إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

__________________

في الخمر ثلاث آيات : الأولى : في قوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فيهِما إِثْمٌ كَبيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاس) (البقرة : ٢١٩) فكان من المسلمين من شارب ومن تارك ، إلى أن شرب رجل فدخل في الصلاة فهجر فنزل قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى‏ حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُون ) (النساء : ٤٣) فشربها من شربها من المسلمين ، وتركها من تركها حتى شربها عمر فأخذ بلحى بعير وشج به رأس عبد الرحمان بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر يقول:

وكائن بالقليب قليب بدر

من الفتيان والعرب الكرام

أيوعدني ابن كبشة ـ النبي ـ أن سنحيا

وكيف حياة أصداء وهام

أيعجز أن يرد الموت عني

وينشرني إذا بليت عظامي

ألا من مبلغ الرحمان عني

بأني تارك شهر الصيام

فقل الله يمنعني شرابي

وقل لله يمنعني طعامي

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ذلك فخرج مغضبا يجر رداءه ، فرفع شيئا كان في يده فضربه. فقال : أعوذ بالله من غضبه ، وغضب رسوله. فأنزل الله تعالى (إِنَّما يُريدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُون‏) (المائدة : ٩١) فقال عمر رضي الله عنه : انتهينا ، انتهينا) وجاء مختصرا في تاريخ المدينة المنورة لابن شبة ٣ : ٨٦٣. وقد كان معاندا أشد العناد لمن طلب تفسير القرآن وتعلمه ، وقصة صبيغ بن عسل الذي ضربه فأدماه مرارا ، لأنه سأل عن معنى الذاريات ذروا مشهورة ، وكشاهد نذكر على سياسة عمر في رفض كتابة التفسير ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ٦ : ١٣٧ ، ح ٣٠٠٩٧ (عن عامر قال : كتب رجل مصحفا وكتب عند كل آية تفسيرها ،

٤٠١

سموها الفاضلة أو المزلزة التي لم تترك أحد منهم إلا ونالت منه ، وسورة البينة التي جاء في الأثر أن الله جعل في تنزيلها أسماء سبعين رجلا من قريش، وأن الإمام الرضا عليه السلام بعث بمصحفه للبزنطي ففتحه فوجد فيه تلك الأسماء كما مر الكلام عنه ، فحينما وقع النظر على التنزيل المردف بالقرآن تمعرت الوجوه وطرت حسائك الصدور وما كان إلا أن نبذوه وردوه ، فانصرف الإمام علي عليه السلام بمصحفه الجامع وقال لن تروه بعد يومكم هذا أبدا ، واسترجع عليه السلام بقوله (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَليلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) (١).

بعض كلمات الشيعة في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام:

قال الشيخ الصدوق في اعتقاداته : ومثل هذا كثير ، وكله وحي وليس بقرآن. ولو كان ثرآنا لكان قرآنا مقرونا به موصولا إليه غير مفصول عنه ، كما كان أمير المؤمنين جمعه فلما جاء به قال : هذا كتاب ربكم كما أنزل على نبيكم لم يزد فيه حرف ولا ينقص منه حرف ، فقالوا لا حاجة لنا فيه ، عندنا مثل الذي

__________________

فدعا به عمر فقرضه بالمقراضين)!! وأحزاب التلميع تقول عن أمثال هذه الرواية أنه فعل ذلك لأنه خاف اختلاط القرآن بغيره! وهذا كما يقولون (ضحك على الذقون)! وعلى أي حال لم يرق لابن الخطاب ما فعله أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام من كتابة فضائح المشركين والمنافقين في هامش القرآن.

(١) آل عمران : ١٨٧.

٤٠٢

عندك فانصرف وهو يقول (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَليلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ)(١). (٢)

وقال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في أوائل المقالات : ولكن حذف ما كان مثبتا في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتا منزلا ، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز. (٣)

وقال ابن شهر آشوب رضوان الله تعالى عليه : وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام أنه آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلا للصلاة حتى يؤلف القرآن ويجمعه ، فانقطع عنهم مدة إلى أن جمعه ثم خرج إليهم به في إزار يحمله وهم مجتمعون في المسجد فأنكروا مصيره بعد انقطاع مع ألبته قالوا : لأمر ما جاء به أبوالحسن ، فلما توسطهم وضع الكتاب بينهم ، ثم قال : إن رسول الله قال : إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي. وهذا الكتاب وأنا العترة ، فقام إليه الثاني فقال له : إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله فلا حاجة لنا فيكما ، فحمل عليه السلام الكتاب وعاد بعد أن الزمهم الحجة. وفي خبر طويل عن الصادق عليه السلام أنه حمله وولى راجعا نحو حجرته وهو يقول (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَليلاً فَبِئْسَ ما

__________________

(١) آل عمران : ١٨٧.

