تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

النّار.

فقال له رجل : يا أمير المؤمنين ، ما الآية الّتي نزلت فيك؟

قال له : أما سمعت الله يقول : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ ـ إلى قوله ـ شاهِدٌ مِنْهُ).

فرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على بيّنة من ربّه ، وأنا شاهد له فيه وأتلوه منه (١).

وعلى هذه الرّواية يكون المراد بالبيّنة : القرآن. ويكون «يتلوه» من التّلاوة.

وفي كتاب الاحتجاج (٢) : قال سليم بن قيس : سأل رجل عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.

فقال ، وأنا أسمع : أخبرني بأفضل منقبة لك.

قال : ما أنزل الله في كتابه.

قال : و (٣) ما أنزل الله فيك؟ قال : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) (٤).

أنا الشّاهد من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وفيه (٥) : في حديث قال له بعض الزّنادقة : وأجد الله يخبر أنّه يتلو نبيّه شاهد منه ، وكان الّذي تلاه عبّد الأصنام برهة من دهره.

فقال ـ عليه السّلام ـ : وأمّا قوله : (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) فذلك حجّة الله أقامها الله على خلقه ، وعرّفهم أنّه لا يستحقّ مجلس النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلّا من يقوم مقامه ، ولا يتلوه إلّا من يكون في الطّهارة مثله بمنزلته (٦). لئلّا يتّسع لمن ماسّه حسّ (٧) الكفر في وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق بمقام الرّسول ، وليضيّق العذر على من يعينه على إثمه وظلمه. إذ كان الله قد حظر على من ماسّه (٨) الكفر تقلّد ما فوّضه إلى أنبيائه وأوليائه بقوله (٩) لإبراهيم : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١٠) ، أي : المشركين. لأنّه سمّى الشّرك ظلما

__________________

(١٠) من المصدر.

(١) المصدر : معه.

(٢) الاحتجاج ١ / ٢٣١ ـ ٢٣٢.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : «أو قال» بدل «قال و».

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «أنّه سئل عن أفضل منقبة له فتلا هذه الآية وقال» بدل «قال : أفمن كان ... شاهد منه».

(٥) الاحتجاج ١ / ٣٦٥ ـ ٣٧٤.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : رجس.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : مسّه.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : يقول ـ تعالى ـ.

(١٠) البقرة / ١٢٤.

١٤١

بقوله : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١). فلمّا علم إبراهيم أنّ عهد الله [بالإمامة] (٢) لا ينال عبدة الأصنام قال : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (٣). واعلم أنّ من آثر المنافقين على الصّادقين والكفّار على الأبرار ، فقد افترى على الله إثما عظيما. إذ كان قد بيّن في كتابه الفرق بين المحقّ والمبطل والطّاهر والنّجس والمؤمن والكافر ، وأنّه لا يتلو النّبيّ عند فقده إلّا من حلّ محلّه صدقا وعدلا وطهارة وفضلا.

وفي أمالي شيخ الطّائفة (٤) ـ قدّس سرّه ـ ، بإسناده إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه كان يوم الجمعة يخطب على المنبر ، فقال : والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ، ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي (٥) إلّا وقد نزلت فيه آية من كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ.

أعرفها ، كما أعرفه.

فقام إليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما آيتك الّتي أنزلت فيك؟

فقال : إذا سألت فافهم ، ولا عليك أن لا تسأل عنها غيري. أقرأت سورة هود؟

قال : نعم ، [يا أمير المؤمنين.

قال : أفسمعت الله يقول : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ)؟

قال : نعم] (٦).

قال : الّذي على بيّنه من ربّه محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. و [الذي] (٧) يتلوه شاهد منه ، [وهو الشاهد وهو منه وأنا عليّ بن أبي طالب وأنا منه] (٨) أنا الشّاهد وأنا منه.

وفي مجمع البيان (٩) : عن الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ : شاهد من الله ، محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وعلى هذا (فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) يعمّ كلّ مؤمن مخلص ذو بصيرة في دينه ، وهذا لا ينافي في نزوله في النّبيّ والوصيّ. وإلى التّعميم نظر من فسّر الشّاهد بالقرآن ، أي : شاهد من الله يشهد بصحّته.

__________________

(١) لقمان / ١٣.

(٢) من المصدر.

(٣) إبراهيم / ٣٥.

(٤) أمالي الطوسي ١ / ٣٨١ ـ ٣٨٢.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : المواثيق.

(٦) ما بين المعقوفتين ليس في ب.

(٧) من المصدر.

(٨) من المصدر. (٩) مجمع البيان ٣ / ١٥٠.

١٤٢

(أُولئِكَ) : إشارة إلى «من كان على بيّنة».

(يُؤْمِنُونَ بِهِ) : بالقرآن ، أو بالرّسول.

(وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ) : من أهل مكّة ومن تحزّب معهم على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) : يردها لا محالة.

وفي مجمع البيان (١) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لا يسمع بي أحد من الامة ، لا يهوديّ ولا نصرانيّ ثمّ لا يؤمن بي ، إلّا كان من أهل النّار.

وفي روضة الكافي (٢) ، خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وهي خطبة الوسيلة.

يقول ـ عليه السّلام ـ فيها ، بعد أن ذكر النّبيّ : وفي التّولي والإعراض عنه محادّة الله وغضبه وسخطه ، والبعد منه و (٣) مسكن النّار. وذلك قوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) ، يعني : الجحود به والعصيان له.

