تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

(وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (٧٦) : غير مصروف بجدال ولا دعاء ولا غير ذلك.

(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) : ساءه مجيئهم ، لأنّهم جاؤوا في صورة غلمان ، فظن أنّهم أناس. فخاف عليهم أن يقصدهم قومه ، فيعجز عن مدافعتهم.

(وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) : وضاق بمكانهم ذرعه. وهو كناية عن شدّة الانقباض ، للعجز عن مدافعة المكروه والاحتيال فيه.

(وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) (٧٧) : شديد. من عصبه : إذا شدّه.

(وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) : يسرعون إليه ، كأنّهم يدفعون دفعا لطلب الفاحشة من أضيافه.

(وَمِنْ قَبْلُ) : ومن قبل ذلك الوقت.

(كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) : الفواحش. فتمرّنوا بها ولم يستحيوا منها ، حتّى جاؤوا يهرعون لها مجاهرين.

(قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي) : فدى بهنّ أضيافه ، كرما وحميّة.

والمعنى : هؤلاء بناتي ، فتزوّجوهنّ. وكانوا يطلبونهنّ قبل فلا يجيبهم ، لخبثهم وعدم كفاءتهم.

وفي الكافي (١) ، وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : عرض عليهم التّزويج.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ : أنّه وضع يده على الباب ثمّ ناشدهم ، فقال : «اتّقوا الله ولا تخزون في ضيفي [قالوا أو لم ننهك عن العالمين] (٤)». ثمّ عرض عليهم بناته بنكاح.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : قال : عنى به : أزواجهم. وذلك أنّ النّبيّ هو أبو أمّته ، فدعاهم إلى الحلال ولم يكن يدعوهم إلى الحرام.

وقيل (٦) : دعاهم إليهنّ إظهارا لشدّة امتعاضه من ذلك ، كي يرقّوا له.

__________________

(١) الكافي ٥ / ٥٤٨ ، ح ٧.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٥٦ ، ذيل ح ٥٤.

(٣) نفس المصدر والموضع ، ضمن ح ٥٤.

(٤) من المصدر.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٣٥.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٦.

٢٠١

(هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) : أنظف فعلا ، وأقلّ فحشا.

قيل (١) : يعني : أدبارهنّ.

كقولك : الميتة أطيب من المغصوب ، وأحلّ منه.

وقرئ (٢) : «أطهر» بالنّصب ، على أنّ «هنّ» خبر «بناتي» ، كقولك : هذا أخي هو. لا فصل ، فإنّه لا يقع بين الحال وصاحبها.

وفي تهذيب الأحكام (٣) : أحمد بن محمّد (٤) بن عيسى ، عن موسى بن عبد الملك ، والحسين بن عليّ بن يقطين وموسى بن عبد الملك ، عن رجل قال : سألت أبا الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ عن إتيان الرّجل المرأة من خلفها.

قال : أحلّه (٥) آية من كتاب الله ، قول لوط : (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ). وقد علم أنّهم لا يريدون الفرج.

وفي تفسير العيّاشيّ (٦) : الحسين بن عليّ بن يقطين قال : سألت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ عن إتيان الرّجل المرأة من خلفها. وذكر مثله.

(فَاتَّقُوا اللهَ) : بترك الفواحش. أو بإيثارهنّ عليهم.

(وَلا تُخْزُونِ) : ولا تفضحوني ، من الخزي. أو ولا تخجلوني ، من الخزاية ، بمعنى : الحياء.

(فِي ضَيْفِي) : في شأنهم. فإن إخزاء ضيف الرّجل إخزاؤه.

(أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) (٧٨) : يهتدي إلى الحقّ ، ويرعوي عن القبيح.

(قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) : حاجة.

(وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) (٧٩) : وهو إتيان الذّكران.

(قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) : لو قويت بنفسي على دفعكم.

(أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) (٨٠) ، أي : قويّ ، أتمنّع به عنكم. شبّهه بركن الجبل في شدّته.

وقرئ (٧) : «أو آويَ» بالنّصب ، بإضمار «أن» ، كأنّه قال : لو أنّ لي بكم قوّة أو

__________________

(١) تفسير الصافي ٢ / ٤٦١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٦.

(٣) التهذيب ٧ / ٤١٤ ـ ٤١٥ ، ح ١٦٥٩.

(٤) ليس في المصدر : بن محمد.

(٥) المصدر : أحلّتها.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ١٥٧ ، ح ٥٦.

٢٠٢

إيواء. وجواب «لو» محذوف ، تقديره : لدفعتكم.

وفي الجوامع (١) : قال جبرئيل : أنا ركنك الشّديد ، افتح الباب ودعنا وإيّاهم.

وفي مجمع البيان (٢) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : [فقال جبرئيل :] (٣) لو يعلم أيّ قوّة له.

وعن النّبيّ (٤) ـ صلّى الله عليه وآله ـ رحم الله أخي ، لوطا ، كان يأوي إلى ركن شديد.

وفي الكافي (٥) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : رحم الله لوطا ، لو يدري من معه في الحجرة لعلم أنّه منصور. حيث يقول : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ). أيّ ركن أشدّ من جبرئيل معه في الحجرة.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٦) ، بإسناده إلى أبي بصير قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما كان قول لوط [: (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً]) (٧) (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ). إلّا تمنّيا لقوّة القائم ـ عليه السّلام ـ. ولا ذكر إلّا شدّة (٨) أصحابه ، لأنّ الرّجل منهم يعطى قوّة أربعين رجلا ، وأنّ قلبه لأشدّ من [زبر] (٩) الحديد. ولو مرّوا بجبال الحديد لقلعوه و (١٠) لا يكفّون سيوفهم حتّى يرضى الله ـ عزّ وجلّ ـ.