(٢) الاعتقادات ك ٩٣.

(٣) أوائل المقالات في المذاهب المختارات : ٩١.

٤٠٣

يَشْتَرُونَ) (١). (٢)

وقال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه في البيان : إن وجود مصحف لأمير المؤمنين عليه السّلام يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور مما لا ينبغي الشك فيه، وتسالم العلماء الأعلام على وجوده أغنانا عن التكلف لإثباته، كما أن اشتمال قرآنه عليه السّلام على زيادات ليست في القرآن الموجود، وإن كان صحيحا إلا أنه لا دلالة في ذلك على أن هذه الزيادات كانت من القرآن، وقد أسقطت منه بالتحريف، بل الصحيح أن تلك الزيادات كانت تفسيرا بعنوان التأويل، وما يؤول اليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من اللّه شرحا للمراد ، وإن هذه الشبهة مبتنية على أن يراد من لفظي التأويل والتنزيل ما اصطلح عليه المتأخرون من إطلاق لفظ التنزيل على ما نزل قرآنا، وإطلاق لفظ التأويل على بيان المراد من اللفظ، حملا له على خلاف ظاهره، إلا أن هذين الإطلاقين من الاصطلاحات المحدثة، وليس لهما في اللغة عين ولا أثر ليحمل عليهما هذان اللفظان (التنزيل والتأويل) متى وردا في الروايات المأثورة عن أهل البيت عليهم السّلام.

وعلى ما ذكرناه فليس كل ما نزل من اللّه وحيا يلزم أن يكون من القرآن، فالذي يستفاد من الروايات في هذا المقام أن مصحف علي عليه السّلام كان مشتملا على زيادات تنزيلا أو تأويلا. ولا دلالة في شى‏ء من هذه الروايات على أن تلك الزيادات هي من القرآن. وعلى ذلك يحمل ما

__________________

(١) آل عمران : ١٨٧.

(٢) مناقب آل أبي طالب ١ : ٣٢٠.

٤٠٤

ورد من ذكر أسماء المنافقين في مصحف أمير المؤمنين عليه السّلام فإن ذكر أسمائهم لا بد وأن يكون بعنوان التفسير.

ويدل على ذلك ما تقدم من الأدلة القاطعة على عدم سقوط شى‏ء من القرآن، أضف إلى ذلك أن سيرة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مع المنافقين تأبى ذلك فإن دأبه تأليف قلوبهم، والإسرار بما يعلمه من نفاقهم، وهذا واضح لمن له أدنى اطّلاع على سيرة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وحسن أخلاقه، فكيف يمكن أن يذكر أسماءهم في القرآن، ويأمرهم بلعن أنفسهم، ويأمر سائر المسلمين ذلك ويحثهم عليه ليلا ونهارا، وهل يحتمل ذلك حتى ينظر في‏صحته وفساده أو يتمسك في إثباته بما في بعض الروايات من وجود أسماء جملة من المنافقين في مصحف علي عليه السّلام وهل يقاس ذلك بذكر أبي لهب المعلن بشركه. ومعاداته للنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مع علم النبي بأنه يموت على شركه. نعم لا بعد في ذكر النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أسماء المنافقين لبعض خواصه كأمير المؤمنين عليه السّلام وغيره في مجالسه الخاصة.

وحاصل ما تقدم: أن وجود الزيادات في مصحف علي عليه السّلام وإن كان صحيحا، إلا أن هذه الزيادات ليست من القرآن، ومما أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بتبليغه إلى الامّة، فإن الالتزام بزيادة مصحفه بهذا النوع من الزيادة قول بلا دليل، مضافا إلى أنه باطل قطعا. ويدل على بطلانه جميع ما تقدم من الأدلة القاطعة على عدم التحريف في القرآن. (١)

__________________

(١) البیان فی تفسیر القرآن : ٢٢٣ ـ ٢٢٦.

