إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

عن التفصيل ، فاستدلال القرطبي بهذا المقطع لايصح.

٣ ـ قوله (فالآية إنما ثبتت بالإجماع) ، لا ندري من أين أتى لنا بهذه النتيجة ، لأنها أكبر من المقدمات! فما ادعاه أولا أن كثيرا من الصحابة تذكروهما، فما دخل الإجماع؟!. (١)

أما جوابه الثاني فيرد عليه :

١ ـ منذ متي كان كل ما ينسب للقرآن ، وكان موافقا لصفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستحق أن يكون قرآنا ويدمج في المصحف؟! إن هذا لشيء عجاب!

وقد اعترض الباقلاني على هذه التفاهة فقال : ومن الناس من قال إنما أجاز عمر شهادته وحده ؛ لأن الآيتين اللتين في آخر سورة براءة هما ثناء على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وهذا باطل ؛ لأنه يجب أن يجييز شهادة واحد في كل موضع هذه صقته ، بل أولى منه المواضع التي فيها صفة الله تعالى. (٣)

٢ ـ لنسائل القرطبي عن قوله (فإن تلك بشهادة زيد وأبي خيمة) ، فهل هذا يدفع إشكال الرافضة بزعمه؟ كيف؟! وخبر الواحد ليس هو ما يقابل الاثنين!

__________________

(١) إلا أن يقال إن سكوتهم إقرار ، وهذه النتيجة تبتني على مقدمة مطوية فاسدة ، وهي استحالة ترك أي رجل من أهل ذلك العصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو استحالة جهله بالمورد ، وهذا فيه ما فيه من السخف.

(٢) نكت الانتصار: ٣٣٢.

٣٢١

وهذا نترك تبعته على ابن حجر العسقلاني ، حيث قال في مقام الرد على الداودي الذي ذهب إلى عين ما ذهب له القرطبي ، فقال : وكأنه ظن أن قولهم لا يثبت القرآن بخبر الواحد أي الشخص الواحد وليس كما ظن بل المراد بخبر الواحد خلاف الخبر المتواتر ، ولو بلغت رواة الخبر عددا كثيرا وفقد شيئا من شروط المتواتر لم يخرج عن كونه خبر الواحد. (١)

٣ ـ إن الروايات الواردة في المقام تؤكد على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد اعتبر شهادة خزيمة بن ثابت بمنزلة شهادة رجلين ، وهذا يوحي أن إثبات الآية عن طريق خزيمة بن ثابت ، إنما تم باعتبار أنه (ذوالشهادتين) لا غير ، وإلا فما الداعي لتأكيد زيد بن ثابت على أن شهادة خزيمة تعدل شهادتين؟! وهل هو إلا لتبرير دمجه لالآية بشهادة خزيمة وحده؟!

وهذا كما يقول علماء الأصول من باب أن تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية ، وهو مضمون رواية البخاري السابقة : فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم شهادته شهادة رجلين.

٤ ـ طريقة طرح القرطبي للدليلين توحي أنهما اجتهاد بعيد عن الحس والواقع لأنه يردد الجوابين ، فإما أن يكون جوابه هذا أو ذلك ، فهو تارة يقول إن آخر سورة براءة ثبت بالإجماع وبتذكر الصحابة لها ، وتارة أخرى يقول إنها ثبتت لقيام الدليل على صحتها في صفة النبي صلى الله عليه وآله ووسلم!

__________________

(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٩ : ١٥ كتاب فضائل القرآن.

٣٢٢

ولا ندري أهذا هو الجواب أم ذلك؟! واستحسانه ظاهر.

بدأت عدة التأويل بالعمل!

ولكي يتخلصوا من هذه المشكلة ، أعلموا ، آراءهم فادعى البعض منهم أن زيد بن ثابت لم يكن يكتب القرآن بشهادة رجلين ، وإنما عنى بالشاهدين الحفظ والكتابة ، وهذا ما ذكره ابن حجر في فتحه : قوله (لم أجدها مع أحد غيره) أي مكتوبة ، لما تقدم من أنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة. (١)

والذي عناه ابن حجر في قوله (لما تقدم) هو ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف من طريق يحيى بن عبد الرحمان بن حاطب قال : قام عمر فقال : من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم شيئا من القرآن فليأت به ، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب ، قال : وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان ، ومثله قال أبو شامة.

