إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

وقال أيضا : أما ما ورد في بعض مؤلفاتهم من آراء تثير شكوكا في النص القرآني وتنسب إلي بعض أئمتهم ، فإنهم لا يقرونها ويعتقدون بطلان ما تذهب إليه ، وبطلان نسبتها إلي أئمتهم ، ولا نعدها من مذهبهم ، مهما كانت مكانة رواتها عندهم ومكانة الكتب التي وردت فيها ..... وقد تصدي كثير من أئمة الشيعة الجعفرية أنفسهم لرد هذه الأخبار الكاذبة وبيان بطلانها وبطلان نسبتها إلي أئمتهم ، وأنها ليست من مذهبهم في شيء. (١)

وقال الدكتور محمد عزة دروزة : وبحيث يمكن القول بجزم ـ بناء على ذلك ـ إن ما ورد فى الروايات التي جلها وكلها غير وثيق السند مع ذلك من زيادات أو نقص في الكلمات والآيات والسور ، ومن مخالفة لترتيب لم يثبت عند الملأ من اصحاب رسول الله ، وناتج عنهم وهم وخطأ ، ولبس وعدم تثبت فأهمل ، ومنه ما يصح القول بقوة : إنه مخترع ومدسوس بنية سيئة وقصد مغرض. وجمهور العلماء والمؤلفين مجمعون على هذه الحقئق بدون الخلاف ، ومن جملة ذلك علماء ومؤلفو الشيعة الإمامية. (٢)

وقال مصطفي رافعي : والقرآن الكريم هو الموجود الآن بأيدي الناس من غير زيادة ونقصان. وما ورد من أن الشيعة ألإمامية يقولون بأن القرآن قد اعتراه النقص ....... هذا الإدعاء أنكره مجموع علماء الشيعة الأعلام ... فالقرآن الكريم ـ إذن ـ هو عصب الدولة الإسلامية ، تتفق مذاهب أهل

__________________

(١) نفس المصدر : ٣٧ ـ ٣٨.

(٢) القرآن والملحدون : ٣٢٢. ط المكتب الإسلامي الأولي ١٣٩٣ هـ.

٢٠١

السنة مع مذهب الشيعة ألإمامية على قداسته ووجوب الأخذ به. وهو نسخة موحدة لا تخلف في حرف ولا رسم لدى السنة واليعة الإمامية في مختلف ديارهم وأمصارهم (١).

وها قد أوردنا كلمات علماء الإمامية ومراجعهم في سلامة القرآن من التحريف وأتبعناهم بالآخرين من علماء أهل السنة ، وكلهم متفقون على تكذيب من يرمي الشيعة بهذه الفريقة ، وكلماتهم واضحة صريحة في اعتقاد الشيعة بسلامة القرآن من التحريف من ألفه إلى يائه ، بى زيادة أو نقصان ، ومن نسب لهم خلاف ذلك فهو كاذب مفتر عليهم ، وبعد أن شهد شاهد من أهلها ، هل بقي مجال للادعاءات الباطلة والافتراءات الزائفة؟!

كذب ابن حزم والوهابية!

وإن تعجب فعجب سلاطة لسان ابن حزم وقساوة حدته ، حيث قال في كتابه الفِصَل : ومن قول الإمامية كلها قديما وحديثا أن القرآن مبدل زيد فيه ما ليس منه كثير وبدل منه كثير.

وهذه جرأة ما بعدها جرأة ، فيا الله كيف نسب هذا الكذاب الأشر لأعيان الشيعة كلهم أجمعين أكتعين القول بالتحريف؟! ويا ليته كذب فنسب التحريف بالنقص لهم ،ولكنه تجاوز حدود الإفتراء والدجل بقوله : إن الشيعة تعتقد تبديل القرآن والزيادة عليه ما ليس منه!! بل هو كثير كثير في نظرهم!!

__________________

(١) إسلامنا : ٧٥.