وفي كتاب علل الشّرائع (١١) ، بإسناده إلى الحسين (١٢) بن مسعود قال : احتجّوا في مسجد الكوفة.

فقالوا : ما بال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ لم ينازع الثّلاثة ، كما نازع طلحة [الزبير] (١٣) وعائشة ومعاوية؟

__________________

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٦.

(١) الجوامع / ٢٠٨.

(٢) المجمع ٣ / ١٨٤.

(٣) من المصدر.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) الكافي ٥ / ٥٤٦ ، ذيل ح ٥.

(٦) كمال الدين / ٦٧٣ ، ح ٢٧.

(٧) ليس في ب.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : «والّا ذكر الشدّة» بدل «ولا ذكر الّا شدة».

(٩) من المصدر.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : «لقطعوه» بدل «الحديد لقلعوها و».

(١١) العلل / ١٤٨ ـ ١٤٩ ، صدر ح ٧.

(١٢) ليس في المصدر : الحسين.

(١٣) من المصدر.

٢٠٣

فبلغ ذلك عليّا ـ عليه السّلام ـ. فأمر أن ينادى الصّلاة جامعة. فلمّا اجتمعوا ، صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه.

ثمّ قال : معاشر النّاس ، إنّه بلغني عنكم كذا وكذا.

قالوا : صدق أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. قد قلنا ذلك.

قال : إنّ لي بسنة الأنبياء أسوة. فقد قال الله في محكم كتابه : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (١).

قالوا : ومن هم ، يا أمير المؤمنين؟

قال : أوّلهم إبراهيم.

إلى أن قال : ولي بابن خالته ، لوط أسوة إذ قال لقومه : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ). فإن قلتم : [إنّ لوطا كانت له بهم قوّة ، فقد كفرتم. وإن قلتم :] (٢) لم يكن له قوّة ، فالوصيّ أعذر.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : محمد بن جعفر قال : حدّثنا محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن صالح ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال في قوله : «قوّة».

قال : «القوّة» القائم ـ عليه السّلام ـ. و «الرّكن الشّديد» ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.

أخبرني الحسن بن عليّ بن مهزيار (٤) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ما بعث الله نبيّا بعد لوط إلّا في عزّ من قومه.

نقل (٥) : أنّه أغلق بابه دون أضيافه وأخذ يجادلهم من وراء الباب ، فتسوّروا (٦) الجدار. فلمّا رأت الملائكة ما على لوط من الكرب (قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) : إلى إضرارك بإضرارنا ، فهوّن عليك ودعنا وإيّاهم. فخلّاهم أن يدخلوا. فضرب جبرئيل بجناحه وجوههم ، فطمس أعينهم وأعماهم. فخرجوا يقولون :

__________________

(١) الأحزاب / ٢١.

(٢) من المصدر.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٣٥.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٦.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : فتسوّر.

٢٠٤

النّجا النّجا ، فإنّ في بيت لوط سحرة.

(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) : بالقطع من الإسراء.

وقرأ (١) ابن كثير ونافع ، بالوصل ، حيث وقع في القرآن ، من السّري.

بقطع من اللّيل : بطائفة.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : «بقطع من اللّيل مظلما».

قال : هكذا قرأه أمير المؤمنين.

(وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) : ولا يتخلّف ، أو لا ينظر إلى ورائه. والنّهي في اللّفظ ل «أحد» ، والمعنى للوط.

(إِلَّا امْرَأَتَكَ).

قيل (٣) : استثناء من قوله : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ). ويدلّ عليه أنّه قرئ : «فأسر بأهلك بقطع من اللّيل إلّا امرأتك». وهذا إنّما يصحّ على تأويل الالتفات بالتّخلّف ، فإنّه إن فسّر بالنّظر إلى الوراء في الذّهاب ، ناقض ذلك قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالرّفع على البدل من «أحد». ولا يجوز حمل القراءتين على الرّوايتين في أنّه خلّفها مع قومها أو أخرجها. فلمّا سمعت صوت العذاب التفتت ، وقالت : يا قوماه. فأدركها حجر فقتلها.

لأنّ القواطع لا يصح حملها على المعاني المتناقضة. والأولى جعل الاستثناء في القراءتين من قوله : (وَلا يَلْتَفِتْ) ، مثله في قوله : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ). ولا يبعد أن يكون أكثر القرّاء على غير الأفصح. ولا يلزم من ذلك أمرها بالالتفات ، بل عدم نفيها عنه استصلاحا. ولذلك علّله على طريقة الاستئناف بقوله : (إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ). ولا يحسن جعل الاستثناء منقطعا على قراءة الرّفع.

(إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) ، كأنّه علّة الأمر بالإسراء.

(أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) (٨١) : جواب لاستعجال لوط واستبطائه العذاب.

وفي الجوامع (٤) : روي أنّه قال : متى موعد إهلاكهم؟

قالوا : الصّبح.

فقال : أريد أسرع من ذلك. لضيق صدره بهم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٦.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٥٨ ، ح ٥٨ بتصرّف.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٦.

(٤) الجوامع / ٢٠٨.

٢٠٥

فقالوا : (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ).

وفي كتاب علل الشّرائع (١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) يا لوط ، إذا مضى لك من يومك هذا سبعة أيّام ولياليها. (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) إذا مضى نصف اللّيل.

قال : فلمّا كان اليوم الثّامن من طلوع الفجر ، قدّم الله رسلا إلى إبراهيم يبّشرونه بإسحاق ويعزونه بهلاك قوم لوط. وذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى).

