تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

الضّمير المتّصل. وجاز من غير أن يؤكّد ، للفصل.

وقيل (١) : إنّه معطوف على «أمركم» بحذف المضاف ، أي : وأمر شركائكم.

وقيل (٢) : إنّه منصوب بفعل محذوف ، تقديره : وادعوا شركاءكم. وقد قرئ به.

وعن نافع (٣) : «فاجمعوا» من الجمع. والمعنى : أمرهم بالعزم أو الاجتماع على قصده والسّعي في إهلاكه على أيّ وجه يمكنهم ، ثقة بالله وقلّة مبالاة بهم.

(ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ) : في قصدي.

(عَلَيْكُمْ غُمَّةً) : مستورا ، واجعلوه ظاهرا مكشوفا. من غمّه : إذا ستره.

أو ثمّ لا يكن عليكم حالكم غمّا إذا أهلكتموني وتخلّصتم من ثقل مقامي وتذكيري.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) ـ رحمه الله ـ : لا تغتمّوا.

(ثُمَّ اقْضُوا) : أدّوا.

(إِلَيَ) : ذلك الأمر الّذي تريدون لي.

وقرئ (٥) : «ثمّ افضوا» بالفاء ، أي : انتهوا إليّ بشرّكم ، أو ابرزوا إليّ. من أفضى : إذا خرج إلى الفضاء.

(وَلا تُنْظِرُونِ) (٧١) : ولا تمهلوني.

(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) : أعرضتم عن تذكيري.

(فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) : يوجب تولّيكم لثقله عليكم واتّهامكم إيّاي لأجله ، أو يفوتني لتولّيكم.

(إِنْ أَجْرِيَ) : ما ثوابي على الدّعوة والتّذكير.

(إِلَّا عَلَى اللهِ) : لا تعلّق له بكم يثيبني به ، آمنتم أو تولّيتم.

(وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٧٢) : المنقادين لحكمه ، لا أخالف أمره ولا أرجو غيره.

(فَكَذَّبُوهُ) : فأصرّوا على تكذيبه بعد ما ألزمهم الحجّة وبيّن أنّ تولّيهم ليس إلّا

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٤.

(٢) نفس المصدر والموضع. والمجمع ٣ / ١٢٣.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٤.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣١٤.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٤.

٨١

لعنادهم وتمردّهم ، لا جرم حقّت عليهم كلمة العذاب.

(فَنَجَّيْناهُ) : من الغرق.

(وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ).

قيل (١) : وكانوا ثمانين.

(وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ) : من الهالكين به.

(وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) : بالطّوفان.

(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) (٧٣) : تعظيم لما جرى عليهم ، وتحذير لمن كذّب الرّسول ، وتسلية له.

(ثُمَّ بَعَثْنا) : أرسلنا.

(مِنْ بَعْدِهِ) : من بعد نوح.

(رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ) : كلّ رسول إلى قومه.

(فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) : بالمعجزات الواضحة ، المثبتة لدعواهم.

(فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) : فما استقام لهم أن يؤمنوا ، لشدّة شكيمتهم في الكفر وخذلان الله إيّاهم.

(بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ).

قيل (٢) : أي : بسبب تعوّدهم تكذيب الحقّ وتمرّنهم عليه قبل بعثة الرّسل.

وفي الأخبار (٣) : أنّ المراد : في الذّرّ.

وفي أصول الكافي (٤) : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين عن (٥) محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن عقبة (٦) ، عن عبد الله بن محمّد الجعفيّ وعقبة جميعا ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ خلق الخلق. فخلق من أحبّ ممّا أحبّ ، وكان ما أحبّ أن خلقه من طينة الجنّة. وخلق من أبغض ممّا أبغض ، أن خلقه من طينة النّار. ثمّ بعثهم في الظّلال.

فقلت : وأي شيء الظّلال؟

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٤.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٤.

(٣) تفسير الصافي ٢ / ٤١٢ ، والبرهان ٢ / ١٩٢.

