إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

يا اُبي! أقرئت القرآن ، فقيل لي : على حرف أم على حرفين؟ فقيل لي : على حرفين أم ثلاثة؟ فقال لي الملك : الذي معي على ثلاثة. فقلت : ثلاثة؟ حتي بلغ سبعة أحرف ، قال : ليس فيها إلا شاف كاف. قلت : غفور رحيم ، عليم حليم ، سميع عليم ، عزيز حكيم. (١)

ـ أتاني جبريل فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف. فقلت : أسأل الله معافاته ومغفرته فإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم أتاني ثانية فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن علي حرفين. فقلت : أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءني ثلاثة فقال لي : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. فقلت أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك. فجاءني الرابعة فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا. (٢)

ـ عن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم قال أتاني جبرئيل وميكائيل عليهما السلام فقال جبرئيل عليه السلام اقرأ القرآن على حرف واحد فقال ميكائيل استزده فقال اقرأه على سبعة أحرف كلها شاف كاف ما لم تختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب برحمة. (٣)

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ٢ : ٣٨٤ ، مسند أحمد ٥ : ١٢٤ ، سنن أبي داود ١ : ٣٣٢ باختلاف يسير ، وفي كنز العمال ٢ : ٥٢ ، ح ٣٠٨٠ و ٦٠٣.

(٢) كنزالعمال ٢ : ٥٠ ، ح ٣٠٧٤ (د،ن عن أبي بن كعب).

(٣) مسند أحمد ٥ : ٤١.

٢٢١

ورواية أخري عن أبي بكرة توضح مقصود السابقة : قال ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ : كل شاف كاف ما لم تختموا آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب نحو قولك تعال ، وأقبل ، وهلم ، واذهب ، وأسرع ، وأعجل. (١)

هذه الروايات تعطي للأحرف السبعة معنى صريحا لا يقبل التأويل وهو إمكان قراءة القرآن بألفاظ متعددة متغايرة على سبعة أنحاء وكلها من القرآن وقد ذهب لهذا الرأي جمهور علمائهم سلفا وخلفا وسيأتي ذكر بعض منهم بإذنه تعالى ، وعلى أي حال فرواياتهم في هذا المعني صريحة.

المعني الثاني : الآيات القرآنية مدارها على سبعة مضامين

ذكرت بعض رواياتهم في معني ألأحرف السبعة أن آيات القرآن مفرزة إلى سبعة أقسام من المعاني والمضامين ، وكما ترى فإن هذا المعني متضارب مع المعنى السابق ومباين له ، ولا بأس باستغراق شيء منها:

عن ابن مسعود، عن رسول الله صلي الله عليه وآله قال : نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف : زاجرا ، وآمرا ، وحلالا ، وحراما ، ومحكما ومتشابها ، وأمثالا فأحلوا حلاله وحرموا حرامه ، وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه ، واعتبروا بأمثاله ، واعلموا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا به كل من عند ربنا. (٢)

__________________

(١) مسند أحمد ٥ : ٥١.

(٢) المستدرك على الصحيحين ١ : ٥٣٣ وعلق بـ(هذاالحديث صحيح ولم يخرجاه) وأخرجه

٢٢٢

عن عوف بن أبي قلابة قال : بلغني أن النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم قال : أنزل القرآن على سبعة أحرف : أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل (١).

وباقي الروايات التي تبينهذا المعنى من الأحرف قد مرت سابقا ، وكان فيها بدلا عن سبعة أحرف خمسة وعشرة وأربعة أحرف أ ـ أح ، فلا نعيدها.

إذن تحصل إلي هنا أن الأحرف في روايات الطائفة الأولى تعني إمكانية تغيير ألفاظ الآيات لمعانيها المترادفة ، وأما روايات الطائفة الثانية فتفيد أن آيات القرآن مقسمة إلى حرام وحلال ... إلخ ، والقسم الأول على ضوئه تتغير كلمات القرآن وتكون بحالة عائمة متغيرة تبعا لمزاج قارئ بشرط أن لا يغير المعنى السياقي للآيات ، وأما القسم الثاني ففيه ثبوت لألفاظ القرآن كما هو الآن ولكن ىياته مفرزة لمعان متعددة ، وشتان ما بينهما.