وسيأتي تمام الحديث.

(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) : عذابنا ، أو أمرنا به. ويؤيّده الأصل ، وجعل التّعذيب مسبّبا عنه بقوله : (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها). فإنّه جواب «لمّا». وكان حقّه : جعلوا عاليها ، أي : الملائكة المأمورون به. فأسند إلى نفسه من حيث أنّه المسبّب ، تعظيما للأمر. فإنّه روي : أنّ جبرئيل ـ عليه السّلام ـ أدخل جناحه تحت مدائنهم ورفعها إلى السّماء ، ثمّ قلبها عليهم.

(وَأَمْطَرْنا عَلَيْها) : على المدن ، أو على شذّاذها.

(حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) : من طين متحجّر ، لقوله : (حِجارَةً مِنْ طِينٍ). وأصله سنكيل ، فعرّب.

وقيل (٢) : إنّه من أسجله : إذا أرسله ، أو أدرّ عطيّته. والمعنى : من مثل الشّيء المرسل. أو من مثل العطيّة في الإدرار. أو من السّجل ، أي : ممّا كتب الله أن يعذّبهم به.

وقيل (٣) : أصله من سجين ، أي : من جهنّم. فأبدلت لاما بنونه (٤).

وفي كتاب علل الشّرائع (٥) : أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان ، عن أبي بصير [وغيره] (٦) عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : إنّ الملائكة لمّا جاءت في هلاك قوم لوط (قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) (٧).

__________________

(١) العلل / ٥٤٩ ـ ٥٥٠ بإسقاط عبارة من وسط المنقول هنا.

(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٧.

(٤) المصدر : فأبدلت نونه لاما.

(٥) العلل / ٥٥١ ـ ٥٥٢ ، ح ٦.

(٦) من المصدر.

(٧) العنكبوت / ٣١.

٢٠٦

قالت سارة : عجبت من قلّتهم وكثرة أهل القرية.

فقالت : ومن يطيق قوم لوط؟ (وَبَشَّرُوهُ ـ إلى قوله ـ عَجُوزٌ عَقِيمٌ). وهي يومئذ ابنة تسعين سنة ، وإبراهيم ابن عشرين ومائة سنة.

فجادل إبراهيم عنهم ، وقال : (إِنَّ فِيها لُوطاً).

قال جبرئيل : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها).

فزاده إبراهيم.

فقال جبرئيل : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا). [(إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ).

قال : وأنّ جبرئيل لمّا أتى لوطا في هلاك قومه فدخلوا عليه (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) ، قام فوضع يده على الباب ، ثمّ ناشدهم. فقال : (فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي).

قالوا : او لم ننهك عن العالمين؟

ثمّ عرض عليهم بناته نكاحا.

قالوا : (ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ. وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ).

قال : فما منكم رجل رشيد؟

قال : فأبوا.

فقال : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ).] (١).

قال : وجبرئيل ينظر إليهم ، فقال : لو يعلم أيّ قوّة له. ثمّ دعاه ، فأتاه. ففتحوا الباب ودخلوا. فأشار إليهم جبرئيل بيده ، فرجعوا عميانا يلتمسون الجدار بأيديهم ، يعاهدون الله : لئن أصبحنا لا نستبقي أحدا من آل لوط.

قال : فلمّا قال جبرئيل : (إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ).

قال له لوط : يا جبرئيل ، عجّل.

قال : نعم.

قال : يا جبرئيل ، [عجّل.

قال :] (٢) (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ).

__________________

(١) من المصدر. وفي النسخ : «الآيات» بدل ما بين المعقوفتين.

(٢) من المصدر.

٢٠٧

ثمّ قال جبرئيل : يا لوط ، اخرج منها أنت وولدك حتّى تبلغ موضع كذا.

قال : يا جبرئيل ، إنّ حمري ضعاف.

قال : ارتحل ، فاخرج منها.

قال : فارتحل. حتّى إذا كان السّحر ، نزل إليها [جبرئيل] (١) فأدخل جناحه تحتها حتّى إذا استعلت ، قلبها عليهم ورمى جدران المدينة بحجارة من سجيل. وسمعت امرأة لوط الهزّة (٢) ، فهلكت منها.

(مَنْضُودٍ) (٨٢) : نضد معدّا لعذابهم. أو نضد في الإرسال بتتابع بعضه بعضا ، كقطار الأمطار. أو نضد بعضه على بعض ، وألصق به.

(مُسَوَّمَةً) : معلّمة للعذاب.

وقيل (٣) : معلّمة ببياض وحمرة. أو بسيماء تتميّز به عن حجارة الأرض. أو باسم من يرمي بها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) ، أي : منقوطة.

وفي عيون الأخبار (٥) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من خبر الشّاميّ وما سأل عنه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في جامع الكوفة حديث طويل. وفيه : ثمّ قام إليه آخر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن يوم الأربعاء وتطيّرنا منه وثقله ، وأيّ أربعاء هو؟

قال : آخر أربعاء في الشّهر. ، وهو المحاق ، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه.

إلى أن قال ـ عليه السّلام ـ : ويوم الأربعاء جعل الله ـ عزّ وجلّ ـ قرية (٦) قوم لوط عاليها سافلها. ويوم الأربعاء أمطرت عليهم حجارة من سجيل.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : حدّثني أبي ، عن سليمان الدّيلمي ، عن أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً).

قال : ما من عبد يخرج من الدّنيا يستحلّ عمل قوم لوط إلّا رمى الله كبده من تلك الحجارة ، تكون منيّته فيها ولكن الخلق لا يرونه.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر : الهدّة.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٧.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٣٦.

