧ ، ح ٣٦٣٤٥.

١١٢

في المصاحف ، وابن مردويه عن أنس بن مالك أنه كان يقرأ (إني نذرت للرحمن صوما صمتا).

أخرج عبد بن حميد وابن الأنباري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قراها (إني نذرت للرحمن صوما صمتا) وقال : ليس إلاّ أن حملت فوضعت.

أخرج ابن الأنباري عن الشعبي قال : في قراءة أبي بن كعب (إني نذرت للرحمن صوما صمتا) (١).

وعلى هذا فالتنزيل موجود في كتب السنة ، بل وأكثر من كتب الشيعة ولكن أهل السنة ابتدعوا له الوجوه ، ومن هذه الوجوه القراءة الشاذة أو الأحرف السبعة أو نسخ التلاوة ، على مافي تلك الأقسام من تداخل تقف عليه بإذنه تعالى في الأبحاث اللاحقة.

ومما يدل على التنزيل ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام : ((نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ) (في ولاية علي) (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (٣) (٣).

ويتبين حال هذه الزيادة هل هي من القرآن أم لا ، بالرواية التي وردت عن الإمام الصادق عليه السلام : نزلت هذه الآية هكذا (وَقُلِ الْحَقُّ مِن

__________________

(١) الدر المنثور٤ : ٢٦٩ ـ ٢٧٠,

(٢) الكهف : ٢٩.

(٣) الكافي١ : ٤٢٥ ، ح٦٤.

١١٣

رَّبِّكُمْ) (١). يعني ولاية علي عليه السلام (٢).

وواضح أن الجمع بين الروايتين يفيد أ، مقطع (في ولاية علي) قد نزل به جبرئيل عليه السلام ، ولكنه غير القرآن لفصله في الرواية الآخرى بين الآية والمقطع بكلمة (يعني) أي أن هذا هو معنى الآية ، فالمقطع أنزل كتفسير لا كقرآن.

ويدل عليه أيضا هذه الرواية التي وقعت ضمن موسوعه الفتراء على الشيعة بتحريف القرآن : عن أبي جعفر عليه السلام قال : (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ) (محمد) (بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ) (بموالاة علي) (اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا) (من آل محمد) (كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) (٣) (٤).

مع أن هناك رواية أخرى جاءت عن نفس الإمام الباقر عليه السلام مبينة لما ورد في تلك الرواية : فقال لهم الله : فإن (جَاكُمْ) (محمد) (بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ) (بموالاة علي) (اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا) (من آل محمد) (كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) ، فذلك تفسيرها بالباطن (٥).

فيتضح أن قولهم عليهم السلام (قال الله تعالى) لا يقصد به القرآن

__________________

(١) الكهف : ٢٩.

(٢) نقلاً عن شرح أصول الكافي للمازندراني رضوان الله تعالى عليه٧ : ٩١_٩٢ط دار إحياء التراثد

(٣) البقرة : ٨٧.

(٤) الكافي١ : ٤١٨ ، ح٣١.

(٥) بحار الأنوار٢٤ : ٣٠٧.

١١٤

دائما ، بل قد يكون قرآنا مختلطا بتفسيره النازل من عند الله سبحانه وتعالى.

وكذا ما ورد في الكافي : عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله تعالى : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع ٍلِّلْكَافِرِينَ) (بولاية علي) (لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ) (١) ثم قال : هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله (٣).

__________________

(١) المعارج : ١_٣.

(٢) الكافي١ : ٤٢٢ ، ح٤٧ط دار الكتب الإسلامية.

أقول : سبب نزول هذه الآيات معلوم عند أهل التفيسر والتاريخ ، وهو ما أجاب به سفيان بن عيينة من سأل عن قوله عزّ وجلّ : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) (المعراج : ١) فيمن نزلت؟ فقال للسائل : سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك. حدثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه صلوات الله عليهم قال : لما كان رسول الله بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فإخذذ بيد على فقال : من كنت مولاه فعلى مولاه. فشاع ذلك وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له حتي أتي الأبطح فنزل عن ناقته فأناخها فقال : يامحمد؟أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إلاّ الله وانك رسول الله فقبلناه وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك ، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلنا وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك ، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلنا وأمرتنا بالحج فقبنا ، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلى مولاه. فهذا شيء منك أم من الله عزّ وجلّ؟فقال : والذي لا إله إلاّ هو إن هذا من الله. فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فإمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فما وصل إليها حتى رماه الله تعالى

١١٥

فهذه الروایة ظاهرها ان الآیة مع الزیادة من القرآن ، ولکن بالنظر لما نقله العلامة المجلسی رضوان الله تعالی علیه في مرآة العقول یتضح انها تفسیر منزل:

وروى محمد بن عباس أيضا حديث المتن عن أبي بصير ثم قال : هكذا في مصحف فاطمة عليها السلام ، وفي رواية أخرى عن أبي بصير أيضا ، وفيه : ثم قال هكذا ولله نزل بها جبرئيل عليه وآله وسلم ، وهكذا هو مثبت في مصحف فاطمة (١).