المحور الثالث : التضارب في مدلول نف الروايات المتفقة في المعنى

والملاحظ ان التضارب امتد إلى نفس الروايات التي اعتمدها أهل السنة لبيان معنى الأحرف السبعة وهي روايات التي تتحدث عن إمكانية قراءة الآية بأكثر من شكل!، إذ لم تتفق الروايات في كيفية زيادة

__________________

الحاكم في ٢: ٢٩٠ بزيادة (وما يذكر إلا أولوا الألباب)، والطبري في تفسيره ١ :ط دار الحديث سنة ١٩٨٧ ، وكنز العمال ١ : ٥٤٩ و : ٥٥٣.

(١) تفسير الطبري ١ : ٢١ ، وعنه في كنز العمال ٢ : ٥ ، ح ٣٠٩٧.

٢٢٣

الأحرف حرفا بعد حرف حتى بلغت سبعة أحرف ، مما يجعل تلك الروايات عرضة لسهام الشك والترديد وهذا يحول دون قبولها على علاتها.

بيان التضارب فيما ذكرناه من الروايات :

بلحاظ الروايات السابقة نجد أن الرواية البيهقي تقول : إن الاختلاف حدث أول الأمر بين أبي بن كعب وابن مسعود وأن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم حسّن قراءتهما معا ، وأن ملكا جاء إليه صلي الله عليه وآله وسلمو خيره بين أن يقرأ القرآن على حرف أو حرفين ، فكان الملك الآخر يرشد النبي صلي الله عليه وآله وسلم ليختار الأكثر حتى بلغ سبعة أحرف.

وأما رواية مسند أحمد ففيها أن الملكين هما جبرئيل وميكائيل عليهما السلام ، ولكن جبرئيل عليه السلام لم يخير الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وإنما أمره بالقراءة على حرف مباشرة ، وأن ميكائيل عليه السلام لم يخاطب النبي صلي الله عليه وآله وسلمبل وجّه أمره إلي جبرئيل نفسه حتى بلغ جبرئيل سبعة أحرف ، وهذا مغاير لما رواه البيهقي!

وأما رواية كنز العمال ففيها أن جبرئيل كان بمفرده بدون ذكر ميكائيل وأن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم هو الذي طلب الرخصة بقراءة القرآن على أحرف المتعددة للتوسعة على الأمة لأن الأمة لا تقدر على قراءته على حرف واحد ، وفيها أيضا أن جبرئيل كان ينطلق ويعود ثلاث مرات ثم جاء في الرابعة فاستزاده دفعة واحدة من أربعة أحرف إلى سبعة!

ومن ثم نجده متناقضا مع ما رواه أحمد في مسنده عن أبي بن كعب : فقال رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم: يا أبي! إن الملكين أتياني فقال أحدهما : إقرأ على

٢٢٤

حرفین. فقال الآخر : زده فقلت : زدني ، قال : إقرأ على حرفين. فقال ألآخر : زده. فقلت : زدني : قال : إقرأ على ثلاثة. فقال الآخر : زده. فقلت : زدني. قال : إقرأ على أربعة أحرف. قال الآخر : زده. قلت : زدني. قال :إقرأعلى خمسة أحرف. قال الآخر : زده قلت : زدني. قال إقرا على ستة. قال الآخر زده. قال : إقرأ على سبعة أحرف. فالقرآن أنزل على سبعة أحرف (١).

ففيها أن الزيادة كانت من جبرئيل بإشارة من ميكائيل وكانت الزيادة بالتدريج حرفا إثر آخر من حرف واحد إلى أن أتم سبعة أحرف.

وفي رواية أخرى في كنز العمال : إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف ، فرددت إليه أن هوّن على أمتي ، فأرسل إلي أن اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هوّن إليه على أمتي ، فأرسل إلي أن أقرأه على سبعة أحرف (٢).

وهي تدل على أن الزيادة كانت بدعاء وطلب من الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لا أن الملكين خيّراه أو أن الله عزوجل طلب منه ذلك!

وكل هذا الاضطراب في النقل يتناقض بالجملة مع ما رواه الترمذي في سننه عن نفس أبي بن كعب الذي رويت عنه المتناقضات قال : لقي رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم جبرئيل فقال : يا جبرئيل! إني بعثت إلى أمة أميين ، منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط ، قال : يا محمد! إن القرآن أنزل على سبعة أحرف. (٣)

__________________

(١) مسند أحمد ٥ : ١٢٤.

(٢) كنز العمال ٢ : ٥١ ، ح ٣٠٧٦.

