إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

وأكثر من ذلك ، نقول إن علماء أهل السنة يكفّرون جميع المسلمين سنة وشيعة؛ لأن جميع المسلمين اليوم يعتقدون أن المشمس ثابتة لا تدور حول الأرض وإنما الأرض تدور حولها (١) ، وذلك لأن شيخ الوهابية ابن باز يرى أن من قال بثبوت الشمس كافر حُلّ ماله ودمه وعرضه! (٣).

__________________

أصحابه يقولون : كان أبو زيد الدبوسي يقول : لولا أبو سهل الأبيوردي لما تركت للشافعية بما وراء النهر مكشف رأس ، وحدثني أبو الحسن علي بن عبد الرحمان الحديثي وكان من أصحابه المبرزين في الفقه أنه سمعه يقول : كنت أتبزز في عنفوان شبابي فينا أنا في سوق البزازين بمرو ، رأيت شيخين لا أعرفهما ، فقال أحدهما لصحابه : لو اشتغل هذا بالفقه لكان إماما للمسلمين. فاشتغلت حتى بلغت فيه ما ترى.

التوط بالغلام المملوك : ذكر القاضي الحسين في التعليقة أنه حكي عن الشيخ ابن سهل وهو الأبيوردي ، كما هو مصرح به في بعض نسخ التعليقة ، وصرح به ابن الرفعة في الكفاية : أن الحد لا يلزم من يلوط مملوك الغير. قال القاضي : وربما قاسه على وطء أمته المجوسية أو أخته من الرضاع وفيه قولان انتهى. وهذا الوجه محكي في البحر والذخائر وغيرهما من كتب الأصحاب ، لكن غير مضاف إلى قائل معين. وعلله صاحب البحر بأن ملكه فيه يصير شبهة في سقوط الحد. والذي جزم به الرافعي تبعا لأكثر الاصحاب أنه لا فرق بين مملوكه وغيره ، نعم في اللواط من أصله قول أن موجبه التعزيز. قال الرافعي : إنه مخرج من القول بنظيره في إتيان البهيمة ، قال : ومنهم من لم يثبته).

(١) الشمس متحركة مع المجموعة الشمسية في قلب المجرة متحركة كما هو حال غيرها من المجرات.

(٢) ذكرنا مقاطع من كتابه : (الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان

٦١

أو نحمّل أهل السنة تحريم ابن باز لبس الكعب العالي للمرأة لأنه يعرضها للسقوط!! ، وتحريم وضع المناكير لأنه يمنع وصول الماء في الوضوء والغسل إلى الأظافر (١). إلى ما لا نهاية له من هذه المخازي التي شحنت بها كتب أهل السنة.

فهل هذا مقبول؟!حاشالله ، شيعة أهل البيت عليهم السلام ليسوا كالوهابية الذين يفترون على اهل لا إله إلاّ الله في كل فينة وأخرى ، يحمّلون

__________________

الصعود إلى الكواكب) في ملحق رقم (٥).

(١) فتاوى ابن باز : ١٢٥ ، وهي في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، فتوى رقم١٦٧٨ : (ليس الكعب العالي لا يجوز لأنه يعرض المرأة للسقوط ، والإنسان مأمور شرعاً بتجنب الأخطار ، بمثل عموم قول الله : (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة : ١٩٥). وقوله : (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) (النساء : ٢٩) كما أنه يظهر قامة المرأة وعجيزتها (!!) بأكثر مما هي عليه ، وهذا تدليس وإبداء لبعض الزينة التي نهيت عن إبدائها المرأة امؤمنة بقول الله سبحانه وتعالى : (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ) (النور : ٣١) ، أما المناكير فلا تجوز لما فيها من منع وصول الماء في الوضوء والغسل إلى الأظافر).

أقول : على فتوى ابن باز يحرم ركوب السيارات والطائرات والدراجات وغيرها من الأمور التي هي أخطر من لبس الكعب العالي بكثير!! ، ثم لماذا يحرم المناكير على من كانت في عادتها الشهرية؟! ، أو على غيرها ممن تزيله قبل الوضوء والغسل؟!

٦٢

الجمهره رأي القلة وينسبون الشواذ للكل ، فأقرب به للخداع والدجل.

نعم ، إن الحقيقة التي يقلبها الشيعة ولا مجال لأنكارها ، هي القول : إن فلاناً قال بالتحريف من علماء الشيعة وفلاناً قال بالتحريف من سلف أهل السنة ـ كما سيأتي بيانه ـ لا أن يقال : عقيدة الشيعة هي أن القرآن محرف!

