إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

القرآن بنحو مستتر غير مكشوف ، وهذا يعني أن تلك المقاطع التي وردت في الروايات لم تكن من آيات القرآن ، وإلا لما صح أن يقال : إن ولايتهم ذكرت مستترة غير مكشوفة ، بل يقال ذكرت واضحة مكشوفة ولكن حرفت وحذفت.

ومما يدل على ذلك بوضوح أيضا أن لو كان هذا التنزيل من النص القرآني وفيه كل هذه النصوص الصريحة في إمامة أهل البيت عليهم السلام لما كان من المعقول قول عمر في رزية يوم الخميس (حسبنا كتاب الله) حينما شتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورماه بالهجر والهذيان ومنعه من كتابة كتاب لا يضل المسلون لو تمسكوا به ، إذ فهم ابن الخطاب من كلامه صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه مسلم : أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ، أنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أراد أن يكتب ما كان يكرره دائما وهو : أيها الناس!إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي (١) ، فقال عمر بن الخطاب : حسبنا كتاب الله! (٣) ، أي

__________________

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني٤ : ٣٥٥ح١٧٦١.

(٣) صحيح مسلم٣ : ١٢٥٩ : (عن ابن عباس أنه قال : يوم الخميس! وما يوم الخميس؟! ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة ، أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه[وآله]وسلم يهتجر).

(عن ابن عباس قال : لما حُضِر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وفي البيت رجال

١٢١

لاحاجة لنا بأهل بيتك! ، فلو كان القرآن مليء بكل هذه النصوص على إمامة أهل البيت عليه السلام ، فكيف يقع عمر فيما فر منه؟!

وأوضح منها جميعا أن لو كانت تلك الأسماء من القرآن كما تدعليه الروايات لشاع وذاع بين المسلين كقرآن يتلي بأسماء أهل البيت عليهم السلام ، وهذا لم ينقله التاريخ لنا! بل إن التاريخ والروايات الصحيحة نقلت لنا اضطراب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التبليغ العام بولاية أمير امؤمنين عليه السلام عند عودته من حجة الوداع ، حتى أنزل الله عزّ وجلّ

__________________

فيهم عمر بن الخطاب فقال النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم : هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده فقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابا لن تضلوا بعده!!. ومنهم من يقول ما قال عمر. فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه[وآله]وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم : قوموا!.

قال عبيد الله : فكان ابن عباس يقول : إن الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم).

وفي صحيح البخاري٤ : ١٦١٢ : (فذهبوا يردّون عليه. فقال : دعوني!! فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه). وفيه٣ : ١١١١ : (فقالوا : هجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال : دعوني!! فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه. وأوصى عند موته بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب. وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم. ونسيت الثلاثة).

١٢٢

ضمان عصمته صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال عزّ وجلّ : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (١) ، فلو كان هناك واقعيتة لما تقوله الروايات من قرآنية الأسماء فلا مصحح لخشيته صلى الله عليه وآله وسلم بعد شيوع العلم بأشخاص أئمة المسلمين قرآنا ، ولا مجال حينها لاتهمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام كان من عند نفسه صلىَ الله عليه وآله وسلم ، وهو ما اتهمه به الحارث الفهري لعنه الله ولعن من رضي بكلامه وأضمره في نفسه.

فكل هذه الأدلة والقرائن تقضي بفساد قول من قال إن تلك الزيادات جزء من القرآن.

ولا بأس بذكر بعض ما جاء في تفسير العياشي الذي يدل على أن هذه الكلمات وإن نزلت من السماء في ثنايا الآيات ، ولكنها نزلت كتفسير لا كقرآن :

عن جابر قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الآية عن قول الله (فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (٣). قال تفسيرها في الباطن (فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا) (في علي) (كَفَرُوا بِهِ) فقال الله فيهم (فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (٣)

__________________

(١) المائدة : ٦٧.

(٢) البقرة : ٨٩.

(٣) البقرة : ٨٩.