٤٠٥

قال في بحوث في تاريخ القرآن : إنّه قد ورد أنّه كان لأمير المؤمنين عليّ عليه السّلام قرآن مخصوص، جمعه بنفسه بعد وفاته صلّى اللّه عليه وآله، وعرضه على القوم، فأعرضوا عنه، فحجبه عنهم، والمعروف أنّه كان مشتملا على أبعاض ليست موجودة في هذا القرآن الذي بين أيدينا.

واجيب بأنّ زيادة قرآنه عليه السّلام على ما في هذا القرآن الموجود وإن كانت متيقّنة لكن من الذي قال: إنّ هذه الزيادة كانت في القرآن نفسه، فلعلّها كانت تفسيرا بعنوان التأويل، أي ما يؤوّل إليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من اللّه تعالى شرحا لمراده، كما في الأحاديث القدسية، لا بعنوان القرآن المعجز. (١)

بعض الروايات

نذكر هنا بعض الروايات التي تحكي ما جرى على مصحف أمير المؤمنين عليه السلام ، وستأتي كلمات العلماء والمحققين عليهم رضوان الله :

في الكافي :محمد بن يحى ، عن محمد بت الحسين ، عن عبد الرحمان بن أبي هاشم ، عن سالم بن سالمة قال : قرأ رجل على أبي عبدالله عليه السلام وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : كف عن هذه القراءة ، غقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام القائم عليه السلام قرأ كتاب الله عزوجل على حده ، وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام وقال : أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه كتبه فقال لهم : هذا كتاب الله عزوجل كما أنزله الله

__________________

(١) بحوث في تاريخ القرآن للسيد مير محمدي زرندي : ٢٧٨.

٤٠٦

عل محمد صلى الله عليه وآله وقد جمعته بين اللوحين قالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه ، فقال : أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا ، إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرأوه. (١)

وفي بصائر الدرجات : عن إبراهيم بن عمر عنه قال : إن في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن ، وكانت فيه أسماء الرجال فألقيت وإنما الاسم الواحد في وجوه لا تحصى تعرف ذلك الوصاة. (٣)

وفي كتاب سليم بن قيس : فلما جمعه كله وكتبه بيده على تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ ، بعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع. فبعث إليه علي عليه السلام : إني لمشغول وقد آليت نفسي يمينا أن لا أرتدي رداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه. فسكتوا عنه أياما فجمعه في ثوب واحد وختمه ، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله فنادى علي عليه السلام بأعلى صوته : يا أيها الناس ، إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد. فلم ينزل الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وآله آية إلا وقد جمعتها ، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى اله عليه وآله وعلمني تأويلها. ثم قال لهم علي عليه السلام : لئلا

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦٣٣ ، لا يخفي عليك أن المقصود من جملة (كما أنزله الله) أي القرآن مع تنزيله وتفسيره الذي نزل به جبريل عليه السلام وقد مر الكلام مفصلا.

(٢) بصائر الدرجات ١ : ١٩٥ ـ ١٩٦ ، ح ٦.

٤٠٧

تقولوا غدا إنا كنا عن هذا غافلين. ثم قال لهم علي عليه السلام : لئلا تقولوا يوم القيامة إني لم أعدكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي ، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته. فقال عمر : ما أغنانا ما معنا من القرآن عما تدعونا إليه ثم دخل علي عليه السلام بيته (١).

وفي الاحتجاج : فلما رأى علي عليه السلام غدرهم وقلة وفائهم لزم بيته واقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه ، فلم يخرج حتى جمعه كله ، فكتبه على تنزيله والناسخ والمنسوخ ، فبعث إليه أبو بكر أن أخرج فبايع ، فبعث إليه إني مشغول فقد آليت بيمين أن لا ارتدى برداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه ، فجمعه في ثوب وختمه ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى عليه السلام بأعلى صوته : أيها الناس إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب ، فلم ينزل الله على نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتها كلها في هذا الثوب، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وأعلمني تأويلها. فقالوا : لا حاجة لنا به عندنا مثله (٣).

وعن البحار : في رواية أبي ذر الغفاري رضي الله عنه إنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله، جمع علي عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم كما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه و

__________________

(١) کتاب سلیم بن قیس : ١٤٦ ـ ١٤٧ تحقیق باقر الأنصاري.

(٢) الاحتجاج للطربسي ١ : ١٠٧.