(٥) العيون ١ / ٢٤٧ ، مقاطع من الحديث.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : قوم.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٣٣٦ ـ ٣٣٧.

٢٠٨

(عِنْدَ رَبِّكَ) : في خزائنه.

(وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (٨٣) : فإنّهم بظلمهم حقيق بأن تمطر عليهم.

وفيه وعيد لكلّ ظالم.

وقيل (١) : الضّمير للقرى ، أي : هي قريبة من ظالمي مكّة يمرّون بها في أسفارهم إلى الشّام. وتذكير «البعيد» على تأويل الحجر ، أو المكان.

وفي الكافي (٢) : عليّ بن أبي (٣) إبراهيم ، عن أبيه ، عن عثمان بن سعيد ، عن محمّد بن سليمان ، عن ميمون البان قال : كنت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فقرئ عنده آيات من هود (٤). فلمّا بلغ (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ).

قال : من مات مصرّا على اللّواط ، لم يمت حتّى يرميه الله بحجر من تلك الأحجار فيكون منيّته (٥) ولا يراه أحد.

وفيه (٦) : عنه ـ عليه السّلام ـ ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لمّا عمل قوم لوط ما عملوا ، بكت الأرض إلى ربّها حتّى بلغ دموعها [إلى السّماء. وبكت السّماء حتّى بلغ دموعها] (٧) العرش. فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى السّماء أن أحصهم ، وأوحى إلى الأرض أن اخسفي بهم.

عدّة من أصحابنا (٨) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن سعيد قال : أخبرني زكرياء بن محمّد ، عن أبيه ، عن عمرو ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : كان قوم لوط من أفضل قوم خلقهم الله ، فطلبهم إبليس الطّلب الشّديد. وكان من فضلهم وخيرتهم أنّهم إذا خرجوا إلى العمل ، خرجوا بأجمعهم وتبقى النّساء خلفهم. فلم يزل إبليس يعتادهم ، فكانوا إذا رجعوا خرّب إبليس ما كانوا (٩) يعملون.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٧٧.

(٢) الكافي ٥ / ٥٤٨ ، ح ٩.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : هذه.

(٥) المصدر : تلك الحجارة ، تكون فيه منيّته.

(٦) بل في تفسير العياشي ٢ / ١٥٩ ، ح ٦٠ : عن السّكوني ، عن أبي جعفر ، عن أبيه قال : قال النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ورواه عنه نور الثقلين ٢ / ٣٨٩ ، ح ١٨٤. والبرهان ٢ / ٢٣١ ، ح ٣١.

(٧) من المصدر.

(٨) الكافي ٥ / ٥٤٤ ـ ٥٤٦ ، ح ٥.

٢٠٩

فقال بعضهم لبعض : تعالوا نرصد هذا الّذي يخرّب متاعنا.

فرصدوه ، فإذا هو غلام أحسن ما يكون من الغلمان.

فقالوا له : أنت الّذي تخرّب متاعنا مرّة بعد مرّة.

فاجتمع رأيهم على أن يقتلوه ، فبيّتوه عند رجل. فلمّا كان اللّيل ، صاح.

فقال له : ما لك؟

فقال : كان أبي ينوّمني على بطنه.

فقال له : تعال ، فنم على بطني.

قال : فلم يزل يدلّك الرّجل حتّى علّمه أن يفعل بنفسه. فأوّلا علّمه إبليس ، والثّانية علّمه هو. ثمّ انسلّ ، ففرّ منهم وأصبحوا. فجعل الرّجل يخبر بما فعل بالغلام ويعجبهم منه ، وهم لا يعرفونه. فوضعوا أيديهم فيه ، حتّى اكتفى الرّجال بالرّجال بعضهم ببعض. ثمّ جعلوا يرصدون مارّة الطّريق ، فيفعلون بهم حتّى تنكّب مدينتهم النّاس. ثمّ تركوا نساءهم وأقبلوا على الغلمان. فلمّا رأى أنّه قد أحكم أمره في الرّجال ، جاء إلى النّساء فصيّر نفسه امرأة.

فقال : إنّ رجالكنّ يفعل بعضهم ببعض.

قلن : نعم ، قد رأينا ذلك.

وكلّ ذلك يعظهم لوط ويوصيهم (١) ، وإبليس يغويهم حتّى استغنى النّساء بالنّساء. فلمّا كملت عليهم الحجّة ، بعث الله جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في زيّ غلمان ، عليهم أقبية ، فمرّوا بلوط وهو يحرث.

قال : أين تريدون ، ما رأيت أجمل منكم قطّ؟

قالوا : إنّا أرسلنا سيّدنا إلى ربّ هذه المدينة.

قال : أو لم يبلغ سيّدكم ما يفعل أهل هذه المدينة؟ قال (٢) يا بنيّ ، إنّهم والله يأخذون الرّجال فيفعلون بهم حتّى يخرج الدّم.

فقالوا : أمرنا سيّدنا أن نمرّ في وسطها.

قال : فلي إليكم حاجة.

__________________

(٩) ليس في المصدر.

(١) أ ، ب : ويرهبهم.

(٢) ليس في المصدر.

٢١٠

قالوا : وما هي؟

قال : تصبرون ها هنا إلى اختلاط الظّلام.

قال : فجلسوا.

قال : فبعث ابنته ، فقال : جيئي لهم بخبز ، جيئي لهم بماء في القرعة (١) ، وجيئي لهم عباء يتغطّون بها من البرد.

فلمّا أن ذهبت الابنة ، أقبل المطر والوادي.