١٢٣

في باطن القرآن قال أبو جعفر فيه : يعني بني أمية هم الكافرون في باطن القرآن (١). وعليه فالزيادة كانت من باب التفسير.

وكذا هذه الرواية : أبو بصير عنه قال : إنما أنزلت هذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله في الوصياء خاصة ، فقال : (كنتم خير أئمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) هكذا والله نزل بها جبرئيل ، وما عنى بها إلاّ محمداً وأوصياء صلوات الله عليهم (٣).

وقد تلتها رواية أخري : عن أبي عمرو الزبيرى ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) (٣) ، قال عليه السلام : يعنى الآمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم عليه السلام ، فهم الأمة التي بعث الله فيها ومنها وإليها ، وهم الأمة الوسطى ، وهم خير أمة أخرجت للناس (٤) ، فيتضح أن الآية نزلت من السماء بهذا المعني المذكور في الرواية الأولى لا أنه قرآن منزل.

ورواية أخري : عن عمار بن سويد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في هذه الآية (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) (٥)

__________________

(١) تفسير العياشي١ : ٦٩ ، ح٧٠ ، ط الأعلمي.

(٢) نفس المصدر : ٢١٩ ، ح١٢٩.

(٣) آل عمران : ١١٠.

(٤) تفسير العياشي١ : ٢١٩.

(٥) هود : ١٢.

١٢٤

ـ إلى قوله ـ ودعا رسول الله عليه وآله السلام لأمير المؤمنين في آخر صلاته رافعا بها صوته يسمع الناس يقول : اللهم هب المودة في صدور المؤمنين والهبية والعظمة في صدور المنافقين ، فأنزل الله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا) (١) ، بنى أمية. فقال رمع : والله! لصاع من تمر في شن بال أحب إلي مما سأل محمد ربه ، أفلا سأله ملكا يعضده أو كنزا يستظهر به على فاقته ، فأنزل الله فيه عشر آيات من هود أولها : (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل ٌأَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) (في ولاية علي) (فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ) (لعلي ولايته) (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا) (يعني فلانا وفلان) (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا) (٢) (أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ) (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً) قال : كان ولاية على في كتاب موسى (أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ* وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا

__________________

(١) مريم : ٩٦ ـ ٩٧.

(٢) هود : ١٢ ـ ١٥.

١٢٥

أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ) (هم الأئمة عليه السلام) (هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (١). إلى قوله (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (٢) (٣).

فهل من المعقول القول بقرآنية هذه المقاطع؟! ، كيف تكون من القرآن والآيات نزلت في مكة! والحوادث التي تحكيها الرواية وقعت في المدينية! (٤).

وهنا أدل الروايات على أن التنزيل تفسير للقرآن لا أكثر ، ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : (اصْبِرُوا) على الأذى فينا ، قلت : ف (صَابِروُاقال : على عدوكم مع وليكم ، ، قلت : ف (رَابِطُوا)؟قال : المقام مع إمامكم ، (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٥) ، قلت : تنزيل؟ قال :

__________________

(١) هود : ١٧ ـ ١٨.

(٢) هود : ٢٤.

(٣) تفسير العياشي٢ : ١٥٢ ، ح١١.

(٤) وهذه الرواية ليست في صدد بيان مورد نزول الآية الذي يسميه أهل السنة بالتفسير وأسباب النزول ، وإنما بصدد بيان جري القرآن على ما ينطبق عليه ، فآيات القرآن كما تنطبق على مورد النزول كذلك تجري على غيره إلى آخر الزمان؛ لأن القرآن حي لا يموت والآية لا تنزل وتقتصر على حادثة معينة ، وهذا هو الخط الذي وقع فيه الوهابية فصاروا يهولون ويشنعون على الشيعة بأنهم يفسرون القرآن تفسيرا باطنيا! مع أن التفسير شيء والجري شيء آخر وباطن القرآن شيء ثالث! وهذه مصيبة الوهابية يحمّلون فهمهم على الغير ثم يطلقون الأحكام!