هل القول بتحريف القرآن يستوجب الكفر؟

ومن العجب تسربل الوهابية دور المدافع عن عوام الشيعة بحثهم على تكفير من قال بتحريف القرآن منهم (١)! ، ولا ريب أن مخاطبة العوام وغير أهل التخصص ونشر الأشرطة بينهم ليس إلاّ إغرارا وخداعا لهم ، وإلا ما المانع أن تطرح المسألة مع علماء الشيعة قبل أن تنشر كتيباتهم وأشرطتهم الملونة ف كل سوق ودكة ، وجزي خيرا من أعان على نشر هذا الشريط!

وعلى أي حال لنناقش الفكرة بشييء من العلمية ، فنبذأ بذكر استدلالات الوهابية على كفر من قال بتحريف القرآن وبالأثناء نذكر رأي الشيعة في المسالة وبعض الضوابط ، لنرى هل الكفر يصح على مباني الشيعة

__________________

(١) هؤلاء المتخبطون تراهم في أول الكتيب أو الشريط يتهمون كل الشيعة بتحريف القرآن ، ثم يأتون بعد برهة يريدون من علماء الشيعة تكفير الذين قالوا به منهم!وبعدها يرمون الشيعة بقرآن آخر غير القرآن المسلمين ، وهو مختص بهم اسمه مصحف فاطمة عليها السلام!فما ندري ، أمصحفنا تام كامل وبعضنا يدعى تحريفه؟! أم كلنا محرفون؟! أم قرآننا مصحف فاطمة!؟وكل هذه التناقضات تجدها على متن شريط واحد أو في كتيب!وكما قيل : حبل الكذب قصير.

٦٣

أيضا أم لا.

ولنعرض عن ذكر استدلالاتهم السخيفة التي جاءت في كتيباتهم وأشرطتهم الملونة التي تتسم بالأسلوب الخطابي الرتيب وهي للهزل أقرب منها للجد ، ولنعتمد استدلال اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الذي يعتبر عندهم استدلالاً علمياً ، وهي اللجنة التي يرأسها كبير الوهابية ابن باز قال :

ومن قال : إنه غير محفوظ أو دخله شيء من التحريف أو النقص فهو ضال مضل ، يستتاب فإن تاب وإلاّ وجب على وليّ الأمر قتله مرتداً؛ لأن قوله يصادم قول الله عزّ وجلّ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (١). ويصادم إجماع الأمة على حفظه وسلامته (٣).

فهذه الردة وهدر الدم سببها مصادمة الآية ومصادمة إجماع الأمة ، ونحن إرضاءاً الخاطر الوهابية وتقوية الستدلالهم نزيد على الوجهين السابقين وجهاً آخر للتكفير ونرتب لهم المطلب ، فنقول :

من قال بتحريف القرآن لا يخلو الوجه في تكفيره من أحد ثلاثة أسباب :

١ ـ كذّب صريح القرآن وهو قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (٣). وقوله تعالى : (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ

__________________

(١) الحجر : ٩.

(٢) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء٤ : فتوى٦١٣٧ط رئاسة إدارة البحوث.

(٣) الحجر : ٩.

٦٤

مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (١).

٢ ـ خالف ضروريا من ضروريات الدين.

٣ ـ خالف أمرا مجمعا عليه.

فنقول لدعاة التكفير : حباً وكرامة! ، ولكن على فقه من تريدون التكفير من الشيعة؟! على فقه أهل البيت عليهم السلام أم على فقه شكيب وشكيبة؟! ، معلوم عند الجميع أن الشيعة لا يقيمون وزناً لفقه لم يأتهم من أهل البيت عليهم السلام الذين أنزل الله فيهم : (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) (٣) ، (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (٣) ، ومع ذلك سنمن على الوهابية مرة أخرى بذكر كلمات علماء أهل السنة في أثناء البحث المؤيدة لما ذهب له علماء الشيعة.

مناقشة أسباب التكفير :

السبب الأول : القول بتحريف القرآن يلزم منه تكذيب الله عزّ وجلّ فيما أخبر به في كتابه.

ويرد عليه : أن المخالفة لكتاب الله عزّ وجلّ شيء ، والتكذيب والجحد له شيء آخر ، فالتكذيب بمعنى أن يعلم المكلف بما أخبر الله عزّ وجلّ به

__________________

(١) فصلت : ٤٢.