٢٠٢

ولم يقل بهذا أحد من الشيعة منذ خلق الله الأرض ومن عليها وهذا لعمر الله أحد أنواع الكذب النادرة التي تستحق أن تحفظ في خزانة غرائب الأكاذيب ، وقد انبرى الشيخ الهمام الأميني بنفي تلك الفرية الكالحة الشائنة فقال عليه الرحمة والرضوان في كتابه الغدير الأغر :

ليت هذا المتجرئ ظاشار إلى مصدره فريته من الكتاب للشيعة موثوق به ، أو حكاية من عالم من علمائهم تقيم له الجامعة وزنا ، او طالب من رواد علومهم ولو لم يعرفه أكثرهم ، بل نتنازل معه إلى قول جاهل من جالهم أو قروي من بسطائهم ، أو ثرثار كمثل هذا الرجل يرمي القول على عوانه. لكن القارئ إذا فصح ونقب لا يجد في الطليعة الإمامية إلا نفاة هذه الفرية كالشيخ الصدوق في عقائده ، والشيخ المفيد ، وعلم الهدى الشريف المترضي الذي اعترف له الرجل بنفسه ، وليس بمتفرد عن قومه في رأيه كما حسبه المغفل وشيخ الطائفة الطوسي في تبيانه ، وأمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان وغيرهم. فهؤلاء أعلا م الإمامية وحملة علومهم الكائلين لقواميسهم وعقائدهم قديما وحديثا يوقفونك على مَين الرجل فيما يقول ، وهذه فرق الشيعة وفي مقدمتهم الإمامية مجمعة إلي أن ما بين الدفتين هو ذلم الكتاب الذي لا ريب فيه وهو المحكوم ليس إلا. (١)

وكذا رده السيد محسن الأمين رضوان الله تعالى في أعيان الشيعة : لا يقول أحد من الإمامية لا قديما ولا حديثا أن القرآن مزيد فيه قليل أو كثير

__________________

(١) الغدير ٣ : ١٣٥ ط الأعلمي.

٢٠٣

فضلا عن كلهم ، بل كلهم متفقون على عدم الزيادة ومن يعتد بقوله من المحققين متفقون على أنه لم ينقص منه.

وقال ومن نسب إليهم خلاف ذلك فهو كاذب مفتر مجترئ على الله ورسوله والذين استثناهم ـ ابن حزم ـ وقال إنهم ينكرون الزيادة والنقصان في القرىن ويكفرون من قال بذلك هم أجلاء علماء الإمامية وإن كذب في دعوى التكفير الذي يكيله للناس في كتابه بالصاع الأوفى وقد تعود عليه قلمه ولسانه (١).

__________________

(١) أعيان الشيعة ١ : ٤١ ، وكلام السيد في دعوى كيله التكفير للعلماء وللناس صحيح ، لشهرته عن ابن حزم ن فهذا ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان يذكر نبذة من أخلاقه في ترجمته ٣ رقم ٤٤٨ (ابن حزم الظاهري) في : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ (وكان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين ، لا يكاد يسلم أحد من لسانه ، فنفرت عنه القلوب ، واستهدف لفقهاء وقته ، فتمالأوا على بغضه ، وردوا قوله وأجمعوا علي تضليله وشنعوا عليه وحذروا سلاطينهم من فتنته ، ونهوا عوامهم من الدنوا إليه والأخذ عنه ، فأقصته الملوك وشردته عن بلاده حتى انتهي غلي بادية لَبْلبة فتوفي بها).

وذكر أيضا في ١ : ١٦٩ ت ٦٨ فقال ابن خلكان عن المترجم له (ابن العريف) : (كان من كبار الصالحين والأولياء المتورعين وله مناقب مشهورة. وكان العباد وأهل الزهد يألفونه ويحمدون صحبته وحكي بعض المشايخ الفضلاء أنه رأي بخطه فصلا في حق أبي محمد علي بن أحمد المعروف ابن حزم الظاهري الأندلسي ، قال فيه : كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج بن يوسف شقيقين ، وإنما قال ذلك لأن ابن حزم كان كثير الوقوع في الأئمة المتقدمين