وعليه فهذه الزيادة وإن نزل بها أمين الوحي من السماء ، ولكنها ليست من نصوص القرآن ، وإلا لقيل إنها موجودة في مصحف أهل البيت عليهم السلام ، لا أن تودع الزيادة في مصحف فاطمة عليها السلام الذي لم يشتمل على شيء من القرآن ، ففي الكافي

عن الحسين بن أبي العلاء قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن عندي الجفر الأبيض ، قال : قلت : فأي شيء فيه؟ قال : زبور داود ، وتوارة موسى ، وإنجيل عيسى ، وصحف إبراهيم عليهم السلام والحلال والحرام ، ومصحف فاطمة ، ما أزعم أن فيه قرآنا ، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى

__________________

بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله ، وأنزل الله عزّ وجلّ (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) الآيات. راجع الغدير للعلامة الأميني رضوان الله تعالى عليه١ : ٢٣٩ وما بعدها حيث ذكر ثلاثين عالما من علماء أهل السنة ممن ذكروا هذه الحادثة ونزول الآية فيها.

(١) مرآة العقول٥ : ٦١ ط دار الكتب الإسلامية.

١١٦

أحد حتى فيه الجلدة ، ونصف الجلدة ، وربع الجلدة وأرش الخدش (١).

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام : ثم سكت ساعة ثم قال : وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام؟قال : قلت : وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات (٣) ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، قال : قلت : هذا

__________________

(١) الكافي١ : ٢٤٠ ، ح٣ط دار الكتب الإسلامية.

(٢) المقصود أن حجم مصحف فاطمة عليها السلام أكبر من حجم القرآن الكريم بثلاث مرات ، أما الوهابية فقد افتروا كعادتهم على الشيعة بأن عندهم مصحفنا غير مصحفنا يسمى بمصحف فاطمة!ولا ندري من أين استفادوا هذا المعني؟!ويوما ما علق بي كتيب لأحد الوهابية يستدل فيه على أن مصحف فاطمة عليها السلام هو قرآن الشيعة؛ لأن هنالك رواية أخرى رويت عن أبي عبد الله عليه السلام فيها أن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله سبعة عشر ألف أية ، فاستدل على ذلك بأن القرآن عند الشيعة ثلاثه أضعاف الموجود ، وحيث أن مصحف فاطمة ثلاثة أضعاف الموجود أيضا ، فقرآن الشيعة هو مصحف فاطمة!!.

وكما ترى فإن هذه السخافة لا تنطلي على فاقد العقل!إذ التوافق بين كتابين الحجم لا يلزم منه توافقهما في المتن! والمضحك أن هذا الكلام برمته يتعارض مع العرض الذي لأجله كتب الوهابي كتيبة ، لأنه أراد إثبات اعتقاد الشيعة تحريف قرآن المسلمين الذي تدين الشيعة به ، ولكن دليله المعوج جره إلى أن الشيعة لهم قرآن آخر ، لا أن قرآن المسلمين ـ شيعة وسنة ـ محرف في نظر الشيعة!! ، وبعد هذا فهل يستغرب ترفّع علماء الشيعة عن الاهتمام بسخافات الوهابية؟!لا والله.

١١٧

والله العلم قال : انه لعلم وما هو بذاک (١).

فتستنتج ان تلک الزیادة وان کان جبرئیل علیه السلام قد نزل بها من السماء ، ولکنه نزل بها کتفسیر للآیة لا کقرآن ، ناهیک عن ان ذلک الکافر المعترض علی الامامة شک في ان هذا التفضیل للامام علي علیه السلام امرا من عندالله عزّ وجلّ ام من عند نفس النبي صلی الله علیه وآله وسلم ، وعلی هذا لو کانت تلک الزیادة من القرآن لما شک في ذلک.

ومما یدل علی ان التنزیل لیس من القرآن هو اقحام بعض الروایات في التنزیل ضمن آیات تخاطب المشرکین واهل الکتاب من الیهود والنصاری فمن غیر المعقول ان تامر تلک الآیات ـ القرآن والتنزیل بحسب الفرض ـ غیر المسلمین بالتسلیم لامیر المومنین علیه السلام بالولایة والوصایة وعلیه فلا ریب ان هذه الزیادات لیت من جنس القرآن ، وانماهی تفسیرها بالباطن او تاویلها ، وکمثال :

قلت ـ الفضیل ـ (وَاصبِر علی ما یَقُولون) (٢)؟ قال الامام موسی الکاظم علیه السلام : یقولون فیک ، (وَاهجُرهُم هَجرا جَمیلا وذَرنی) (٣) (یا محمد) (والمکذّببین) (بوصیک) (اُولی النِعمة ومَهِّلهُم قلیلا) قلت : ان هذا تنزیل؟ قال : نعم (٤) ، وقد مرت بعض الموارد من هذا النحو فراجع.