(٢) الإنسان : ٢١.

(٣) الأحزاب : ٣٣.

٦٥

ولكنه لا يصدقه ولا يقتنع به ، فهذا كفر ، وأما لو أخطأ في فهم ما أخبر به الله عزّ وجلّ وصار إلى غيره ، مع كونه يرجو موافقة كلام الله عزّ وجلّ ، فهذا خالف كتاب الله عزّ وجلّ لجهله وهذا لايكفر ، والأَخبارية هم من هذا القسم بالنسبة للآيتين ، وهذا لأمرين :

الأمر الأول : عدم حجية الظاهر عندهم

مر سابقاً أن الأخبارية يقولون بعدم حجية ظواهر القرآن؛ لأن القرآن لا يفهمه إلاّ من خوطب به ، وهم الرسول وآل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

لذا فإن مراد الله عزّ وجلّ من الآيتين الكريمتين غير معلوم عندهم ، فلا يصح اتهامهم بجحد وتكذيب ما أخبر به الله عزّ وجلّ ، وهذا يجري على كثير من علماء الإسلام الذين أخطأوا في فهم آية أو حكم من آية ، نحو من يقول بعدم جواز رؤية الله عزّ وجلّ يوم القيامة مع ما يخبر به الظاهر الساذج لهذه الآية : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (١) ، وكذا شبيه قول من يدعي تحقق رؤية المؤمنين له يوم القيمة سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا مع أن الله عزّ وجلّ يخبر في الحكم من كتابه أنه لا تدركه الأبصار ، قال تعالى : (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٣). ويقول :

__________________

(١) القيامة : ٢٢ ـ ٢٣.

(٢) الأنعام : ١٠٣.

٦٦

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١) ، وباتفاق أهل القبلة لا يكفر كلا الطرفين مع أن أحدهما خالف ما أخبر الله به جزما.

الأمر الثاني : قالوا بعدم دلالة ظاهر الآيتين على المطلوب

فالآية الأولى غاية ما تدل عليه أن الله عزّ وجلّ تكفل بحفط القرآن ولكنها ساكتة عن حفظه عند جميع الناس ، فلعل الله عزّ وجلّ لم يقصد بالحفظ حفظه عند كل المسلمين ، بل أراد حفظه عن سيد المسلمين وإمامهم ، فمن أين استفدنا حفظه عند كل المسلمين من الآية! والآية الأخرى تدل على منع استعلاء شيء عليه ولا يطر أطارئ يظهر عليه فيبطل مضمونه ومحتواه من العلوم والمعارف ، سواء مما سبقه كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب السابقة ، أو مما يأتي به الناس من علوم ، وليس المقصود أن الباطل في الآية بمعنى حذف الكلمات ونقصها ، ويمكن تقريب هذه الدلالة بلحافظ مرجع الضمير (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ) إذ لا يمكن أن يكون مرجعه إلى هذا المصحف؛ لأنها نزلت والمصحف لم يفرغ من جمعه بعد ، فلا ريب أن المقصود به ـ بزعمهم ـ القرآن في الكتاب المكنون ، فأي تحريف يقع هناك؟!لذا فالآيتان في نظرهم لا تدلان على المدّعى.

السبب الثاني : خالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة.

حتى يتضع الحق في هذه الدعوى يجب تقديم مقدمتين :

المقدمة الأولي : ماهو ضابط كون الشيء معلوماً من الدين بالضرورة؟

__________________

(١) الشورى : ١١.

٦٧

المعلوم من الدين بالضرورة هو ما لا يحتاج انتسابه للدين إلى دليل ولا يشك فيه أحد من المسلمين ، فيكون انتسابه للدين بديهياً بين الناس كوجوب الحج أو الصلاة في الإسلام (١) ، لذا فما يتوقف إثباته على الدليل لا يكون ضرورياً ومعلوماً بالبديهة.

