على الفطرة لا مهتدين ولا ضلّالا ، كما مضي بيانه.
(فَاخْتَلَفُوا) : باتّباع الهوى والأباطيل أو ببعثة الرّسل ، فتبعتهم طائفة وأصرّت أخرى.
(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) : بتأخير الحكم بينهم. أو العذاب الفاصل بينهم إلى يوم القيامة ، فإنّه يوم الفصل والجزاء.
(لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) : عاجلا.
(فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٩) : بإهلاك المبطل وإبقاء المحقّ. ولكنّ الحكمة أوجبت أن تكون هذه الدّار للتّكليف والاجتناب ، وتلك للثّواب والعقاب.
(وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) : أي : من الآيات الّتي اقترحوها.
(فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) : هو المختصّ بعلمه. فلعلّه يعلم في إنزال الآيات المقترحة مفاسد تصرف عن إنزالها.
(فَانْتَظِرُوا) : لنزول ما اقترحتموه.
(إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (٢٠) : لما يفعل الله بكم ، بجحودكم ما نزل من الآيات العظام واقتراحكم غيره.
وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (١) ، بإسناده إلى محمّد بن الفضيل : عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن شيء من الفرج.
قال : أليس انتظار الفرج من الفرج (٢). إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قال (٣) : (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ).
وبإسناده (٤) إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : ما أحسن الصّبر وانتظار الفرج. أما سمعت قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ). وقوله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ). فعليكم بالصّبر ، فإنّه إنّما يجيء الفرج على اليأس. فقد كان الّذي من قبلكم أصبر منكم.
(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) : صحّة وسعة.
__________________
(١) كمال الدين ٦٤٥ ، ح ٤.
(٢) ليس في المصدر : أليس انتظار الفرج من الفرج.
(٣) المصدر : يقول.
(٤) نفس المصدر والصفحة ، ح ٥.
(مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ)» ، كقحط ومرض.
(إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) : بالطّعن فيها والاحتيال في دفعها.
قيل (١) : قحط أهل مكّة سبع سنين ، حتّى كادوا يهلكون. ثمّ رحمهم بالمطّر ، فطفقوا يقدحون في آيات الله ويكيدون رسوله.
(قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) : منكم ، قد دبّر عقابكم قبل أن تدبّروا كيدكم. وإنّما دلّ على سرعتهم المفضّل عليها كلمة المفاجأة الواقعة جوابا «لإذا» الشّرطيّة.
فالمكر إخفاء الكيد. وهو من الله إمّا الاستدراج ، أو الجزاء على المكر.
(إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) (٢١) : تحقيق للانتقام ، وتنبيه على أنّ ما دبّروا في إخفائه لم يخف على الحفظة فضلا عن أن يخفى على الله.
وعن يعقوب (٢) : «يمكرون» بالياء ، ليوافق ما قبله.
(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) : يحملكم على السّير ، ويمكّنكم منه.
(فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) : في السّفن.
(وَجَرَيْنَ بِهِمْ) : بمن فيها.
عدل عن الخطاب إلى الغيبة ، للمبالغة ، كأنّه تذكرة لغيرهم ليتعجبّ من حالهم وينكر عليهم.
(بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) : لينة الهبوب.
(وَفَرِحُوا بِها) : بتلك الرّيح.
(جاءَتْها) : جواب «إذا». والضّمير «للفلك» أو «للرّيح الطّيّبة» ، بمعنى : تلقّتها.
(رِيحٌ عاصِفٌ) : شديدة الهبوب.
(وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) : يجيء الموج منه.
(وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) : اهلكوا وسدّت عليهم مسالك الخلاص ، كمن أحاط به العدوّ.
(دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) : من غير إشراك ، لتراجع الفطرة وزوال المعارض من شدّة الخوف. وهو بدل من «ظنّوا» بدل اشتمال ، لأنّ دعاءهم من لوازم
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٣.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٤.
ظنّهم.
(لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٢٢) : على إرادة القول. أو مفعول «دعوا» لأنّه من جملة القول.
(فَلَمَّا أَنْجاهُمْ) : إجابة لدعائهم.
(إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ) : فاجئوا الفساد فيها وسارعوا إلى ما كانوا عليه.
(بِغَيْرِ الْحَقِ) : مبطلين فيه. وهو احتراز عن تخريب المسلمين ديار الكفرة وإحراق زروعهم وقلع أشجارهم ، فإنّها إفساد بحقّ.
وفي الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أسباط ومحمّد بن أحمد ، عن موسى بن القاسم البجليّ [عن علي بن أسباط] (٢) ، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : فإن اضطرب بك البحر ، فاتّكِ على جانبك الأيمن وقل : بسم الله ، اسكن بسكينة الله ، وقرّ بوقار الله ، واهدأ بإذن الله ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) : فإنّ وباله عليكم. أو إنّه على أمثالكم وأبناء جنسكم.
(مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) : لا تبقى ، ويبقى عقابها.
ورفعه ، على أنّه خبر «بغيكم» ، و «على أنفسكم» صلته. أو خبر محذوف ، تقديره : ذلك متاع الحياة الدّنيا ، و «على أنفسكم» خبر «بغيكم».
