إعلام الخلف - ج ١

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ١

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠١
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣

بأنوفهم على حد تعبير ابن الزبير!! فالشخص الذي كان وراء توحيد نسخة القرآن إذن هو علي بن أبي طالب عليه السلام .. ومجىء حذيفة وأصحابه من قادة الفتح من أرمينية غلى المدينة كان في أوج هذه الحركة لقطف ثمرتها المباركة!. (١)

الهدف منه :

لا نشك أن الهدف من توحيد المصاحف هو توحيد المسلمين ، والتفافهم حول مصحف واحد لا زيادة فيه ولا نقصان ، ومن ثم نشره في أرجاء المعمورة على أهل لا إله الا الله ، درءا للفتنة التي زرعها بعض السلف ممن زادوا في كتاب الله جملا معترضة ، وقراءات شاذة ، بجهل أو استمزاج أو اجتهاد متعمد ، ومنعا لفتنة قد تخرج في زمن لاحق ن وحرصا على أن يكون للقرآن قسطاس يقاس به الصحيح منه من السقيم ، هذا كل ما في الأمر ، لا كما يزعم أهل السنة من أن عثمان قام بإحراق ستة أضعاف القرآن ، وهي الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن من السماء!

وقد خالف ابن حزم رأي بني جلدته ، ووافق الشيعة على عدم صحة حذف عثمان لأحرف من القرآن ، ورأي أن عمله كان إجراء وقائيا للأمة بتوحيدهم على مصحف واحد : وأما قولهم ـ كذا ـ فباطل ، ما كان يقدر على ذلك لما ذكرناه ، ولا ذهب عثمان قط إلى جمع الناس على مصحف كتبه ، وإنما خشي رضي الله عنه أن يأتي فاسق يسعى في كيد الدين أو أن يَهِم واهم.

__________________

(١) تدوين القرآن : ٣١٥.

٤٢١

فيكون اختلاف يؤدي إلى الضلال فكتب مصاحف مجتمعا عليها ، وبعث إلى كل أفق مصحف ، لكي إن وهم واهم أو بدل مبدل رجع الى المصحف المجتمع عليه فانكشف الحق وبطل الكيد والوهم (١).

وقال في الإحكام : ونحن نبين فعل عثمان رضي الله عنه بيانا ر يخفى على مؤمن ولا على كافر ، هو أنه رضي الله عنه علم أن الوهم لا يعزى منه بشر، وأن في الناس منافقين يظهرون الإسلام ويكنون الكفر ، هذا أمر يعلم وجوده في العالم ضرورة ، فجمع من حضره من الصحابة رضي الله عنهم على نسخ مصاحف مصححة كسائر مصاحف المسلمين ولا فرق ، إلا أنهت نسخت بحضرة الجماعة فقط. ثم بعث إلى كل مصر مصحفا يكون عندهم ، فإن وهم واهم في نسخ مصحف تعمد ملحد تبديل كلمة في المصحف أو في القراءة رجع إلى المصحف المشهور المتفق على نقله ونسخه ، فعلم أن الذي فيه هو الحق ، وكيف يقدر عثمان على ما ظنه أهل الجهل (٣)؟ والإسلام قد انتشر من خراسان إلى برقة ، ومن اليمن إلى أذربيجان ، وعند المسلمين أزيد من مئة ألف مصحف ، وليست قرية ولا حلة ولا مدينة إلا والمعلمون ـ للقرآن ـ موجودون فيها ، يعلمونه من تعلمه من صبي أو إمرأة ، ويؤمهم به في الصلوات في الساجد (٣).

__________________

(١) الفصل في الملل والنحل ٢ : ٧٧.

(٢) للأسف هم أغلب أهل السنة!

(٣) الإحكام في أصول الأحكام المجلد الأول ٤ : ٥٦٦ ـ ٥٦٧ دار الكتب العلمية.