(٣) سنن الترمذي ٤ : ٢٦٣.

٢٢٥

المستفاد منها أن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم شكا لجبرئيل حال أمته بأن فيهم الشيخ الكبير والعجوز والغلام فأخبر جبرئيل النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأن القرآن قد نزل مسبقا على سبعة أحرف ، وعلى هذا ، أين ذهبت زده ، فزادني ، فازددت؟! 

وبمضمون رواية الترمذي روى أحمد بن حنبل في مسنده عن حذيفة : إن رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم قال : لقيت جبرئيل عليه السلام عند أحجار المراء ، فقال يا جبرئيل! إني أرسلت إلى أمة أمية الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفاني الذي لا يقرأ كتابا قط. فقال : إن القرآن نزل على سبعة أحرف (١).

ثم تأتي رواية أخرى تنسف مضمون كل هاتيك الروايات فتصدمها من الأساس ، ورويت عن نفس حذيفة! وتسرد نفس الحادثة وهي لقاء الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لجبرئيل عند أحجار المراء وهي : لقي النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم جبرئيل عليه السلام وهو عند أحجار المراء فقال : إن أمتك يقرأون القرآن على سبعة أحرف ، فمن قرأ منهم على حرف فليقرأ كما علّم ولا يرجع عنه. قال أبي ، وقال ابن مهدي : إن من أمتك الضعيف فمن قرأ على حرف فلا يتحول منه إلى غيره رغبة عنه (٢).

__________________

(١) مسند أحمد ٥ : ٤٠٠.

(٢) مسند أحمد ٥ : ٣٨٥.

٢٢٦

وهذه الروية تنهي عن عدول القارئ من أحد الحروف السبعة إلى غيرها ، فأين التخيير والقول بأن : كلها شاف كاف ما لم تختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب برحمة؟!

وعلى ما مر يتضح وجه الخلل في المرويات وتعارضها فيما بينها الذي يحول دون الاعتماد عليها ، حتى أن أكابر علماء أهل السنة وأساطين علوم القرآن ـ منهم ـ توقفوا في إجلاء المقصود منها فحكموا بإشكال معني تلك الأحرف الذي حتم عليهم وألجأهم إلى إحالة أمرها إلى علام الغيوب!

كلماتهم في معنى الأحرف السبعة :

كلمات بعض المتخبطين :

وصلت استمجازات القوم في تفسير معنى الأحرف السبعة إلى أربعين قولا وذلك إلى زمان العلامة جلال الدين طوسي ، والله العالم إلى أي عدد وصلت اليوم:

وفي النهاية الأمر يأتي السيوطي (ت ٩١١ هـ) فيومئ إلى أن تفسيرات الحديث ـ أوجه السبعة ـ بلغت أربعين ولكنه لا يذكر منها سوى خمسة وثلاثين أكثرها متداخلة ومنها أشياء لا يفهم معناها على الحقيقة وأكثرها معارضة حديث عمرو هشام بن حكيم الذي في الصحيح. (١)

ولننقل هنا ما في الإتقان من وجوه الاختلاف والتضارب في معناها :

__________________

(١) تاريخ القرآن : ٣٦ د. عبد الصبور شاهين.

٢٢٧

قال ابن حبان : اختلف أهل العلم في معنى الأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا! فمنهم من قال : هي زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال. الثاني : حلال وحرام وأمر ونهي وزجر وخبر ما هو كائن بعدُ وأمثال. الثالث : وعد وعيد وحلال وحرام ومواعظ وأمثال واحتجاج. الرابع : أمر ونهي وبشارة ونذارة وأخبار وأمثال. الخامس : محكم ومتشابه وناسخ وو منسوخ وخصوص وعموم وقصص. السادس : أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل. السابع : أمر ونهي وحد وعلم وسر وظهر وبطن. الثامن : ناسخ ومنسوخ ووعد ووعيد ورغم وتأديب وإنذار. التاسع : حلال وحرام وافتتاح وأخبار وفضائل وعقوبات. العاشر :أوامر وزواجر وأمثال وأنباء وعتب ووعظ وقصص. الحادي عشر : حلال وحرام وأمثال وأنباء ومنصوص وقصص وإباحات. الثاني عشر : ظهر وبطن وفرض وندب وخصوص وعموم وأمثال. الثالث عشر : أمر ونهي ووعد ووعيد وإباحة وإرشاد واعتبار. الرابع عشر : مقدم وموخر وفرائض وحدود ومواعظ ومتشابه وأمثال. الخامس عشر : مفسر ومجمل ومقضي وندب وحتم وأمثال. السادس عشر : أمر حتم وأمر ندب ونهي حتم ونهي مرشد ووعد ووعيد وقصص. السابع عشر : أمر فرض ونهي حتم ونهي مرشد وأمر ندب ونهي مرشد ووعد ووعيد وقصص. الثامن عشر : سبع جهات لا يتعداها الكلام : لفظ خاص أريد به الخاص ، ولفظ عام أريد به العام ، ولفظ عام أريد به الخاص ، ولفظ خاص أريد به العام ، ولفظ يستغني بتنزيله عن تأويله ، ولفظ لا يعلَم فقه الا العلماء ، ولفظ لا يعلم معناه الا الراسخون. التاسع عشر : إظهار الربوبية ، وإثبات الوحدانية وتعظيم الألوهية ، والتعبد لله ومجانبة الإشراك ، والترغيب في الثواب