(٤) الكافي ٢ / ١٠ ، ح ٣.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : بن.

(٦) ليس في المصدر : عن عبد الله بن عقبة.

٨٢

فقال : ألم تر إلى ظلّك في الشّمس شيئا ، وليس بشيء؟ ثمّ بعث منهم النّبيّين ، فدعوهم إلى الإقرار بالله ـ عزّ وجلّ ـ. وهو قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ).

ثمّ دعوهم إلى الإقرار بالنّبيّين ، فأقرّ بعضهم [وأنكر بعض] (١). ثمّ دعوهم إلى ولايتنا فأقرّ بها ، والله ، من أحبّ وأنكرها من أبغض. وهو قوله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ).

ثمّ قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : كان التّكذيب ثمّة (٢).

وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن زرارة وحمران ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ قالا : إنّ الله خلق [الخلق] (٤) ، وهم (٥) أظلّة. فأرسل رسوله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ فمنهم من آمن به ومنهم من كذّبه.

عن أبي بصير (٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (ثُمَّ بَعَثْنا ـ إلى قوله ـ مِنْ قَبْلُ).

قال : بعث الله الرّسل إلى الخلق وهم كذبوا به من قبل في أصلاب الرّجال وأرحام النّساء. فمن صدّق حينئذ ، صدّق بعد ذلك. ومن كذّب حينئذ ، كذّب بعد ذلك.

[(كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) (٧٤) : بخذلانهم ، لانهماكهم في الضّلال واتّباع المألوف. وفي أمثال ذلك دليل على أنّ الأفعال واقعة بقدرة الله ـ تعالى ـ وكسب العبد. وقد مرّ تحقيق ذلك] (٧).

(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) : من بعد هؤلاء الرّسل.

(مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا) : بالآيات التّسع.

(فَاسْتَكْبَرُوا) : عن اتّباعهما.

(وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) (٧٥) : معتادين الإجرام. فلذلك تهاونوا برسالة ربّهم ،

__________________

(١) من المصدر.

(٢) ثمّة : هناك.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٢٦ ، ح ٣٥.

(٤) من المصدر.

(٥) المصدر : وهي.

(٦) نفس المصدر والموضع ، ح ٣٦.

(٧) الآية وجدت مكتوبة بالقلم الرّصاص من دون شرح وأخذنا الشرح من أنوار التنزيل كما عليه المؤلّف.

٨٣

واجترءوا على ردّها.

(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) : وعرفوه بتظاهر المعجزات القاهرة المزيلة للشّكّ.

(قالُوا) : من فرط تمرّدهم.

(إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) (٧٦) : ظاهر أنّه سحر. أو فائق في فنّه ، واضح فيما بين إخوانه.

(قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ) : إنّه لسحر. فحذف محكي القول ، لدلالة ما قبله عليه. ولا يجوز أن يكون (أَسِحْرٌ هذا) لأنّهم بتّوا القول ، بل هو استئناف بإنكار ما قالوه. اللهمّ إلّا أن يكون الاستفهام فيه للتّقرير ، والمحكي مفهوم قولهم.

ويجوز أن يكون معنى (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِ) : أتعيبونه. من قولهم : فلان يخاف القالة ، كقوله : (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) فيستغني عن المفعول.

(وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) (٧٧) : من تمام كلام موسى. للدّلالة على أنّه ليس بسحر ، فإنّه لو كان سحرا لاضمحلّ ولم يبطل سحر السّحرة ، ولأنّ العالم بأنّه لا يفلح السّاحر لا يسحر.

أو من تمام قولهم ، إن جعل (أَسِحْرٌ هذا) محكيا ، كأنّهم قالوا : أجئتنا بالسّحر تطلب به الفلاح (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ).

(قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا) : لتصرفنا عن الحقّ.

و «اللّفت» و «الفتل» إخوان.

(عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) : من عبادة الأصنام.

(وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ) : الملك فيها. سمّي بها لاتّصاف الملوك بالكبرياء ، أو التّكبّر على النّاس باستتباعهم.

(وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) (٧٨) : بمصدّقين فيما جئتما به.

(وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ) وقرأ (١) حمزة والكسائيّ : «بكلّ سحّار».

(عَلِيمٍ) (٧٩) : حاذق فيه.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٥.

٨٤

(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) (٨٠) (فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) ، أي : الّذي جئتم به هو السّحر ، لا ما سمّاه فرعون وقومه سحرا.

وقرأ (١) أبو عمرو : «السّحر» على أنّ «ما» استفهاميّة مرفوعة بالابتداء ، «وجئتم به» خبرها ، و «السّحر» بدل منه. أو خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : أهو السّحر. أو مبتدأ خبره محذوف ، أي : آلسّحر هو.

ويجوز أن ينتصب «ما» بفعل يفسّره ما بعده ، تقديره : أيّ شيء أتيتم.

(إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (٨١) : لا يثبته ولا يقوّيه.

قيل (٢) : وفيه دليل على أنّ السّحر إفساد وتمويه لا حقيقة له.

(وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَ) : ويثبته.

(بِكَلِماتِهِ) : بأوامره وقضاياه.

وقرئ : «بكلمته».

(وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (٨٢) : ذلك.

(فَما آمَنَ لِمُوسى) : في مبدأ أمره.

(إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) : إلّا أولاد من أولاد قومه ، بني إسرائيل ، دعاهم فلم يجيبوه خوفا من فرعون ، إلّا طائفة من شبّانهم.

وقيل (٣) : الضّمير لفرعون ، و «الذّرّيّة» طائفة من شبّانهم آمنوا به. أو مؤمن آل فرعون وامرأته ، آسية ، وخازنة ، وزوجته ، وماشطته (٤) ومشّاطته.

(عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) : أي : مع خوف منهم.

والضّمير لفرعون ، وجمعه على ما هو المعتاد في ضمير العظماء. أو على أنّ المراد بفرعون : آله ، كما يقال : ربيعة ومضر. أو للذّرّيّة. أو للقوم.

(أَنْ يَفْتِنَهُمْ) : أن يعذّبهم فرعون. وهو بدل منه ، أو مفعول «خوف». وإفراده بالضّمير ، للدّلالة على أنّ الخوف من الملأ كان بسببه.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) المجمع ٣ / ١٢٧ بتفاوت يسير. وأنوار التنزيل ١ / ٤٥٥.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : مشاطتة.

٨٥

(وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ) : لغالب فيها.

(وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) (٨٣) : في الكبر والعتوّ ، حتّى ادّعى الرّبوبيّة واسترقّ أسباط الأنبياء.

(وَقالَ مُوسى) : لمّا رأى تخوّف المؤمنين به.

(يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا) : فثقوا به واعتمدوا عليه.

(إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) (٨٤) : مستسلمين لقضاء الله ، مخلصين له.

وليس هذا من تعلّق الحكم بشرطين. فإنّ المعلّق بالإيمان وجوب التّوكّل. فإنّه المقتضي له. والمشروط بالإسلام حصوله ، فإنّه لا يوجد مع التّخليط. ونظيره : إن دعاك زيد فأجبه إن قدرت.

(فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) : لأنّهم كانوا مؤمنين مخلصين ، ولذلك أجيب دعوتهم.

(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً) : موضع فتنة.

(لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٨٥) : أي : لا تسلّطهم علينا ، فيفتنونا عن ديننا أو يعذّبونا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : قوم موسى استعبدهم آل فرعون ، وقالوا : لو كان لهؤلاء على الله كرامة ، كما يقولون ما سلّطنا عليهم. فقال موسى لقومه : (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ).

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم في قوله : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

قال : لا تسلّطهم علينا ، فتفتنهم بنا.

وفي تهذيب الأحكام (٣) ، في دعاء مرويّ عنهم ـ عليهم السّلام ـ : ودعاك المؤمنون فقالوا : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

(وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (٨٦) : من كيدهم وشؤم مشاهدتهم.