قال في المباحث في علوم القرآن : وواضح أن تفسير ابن حجر يلاحظ فيه الاكتفاء بشاهد واحد الكتابة ، كالشاهد الواحد على الحفظ. وتفسير الجمهور يقوم على ضرورة شاهدين عدلين على الكتابة ، وشاهدين على الحفظ فلا يكتفى بشاهد واحد على كل من الأمرين. (٣)

__________________

(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٩ : ١٥ كتاب فضائل القرآن.

(٢) مباحث في علوم القرآن : ٧٦ د. صبحي الصالح ط. دار الكتب للملايين. أقول وكأن الكاتب يعترض على ما ذهب له ابن حجر ، في حين أن الجمهور اشترطوا شاهدين عدلين للحكم بقرآنية الآية ، وهذا أمر مضحك ، لأن المشكلة لا يتوقف حلها على الشاهد أو الشاهدين ،لما

٣٢٣

وكان السخاوي أكثر احتياطا من ابن حجر وأبي شامة ، فادعى أن دمج تلك الآيات في لمصحف إنما كان بالشهيدين ليشهدا على ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لا أن يكتفي بشاهدين!

قال السيوطي في الإتقان : قال ابن حجر : وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب. وقال السخاوي في جمال القراء : المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن. قال أبو شامة : وكان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي لا من مجرد الحفظ. قال : ولذلك قال في آخر سورة التوبة لم أجددها مع غيره ، أي لم أجدها مكتوبة مع غيره ، لأنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة. (١)

ويرد على ما يدعونه من أن جمعة المصحف اشترطوا في إلحاق الآيات به خصوص ما كان مكتوبا بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد شهد عليه شاهدان ، أمور :

١ ـ لايصح بحسب مبانيهم الإعراض عما أخرجه البخاري من أن زيدا كان قد جمع القرآن من ثلاثة مصادر : هي العسب واللخاف وصدور الرجال ، والاقتصار على مقطوعة ابن أبي داود (٣) مع أنها لا تتعارض مع الرواية البخاري ، لأن رواية ابن أبي داود لم تذكر صدور الرجال ّ ورواية البخاري

__________________

سيأتي من أن مقامنا هو إثبات قطعية ما كتب في المصحف ، ولا تكفي فيه البينة الظنية!

(١) الإتقان ١ : ١٦٢ ـ ١٦٣.

(٢) لأن يحي بن عبد الرحمان لم يلق ابن الخطاب ، فقد ولد يحيى في خلافة عثمان.

٣٢٤

ذكرتها ، فلماذا أهملت زيادة صحيح البخاري؟!

لذا حاول ابن حجر أن يحتمل لمقطع البخاري فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ما ينسجم مع استمزاجه ، فشك في ظهور المقطع السابق في أن صدور الرجال كانت مصدرا ثالثا للجمع بعد تسليمه بمعناه فقال :

قوله : (وصدور الرجال) أي حيث لا أجد ذلك مكتوبا ، أو الواو بمعنى مع ، أي أكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدر ، وكما ترى ادعى ابن حجر أن الواوفي المقطع الأخير واو المعية وليست واو العطف!، وهذا لى لعنق الواو! إذ كيف تكون واو (العسب واللخاف) للعطف وتخصص واو (اللخاف وصدور الرجال) بالمعية؟! هذا تحكم!، والظاهر كونها للعطف.

قال السرخسي في أصوله في باب بيان معاني الحروف المستعملة في الفقه : فأولى ما يبدأ به من ذلك حروف العطف ، الأصل فيه الواو فلا خلاف أنه للعطف ، ولكن عندنا هو للعطف مطلقا ، فيكون موجبه الاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الخبر ، من غير أن يقتضي مقارنة أو ترتيبا ، وهو قول أكثر أهل اللغة. (١)

٢ ـ لو كان شرط وجود المدون مأخوذا بعين الاعتبار في عملية الجمع ، لكان سكوت الروايات عنه وعدم ذكرها له من الغرائب ، مع ما فيه من زيادة

__________________

(١) أصول السرخسي ١ : ٢٠٠ دار المعرفة.

٣٢٥

تثبت وحرص أكثر على حفظ كتاب الله ، ولوجدنا رواياتهم تترى من كل حدب وصوب لا تفتأ تنقل لنا تثبت سلفهم الصالح وحرصه وتحفظه على كتاب الله وو و ... الخ ، فيطلبون في نقل كيفية مجيء كل منهم بورقة عند زيد.