٢٢٨

والترهيب من العقاب. العشرون : سبع لغات ، منها خمس من هوازن واثنتان لسائر العرب. الحادي والعشرون : سبعة لغات متفرقة لجميع العرب ، كل حرف منها لقيبلة مشهورة. الثاني والعشرون : سبع لغات ، أربع لعجز هوازن : سعد بن بكر ، وجشم بن بكر ، ونضر بن القوم وثلاث لقريش. الثالث والعشرون : سبع لغات : لغة قريش ولغة يمن ولغة لجرهم ولغة لقضاعة ولغة لتميم ولغة لطيئ. الرابع والعشرون : لغة الكعبين : كعب بن عمرو وكعب بن لؤي ولهما سبع لغات. الخامس والعشرون : اللغات المختلفة لأحياء العرب في معني واحد ، مثل : هلم وهات وتعال وأقبل. السادس والعشرون : سبع قراءات لسبعة من الصحابة : أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ـ عليه السلام ـ وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب. السابع والعشرون : همز وإمالة وفتح وكسر وتخفيم وو مد وقصر. الثامن والعشرون :تصريف ومصادرو عروض وغريب وسجع ولغات مختلفة كلها في شيء واحد. التاسع والعشرون : كلمة واحدة تعرب بسبعة أوجه ، حتى يكون المعنى واحدا ، وإن اختلف اللفظ فيه. الثلاثون : أمهات الهجاء : الألف والباء والجيم والدال والراء والسين والعين لأن عليها تدور جوامع كلام العرب. الحادي والثلاثون : أنها في أسماء الرب مثل : الغفور الرحيم ، السميع البصير ، العليم الحكيم. الثاني والثلاثون : هي آية في صفات الذات ، وآية تفسيرها في آية أخري ، وآية بيانها في السنة الصحيحة ، وآية في قصة الأنبياء والرسل ، وآية في خلق الأشياء ، وآية في وصف الجنة ، وآية في وصف النار. الثالث والثلاثون: آية في وصف الصانع ، وآية في إثبات الوحدانية له ، وآية في إثبات صفاته ، وآية في إثبات رسله ، وآية في إثبات كتبه ، وآية في إثبات الإسلام ، وآية في نفي الكفر.

٢٢٩

الرابع وثلاثون : سبع جهات من صفات الذات لله التي لا يقع عليها التكليف. الخامس والثلاثون : الإيمان بالله ومباينة الشرك وإثبات الأوامر ومجانبة الزواجر والثبات على الإيمان وتحريم ما حرم الله وطاعة رسوله. (١)

فقد أشكل حل معظلة هذا الحديث ـ الأحرف السبعة ـ على فطاحل علماء علوم القرآن عندهم ، فهذا ابن جزري بعد جهد جهيد ولنحو نيف وثلاثين سنة يرجو أنه قد توصل لحل لغز وطلسم الأحرف السبعة ، وهو الإمام الرمز في علوم القرآن والمعتمد عليه في القراءات واليك نص كلامه :

ولا زلت أستشكل هذا الحديث ـ الأحرف السبعة ـ وأفكر فيه وأمعن النظر من نحو نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله على بما يمكن أن يكون صوبا إن شاء الله تعالى ، وذلك إني تتبعت القراءات صحيحها وضعيفها وشاذها فإذا هي يرجع اختلافها غلى سبعة أوجه. (٢)

فإذا كان هذا حال ابن جزري فما ظنك بعياله؟، وهنا سؤال يطرح نفسه ، على أي من تلك الآراء نحكم القرآن؟

كلمات بعض من تحرز الدخول في المزلقة

قلنا : إن بعض العلماء أهل السنة توقف في المسألة ولم يتقول بما لا يعلم ـ وقليل ما هم ـ فصار بين إبهام المعنى وصحة تلك الروايات فآثر عدم البتّ

__________________

(١) الأتقان ١: ١٥٣ ـ ١٥٦ ط دار ابن كثير.