٤٢٢

وقال في موضع آخر : وقد غلط قوم غلطا شديدا وأتوا بأخبار ولدها الكاذبون والملحدون منها أن الداجن أكل صحيفة فيها آية متلوة فذهب البتة ، ومنها أن قرآنا أخذه عثمان بشهادة رجلين ، وشهادة واحدة ، ومنها أن قراءات كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أسقطها عثمان وجمع الناس على قراءة واحدة. قال أبو محمد ـ ابن حزم ـ : وهذا كله ضلال نعوذ بالله ومن اعتقاده. (١)

قال محمد فريد وجدي : قد ثبت أن عثمان أمير المؤمنين ما نسخ مصاحف من مصحف أبي بكر (٣) إلا لما بلغته أن الناس اختلفوا في قراءة القرآن فزاد بعضهم فيه ألفاظا تفسيرية وصحف الآخرون ألفاظا أخرى حتى أخرجوها عن معناها (٣).

كيفيته :

روايات أهل السنة متضاربة أشد التضارب في بيان هذا الجمع ، فلا رواية إلا ويوجد ما يعارضها ويعكر صفو فهمنا لها ، حتى قال السيد مصطفى الخميني رضوان الله تعالى عليه :

وبالجملة كل ذلك يشهد على أن تأريخ القرآن مضطرب جدا ، والاطلاع على واقع الأمر مما لا يكاد يحصل للمصنف الملاحظ أطراف القضية

__________________

(١) الإحكام لابن حزم ٤ : ٤٧٩.

(٢) اتضح فيما سبق أن مصحف أبي بكر لم يفرغ منه ولم يتم.

(٣) دائرة المعارف القرن العشرين ٣ : ٧٠٧. للأستاذ محمد فريد وجدي.

٤٢٣

وخصوصيات الأمر. (١)

ولكن هناك خطوط عامة تذكرها الروايات منها أن هناك عدة من الكتبة الذين نسخوا المصحف العثماني ن وكان فيهم الرجل الذي أملى مصحف أبي بكر من قبل ، وهو سيد القراء أبي بن كعب ، وهذا ذكره عدة من حفاظ أهل السنة :

أخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند ، وابن الضريس في فضائله ، وابن أبي داود في المصاحف ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، والخطيب في تلخيص المتشابه والضياء في المختارة من طريق أبي العالمية عن أبي بن كعب : إنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر ، فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب (٣).

ومن الواضح أن وجود شخص كهذا له خبرة سابقة في هذا الأمر لن يترك لغيره مجالا ليملي المصحف وهكذا كان ، فصار أبي بن كعب يملي على الكتبة مصحفا جمع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا تدل عليه بعض الروايات :

__________________

(١) تحريرات في الأصول ٦ : ٣٢٨.

(٢) الدر المنثور ٣ : ٢٩٥ ـ ٢٩٦ عن كتاب المصاحف ١ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، مسند أحمد ٥ : ١٣٤ ، وكذا تفسير ابن كثير ٢ : ٤٠٥ ، جمال القراء للسخاوي ١ : ٨٧ ، وكذلك المرشد الوجيز لأبي شامة : ٥٥ ـ ٥٦ وكذا الإتقان ١ : ١٧٣.

٤٢٤

أخرج ابن أبي داود في المصاحف : عن محمد بن سيرين قال : جمع عثمان للمصحف إثني عشر رجلا من المهاجرين والأنصار منهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت (١).

والرواية السابقة هذا نصحها الذي أخرجه ابن أبي داود : عن أبيه العالية عن أبي بن كعب : أنهم جمعوا القرآن من مصحف أبيّ ، فكان رجال يكتبون يملي عليهم أبي بن كعب. ، والحق إن مصحف أبي بن كعب (٣) هو خير مصحف بعد مصحف الإمام علي عليه السلام يمكننا الوثوق به ، لأن أبي بن كعب هو سيد القراء ، و ـله خبرة في إملاء المصحف ، لأنه أمبى المصحف الخاص بأبي بكر ، وأيضا فإن قراءة أبي بن كعب هي قراءة أهل البيت عليهم السلام كما رواية الكافي :

عن عبد الله بن فرقد والمعلى بن خنيس قالا : كنا عند أبي عبد الله عليه السلام ومعنا ربيعة الرأي فذكرنا فضل القرآن ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال ، فقال ربيعة : ضال؟ فقال نعم ضال ، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : أما نحن فنقرأعلى قراءة أبي (٣) ، وما يقوي هذا الرأي أن مصحف أبي بن كعب أكثر مصحف يوافق المصحف المتداول من بين مصاحف الصحابة ، ويكفي مراجعة كتاب

__________________

(١) المصاحف ١ : ٢٢١.