٣ ـ إن سيرة الجامعين تخالف هذا القول ، كموافقة عمر بن الخطاب لدعوى أبي بن كعب أن الآية كانت بشكل آخر ، ولم يقل له أين ورقك وما كتبته في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وقد مرت روايته.

وهذا القاضي أبو بكر الباقلاني يخبر عن روايات تدعي أن طلب زيد بن ثابت للشاهدين إنما لأجل إثبات ما لا يقرأه وما لا يحفظه ، وهذا نص كلامه في نكت الانتصار :

وقد روي في إثبات شهادة شاهدين على القرآن ، روايات منها أن القاسم بن محمد قال : قال أبوبكر رضي الله الله عنه لزيد بن ثابت : أقعد فمن أتاك من القرآن بما لا تحفظه ولا تقرأه شاهدين فاقبله ، وهذا ما يدل على ما نقلناه في توجيه طلب شاهدين. (١)

وأخيرا فإن تسابق القوم لإثبات أن الجمع كان بشاهدين أو بشاهد واحد ـ سواء مع المكتوب أو بدونه ـ لا يجدي نفعا!، لأن أصل ادعاء تواتر نصوص القرآن كان لأجل إفادة القطع بأن كل ما في المصحف الشريف قرآن لا مرية فيه ، وحتى لو تنازلنا وسلمنا بأحوط فريضية عندهم وهي شهادة شاهدين على قرآنية المدون على الحجر أو على رقعة أو جلد عنز ، فهل هذا يورث القطع

__________________

(١) نکت اذنتصار : ٣١٩.

٣٢٦

واليقين بذلك؟! حتما لا ، لأن اشتباه اثنين في تشخيص القرآن من غيره أمر محتمل جدا ، خاصة وأن الصحابة كتبوا في مصاحفهم الشيء الكثير مما ليس بقرآن بدعوى أنه قرآن منزل ، وسيأتي الكلام عن ذلك بإذنه تعالى ، بل يدعي علماء أهل السنة أن كثيرا من الصحابة بقوا يقرأون منسوخ التلاوة ـ بزعمهم ـ إلى ما بعد زمن عثمان بن عفان ، حتى أن مصحف حفصة وعائشة بقيت فيه زيادات إلى سنوات طوال بعد موتهما ، فوجد الصحيفة أو الحجر المكتوب عليه يقصر عن الغاية المراد تحصيلها وهي القطع واليقين بعملية الجمع.

هذا لو سلمنا بأن كل القرآن قد كتب على تلك الصحف والرقاع في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا مع تسليمنا بعدم فقدان شيء من تلك الصحف ، ومع تسليمنا بعدم نسيانهم لشيء منها ، وعدم تلف بعضها كأكل الداجن لها كما في قصة آيات عائشة الآتي ذكرها بإذنه تعالى ، وإلا فإن هذه الأمور تحتاج إلى أدلة تثبتها ، لأنها أمور محتملة الوقوع بل وقع بعضها ، كما في آيات خزيمة وداجن عائشة.

وعليه مازال إشكال كونهم أثبتوا الآيات القرآنية بأخبار الآحاد قائما على أصوله ، لم ينقض حتى لو تجاوزنا كل الإشكالات وسلمنا بكل الاعتراضات ، فكيف يعتمدون هذا النحو من الجمع الذي جاءت به روايات البخاري ، ومع ذلك لا يلتزمون بأن آيات القرآن ثبتت آحادا ، ولا أقل آيات خزيمة بن ثابت؟! (١)

__________________

(١) ومع كل هذا تجد بعض الوهابية يدعون أن مذهب أهل السنة هو الذي يثبت تواتر القرآن ،

٣٢٧

رواية صحيح البخاري من تآليف الزنادقة عند ابن حزم!