المقدمة الثانية : هل يكفر المسلم بجمرد إنكاره للضروري أم بقيد وشرط؟

لو أنكر مسلم أمراً معلوماً من الدين بالضرورة ، فإن آل إنكاره إلى إنكار الألوهية أو الرسالة فإنه يكفر بلا ريب ، وأما لو لم يرجع إنكاره لإنكار الألوهية والربوبية أو الرسالة ، كمن طرأت له شبهة أو حصل له لبس أدى بالمنكر إلى تلك النتيجة فإنه لا يكفر فمثلا لو أنكر مسلم استجاب الصدقة لشبهة طرأت له ولبعض الأدلة ففي هذه الحالة يكون قد أنكر معلوماً من الدين بالضرورة ، ولكن هذا الإنكار لا يستوجب الارتداد والمروق عن الملة نعم من قال : إن الصدقة غير مستحبة مع إقراره أن الرسول صلى عليه وآله وسلم قال باستحبا بها نقلا عن الله عزّ وجلّ فهذا يكفر؛ لعنته على أمر الله عزّ وجلّ وإنكاره للربوبية ، أما لو أقر بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاء به ، وأنكر كونه جاء به من عند الله عزّ وجلّ فهدا يكفر؛ لأنه أنكر

__________________

(١) لاحظ : اننا نتكلم عن ضروريات الدين ، كاستجاب الصدقة وصيام شهر رمضان ، وحرمة

شرب الخمر ، لا عن أصوله ، فمن أنكر الألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو المعاد يكفر بلا قيد أو شرط.

٦٨

ضرورياً يؤول إلى إنكار الرسالة ، وأما الحالة الأولى وهي إنكاره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد باستجاب الصدقة ونص على استحبابها لشبهة معينة أو طروِّ لبس في مقدمات استدلاله في حال كونه مصدقاً ومتبعاً لأقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حال ثبوتها عنه فإن هذا لا بكفر ولا يرتد.

قال السيد اليزدي رضوان الله تعالى عليه : والمراد بالكافر من كان منكراً للألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضروريا من ضروريات الدين مع الالتفات إلى كونه ضروريا بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة (١).

قال السيد الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه : الكافر وهو من انتحل غير الإسلام ، أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين بالضرورة ، بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة ، أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله ، أو تتنقيص شريعته المطهرة ، أو صدر منه ما يقتضى كفره من قول أو فعل (٣).

قال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه : الكافر وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير الإسلام أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي ، بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة ، نعم ، إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً (٣).

قال الشيخ الآراكي رضوان الله تعالى عليه : الكافر ـ أي من أنكر الله أو

__________________

(١) العروة الوثقى ، ١ : ٦٧ط دار الإرشاد.

(٢) تحرير الوسيلة١ : ١١٨ط إسماعيليان.

(٣) منهاج الصالحين١ : ١٠٩.

٦٩

جعل الله شريكاً ، أو لم يعترف بنبوة خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ نحبس. والأحوط وجوباً الجتناب عن كل منكر لضرورة من ضروريات الدين مثل الصلاة والصوم مما يعتبره المسلون من أجزاء دين الإسلام إن علم أن ذلك من ضروريات الدين ، ورجع إنكاره إلى إنكار النبوة (١).

قال السيد عبد الأعلى السبزواري رضوان الله تعالى عليه : الكافر وهو من انتحل ديناً غير الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي ، بحيث رجع إلى إنكار الرسالة أو إنكار المعاد (٣).

قال السيد محمد الروحاني رضوان الله تعالى عليه : الكافر وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير الإسلام أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي ، نعم ، إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً (٣).

قال السيد السيستاني حفظه الله تعالى : الكافر هومن لم ينتحل دينا ، أو انتحل دينا غير الإسلام ، أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أ، ه من الدين الإسلامي بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة ، ولو في الجملة بأن يرجع إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله في بعض ما بلغه عن الله تعالى في القائد ـ كالمعاد ـ أو في غيرها كالأحكام الفرعية ، وأما إذا لم يرجع جحده إلى ذلك بأن

__________________

(١) المسائل الواضحة١ : ٢٢ط. مكتب الإعلام الإسلامي.

(٢) منهاج الصالحين١ : ٩٨ ، ط. دار الكتاب الإسلامي.

(٣) منهاج الصالحين١ : ٢٧ط. دار الزهراء.

٧٠

كان ذلك بسبب بعده عن محيط المسلمين وجهله بأحكام هذا الدين فلا يحكم بكفره ، وأما الفرق الضالة المنتحلة للإسلام فيختلف الحال فيهم (١).

قال الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى : والكافر وهو المنكر لله أو رسالة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم أو المعاد أو الشاك في الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو المشرك بالله أو الشاك في وحدانيته نجسٌ وكذلك الغلاة ـ أي القائلون بألوهية أحد الأئمة عليهم السلام ، أو القائلون بحول الله تعالى في أحدهم عليهم السلام ـ والنواصب ـ وهم أعداء أحد الأئمة عليهم السلام أو أعداء فاطمة الزهراء سلام الله عليها ـ ، والمنكر لإحدى ضروريات الدين ـ كالصلاة والصيام ـ مع علمه بأنها من ضروريات الدين (٣).