٢٠٤

وبعض الوهابية (عثمان. خ) وهو من يلوك بكل جد واجتهاد ما لفظته أفواه أسياده ، تعجب من النفي العلامة الأميني رضوان الله تعالى عليه لهذه الفرية بهذا التكذيب القاطع والمستميت في حال وجود بعض نفر من علماء الشيعة قالوا بتحريف القرآن ، فقام الوهابي بالتهكم والتلويح بأن الكذب من عادة علماء الشيعة وهذا قاله في الوجه الأول من شريطه (الشيعة والقرآن) الممليء بالفتراءات والجهالات ، وجهل هذا المستحق لزكاة العلم أن ابن حزم افتري على الشيعة كلهم وبأجمعهم تحريف القرآن بالزيادة والتبديل لا بالنقيصة ، وهذا كذب صريح وافتراء فاضح ، وكما قلنا إن الوهابية يستغلون بساطة من يلتفون حولهم ، بل الوهابي نفسه افترى على الشيعة بفرية سيده ابن حزم فقال الوهابي :

كل هذه الثاء من الله على صحابة ثم يأتي أولئك القوم فيقولون هم كفار هم منافقون هم مرتدون ، طيب والقرآن؟، قال القرآن محرف زيد فيه ونقص منه ، كل المثالب التي طعن عليهم بها أزالوا من القرآن ، كل المدح الذي تجدونه في القرآن إنما مما أضافوه.

أقول :مَن قال من علماء الشيعة أن القرآن قد زيد فيه مدح الصحابة الأبرار عليهم رضوان الله تعالى؟!، لماذا هذا الكذب؟!، ومع هذا وغيره من الأكاذيب التي طفح بها الوهابي شريطه يختمه مخاطبا الشيعة :

__________________

والمتأخرين لم يكد أحد) انتهى.

٢٠٥

وأخيرا نقول ن لماذا الكذب؟ قال النبي صلي الله عليه [وآله]وسلم : عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدي الى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتي يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب (!) فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإ، الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. وإن صاحب الدعوة الصحيحة لا يكذب وإن صاحب الباطل لا يصدق)) ، فأنت إذن صاحب الباطل حيث لم تصدق! ، وقد مر وسيمر بعض من كذبه ، الذي أحببنا نقله لأن بعضه يحتاج بيانه إلي مقدمات طويلة.

أما جهله فواضح ، لأن الشيعة لا يقولون إن آيات الثاء عنى الله عز وجل بها كل من رأى النبي صلي الله عليه وآله وسلم ، فمن غير المعقول أن تكون هذع الآية الكريمة (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سيماهُمْ في‏ وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى‏ عَلى‏ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظيما) (١)

قد عني بها الله عز وجل الصحابة الذين قال فيهم : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً في‏ قُلُوبِهِمْ إِلى‏ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُون) (٢)

__________________

(١) الفتح : ٢٩.

(٢) التوبة : ٧٧.

٢٠٦

وقال : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى‏ رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ) (١) وقال : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى‏ عَذابٍ عَظيم) (٢) وقال : (وَإِذا قيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى‏ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (٣) وقال : (بَشِّرِ الْمُنافِقينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَليم) (٤) وقال (إِنَّ الْمُنافِقينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى‏ يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَليلاً مُذَبْذَبينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى‏ هؤُلاءِ وَلا إِلى‏ هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبيلا) (٥)، وقال (إِنَّ الْمُنافِقينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصيراً) (٦) وقال (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذينَ في‏ قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ وَلَوْ تَرى‏ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَريق) (٧) فهل يوجد سفه وسخف أشنع من هذا؟!

__________________

(١) التوبة : ٩٧.

(٢) التوبة : ١٠١.

(٣) النساء :٦١.

(٤) النساء : ١٣٨.

(٥) النساء: ١٤٢ ـ ١٤٣.

(٦) النساء : ١٤٥.

(٧) الأنفال : ٤٩ ـ ٥٠.

٢٠٧

التقية ، الورقة الأخيرة!