(٢) المصاحف ١ :٢٢٧.

(٣) أصول الكافي : ٢ : ٦٣٤ ، ح ٢٧ (فصل فضائل القرآن).

٤٢٥

المصاحف لابن أبي داود. (١)

ناهيك عن أنهم عندما فرغوا من كتابة المصحف ، وجدوا فيه بعض الكلمات المبهمة ، فلم يراجعوا في كتابتها إلا أبي بن كعب ، وهذا يعني أنه المرجع في عملية الجمع والقيم عليها:

أخرج ابن راهويه في مسنده ، وأبو عبيد في الفضائل ، وعبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف ، عن هانىء البربري مولى عثمان قال:

__________________

(١) والجدير بالذكر أن مصحف الإمام علي عليه السلام ـ الذي لم يكتب فيه التنزيل ـ هو أقرب المصاحف الموجودة آنذاك إلى مصحفنا اليوم وأتقن من مصحف أبي أيضا ، لأنه لم يختلف مع المصحف العثماني في أي مورد ، ولا حتى في كلمة واحدة ، وقد أورد في كتاب المصاحف لابن أبي داود رواية فيها أن مصحف الإمم علي عليه السلام يخالف الموجود في مورد واحد فقط وهو (آمن الرسول بما أنزل إليه وآمن المؤمنون) بزيادة (وآمن) إلا أن المحقق ذكر أن الرواية ضعيفة بمن لا يحتج بحديثه منفردا ، وهو مسهر بن عبد الملك ولم يجد له متابعا ، فلا يعتمد عليها ، ويشد من أزارها هذا الاحتمال أن قراءة عاصم برواية حفص وهي التي عليها المصحف العثماني ترجع في أساسا ومصدرها إلى الإمام علي عليه السلام ، وسيأتي الكلام عنه مفصلا ، قال في سير أعلام النبلاء ٢ : ٤٢٦ (عن حفص عن عاصم عن أبي عبد الرحمان قال : لم أخالف عليا في شيء من قراءته ، وكنت أجمع حروف علي ، فألقى بها زيدا في المواسم بالمدينة ، فما اختلفا إلا في التابوت ، كان زيد يقرأ بالهاء وعلي بالتاء)، وعليه السلام أقرب الأقوال، لأن مصحف حفصة يختلف في موارد كثيرة عن المصحف العثماني ، وكذلك مصحف عائشة وعمر وابن مسعود فراجع كتاب المصاحف تجده جليا.

٤٢٦

لما كتب عثمان المصاحف شكوا في ثلاث آيات فكتبوها في كتف شاة ، وأرسلوني بها إلى أبي بن كعب وزيد بن ثابت ، فدخلت عليهما ، فناولتها أبي بنن كعب فقرأها فوجد فيها (لا تبديل للخلق ذلك الدين القيم) فمحا بيده أحد اللامين وكتبها (لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّه) (١). ووجد فيها (أنظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنن) فمحا النون وكتبها (لَمْ يَتَسَنَّهْ) (٢). وقرأ فيها (فأمهل الكافرين) فمحا الألف وكتبها (فَمَهِّل) (٣). ونظر فيها زيد بن ثابت ، ثم انطلقت بها إلى عثمان ، فأثبتوها في المصاحف كذلك (٤).

ثم إن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه كان المتصدي الثبت الذي لا تأخذه في الله لومة لائم ، إذ أراد الجامعون تبديل أحرف من القرآن فصمد لهم وهددهم بإشهار سيفه لو لم يكتبوها كما هي ، فتنازل الجامعون عن هذه الفكرة المنحرفة بحزم مأبي رضي الله تعالى عنه وصلابته في ذات الله عزوجل ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه كان يلحظ ويراقب ما يدور بين جماع القرآن.

أخرج ابن الضريس عن علباء بن أحمر أن عثمان بن عفان رضي الله عنه

__________________

(١) الروم :٣٠.

(٢) البقرة : ٢٥٩.

(٣) الطارق ١٧.