ونصبه (٣) حفص ، على أنّه مصدر مؤكّد ، أي : تتمتّعون متاع الحياة الدّنيا. أو مفعول البغي ، لأنّه بمعنى الطّلب ، فيكون الجارّ من صلته ، والخبر محذوف ، تقديره : بغيكم متاع الحياة الدّنيا محذور أو ضلال. أو مفعول فعل دلّ عليه البغي ، و «على أنفسكم» خبره.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : وقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في كتابه الّذي كتبه إلى شيعته ، ويذكر خروج عائشة [إلى البصرة وعظّم خطأ طلحة والزبير فقال : وأيّ خطيئة أعظم ممّا أتيا ، أخرجا زوجة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (٥) من بيتها : وكشفا
__________________
(١) الكافي ٣ / ٤٧١ ، ح ٥.
(٢) من المصدر.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٤.
(٤) تفسير القمّي ٢ / ٢١٠.
عنها حجابا ستره الله عليها ، وصانا حلائلهما في بيوتهما. ما أنصفا لا لله ولا لرسوله من أنفسهما ثلاث خصال ، مرجعها على النّاس في كتاب الله : البغي والمكر والنّكث. قال الله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ). وقال : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ). وقال : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ). وقد بغيا علينا ، ونكثا بيعتي ، ومكرا بي.
وفي تفسير العيّاشي (١) : عن منصور بن يونس ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ثلاث يرجعن على صاحبهنّ : النّكث والبغي والمكر. قال الله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ).
(ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) : في القيامة.
(فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٣) : بالجزاء عليه.
(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) : حالها العجيبة في سرعة تقضّيها وذهاب نعيمها ، بعد إقبالها واغترار النّاس بها.
(كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) : فاشتبك بسببه ، حتّى خالط بعضها بعضا.
(مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ) : من الزّروع والبقول والحشيش.
(حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ) : بأصناف النّبات وأشكالها وألوانها المختلفة ، كعروس أخذت من ألوان الثّياب والتّزيّن ، فتزيّنت بها.
و «ازّيّنت» أصله : تزيّنت ، فأدغم.
وقد قرئ (٢) على الأصل : «وازينت». على «أفعلت» من غير إعلال ، كأغيلت. والمعنى : صارت ذات زينة. و «ازيانت» ، كابياضت.
(وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) : متمكّنون من حصدها ودفع غلّتها.
(أَتاها أَمْرُنا) : ضرب زرعها ما يجتاحه.
(لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها) : زرعها.
(حَصِيداً) : شبيها بما حصد من أصله.
__________________
(٥) من المصدر.
(١) تفسير العياشي ٢ / ١٢١ ، ح ١٣.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٤.
(كَأَنْ لَمْ تَغْنَ) : كأن لم يغن زرعها ، أي : لم يلبث. فالمضاف محذوف في الموضعين ، للمبالغة.
وقرئ (١) ، بالياء ، على الأصل.
(بِالْأَمْسِ) : فيما قبله. وهو مثل في الوقت القريب. والممثّل به مضمون الحكاية ، وهو زوال خضرة النّبات فجأة وذهابه حطاما بعد ما كان غضّا والتفّ وزيّن الأرض حتّى طمع فيه أهله وظنّوا أنّه قد سلم من الجوائح لا الماء ، وإن وليه حرف التّشبيه. لأنّه من التّشبيه المركّب.
(كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢٤) : فإنّهم المنتفعون به.
وفي روضة الكافي (٢) ، كلام لعليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ في الوعظ والزّهد في الدّنيا. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : فازهدوا فيما زهّدكم ـ عزّ وجلّ ـ فيه من عاجل الدّنيا.
فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول وقوله الحقّ : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) (إلى آخر الآية). فكونوا عباد الله من القوم الّذين يتفكّرون.
وفيها (٣) خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. وفيها : فاجعلوا عبادة الله (٤) اجتهادكم في هذه (٥) ، التّزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطّويل ، فإنّها دار عمل والآخرة دار القرار والجزاء. فتجافوا عنها ، فإنّ المغترّ من اغترّ بها. لن تعدو الدّنيا إذا تناهت إليه أمنية أهل الرّغبة فيها ، المحبّين لها ، المطمئنّين إليها ، المفتونين بها أن تكون ، كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : حدّثني أبي ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبيه ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : جعلت فداك ، بلغنا أنّ لآل جعفر راية ولآل العبّاس رايتين. فهل انتهى إليك من علم ذلك شيء؟
قال : أمّا آل جعفر ، فليس بشيء ولا إلى شيء. وأمّا آل العبّاس ، فإنّ لهم ملكا مبطئا ، يقرّبون فيه البعيد ويبعّدون فيه القريب ، وسلطانهم عسر ليس فيه (٧) يسر ، حتّى
__________________
(١) نفس المصدر والمجلّد / ٤٤٥.
(٢) الكافي ٨ / ٧٥ ، ح ٢٩.
(٣) نفس المصدر والمجلّد / ١٧٤ ، ح ١٩٤.
(٤) المصدر : عباد الله.
(٥) المصدر : في هذه الدنيا.
(٦) تفسير القمّي ١ / ٣١٠.
إذا أمنوا مكر الله وأمنوا عقابه صيح فيهم صيحة لا يبقى لهم منال يجمعهم ولا آذان تسمعهم. وهو قول الله (١) ـ عزّ وجلّ ـ : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ) (الآية).
وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٢) : حدّثنا أبو الحسن ، عليّ بن موسى بن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله [بن موسى] (٣) بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السّلام ـ قال : وجدت في كتاب أبي ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا محمّد بن أحمد بن الطّوّال ، عن أبيه ، عن الحسن بن عليّ الطّبرسي ، عن أبي جعفر ، محمّد [بن الحسن] (٤) بن عليّ بن إبراهيم بن مهزيار قال : سمعت أبي يقول : سمعت جدّي عليّ بن إبراهيم [بن مهزيار] (٥) يقول : قال لي صاحب الزّمان ـ صلوات الله عليه ـ : يا بن مهزيار ، كيف خلّفت إخوانك في العراق؟
قلت : في ضنك عيش وهناة (٦) وقد تواترت عليهم سيوف بني الشيصبان (٧).
فقال : قاتلهم الله ، أنّى يؤفكون ، كأنّي بالقوم قد قتلوا في ديارهم ، وأخذهم أمر ربّهم ليلا ونهارا.
قلت : متّى يكون ذلك ، يا بن رسول الله؟
قال : إذا حيل بينكم وبين سبل الكعبة بأقوام لا خلاق لهم ، والله ورسوله منهم براء ، وظهرت الحمرة في السّماء فيها أعمدة ، كأعمدة اللّجين تتلألأ نورا (٨) ، ويخرج الشروسي (٩) من إرمنية وآذربيجان يريدون الجبل الأسود المتلاحم بالجبل الأحمر لزيق جبال طالقان. فيكون بينه وبين المروزيّ وقعة صيلمانية (١٠) ، يشبّ فيها الصّغير ويهرم منها الكبير ، ويظهر القتل بينهما ، فعندها توقّعوا خروجه إلى الزّوراء. فلا يلبث فيها ، حتّى
__________________
(٧) ليس في المصدر.
(١) المصدر : «ولا (رجال تمنعهم ك) وهو قول الله» بدل «ولا اذان تسمعهم وهو قول الله».
(٢) كمال الدين / ٤٦٥ ـ ٤٧٠ ، ح ٢٣.
(٣) من المصدر.
(٤ و ٥) من المصدر.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : هذا. والهناة : الداهية.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : «بني الشيطان» بدل «سيوف بني الشيصبان» وهو كناية عن بني العبّاس.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : يتلألأ الألوان.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : «ويسير» بدل «الشروسي».
(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : صلبانية. والصيلم : الأمر الشديد. وقعة صيلمة : مستأصلة.
يوافي باهات (١). ثمّ يوافي واسط العراق فيقيم بها سنة أو دونها. ثمّ يخرج إلى كوفان ، فتكون بينهم [وقعة من النجف إلى الحيرة إلى الغرىّ] (٢) وقعة شديدة تذهل منها العقول ، فعندها يكون (٣) بوار الفئتين (٤) وعلى الله حصاد الباقين. ثمّ تلا : «بسم الله الرّحمن الرّحيم ، (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ).
فقلت : سيّدي يا ابن رسول الله ، فما الأمر؟
قال : نحن أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ وجنوده.
قلت : سيّدي يا ابن رسول الله ، حان (٥) الوقت؟
قال : و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ).
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ).
قيل (٦) : أي : دار السّلامة من التّقضّي والآفة. أو دار يسلّم الله والملائكة على من يدخلها.
وفي كتاب معاني الأخبار (٧) ، بإسناده إلى العلاء بن عبد الكريم قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية يقول : إنّ السّلام هو الله ـ عزّ وجلّ ـ. وداره الّتي خلق لعباده ولأولياءه (٨) ، الجنّة.
وبإسناده (٩) إلى عبد الله بن الفضل (١٠) الهاشميّ ، عن أبي عبد الله حديث طويل.
يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : اسم من أسماء الله ـ عزّ وجلّ ـ.
(وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) : بالتّوفيق.
(إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢٥) : الّذي هو طريقها.
وفي شرح الآيات الباهرة (١١) : روى الحسين بن جبير في كتابه ، نخب المناقب ،
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : بأهاب. وفي نور الثقلين ٢ / ٣٠٠ ، ح ٤١ «ماهان» بدل «باهات».
(٢) من المصدر.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : يوكون.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : بوار الفشي.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : حال.
(٦) المجمع ٣ / ١٣٠ ، وأنوار التنزيل ١ / ٤٤٥.
(٧) المعاني / ١٧٦ ، ح ١.
(٨) المصدر : وداره الّتي خلقها لأولياءه.
(٩) نفس المصدر والموضع.
(١٠) أ ، ب : عبد الله بن الفضيل.
بإسناده حدّثنا ، يرفعه إلى عبد الله بن العبّاس وزيد بن عليّ في قوله : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) ، يعني به : الجنّة. (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال : يعني : ولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ.
وفي الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن بريد ، عن أبي عمرو الزّبيريّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : فأخبر الله ـ تبارك وتعالى ـ أوّل من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته واتّباع أمره ، فبدأ بنفسه فقال : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى) : المثوبة الحسنى.
(وَزِيادَةٌ) : وما يزيد على المثوبة تفضّلا ، لقوله : (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ).
وقيل (٢) : «الحسنى» الجنّة ، مثل حسناتهم والزّيادة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وأكثر.