(٥) آل عمران : ٢٠٠.

١٢٦

نعم (١). وواضح جدا أن الكلام المتوسط بين الآيات كان تفسيرا لمقاطع الآية وهو من التنزيل ، إذ لا ينسجم تركيب جملة واحدة من هذا المزيج.

٢ ـ من روايات أهل السنة

وأما روايات أهل السنة التي تدل على التنزيل فهي كثيرة وسيأتي ذكرها في ضمن الروايات التي تحكي القراءات الشاذة هي نتاج الخلط بين التنزيل والقرآن ، بل البعض منها ، والأغلب كان اجتهادا منهم ، وما يدل ايضا على التنزيل ما رووه عنه صلى الله عليه وأله وسلم أنه قال : الا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه (٣).

وكذا تدل عليه هذه الرواية : عن العرباض بن سارية قال : نزل النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم خيبر ومعه من معه من أصحابه فقال : يا عبد الرحمان اركب فرسا ، فناد إن الجنة لا تحل إلاّ لمؤمن ، وإن اجتمعوا إلى الصلاة فاجتمعوا فصلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، ثم قال فقال : أيحسب امرؤ

__________________

(١) تفسير العياشي١ : ٢٣٧ ، ح٢٠٠.

(٢) سنن أبي داود٤ : ١٩٩ باب في لزوم السنة ، ط دار الجيل ، وأخرجه أحمد في مسنده٤ : ١٣٠ ط الميمنية ، بلفظ (قال رسول الله صلى عليه[وآله] وسلم : ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا وإني أوتيت القرآن ومثله ومعه ... الخ) ، كما جاء في المسند الجامع١٥ : ٤٥٥ ، ح ١١٨١٧ مسند المقدام بن معدي كرب ، جاء بعضه في سنن ابن ماجة١ : ٦ ، باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم والتغليظ على من عاضه ، وجاء بعضه أيضاً في سنن الدارمي١ : ١٤٤ باب السنة قاضية على كتاب الله.

١٢٧

قد شبع حتى بطن وهو متكئ على أريكته إن الله لم يحرم شيئا إلاّ ما في هذا القرآن ، ألا وإني والله لقد حدثت وأمرت ووعظت بأشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر ، وإنه لا يحل لكم من السباع كل ذي ناب ولا الحمر الأهلية ، وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت المعاهدين إلاّ بإذن ولا أكل أموالهم ولا ضرب نسائهم إذا أعطوكم الذي عليهم إلاّ ما طابوا به نفسا (١).

وهذا المعنى من نزول جبرئيل عليه السلام بالسنة كما كان ينزل بالقرآن ففي سنن الدارمي : أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزارعي عن حسان قال : كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن (٣).

وفي التمهدين لابن عبد البر : أما الخيل فقد جاء فيها ما جاء ، وفي هذا الحديث ـ والله أعلم ـ دليل على أن كلامه ذلك في الخيل كان بوحي من الله؛ لأنه قال في الحُمر لم ينزل عليَّ فيها شيء إلاّ الآية الجامعة الفاذة فكان قوله في الخيل نزل عليه والله أعلم ، ألا ترى إلى قوله : لقد عوتبت الليلة في الخيل. وهذا يعضد قول من قال : إنه كان لا يتكلم في شيء إلاّ بوحي وتلا (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) (٣). واحتج بقوله صلى الله عليه وآله

__________________

(١) السنة للمروزي١ : ١١١ ـ ١١٢ ، ح٤٠٥.

(٢) سنن الدارمي١ : ١٤٥ ، السنة للمروزي١ : ١١١ ، ح٤٠٢ ، وفي تفسير الرطبي١ : ٣٩ : (وروى الأوزراعي عن حسان بن عطية قال : كان الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ويحضره جبريل بالسنة تفسر ذلك).

(٣) النجم : ٣ ـ ٤.

١٢٨

وسلم : أوتبت الكتاب ومثله معه. وبقول عبد الله بن عمرو : يارسول الله! أكتب كل ماأسمع منك؟قال : نعم. قال : في الرضا والغضب؟ قال : نعم ، فإني لا أقول إلاّ حقا (١).