فتاوى المراجع وتصريحاتهم كانت ومازالت حرابا وأسنة في وجه الأعراب ، تمزق افتراءاتهم وتبعثر خزعبلاتهم ، فلم يجدوا أحدا من مراجع التقليد ومحققي الطائفة إلا نافيا لفريتهم منكلا بها رادا وكارا على من يدعيها ، فلجاء الوهابية للرجم بالغيب والترخصات والتكهنات ، فقالوا : إن علماء الشيعة كلهم طيلة أكثر من ألف سنة قالوا بعدم التحريف تقية! وكانت هذه التقية محكمة لدرجة أن أحدا منهم لم يشذ فيصرح بما يكنه في صدره من الحقيقة ، ولو في لحظة من لحظات الغصب والعاطفة الجياشة! بل حتى الشخصيات التي يزعم الوهابية أنهم كانوا من كبار علماء الشيعة ، وتركوا التشيع لم يكشفوا ذلك الأمر الخطير ومازالوا يكتمونه!!، فلماذا لم نجد أحدا منهم اعترف أنه كان يقول بعدم التحريف تقية حينما كان شيعيا! (١)

وهذا لعمرى آخر حلم الوهابية ، فالعلم بما تكنه الصدور وتقر به القلوب لا يعلمه إلا الله عزوجل ومن أذن له ، فأنا لهم العلم ـ سواء هم أو غيرهم من الشيعة ـ بما تخفيه الصدور؟! أم كيف يركن عاقل لدعوى بلا دليل أو برهان قائمة على تخرص وادعاء؟!

وتنبه أحد علماء أهل السنة لسخافة ما قاله الوهابية وتشبثهم بقشة التقية فدفع هذه الشبهة التي يرددها أصحاب الموقف الخاسر في معركة الافتراء والتكفير ، فقال :

__________________

(١) انظر ملحق رقم (٨).

٢٠٨

إنه لا يجوز شرعا لأحد من المسلمين أن يرد ما جاء في كتب الشيعة من روايات تبطل القول بتحريف القرآن وتؤكد وحدة المصدر النبوي للتشريع ، بادعاء أن أصحاب هذه الأقوال قالوها من باب التقية لأن النبي صلي الله عليه [وآله]وسلم قد وضع الحكم القاطع في ذلك في جوابه على أسامة بأن المشرك نطق بالشهادة متعوذا بها من السيف فقال النبي :

((أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا)) وأيضا قول النبي لخالد بن الوليد: ((إني لم أومر أن أنقلب في قلوب الناس ولا أشق بطونهم)). (١)

هذا الكلام ينتفع به من يقيم للموازين الشرعية والعلمية وزنها ، ولا نظن أن من فتح كل دكة ودكان للافتراْ والبهتان يلتفت لهذا الأمر!

__________________

(١) السنة المفترى عليها : ٦١ ط ١٩٧٩. ويختم الدكتور البهنساوي هذا الفصل في كتابه بمقطع عنوانه (حوار حول دعوى تحريف الشيعة للقرآن) وقد أورد فيه رسالة بعثها الدكتور إلي الشيخ محمد مهدي الآصفي حفظه الله يسأله عن صحة ما كتبه (إ. ظ)و (م. خ) وغيرهما من كتب تذهب إلى أن لـدي الشيعة مصحفا ليس فيه حرف واحد ، وقد أجابه الشيخ الآصفي برسالة طويلة يبين فيها افتراء هؤلاء الناس وتجنيهم على الشيعة وبين فيها عقيدة الإمامية في القرآن الكريم واستغرق فيها بعض الروايات ويبن ضعف سندها ، وهذه الرسالة كتبها البهنساوي كاملة في كتابه السنة المفترى عليها : ٦٦ ، ومن يهمه الحق ويميل لمعرفته فليراجعها هنك.

٢٠٩

ختام البداية!

ولنسألهم بعد كل هذه المعمعة من التكفير ، التبديع ، وفلان قال أو لم يقل ، هل انفرد الشيعة الإمامية بوجود بضع نفر قالوا بتحريف القرآن؟