(٤) الدر المنثور ١ : ٣٢٣ ،لاحظ أن الورقة أعطيت أولا لأبي بن كعب فمحا الخطأ من نفسه دون استشارة زيد بن ثابت ، ومن الإحجاف بحق سييد القراء أن يقارن بشباب حدث السن كزيد!

٤٢٧

قال : لما أراد أن يكتب المصاحف أرادوا أن يلقوا الواو التي في براءة (وَالَّذينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّة) (١). قاللهم أبي رضي الله عنه : لتلحقنا أو لأضعن سيفي على عاتقي ، فألحقوها(٢).

وأبي بن كعب كانت له مواقف مشرفة في الوقوف أمام مخطط ابن الخطاب ، ومن ذلك عندما أنكر عمر قراءة آية كريمة فصمد له أبي بن كعب ، وبعد طول أخذ ورد رضخ ابن الخطاب لأبي بن كعب رضي الله عنه :

عن عمرو بن عامر الأنصاري أن عمر بن الخطاب قرأ (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسان) (٣). فرفع الأنصار ، ولم يلحق الواو في الذين ، فقال له زيد بن ثابت (وَالَّذينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسان) فقال عمر (الذين اتبعوهم بإحسان) فقال زيد : أمير المؤمنين أعلم. فقال عمر : ائتوني بأبي بن كعب ، فسأله عن ذلك فقال أبي (وَالَّذينَ

__________________

(١) التوبة: ٣٤.

(٢) الدر المنثور ٣ : ٢٣٢ ، من قرأ التاريخ يعلم من يقف وراء حذف هذه الواو من الآية ، فإن حذف الواو يجعل هذه الآية وصفا لليهود والنصارى ، ومع وجودها لا تختص بهم بل تشمل المسلمين أيضا ، فمن يا ترى المستفيد من حذف هذه الواو غير الذي كان يكنز الذهب والفضة والذي بيده سلطة التأثير على الجامعين للقرآن؟!، حتى أن معاوية في الشام قد طرد أبا ذر منها لأنه كان يردد هذه الآية بالذات ، بل إن معاوية كان يقول له : إنها نزلت في أهل الكتاب ، وأبو ذر يقول : إنها فينا وفيهم.

(٣) التوبة : ١٠٠.

٤٢٨

اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسان) فجعل كل واحد منهما يشير إلى أنف صاحبه بإصبعه فقال أبي : والله أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأنت تتبع الخبط. فقال عمر : فنعم إذن نتابع أبيا (١).

وكذا في رواية أخرى : ((لقد أنزلها الله على جبريل وأنزلها جبريل على محمد فلم يستأمرفيها الخطاب ولا ابنه!!)).

وموقف آخر له مع ابن الخطاب : عن أبي مجلز : أن أبيا قرأ (مِنَ الَّذينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيان) (٣). فقال عمر رضي الله عنه : كذبت ، فقال أبي : بل أنت أكذب ، فقال له رجل : أتكذب أمير المؤمنين؟ فقال : أنا أشد تعظيما لأمير المؤمنين منكم ، ولكني أكذبه في تصديق الله أصدقه في تكذيب كتاب الله فقال عمر : صدق (٣).

هذه المواقف دالة أن أبي بن كعب تحمل المتاعب في سبيل إثبات نصوص القرآن على ما هي عليه ، ووقف أمام التلاعب فيها ، وهذه المواقف تركز في نفوسنا المعنى الذي ذكرناه سابقا ، من أن دخول أبي بن كعب في الجامعين يلغي دور غيره ممن حضر الجمع لأنه سيد القراء وذو الحمية على كتاب الله ، وقد شاهد الصحابة صموده أمام شدة عمر في أكثر من مورد ، فرضي الله تعالى عنه.

__________________

(١) منتخب كنزل العمال ٢ : ٥٥ ، الدر المنثور ٣ : ٢٦٩.

(٢) المائدة : ١٠٧.

(٣) تاريخ المدينة : ٢ : ٧٠٩ ، وهي في الدر المنثور ٢ : ٣٤٤ عن عبد بن حميد وابن جرير وابن عدى.