٤٠٨

آله. فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم ، فوثب عمر وقال : يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه ، فأخذه علي عليه السلام وانصرف ، ثم أحضروا زيد بن ثابت وكان للقرآن ، فقال له عمر : إن عليا جاءنا بالقرآن ، وفيه فضائح المهاجرين والأنصار : وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار ، فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال : فان أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل ما قد عملتم؟ قال عمر : فما الحيلة؟ قال زيد أنتم أعلم بالحيلة ، فقال عمر : ما حيلة دون أن نقتله ونستريح منه ، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد ، فلم يقدر على ذلك. وقد مضى شرح ذلك ، فلما استخلف عمر سأل عليا عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم ، فقال : يا أبا الحسن! إن جئت بالقرآن الذي كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه ، فقال علي عليه السلام : هيهات ليس إلى ذلك سبيل ، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا (تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلين) (١). أو تقولوا ما جئتنا به ، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والوصياء من ولدي ، فقال عمر : فهل وقت لإظهاره معلوم؟ قال علي عليه السلام نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة عليه. (٢)

__________________

(١) الأعراف : ١٧٢.

(٢) بحار الأنوار ٩٨ : ٤٢ ـ ٤٣.

٤٠٩

أقول : الروايات في هذا المجال متفقة على معنى واحد وهو عرض الأمير عليه السلام مصحفه على القوم ورفضهم له لما فيه من مثالبهم وفضائحهم ، وبالجمع بين الأدلة يتضح أن تلك الفضائح كانت بذكر أسمائهم ولم تكن إلا من باب التفسير والتنزيل ، ومن جهة أخرى كان في القرآن ـ بالمعنى المجازي ـ من فضائل أهل البيت عليهم السلام الشيء الكثير لاختصاصهم عليهم الصلاة والسلام بكثير من الآيات القرآنية وكذا ذكر عدوهم وصفاتهم ، لذا روي عنهم عليهم السلام أنهم قالوا :

نزل القرآن على أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدونا ، وربع في فرائض وأحكام ، وربع سنن وأمثال ، ولنا كرائم القرآن. (١)

ونعلم بذلك معنى ما روي عنهم عليه السلام مرسلا : لو قد قرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمين (٣) ، لأنه احتوى التنزيل. فالقرآن كما أنزل ـ أي بما يحتوي من التنزيل ـ كان كبير الحجم ، وهذه هي صفة المصحف الذي جاء به أمير المؤمنين عليه السلام لهم في روايات أهل السنة ، وحتما هذا القرآن بآياته وتنزيله لم يجمعه أحد غير أمير المؤمنين عليه السلام ومنه إلى بقية الأوصياء عليهم السلام ، لذا روي عنهم عليه السلام قولهم : ((ما يستطيع أحد أن يدعي أنه جمع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء)) (٣) ،

__________________

(١) بحار الأنوار ٩٨ : ١١٤ ، عن تفسير العياشي.

(٢) بحار الأنوار ٩٨ : ٥٥ ، ح ٢٤ نقلا عن تفسير العياشي.

(٣) بحار الأنوار ٩٨ : ٨٨ ، ح ٢٦.

٤١٠

وكذا روي : ((ما من أحد من الناس يقول : إنه جمع القرآن كله كما أنزل الله إلا كذب ، وما جمعه وما حفظه كما أنزل الله إلا علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام)) (١) ، ونسأل الله أن يرزقنا النظر في هذا التنزيل بأعيننا ، آمين رب العالمين.

النتيجة :

سد باب العلم على الأمة لإطفاء نور التفسير الذي جمعه الإمام علي عليه السلام ردف النصوص القرآنية ، فقد ردوا مصحفا شمل كل النازل م السماء ، ويتمسز بأن نصوصه القرآنية وتنزيله كانت إملاء من رسول الله وتدوينا من الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهما ، وهذا لا يعني أنه جمع في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنما أملاه صلى الله عليه وآله وسلم في زمنه على الإمام علي عليه السلام في قطع من الأوراق والرقاع ومن ثم عمل على جمعه عليه السلام فيما بعد وفاته صلى الله علي هو آله وسلم ، قال في البحار : ((أخبر أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وآله قال : في مرضه الذي توفي فيه لعلي بن أبي طالب عليه السلام : يا علي هذا كتاب الله خذه إليك ، فجمعه علي عليه السلام في ثوب فمضى إلى منزله ، فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله جلس علي فألفه كما أنزل الله ، وكان به عالما. وحدثني أبو لعلاء العطار والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما

__________________

(١) نفس المصدر ، ح ٢٧.