(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) : من الموعد ، أو القرآن.

وقرئ (٤) : «مرية» بالضّمّ. وهما : الشّكّ.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : في ولاية عليّ.

(إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (١٧) : لقلّة نظرهم واختلال فكرهم.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) ، كأن أسند إليه ما لم ينزله. أو نفي عنه ما أنزله.

(أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) : في الموقف ، بأن يحبسوا وتعرّض أعمالهم.

(وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) : من الملائكة والنّبيّين. أو من جوارحهم.

وفي كتاب المناقب (٦) لابن شهر آشوب : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ تعالى ـ : (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ).

قال : نحن الأشهاد.

__________________

(١) المجمع ٣ / ١٥٠.

(٢) الكافي ٨ / ٢٦.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٤.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ١٤٢ ، ضمن ح ١١.

(٦) المناقب ٤ / ١٧٩.

١٤٣

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ، أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ ، وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) ، يعني بالأشهاد : الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ. (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) لآل محمّد حقّهم.

وهو جمع ، شاهد ، كأصحاب. أو شهيد ، كأشراف ، جمع شريف.

(هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (١٨) : تهويل عظيم ممّا يحيق بهم ـ حينئذ ـ لظلمهم بالكذب على الله.

(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : عن دينه.

(وَيَبْغُونَها عِوَجاً) : ويصفونها بالانحراف عن الحقّ والصّواب. أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالرّدّة.

(وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (١٩) : والحال أنّهم كافرون بالآخرة.

وتكرير كلمة «هم» لتأكيد كفرهم واختصاصهم به.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عليّ بن إبراهيم (٣) ، عن أبي عبيدة قال : سألت أبا جعفر عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمَنْ أَظْلَمُ ـ إلى قوله ـ يَبْغُونَها عِوَجاً).

قال : هم أربعة ملوك من قريش ، يتبع بعضهم بعضا.

والملوك الأربعة : الثّلاثة ، ومعاوية.

وفيه (٤) : (يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، [يعني :] (٥) يصدّون عن طريق الله ، وهي الإمامة. (يَبْغُونَها عِوَجاً) صرفوها إلى غيره (٦).

(أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) ، أي : ما كانوا معجزين الله في الدّنيا أن يعاقبهم.

(وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) : يمنعونهم من العقاب ، ولكنّه أخّر عقابهم إلى هذا اليوم ليكون أشدّ وأدوم.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٤٣ ، ح ١٤.

(٣) ليس في المصدر : علي بن إبراهيم.

(٤) أي في تفسير القمّي ١ / ٣٢٥ ولعلّ عبارة «علي بن ابراهيم» الواردة في صدر حديث العياشي تقدمت سهوا.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : «يعني حرّفوها إلى غيرها» بدل «صرفوها إلى غيره».

١٤٤

(يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) : استئناف.

وقرأ (١) ابن كثير وابن عامر ويعقوب : «يضعّف» بالتّشديد.

(ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) : لتصامّهم عن الحقّ وبغضهم له.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : ما قدروا أن يسمعوا بذكر أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

(وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) (٢٠) : لتعاميهم عن آيات الله. وكأنّه العلّة لمضاعفة العذاب.

وقيل (٣) : هو بيان لما نفاه من ولاية الآلهة (٤) بقوله : (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ). فإنّ ما لا يسمع ولا يبصر لا يصلح للولاية. وقوله : (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) اعتراض.

(أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) : باشتراء عبادة الآلهة بعبادة الله.

(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢١) : من الآلهة وشفاعتها. أو خسروا بما بدّلوا وضاع عنهم ما حصلوا ، فلم يبق لهم سوى الحسرة والنّدامة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : بطل الّذين دعوا غير أمير المؤمنين.

(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) (٢٢) : لا أحد أبين وأكثر خسرانا منهم.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) : اطمأنّوا إليه وخشعوا له. من الخبت : وهي الأرض المطمئنّة.

وفي أصول الكافي (٦) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن زيد الشّحّام ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : إنّ عندنا رجلا يقال له : كليب ، فلا يجيء عنكم شيء إلّا قال : أنا أسلّم. فسمّيناه : كليب تسليم.

قال : فترحّم عليه.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٥.

(٢) تفسير القمي ١ / ٣٢٥.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٥.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : الاله.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٢٥.

(٦) الكافي ١ / ٣٩٠ ـ ٣٩١ ، ح ٣.

١٤٥

ثمّ قال : أتدرون ما التّسليم؟

فسكتنا.

فقال : هو ، والله ، الإخبات. قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ).

(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٣) : دائمون.

(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ) : الكافر والمؤمن.

(كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ).

يجوز أن يراد به : تشبيه الكافر بالأعمى ، لتعاميه عن آيات الله. وبالأصمّ ، لتصامّه عن استماع كلام الله وتأبّيه عن تدبّر معانيه. وتشبيه المؤمن بالسّميع والبصير ، لأنّ أمره بالضّدّ. فيكون كلّ واحد منهما مشبّها باثنين باعتبار وصفين. أو تشبيه الكافر بالجامع بين العمى والصّمم ، والمؤمن بالجامع بين ضدّيهما. والعاطف لعطف الصّفة على الصّفة ، كقوله :

الصّابح فالغانم فالآيب

وهذا من باب اللّفّ والطّباق.