٤٢٩

وبعد أن أتموا الكتابة أرسلوا بالمصاحف إلى الأقطار الإسلامية ، وقيل عددها سبعة مصاحف ، فبعث ابن عفان واحدا لمكة ومثله للشام وكذا لليمن وللبحرين وللبصرة وللكوفة ، وحبس أحدها في المدينة (١) ، وهكذا نزع فتيل الفرقة والختلاف بين المسلمين بإعدام تلك المصاحف التي دونت فيها الزيادات والتي كانت مسرحا للاجتهادات والآراء ، وستأتي نماذج منه بإذنه تعالى.

خلاصة نظرة الشيعة في الجمعين:

القرآن قد جمع في عدد المصتحف في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتحت نظره وإشرافه وتم جمع المصحف في آخر حياته صلى الله عليه وآله وسلم ، وانتشرت المصاحف بما يقطع السبيل أمام إسقاط أي حرف من أحرفه فضلا عن آية من آياته (٣).

وفي الفترة من وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى زمن ابن عفان هناك من زاد برأيه في كتاب الله عزوجل وغير وبدل ، وكانت الأمور تزداد سوء يوما بعد يوم بسبب ما ينسب للقرآن مما ليس منه عن جهل أو عن عمد واجتهاد ، ولقد تداركه الله برحمته إذ كفل به رجالا مؤمنين حضوا على صيانته ودافعوا ونافحوا عنه ، فمنهم من جاء مرة ومرات ولم يعر له اهتمام من قبل السلطة وهو أمير المؤمنين عليه السلام ، ومنهم من وقف في وجه تيار

__________________

(١) راجع المصاحف ١ : ٢٤٢.

(٢) هذا المعنى يمكن مراجعته في جل ـ إن لم أقل كل ـ مصادر الشيعة التي تعرضت لجمع القرآن.

٤٣٠

التلاعب وتبديل الألفاظ بمرادفتها وهو حذيفة بن اليمان وأبي بن كعب وغيرهما فرضي الله تعالى عنهم ، حتى أملوا المصاحف من مصحف جمع في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

زيد المخاض:

هذه النظرة لجمع القرآن لا يمكن أن يتطرق إليها أي شك في صيانته من التحريف ، كيف لا؟! والقرآن قد جمع في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وانتشر واشتهر ، وفي الجمع الثاني اعتمد على أتقن تلك المصاحف ونسخ بنسخ عدة.

بخلاف نظرة أهل السنة الذين يرون أن القرآن ترك مبعثرا مشتتا هنا وهناك ، وبعضه في صدور الرجال حتى قال أحدهم : إن كل سورة من الطوال كانت تجمع في حجرة كبيرة!

إلا أنه لعدم توافر الورق كانوا يكتبون على عظام أكتاف الجمال وأضلاعها (!) وقطع الجلود وجريد النخل ونحوها ، وكان المسلمون ينقلون السور في مثل هذه الأشياء المتفرقة الكبيرة الحجم فكانت سورة البقرة مثلا لا تحفظ إلا في حجرة كبيرة (!) (١).

وقالوا : إن القرآن ظل على هذه الحال إلى ما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم تنبه الصحابة لما تركه الرسول صلى الله عليه وآله ، فجمع القرآن أصغرهم وأحدثهم سنا ، فجمع هذا الشاب كل ما أنزله الله تعالى من

__________________

(١) التجويد وعلوم القرآن : ١٢، عبد البديع صقر.

٤٣١

الأحرف السبعة! ، على أن يأتي فلان بآية من سورة والآخر بآيات من سورة أخرى وهكذا ، ومع شهادة رجل آخر تدمج في المصحف على أنها قرآن منزل بدون تواتر ، ويعتقدون أن هذا الجمع قد سقطت منه آيتان من سورة براءة خفيف عليهم ولم يجمعوها ولم يتنبهوا لها إلا بعد ثلاث عشرة سنة ، ويرون أن بعض آيات القرآن تثبت بشهادة رجل واحد وهو خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين.

وقالوا إن عثمان بن عفان قد قام بجمع الناس على مصحف واحد وإلغاء ستة أضعاف القرآن الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمته والذي جمعه زيد بن ثابت ، فقام بحرق ستة أمثال القرآن وأبقى واحدا منها وهو ما نحن عليه اليوم.