ولكي نجيب على هذا السؤال وتتضح الحقيقة ، آثرنا أن نعقد الأبحاث الآتية التي نخلص منها إلى أن الأحرى والأجدر هو نسبة التحريف لمذهب أهل السنة بمبانيهم ورواياتهم التي اعتمدوها وبتنوها وساروها عليها ، فلا تكاد ترى عيناك مسندا أو مصنفا إلا وفيه سقوط آيات وضياع قرآن وإنكار لقراءة آية في المصحف ، بل إن أقوال علمائهم صريحة في سقوط الآيات وضياعها وفقدان كثير من القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد اعترف أكابر علمائهم أن من الصحابة والتابعين من كان يدين لله بتحريف القرآن ، ناهيك هن علوم القرآن التي يستفاد منها وقوع التحريف وسنبدأ بها ثم نختم بالتحريف الصريح وأقوال وأسماء أكابر سلفهم الذين ذهبوا للقول بتحريف القرآن ، فلنبدأ بحول الله وقوته بالبسملة من قبلها (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجيم) (١).

__________________

(١) النحل : ٩٨.

٢١٠

الفصل الثاني / أهل السنة وتحريف القرآن

وهو علي قسمين

القسم الأول : التحريف غير الصريح

القسم الثاني : التحريف الصريح

٢١١
٢١٢

القسم الأول

تحريف القرآن غير الصريح

لا ينكر أحد من أهل العلم أثر علوم القرآن في فهم نصوصه واستنباط أحكامه ، فالناسخ والمنسوخ وأسباب النزول لهما مدخلية في بين المراد الله عزوجل من الآيات وليس هذا موضوع بحث وإنما الكلام هنا عن الأثر الذي تضيفه العلوم القرآنية على نفس كلماته وألفاظه دون التعدي إلى مداليها وما يستفاد منها ن وبعبارة أخري سنقصر النظر في هذه المطالب على خصوص ما تميله علوم القرآن عند الفريقين من سلامة ألفاظه من التحريف بالزيادة أو نقص في مادتها.

المستفاد من نتيجة البحث في علوم القرآن

ومع استعراض جزئيات مباحث علوم القرآن التي تمس صيانة القرآن من التحريف يتضح لنا من هو الأجدر بنسبة تحريف القرآن لمعتقده فالكلام كله دائر مدار المرتكزات في كل من مذهب آل البيت عليهم السلام ومذهب أهل السنة ، والمستفاد من هذه الأبحاث الاطلاع على التحريف بثوبه العام المتجسد بمباحث علوم القرآن التي بها يقع القرآن بكامله وبجميع نصوصه تحت مطرقة وسندان ما زج به في علوم القرآن ، فلو استفيد التحريف من تلك العلوم فإن كل آيات القرآن بلا استثناء تزحزح عن مقامها الراسخ ويسفّ بها إلى حضيض عالم التشكيك والتبديل ، لأن علوم القرآن المبحوثة

٢١٣

هنا لا تمس آية دون أخرى.

ولا يلزم من نسبة قولا ما لأي مذهب أن جميع من انتسب لهذا المذهب قد قال به ، فنحن لا جرم نتنزه عن أسلوب الوهابية هذا ، فلا نجحف بمن خالف القول السائد ، بل ستنقل أقوال بعض المخالفين له ، نعم النسبة تكون للعموم والمتعارف فيما بينهم أي النسبة للأغلب لا اكل ، وهذا نلتزم به مع السنة والشيعة على حد سواء.

وأول هذه المباحث ترتيبا هو الكلام في الأحرف السبعة ومن ثم جمع القرآن ومن بعده القراءات القرآنية وآخرها هو نسخ التلاوة.

٢١٤

المبحث الأول

الأحرف السبعة

موضوع الأحرف السبعة من المواضيع الشائكة ، ومن استرق السمع في ميدان الأخذ والرد فيها يستعشر ملالة الموضوع وطول نفس من خاص فيه ى لأن بعض من خاضوا فيه تكلموا بآرائهم الشخصية بعيدا عن الأدلة ومقتضى القواعد العلمية ، فراج سوق من لا يملك سوى التقول على الله عزوجل بغير علم والجزم بلا تحرج!

ومن الواضحات التي لا تحتاج إلي إطالة أن علوم القرآن لها أثر بالغ في إثبات نزاهة القرآن الكريم وقداسته ، وأهمها مقامنا هذا لما سيثمر عنه من نتائج وآراء ، إذ هي طاعنة بقداسة القرآن الكريم في الصميم ، وبإختصار فإن علوم القرآن التي نسبتها روايات بعض الفرق ومشوا في ظلامها صارت حجر عثرة ووصمة عار في جبين القرآن ، للأسف.