وقيل (٣) : «الزّيادة» مغفرة من الله ورضوان.
وقيل (٤) : «الحسنى» الجنّة. و «الزّيادة» هو اللّقاء.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : قوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ).
قال : النّظر إلى رحمة الله ـ تعالى ـ.
وفي رواية أبي الجارود (٦) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ).
قال : أمّا الحسنى ، فالجنّة. وأمّا الزّيادة ، فالدّنيا. ما أعطاهم الله في الدّنيا لم يحاسبهم به في الآخرة ، ويجمع لهم ثواب الدّنيا والآخرة.
وفي مجمع البيان (٧) : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) ذكر في ذلك وجوه.
إلى قوله : وثالثها ، أنّ الزّيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب. عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.
__________________
(١١) تأويل الآيات الظاهرة ١ / ٢١٤.
(١) الكافي ٥ / ١٣ ، ح ١.
(١ و ٣ و ٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٥.
(٥ و ٦) تفسير القمّي ١ / ٣١١.
(٧) المجمع ٣ / ١٠٤.
وفي أمالي شيخ الطّائفة (١) ـ قدّس سرّه ـ ، بإسناده إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : قال الله ـ تعالى ـ : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [و «الحسنى»] (٢) هي الجنّة. و «الزّيادة» هي الدّنيا.
(وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ) : لا يغشاها.
(قَتَرٌ) : غبرة فيها سواد.
(وَلا ذِلَّةٌ) : هوان.
والمعنى : لا يرهقهم ما يرهق أهل النّار ، ولا يرهقهم ما يوجب ذلك من حزن وسوء حال.
وفي أصول الكافي (٣) : الحسين بن محمّد ، عن معلى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أبان بن ميمون القدّاح قال : قال لي أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : اقرأ.
قلت : من أيّ شيء أقرأ؟
قال : من السّورة التّاسعة (٤).
قال : قلت : فجعلت ألتمسها.
فقال : اقرأ من سورة يونس.
قال : فقرأت : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ).
قال : حسبك.
قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّي لأعجب كيف لا أشيب إذا قرأت القرآن.
عليّ بن إبراهيم (٥) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن [منصور بن] (٦) يونس ، عن محمّد بن مروان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ما من شيء إلّا وله كيل ووزن إلّا الدّموع ، فإنّ القطرة تطفئ بحارا من نار. فإذا اغرورقت العين بمائها ، لم يرهق وجها قتر ولا ذلّة. فإذا فاضت ، حرّمه الله على النّار. ولو أنّ باكيا [بكى] (٧) في أمّة ، لرحموا.
__________________
(١) أمالي الطوسي ١ / ٢٥.
(٢) من المصدر.
(٣) الكافي ٢ / ٦٣٢ ، ح ١٩.
(٤) في القرآن هي العاشرة.
(٥) الكافي ٢ / ٤٨١ ، ح ١.
(٦) من المصدر.
عدّة من أصحابنا (١) ، عن سهل بن زياد ، عن ابن فضّال ، عن أبي جميلة ومنصور بن يونس ، عن محمّد بن مروان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال في حديث طويل : ولا فاضت عين على خدّه فرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلّة.
وفي مجمع البيان (٢) : وروى الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما من عين ترقرقت (٣) بمائها ، إلّا حرّم الله ذلك الجسد على النّار ، فإن فاضت من خشية الله ، لم يلحق (٤) ذلك الوجه قتر ولا ذلّة.
وفي تفسير العيّاشي (٥) ، مثله.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : وقال عليّ بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ : «القتر» الجوع والفقر. و «الذلّة» الخوف.
(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٦) : دائمون لا زوال فيها ولا انقراض لنعيمها ، بخلاف الدّنيا وزخارفها.
(وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) : عطف على قوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى) ، على مذهب من يجوّز : في الدّار زيد والحجرة عمرو. أو الّذين مبتدأ والخبر (جَزاءُ سَيِّئَةٍ) ، على تقدير : وجزاء الّذين كسبوا السيّئات جزاء سيّئة بمثلها ، أيّ : أن تجازى سيئة بسيّئة مثلها لا يزاد عليها.
وفيه تنبيه على أنّ الزّيادة هي الفضل ، أو التّضعيف. أو كأنّما أغشيت وجوههم. أو «أولئك أصحاب النّار» ، وما بينهما اعتراض. «فجزاء سيّئة» مبتدأ ، خبره محذوف ، أي : جزاء سيّئة بمثلها واقع. أو بمثلها واقع. أو بمثلها ، على زيادة الباء. أو تقديره : مقدّر بمثلها.
(وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ).
وقرئ (٧) ، بالياء.
__________________
(٧) من المصدر.
(١) نفس المصدر والمجلّد / ٤٨٢ ، ح ٢.
(٢) المجمع ٣ / ١٠٤.
(٣) في تفسير العياشي : ما من عبد اغرورقت بمائها.
(٤) المصدر وتفسير العياشي : لم يرهق.
(٥) تفسير العياشي ٢ / ١٢١ ، ح ١٥.
(٦) تفسير القمّي ١ / ٣١١.
(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٥.
(ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) : ما من أحد يعصمهم من سخط الله. أو من جهة الله. أو من عنده ، كما يكون للمؤمنين.
(كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) : لفرط سوادها وظلمتها.