ولا مخرج لهم إلا أن يسلكوا مسلك إمامهم ابن حزم الأندلسي المؤيد لمسلك الشيعة ، حيث رفض هذه الروايات التي يلزم منها عدم الوثوق بالقرآن ، قال ابن حزم :

وذكروا حديثا عن زيد بن ثابت أنه قال : (افتقدت آية من سورة براءة هي (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُفٌ رَحيم‏) (١) فلم أجدها إلا عند رجل واحد). وذكروا في ذلك تكاذيب وخرافات أنهم كانوا لا يثبتون الآية حتى يشهد عليها رجلان! وهذا كله كذب بحت من توليد الزنادقة. (٣)

ولا نجازف كابن حزم فقزل : إن قصة جمع زيد لمصحف ما في زمن أبي بكر غير صحيحة ، وإنما لا يصح القول أن مصحف المسلمين نشأ من هذا الجمع ، لأن المصحف جمع أول مرة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وسيأتي الكلام فيه بإذنه تعالى.

٢ ـ كيف يوثق بجمع سقط منه قرآن مدة ثلاث عشرة سنة!

قد مر بين الاعتراضات على الجمع الأول سقوط آيات منه ، وفي هذا الجمع تمكن زيد من العثور عليها فألحقها في المصحف وهذا نص البخاري:

__________________

وأما الشيعة فلا!سبحانك!

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) الإحكام لابن حزم ٦ : ٢٦٥.

٣٢٨

نسخت الصحف في المصاحف ، ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقرأ بها ، فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم شهادته شهادة رجلين ، وهو قوله (مِنَ الْمُؤْمِنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْديلاً) (١). (٣)

وعليه من يضمن لنا عدم خفاء آيات أخرى على زيد لم يقف عليها؟ ففقدان آية طويلة نسبيا لمدة تربو على الثلاث عشرة سنة ليس بالأمر الهين ، ولا أدري كيف تلقى رواية البخاري القبول مع ما تنسبه من جهل لأبي بكر وعمر ولزيد ، مع بقاء هذه الصحف المجموعة عند أبي بكر وعمر مدة تأمرهما على الناس؟! فإما أنهما لم يقرآ ما جمعاه! أو قرآه ولكنهما جهلا موضع النقص!

وليتهم تخلوا عما خطه البخاري ولو في هذا المقطع بالذات صيانة لماء وجه جمعهم المزعوم ، وقد أنصف القاضي الباقلاني حيث آثر ما ذكرناه ، فذهب إلى كذب هذه الرواية أو على الأقل اضطراب متنها حينما أشكل عليه بهذا الإشكال :

هذا على أنه روي أن زيدا إنما قال حين أمره عثمان أن يكتب

__________________

(١) الأحزاب : ٢٣.

(٢) صحيح البخاري ٤ : ٢٣ ، وفي ٦ : ١٤٦ ، وفي ٤ : ٢٤ ، وفي ٥ : ١٢٢ ، وفي ٦ : ٢٢٦ ، وسنن الترمذي ، ح ٣١٠٤ وعلق عليه الترمذي بقوله : (حسن صحيح).

٣٢٩

المصحف ، فدل على أن تلك الآي لم تكن في مصحف أبي بكر ولا في مصحف عمر بن الخطاب الذي هو أصل لمصحف عثمان ، وهذه الرواية ليست من روايات الشيعة ، وإنما هي من رواية أصحاب الحديث وموالي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، يقال لهم : ليس في هذا حجة لأنا قد أبنا فيما سلف نقل القرآن وحفظه ، وهذه رواية واحد ، وكثير من الناس يذهبون إلى أنها ـ رواية البخاري ـ موضوعة ، وآخرون يقولون هي مضطربة اضطرابا لا يجب معه العمل بها ، ومما هو عندنا بعد أن يصح فيها القولان ، فأما اضطرابها فلأن رواية جاءت بأن ذلك كان في أيام أبي بكر ، وأخرى بأنه كان في أيام عثمان ، والحديث إذا اختلف يجب رده فكيف إلى هذا الزمان الطويل؟ وكذلك منهم من روي فيه إسقاط الآيات الثلاث، ومنهم من لو يروه ، ولأن ألفاظه اختلفت اختلافا شديدا يطول الكتاب بنقضها ، والحديث إذا اختلفت ألفاظه الاختلاف البين وجب رده والقضاء بقلة ضبط ناقليه ، وأقل أحواله أننا لا ندري كيف قيل ، وأيضا فمن المحال أن يكون نسيان تلك الآية على سائر الصحابة ولا يوجد حفظها إلا عند اثنين منهم ، والروايات تواترت عن أبي بن كعب أنه قال : إن آخر عهد القرآن بالسماء هاتان الآيتان وتلا (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُم) (١) ، ولا خلاف في ذلك ولا اضطراب ، وهذا معارض لما روي عن زيد. (٢)

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) نكت الانتصار لنقل القرآن : ٣٣٠ ـ ٣٣٢.