وفي تقديم التّوكّل على الدّعاء ، تنبيه على أنّ الدّاعي ينبغي أن يتوكّل أوّلا لتجاب دعوته.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣١٤.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٢٧ ، ح ٣٨.

(٣) نور الثقلين ٢ / ٣١٤ ، ح ١١١ عنه.

٨٦

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا) : أن اتّخذا مباءة ، أي : مرجعا.

(لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) : يسكنون فيها ، أو يرجعون إليها للعبادة.

(وَاجْعَلُوا) : أنتما وقومكما.

(بُيُوتَكُمْ) : تلك البيوت.

(قِبْلَةً) : مصلّى.

وقيل (١) : مساجد متوجّهة نحو القبلة ، يعني : الكعبة. وكان موسى يصلّي إليها.

(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) : فيها. أمروا بذلك أوّل أمرهم ، لئلّا يظهر عليهم الكفرة فيؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : عن الكاظم ـ عليه السّلام ـ : لمّا خافت بنو إسرائيل جبابرتها ، أوحى الله إلى موسى وهارون : (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً).

قال : أمروا أن يصلّوا في بيوتهم.

(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (٨٧) : بالنّصرة في الدّنيا ، والجنّة في العقبى.

وإنّما ثنّى بالضّمير أوّلا ، لأنّ التّبوّء للقوم واتّخاذ المعابد ممّا يتعاطاه رؤوس القوم بتشاور. ثمّ جمع ، لأنّ جعل البيوت مساجد والصّلاة فيها ممّا ينبغي أن يفعله كلّ أحد.

ثمّ وحّد ، لأنّ البشارة في الأصل وظيفة صاحب الشّريعة.

وفي عيون الأخبار (٣) ، في باب ذكر مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ مع المأمون في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل. وفيه قالت العلماء : فأخبرنا ، هل فسّر الله ـ تعالى ـ الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : فسّر الاصطفاء في الظّاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا ، أو موضعا. فأوّل ذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ.

إلى أن قال ـ عليه السّلام ـ : وأمّا الرّابعة ، فإخراجه ـ صلّى الله عليه وآله ـ النّاس من المسجد ما خلا العترة ، حتّى تكلّم النّاس في ذلك.

وتكلّم العبّاس ، فقال : يا رسول الله ، تركت عليّا وأخرجتنا؟

__________________

(١) المجمع ٣ / ١٢٩. وأنوار التنزيل ١ / ٤٥٦.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣١٥. وفيه : عن الكاظم ـ عليه السّلام ـ عن أبي ابراهيم ـ عليه السّلام ـ.

(٣) العيون ١ / ١٨١ ـ ١٨٢.

٨٧

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما تركته وأخرجتكم ، ولكنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ تركه وأخرجكم.

وفي هذا بيان قوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام ـ : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى.

قالت العلماء : وأين هذا من القرآن؟

قال أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : أوجدكم في ذلك قرآنا وأقرأه عليكم؟

قالوا : هات.

قال : قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً). ففي هذه الآية منزله هارون من موسى. وفيها ـ أيضا ـ منزلة عليّ من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [وهذا دليل ظاهر في قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين قال : ألا إنّ هذا المسجد لا يحلّ لجنب إلّا لمحمّد وآله ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (١).

قالت العلماء : يا أبا الحسن ، هذا الشّرح وهذا البيان لا يوجد إلّا عندكم ، معشر أهل بيت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

قال : ومن ينكر لنا ذلك ، ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ يقول : أنا مدينة العلم وعليّ بابها. فمن أراد المدينة ، فليأتها من بابها. ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشّرف والتّقدمة والاصطفاء والطّهارة ما لا ينكره معاند ، ولله ـ تعالى ـ الحمد على ذلك ، فهذه الرّابعة.