(هَلْ يَسْتَوِيانِ) : هل يستوي الفريقان.

(مَثَلاً) : تمثيلا ، أو صفة ، أو حالا.

(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٢٤) : بضرب الأمثال والتّأمّل فيها.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ) : بأنّي لكم.

وقرأ (١) عاصم وابن عامر وحمزة ، بالكسر ، على إرادة القول.

(نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٢٥) : أبيّن لكم موجبات العذاب ووجه الخلاص.

وفي روضة الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ عهد إلى آدم ـ وذكر حديثا طويلا ـ ، يذكر فيه وصيّة آدم إلى هبة الله وأشياء كثيرة. وفيه : وبشّر آدم بنوح ـ عليه السّلام ـ. فقال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ باعث

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٥.

(٢) الكافي ٨ / ١١٣ و ١١٤ و ١١٥ ، مقاطع ضمن ح ٩٢.

١٤٦

نبيّا ، اسمه نوح. وإنّه يدعو إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ ويكذّبه قومه ، فيهلكهم الله بالطّوفان. وكان بين آدم وبين نوح ـ عليه السّلام ـ عشرة آباء ، أنبياء وأوصياء كلّهم. وأوصى آدم إلى هبة الله : أنّ من أدركه منكم فليؤمن به وليتّبعه وليصدّق به ، فإنّه ينجو من الغرق.

إلى أن قال : فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين (١) بما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث النّبوّة وآثار علم النّبوّة ، حتّى بعث الله نوحا ـ عليه السّلام ـ.

وظهرت وصيّة هبة الله حين نظروا في وصيّة ، آدم ، فوجدوا نوحا نبيّا قد بشّر به آدم ـ عليه السّلام ـ. فآمنوا به واتّبعوه وصدّقوه. وقد كان آدم ـ عليه السّلام ـ وصّى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصيّة عند رأس كلّ سنة ، فيكون يوم عيدهم ، ويتعاهدون نوحا وزمانه الّذي يخرج فيه. وكذلك جاء في وصيّة كلّ نبيّ ، حتّى بعث الله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وإنّما عرفوا نوحا بالعلم الّذي عندهم ، وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) (إلى آخر الآية).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : وروي في الخبر ، أنّ اسم نوح ـ عليه السّلام ـ عبد الغفّار. وإنّما سمّي نوحا ، لأنّه كان ينوح على نفسه.

(أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) : بدل من «إنّي لكم». أو مفعول «مبين».

ويجوز أن يكون «أن» مفسّرة متعلّقة «بأرسلنا» ، أو «بنذير».

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن إسماعيل الجعفيّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : كانت شريعة نوح ـ عليه السّلام ـ أن يعبد الله بالتّوحيد والإخلاص وخلع الأنداد ، وهي الفطرة الّتي فطر النّاس عليها. وأخذ ميثاقه على نوح والنّبيّين أن يعبدوا (٤) الله ، ولا يشركوا (٥) به شيئا. وأمره بالصّلاة والأمر والنّهي والحرام والحلال ، ولم يفرض عليه أحكام حدود ولا فرض مواريث. فهذه شريعته.

وفي روضة الكافي (٦) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن إسماعيل الجعفيّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ ، نحوه. إلّا أنّ فيها : والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صريحا.

__________________

(١) أ ، ب : مستحقين.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٢٨.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٤٤ ، صدر ح ١٨.

(٤) المصدر : أن يعبدون.

(٥) المصدر : لا يشركون.

(٦) الكافي ٨ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ، ح ٤٢٤.

١٤٧

(إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (٢٦) : مؤلم. وهو في الحقيقة صفا المعذّب ، لكن يوصف به العذاب وزمانه على طريقة : جدّ جدّه ، ونهاره صائم للمبالغة.

(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) : لا مزيّة لك علينا تخصّك بالنّبوّة ووجوب الطّاعة.

(وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) : أخسّاؤنا.

جمع ، أرذل ، كأنّه بالغلبة صار مثل الاسم ، كالأكبر. أو أرذل ، جمع ، رذل.

(بادِيَ الرَّأْيِ) : ظاهر الرّأي من غير تعمّق ، من البدوّ. أو أوّل الرّأي ، من البدء. والياء مبدّلة من الهمزة ، لانكسار ما قبلها.

وقرأ (١) أبو عمرو ، بالهمزة. وانتصابه بالظّرف على حذف المضاف ، أي : وقت حدوث بادي الرّأي. والعامل فيه «اتّبعك». وإنّما استرذلوهم لذلك ، أو لفقرهم. فإنّهم لمّا لم يعلموا إلّا ظاهرا من الحياة الدّنيا ، كأنّ الأحظّ بها أشرف عندهم ، والمحروم منها أرذل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) ، يعني : الفقراء والمساكين.

(وَما نَرى لَكُمْ) : لك ولمتّبعيك.

(عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) : يؤهّلكم للنّبوّة ، واستحقاق المتابعة.

(بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) (٢٧) : إيّاك في دعوى النّبوّة ، وإيّاهم في دعوى العلم بصدقك. فغلّب المخاطب على الغائبين.

(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ) : أخبروني.

(إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) : حجّة شاهدة بصحّة دعواي.

(وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) : بإيتاء البيّنة ، أو النّبوّة.

(فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) : فخفيت عليكم ، فلم تهدكم.