و «مظلما» حال من «اللّيل» ، والعامل فيه «أغشيت» لأنّه العامل في «قطعا». وهو موصوف بالجارّ والمجرور. فالعامل في الموصوف عامل في الصّفة ، أو معنى الفعل في «من اللّيل».
وقرأ (١) ابن كثير والكسائيّ ويعقوب : «قطعا» بالسّكون. وعلى هذا يصحّ أن يكون «مظلما» صفة له ، أو حالا منه.
(أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٧).
في تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : هؤلاء أهل البدع والشّبهات والشّهوات يسود وجوههم ، ثمّ يلقونه. يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) [يسوّد الله وجوههم يوم القيامة] (٣) ويلبسهم الذّلّة والصّغار. ويقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
وفي روضة الكافي (٤) : يحيى الحلبي ، عن المثنّى ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً). أما ترى البيت إذ كان اللّيل ، كان أشدّ سوادا من خارج؟ فكذلك هم يزدادون سوادا.
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) ، يعني : الفريقين.
(ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ) : الزموا مكانكم حتّى تنظروا ما يفعل بكم.
(أَنْتُمْ) : تأكيد للضّمير المنتقل إليه من عامله.
(وَشُرَكاؤُكُمْ) : عطف عليه.
وقرئ (٥) ، بالنّصب ، على المفعول معه.
__________________
(١) نفس المصدر والموضع.
(٢) تفسير القمّي ١ / ٣١١.
(٣) من المصدر.
(٤) الكافي ٨ / ٢٥٢ ، ح ٣٥٥.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٦.
(فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) : وقطعنا الوصل الّتي بينهم ، وفرّقنا بينهم.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : يبعث الله نارا تزيّل بين الكفّار والمؤمنين.
(وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) (٢٨) : مجاز عن براءة ما عبدوه من عبادتهم. فإنّهم إنّما عبدوا في الحقيقة أهواءهم ، لأنّها الآمرة بالإشراك لا ما أشركوا به.
وقيل (٢) : ينطق الله الأصنام ، فتشافههم بذلك مكان الشّفاعة الّتي توقّعوا منها.
وقيل (٣) : المراد بالشّركاء : الملائكة المسيح.
وقيل (٤) : الشّياطين.
(فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) : فإنّه العالم بكنه الحال.
(إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) (٢٩) :
«إن» هي المخفّفة عن الثّقيلة. و «اللّام» هي الفارقة.
(هُنالِكَ) : في ذلك المقام.
(تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) : تختبر ما قدّمت من عمل ، فتعاين نفعه وضرّه.
وقرأ (٥) حمزة والكسائيّ : «تتلوا» من التّلاوة ، أي : تقرأ ذكر ما قدّمت. أو من التّلو ، أي : تتبّع عمله ، فيقوده إلى الجنّة أو إلى النّار.
وقرئ (٦) : «نبلوا» بالنّون ، ونصب «كلّ» ، وإبدال «ما» منه. والمعنى : نختبرها ، أي : نفعل بها فعل المختبر لحالها ، المعترّف لسعادتها وشقاوتها بتعرّف ما أسلفت من أعمالها.
ويجوز أن يراد : نصيب بالبلاء ، أي : بالعذاب كلّ نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشّرّ. فتكون «ما» منصوبة بنزع الخافض.
(وَرُدُّوا إِلَى اللهِ) : إلى جزائه إيّاهم بما أسلفوا.
(مَوْلاهُمُ الْحَقِ) : ربّهم ومتولّي أمرهم على الحقيقة ، لا ما اتّخذوه مولى.
وقرئ (٧) : «الحقّ» بالنّصب ، على المدح أو المصدر المؤكّد.
(وَضَلَّ عَنْهُمْ) : وضاع عنهم.
__________________
(١) تفسير القمّي ١ / ٣١٢.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٦.
(٣ و ٤) نفس المصدر والموضع.
(٥ و ٦) نفس المصدر والموضع.
(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٦.
(ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٣٠) : من أنّ آلهتهم تشفع لهم. أو ما كانوا يدّعون أنّها آلهة.
[وفي نهج البلاغة (١) : فكيف لو تناهت بكم الأمور وبعثرت القبور (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ ، وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ، وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)] (٢).
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) : منهما جميعا ، فإنّ الأرزاق تحصل بأسباب سماويّة وموادّ أرضيّ. أو من كلّ واحد منهما ، توسعة عليكم.
وقيل (٣) «من» لبيان «من» على حذف المضاف ، أي : من أهل السّماء والأرض.
(أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) : أمّن يستطيع خلقهما وتسويتهما. أو من يحفظهما من الآفات مع كثرتهما وسرعة انفعالهما من أدنى شيء.
(وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) : من يحيي ويميت.
أو من ينشئ الحيوان من النّطفة ، والنّطفة منه.
(وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) : ومن يلي تدبير أمر العالم. وهو تعميم بعد تخصيص.
(فَسَيَقُولُونَ اللهُ) : إذ لا يقدرون على المكابرة والعناد في ذلك ، لفرط وضوحه.
(فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (٣١) : أنفسكم عقابه ، بإشراككم إيّاه ما لا يشاركه في شيء من ذلك.
(فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) : المتولّي لهذه الأمور ، المستحقّ للعبادة. هو ربّكم الثّابت ربوبيّته ، لأنّه الّذي أنشأكم وأحياكم ورزقكم ودبّر أموركم.
(فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) : استفهام إنكار ، أي : ليس بعد الحقّ إلّا الضّلال. فمن تخطّى الحقّ الّذي هو عبادة الله ، وقع في الضّلال.
(فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (٣٢)» : عن الحقّ إلى الضّلال.
(كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ)» ، أي : كما حقّت الرّبوبيّة لله. أو أنّ الحقّ بعد الضّلال. أو أنّهم مصروفون عن الحقّ حقّت كلمة الله وحكمه.
وقرأ (٤) نافع وابن عامر : «كلمات» هنا وفي آخر السّورة ، وفي غافر.
__________________
(١) نهج البلاغة / ٣٤٩ ، خطبة ٢٢٦.
(٢) ما بين المعقوفتين ليس في ب.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٦.
(٤) المجمع ٣ / ١٠٦.
(عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) : تمرّدوا في كفرهم ، وخرجوا عن حدّ الاستصلاح.
(أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٣٣) : بدل من «الكلمة». أو تعليل لحقّيّتها ، والمراد بها : العدة بالعذاب.
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) : جعل الإعادة كالإبداء في الإلزام بها ، لظهور برهانها وإن لم يساعدوا عليها. ولذلك أمر الرّسول بأن ينوب عنهم في الجواب ، فقال : (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ). لأنّ لجاجهم لا يدعهم أن يعترفوا بها.
(فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٣٤) : تصرفون عن قصد السّبيل.
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) : بنصب الحجج ، وإرسال الرّسل ، والتّوفيق للنّظر والتّدبّر.
و «هدى» ، كما يعدّى «بإلى» لتضمّنه معنى الانتهاء ، يعدّى باللّام ، للدّلالة على أنّ المنتهى غاية الهداية ، ولأنّها لم تتوجّه نحوه على سبيل الاتّفاق ، ولذلك عدّي بها ما أسند إلى الله.
(قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ، أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي) : أم الّذي لا يهتدي. (إِلَّا أَنْ يُهْدى). من قولهم : هدي بنفسه : إذا اهتدى. أو لا يهدي غيره إلّا أن يهديه الله. وهذا حال أشراف شركائهم ، كالملائكة والمسيح وعزير.
وقرأ (١) ابن كثير ، وورش عن نافع ، وابن عامر : «يهدّي» بفتح الهاء وتشديد الدّال. ويعقوب وحفص ، بالكسر والتّشديد. والأصل : يهتدي ، فأدغم وفتحت الهاء بحركة التّاء ، أو كسرت لالتقاء السّاكنين.
وروى (٢) أبو بكر «يهدّي» باتّباع الياء الهاء.
وقرأ (٣) أبو عمرو ، بالإدغام المجرّد ، ولم يبال بالتقاء السّاكنين. لأنّ المدغم في حكم المتحرّك.
وعن نافع (٤) برواية قالون ، مثله.
وقرئ (٥) : «أن يهدى» على المبالغة.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٧.
(١ و ٣) نفس المصدر والموضع.
(٥) نفس المصدر والموضع.
(فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣٥) : بما يقتضي صريح العقل بطلانه.
في تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ابن فضّال والحجّال جميعا ، عن ثعلبة ، عن عبد الرّحمن بن مسلمة الجريريّ (٢) قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : يوبّخونا ويكذّبونا إنّا نقول : إنّ صيحتين تكونان. يقولون : من أين تعرف المحقّة من المبطلة إذا كانتا؟
قال : فما ذا تردّون عليهم؟
قلت : ما نردّ عليهم شيئا.
قال : قولوا : يصدّق بها إذا كانت من كان يؤمن بها من قبل. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (أَفَمَنْ يَهْدِي ـ إلى قوله ـ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).
عنه (٣) ، عن محمّد [عن] (٤) ابن فضّال والحجّال ، عن داود بن فرقد قال : سمع رجل من العجليّة (٥) هذا الحديث ، قوله : ينادي مناد : ألا إنّ فلان بن فلان وشيعته هم الفائزون أوّل النّهار. وينادي آخر النّهار : ألّا إن عثمان وشيعته هم الفائزون.
قال : وينادي أوّل النّهار منادي آخر النّهار.
فقال الرّجل : فما يدرينا أيّما الصّادق من الكاذب؟
فقال : يصدّق عليها من كان يؤمن بها قبل أن ينادي. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) (الآية).
وفي كشف المحجّة (٦) لابن طاوس ـ رحمه الله ـ ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : اسمعوا قولي يهدكم الله إذا قلت ، وأطيعوا أمري إذا أمرت. فو الله لئن أطعتموني ، لا تغووا. وإن عصيتموني ، لا ترشدوا. قال الله ـ تعالى ـ : (أَفَمَنْ يَهْدِي) (الآية).
وفي عيون الأخبار (٧) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في وصف الإمامة
__________________
(١) بل الكافي ٨ / ٢٠٨ ، ح ٢٥٢.
(٢) كذا في المصدر وجامع الرواة ١ / ٤٥٤. وفي النسخ : الجزيريّ.
(٣) الكافي ٨ / ٢٠٩ ، ح ٢٥٣.
(٤) من المصدر.