وفي كتاب علل الشّرائع (٢) ، بإسناده إلى أبي رافع قال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ خطب النّاس ، فقال : يا أيّها النّاس إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أمر موسى وهارون (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً). وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب ولا يقرب فيه (٣) النّساء ، إلّا هارون وذرّيّته. إنّ عليّا منّي بمنزلة هارون من موسى ، فلا يحلّ لأحد أن يقرّب النّساء في مسجدي ولا يبيّت فيه جنب إلّا عليّ وذرّيّته. فمن ساءه (٤) ذلك ، فهاهنا. وضرب بيده

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في أ ، ب ، ر.

(٢) العلل / ٢٠١ ، ح ٢.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : منها.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «سار» بدل «ساءه».

٨٨

نحو الشّام.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثنا محمّد بن جعفر قال : حدّثنا بن محمّد بن مالك ، عن عباد بن يعقوب ، [عن محمّد بن يعقوب] (٢) ، عن [أبي] (٣) جعفر الأحول ، عن منصور ، عن أبي إبراهيم ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا خافت بنو إسرائيل جبابرتها أوحى الله ـ تعالى ـ إلى موسى وهارون ـ عليهما السّلام ـ : (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً).

قال : أمروا أن يصلّوا في بيوتهم.

حدّثني (٤) أبي ، عن الحسن (٥) بن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : فقلت : كان هارون أخا موسى لأبيه وأمّه؟

قال : نعم.

إلى قوله : قلت : فكان الوحي ينزل عليهما جميعا؟

قال كان الوحي ينزل على موسى ، وموسى يوحيه إلى هارون.

(وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً) : ما يتزيّن به من اللّباس والمراكب ونحوهما.

(وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) : وأنواعا من المال.

(رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ).

قيل (٦) : دعا عليهم بلفظ الأمر بما علم من ممارسة أحوالهم أنّه لا يكون غيره ، كقولك : لعن الله إبليس.

وقيل (٧) : «اللّام» للعاقبة وهي متعلّقة «بآتيت».

وجوّز (٨) البعض أن تكون للعلّة ، لأنّ إيتاء النّعم على الكفر استدراج وتثبيت على الضّلال ، ولأنّهم لمّا جعلوها سببا للضّلال فكأنّهم أوتوها ليضلّو. فيكون «ربّنا» تكريرا للأوّل ، تأكيدا وتنبيها على أنّ المقصود عرض ضلالهم وكفرانهم.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣١٤ ـ ٣١٥.

(٢) ليس في ب.

(٣) من المصدر.

(٤) نفس المصدر ٢ / ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٥) بعض نسخ المصدر : الحسين بن محبوب.

(٦) المجمع ٣ / ١٢٩ ، وأنوار التنزيل ١ / ٤٥٦.

(٧ و ٨) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٦.

٨٩

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) ، أي : يفتنوا النّاس بالأموال ، ليعبدوه ولا يعبدوك.

(رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) : أهلكها.

و «الطّمس» المحق.

وقرئ (٢) : «واطمس» بالضّمّ.

(وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) ، أي : وأقسها واطبع عليها ، حتّى لا تنشرح للإيمان.

(فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٨٨) : جواب للدّعاء. أو دعاء بلفظ النّهي. أو عطف على «ليضلّوا» ، وما بينهما دعاء معترض.

(قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) : يعني : موسى وهارون ، لأنّه كان يؤمّن.

(فَاسْتَقِيما) : فاثبتا على ما أنتما عليه من الدّعوة وإلزام الحجّة ولا تستعجلا ، فإنّ ما طلبتما كائن ولكن في وقته.

وفي كتاب الخصال (٣) : عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : أملى الله ـ تعالى ـ لفرعون ما بين الكلمتين [قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٤) وقوله : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) (٥)] (٦) أربعين سنة ، ثمّ أخذه الله نكال الآخرة والأولى. وكان بين أن قال الله ـ عزّ وجلّ ـ لموسى وهارون : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) وبين أن عرّفه الله تعالى الإجابة أربعون (٧) سنة (٨).