فقال لوط : السّاعة يذهب بالصّبيان الوادي ، قالوا (٢) قوموا حتّى نمضي.

وجعل لوط يمشي في أصل الحائط ، وجعل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل يمشون وسط الطّريق.

فقال : يا بنيّ ، امشوا ها هنا.

فقالوا : أمرنا سيّدنا أن نمرّ في وسطها.

وكان لوط يستغنم الظّلام. ومرّ إبليس ، فأخذ من حجر امرأة صبيّا ، فطرحه في البئر ، فتصايح أهل المدينة كلّهم على باب لوط.

فلمّا أن نظروا إلى الغلمان في منزل لوط ، قالوا : يا لوط ، قد دخلت في عملنا؟

فقال : هؤلاء ضيفي ، فلا تفضحون في ضيفي.

قالوا هم ثلاثة ، خذ واحدا وأعطنا اثنين.

قال : فأدخلهم الحجرة ، وقال لوط (٣) : لو أنّ لي أهل بيت يمنعوني منكم.

[قال :] (٤) وتدافعوا على الباب وكسروا باب لوط ، وطرحوا لوطا.

فقال له جبرئيل : (إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ). فأخذ كفّا من بطحاء (٥) ، فضرب بها وجوههم وقال : شاهت الوجوه. فعمي أهل المدينة كلّهم.

وقال لهم لوط : يا رسل ربّي ، فما أمركم ربّي فيهم؟

قالوا : أمرنا أن نأخذهم بالسّحر.

قال : فلي إليكم حاجة.

__________________

(١) القرعة ـ واحدة القرع ـ : وهو حمل اليقطين يجعل وعاء.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) من المصدر.

(٥) البطحاء : مسيل واسع فيه دقاق الحصى.

٢١١

قالوا : وما حاجتك؟

قال : تأخذونهم السّاعة ، فإنّي أخاف أن يبدو لربّي فيهم.

[فقالوا : يا لوط] (١) فقال (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) لمن يريد أن يأخذ (٢). فخذ أنت بناتك وامض ودع امرأتك.

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : رحم الله لوطا ، لو يدري من معه في الحجرة لعلم أنّه منصور حيث يقول : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ). أيّ ركن أشد من جبرئيل معه في الحجرة. فقال الله ـ عزّ وجلّ ـ لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) من ظالمي أمّتك إن عملوا ما عمل قوم لوط.

قال : وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من ألحّ في وطء الرّجال ، لم يمت حتّى يدعو الرّجال إلى نفسه.

عليّ بن إبراهيم (٣) ، [عن أبيه] (٤) عن ابن فضّال ، عن داود بن فرقد ، عن أبي يزيد الحمّار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ بعث أربعة أملاك في إهلاك قوم لوط : جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وكروبيل. فمرّوا بإبراهيم ـ عليه السّلام ـ وهم معتمّون. فسلّموا عليه ، فلم يعرفهم ورأى هيئة حسنة. فقال لا يخدم هؤلاء أحد (٥) إلّا أنا بنفسي. وكان صاحب ضيافة. فشوى لهم عجلا سمينا حتّى أنضجه ، ثمّ قرّبه إليهم. فلما وضعه بين أيديهم (رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً). فلمّا رأى ذلك جبرئيل ، حسر العمامة عن وجهه فعرفه إبراهيم.

فقال : أنت هو؟

قال : نعم.

ومرّت سارة ، امرأته ، فبشّرها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. فقالت ما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ. وأجابوها بما في الكتاب العزيز.

فقال لهم إبراهيم : لما ذا جئتم؟

قالوا : في إهلاك قوم لوط.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم نريد أن نأخذ.

(٣) الكافي ٥ / ٥٤٦ ـ ٥٤٨ ، ح ٦.

(٤) من المصدر.

(٥) ليس في المصدر.

٢١٢

فقال لهم : إن كان فيها مائة من المؤمنين أتهلكونهم؟

فقال جبرئيل : لا.

قال : فإن كان فيها خمسون؟

قال : لا.

قال : فإن كان فيها ثلاثون؟

قال : لا.

[قال : فإن كان فيها عشرون؟

قال : لا] (١).

قال : فإن كان فيها عشرة؟

قال : لا.

قال : فإن كان فيها خمسة؟

قال : لا.

قال : فإن كان فيها واحد؟

قال : لا.

(قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً ، قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها ، لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) (٢).

قال الرّاوي (٣) : لا أعلم هذا القول إلّا وهو يستبقيهم ، وهو قول الله : (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ).

فأتوا لوطا ، وهو في زراعة قرب القرية ، فسلّموا عليه وهم معتمّون.

فلمّا رأى هيئة حسنة عليهم ثياب بيض وعمائم بيض ، فقال لهم : المنزل.

فقالوا : نعم.

فتقدّمهم ومشوا خلفه. فتندّم على عرضه المنزل عليهم ، فقال : أيّ شيء صنعت ، آتي بهم قومي وأنا أعرفهم؟

فالتفت إليهم ، فقال : إنّكم لتأتون شرارا من خلق الله.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) العنكبوت / ٣٢.

(٣) المصدر : الحسن بن علي. وفي هامشه : يعني : ابن فضال الراوي للخبر.

٢١٣

قال : [فقال] (١) جبرئيل : لا تعجّل عليهم حتّى يشهد عليهم ثلاث مرّات.

فقال جبرئيل : هذه واحدة.

ثمّ مشى ساعة ، ثمّ التفت إليهم فقال : إنّكم لتأتون شرارا من خلق الله.

قال جبرئيل : هذه ثنتان.