(٥) العجلية : قبيلة من ربيعة ، وهو عجل بن لجيم بن صعب.
(٦) كشف المحجة / ١٨٧.
(٧) العيون ١ / ١٧٤ ، ح ١.
والإمام ، وذكر فضل الإمام ورتبته حديث طويل. يقول فيه الرّضا ـ عليه السّلام ـ : إنّ الأنبياء والأئمّة يوفّقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم. فيكون علمهم فوق كلّ علم أهل زمانهم في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) (الآية).
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) (الآية) : فأمّا من يهدي إلى الحقّ ، فهم محمّد وآل محمّد من بعده. وأمّا من لا يهدي إلّا أن يهدى ، فهو من خالف من قريش وغيرهم أهل بيته من بعده.
وفي الكافي (٢) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عمرو بن عثمان (٣) ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لقد قضى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ بقضيّة ما قضى بها أحد كان قبله. وكانت أوّل قضيّة قضى بها بعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وذلك أنّه لمّا قبض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأفضى الأمر إلى أبي بكر ، أتي برجل قد شرب الخمر.
فقال له أبو بكر : أشربت الخمر؟
فقال الرّجل : نعم.
فقال : ولم شربتها وهي محرّمة؟
فقال : إنّي أسلمت ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلّونها ولو أعلم أنّها حرام ، اجتنبتها.
قال : فالتفت أبو بكر إلى عمر فقال : ما تقول ، يا أبا حفص ، في أمر هذا الرّجل؟
فقال : معظلة ، وأبو الحسن لها.
فقال أبو بكر : يا غلام ، ادع لنا عليّا.
فقال عمر : بل يؤتي الحكم في منزله.
فأتوه ومعهم سلمان الفارسيّ ـ رضي الله عنه ـ. فأخبروه بقضيّة الرّجل ، فاقتصّ
__________________
(١) تفسير القمّي ١ / ٣١٢.
(٢) الكافي ٧ / ٢٤٩ ، ح ٤.
(٣) كذا في المصدر وجامع الرواة ١ / ٦٢٦ ، وفي النسخ : عمر بن عثمان.
عليه قصّته.
فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ لأبي بكر : ابعث (١) من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار. فمن كان تلا عليه آية التّحريم ، فليشهد عليه.
ففعل أبو بكر ما قال عليّ ـ عليه السّلام ـ. فلم يشهد عليه أحد ، فخلّي (٢) سبيله.
فقال سلمان لعليّ ـ عليه السّلام ـ (٣) : لقد أرشدتهم.
فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : إنّما أردت أن أجدّد تأكيد هذه الآية فيّ وفيهم (أَفَمَنْ يَهْدِي) (الآية).
وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن عمرو بن القاسم قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ وذكر أصحاب النّبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ثمّ قرأ : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ ـ إلى قوله ـ تَحْكُمُونَ).
فقلنا : من هو ، أصلحكم الله؟
فقال : بلغنا أنّ ذلك عليّ ـ عليه السّلام ـ.
(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ) : فيما يعتقدون.
(إِلَّا ظَنًّا) : مستند إلى خيالات فارغة وأقيسة فاسدة ، كقياس الغائب على الشّاهد ، والخالق على المخلوق بأدنى مشاركة موهومة. والمراد بالأكثر : الجميع. أو من ينتمي إلى تمييز ونظر ، ولا يرضى بالتّقليد.
(إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِ) : من العلم والاعتقاد الحقّ.
(شَيْئاً) : من الإغناء. ويجوز أن يكون مفعولا به و «من الحقّ» حالا منه.
قيل (٥) : وفيه دليل على أنّ تحصيل العلم في الأصول واجب ، والاكتفاء بالتّقليد والظّنّ غير جائز.
وأقول : في الآية دلالة على النّهي عن اتّباع الظّنّ مطلقا ، وذّمّ تقليد من لا يحصل بقوله غير الظّنّ.
__________________
(١) المصدر : ابعث معه.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : فتخلي.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : «فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ» بدل «فقال سلمان لعليّ ـ عليه السّلام ـ».
(٤) تفسير العياشي ٢ / ١٢٢ ، ح ١٨.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٧.
(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) (٣٦) : وعيد على اتّباعهم للظّنّ وإعراضهم عن البرهان.
(وَما كانَ) : ما صحّ واستقام.
(هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) : افتراء من الخلق.
(وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) : مطابق لما تقدّمه من الكتب الإلهيّة ، المشهود على صدقها. ولا يكون كذبا ، كيف وهو لكونه معجزا دونها عيار عليها شاهد على صحّتها.
ونصبه بأنّه خبر «لكان» مقدّرا. أو علّة لفعل محذوف ، تقديره : لكن أنزله الله تصديقا للّذي.
وقرئ (١) ، بالرّفع ، على تقدير : ولكن هو تصديق.
(وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) : وتفصيل ما حقّق وأثبت من العقائد والشّرائع.
(لا رَيْبَ فِيهِ) : منتفيا عنه الرّيب.
وهو خبر ثالث داخل في حكم الاستدراك. ويجوز أن يكون حالا من «الكتاب» فإنّه مفعول في المعنى ، وأن يكون استئنافا.
(مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣٧) : خبر آخر ، تقديره : كائنا من ربّ العالمين. أو متعلّق «بتصديق» ، أو «بتفصيل» و «لا ريب فيه» اعتراض ، أو بالفعل المعلّل بهما.
ويجوز أن يكون حالا من «الكتاب» أو الضّمير في «فيه». ومساق الآية ، بعد المنع عن اتّباع الظّنّ ، لبيان ما يجب اتّباعه والبرهان عليه.
(أَمْ يَقُولُونَ) : بل يقولون.
(افْتَراهُ) : محمّد. ومعنى الهمزة فيه ، للإنكار.
(قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) : في البلاغة وحسن النّظم وقوّة المعنى على وجه الافتراء. فإنّكم مثلي في العربيّة والفصاحة ، وأشدّ تمرّنا في النّظم والعبارة.
(وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) : ومع ذلك فاستعينوا بمن أمكنكم أن تستعينوا به.
(مِنْ دُونِ اللهِ) : سوى الله ـ تعالى ـ. فإنّه وحده قادر على ذلك.
(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣٨) : أنّه اختلقه.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٧.
(بَلْ كَذَّبُوا) : بل سارعوا إلى التّكذيب.
(بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) : بالقرآن أوّل ما سمعوه قبل أن يتدبّروا آياته ويحيطوا بالعلم بشأنه. أو بما جهلوه ولم يحيطوا به علما ، من ذكر البعث والجزاء وسائر ما يخالف دينهم.
(وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) : ولم يعثروا بعد على تأويله ، ولم تبلغ أذهانهم معانيه. أو ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الأخبار بالغيوب ، حتى يتبيّن لهم أنّه صدق أم كذب.
والمعنى أنّ القرآن معجز من جهة اللّفظ.
والمعنى : ثمّ أنّهم فاجئوا تكذيبه قبل أن يتدبّروا نظمه ويتفحّصوا معناه.
ومعنى التّوقّع في «لمّا» : أنّه ظهر لهم بالآخرة إعجازه ، لما كرّر عليهم التّحدّي.
فرازوا (١) قواهم في معارضته ، فتضاءلت دونها. أو لما شاهدوا وقوع ما أخبر به طبقا لإخباره مرارا ، فلم يقلعوا عن (٢) التّكذيب تمرّدا وعنادا.
وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن الأمور العظام الّتي تكون ممّا لم تكن.
فقال : لم يأن أوان كشفها بعد. وذلك قوله : (بَلْ كَذَّبُوا) (الآية).
عن حمران (٤) قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن الأمور العظام من الرّجعة وغيرها.
فقال : إنّ هذا الّذي تسألوني عنه لم يأت أوانه. قال الله : (بَلْ كَذَّبُوا) (الآية).
وفي أصول الكافي (٥) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي ، عمير عن يونس ، عن أبي يعقوب ، إسحاق بن عبد الله ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله خصّ عباده بآيتين من كتاب الله ، أن لا يقولوا حتّى يعلموا ، ولا يردّوا ما لم يعلموا. وقال ـ عزّ وجلّ ـ : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ). وقال : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ). [قال كذب الّذين من قبلهم قال
__________________
(١) فرازوا : فجرّبوا واختبروا.
(٢) أ ، ب : فلم يقدموا على.
(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٢٢ ، ح ١٩.
(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ٢٠.
(٥) الكافي ١ / ٤٣ ، ح ٨.
نزلت في الرّجعة كذّبوا بها أي أنّها لا تكون] (١).
وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن إسحاق بن عبد العزيز قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : خصّ الله هذه الأمّة بآيتين من كتابه ، ألّا يقولوا ما لا يعلمون [وألّا يردّوا ما لا يعلمون] (٣) ثمّ قرأ : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ) (الآية). وقوله : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) (الآية).
(كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : أنبياءهم.
(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (٣٩) : فيه وعيد لهم ، بمثل ما عوقب به من قبلهم.
(وَمِنْهُمْ) : ومن المكذّبين.
(مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) : من يصدّق به في نفسه ويعلم أنّه حقّ ، ولكن يعاند. أو من سيؤمن به ويتوب عن كفره.
(وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ).
قيل (٤) : في نفسه لفرط غباوته وقلّة تدبّره ، أو فيما يستقبل بل يموت على الكفر.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : هم أعداء محمّد وآل محمّد ـ عليهم السّلام ـ من بعده.
(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) (٤٠) : بالمعاندين ، أو بالمصرّين.
(وَإِنْ كَذَّبُوكَ) : فإن أصرّوا على تكذيبك بعد إلزام الحجّة.
(فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) : فتبرّأ منهم ، فقد أعذرت.
والمعنى : لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم ، حقّا كان أو باطلا.
(أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٤١) : لا تؤاخذون بعملي ، ولا أؤاخذ بعملكم. ولما فيه من إيهام الإعراض عنهم وتخلية سبيلهم.
قيل (٦) : إنّه منسوخ بآية السّيف.
__________________
(١) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.
(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٢٣ ، ح ١٢٢.
(٣) من المصدر.
(٤) تفسير الصافي ٢ / ٤٠٣ ، وأنوار التنزيل ١ / ٤٤٨.
(٥) تفسير القمّي ١ / ٣١٢.
(٦) تفسير الصافي ٢ / ٤٠٣ ، وأنوار التنزيل ١ / ٤٤٨.