٤١١

بالإسناد عن علي بن رباح : إن النبي صلى الله عليه وآله أمر عليا بتأليف القرآن فألفه وكتبه.

جبلة بن سحيم ، عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : لو ثني لي الوسادة وعرف لي حقي لأخرجت لهم مصحفا كتبته وأملاه علي رسول الله صلى الله عليه وآله. (١)

ولا حاجة للتذكير بأنه كانت هناك مصاحف أخرى في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم غير هذا المصحف عند الصحابة ، ولكن خصوص هذا المصحف يتميز بوجود ما أملاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تفسير وتنزيل.

وبعد فترة جاءت حرب اليمامة فقتل القراء ، وروايات أهل السنة فيها أن ابن الخطاب أراد آية من كتاب الله فلم يجدها فسأل عنها فقيل له كانت موجودة عند فلان وقتل!، أخرج ابن أبي داود في المصاحف بسنده :

إن عمر ابن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله فقيل : كانت مع فلان ، قتل يوم اليمامة! فقال : إنا لله! فأمر بجمع القرآن. (٣)

وهذا يعني أن ابن الخطاب التفت إلى جمع القرآن حينما فقدت آية منه ، وكان الفراغ الذي تولد من الإعراض عن مصحف الإمام علي عليه السلام يستدعي التكفير جديا في كتابة مصحف رسمي للأمة الإسلامية يتميز عن

__________________

(١) بحار الأنوار ٤ : ١٥٥.

(٢) تاريخ القرآن للكردي الخطاط : ٢٥.

٤١٢

مصاحف الصحابة بكونه محفوظا عند الخليفة ليرجع له حال فقدان قراء القرآن في المواطن والحروب ، واشتراط فيه حذف التنزيل وإلقاء التفسير النازل من السماء بتجريده وجعله نصوصا قرآنية صرفة.

فابتدأت الفكرة ، بتخطيط من ابن الخطاب كما تنص عليه روايات البخاري السابقة بعد يوم اليمامة ومقتل القراء ، ولم يتم مصحف الدولة هذا لا في زمن أبي بكر ولا في زمن عمر ، فمات إلى أن وصل إلى حفصة على هيئة قصاصات ورق مشتتة مبعثرة ، فلم يجمع هذا المصحف الرسمي ولم ير النور ، مع وجود مصاحف كثيرة مبثوثة بين الصحابة ، ولا سيما المصحف الذي أملاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط بيد الإمام علي عليه السلام ، ولكن ماذا نفعل والقيادة آنذاك حكيمة!

الشيعة والجمع الثاني للقرآن :

سبب هذا الجمع؟

بقيت تلك القصاصات بلا جامع ولا ناظم إلى أن قتل ابن الخطاب فاستودعت في بيت حفصة ابنته ، وكما ذكرنا سابقا فالمسلمون لم يروا تلك الأوراق ولم يطلعوا عليها ، وكان أغلبهم يمتلك مقاطع من المصحف مع وجود مصاحف خاصة كاملة لأكابر الصحابة كابن مسعود وأبي بن كعب وأبي موسى وغيرهم.

ولكن مع طول الزمن وبعد العهد وانفراد كل واحد بمصحفه يقرأ ويكتب بلا رقيب وحسيب ، حدث بعض التلاعب والتغيير في المصاحف فكان هذا يقرأ بشكل وهذا يبدل كلمة مكان أخرى بدعوى أن المعنى

٤١٣

واحد! (١) ، ويوما بعد زادت هوة الاختلاف بين وجوه الصحابة في قراءة القرآن ، حتى قيل هذه (قراءة فلان) وهذه (قراءة فلان) ، مع أن القرآن واحد ، نزل من عند واحد.