٣٣٠

إمامهم الآلوسي يهون أمر ضياع الآيات!

ولعل بعضهم أحس بضيق الخناق بقبول رواية البخاري فحاول تقليل خطرها على القرآن ، فهذا ما قاله مفسر هم الشهير الآلوسي في روح المعاني تعليقا على رواية البخاري :

فإنه بظاهرها يستدعي أن في المصاحف العثمانية زيادة لم تكن في هاتيك الصحف ، والأمر في ذلك هين إذ مثل هذه الزيادة اليسيرة لا توجب مغايرة يعبأ بها ولعلها تشبه مسألة التضاريس ، ولو كان هناك غيرها لذكر وليس فليس ، ولا تقدح أيضا في الجمع السابق إذ يحتمل أن يكون سقوطها منه من باب الغفلة ، وكثيرا ما تعتري السارحين (١) في رياض قدس كلام رب العالمين فيذكر هم سبحانه بما غفلوا فيتداركون ما أغفلوا. وزيد هذا كان في الجامعين ولعله الفرد المعول عليه في البين لكن عراه في أولهما ما عراه ، وفي ثانيهما ذكره من تكفل بحفظ الذكر فتدارك ما نساه. (٣)

هكذا وبكل بساطة يعتبر إمامهم الآلوسي سقوط آيات من القرآن أمرا هينا بقوله : والأمر في ذلك هين إذ مثل هذه الزيادة اليسيرة لا توجب مغايرة يعبأ بها ولعلها تشبه مسألة التضاريس ، وتجاهل مفسرهم الشهير أن أي نقص أو زيادة في القرآن يترتب عليه أمور عظيمة من تبدل أحكام وحدود ومعارف إلهية وغيرها ، إذ الحكم الشرعي قد يختلف وينقلب رأسا على عقب

__________________

(١) ابتدأ الأسلوب الشاعري! ، متي يترك هؤلاء أسلوب الضحك على الذقون؟!

(٢) تفسير روح المعاني للآلوسي ١ : ٢٣ ط. دار احياء التراث العربي.

٣٣١

بوضع حرف مكان حرف أو بتغير علامة الإعراب.

وأمثلة ذلك ليست نادرة ، وهذا الاختلاف في وجوب غسل الرجلين في الوضوء قائم على قدم وساق بين من يقول بالغسل لفتح اللام في (وَأَرْجُلَكُم) عطفا على الوجه واليدين ، ووجوب المسح للقول بكسرها عطفا على الرأس الممسوح في قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن) (١) ‏ فقد قرأ نافع وابن عامر وحفص والكسائي بالنصب وقرأ الباقون بالخفض. (٣)

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) والحق أنها سواء كانت (أرجلكم) بالنصب أو بالجر فهي معطوفة على الرأس الممسوح ، لأن العطف تارة يكون على اللفظ وهو المعروف وتارة يكون على المحل ، وهنا (برؤوسكم) في محل نصب مفعول به ، وهذا ما قاله ابن حزم في المحلى ٢ : ٥٢ مسألة ٢٠٠: وأما قولنا في الرجلين فان القرآن نزل بالمسح ، قال الله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن) (المائدة : ٦) ، سواء قرئ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال عطف على الرؤوس : إما على اللفظ وإما على الموضع ، لا يجوز غير ذلك ، لأنه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة. وهكذا جاء عن ابن عباس : (نزل القرآن بالمسح) يعني ف الرجلين في الوضء ، وقد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السلف ، منهم علي بن أبي طالب وابن عباس والحسن وعكرمة والشعبي وجماعة غيرهم ، وهو قول الطبري ، ورويت في ذلك آثار ، منها أثر من طريق همام ـ بسنده إلى رفاعة بن رافع ـ : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول : (انه لا يجوز صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز

٣٣٢

واختلاف القراء السبعة في قراءة (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساء) (١) ، فقرأ الكسائي وحمزة (أو لمستم) والباقون على ما هو في المصحف الآن ، فأدى ذلك إلى اختلاف الحكم في أن الوضوء ينتقض بمجرد لمس النساء أو بالجماع.