(٢) تاريخ القرآن : ٨٧.

٢٣٠

في معناها وتجنب اقتحام غمار الرأي والاستهواء فهذا ابن حبان ـ مع كل ما سبق من التخبط الذي ذكره السيوطي ـ يقول : إن تلك الأقوال من المشكل التفريق بينها فجميعها وجوه محتملة ، بل يحتمل غيرها أيضا!:

قال ابن حبان : فهذه خمسة وثلاثون قولا لأهل العلم والغة في معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف ، وهي أقاويل يشبه بعضها بعضا ، وكلها محتملة ، وتحتمل غيرها. (١) فزاد في الطنبور نغمة!

وذهب العلامة المرسي إلى أن هذه الوجوه لا يعرف معنى بعضها وأنها تتداخل فيما بينها ، فلا يعلم لماذا جزم بها على الله عزوجل بلا بينة ولا دليل!!

وقال المرسي : هذه الوجوه أكثرها متداخلة ، ولاأدري مستندها ، ولا عمن نقلت ، ولا أدري لم خص كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر ، مع أن كلها موجودة في القرآن ، فلا أدري معنى التخصيص ، وفيها أشياء لا أفهم معناها على الحقيقة ، وأكثرها يعارضه حديث عمر مع هشام بن حكيم الذي في الصحيح (٢).

وكذلك ذهب أبو بكر بن العربي : ومنشاء الخطاء فيها إرادة التعيين على سبيل القطع والجزم مع أنه لم يأت في معنا ها نص ولا أثر واختلف الناس في

__________________

(١) الإتقان ١: ١٥٦ ط دار ابن كثير.

(٢) الإتقان ١ : ١٥٦ دار ابن كثير. تعليق د. مصطفى البغا.

٢٣١

تعيينها. (١)

قال القرطبي : وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان السبتي (٢).

وتبعهم الكردي الخطاط : ونحن نرى أنه لا يعبد أن يكون هذا الحديث متشابها يفوض معناه إلى الله تعالى كما ذهب إليه بعض العلماء وذلك لأمرين :

الأول : كثرة اختلاف العلماء في معناه حتى بلغ نحوا من أربعين قولا.

الثاني : ورود أحاديث كثيرة في هذا المعني بعبارات مختلفة (٣).

والعلامة السيوطي الذي نقل كل تلك الوجوه والآراء توصل إلى أن الحديث من المشكل الذي لا يدرى معناه :

إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف. والمراد به أكثر من ثلاثين قولا حكيتها في الاتفاق والمختار عندي أنه من المتشابه الذي لا يدري تأويله (٤).

__________________

(١) البرهان ١ : ٢١٢ ، وكذلك إبراهيم الأبياري ذكره في موسوعته القرآنية الميسرة ٢ : ١٣١ : (ويقول ابن عربي : لم يأت في هذا المعنى نص ولا اختلف الناس في تعيينها ويقول أبو حبان : اختلف الناس فيها على خمسة وثلاثين قولا).

(٢) الجامع لأحكام القرآن ١ : ٤٢.

(٣) تاريخ القرآن للكردي الخطاط :٨٨ ـ ٨٩.

(٤) شرح السيوطي على النسائي ٢ : ١٥٢.

٢٣٢

وموقوف هؤلاء من الأحرف السبعة أسلم مما أقحم به علماء السلف (١) أنفسهم وكذا أغلب المعاصرين بتجويز إبدال آيات الله بغير كلماتها تعويلا على الظن ، ونسبوا للدين تغيير كلمات القرآن رأسا على عقب بلا دليل واضح تركن إليه النفس.

سيرا مع الجمهور:

ونغض الطرف عن تدافع الآراء ونسير مع رأي الجمهور من علمائهم ومع ما اتفق عليه البخاري ومسلم من كون معناها هو جواز تبديل الكلمات بمترادفها وتحسين قراءة الجميع بدعوى أن القرآن نزل على سبعة أحرف كلهل شاف كاف.