٢١٥

أهل السنة ومعني الأحرف السبعة

ما هي الأحرف السبعة؟

هذا السؤال معضل ومتشابك الأطراف لكثرة تضاربهم في تحديد ماهية تلك الأحرف السبعة ، وبنظرة عابرة في كتب علوم القرآن نجد أن كتّابهم قبل أن يخوضوا في هذا المبحث يمهدون بمقدمة مفادها أن هذا البحث مؤذ والخوض فيه ليس من السهولة بمكان ، ومعهم الحق في ذلك.

وعلى أي حال فإن هذه المباني من علوم القرآن وغيرها ليست من المباني العقلية التي يصح للعقل البت فيها منفردا عن النصوص الشرعية ، فهي تأسيس من الشريعة ، لذلك يلزم مراجعة رأي الشارع المقدس في تحديد ماهيتها ، فالحكم الفصل في المسألة هي النصوص الشرعية وإلا نقف متحيرين.

وبما أن النصوص الشرعية تدور في فلك الآيات والأحاديث ، استقرأنا آيات القرآن فلم نجد أي دليل فيها يشير من قريب أو بعيد إلى المطلوب فتعين لنا الشق الآخر وهي الروايات.

وبعد الوقوف على نوع الديل المعول عليه في إجابة السؤال المطروح عن ماهية الأحرف السبعة ، ونقول : إن النظر في مدلول روايات أهل السنة حول الأحرف السبعة ينادى بإبهام وغموض ماهية الأحرف السبعة ، وهاك تفصيل الكلام.

السبب في إبهام ماهية الأحرف السبعة

كان سبب دخول الأحرف السبعة في حيّز علوم القرآن وجود بعض

٢١٦

الروايات في صحاح أهل السنة ، فمفهوم الأحرف السبعة استفاض نقله من طرقهم عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ، بل ادعي تواتر روايتها أبو عبيد بن سلام في فضائل القرآن ورد عليه الأستاذ الزرقاني في مناهله فقال:

وكأن هذه الجموع التي يؤمن تواطؤها على الكذب هي التي جعلت الإمام أبا عبيد بن سلام يقول بتواتر توافر جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب في كل طبقة من طبقات الرواية ، وهذا الشرط إذا كان موفورا هنا في طبقة الصحابة كما رأيت فليس بموفر لدينا في الطبقات المتأخرة (١).

وكان من الطبيعي حال ورود هذه الكثرة من الروايات أن يحدد بها معنى الأحرف السبعة ، ولكن يا حسرة! تلك الروايات غير متفقة في المعني وتضاربها على أشده سواء أكان في تحديد معناها أو في عدد الأحرف نفسها حتي أشكل المقصود منها على كثير من علمائهم وتاهوا في دوامة تلك الأحرف.

إذن فعله الإبهام هو قصور الأدلة ، ولنذكر هنا مناقشة معني تلك الروايات ، والمناقشة ستكون على ثلاثة محاور:

المحور الأول : اختلاف الروايات في عدد الأحرف

(حرف واحد)

__________________

(١) مناهل العرفان للأستاذ الزرقاني ١ : ١٣٢ ط الحلبي الثالثة.

٢١٧

ـ كنز العمال : أتاني جبريل فقال : اقرأ القرآن على حرف واحد (١).

(ثلاثة أحرف)

ـ المستدرك على الصحيحين : عن سمرة عن النبي صلي الله عليه وآله قال : أنزل القرآن على ثلاثة أحرف. (٢)

ـ كنز العمال : أنزل القرآن على ثلاثة أحرف فلا تختلفوا فيه ، ولا تحاجوا فيه فإنه مبارك كله فاقرؤوه كالذي أقريتموه. (٣)

(أربعة أحرف)

ـ كنزل العمال : أنزل القرآن على أربعة أحرف : حلال وحرام ، لا يعذر أحد بالجهالة به ، وتفسير تفسره العرب ، وتفسير تفسر العلماء ، ومتشابه لا يعلمه إلا الله ، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب (٤).