__________________

وجل، ثم يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجله إلى الكعبين)، وعن اسحاق بن راهويه ـ بسنده ـ عن علي عليه السلام (كنت أرى باطن القدمين أحق بالمسح حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم يمسح ظاهرهما)،قال علي بن أحمد ـ ابن حزم ـ وإنما قلنا بالغسل فيهما لما حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله ، ثنا ابراهيم بن أحمد ، ثنا الفريري، ثنا البخاري ، ثنا مسدد، ثناأبوعوانة، عن أبى بشر عن يوسف بن ماهك عن عبدالله بن عمروبن عاص قال : (تخلف النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم في سفر فأدركنا وقد أرهقنا العصر ، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار، مرتين أو ثلاثا)انتهي.

أقول:هذه الرواية التي طالما احتج بها أهل السنة في إثبات الغسل هي مثبة للمسح لا للغسل!وذلك لأن الصحابة بكمهم الغفير حينما وصلوا في الوضوء إلى الرجلين شرعوا من تلقاء أنفسهم بمسح الرجلين ، فمن الذي أخبرهم بمسحها؟! مع أن الوضوءمن الأفعال التوقيفية التي تحتاج إلى بيان من الشارع ، وليست معهودة بين العرب سابقا ، فليس لذلك وجه إلا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد علمهم هذا المسح في الوضوء ، وقول(ويل للأعقاب من النار)المراد منها أن بعضا منهم كانت أرجلهم غير نظيفة وعليها أو ساخ عالقة خاصة وأن بعضهم كانوا بوالين على الأعقاب، والبحث موكول لمحله.

(١) النساء : ٤٣

٣٣٣

وكذلك اختلافهم في قراءة (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْن) (١) فبعضهم قرأ بالتشديد ، وهما الكسائي وحمزة والباقي بالتخفيف ، فأثر هذا على جواز وطء التي طهرت من حيض قبل الاغتسال أو بعده.

ثم لو سلمنا بأن الأمر هين باعتبار أن الآيات قد رجعت في الجمع الثاني، لكن هذا ليس هو محل الكلام ؛ لأن مقصدنا هو حصول الوثوق بكمال المصحف وتمامه بتلك الطريقة من الجمع بعد أن ثبت حصول النقص في كتاب الله عزوجل من باب الغفلة!وقد صرح بذلك الآلوسي في قوله : إذ يحتمل أن يكون سقوطها منه من باب الغفلة.

أما قوله إن الله قد تكفل بحفظ كتابه فهذا صحيح عندي وعند من جزم بصيانة القرآن من التحريف ، ولكن قد مر أن بعض المسلمين لا يرى أن الله عزوجل قد تكفل بحفظ كتابه كبعض الشيعة وأهل السنة الآتية أسماؤهم وكلماتهم بإذنه تعالى ، ولهذا فالاستدلال بأن الله قد تكفل بحفظه هو أول الكلام عند هؤلاء ، ونحن لا نريد أن نقنع هؤلاء الثلة فقط بصيانة القرآن ، بل نريد إقناع العالم كله وكل الديانات والملاحدة بأن كتابنا تام كامل.

٣ ـ عملية الجمع وشخص زيد مطعون فيهما!

موقف الصحابي عبد الله بن مسعود من عملية جمع القرآن في زمن عثمان وإنكاره لها ولإحراق المصاحف معروف ومشهور ، فقد أمر أهل الكوفة ألا يسلموا مصاحفهم لجاوزة عثمان وأن يغلوا المصاحف ، وقد طعن

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

٣٣٤

بشخص الصحابي زيد بن ثابت بأنه شاب حدث لا يعتمد عليه في هذا العمل الخطير.

واستنكار ابن مسعود لعمل عثمان لا يمكن الإغماض عنه والاستهانة به ، فرواياتهم المتتابعة في مدحه والناصة على مرجعيته في ما يختص بالقرآن من أصح الروايات ، فقد رووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((وقال : استقرئوا القرآن من أربعة : من عبدالله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل)) (١).

وكذا رووا : ((من أراد أن يقرأ القرآن كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد))، وهكذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((رضيت لأمتي ما رضى لها ابن أم عبد ، وكرهت لأمتي ما كره لها ابن أم عبد)) (٣).

وكذا جاء في صحيح الجامع الصغير للألباني : ((اهتدوا بهدي عمار ، وما حدثكم ابن مسعود فاقبلوه)) (٣).