وقد تسالم أهل لا إله إلاّ الله على عدم اختصاص جبريل عليه السلام بتبليغ القرآن ، حيث جاء بالأحاديث القدسية ، وكان مبلغا للسنة ولتفسير القرآن وكذا كان يخبر عن أحوال المنافقين والمشركين وغير ذلك مما كان يُنزّله وستأتي أقوال علماء أهل السنة الناصة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أوتي وأنزل عليه مع القرآن غيره ، كالسنة والمغيبات وغير هما التي تدخل كلها في إطار تفسير القرآن وتأويله بقوله عزّ وجلّ (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ) (٣). وكمثال على القراءاة الشاذة التي خلصت القرآن بالتنزيل هذه الرواية التي أخرجها ابن مردويه : عن أبي عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه قال قرأ علي رضي الله عنه الواقعات في الفجر فقال : (وتجعلون شكركم إنكم تكذبون) (٣) فلما انصرف قال : إني قد عرفت أنه سيقول قائل : لم قرأها هكذا؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقرؤها كذلك كانوا إذا مطروا قالوا : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فأنزل الله (وتجعلون شكركم

__________________

(١) التمهيدين لابن عبد البر٤ : ٢٢١.

(٢) يس : ١٢.

(٣) هكذا في الأصل وهي في القرآن : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) الواقعة : ٨٢.

١٢٩

إنكم إذا مطرتم تكذبون) (١).

وهذه الرواية تفيد إن الإمام علياً عليه السلام قرأ الآية القرآنية مع اعترافه أما أنزله الله عزّ وجلّ هو شكل آخر حيث كام مما أنزله عزّ وجلّ هو (إذا مطرتم) فيتضح أنه من التنزيل وهو أعم من القرآن ، ولكن للأسف قد أشكل كثير من التنزيل على بعض الصحابة حتى اعتبره من القرآن ، يقرأ به آناء الليل وأطراف النهار ، بدعوى أنه لا يترك شيئا سمعه من رسول الله صلى الله غليه وآله وسلم! مع أن ما سمعه ليس بقرآن كله بل دمج القرآن مع تفسيره!د

وما اخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما يدل على التنزيل أيضا :

حدثنا الأعمش ، حدثنا عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما ، قال : لما نزلت (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (ورهطك منهم المخلصين) (٣) ، خرج رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم الخ (٣).

والآية نزلت من السماء بالزيادة وليست إلاّ تفسيرا للآية الكريمة.

وسيأتي ذكر بعض الموارد التي اشتبه بها الصحابة حار فيها علماء

__________________

(١) الدر المنثور٦ : ١٦٣ط دار المعرفة.

(٢) الشعراء : ٢١٤.

(٣) صحيح البخاري٤ : ١٩٠٢ ، ح٤٦٨٧باب تفسير سورة (تبت يدا أبي لهب) ، صحيح مسلم

١ : ١٩٣ ، ح٢٠٨ ، السنن الكبرى للبيهقي٩ : ٧.

١٣٠

أهل السنة ، فاخترعوا لها الوجوه والتأويلات ، وقالوا إنها من القراءات الشاذة التي قرأ بها الصحابة ولم تتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل لم ترد عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، كما سيأتي بإذنه تعالى في مبحث القراءات الشاذة ، ولكن نصوص أهل البيت عليهم السلام تبين أنها كانت من التنزيل ، وأهل البيت أعلم بما فيه.

والأعم من كل روايات الشيعة وأهل السنة هذه الآية الكريمة التي تحكي حقيقة تفسير الله عزّ وجلّ لقرآنه حيث قال : (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (١) ، حيث تكفل الله عزّ وجلّ ببيان معاني القرآن ، وهذه المعاني ستصل إلينا بلا ريب كسنة نبوية ، وهو من التنزيل المقصود.