أخرج ابن أبي داود بسنده : عن أبي الشعثاء قال : كنا جلوسا في المسجد وعبد الله يقرأ فجاء حذيفة فقال : قراءة ابن أم عبد! وقراءة أبي موسى الأشعري! والله إن بقيت حتى آتي أمير المؤمنين ـ يعني عثمان ـ لأمرته بجعلها قراءة واحدة ، قال : غضب عبد الله ، فقال لحذيفة كلمة شديدة ، قال : فسكت حذيفة. (٣)

عن يزيد بن معاوية : قال إني لفي المسجد زمن الوليد بن عقبة في حلقة فيها حذيفة ، وليس إذ ذاك حجزة ولا جلاوزة إذ هتف هاتف : من كان يقرأ على قراءة أبي موسي فليأت الزاوية التي عند دار عبد الله! واختلفا في آية في سورة البقرة قرأ هذا (وأتموا الحج والعمرة للبيت) وقرأ هذا (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه) (٣). فغضب حذيفة واحمرت عيناه ، ثم قام وذلك في زمن عثمان فقال : إما أن تركب إلى أمير المؤمنين وإما أن أركب. فهكذا كان من قبلكم! الخ. (٤)

__________________

(١) وهو ابن مسعود ومن التف حوله.

(٢) كتاب المصاحف ١ : ١٨٩ تحقيق محب الدين واعظ.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) كتاب المصاحف ١ : ١٨٥.

٤١٤

وبطبيعة الحال علم هذا الاختلاف والتفاوت للصبيان والنساء ، إذ أن بعض كبار القراء كانوا يعلمون الناس الاجتهاد في قراءة النص القرآني ، وكان ابن مسعود يقول : إن الألفاظ المترادفة في المعنى لا ضير في تبديلها! ، وقد روي أنه قال : سمعت القراء ووجدت أنهم متقاربون ، فاقرأوا كما علمتم ـ أي كيفما علمكم المقرئ ـ فهو كقولكم : هلم وتعال (١). ، وروي عنه أيضا قوله : إنه ليس من الخطأ في القرآن أن يقرأ مكان العليم ، الحكيم. بل أن يضع آية الرحمة مكان آية العذاب (٣). ، وروي أنه كان يقول : إلياس هو إدريس ، فقرأ : (وإن إدريس لمن المرسلين) وقرأ : (سلام على إدراسين) (٣). وسيأتي الكثير من هذا الاجتهاد إن شاء الله تعالى.

وعوام الناس الملتفون حول هؤلاء القراء حسبوا أن القرآن نزل بالشكل الذي يقرأه شيخهم في القراءة ، وأن غير هذا ليس بقرآن ، وهذا المتوقع لأن شيخ القراءة لن يقول إن قراءته اجتهاد منه في كتاب الله عزوجل! وبانتشار القراءات المختلفة بين الناس ، وتعصب جماعة لقراءة ابن مسعود وجماعة لقراءة أبي موسى وجماعة لقراءة أبي الدرداء ، آل المر إلى حصول التناحر والتكفير بين العوام، حتى قال بعضهم لبعض : كفرت بما تقرأ!، فعصفت ريح

__________________

(١) معجم الأدباء لیاقوت ٤ : ١٩٣ ت ٣٣ والإتقان ١ : ٤٧ ، والنشرفي القراءات العشر ١ : ٢١. لاحظ أنه لم ينسبها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

(٢) التفسير الكبير للرازي ١ ك ٢١٣.

(٣) جامع البيان للطبري ٢٣ : ٩٦. وهذه الموارد الثلاثة السابقة نقلا عن تلخيص التمهيد : ١٤٨.

المصنف لابن أبي شيبة ٧ : ٢٠٤.

٤١٥

التكفير الغبرة في الكوفة والشام والبصرة والمدينة ، ووصل التكفير للثغور ، كما هي رواية البخاري.

منذ متي بدأ التلاعب في كتاب الله؟

ظاهر الروايات يقول : إن التلاعب ابتدأ بعد زمن النبوة بفترة وجيزة جدا ، فإن الإمام علي عليه السلام حينما أراد جمع قرآن يكون مرجعا للأمة كان يعلل ذلك بأنه رأى كتاب الله يزاد فيه ، لكن هذا التلاعب لم يكن على مستوى فتنة تستدعي خرقا أو حرقا كما حدث في زمن عثمان.

فقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف : أخبرنا ابن عون عن محمد قال ك لما استخلف أبو بكر قعد علي في بيته فقيل لأبي بكر فأرسل إليه : أكرهت خلافتي؟ قال لا لم أكره خلافتك ، ولكن القرآن يزاد فيه ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم جعلت علي أن لا أرتدي إلا الصلاة حتى أجمعه للناس ، فقال أبو بكر : نعم ما رأيت (١). ، فكانت هذه الزيادات قريبة العهد من وفاة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم.