وقد قال البعض مدللا رأي الجمهور أنه لو قصرنا النظر على الأدلة فإن الروايات دالة على هذا المعنى ، فهناك روايات مجملة وأخرى مبينة ، والقسم المجمل منها لم تبين لنا تفاصيل اختلاف الصحابة في القراءات لنتمكن من الوقوف على ما جوز قراءته الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم ، وعليه فهذه الروايات لا تساعد على تعيين معنى الأحرف السبعة ، فإن غاية ما يستفاد منها وجود اختلاف وإنكار بين الصحابة لقراءة بعضهم البعض ولا تبين ماهية هذا الاختلاف بتوضيح موارده أو كيفيته ، وأما القسم

__________________

(١) سيأتي بيانها بإذنه تعالى.

٢٣٣

المبين فرواياته تنص على ماهية الأحرف السبعة ، لأنها بينت ما جوزه الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم من تغيير قراءة ألفاظ القرآن إلى ألفاظ أخري بشرط الموافقة فيما بينها في المعنى والمضمون ، فمقتضى القاعدة حمل الروايات المجملة مثل : أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف على مبينة والشارحة لكيفية هذه الرخصة مثل هذه الرواية : احتى بلغ سبعة أحرف قال : ليس فيها إلا شاف كاف ، قلت غفور رحيم ، عليم حليم ، سميع عليم ، عزيز حكيم (١).

ويتضح أن هذا الوجه للأحرف السبعة هو صحيح بشرط عدم تغيير المعنى والسياق العام للآية ، فلا مانع من تبديل الألفاظ بما يحلو للقارئ بشرط أن تكون مرادفة لمعنى لفظ المبدل ، وبذلك نحافظ على السياق العام للآية فلا نختم آية رحمة بعذاب ولا آية عذاب برحمة نحو : قال كل شاف كاف ما لم تختموا آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب نحو قولك : تعال ، وأقبل ، وهلم ، واذهب ، وأسرع ، واعجل (٢).

ونحن سنعتمد هذا الوجه في محاكمة أهل السنة ، ولا يعترض علينا بأن هذا احد الوجوه التي ذكرها علماء أهل السنة للأحرف السبعة ، لا كلها!، لأن

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ٢ : ٣٨٤. مسند أحمد ٥ : ١٢٤. سنن أبي داود ١ : ٣٣٢ باختلاف يسير ، وفي كنز العمال ٢ : ٥٢ ، ح ٣٠٨٠ و ٦٠٣.

(٢) مسند احمد ٥ : ٥١.

٢٣٤

هذا رأي الأغلب ـ كما سيأتي بيانه بإذنه تعالى ـ بل إن أدلة هذا الرأي أقوي من غيره إن لم نقل إن أدلة غيره معدومة ، فصار مختارهم هو :

أنزل القرآن على سبعة لغات من لغات العرب المشهورة في كلمة واحدة تختلف فيها الألفاظ والمبانى مع اتفاق المعاني أو تقاربها وعدم اختلافها وتناقضها وذلك مثل : هلم ، وأقبل ، وإلي ، ونحوي ، وقصدي ، وقربي ، فإن هذه ألفاظا سبعة مختلفة يعبر بها عن معني واحد وهو طلب الإقبال (١).

أقول بعض العلماء أهل السنة في المعني المشهور للأحرف السبعة

وقد أنصف بعض أكابر علمائهم من السلف إلى الخلف الأدلة الواردة في كتبهم فأخذوا بما أملته عليهم الروايات من جواز القراءة بالمعنى ، فقد قال ابن جرير الطبري في تفسيره تعليقا على عبارة (كلها شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بآية عذاب كقولك : هلم وتعال):

فقد أوضح النص هذا الخبر : إن اختلاف الأحرف السبعة ، إنما هو اختلاف في ألفاظ كقولك : (هلم وتعال) باتفاق المعاني ، لا باختلاف معان موجبة اختلاف أحكام وبمثل الذي في ذلك صحت الأخبار عن جماعة من السلف والخلف.

وأخذ بسرد الأدلة إلى أن قال : بل الأحرف السبعة التي أنزل الله ها القرآن هن لغات سبع في حرف واحد وكلمة واحدة باختلاف الألفاظ واتفاق

__________________

(١) مسند أحمد ٥ : ٥١.