وبحسب رواياتهم هذه يجب علينا قبول كل ما حدثنا به ابن مسعود لا سيما في أمر القرآن الذي تخصص فيه ، فهل قبل ابن مسعود بما فعله عثمان

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١٩٩ ، (كتاب فضائل الصحابة) باب مناقب عبد الله بن مسعود.

(٢) مجمع الزوائد المجلد التاسع : ٢٩٠ وعلق عليه (رواه الطبراني في الأوسط باختصار الكراهة ، ورواه في الكبير منقطع الإسناد ، وفي إسناد البزار محمد بن حميد الرازي وهو ثقة ، وفيه خلاف وبقية رجاله وثقوا) ، أقول ولهذه الرواية مورد خاص.

(٣) صحيح جامع الصغير وزيادته للألباني ١ : ٢٥٤ ، ح١١٤٤ ط. المكتب الإسلامي.

٣٣٥

بالقرآن أم لا؟ وما موقف ابن مسعود من زيد هذا؟

الروايات :

أخرج الحاكم في المستدرك : قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : لقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعين سورة وزيد بن ثابت يلعب مع الصبيان. (١)

قال الحاكم : ولهذه الزيادة شاهد : حدثني إسماعيل بن سالم بن أبي سعيد الأسدي قال : سمعت عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول أقرأني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعين سورة أحكمتها قبل أن يسلم زيد بن ثابت.

وقال ابن أبي شبة في تاريخ المدينة : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك عن ابن إسحاق عن أبي الأسود ـ أو غيره ـ قال : قيل لعبد الله ألا تقرأ على قراءة زيد؟ قال : مالي ولزيد ، ولقراءة زيد؟! لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم سبعين سورة وإن زيد بن ثابت ليهودي له ذؤابتان. (٣)

وقال البقلاني في نكت الانتصار لنقل القرآن : قال ابن شهاب فأخبرني عبدالله بن عبيد الله بن عيينة عن عبد الله بن مسعود أنه قال : يا معشر

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٢٨ وعلق عليه : (وهذا حديث ولم يخرجاه) ، ووافقه الذهبي.

(٢) تاريخ المدينة ٣ :١٠٠٨.

٣٣٦

المسلمين أعزل عن كتابه المصحف ويتولاه رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر يريد زيد بن ثابت. وقال : يا أهل العراق ، ويا أهل الكوفة أكتبوا المصاحف التي عندكم وغلوها ، فإن الله تعالى يقول : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَة) (١) ، فالقوا الله بالمصاحف. (٢)

وقد اعترف ابن حجر العسقلاني باستنكار ابن مسعود : وقد شق على ابن مسعود صرفه عن كتابة المصحف حتى قال : ما أخرجه الترمذي في آخر حديث إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب من طريق عبد الرحمان بن مهدي عنه ، قال ابن شهاب : فأخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ الصاحف وقال : يا معشر المسلمين أعزل عن نسخ كتابة المصاحف ويتولاها رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر يريد زيد بن ثابت.

وأخرج ابن داود من طريق خمير بن مالك : سمعت ابن مسعود يقول : لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم سبعين سورة ، وإن زيد بن ثابت لصبي من الصبيان. (٣)

وذكر ابن أبي داود فصلا في كتابه المصاحف بعنوان (كراهية عبد الله بن مسعود ذلك) أي ما فعله عثمان من الجمع على قراءة واحدة وحرق بقية

__________________

(١) آل عمران : ١٦١.

(٢) نكت الانتصار : ٣٥٨ ـ ٣٥٩.

(٣) نكت الانتصار ٩ : ١٩.

٣٣٧

المصاحف ، وذكر عشرين رواية وبعضها بثلاثة طرق ، منها :

عن أبي الشعثاء المحاربي ، قال : قال حذيفة : يقول أهل الكوفة قراءة عبد الله ، ويقول أهل البصرة قراءة أبي موسى ، والله لئن قدمت على أمير المؤمنين لأمرته أن يغرقها ، قال : فقال عبد الله : أما والله لئن فعلت ليغرقنك الله في غير ماء. قال شاذان : في سقرها. (١)

وأخرج أيضا عن عبد الله قال : لما أمر بالمصاحف تغير (٣) ، ساء ذلك عبد الله بن مسعود ، قال : من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليغلل فإنه من غل شيئا جاء بما غل يوم القيامة. ثم قال عبد الله : لقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم سبعين سورة وزيد بن ثابت صبي ، أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليخ [وآله] وسلم؟! (٣)

__________________

(١) كتاب المصاحف ١ : ١٨٩ تحقيق محب الدين واعظ.