وإلى هنا نترك الحكم للقارئ الكريم حتى يقيم بإنصاف وعدل أي من هاتين النظرتين لجمع القرآن تعد طعنا في صيانة القرآن من التحريف.

٤٣٢

الملاحق

٤٣٣

ملحق رقم (١)

الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني ١ : ١٤٧ : قال : (ونودي بدمشق : من اعتقد عقيدة ابن تيمية حل دمه وماله خصوصا الحنابلة. فنودي بذلك وقرئ المرسوم وقرأها ابن شهاب محمود في الجامع ، ثم جمعوا الحنابلة من الصالحية وغيرها واشهدوا على أنفسهم أنهم على معتقد الشافعي).

قال ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الحديثية : ٢٠٣ : (وإياك أن تصغي إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية وغيرهما ، ممن اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله) ، وقال عنه أيضا في : ٩٩ ـ ١٠٠ (ابن تيمية عبد خذله الله ، وأضله، وأعماه ، وأصمه وأذله ، وبذلك صرح الأئمة وبينوا فساد أحواله ، وكذب أقواله ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام المجتهد المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي وولده التاج ، والشيخ الإمام الغز بن جماعة وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية ، ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية ، بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما كما يأتي.

والحاصل أنه لا يقام لكلامه وزن ، بل يرمي في كل وعر وحزن ويعتقد فيه انه مبتدع ضال مضل جاهل غال ، عامله الله بعدله وأجرنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله آمين ...

حاصل كلام ابن تيمية وهو يناسب ما كان عليه من سوء الاعتقاد حتى

٤٣٤

في أكابر الصحابة ومن بعدهم إلى أهل عصره ، وربما أداه اعتقاده ذلك إلى تبديع كثير منهم ... وقد كتب إليه بعض أجلاء أهل عصره علما ومعرفته سنة خمس وسبعمئة من فلان إلى الشيخ الكبير العالم إمام أهل عصره بزعمه.

أما بعد فإنا أحببناك في الله زمانا وأعراضا عما يقال فيك إعراض الفضل إحسانا ، إلى أن ظهر لنا خلاف موجبات المحبة ، وبحكم ما يقتضيه العقل والحس ، وهل يشك في الليل عاقل إذا غربت الشمس؟! وإنك أظهرت أنك قائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والله أعلم بقصدك ونيتك ، ولكن الإخلاص مع العمل ينتج ظهور القبول ، وما رأينا آل أمرك إلى هتك الأستار والأعراض ، باتباع من لا يوثق بقوله من أهل الأهواء والأغراض. فهو كسائر زمانه يسب الأوصاف والذوات ولم يقنع بسب الأحياء حتى حكم بتكفير الأموات ولم يكفه التعرض على من تأخر من صالحي السلف حتى تعدى إلى العصر الأول ومن له أعلى المراتب في الفضل ، فيا ويح من هؤلاء خصماؤه يوم القيامة! وهيهات أن لا يناله غضب وأنى له بالسلامة ، وكنت ممن سمعه وهو على منبر جامع الجبل بالصالحية وقد ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : إن عمر له غلطات وبليات! وأي بليات! وأخبر عنه بعض السلف أنه ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مجلس آخر فقال : إن عليا أخطأ في أكثر من ثلاثمئة مكان! فيا ليت شعري من أين يحصل لك الصواب إذا أخطأ علي بزعمك كرم الله وجهه وعمر بن الخطاب؟. والآن قد بلغ هذا الحال إلى منتهاه والأمر إلى مقتضاه ولا ينفعني إلا القيام في أمرك ودفع شرك ؛ لأنك قد أفطرت في الغي ووصل أذاك إلى كل ميت وحي وتلزمني الغيرة شرعا لله ولرسوله ، ويلزم ذلك جميع المؤمنين وسائر عباد الله المسلمين

٤٣٥

بحكم ما يقوله العلماء وهم أهل الشرع وأرباب السيف الذين بهم الوصل والقطع إلى أن يحصل منك الكف عن أعراض الصالحين رضي الله عنهم أجمعين. انتهى.