وتوحيد الضّمير ، لأنّ البيّنة في نفسها هي الرّحمة. أو لأنّ خفاءها يوجب خفاء النّبوّة. أو على تقدير : فعمّيت بعد البيّنة ، وحذفها للاختصار. أو لأنّه لكلّ واحدة منهما.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٦.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٢٥.

١٤٨

وقرأ (١) حمزة والكسائيّ وحفص : «فعميت» ، أي : أخفيت.

وقرئ (٢) : «فعماها». على أنّ الفعل لله.

(أَنُلْزِمُكُمُوها) : أنكرهكم على الاهتداء بها.

(وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) (٢٨) : لا تختارونها ولا تتأمّلون فيها. وحيث اجتمع ضميران ، وليس أحدهما مرفوعا وقدّم الأعرف منهما ، جاز في الثّاني الفصل والوصل.

(وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) : على التّبليغ. وهو وإن لم يذكر ، فمعلوم من ما ذكر.

(مالاً) : جعلا.

(إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) : فإنّه المأمول منه.

(وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) : جواب لهم حين سألوا طردهم.

(إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) : فيخاصمون طاردهم عنده. أو إنّهم يلاقونه ويفوزون بقربه ، فكيف أطردهم.

(وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) (٢٩) : بلقاء ربّكم. أو بأقداركم. أو في التماس طردهم. أو تتسفّهون عليهم ، بأن تدعوهم أراذل.

(وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) : بدفع انتقامه.

(إِنْ طَرَدْتُهُمْ) : وهم بتلك الصّفة والمثابة.

(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٣٠) : لتعرفوا أنّ التماس طردهم وتوقيف الإيمان عليه ليس بصواب.

(وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) : خزائن رزقه وأمواله حتّى جحدتم فضلي.

(وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) : عطف على (عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) ، أي : ولا أقول أنا أعلم الغيب حتّى تكذّبوني ، استبعادا. أو حتّى أعلم أنّ هؤلاء اتّبعوني بادي الرّأي من غير بصيرة وعقد قلب.

وعلى الثّاني يجوز عطفه على «أقول».

(وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) : حتّى تقولوا : ما أنت إلّا بشر مثلنا.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٦.

١٤٩

(وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) : ولا أقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم.

(لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) : فإنّ ما أعدّه الله لهم في الآخرة خير ممّا آتاكم في الدّنيا.

(اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (٣١) : إن قلت شيئا من ذلك.

و «الازدراء» افتعال. من زري عليه : إذا عابه. قلبت تاؤه دالا ، لتجانس الرّاء في الجهر.

وإسناده إلى الأعين للمبالغة ، والتّنبيه على أنّهم استرذلوهم بادي الرّؤية من غير رؤية ، وبما عاينوه من رثاثة حالهم وقلّة منالهم دون تأمّل في معانيهم وكمالاتهم.

(قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا) : خاصمتنا.

(فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا) : فأطلته ، أو أتيت بأنواعه.

(فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) : من العذاب.

(إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٣٢) : في الدّعوى والوعيد. فإنّ مناظرتك لا تؤثّر فينا.

(قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ) : عاجلا أو آجلا.

(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٣٣) : بدفع العذاب ، أو الهرب منه.

(وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) : شرط ودليل جواب قوله : (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ).

وتقدير الكلام : إن كان الله يريد أن يغويكم ، فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي.

وقيل (١) : «أن يغويكم» أن يهلككم. من غوي الفصيل : إذا [بشم (٢) ف] (٣) هلك.

وفي قرب الاسناد (٤) للحميريّ : أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : وقال نوح : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي ـ إلى قوله ـ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ).

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٧.

(٢) بشم من الطعام : أكثر منه حتّى اتّخم وسئمه.

(٣) من المصدر.

(٤) قرب الاسناد / ١٥٨.

١٥٠

قال : الأمر إلى الله ، يهدي ويضلّ (١).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : حدّثني أبي ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ ، عن أبي الطّفيل ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عليّ بن الحسين ـ عليهم السّلام ـ أنّه قال ، وقد ذكر عبد الله بن عبّاس : وأمّا قوله : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي) (الآية) نزلت في أبيه.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) ، نحوه. إلّا أنّ فيه بدل «أبيه» «العبّاس» صريحا.

(هُوَ رَبُّكُمْ) : خالقكم ، والمتصرّف فيكم وفق إرادته.

(وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٣٤) : فيجازيكم على أعمالكم.

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي) : وباله.

وقرئ (٤) : «أجرامي» على الجمع.

(وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) (٣٥) : من إجرامكم في إسناد الافتراء إليّ.

(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ) : فلا تحزن حزن بائس مستكين.

(بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) (٣٦) : أقنطه الله من إيمانهم ، ونهاه أن يغتمّ بما فعلوه من التّكذيب والإيذاء.

وفي روضة الكافي (٥) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن إسماعيل الجعفيّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : إنّ نوحا لبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم سرّا وعلانية. فلمّا أبوا وعتوا ، قال : يا ربّ (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (٦) فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ ـ إلى قوله ـ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ). فلذلك قال نوح ـ على نبيّنا وآله وعليه السّلام ـ : (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) (٧). فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه : (أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ) (٨) والحديث طويل أخذت منه

__________________

(١) المصدر : «من يشاء» بدل «ويضلّ».

(٢) تفسير القمّي ٢ / ٢٣.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٤٤ ، ح ١٧.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٧.