كلمات أعلام الشيعة وأهل السنة في التنزيل

أولاً : كلمات أعلام الشيعة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين :

قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في أوائل المقالات : ولكنّ حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السّلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً ، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز ، وقد يسمّى تأويل القرآن قرآنا ، قال الله تعالى (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (٣).

__________________

(١) القيامة : ١٧ ـ ١٩.

(٢) طه : ١١٤.

١٣١

فسمّى تأويل القرآناً ، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف وعندي أنّ هذا القول أشبه ، أي أشبه من القول بتحريف النص القرآني.

وقال : وأما الوجه المجوز فهو أن يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف والحرفان ، وما أشبه ذلك مما لا يبلغ حد الإعجاز ، ويكون ملتبسا عند أكثر الفصحاء بكلم القرآن ، غير أنه لابد ـ متى وقع ذلك ـ من أن يدل الله عليه ويوضح لعباده الحق فيه ولست أقطع على كون ذلك ، بل أميل إلى عدمه وسلامة القرآن منه (١).

وقال الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه في الاعتقادات : بل نقول : إنه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن ، ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة الف آية ، وذلك قول جبرئيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ الله تعالى يقول لك : يا محمد دارِ خلقي ، ومثل قوله : عش ما شئت فإنّك ميت ، وأحبب ما شئت فإنّك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنّك ملاقيه ، وشرف المؤمن صلاته بالليل وعزّه كفّ الأذى عن الناس ، وقال : إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية (٣).

__________________

(١) أوائل المقالات في المذاهب المختارات : ٩١.

(٢) أصول الكافي٢ : ٢٩٥كتاب فضل القرآن في النوادر ، ح٢٨.

أقول : هذه الرواية كانت وما زالت محل لغط الوهابية وهرجهم ، وقد أشرنا إليها فيما سبق ، حيث بينا أن بعضا من الوهابية توسل بها لإثبات أن مصحف فاطمة عليها السلام هو

١٣٢

قال : ومثل هذا كثير ، وكلّه وحي وليس بقرآن. ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولاً إليه غير مفصول عنه ، كما كان أمير المؤمنين جمعه ، فلما جاء به قال : هذا كتاب ربكم كما أُنزل على نبيّكم لم يزد فيه حرف ولا ينقص منه حرف ، فقالوا : لا حاجة لنا فيه ، عندنامثل الذي عندك ، فانصرف وهو يقول (فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) (١) (٣).

وقال السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه في الطرائف : روى الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنى ـ وذكر حديثا طويلا ، إلى أن قال ـ : ثم أنزل (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِي) (في أمر علي) (إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (وإن عليا بن أبي طالب) (٣). هذا آخر الحديث وكان اللفظ المذكور المنزل في ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم

__________________

قرآن الشيعة ، باعتبار أن مصحف فاطمة عليه السلام ثلاثة أضعاف الموجود ، وكذا هو حال القرى ، الذي نزل من السماء عند الشيعة ، فاتضح هنا القول الحق في المسألة وهو أن القرآن

مع تنزيله حجمه ثلاثة أضعاف الموجود ، أي أن التنزيل يزيده إلى الضعفين ، ولكن الوهابية ـ كما عودنا ـ يقومون بنسج الأفكار في مخيلتهم ثم يكرون عليها!

(١) آل عمران : ١٨٧.

(٢) الاعتقادات : ٩٣.

(٣) الزخرف : ٤٣ ـ ٤٤.

١٣٣

بعضه قرآناًوبعضه تأويلاً (١).

وقال المولى صالح المازندراني رضوان الله تعالى عليه في شرحه لأصول الكافي : قوله ـ عليه السلام ـ (كذا أنزلت) لا يدل هذه على أن ما ذكره عليه السلام قرآن؛لأن ما أنزل إليه عليه السلام عند الوحي يجوز أن يكون بعضه قرآنا وبعضه تأويلاً وتفسيراً (٣).

وقال : وقوله عليه السلام : (هكذا والله نزل به جبرئل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدل على أن قوله (بولاية علي) من القرآن لما عرفت سابقاً (٣).