قال الميرزا جواد التبريزي حفظه الله تعالى : الكافر ، والمشهور بين الفقهاء نجاسته مطلقا ، إن كان من أهل الكتاب ، وهو الأحوط الأولى والأظهر أن الناصب في حكم الكافر ، وإن كان مظهراً للشاهدتين والاعتقاد بالمعاد ، ومن أنكر شيئاً من ضروريات الدين ولم تحتمل فيه الشبهة يحكم بكفره ، وكذا من علم إنكاره من فعله كمن استهزأ بالقرآن ، أو أحرقه ـ والعياذ بالله ـ متعمدا (٣).

__________________

(١) منهاج الصالحين١ : ١٣٩ط مكتب سماحة السيد في قم المقدسة.

(٢) توضيح المسائل : ١٩١م ١٠٧ ، الفارسية.

(٣) المسائل المنتخبة : ٦٦ ، ط الفقيه.

٧١

قال السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم حفظه الله تعالى : إنكار الضروري من الدين إن رجع إلى عدم الإقرار به بعد العلم بإنزاله من قِبل الله تعالى ، أ, إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغه به بعد العلم بتبليغه له كان موجباً للكفر ، وإن رجع إلى عدم العلم بثبوته في الدين أو بتبليغ النبي صلى الله عليه وآله له ، لم يوجب الكفر كما إذا نشأ من الجهل بتحريمه أو من شبهة اعتقد معها عدم التحريم (١).

وعلى هذا فلو لم يعلم المنكر أن ما أنكره جزء من الدين ، بل نفى كونه منه لشبهة ولبس ، مع إيمانه في قرارة نفسه أنْ لو ثبت عنده مجيء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أنكره لا تبعه ولأخذ به بكل انقياد وتسليم فإن إنكاره ـ في هذه الحالة ـ لا يؤول إلى إنكار الإلوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعياذ بالله ، فلا يحكم بكفره ، وبعبارة مختصرة إن منكر الضروري لا يكفر إلاّ برجوع إنكاره إلى إنكار الألوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وبعد ما قدمنا يتضح أن دعوى تكفير من قال بتحريف القرآن لإنكاره ضرورياً كلام ساقط من رأس وجرأة على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأمرين :

١ ـ لم يثبت أن من ضروريات الدين الاعتقاد باحتواء مصحفنا لكل كلمات القرآن التي نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

__________________

(١) منهاج الصالحين ١ : ١٢٧م٤٠٠ط دار الصفوة.

٧٢

فلو سئل أهل الإسلام في بقاع الأرض عما إذا كان هذا المصحف الذي في بقاع الأرض عما إذا كان هذا المصحف الذي في بيوتنا اليوم قد اشتمل على كل كلمة وحرف نزل من السماء قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ولم تخف كلمة أو حرف عمن جمعه أو لم يتلاعب به أحد من بعدهم ، فلا يعد الجواب على هذا السؤال بديهاً لا يشك فيه ، وليس هو كبداهة سؤال المسلم لأخيه عما إذا كانت الصلاة واجبة في الإسلام ، ولذا عندما يتطرق علماء الشيعة وأهل السنة لإثبات صيانة القرآن من التحريف يعتمدون الدليل لإثبات مدعاهم كآية الحفظ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (١) ، فاستدلالهم هذا على عدم وقوع التحريف في القرآن يناقض كونه من بديهيات الدين التي لا يحتاج لإقامة الدليل.

قال في الفقه المقارن : والقول بعدم التحريف لم يثبت أنه دين بالضرورة ، وإلاّ لما احتاج إلى الاستدلال عليه بآية : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وما يحتاج إلى الاستدلال لا يكون من الضروريات (٣).

٢ ـ من قال بتحريف القرآن فإن قوله لا يؤول إلى إنكار الإلوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله سلم.

فقد مر سابقاً أن من قال بالتحريف لا يرى أن الله عزّ وجلّ تكفل بحفظ القرآن في مصاحف المسلمين؛ لأن الآيتين في نظره لا تدلان عليه فضلا عن قبوله الحجية ظاهريهما ، ولا يرى أن النبي صلى الله عليه وآله سلم قد أخبر

__________________

(١) الحجر : ٩.