__________________

(١) الکافي ١ : ٢٣٩ ، ح ١ ط دار الکتب الاسلامیة.

(٢) المزمل : ١٠

(٣) المزمل : ١١ـ١٠

(٤) الکافی ١ : ٤٣٤ ، ح ١.

١١٨

ویدل علیه ایضا الجمع بین کثیر من الروایات التي یذکر فیها التنزیل ونزوله من السماء ، ثم تاتی في المقابل روایات کثیرة عن الامام علیه السلام لا تُذکر فیها تلک الزیادة ، وانما یقتصر علی النص القرآنی ، وهذا الامر لم یتکرر مرة او مرتین ، بل کثر واستفاض حتی لا یکاد یخلو من تنزیل ، فلا تنزیل الا وفي مقابله جموع من الروایات التی تقتصر علی النص القرآنی ، مع العلم ان الرویات التي یقتصر فیها علی النص القرآنی تتضمن طعونا صریحة في ابن ابي قحافة وابن الخطاب مع ذکر اسمیهما ، وهذا ینفی دعوی التقیة في هذه الموارد ، ویمکن الرجوع الی کتب التفسیر الروائیة عند الیشعة وتتبع الآیات التي زید فیها التنزیل ، لتجد في مقابلها عدة من الروایات تذکر الآیة خالصة من ای تنزیل ، مع احتواء الروایات علی الطعن في رموز القوم بلا تطرق للتحریف والنقیصة فط الآیة ، فراجع مثلا تفسیرا البرهان للسید هاشم البحراني رضوان الله تعالی علیه.

ویدل علیه ایضا روایات کثرة تحکي نزول اسماء ائمة اهل البیت علیهم السلام، وبالخصوص اسم الامام علی علیه السلام بین ثنایا الآیات الکریمة مع نه ورده روایة صحیحة السند في الکافی تدل بظاهراها علی ان اسماء اهل البیت علیهم السلام لم تذکر صراحة في آیات القرآن ، والروایة هی :

عن ابی بصیر قال : سالت ابا عبدالله علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (یا ایُّها الّذین آمَنوا اَطیعوا الله واَطیعوا الرَّسول وّ اُولی الامر مِنکم) (١).

__________________

(١) النساء : ٥٩.

١١٩

فقال : نزلت في علط بن ابی طالب والحسن والحسین علیهم السلام. فقلت له : ان الناس یقولون : فما له لم یسم علیا واهل بیته علیهم السلام في کتاب الله عزّوجل؟ قال : فقال علیه السلام: قولوا لهم : ان رسول الله صلی الله علیه وآله نزلت علیه الصلاة ولم یسم الله لهم ثلاثا ولا اربعا ، حتی کان رسول الله صلی الله علیه وآله هو الذی فسر ذلک لهم ، ونزلت علیه الزکاة ولم یسم لهم من کل اربعین درهما درهم ، حتی کان رسول الله صلی الله علیه وآله هو الذی فسر ذلک لهم ، ونزل الحج فلم یقل لهم : طوفوا اسبوعا ، حتی کان رسول الله صلی الله علیه وآله هو الذی فسر ذلک لهم(١).

فظاهر هذه الصحیحة یتعارض مع الروایات التی فیها نزول اسمائهم علیهم السلام من السماء قرآنا ، ویمکن حل التعارض یکون تلک الاسماء من قبیل التفسیر بالباطن المنزل من السماء وهو ما ذکرنا الادلة علیه منذ البدایة.

ویدل علیه ایضا ما جاء في بحار الانوار للعلامة المجلسی رضوان الله تعالی علیه عن الامام امیر المومنین علیه السلام انه قال : اعلم یا سلمان ان الشاک في امرنا وعلومنا کالمممتري في معرفتنا وحقوقنا ، وقد فرض ولایتنا في کتابه فط غیر موضع ، وبین فیه ما وجب العمل به ، وهو غیر مکشوف(٢).

وهذه الروایة ضریحة فط ان ولایة اهل البیت علیهم السلام ذکرت في

__________________

(١) الکافي ١ : ٢٨٧ ـ ٢٨٦ ، ح ١.

(٢) بحار الانوار ٧٢ : ٢٨ ، ح ١٠.

١٢٠