وقال في موضع آخر : قوله ـ عليه السلام ـ : (قلت تنزيل؟قال : نعم) لعل هذا إشارة إلى ما ذكره في تفسير قوله تعالي : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (٤) وقد عرفت مما نقلناه سابقا عن صاحب الطرائف أن المراد بالتنزيل ما جاء به جبرئيل عليه السلام لتبليغ الوحي ، وأنه أعم من أن يكون قرآنا وجزءا منه وأن لا يكون ، فكل قرآن تنزيل دون العكس ، فعلى هذه قوله عليه السلام (وأما غيره فتأويل) يراد به ما ذكره في الآيات السابقة وألله أعلم (٥).

__________________

(١) مرآة العقول٥ : ٥٨ ط دار الكتب الإسلامية ، شرح أصول الكافي للمازندراني رضوان الله تعالى عليه ، ٧ : ٨٠ط. إحياء التراث العربي.

(٢) شرح أصول الكافي للمازندراني رضوان الله تعالى عليه٧ : ٨٠ط إحياء التراث العربي.

(٣) شرح أصول الكافي للمازندراني٧ : ٨٢.

(٤) الصف : ٩.

(٥) شرح أصول الكافي للمازندراني رضوان الله تعالى عليه٧ : ٨٠ط إحياء التراث العربي.

١٣٤

وقال المحدث الفيض الكاشاني رضوان الله تعالى عليه عند شرحه لرواية البزنطي ، قال : دفع إليّ أبو الحسن عليه السلام مصحفناً وقال : لا تنظر فيه ففتحته وقرأت فيه (لَم یَکُنِ الَّذین کَفَروا) (١). فوجدت فيه اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم قال : فبعث إليّ : ابعث إليّ بالمصحف! (٣) فقال رضوان الله تعالى عليه :

لعلّ المراد أنه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيراً للذين كفروا والمشركين مأخوذة من الوحي ، لا أنها كانت من أجزاء القرآن وعليه يحمل ما في الخبرين السابقين أيضا من استماع الحروف من القرآن على خلاف ما يقرآه الناس ، يعني استماع حروفٍ تفسّر ألفاظ القرآن وتبين المراد منها عُلِمَت بالوحي (٣) ، كذلك كلّ ما ورد من هذا القبيل عنهم عليه

__________________

(١) البينة : ١.

(٢) الكافي٢ : ٦٣١.

(٣) يقصد رضوان الله تعالى عليه بالخبرين ما جاء في الكافي٢ : ٦١٩ : (عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم ، فهل نأثم؟فقال : لا ، اقرأوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم) وفيه : ٦٣٣ : (بسنده عن محمد بن الحسين ، عن عبد الحمان بن أبي هاشم ، عن سالم بن سلمة قال : قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأن أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : كف عن هذه القراءة

١٣٥

السلام ، وقد مضى في كتاب الحجة نبذ منه ، فإنه كلّه محمول على ما قلناه؛ لأنه لو كان تطرّق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شيء منه ، إذ على هذا يحتمل كل آية من ه أن تكون محرّفة ومغيّرة ، وتكون على خلاف ما انزله الله ، فلا يكون القرآن حجّة لنا ، وتنتفي فائدته ، وفائدة الأمر بأتّباعه والوصية به ، وعرض الأخبار المتعارضة عليه ، ثم استشهد بكلام السيخ الصدوق المتقدم ، وببعض الأخبار (١).

__________________

اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام القائم عليه السلام قرأ كتاب الله عزّ وجلّ على حده ، وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام وقال : أخرجه على عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم : هذا كتاب الله عزّ وجلّ كما أنزله ـ الله ـ على محمد صلى الله عليه وآله وقد جمعته من اللوحين فقالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا جاجة لنا فيه ، فقال أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا ، إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرأوه).