٢٣٥

المعاني كقول القائل : (هلم ، وأقبل ، وتعال ، إلي ، وقصدي ، ونحوي ، وقربي) ونحو ذلك مما تختلف فيه الألفاظ بضروب المنطق وتتفق فيه المعاني وإن اختلف بالبيان به الألسن كالذي روينا آنفا عن رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم وعمن روينا ذلك عنه من الصحابة ، أن ذلك بمنزلة قولك (هلم ، وتعال ، أقبل) وقوله (ما ينظرون إلا زيقة) و (إلا صيحة). (١)

وقال الطحاوي : فوسع علیهم في ذلک ان یتلوه بمعانیه وان خالفت الفاظهم التی یتلونه بها الفاظ نبیهم الی قراءة بها علیهم فوسع لهم في ذلک بما ذکرنا، والدلیل علی ما وصفنا من ذلک ان عمر بن الخطاب وهشام بن حلکیم بن حزام وهما قرشیان السنتهما لسان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذي نزل به القرآن قد کان اختلفا فیما قرآ به سورة الفرقان حتی قرآها علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. (٢)

وقال القرطبي : الذي عليه أهل العلم كسفيان بن عيينه وعبد بن وهب والطبري والطحاوي وغيرهم : أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختفلة نحو ، أقبل وتعال وهلم. قال الطحاوي : وأبين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة قال : جاء جبرئيل إلى النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم فقال : أقرأ على حرف فقال ميكائيل : استزده ، فقال : أقرأ على حرفين : فقال ميكائيل : استزده حتى بلغ إلى سبعة أحرف فقال : اقرأ فكل شاف كاف إى أن تخلط آية

__________________

(١) لغة القرآن الكريم : ٩٥ ط مكتبة الرسالة الحديثة.

(٢) جامع البيان ١ : ٤٠ ـ ٤٨.

٢٣٦

رحمة بآية عذاب ، أو آية عذاب بآية رحمة ، على نحوهلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل. وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ (لِلَّذينَ آمَنُوا انْظُرُونا) (١) : للذين آمنوا أملهونا للذين آمنوا أخرونا ، للذين آمنوا ارقبونا. وبهذا الإسناد عن أبي إنه كان يقرأ (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فيه) (٢) مروا فيه ، سعوا فيه ، وفي البخاري ومسلم قال الزهري : أما هذه الأحرف في الأمر الواحد ليس يختلف في حلال ولا حرام. (٣)

وقال البيهقي : وأما الأخبار التي وردت في إجازة قراءة غفور رحيم بدل عليم حكيم ، قلأن جميع ذلك مما نزل به الوحي ، فإذا قرأ ذلك في غير موضعه ما لم يختم به آية عذاب بآية رحمة أؤ آية رحمة بعذاب فكأنه قرأ آية من سورة وآية من سورة أخرى فلا يأثم بقراءتها كذلك. (٤)

وقال السيوطي : وإلى هذا ذهب سفيان بن عيينة وابن جرير وابن وهب وخلائق ، ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء ، ويدل له ما أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي بكرة : إن جبريل قال : يا محمد اقرأ القرآن على حرف. قال ميكائيل : استزده ... حتى بلغ سبعة أحرف ، قال : كل شاف كاف ما

__________________

(١) الحديد : ١٣.

(٢) البقرة : ٢٠.

(٣) الجامع لأحكام القرآن ١ : ٤٢ ط إحياء التراث العربي.

(٤) السنن الكبرى ٢: ٣٨٥، ح ٣٨٠٨.

٢٣٧

لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب ، نحو قولك : تعال وأقبل وهلم وأذهب وأسرع وعجل ، وهذا اللفظ رواية أحمد ، وإسناده جيد.

وأخرج أحمد والطبراني أيضا عن ابن مسعود نحوه ، وعند أبي داود عن أُبي ك قلت سميعا عليما عزيزا حكيما ، ما لم تخلط آية عذاب برحمة ، أو آية رحمة بعذاب ، وعند أحمد من حديث أبي هريرة : أنزل القرآن علي سبعة أحرف عليما حكيما غفورا رحيما. وعنده أيضا من حديث عمر : إن القرآن كله صوابما لم تجعل مغفرة عذابا أو عذابا مغفرة ، وأسانيدها جياد (١).