من أول من دعا لتوحيد المصاحف؟

عندما جاء أمير المؤمنين عليه السلام للقوم بمصحفه الشريف أراد منهم أن يجعلوه القرآن الرسمي للدولة ، وبتبعه المسلمون ويعتمدوه فيوحدوا عليه مصاحفهم ، فهو إملاء رسول الله صلى عليه وآله وسلم وفيه من التنزيل ما لا يوجد في غيره إلا القليل ، ولكن حينما رفضوا مصحفه ونبذوه وراء

__________________

(١) كشاف القناع ٣ : ٧٧.

٤١٦

ظهورهم لم يكتف أمير المؤمنين عليه السلام بهذا الحد ، بل حاول نزع فتيل الفرقة والاختلاف بالدعوة لتوحيد المسلمين تحت أي مصحف آخر يؤدي الغرض وإن لم يشتمل على التنزيل والتفسير بشرط الحفاظ على النص القرآني ، وكان يشتد قلقه عليه السلام على القرآن وهو يزاد فيه وينقص يوما بعد يوم باجتهادات من فلان ورأي من فلان آخر ، فقد جاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابن الخطاب زمن تأمره على الناس وأشار الأمير عليه السلام على ابن الخطاب بجمع نسخة واحدة من القرآن تكون رسمية للدولة ، وعلى إثر ذلك تتوحد وتلتف حولها جماهير المسلمين وتعتمدها الدولة وتراعاها لما لها من تسلط على الناس ، من باب الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن (١) ، فاستجاب ابن الخطاب للفكرة ، لكنه سريعا ما قتل ، وركدت تلك الحركة وقتلتفي مهدها ، ومن الطبيعي أن تزداد اختلاف القراء واجتهادات السلف في نصوص القرآن مع طول المدة ، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام لابن عفان ثالث القوم بعد أن جاء أول مرة حين أعطاهم الكتاب كاملا ، وثانيا زمن عمر حينما طرح الفكرة عليه ، وها هي الثالثة لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

وهذا ما أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة : بسنده عن سوار بن شبيب قال : دخلت على ابن الزبير في نفر فسألته عن عثمان ، لم شقق المصاحف ، ولم حمى الحمى؟ فقال قوموا فإنكم حرورية ، قلنا : لا والله ما نحن بحرورية. قال : قام إلى أمير المؤمنين عمر رجل فيه كذب وولع ، فقال : يا أميرالمؤمنين إن الناس

__________________

(١) كشاف القناع ٣ : ٧٧.

٤١٧

قد اختلفوا في القراءة ، فكان عمر رضي الله عنه قد هم أن يجمع المصاحف فيجعلها على قراءة واحدة ، فطعن طعنته التي مات فيها ، فلما كان في خلافة عثمان قام ذلك الرجل فذكر له ، فجمع عثمان المصاحف. (١)

ولا نجد من الشخصيات الموجودة في ذلك العصر من يتوقع أن ينبزه ابن الزبير وينعته بالكذب والولع غير علي بن أبي طالب عليه السلام الذي بغضه نفاق وحبه إيمان(٣) ، والذي يؤيد أن هذه الفكرة العظيمة التي

__________________

(١) تاريخ المدينة ٣ : ٩٩٠ ، وسيأتي أن مصحف عائشة لم يكن مطابقا للمصحف المتداول.

(٢) فقد اشتهر ابن زبير بعداوته وحقده على بني هاشم وبالأخص على سيدهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام ، وهذا واضح لمن راجع التاريخ ، وكمثال ننقل ما ذكره المسعودي في مروج الذهب ط. كتاب التحرير بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ذكر في ٣ : ٨٥ : (وكان ابن زبير عمد إلى من بمكة من بني هاشم فحصرهم في الشعب وجمع لهم حطبا عظيما لو وقعت فيه شرارة من نار لم يسلم من الموت أحد ، وفي القوم محمد بن الحنفية) ، وقال في ٣ : ٨٨ : (وذكر عمر بن شبة النميري عن مساور بن السائب أن ابن زبير خطب أربعين يوما يصلى على النبي صلى الله عليه و [آله] وسلم وقال : لا يمنعي من أن أصلى عليه ألا تشمخ رجال بآنافها) ، وقال فيها أيضا : (فقال ابن زبير : إني لأكتم بغضكم أهل البيت منذ أربعين سنة ... وحدث النوفلي في كتابه فب الأخبار عن الوليد بن هاشم المخزومي قال : خطب ابن زبير فنال من على ، فبلغ ذلك ابنه محمد بن الحنفية فجاء حتى وضع له كرسي قدامه ، فعلاه وقال : يا معشر قريش ، شاهت الوجوه ، أينقص علي وأنتم حضور؟!) اه. ويكفي أنه جر أباه لمقاتلة إمام زمانه في معركة الجمل وكان يستثيره ويحرضه بل يجنبه حتى يقدم على القتال والقصة مفصلة فراجع.