واعلم انه قد خالف الناس في مسائل ... في أمثال ذلك من مسائل الأصول مسألة الحسن والقبح ، التزم كل ما يرد عليها وأن مخالف الإجماع لا يكفر ولا يفسق ، وأن ربنا ـ سبحانه وتعالى عما يقوله الظالمون والجاحدون علوا كبيرا ـ محل الحوادث ، تعالى الله عن ذلك وتقدس ، وأنه مركب تفتقر ذاته الفتقار الكل إلى الجزء ، تعالى الله عن ذلك وتقدس ، وأن القرآن محدث في ذات الله تعالى الله عن ذلك وأن العالم قديم بالنوع ، ولم يزل مع الله مخلوقا دائما فجعله موجبا بالذات لا فاعلا بالختيار ، تعالى الله عن ذلك وقوله بالجسمية والجهة والانتقال وأنه بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر ، تعالى الله من هذا القول السنيع القبيح والكفر البواح الصريح وخذل متبعيه وشتت شمل معتقديه ، وقال : إن النار تفنى ، وأن الأنبيء غير معصومين وأن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لا جاه له ولا يتوسل به أن إنشاء السفر إليه بسبب الزيارة معصية لا تقصر الصلاة فيه وسيحرم ذلك يوم الحاجة الماسة إلى شفاعته ، وأن التوراة الإنجيل لم تبدل ألفاظهما وإنما بدلت معانيهما ... ) انتهى.

وقد ذكر المجتهد تقي الدين السبكي في كتابه الدرر المضيئة في الصفحة الأولى (أما بعد فإنه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد بعد أن كان مستترا بتبعية الكتاب والسنة مظهرا أنه داع إلى الحق هاد إلى الجنة فخرج عن الاتباع إلى الابتداع وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الاجماع).

٤٣٦

ملحق رقم (٢)

شرح معني الآثار ٣ : ٤٠ : يعقوب بن حميد قال ثنا عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا أتعزبها فأنزل الله عز وجل (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) (١).

قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن وطئ المرأة في دبرها جائز واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وتأولوا هذه الآية على إباحة ذلك.

وفي معتصر المختصر ١ : ٣٠١ ـ ٣٠٢ : (في إتيان دبر النساء. روي عن ابن عمر أن رجلا أتى امرأة في دبرها فوجد من ذلك في نفسه وجدا شديدا فأنزل الله عزوجل (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) (٣). وعن أبي سعيد أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه فأنزل الله عز وجل (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) الآية استدل قوم بهذا على الإباحة).

وفي المغني ٧ : ٢٢٥ : (ورويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك ، وروي عن مالك أنه قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال. وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك واحتج من أجله

__________________

(١) البقرة : ٢٢٣.

(٢) البقرة : ٢٢٣.

٤٣٧

بقول الله عزوجل (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) (١) وقوله سبحانه (وَالَّذينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاَّ عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومينَ) (٢)).

وفي فيض القدير ٦ : ٢٤ : (قال الحافظ ابن حجر في اللسان في ترجمة سهل بن عمار : أصل وطء الحليلة في الدبر أي فعله مروي عن ابن عمرو هم نافع ، وعن مالك من طرق عدة صحيحة بعضها في صحيح البخاري وفي غريب مالك للدارقطني) ، وقال فيه ١ : ١٤٤: (وما رواه الحاكم عن مالك في قوله (الآن فعلته بأم ولدي وفعله نافع وابن عمر وفيه نزل (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) فتعقبوه بأنه كذب عليه، لكن رده الحافظ ابن حجر في اللسان : فقال أصله في سبب النزول مروي عن ابن عمر وعن نافع وعن مالك من طرق عدة صحيحة بعضها في البخاري) راجع لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ٣ : ١٢١ ترجمة سهل بن عمار برقم ٤١٩ ، وفي فتح الباري لابن حجر العسقلاني ٨ : ١٨٩ ـ ١٩٠ ـ ١٩١، ح ٤٢٥٣: (قوله فأخذت عليه يوما أي أمسكت المصحف وهو يقرأ عن ظهر قلب.