(١) الوافي١ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

أقول : ولا يخفى عليك أن القول بقرآنية تلك الأسماء يوجب الخروج عن الفصاحة والبلاغة ، فكون القرآن بهذا الشكل (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) فلان بن فلان وفلان بن فلان وفلان بن فلان وفلان بن فلان ، إلى سبعين اسما أمرا بعيدا عن أسلوب القرآن كل العبد وهذا دليل آخر يضاف للموارد السابقة الدالة على أن هذه الزيادات كانت من التنزيل شرحا للقرآن ، لا أنها عين القرآن ، وقد ذكر ذلك الوهابي صاحب أصول مذهب الشيعة حيث قال في١ : ٢٤٣ : (وهذه الإضافات التي تزعم الشيعة نقصها من كتاب الله ـ ابتدأ

١٣٦

وقال في المحجة البيضاء : وأما مصحف أبي الحسن عليه السلام المدفوع إلى ابن أبي نصر ونهيه عليه السلام عن النظرفيه ، ونهي أبي عبد الله عليه السلام الرجل عن القراءة على غير ما يقرأه الناس فيحتمل أن يكون ذلك تفسيرامنهم عليهم السلام للقرآن على طبق مراد الله عزّ وجلّ ووفق ما أنزل الله جل جلاله ، لا أن تكون تلك الزيادات بعينها أجزاء لألفاظه المنزلة (١).

وقال العلامه المجلسي رضوان الله تعالى عليه في مرآة العقول : قوله عليه السلام : (أما هذا الحرف) أي قوله (بولاية علي) في آخر الآية ، أو من قوله : (والله) إلى قوله (عليّ) ، ربما يؤوَّل التنزيل بالتفسير حين التنزيل كما مرّ

__________________

الكذب!_ألا يلاحظ القارئ العربي أن السياق لا يتقبلها ، وأنها مقمحة إقحاما بلا أدنى مناسبة ، ولذلك يكاد النص يلفظها ، وأنها من وضع أعجمي لا صلة له بلغة العرب ، ولا معرفة له بأساليب العربية ، ولا ذوق له في اختيار الألفاظ وإدراك المعاني).

أقول هذا الكلام صحيح فلأجل أنها تفسير للقرآن صارت على هذا الأسلوب ، ولكن الوهابي يريد إثبات أن الشيعة تقول : بأنها من القرآن شاءت الشيعة أم أبت! ، ولو كان الوهابي منصفا لتعامل بنفس الميزان مع الآيات التي ألصقها أهل السنة بالقرآن ، وهي في غاية الهبوط والضعف الباغي ، نحو آية عمر بن الخطاب التي أخرجها البخاري ومسلم (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة) أو ما أخرجه مسلم في صحيحه (لوكان لابن آدم واد من ذهب أحب أن له واديا آخر ، ولن يملأ فاه إلاّ التراب والله يتوب على من تاب)!!

(١) المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء٢ : ٢٦٤ط الأعلمي.

١٣٧

مرارا (١).

وقال الشيخ المظفر رضوان الله تعالى عليه تعليقا على رواية البنزنطي السابقة : ولعل المراد أنه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيرا لقوله تعالى (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٣). مأخوذة من الوحي ، لا أنها كانت من أجزاء القرآن وعليه يحمل الخبر السابق أيضاء ـ الذي فيه (اقرأ كما يقرأ الناس) المذكور بالهامش ـ من استماع الحروف من القرآن على خلاف ما يقرأه الناس ، يعني استماع حروف تفسر ألفاظ القرآن وتبين المراد منها علمت بالوحي ، وكذلك كل ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام ، وقد مضى في كتاب الحجة نبذ منه ، فإنه كله محمول على ما قلناه ، ثم سرد أدلة بطلان التحريف (٣).

وقال الميرزا ابو الحسن الشعراني رضوان الله تعالى عليه في تعليقته على شرح أصول الكافي : قوله ـ المازندراني ـ (وهو على التقديرين تنزيل لا تأويل) كلام دقيق يليق بالتأمل الصادق لدفع أوهام جماعة يزعمون أن كل ما ورد في الأحاديث أن القرآن نزل هكذا على خلاف ما في المصحف المعروف ال يدل على التنزيل اللفظي ، بل يمكن أن يراد تنزيل المعنى وهو حسن جدا (٤).