(٢) ذكر في الهامش : وفي فضائل القرآن لابن كثير : يعني بتحريفها.

(٣) كتاب المصاحف ١ :١٩٢ تحقيق محب الدين واعظ ، أقول : صاحب الكتاب عقب بصل آخر عنوانه (باب رضاء عبدالله بن مسعود بجمع عثمان المصاحف) وأورد رواية واحدة ، ولا أدري ما علاقتها بعنوان الفصل!، وهي : (عن فلفلة الجعفي قال : فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف ، فدخلنا عليه ، فقال رجل من القوم : إنا لم نأتك زائرين ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر فقال : إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب على سبعة أحرف ـ أو حروف ـ وإن الكتاب قبلكم كان ينزل ـ أو نزل ـ من باب واحد على حرف واحد معناهما واحد) ، وهذه الرواية واضحة في الاستنكار لا في الرضا لأنه يذكرهم بأن القرآن نزل علي سبعة أحرف ،

٣٣٨

ويتضح مما ذكرناه شهرة إنكار ابن مسعود لجمع عثمان واحراقه المصاحف ، والروايات صريحة في القدح في شخص زيد وأنه ليس بكفء لمثل هذا العمل.

وقد استدل ابن الأثير على حداثة سن زيد من طعن ابن مسعود فيه : وقد صح عن ابن مسعود أنه قال لما كتب زيد المصحف : لقد أسلمت وإنه في صلب رجل كافر. وهذا أيضا يدل على حداثة سنه عند وفاة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم. (١)

ولم يحتمل بعضهم ما نسبه ابن مسعود لزيد فقال أبوبكر الأنباري : وما بدا من عبدالله بن مسعود من نكير ذلك ، فشيء نتجه الغضب ولا يعمل به ولا يؤاخذ به ، ولا يشك في أنه ـ رضي الله عنه ـ قد عرف بعد زوال الغضب عنه حسن اختيار عثمان ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وبقي على موافقتهم وترك الخلاف لهم ، فالشايع الذائع المتسالم عند أهل الرواية والنقل : أن عبد الله بن مسعود تعلم بقية القرآن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم. وقد قال بعض الأئمة : مات عبد

__________________

وعثمان بعمله ألغى ستة أحرف وأبقى حرفا واحدا!، وقد وجدنا قولا لابن كثير في فضائل القرآن : ٣٨ فيه ما ذكرناه : (وهذا الذي استدل به أبو بكر رحمه الله على رجوع ابن مسعود رضي الله عنه فيه نظر ، من جهة أنه لا يظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه ، والله أعلم).

(١) أسد الغابة ١ : ٨٠.

٣٣٩

الله بن مسعود قبل أن يختم القرآن. (١)

أهذاقول إمام؟! ولا عجب ممن يقع في مثل هذه المآق أن يتشبث بأي قشة! لك الله يا ابن أم عبد!

زيد بن ثابت في الميزان

والإنصاف إن اعتراض ابن مسعود له وجه مقبول ؛ لأن أوصاف زيد بن ثابت ليست بتلك التي تهيئه لتحمل هذا العمل الخطير ، وهذه روايات أهل السنة تعطينا صورة كالحة عنه حيث تنص على قلة تثبت زيد في أحكام الله عزوجل ، وعدم مبالاته بها ، وينتابه الضحك عندما يعلم بافترائه على الله عزوجل ،وكان يخالف أمر الله في أحكام الميراث ويجتهد فيها برأية!

فقد أخرج الدارمي : عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت أنه أفتى في ابنة أو أخت ، فأعطاها النصف وجعل ما بقي في بيت المال. (٣)

وقال الترمذي : واختلف فيه أصحاب النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم ، فورث بعضهم الخال والخالة والعمة ، وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام ، وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم وجعل الميراث في بيت المال. (٣)

والنص الآتي اعترف من زيد بتقوله على الله عزوجل واتهام من

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ١ : ٥٣.

(٢) سنن الدارمي ٢ : ٣٦١.

(٣) سنن الترمذي ٣ :٢٨٥.

٣٤٠