ثمّ مشى. فلمّا بلغ باب المدينة ، التفت إليهم فقال : إنّكم لتأتون شرارا من خلق الله.

قال جبرئيل : هذه الثّالثة.

ثمّ دخل ودخلوا معه ، حتّى دخل منزله. فلمّا رأتهم امرأته ، رأت هيئة حسنة.

فصعدت فوق السّطح ، فصفقت ، فلم يسمعوا. فدخّنت فلمّا رأوا الدّخان ، أقبلوا [إلى الباب] (٢) يهرعون حتّى جاءوا إلى الباب. فنزلت إليهم ، فقالت : عنده قوم ما رأيت قوما قطّ أحسن منهم هيئة. فجاءوا إلى الباب ، ليدخلوا. فلمّا رآهم لوط ، قام إليهم.

فقال لهم : يا قوم (فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ).

وقال : (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) فدعاهم إلى الحلال.

فقالوا : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ).

فقال لهم : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ).

فقال جبرئيل : لو يعلم أيّ قوّة له.

قال : فكاثروه ، حتّى دخلوا البيت.

فصاح به جبرئيل ، وقال : يا لوط ، دعهم يدخلوا (٣).

فلمّا دخلوا ، أهوى جبرئيل بإصبعه نحوهم ، فذهبت أعينهم. وهو قوله : (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ).

ثمّ ناداه جبرئيل ، فقال له : (إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ).

وقال له جبرئيل : إنّا بعثنا في إهلاكهم.

فقال : يا جبرئيل ، عجّل.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : يدخلون.

٢١٤

فقال : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ).

فأمره بمحمل (١) هو ومن معه إلّا امرأته. ثمّ اقتلعها ، ـ يعني : المدينة ـ جبرئيل بجناحه (٢) من سبعة أرضين. ثمّ رفعها ، حتّى سمع أهل السّماء الدّنيا نباح الكلاب وصراخ الدّيوك. ثمّ قلبها ، وأمطر عليها وعلى من حول المدينة حجارة من سجّيل.

محمّد بن يحيى (٣) ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى (٤) ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من أمكن من نفسه ، طائعا يلعب به ، ألقى الله عليه شهوة النّساء.

عليّ بن إبراهيم (٥) ، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد ، عن عبيد الله (٦) الدّهقان ، عن درست بن أبي منصور ، عن عطيّة ، أخي أبي العرام قال : ذكرت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ المنكوح من الرّجال.

فقال : ليس يبلى الله بهذا البلاء أحدا وله فيه حاجة. إنّ في أدبارهم أرحاما منكوسة ، وحياء أدبارهم ، كحياء المرأة. قد شرك فيهم ابن لإبليس يقال له : زوال. فمن شرك فيه من الرّجال ، كان منكوحا. ومن شارك (٧) من النّساء ، كانت من الموارد.

والعامل (٨) على هذا من الرّجال إذا بلغ أربعين سنة ، لم يتركه. وهم بقيّة سدوم. أما إنّي لست أعني بهم : بقيّتهم أنّه ولدهم ولكنّهم (٩) من طينتهم.

قال : قلت : سدوم الّتي قلبت؟

قال : هي أربع مدائن : سدوم وصريم ولدماء وعميراء.

قال أتاهن (١٠) جبرئيل ـ عليه السّلام ـ وهنّ مقلوبات (١١) إلى تخوم الأرض السّابعة ،

__________________

(١) المصدر : فيحمل.

(٢) المصدر : بجناحيه.

(٣) الكافي ٥ / ٥٤٩ ، ح ١.

(٤) المصدر : عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن يحيى.

(٥) الكافي ٥ / ٥٤٩ ، ح ٢.

(٦) المصدر : عبد الله.

(٧) المصدر : شرك فيه.

(٨) كذا في المصدر وب. وفي سائر النسخ : المعامل.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : أنّهم ولدوهم ولكن.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : ولدنا عميرا أتاهنّ.

(١١) أ ، ب ، ر : مغلوبات. والمصدر : مقلوعات.

٢١٥

فوضع جناحه تحت السّفلى منهنّ ورفعهنّ جميعا حتّى سمع أهل السّماء الدّنيا نباح كلابهم ، ثمّ قلبها.

محمّد (١) ، عن أحمد بن محمّد عن (٢) عليّ بن الحكم ، عن عبد الرّحمن العزرميّ (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين : إنّ لله عبادا لهم في أصلابهم أرحام ، كأرحام النّساء.

قال : فسئل : فما بالهم لا يحملون؟

فقال : إنّها منكوسة. ولهم في أدبارهم غدّة ، كغدّة [الجمل أو] (٤) البعير. فإذا هاجت ، هاجوا. وإذا سكنت ، سكنوا.

عدّة من أصحابنا (٥) ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ومحمّد بن يحيى ، عن موسى بن (٦) الحسن ، عن عمر بن عليّ بن عمر بن يزيد [عن محمّد بن عمر ، عن أخيه ، الحسين ، عن أبيه عمر بن يزيد] (٧) قال : كنت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وعنده رجل.

فقال له : جعلت فداك ، إنّي أحبّ الصّبيان.

فقال له أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : فتصنع ما ذا؟

قال : أحملهم على ظهري.

فوضع أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ يده على جبهته وولّى وجهه عنه. فبكى الرّجل ، فنظر إليه أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ كأنّه رحمه.

فقال : إذا أتيت بلدك ، فاشتر جزورا سمينا ، واعقله عقالا شديدا. وخذ السّيف ، واضرب السّنام ضربة تقشر عنه الجلد ، واجلس عليه بحرارته.

قال عمر : قال الرّجل : فأتيت بلدي واشتريت جزورا ، فعقلته عقالا شديدا.