(٥) الكافي ٨ / ٢٨٣ ، ذيل ح ٤٢٤. ببعض التصرّف في صدر المنقول هنا.

(٦) القمر / ١٠.

(٧) نوح / ٢٧.

(٨) المؤمنون / ٢٧.

١٥١

موضع الحاجة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثنا أحمد بن محمّد بن موسى قال : حدّثنا محمد بن حمّاد ، عن عليّ بن إسماعيل التّيميّ ، عن فضل رسان (٢) ، عن صالح بن ميثم قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : ما كان علم نوح حين دعا إلى (٣) قومه أنّهم (لا يَلِدُوا) (٤) (إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً).

فقال : أما سمعت قول الله لنوح : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ).

وفي كتاب علل الشّرائع (٥) ، بإسناده إلى حنان بن سدير : عن أبيه قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : أرأيت نوحا حين دعا على قومه فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً).

قال ـ عليه السّلام ـ : علم أنّه لا ينجب من بينهم أحد.

قال : قلت : وكيف علم ذلك؟

قال : أوحى الله إليه : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ) (٦) (مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ). فعند ذلك دعا عليهم بهذا الدّعاء.

(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) : ملتبسا بأعيننا. عبّر بكثرة العين ، الّذي يحفظ به الشّيء ويراعى عن الاختلال والزّيغ ، عن المبالغة في الحفظ والرّعاية على طريقة التّمثيل.

(وَوَحْيِنا) : إليك كيف تصنعها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : بقي نوح في قومه ثلاثمائة سنة يدعوهم إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ فلم يجيبوه. فهمّ أن يدعو عليهم ، فوافاه عند طلوع الشّمس اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السّماء الدّنيا ، وهم العظماء من الملائكة.

فقال لهم نوح : ما أنتم؟

__________________

(١) تفسير القمّي ٢ / ٣٨٨.

(٢) كما في جامع الرواة ٢ / ٥ وفي ب : فضل بن رسان ، وفي المصدر : فضيل الرسام.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر : لا يلدون.

(٥) العلل / ٣١ ، ح ١.

(٦) المصدر : لا يؤمن.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦.

١٥٢

فقالوا : نحن اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السّماء الدّنيا. وأنّ غلظ مسيرة سماء الدّنيا خمسمائة عام ، ومن سماء الدّنيا إلى الدّنيا مسيرة خمسمائة عام. وخرجنا عند طلوع الشّمس ، ووافيناك في هذا الوقت ، فنسألك أن لا تدعو على قومك.

فقال نوح ـ عليه السّلام ـ : قد أجّلتهم ثلاثمائة سنة.

فلمّا أتى عليهم ستّمائة سنة ولم يؤمنوا ، هم أن يدعو عليهم. فوافاه اثنا عشر ألف قبيلة من قبائل ملائكة السّماء الثّانية.

[فقال نوح : من أنتم؟

قالوا : نحن اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الثانية] (١) وأنّ غلظ السماء الثّانية مسيرة خمسمائة عام ، ومن السّماء الثّانية إلى السّماء الدّنيا مسيرة خمسمائة عام ، وغلظ السّماء الدّنيا مسيرة خمسمائة عام ، ومن السّماء الدّنيا إلى الدّنيا مسيرة خمسمائة عام. خرجنا عند طلوع الشّمس ووافيناك ضحوة ، نسألك أن لا تدعو على قومك.

فقال نوح ـ عليه السّلام ـ : قد أجّلتهم ثلاثمائة سنة.

فلمّا أتى عليهم تسعمائة سنة ولم يؤمنوا (٢) ، هم أن يدعو عليهم. فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ).

فقال نوح : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً).

فأمره الله ـ تعالى ـ أن يغرس النّخل ، [فأقبل يغرس النّخل] (٣). فكان قومه يمرّون به ويسخرون منه ويستهزئون به ، ويقولون : شيخ قد أتى له تسعمائة سنة يغرس النّخل. وكانوا يرمونه بالحجارة. فلمّا أتى لذلك خمسون سنة وبلغ النّخل واستحكم ، أمر بقطعه. فسخروا منه ، وقالوا : بلغ النّخل مبلغه. وهو قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ ، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).

فأمره الله أن يتّخذ (٤) السّفينة ، وأمر جبرئيل ـ عليه السّلام ـ أن ينزل عليه ويعلمه كيف يتّخذها. فقدّر طولها في الأرض ألفا ومائتي ذراع ، وعرضها ثمانمائة ذراع ، وطولها في السّماء ثمانون ذراعا.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) ليس في المصدر : ولم يؤمنوا.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر : ينحت.

١٥٣

فقال : يا ربّ ، من يعينني على اتّخاذها؟

فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه : ناد في قومك : من أعانني عليها وينجر منها شيئا ، فصار ما ينجره ذهبا وفضّة.

فنادى نوح ـ عليه السّلام ـ فيهم بذلك ، فأعانوه عليها. وكانوا يسخرون منه ، ويقولون : يتّخذ (١) سفينة في البرّ.

وفي روضة الكافي (٢) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في تقدير السّفينة ، مثله.