وجاء ذلك صريحا في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع قال : قال لي ابن عمر : أمسك علي المصحف يا نافع. فقرأ. أخرجه الدارقطني في غرائب مالك قوله : (حتى انتهي إلى مكان قال : تدري فيما أنزلت؟ قلت : لا ، قال : أنزلت في

__________________

(١) البقرة : ٢٢٣.

(٢) المؤمنون: ٥ ـ ٦.

٤٣٨

كذا وكذا ثم مضى) هكذا أورد مبهما لمكان الآية والتفسير (!!) وسأذكر ما فيه بعد قوله. وعن عبد الصمد هو المعطوف على قوله أخبرنا النضر بن شميل وهو عند المصنف أيضا عن إسحاق بن راهوية عن عبد الصمد ، وهو بن عبد الوارث بن سعيد.

وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من طريق إسحاق بن راهويه عن النضر بن شميل بسنده وعن عبد الصمد بسنده ، قوله : يأتيها في هكذا وقع في جميع النسخ لم يذكر ما بعد الظرف ، وهو المجرور ، ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدي (يأتيها في الفرج) وهو من عنده بحسب ما فهمه (!) ثم وقفت على سلفه فيه ، وهو الرقاني ، فرأيت في نسخة الصغاني زاد البرقاني (يعني الفرج) (!) وليس مطابقا لما في نفس الرواية عن ابن عمر لما سأذكره.

وقد قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين : أورد البخاري هذا الحديث في التفسير فقال يأتيها في ( ... ) وترك بياضا (!!) والمسألة مشهورة صنف فيها محمد بن سحنون جزأ وصنف فيها محمد بشعبان كتابا ، وبين أن حديث ابن عمر في إتيان المرأة في دبرها ، قوله (رواه محمد بن يحيى بن سعيد أي القطان عن أبيه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر هكذا) أعاد الضمير على الذي قبله والذي قبله قد اختصره كما ترى (!).

أما الرواية الأولى وهي رواية ابن عون فقد أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده وفي تفسيره بالاسناد المذكور وقال بدل قوله (حتى انتهى إلى مكان) ، (حتى انتهى إلى قوله (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) فقال : أتدرون فيما أنزلت هذه الآية؟ قلت لا. قال : نزلت في إتيان النساء

٤٣٩

في أدبارهن. وهكذا أورده ابن جرير من طريق إسماعيل بن علية عن ابن عون مثله ومن طريق إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي عن ابن عون نحوه وأخرجه أبو عبيدة في فضائل القرآن عن معاذ عن ابن عون فأبهمه(!) فقال في كذا وكذا.

وأما رواية عبد الصمد فأخرجها ابن جرير في التفسير عن أبي قلابة الرقاشي عن عبد الصمد بن عبد الوارث : حدثني أبي فذكره بلفظ (يأتيها في الدبر) وهو يؤيد قول ابن العربي ويرد قول الحميدي وهذا الذي استعمله البخاري نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء، ولا بدله من نكتة يحسن بسببها استعماله. أقول : نكتة البخاري الحسنة هي ستر الفضيحة!!.

وأما رواية محمد بن يحيى بين سعيد القطان فوصلها الطبراني في الأوسط من طريق أبي بكر الأعين عن محمد بن يحيى المذكور بالسند المذكور إلى ابن عمر قال إنما نزلت على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) رخصة في إتيان الدبر.

قال الطبراني: لم يروه عن عبد الله بن عمر إلا يحيى بن سعيد. تفرد به ابنه محمد، كذا قال: ولم يتفرد به يحيى بن سعيد، فقد رواه عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر أيضا كما سأذكره بعد.

وقد روى هذا الحديث عن نافع أيضا جماعة غير من ذكرنا، ورواياتهم بذلك ثابتة عند ابن مردويه في تفسيره وفي فوائد الأصبهانيين ، لأبي الشيخ، وتاريخ نيسابور للحاكم، وغرائب مالك للدارقطني وغيرها، وقد عاب الإسماعيلي صنيع البخاري فقال: جميع ما أخرج عن ابن عمر مبهم لا فائدة فيه. أقول: لأمر ما جذع قصير أنفه! ـ وقد رويناه عن عبد العزيز يعني الدراوردي عن مالك وعبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب ثلاثتهم عن نافع

٤٤٠