وأخذت السّيف ، فضربت السّنام ضربة وقشرت عنه الجلد ، وجلست عليه بحرارته.

فسقط منّي على ظهر البعير شبه الوزغ ، أصغر من الوزغ وسكن ما بي.

__________________

(١) الكافي ٥ / ٥٤٩ ، ح ٣.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : بن.

(٣) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ١ / ٤٥٣. وفي النسخ : العرزمي.

(٤) من المصدر.

(٥) الكافي ٥ / ٥٠٥ ، ح ٦.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : عن.

(٧) من المصدر.

٢١٦

محمّد بن يحيى (١) ، عن موسى بن الحسن ، عن الهيثم النهديّ (٢) رفعه قال : شكا رجل إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ الابنة. فمسح أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ على ظهره ، فسقطت منه دودة حمراء ، فبرئ.

الحسين بن محمّد (٣) ، عن محمّد بن عمران ، عن عبد الله بن جبلة (٤) ، عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : هؤلاء المخنّثون مبتلون بهذا البلاء ، فيكون المؤمن مبتلى ، والنّاس يزعمون أنّه لا يبتلي به أحد لله فيه حاجة.

فقال : نعم ، قد يكون مبتلى به ، فلا تكلّموهم فإنّهم يجدون لكلامكم راحة.

قلت : جعلت فداك ، فإنّهم ليسوا يصبرون.

قال : هم يصبرون ، ولكن يطلبون بذلك اللّذّة.

وفي كتاب علل الشّرائع (٥) : حدّثنا محمّد بن موسى بن متوكّل (٦) ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريّ ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يتعوّذ من البخل.

فقال : نعم ، يا [أبا] (٧) محمّد ، في كلّ صباح ومساء. ونحن نتعوّذ بالله من البخل لقول الله : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٨). وسأخبرك عن عاقبة البخل ، أنّ قوم لوط كانوا أهل قرية أشحّاء على الطّعام ، فأعقبهم البخل داء لا دواء له (٩) في فروجهم.

فقلت : وما أعقبهم؟

فقال : إنّ قرية قوم لوط كانت على طريق السّيّارة إلى الشّام ومصر ، فكانت السّيّارة تنزل بهم فيضيفونهم. فلمّا كثر ذلك عليهم ، ضاقوا بذلك ذرعا بخلا ولؤما.

__________________

(١) الكافي ٥ / ٥٠٥ ، ح ٧.

(٢) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ٢ / ٣١٨. وفي النسخ : «بن الهندي» بدل «النهديّ».

(٣) الكافي ٥ / ٥٥١ ، ح ١٠.

(٤) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ١ / ٤٧٦. وفي النسخ : أبي عبد الله بن جبلة.

(٥) العلل / ٥٤٨ ـ ٥٥٠ ، ح ٤.

(٦) المصدر : موسى بن عمران المتوكّل ـ رحمه الله ـ.

(٧) من المصدر.

(٨) الحشر / ٩ ، والتغابن / ١٦.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : «والأدالة»

٢١٧

فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضّيف ، فضحوه من غير شهوة بهم إلى ذلك [وإنّما كانوا يفعلون ذلك] (١) بالضّيف ، حتّى ينكل النّاس عنهم. فشاع أمرهم في القرية ، وحذرهم النّازلة. فأورثهم البخل بلاء لا يستطيعون دفعه عن أنفسهم من غير شهوة بهم إلى ذلك ، حتّى صاروا يطلبونه من الرّجال في البلاد ويعطونهم عليه الجعل. ثمّ ما من داء أدأى من البخل ، ولا أضرّ عاقبة ، ولا أفحش عند الله ـ عزّ وجلّ ـ.

قال أبو بصير : فقلت له : جعلت فداك ، فهل كان أهل قرية لوط كلّهم هكذا يعملون؟

فقال : نعم ، إلّا أهل بيت منهم من المسلمين. أما تسمع لقوله ـ تعالى ـ : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ).

ثمّ قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : إنّ لوطا لبث في قومه ثلاثين سنة يدعوهم إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ ويحذّرهم عذابه. وكانوا قوما لا يتنظّفون من الغائط ، ولا يتطهّرون من الجنابة. وكان لوط ابن خالة إبراهيم ، وكانت امرأة إبراهيم سارة أخت لوط. وكان لوط وإبراهيم نبيّين مرسلين منذرين. وكان لوط رجلا سخيّا كريما ، يقري الضّيف إذا نزل به ويحذّرهم قومه.

قال : فلمّا رأى قوم لوط ذلك منه ، قالوا له : إنّا ننهاك عن العالمين ، لا تقر ضيفا ينزل بك ، إن فعلت فضحنا ضيفك الّذي ينزل بك وأخزيناك. فكان لوط إذا نزل به الضّيف ، يكتم أمره مخافة أن يفضحه قومه. وذلك ، أنّه لم يكن للوط عشيرة.

قال : ولم يزل لوط وإبراهيم يتوقّعان نزول العذاب على قومهم (٢). فكانت لإبراهيم وللوط منزلة من الله ـ عزّ وجلّ ـ شريفة. وأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ كان إذا أراد عذاب قوم لوط ، أدركته مودّة إبراهيم وخلّته ومحبّة لوط ، فيراقبهم فيؤخّر عذابهم.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : فلمّا اشتدّ أسف الله (٣) على قوم لوط وقدّر عذابهم ، وقضى أن يعوّض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم فيسلّي به مصابه بهلاك قوم لوط ، فبعث الله رسلا إلى إبراهيم يبشّرونه بإسماعيل. فدخلوا عليه ليلا ، ففزع منهم وخاف أن

__________________

بدل «داء لا دواء له».