وأمّا ما روي في عيون الأخبار (٣) ، في باب ما جاء من خبر الشّاميّ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه : سأله عن سفينة نوح : ما كان عرضها وطولها؟

فقال : «كان طولها ثمانمائة ذراع ، وعرضها خمسمائة ذراع ، وارتفاعها في السّماء ثمانين ذراعا». فمخالف لما مضى من وجهين : أحدهما ، أنّ فيما سبق أنّ عرضها كان ثمانمائة ، وفي هذا الخبر طولها. والثّاني ، أنّ فيما مضى أنّ طولها ألف ومائتي ذراع ، وفي هذا الخبر ثمانمائة. فلعلّه وهم الرّاوي وأبدل العرض بالطّول ، وألفا ومائتي ذراع بخمسمائة ذراع.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٤) ، بإسناده إلى أيّوب بن راشد : عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كان أعمار قوم نوح ـ عليه السّلام ـ ثلاثمائة سنة ، [ثلاثمائة سنة] (٥).

وبإسناده إلى سدير الصّيرفيّ (٦) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل.

وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : وأمّا إبطاء نوح ـ عليه السّلام ـ فإنّه لمّا استنزل العقوبة على قومه من السّماء ، بعث الله ـ تبارك وتعالى ـ جبرئيل ، الرّوح الأمين معه سبع (٧) نوايات.

فقال : يا نبيّ الله ، إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول لك : إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي ، لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلّا بعد تأكيد الدّعوة وإلزام الحجّة. فعاود اجتهادك في

__________________

(١) المصدر : ينحت.

(٢) الكافي ٨ / ٢٨٣ ، صدر ح ٤٢٦.

(٣) العيون ١ / ٢٤٤.

(٤) كمال الدين / ٥٢٣ ، ح ٢.

(٥) من المصدر.

(٦) كمال الدين / ٣٥٥ ـ ٣٥٦.

(٧) المصدر : «بسبع» بدل «معه سبع»

١٥٤

الدّعوة لقومك ، فإنّي مثيبك عليه. واغرس هذه النّوى ، فإنّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص. فبشّر بذلك من اتّبعك من المؤمنين.

فلمّا نبتت الأشجار وتأزّرت (١) وتسوّقت وأغصنت (٢) وأثمرت وزها التّمر عليها (٣) بعد زمان طويل ، أستنجز من الله العدة. فأمره الله ـ تبارك وتعالى ـ أن يغرس من نوى تلك الأشجار ، ويعاود الصّبر والاجتهاد ويؤكّد الحجّة على قومه. فأخبر بذلك الطّوائف الّتي آمنت به ، فارتدّ منهم ثلاثمائة رجل وقالوا : لو كان ما يدّعيه نوح حقّا لما وقع في وعد ربّه خلف.

ثمّ أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يزل يأمره عند كلّ مرّة بأن يغرسها مرّة بعد أخرى ، إلى أن غرسها سبع مرّات ، فما زالت تلك الطّوائف من المؤمنين ترتدّ منهم طائفة بعد طائفة ، إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلا.

فأوحى الله ـ تبارك وتعالى ـ إليه عند ذلك ، وقال : يا نوح ، الآن أسفر الصّبح عن اللّيل لعينك ، حين صرح الحقّ عن محضه وصفا [الامر والايمان] (٤) من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة. فلو أنّي أهلكت الكفّار وأبقيت من قد ارتد من الطّوائف الّتي كانت آمنت بك ، لما كنت صدّقت وعدي السّابق للمؤمنين الّذين أخلصوا التّوحيد من قومك واعتصموا بحبل نبوّتك ، بأن أستخلفهم في الأرض وأمكّن لهم دينهم وأبدّل (٥) خوفهم بالأمن ، لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشّرك (٦) من قلوبهم. وكيف يكون الاستخلاف والتّمكين وبدل [الخوف ب] (٧) الأمن منّي لهم ، مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الّذين ارتدّوا وخبث طينتهم وسوء سرائرهم الّتي كانت نتائج النّفاق وسنوخ (٨) الضّلالة. فلو أنّهم تنسّموا من الملك الّذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم ،

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : بارزت.

(٢) المصدر : تغصّنت.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : «زهر الثّمر على ما كان» بدل «زها التّمر عليها».

(٤) كذا في المصدر. ويوجد المعقوفتان فيه أيضا.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : أبدلّهم.

(٦) كذا أيضا في بعض نسخ المصدر. وفيه : الشك.

(٧) من المصدر.

(٨) المصدر ، ب : سنوح. وسنوخ ـ جمع سنخ ـ : الأصل.

١٥٥

لنشقوا (١) روائح صفاته ولاستحكمت (٢) سرائر نفاقهم وثارت خبال (٣) ضلالة قلوبهم ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة وحار بوهم على طلب الرّئاسة والتّفرّد بالأمر والنّهي. وكيف يكون التّمكين في الدّين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب ، كلّا ف (اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا).

وفي مجمع البيان (٤) : عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : فإنّ نوحا لبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم إلى الهدى ، فيمرّون به ويسخرون منه. فلمّا رأى ذلك منهم ، دعا عليهم. فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ـ إلى قوله ـ إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً).

قال : فأوحى الله إليه : يا نوح ، أن (اصْنَعِ الْفُلْكَ) وأوسعها وعجّل عملها (بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا). فعمل نوح سفينته (٥) في مسجد الكوفة بيده ، يأتي بالخشب من بعد حتّى فرغ منها.