(٢) الأصول العامة للفقه المقارن : ١٠٩ للسيد محمد تقي الحكيم رحمه الله ط. دار الأندلس.

٧٣

بحفظ القرآن في مصاحف المسلمين؛ بل على العكس هو يرى أن الرسول وأهل بيته صلى الله عليهم أجمعين صرحوا بأن التحريف وقع فيه وأنه بُدِّل وتلاعبوا به.

ويتضح من هذا أن تفسير هم لظاهر الآيتين الكريمين ومحاولتهم تفادي معارضة الآيتين لما صاروا إليه من القول بالتحريف وكذا تأويلهم وإيجادهم المخارج لحديث الثقلين ولروايات عرض الحديث على القرآن ، كل هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هؤلاء القوم متبعون لأمر الله ونهيه ، يتجنبون معارضة قوله ، وكذا مقتفون لسنة رسوله وما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم ، لذا ذكروا الوجوه لحديث الثقلين وأحاديث العرض ، حتى لا يتورطوا في معارضة كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فانكارهم لصيانة القرآن من التحريف ـ لو سلمنا جدلا أنه من الضروريات ـ لا يؤوّل إلى إنكار الإلوهية أو إنكار الرسالة ، كالتعنّت على أمر المولى أو أمر رسوله صلى الله عليه وآله سلم ، ولا يؤوّل إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله سلم ، وكل هذا مانع من التكفير جزما وقطعا ، مع التسليم بأن هذا الأمر من ضروريات الدين

السبب الثالث : خالف ما هوم مجمع عليه.

ملاحظة

قبل مناقشة سبب التكفير هذا ، يلزم التنبيه على نقطة وهي أن بعض أهل السنة يستدل بالإجماع على صيانه القرآن من التحريف وهذا استدلال

٧٤

فاسد؛ لأنه استدلال دوري ، فحجية الإجماع عند أهل السنة ترجع إلى ما رووه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)). وهذا الكلام حجيته نابعة من صدوره عن شخص مرسل من قِبل الله عزّ وجلّ ، والدليل على رسالته هو إعجاز القرآن ، وإعجازه لا يعتمد عليه إلاّ بعد الفراغ من أن القرآن سليم من الدس والنقصان؛ لأن كل آية نضع يدنا عليها نحتمل أن بعض كلماتها سقطت أو دست فيها بعض الكلمات ، لذا أصبح عدم تحريف القرآن معتمداً على الإجماع ، والإجماع معتمداً على رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والرسالة معتمدة على إعجاز القرآن ، وإعجازه معتمد على سلامته من التحريف! فسلامة القرآن من التحريف تعتمد على سلامته من التحريف ، لذا لا يصح استدلال أهل السنة بالإجماع ـ إن تم ـ على سلامة القرآن من التحريف.

أما كون سلامتة القرآن من التحريف أمراً مجمعاً عليه لذا يكفر من خالفه ، فهذا السبب للتكفير أسخف من سابقيه ، لأمور :

١ ـ هذه الدعوى فيها إلزام للشيعة بتكفير بعض علمائهم؛لأن عدم التحريف أمر مجمع عليه عند أهل السنة!!

٢ ـ دعوى الإجماع على صيانة القرآن من التحريف لم تتحقق عند أهل السنة فضلا عن الشيعة ، وسيأتي ذكر كلمات من قال من علماء أهل السنة بتحريف القرآن.

٣ ـ الإجماع ليس دليلا عند الشيعة في قبال الأدلة الأخرى وإنما هو مجرد كاشف عن الدليل ، فلا تكون معارضته معارضة للدليل الشرعي بل معارضة للطريق ، لذا المنكر قد ينكر كاشفية الطريق لا ما يكشف عنه.

٧٥

ولنذكر هنا كلمات علماء اهل السنة الناصة على ان منكر المجمع عليه لا يكفر إلاّ في حال علمه أن ما أنكره قد صدر من الشارع لمآله إلى إنكار الرسالة ، وهو عين ما يدعيه علماء الشيعة ، فقد يتحقق الإجماع على شيء ولكن المنكر لا يثق بالصدور من إجماعهم لأدلة أخرى أو لشبهة طرأت له فلا يكفر لاشتباهه ، وعليه جمهور علماء الإسلام ، ومع ذلك تريد الوهابية أن تتبع الشيعة أمزجتهم!