٤١٨

صدرت من هذا الشخص وسبقه بها ومجيئه إلى عمر مرة وإلى عثمان مرة أخرى ومع ذلك من هذه صفته سوى الإمام علي عليه السلام.

وقد نص السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه على أن جمع عثمان للمصحف إنما كان برأي أميرالمؤمنين عليه السلام ، قال في سعد السعود :

ثم أعاد عثمان جمع المصحف برأي مولانا علي بن أبي طالب ، وأخذ عثمان مصحف أبي وعبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة فغسلها غسلا. (١)

ففي تلك الأثناء جاءت أنباء ما لا يحتمل التأخير ، وهو التكفير علانية والفتنة على أشدها في الأمصار بسبب اختلاف القراءة ، والذي أخرج الفكرة من طور التنبيه إلى طور التنفيذ والعمل مجيء الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضوان الله تعالى عليه من الثغور وجبهات القتال إلى المدينة ، فنبه حذيفة عثمان لهذا الأمر حتى يدرك هذه الأمة قبل أن تقتتل وتنهار بسبب اختلاف القراء والتكفير الناشىء منه ، وهذا ما أخرجه البخاري ، والحق إن حذيفة رضوان الله تعالى عليه قد عانى من بعض الصحابة كابن مسعود صاحب نظرية التوسعة في ألفاظ القرآن ، إذ قال له حينما أراد إبلاغ عثمان بهذا الأمر : إما والله لئن فعلت ليغرقنك الله في غير ماء. قال شاذان : في

__________________

(١) سعد السعود : ٢٧٨ ، ط. الحيدرية في النجف ، الأولى.

٤١٩

سقرها. (١) ، وقال له أيضا : إذا تغرق في غير ماء ، يقصد ابن مسعود أن لو فعل حذيفة ذلك يغرقه الله في النار! ولكن حذيفة لم يستمع للغة التهديد والوعيد وآثر طاعة الله عزوجل.

وهو ما قاله الشيخ الكوراني حفظه الله تعالى في تدوين القرآن : هذا النص يدل على أن ذلك الشخص الذي يكرهه عبد الله بن الزبير ويصفه بأنه (فيه ولع وكذب) كان يسعى الى توحيد المصاحف وكان من زمن عمر يشكو لعمر ظاهرة اختلاف المسلمين في قراءة قرآنهم بسبب عدم وجود نسخة رسمية للدولة ، وأن اللازم على الدولة أن تقوم بهذه المهمة وتسد هذا الفراغ ، وقد وافق عمر مبدئيا على رأي هذا الرجل السيء ولكنه قتل قبل أن ينفذه ...! ثم يتابع عبد الله بن الزبير : ولكن هذا الشخص السيء نفسه واصل مسعاه مع الخليفة عثمان ونجح في هدفه ..! فمن هو هذا الشخص الحكيم الحريص على قرآن المسلمين ، الذي حاول مع الخليفة عمر حتى أقنعه بخطورة ظاهرة الاختلاف في القراءات وأن تبرير ذلك بنظرية الأحرف السبعة لم يحل المشكلة ولم يمنع نموها؟ ثم واصل مسعاه مع الخليفة عثمان محذرا من تفاقم مشكلة اختلاف الناس في نصوص القرآن ، وأن حلها فقط بتدوين القرآن على حرف واحد؟! الذي يعرف عبد الله بن الزبير ، يعرف أنه يقصد عليا عليه السلام ، لأن ابن الزبير كان يكره عليا وشيعته حتى العظم ، بل روي عنه أنه ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله حتى لا يشمخ علي وآل محمد

__________________

(١) كتاب المصحف ١ : ١٨٩ تحقيق محب الدين واعظ.

٤٢٠