وفي روضة الكافي (٦) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن هشام الخراسانيّ ، عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : جعلت فداك ، في كم عمل نوح ـ عليه السّلام ـ سفينته حتّى فرغ منها؟

قال : في دورين.

قلت : وكم الدّور؟

قال : ثمانين سنة.

قلت : إنّ العامّة يقولون : عملها في خمسمائة عام.

فقال : كلا ، كيف كان (٧) والله يقول : (وَوَحْيِنا).

وفي الكافي (٨) والعيّاشيّ (٩) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : وكان منزل (١٠) نوح وقومه

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : لتشفوا.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : والّا استحكمت.

(٣) المصدر : «تأبّدت حبال» بدل «ثارت خبال».

(٤) بل في تفسير العياشي ٢ / ١٤٤ ـ ١٤٥ ، ضمن ح ١٩ ، ونور الثقلين ٢ / ٣٥٤ ح ٧٤ عنه.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : فعجّل نوح سفينة.

(٦) الكافي ٨ / ٢٨٠ ـ ٢٨١ ، ضمن ح ٤٢١.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) الكافي ٨ / ٢٨٠ ـ ٢٨١ ، ضمن ح ٤٢١.

١٥٦

في قرية على منزل من الفرات ، ممّا يلي غربي الكوفة. وكان نوح رجلا نجّارا ، فجعله الله نبيّا وانتجبه. ونوح أوّل من عمل سفينة تجري على ظهر الماء.

قال : ولبث نوح في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم إلى الهدى ، فيمرّون (١) به ويسخرون منه. فلمّا رأى ذلك منهم ، دعا عليهم.

فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً).

فأوحى الله إليه : يا نوح (اصْنَعِ الْفُلْكَ) (٢) وأوسعها وعجّل عملها (بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) (٣).

فعمل نوح سفينة في مسجد الكوفة بيده ، فأتي بالخشب من بعد حتّى فرغ منها.

سئل : في كم عمل نوح سفينته حتّى فرغ منها؟

قال : في دورين.

قيل : وكم الدّور؟

قال : ثمانون سنة.

قيل : فإنّ العامّة يقولون : عملها في خمسمائة عام.

فقال : كلا ، كيف والله يقول : (وَوَحْيِنا).

قيل (٤) : آخر الحديث يحتمل معنيين : أحدهما ، أنّ ما يكون بأمر الله وتعليمه كيف يطول زمانه إلى هذه المدّة!؟ والثّاني ، أن يكون ـ عليه السّلام ـ قد فسّر الوحي هنا بالسّرعة والعجلة ، فإنّه جاء بهذا المعنى. يقال : الوحا الوحا ممدودا ومقصورا ، يعني : البدار البدار (٥).

(وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) : ولا تراجعني فيهم ، ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم.

(إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (٣٧) : محكوم عليه بالإغراق ، فلا سبيل إلى كفّه.

__________________

(٩) تفسير العياشي ٢ / ١٤٤ ـ ١٤٥ ، ضمن ح ١٩.

(١٠) كذا في الكافي. وفي النسخ والعياشي : نزل.

(١) الكافي : «الله فيهزؤون» بدل» الهدى ، فيمرّون».

(٢) الكافي : سفينة.

(٣) ليس في الكافي : «بأعيننا ووحينا».

(٤) تفسير الصافي ٢ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : البدا البدا.

١٥٧

(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) : حكاية حال ماضية.

(وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) : استهزؤوا به لعمله السّفينة.

قيل (١) : كان يعملها في بريّة بعيدة من الماء أوان عزّته ، وكانوا يضحكون منه ويقولون له : صرت نجّارا بعد ما كنت نبيّا.

وفي روضة الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه. ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا ، عن الحسن بن عليّ ، عن عمر بن أبان ، عن إسماعيل الجعفيّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ نوحا ـ عليه السّلام ـ لمّا غرس النّوى ، مرّ عليه قومه فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولون : قد قعد غرّاسا. حتّى إذا طال (٣) النّخل ، وكان جبّارا طوّالا ، قطعه ثم نحته ، فقالوا قد قعد نجّارا. ثمّ ألّفه فجعله سفينة ، فمرّوا عليه يضحكون ويسخرون ويقولون : قد قعد ملّاحا في فلاة من الأرض حتّى فرغ منها.

(قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) (٣٨) : منّا.

(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) : إذا أخذكم الغرق في الدّنيا ، والحرق في الآخرة.

وقيل (٤) : المراد بالسّخرية : الاستجهال (٥).

(مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) ، يعني به : إيّاهم. وبالعذاب : الغرق.

(وَيَحِلُّ عَلَيْهِ) : وينزل عليه. أو يحلّ حلول الدّين لا انفكاك عنه.

(عَذابٌ مُقِيمٌ) (٣٩) : دائم. وهو عذاب النّار.

(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا) : هو غاية لقوله : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) ، وما بينهما حال من الضّمير فيه. أو حتّى ، هي الّتي يبتدأ بعدها الكلام.

(وَفارَ التَّنُّورُ) : نبع الماء منه وارتفع ، كالقدر تفور.

و «التّنّور» تنّور الخبز. ابتدأ منه النّبوع على خرق العادة. وكان في الكوفة في موضع مسجدها ، أو في الهند ، أو بعين وردة من أرض الجزيرة.

وقيل (٦) : «التّنّور» وجه الأرض ، أو أشرف موضع فيها.

وفي روضة الكافي (٧) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن هشام

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٨.