__________________

(١) مرآة العقول٥ : ١٣٤ط دار الكتب الإسلامية.

(٢) البينة : ١.

(٣) الشافي في شرح أصول الكافي٧ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ شرح ، ح ٣٥٨٥.

(٤) من تعليقة الشعراني على شرح أصول الكافي للمازندراني٧ : ٦٥ط إحياء التراث العربي.

١٣٨

وقال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه : أنّا قد أوضحنا فيما تقدم أن بعض التنزيل كان من قبيل التفسير للقرآن وليس من القرآن نفسه ، فلا بد من حمل هذه الروايات على أن ذكر أسماء الأئمة علهيم السلام في التنزيل من هذا القبيل ، وإذا لم يتتم هذا القبيل ، وإذا لم يتم هذا الحمل فلا بد من طرح هذه الروايات لمخالفتها للكتاب والسنّة والأدلة المتقدمة على نفي التحريف ، وقد دلّت الأخبار المتواترة على وجوب عرض الروايات على الكتاب والسنّة ، وأن ما خالف الكتاب منها يجب طرحه ، وضربه على الجدار (١).

ثم ذكر رضوان الله تعالى عليه سبب الخلط الذي وقع فيه البعض واغتراره بلفظ التنزيل حتى دمج القرآن مع غيره وأدخل فيه ما ليس منه وملخص الكلام أن المقصود من (التنزيل) في زمن صدور الرواية مختلف عما يقصد منه في زماننا ، إذا اشتهر بين الناس اليوم أن معني التنزيل هو القرآن على وجه الخصوص ، مع أن التنزيل كان معناه أو سع في زمن الصدور فيشمل التفسير النازل من السماء ، قال رضوان الله تعالى عليه :

وأن هذه الشبهة مبتنية على أن يراد من لفظي التأويل والتنزيل ما اصطلح عليه المتأخرون من إطلاق لفظ التنزيل على ما نزل قرآناً ، وإطلاق لفظ التأويل على بيان المراد من اللفظ ، حملاً له على خلاف ظاهره ، إلاّ أن هذين الإطلاقين من الاصطلاحات المحدثة ، وليس لهما في اللغة عين ولا أثر ليحمل عليهما هذان اللفظان (التنزيل والتأويل) متى وردا في الروايات

__________________

(١) البيان في تفسير القرآن٢٣٠و ٢٣١.

١٣٩

المأثورة عن أهل البيت علهيم السلام.

وأما التنزيل فهو أيضا مصدر مزيد فيه وأصله النزول ، وقد يستعمل ويراد به ما نزل ، ومن هذا القبيل إطلاقه على القرآن في آيات كثيرة.

وعلى ما ذكر ناه فليس كل ما نزل من الله وحياً يلزم أن يكون من القرآن ، فالذي يستفاد من الروايات في هذا المقام أن مصحف على عليه السلام كان مشتملاً على زيادات تنزيلاً وتأويلاً’. ولا دلالة في شيء من هذه الروايات على أن تلك الزيادات هي من القرآن (١) ، فكان التغاير المفهومي سبب هذا الخلط.

وقال السيد الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه بعد أن بين وجوه ضعف التمسك بروايات التحريف : أما ما ذكر نا أن منها ما هو قاصر في دلالتها فإن كثيرا مما وقع فيها من الآيات المحكيّة من قبيل التفسير وذكر معني الآيات ، لا حكاية متن الآية المحرفة ، وذلك كما في روضة الكافي عن أبي الحسن الأول ـ عليه السلام ـ في قول الله (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) (فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب) (وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) (٣). وما في الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى (وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا) (٣). قال : (وَإِن تَلْوُوا) (الأمر) (أَوْ تُعْرِضُوا) (عما

__________________

(١) البيان في تفسير القرآن : ٢٢٣و ٢٢٤و ٢٢٥.

(٢) النساء : ٦٣.

(٣) النساء : ١٣٥.

١٤٠