(خمسة أحرف)

ـ تفسير الطبري : عن عبد الله بن مسعود قال : إن الله أنزل القرآن على

__________________

(١) كنز العمال ٢: ٥٤ ، ح ٣٠٩ (ابن منيع عن سليمان بن صرد)

(٢) المستدرك على الصحيحين ٢: ٢٣٣ وعلق عليه الحاكم بـ(قد احتج البخاري برواية الحسن عن سمرة واحتج مسلم بأحاديث حماد بن سلمة وهذا الحديث صحيح وليس له علة)ومسند أحمد ٥ :٢٢.

(٣) كنز العمال ٢ : ٥٣ ، ح ٣٠٨٨(ابن الضريس عن سمرة) وح ٣٠٨٧ (حم،طب،ك عن سمرة).

(٤) كنز العمال ٢ : ٥٥ ، ح ٣٠٩٧ (ابن جرير وأبو نصر السجزي عن ابن عباس وقال ابن جرير: في إسناده نظر. ورواه ابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في الوقف عن ابن عباس).

٢١٨

خمسة أحرف : حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحل الحلال وحرّم الحرام واعمل بالمحكم وآمن بالمتشابه واعتبر بالأمثال. (١)

(سبعة أحرف)

ـ صحيح البخاري ومسلم : عن عبد الرحمان بن عبد القاري أنه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها وكان رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم أقرأنيها ، وكدت أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم قلت : إني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها ، فقال لي : أرسله. ثم قال له : إقرأ ، فقرأ. قال : هكذا أنزلت ، ثم قال لي : اقرأ. فقرأت، فقال : هكذا أنزلت ، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر (٢).

ـ مستدرك الحاكم :عن ابن مسعود عن رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم قال : نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف (٣).

__________________

(١) تفسير الطبري ١ : ٢٤ ط دار الحديث.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٩٠ ، و ٦ :١٠٠ ، و ٨ : ٥٤ ، و ٨: ٢١٥ ، صحيح مسلم ٢: ٢٢، سنن أبي داود ١ :٣٣١ ، مسند أحمد ١ : ٢٤ و : ٤٣، وسنن النسائي ٢ : ١٥١ ، السنن الكبري ٢ : ١٤٥ ن و :٣٨٣.

(٣) المستدرك على الصحيحين ١ : ٥٥٣ وعلق عليه : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه

٢١٩

(عشرة أحرف)

ـ كنزالعمال : انزل القرآن على عشرة أحرف ، بشير ونذير وناسخ ومنسوخ وعظة ومثل ومحكم ومتشابه وحلال وحرام (١).

وهذا أول من وجوه التضارب في الأدلة ، ولا قيمة لرأي دون رأي المشرع في التوفيقات ، لذا لا يعترض بأن أهل السنة اتفقوا على أنها سبعة أحرف ، لأن بعضها تدعي خلاف ذلك وهي صحيحة السند.

المحور الثاني : التضارب في معني الحرف

اختلف الروايات في المقصود من الحرف إلي معنيين :

المعني الأول : نزول آيات القرآن على سبعة أشكال مترادفة في المعنى

ويدل علي هذا المعني الغريب كثير من الروايات الصحيحة في مصنفات أهل السنة ، وهو رأي المشهور بين العلماء أهل السنة ، ولننقل هنا الروايات عليه :

عن سليمان بن صرد ، عن أبي بن كعب قال : قرأت آية وقرأ ابن مسعود قراءة خلافها فأتينا النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم فقلت : ألم تقرأني آية كذا وكذا؟ قال ابن مسعود : ألم تقرأنيها كذا وكذا؟ قال: بلى. قال : كلاكما محسن مجمل. قلت : ما كلانا أحسن ولا أجمل! فضرب في صدري وقال :

__________________

وأخرجه باختلاف يسير في ٢: ٢٩٠ ، وفي كنز العمال ١ : ٥٤٩ و ٥٥٣.

(١) كنز العمال ٢ : ١٦ ، ح ٢٩٥٦ (السجزي عن علي).

٢٢٠