كلمات علماء أهل السنة في أن خارق الإجماع لا يكفر

وقال إمام الحرمين الجويني في البرهان في أصول ألفقه : فشا في لسان الفقهاء أن خارق الإجماع يكفر ، وهذا باطل قطعا فإن من ينكر أصل الإجماع لا يكفر ، والقول في التكفير والتبرؤ ليس بالهيِّن ، ولنا فيه مجموع فليتأمله طالبه ، نعم من اعترف بالإجماع واقر بصدق المجمعين في النقل ثم أنكر ما أجمهوا عليه كان هذا التكذيب آيلاّ إلى الشارع عليه السلام ومن كذب الشارع كفر ، والقول الظابط فيه أ، من أنكر طريقا في ثبوت الشرع لم يكفر ومن اعترف بكون الشيء من الشرع ثم أنكره كان منكرا للشرع وإنكار جزئه كإتكار كله (١) (٣).

__________________

(١) الرهان في أصول الفقه للجويني١ : ٤٦٢ ، مسألة٦٧٣.

(٢) وهو عين ما قاله الشيعة سابقا؛لأن كل ما يؤول إلى تكذيب الشرع والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من الكفر ، وواضح أن من قال بوقوع تحريف في القرآن لا يرى أن عدم التحريف جاء الشرع به ، بل العكس! يدعي أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر

٧٦

وقال الحلبي الحنفي في التقرير : ولهذا قال الشيخ صفي الدين الهندي في النهاية : جاحد الحكم المجمع عليه من حيث أنه مجمع عليه بإجماع القطعي لا یکفر عند الجماهیر؛لأن جاحد حكم الإجماع الظني لا يكفر وفاقا (١).

وقال أيضا : غير أن إنكار القطعي إنما يكفر منكره إذا كان ذلك القطعي ضرورياً من ضروريات الدين ، كما هو قول غير واحد (ومن لم يشرطه) أي الضروري في القطعي المكفر بإنكاره كالحنيفة إنما يكفر منكره إذا لم يثبت فيه شبهة قوية. (فلذا) أي اشتراط انتفاء الشبهة في القطعي المنكر ثبوتاً واتنفاء (لم يتكافروا) أي لم يكفّر أحد من المخالفين الآخر في التسمية لوجود الشبهة لتقويه في كل طرف لقوة دليله ، فإنه عذر واضح في عدم التكفير؛ لأنه يدل على أنه غير مكابر للحق ولا قاصد إنكار ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن ذلك أخرجه من حد الوضوح إلى حد الإشكال (٣).

قال العلامة الزرشكي في المنثور : أطلق كثير من أئمتنا القول بتكفير جاحد المجمع عليه ، قال النووي : وليس على إطلاقه ، بل من جحد مجمعاً عليه فيه نص ، وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص

__________________

بوقوع التحريف في هذه الأمة ، كما حدث في الأمم السابقة بما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم : (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشير ... ).

(١) التقرير والتحبير٣ : ١٥١ ـ ١٥٢

(٢) التقرير والتحبير٢ : ٢٨٦.

٧٧

والعوام ، كالصلاة والزكاة ونحوه ، فهو كافر ، ومن جحد مجمعاً عليه لا يعرفه إلاّ الخواص كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب وغيره من الحوادث المجمع عليها فليس بكافر (١) ، قال : ومن جحد مجمعاً عليه ظاهراً لا نص فيه ففي الحكم بتكفيره خلاف.

ونقل الرافعي في باب حد الخمر عن الإمام أنه لم يستحن إطلاق القول بتكفير مستحل الإجماع ، وقال : كيف نكفّر من خالف الإجماع ونحن لا نكفّر من رد أصل الإجماع ، وإنما نبدعه ونضلله ، وأول ما ذكره الأصحاب على ما إذا صدق المجمعين على أن التحريم ثابت في الشرع ثم حلله ، فانه يكون رداً للشرع.

وقال ابن دقيق العيد أطلق بعضهم أن مخالف الإجماع يكفر ، والحق أن المسائل الإجماعية تارة يصحبها التواتر عن صاحب الشرع كوجوب الخمس وقد لا يصحبها فالأول يكفر جاحده لمخالفته التواتر لا لمخالفته الإجماع (٣).