عليّ بن إبراهيم (٩) ، عن أبيه ، عن النّوفليّ ، عن السّكونيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : دعا موسى ـ عليه السّلام ـ وأمّن هارون ـ عليه السّلام ـ وأمّنت الملائكة ـ عليهم السّلام ـ. فقال الله ـ تعالى ـ : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما). ومن غزا في سبيل الله أستجيب له ، كما استجبت لكما (١٠) يوم القيامة.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣١٥.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٦.

(٣) الخصال / ٥٣٩ ـ ٥٤٠ ، ح ١١ ، ونور الثقلين ٢ / ٣١٥ ، ح ١١٦ عنه.

(٤) النازعات / ٢٤.

(٥) القصص / ٣٨.

(٦) من المصدر.

(٧) كذا في نور الثقلين. وفي المصدر : أربعين.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : «وبين أخذ فرعون أربعون عاما» بدل «وبين أن عرّفه ... سنة».

(٩) الكافي ٢ / ٥١٠ ، ح ٨.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : لهما.

٩٠

وفي الكافي (١) ، وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : كان بين قول الله ـ تعالى ـ : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) وبين أخذ فرعون أربعون سنة.

(وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨٩) : طريق الجهلة في الاستعجال ، أو عدم الوثوق والاطمئنان بوعد الله.

وعن ابن عامر (٣) «ولا تتّبعان» بالنّون الخفيفة وكسرها ، لالتقاء السّاكنين. «ولا تتبعان» من تبع. «ولا تتبعانّ» أيضا.

(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) ، أي : عبّرناهم في البحر حتّى بلغوا الشّطّ حافظين لهم.

وقرئ (٤) : «جوّزنا». وهو من فعل المرادف لفاعل ، كضعف ، وضاعف.

(فَأَتْبَعَهُمْ) : فأدركهم.

يقال : تبعته ، حتّى أتبعته.

(فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً) : باغين وعادين. أو للبغي والعدو.

«وقرى (٥). «وعدوّاً».

وفي تفسير العيّاشي (٦) : روينا لمّا صار موسى في البحر أتبعه فرعون وجنوده.

قال : فتهيّب فرس فرعون أن يدخل البحر ، فمثل له جبرئيل على رمكة (٧). فلمّا رأى فرس فرعون الرّمكة ، أتبعها فدخل البحر هو وأصحابه فغرقوا (٨).

(حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) : لحقه.

(قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ) : أي : بأنّه.

(لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٩٠).

وقرأ (٩) حمزة والكسّائي : «إنّه» بالكسر ، على إضمار القول أو الاستئناف ، بدلا وتفسيرا «لآمنت». فنكب عن الإيمان أوان القبول ، وبالغ فيه ولا يقبل.

__________________

(١) الكافي ٢ / ٤٨٩ ، ح ٥.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٢٧ ، ح ٤٠.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٦.

٤ ، ٥ ـ نفس المصدر والموضع.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ١٢٧ ، ح ٤١. وفيه : «عن ابن أبي عمير : عن بعض أصحابنا يرفعه قال» بدل «روينا».

(٧) الرّمكة : الفرس البرذونة تتّخذ للنسل.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : ففزعوا.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٧.

٩١

وفي كتاب علل الشّرائع (١) ، بإسناده إلى ابن أبي عمير : عن موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : أمّا قوله : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) فإنّما قال ليكون أحرص لموسى على الذّهاب ، وقد علم الله ـ عزّ وجلّ ـ أنّ فرعون لا يتذكّر ولا يخشى إلّا عند رؤية البأس. ألّا تسمع الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ). فلم يقبل الله إيمانه. وقال : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).

وفي عيون الأخبار (٢) : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل : لأي علّة غرّق الله ـ تعالى ـ فرعون ، وقد آمن به وقد أقرّ بتوحيده؟

قال : لأنّه آمن عند رؤية البأس ، والإيمان عند رؤية البأس غير مقبول ، وذلك حكم الله ـ تعالى ذكره ـ [في السّلف والخلف. قال الله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ]) (٣) (إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا). وقال ـ عزّ وجلّ ـ : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً). وهكذا فرعون لمّا أدركه الغرق قال : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ). فقيل له : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ، فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً).