وقال في لغة القرآن الكريم : وهذا القول منسوب لجمهور أهل الفقه والحديث منهم سيفان بن عيينة وابن وهب وابن جرير الطبري وقد دافع عنه كثيرا في مقدمة تفسيره ، وقدمه القرطبي وأيده ابن عبد البر ونسبه إلى أكثر أهل العلم (٢)، ورجحه الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه المعجزة الكبرى (٣) والشيخ محمد أبو شهبة في كتابه المدخل لدراسة القرآن (٤) وغيرهم ، واستدل هؤلاء بما أخرجه ابن جرير فذكر الأدلة (٥).

قال ابن حجر العسقلاني : قال أبو شامة وقد اختلف السلف في

__________________

(١) الإتقان ١ : ١٤٨ ـ ١٤٩ ،ط دار ابن كثير.

(٢) فتح الباري ١٠ : ٤٠٣ ، البرهان للزركشي ٢ : ٢٢٠.

(٣) المعجزة الكبرى : ٣٩ ـ ٤٢.

(٤) المدخل لدراسة القرآن ١ : ١٣٨ ـ ١٤٦.

(٥) لغة القرآن الكريم : ٩٥ ـ ٩٦.

٢٣٨

الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن هل هي مجموعة في المصحف بأيدي الناس اليوم ـ يقصد مصحف عثمان ـ أو ليس فيه إلا حرف واحد منها امال ابن الباقلاني إلى الأول وصرح الطبري وجماعة بالثاني وهو المعتمد.

وقد أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أبي الطاهر بن أبي السرح قال : سألت ابن عيينة عن اختلاف قراءة المدينيين والعراقيين هل هي الأحرف السبعة قال : لا ، وإنما الأحرف السبعة مثل هلم وتعال وأقبل ، أي ذلك قلت أجزاك. قال : وقال لي ابن وهب مثله (١) ، وفي مبحث جمع القرآن سيأتي مزيد من كلمات علمائهم بإذنه الى.

علة تشريع الأحرف السبعة

الأمة لا تطيق القرآن إلا سبعة أحرف!

بعد الفراغ من بيان ماهية تلك الأحرف ، نقول : ما هي علة نزول القرآن على سبعة أحرف؟، قال علناء أهل السنة طبقا لما أملت الروايات عليهم أن التسهيل والتيسير على الأمة هو سبب نزول القرآن على سبعة أحرف ، لأن القرآن نزل على أناس هم أقرب إلى عصر الجاهلية ولا يوجد فيهم كثير من القراء ، ومن باب التخفيف عن هذه الأمة إلى المرحومة وتمييزها عن غيرها أنزل القرآن على سبعة احرف حتى لا تضيق عليهم قراءة القرآن

__________________

(١) فتح الباري ٩ : ٢٩ ـ ٣٠ فضائل القرآن باب أنزل القرآن على سبعة أحرف.

٢٣٩

فلا يلزمون بقراءة واحدة تعسر على بعضهم ، وهذه بعض النماذج من أقوالهم ذكرت في التاريخ القرآن :

قال الشمس بن الجرزي : فأما سبب وروده على سبعة أحرف فللتخفيف على هذه الأمة وإرادة اليسر بها والتهوين عليها شرفا لها وتوسعة ورحمة وخصوصية لفضلها إجابة لقصد نبيه أفضل الخلق وحبيب الخلق حيث أتاه جبريل فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف فقال صلى الله عليه [وآله] وسلم : سل الله معافاته ومعونته إن أمتي لا تطيق ذلك ، ولم يزل يردد المسألة حتى بلغ سبعة أحرف.

والنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بعث إلى جميع الخلق أحمرهم وأسودهم عربيهم وأعجميهم ، وكان العرب الذين نزل القرآن بلغتهم لغاتهم مختلفة وألسنتهم شتي ، ويعسر على أحدهم الانتقال من لغة إلى غيرها ومن حرف إلى آخر ، بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك ولو بالتعليم والعلاج ، لا سيما الشييخ والمرأة ومن يقرأ كتابا كما أشار إليه صلى الله عليه [وآله] وسلم فلو كلفوا العدول عن لغتهم والانتقال عن ألسنتهم لكان من التكليف بما لا يستطاع وما عسى أن يتكلف المتكلف وتأبى الطباع.

وقال الإمام أبو محمد عبدالله بن قتيبة في كتاب المشكل : فكان من تيسير الله تعالى أن أمر نبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم بأن يقرئ كل أمته بلغتهم وما جرت به عادتهم (١).

__________________

(١) تاريخ القرآن للكردي الخطاط : ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

٢٤٠