وذكر قول أبي حامد الغزالي : وقد وقع التكفير لطوائف من المسلمين يكفر بعضها بعضا ، فالأشعري يكفّر المعتزلي زاعما أنه كذّب الرسول في رؤية الله تعالى وفي إثبات العلم والقدرة والصفات ، وفي القول بخلق القران والمعتزلي يكفّر الأشعري زاعما أنه كذّب الرسول في التوحيد ، فان إثبات الصفات يستلزم تعدد القدماء ، قال : والسبب في هذه الورطة الجهل بموقع

__________________

(١) لا حظ تعليق الحكم بالكفر على ثبوت علم المنكر بأن ما أنكره من ضروريات الإسلام.

(٢) فمخالفة المجمع عليه لا كفر فيها ، وإنما الكفر يلحق من قَطع بصدور الأمر المجمع عليه ، وهذا عين ما يدعيه الشيعة.

٧٨

التكذيب والتصديق ووجهه أن كل من نزّل قولا من أقوال الشرع على شيء من الدرجات العقلية التي لا تحقق نقضا فهو من التعبد وإنما الكذب أن ننفي جميع هذه المعاني ، ويزعم أن ما قاله لا معنى له ، وإنما هو كذب محض ، وذلك هو الكفر المحض ، ولهذا لا يكفّر المتبدع المتأول ما دام ملازما لقانون التأويل لقيام البرهان عنده على استحالة الظواهر (١) (٢).

وقال الزرشكي في موضع آخر : وعلى هذا فلا يسوغ لكل فريق تكفير خصمه بمجرد ظنه أنه غالط في البرهان ، نعم يجوز أن نسميه ضالا؛ لأنه ضل عن الطريق ، أو مبتدعا؛ لأنه ابتدع أقوالا لم يقلها السلف (٣).

وثم ذكر قول الإمام القشيري : وعبر بعض الأصوليين عن هذا بما معناه أن من أنكر طريق إثبات الشرع لم يكفر ، كمن أنكر الإجماع ، ومن أنكر الشرع بعد العتراف بطريقة كفر لأنه مكذب (٤).

وقال ابن تيمية في المسودة : مسألة : من خالف حكما مجمعا عليه فهل يكفر بذلك؟ قال ابن حامد وغيره : انه يكفر ومرد ذلك أن يكفر من جوزّ

__________________

(١) وهذا الضابط ينطق على من يرى أن الآية الكريمة : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر : ٩) لا تدل على حفظ القرآن عند جميع الناس بل يكفي لتحقق مدلول الآية حفظ القرآن عند إمام الناس.

(٢) المنثور في القواعد لأبي عبد الله الزرشكي٣ : ٨٦ ـ ٨٧.

(٣) المنثور في القواعد لأبي عبد الله الزرشكي٣ : ٩٠.

(٤) المنثور في القواعد لأبي عبد الله الزرشكي٣ : ٩٢ ، وهذا هو الضابط الذي ذكره الشيعة سابقاً.

٧٩

كون الإجماع يقع خطأه ، وذكر كثير من الطوائف من أصحابنا وغيرهم منهم القاضي في ضمن مسألة انعقاد الإجماع عن قياس : أنه يضلل ويسفق ، وهو مقتضى قول كل من قال : إن الإجماع حجة قاطعة وهم جماهير الخلائق ، وقال بعض المتكلمين أنه حجة ظنية فعلى هذا لا يكفر ولا يسفق (١).

وننقل كلام شيخ الوهابية ابن تيمية بتمامه لعله يجد مكانا في قلوب أذبابه : كلما رأوهم قالوا : من قال كذا فهو كافر. اعتقد المستمع ـ كالوهابية ـ أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله ، ولم يتدبروا أَن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين ، وان تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلاّ إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع ، يبين هذا أ، الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه (٣) ، فإن الإمام إحمد مثلا قد باشر الجهمية الذين دعوه إلى خلق القرآن ونفي الصافات وامتحنوه وسائر علماء وقته ، وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذين لم يوافقوهم على التهجم بالضرب والحبس والقتل والعزل عن الولايات وقطع الأرزاق ورد الشهادة ، وترك تخليصهم من أيدي العدو ، بحيث كان كثير من أولي الأمرد إذ ذالك من الجهمية من الولاة والقضاة وغيرهم يكفرون كل من لم يكن جهميا موافقا لهم على نفي الصفات ، مثل القول بخلق القرآن ويحكمون فيه بحكمهم

__________________

(١) المسودة لعبد السلام وعبد الحكيم وأحمد بن تيمية١ : ٣٠٨.

(٢) ولكن الوهابية يقولون للشيعة : كفروا فلانا! ، نعم نكفرهم على دين الوهابية ، أما على دين الله عزّ وجلّ فلا.

٨٠