(٢) الكافي ٨ / ٢٨٣ ، ح ٤٢٥.

(٣) أ ، ب ، ر : حال.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٨.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : الاستعجال.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٦٨.

١٥٨

الخراسانيّ ، عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : جعلت فداك ، أخبرني عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ). فأين كان موضعه ، وكيف كان؟

قال : كان التّنّور في بيت عجوز مؤمنة ، في دبر قبلة ميمنة المسجد. فقلت له : فإنّ ذلك موضع زاوية باب الفيل اليوم.

ثمّ قلت له : وكان بدو خروج الماء من ذلك التّنّور؟

فقال : نعم. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أحبّ أن يري قوم نوح آية. ثمّ أنّ الله ـ تعالى ـ أرسل عليهم (١) المطر يفيض فيضا ، وفاض الفرات فيضا ، والعيون كلّهن فيضا. فغرّقهم الله ، وأنجى نوحا ومن معه في السّفينة.

وفي الكافي (٢) : محمّد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : نعم المسجد مسجد الكوفة ، صلّى فيه ألف نبيّ وألف وصيّ. ومنه فار التّنّور ، وفيه نجرت السّفينة.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي مجمع البيان (٣) : وروى أبو عبيدة الحذّاء ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : مسجد كوفان روضة من رياض الجنّة ، الصّلاة فيه بسبعين (٤) صلاة ، صلّى فيه ألف نبيّ وسبعون نبيّا ، وفيه فار التّنّور ونجرت (٥) السّفينة. وهو سرّة بابل (٦) ، ومجمع الأنبياء.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : عن الأعمش يرفعه إلى عليّ ـ عليه السّلام ـ في قوله : (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ).

فقال : أما ، والله ، ما هو تنور الخبز ـ ثمّ أومأ بيده إلى الشّمس فقال ـ : طلوعها.

عن الحسن بن عليّ (٨) ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال :

__________________

(٧) الكافي ٨ / ٢٨١ ، ضمن ح ٤٢١.

(١) أ : إليهم.

(٢) الكافي ٣ / ٤٩٢ ، صدر ح ٣.

(٣) المجمع ٣ / ١٦٣.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «تسعين» بدل «بسبعين».

(٥) المصدر : جرت.

(٦) سرّة بابل ، أي : وسطه الحقيقيّ وبابل : اسم موضع بالعراق.

(٧) بل في تفسير العياشي ٢ / ١٤٧ ، ح ٢٥ ، ونور الثقلين ٢ / ٣٥٦ ، ح ٨٢ عنه.

(٨) تفسير العياشي ٢ / ١٤٧ ، ح ٢٢.

١٥٩

جاءت امرأة نوح إليه ، وهو يعمل السّفينة. فقالت له : إنّ التّنّور قد خرج منه ماء. فقام إليه مسرعا حتّى جعل الطّبق عليه ، فختمه بخاتمه ، فقام الماء. فلمّا فرغ نوح من السّفينة ، جاء إلى خاتمه ففضّه وكشف الطّبق ، ففار الماء.

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عنه ـ عليه السّلام ـ [جاءت امرأة نوح إليه ، وهو يعمل السّفينة. فقالت له : إنّ التّنّور قد خرج منه ماء. فقام إليه مسرعا حتّى جعل الطّبق عليه ، فختمه بخاتمه ، فقام الماء. ف] (٢) لمّا فرغ من السّفينة ، وكان ميعاده فيما بينه وبين ربّه في إهلاك قومه أن يفور التّنور ، ففار. فقالت امرأته : إنّ التّنور قد فار. فقام إليه فختمه ، فقام الماء وأدخل من أراد أن يدخل وأخرج من أراد أن يخرج. ثمّ جاء إلى خاتمه فنزعه. يقول الله : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (٣).

قال : وكان نجرها في وسط مسجدكم [ولقد نقص عن ذرعه سبعمائة ذراع] (٤).

(قُلْنَا احْمِلْ فِيها) : في السّفينة.

(مِنْ كُلٍ) : نوع من الحيوانات المنتفع بها.

وفي كتاب علل الشّرائع (٥) ، بإسناده إلى أبان بن عثمان : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ ، عن أبيه ، عن جدّه ـ عليهم السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : إنّ النّبيّ لما حضرته الوفاة ، دفع إلى عليّ ـ عليه السّلام ـ ميراثه من الدّواب وغيره.

وفي آخره قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ أوّل شيء [مات] (٦) من الدّواب الحمار (٧) اليعفور ، توفّي ساعة قبض رسول الله. قطع خطامه ، ثمّ مرّ يركض حتّى أتى (٨) بئر بني حطمة بقبا (٩) فرمى بنفسه فيها ، فكانت قبره.

__________________

(١) بل في الكافي ٨ / ٢٨١ ـ ٢٨٢ ، ح ٤٢٢ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وتفسير الصافي ٢ / ٤٤٣ ـ ٤٤٤.

(٢) المصدر : «إنّ نوحا ـ صلّى الله عليه ـ» بدل ما بين المعقوفتين والظاهر أنه تكرار لحديث العياشي السابق.

(٣) القمر / ١١ ـ ١٣.

(٤) من المصدر.

(٥) العلل / ١٦٧ ، ذيل ح ١.

(٦) من المصدر.

(٧) المصدر : حماره.

(٨) المصدر : وافى.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : بئر حطيم بقباء.

١٦٠