(١) من المصدر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : قوم لوط.

(٣) كذا في المصدر. وفي أ : أشد لله ، وفي سائر النسخ : «اشتدّ لله» بدل «اسف الله».

٢١٨

يكونوا سرّاقا. فلمّا رأته (١) الرّسل فزعا مذعورا (فَقالُوا سَلاماً قالَ) سلام (إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ ، قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا) رسل ربك (نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ).

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : والغلام العليم ، هو إسماعيل بن هاجر. فقال إبراهيم للرّسل : (أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ، قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ). فقال إبراهيم ـ عليه السّلام ـ : (فَما خَطْبُكُمْ) بعد البشارة (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ). قوم لوط أنّهم كانوا قوما فاسقين ، لننذرهم عذاب ربّ العالمين.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : فقال إبراهيم للرّسل : (إِنَّ فِيها لُوطاً ، قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها ، لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ) أجمعين (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (٢).

قال : (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ ، قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ. قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ) قومك من عذاب الله (يَمْتَرُونَ ، وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) لتنذر قومك العذاب (وَإِنَّا لَصادِقُونَ ، فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) يا لوط إذا مضى لك من يومك هذا سبعة أيّام ولياليها (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) إذا مضى نصف اللّيل (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) إلّا امرأتك إنّه مصيبها ما أصابهم (وَامْضُوا) في تلك اللّيلة (حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) [قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : فقضوا ذلك الأمر إلى لوط ان دابر هؤلاء مقطوع مصبحين] (٣).

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : فلمّا كان اليوم الثّامن مع طلوع الفجر ، قدّم الله ـ عزّ وجلّ ـ رسلا إلى إبراهيم يبشّرونه بإسحاق ويعزّونه بهلاك قوم لوط. وذلك قوله : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا) (الآيات) (٤).

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : فلمّا جاءت إبراهيم البشارة بإسحاق وذهب عنه الرّوع ، أقبل (٥) يناجي ربّه في قوم لوط ويسأله كفّ (٦) البلاء عنهم.

فقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ، إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ، وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ) [عذابي] (٧) بعد طلوع الفجر من ربّك «عذاب» (٨) محتوم (غَيْرُ مَرْدُودٍ).

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : رأيه.

(٢) الحجر / ٦٠.

(٣) من المصدر.

(٤) ذكر في المصدر نص الآيات إلى «رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد» بدل «الآيات».

(٥) كذا في المصدر. وفي ب : «قيل». وفي سائر النسخ : «قبل».

(٦) المصدر : كشف.

(٧) من المصدر.

٢١٩

وبهذا الإسناد (١) : عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ سأل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ : كيف كان مهلك (٢) قوم لوط؟

فقال : إنّ قوم لوط كانوا أهل قرية لا يتنظّفون من الغائط ولا يتطهّرون من الجنابة ، بخلاء أشحاء على الطّعام. وأنّ لوطا لبث فيهم ثلاثين سنة. وإنّما كان نازلا عليهم ، ولم يكن منهم ولا عشيرة له فيهم (٣) ولا قوم. وأنّه دعاهم إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ وإلى الإيمان به واتّباعه ، ونهاهم عن الفواحش ، وحثّهم على طاعة الله ، فلم يجيبوه ولم يطيعوه. وأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لمّا أراد عذابهم ، بعث إليهم رسلا منذرين عذرا ونذرا. فلمّا عتوا عن أمره ، بعث إليهم ملائكة ليخرجوا من كان في قريتهم من المؤمنين ، فما وجدوا فيها غير بيت من المسلمين. فأخرجوهم (٤) منها ، وقالوا : يا لوط (فَأَسْرِ) (٥) (بِأَهْلِكَ) من هذه القرية اللّيلة (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) و (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ).

فلمّا انتصف اللّيل ، سار لوط ببناته. وتولّت امرأته مدبرة ، فانقطعت إلى قومها تسعى بلوط وتخبرهم ، أنّ لوطا قد سار ببناته. وأنّي نوديت من تلقاء العرش لمّا طلع الفجر : يا جبرئيل ، حقّ القول من الله تحتّم (٦) عذاب قوم لوط. [فأهبط إلى قرية قوم لوط] (٧) وما حوت ، فاقلعها من تحت سبع أرضين ثمّ اعرج بها إلى السّماء ، فأوقفها (٨) حتّى يأتيك أمر الجبّار في قلبها ، ودع منها آية بيّنة من منزل لوط عبرة للسّيارة.

فهبطت على أهل القرية الظّالمين ، فضربت بجناحي الأيمن على ما حوى عليه شرقها (٩) ، وضربت بجناحي الأيسر على ما حوى عليه غربها (١٠). فاقتلعتها ، يا محمّد ، من تحت سبع أرضين إلّا منزل لوط آية للسّيارة. ثمّ عرجت بها في خوافي جناحي ، حتّى أوقفتها (١١) حيث يسمع أهل السّماء زقاء ديوكها ونباح كلابها.

__________________

(٨) المصدر : «الشمس من يوم» بدل «الفجر من ربّك عذاب».

(١) العلل / ٥٥٠ ـ ٥٥١ ، ح ٥.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : يهلك.

(٣) ليس في المصدر ، أ ، ب.

(٤) المصدر : فأخرجهم.

(٥) المصدر : «للوط أسر» بدل «يا لوط فأسر».

(٦) المصدر : بحتم.

(٧) من المصدر.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : فأرفعها.

(٩) المصدر : شرقيها.

(١٠) المصدر : غربيها.

٢٢٠