وقد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد قد لبسه على بدنه. فلمّا غرق ، ألقاه الله ـ تعالى ـ على نجوة (٤) من الأرض [ببدنه] (٥) ليكون لمن بعده علامة. فيرونه مع تثقله بالحديد على مرتفع من الأرض ، وسبيل الثّقل أن يرسب ولا يرتفع ، فكان ذلك آية وعلامة. ولعلّة أخرى أغرقه الله ـ عزّ وجلّ ـ وهي أنّه استغاث بموسى لمّا أدركه الغرق ، ولم يستغث بالله. فأوحى الله إليه : يا موسى ، لم تغث (٦) فرعون لإنّك لم تخلقه. ولو استغاث مجيب (٧) بي ، لأغثته.

(آلْآنَ) : أتؤمن الآن وقد أيست من نفسك ولم يبق لك اختيار.

__________________

(١) علل الشرايع / ٦٧ ، ح ١.

(٢) العيون ٢ / ٧٦ ، ح ٧.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ ، ب ، ر.

(٤) النجوة : ما ارتفع من الأرض.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : ما أعنت.

(٧) ليس في المصدر.

٩٢

وفي مجمع البيان (١) : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ) (الآية). وروي عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : «الآن» بإلقاء حركة الهمزة على اللّام ، وحذف الهمزة.

(وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) : قبل ذلك مدّة عمرك.

(وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٩١) : الضّالّين ، المضلّين عن الإيمان.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : ما أتى جبرئيل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلّا كئيبا حزينا ، ولم يزل كذلك منذ أهلك الله فرعون. فلمّا أمره الله بنزول هذه الآية آلآن (وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) ، نزل عليه وهو ضاحك مستبشر.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما أتيتني ، يا جبرئيل ، إلا وتبيّنت الحزن في وجهك حتّى السّاعة.

قال : نعم ، يا محمّد. لمّا غرّق الله فرعون ، قال : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ). فأخذت حمأة (٣) فوضعتها في فيه ، ثمّ قلت : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ). وعملت ذلك من غير أمر الله ، ثمّ خفت أن تلحقه الرّحمة من الله ـ عزّ وجلّ ـ ويعذبني الله على ما فعلت. فلمّا كان الآن وأمرني الله أن أؤدّي إليك ما قلته أنا لفرعون أمنت وعلمت أنّ ذلك كان لله ـ تعالى ـ رضى (٤) فيه.

وفي رواية أبي الجارود (٥) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : أنّ بني إسرائيل قالوا : يا موسى ، ادع الله ـ تعالى ـ أن يجعل لنا ممّا نحن فيه فرجا.

[فدعا] (٦) فأوحى الله إليه : أن سر بهم.

قال : يا رب ، البحر أمامهم.

قال : امض فإني آمره أن يطيعك وينفرج (٧) لك.

فخرج موسى ببني إسرائيل ، وأتبعهم فرعون. حتّى إذا كاد أن يلحقهم ونظروا إليه قد أظلّهم ، قال موسى للبحر : انفرج لي.

__________________

(١) المجمع ٣ / ١٣٠.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣١٦.

(٣) الحمأة : الطين الأسود المنتن.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : ورضائه

(٥) تفسير القمّي ١ / ٣١٥ ـ ٣١٦.

(٦) من المصدر.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : فيفرج.

٩٣

قال : ما كنت لأفعل.

وقال بنو إسرائيل لموسى : غررتنا وأهلكتنا ، فليتك تركتنا يستعبدنا آل فرعون ولم نخرج الآن نقتل قتلة.

(قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) واشتدّ على موسى ما كان يصنع به عامّة قومه وقالوا يا موسى (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) زعمت أنّ البحر ينفرج لنا حتّى نمضي ونذهب ، وقد رهقنا (١) فرعون وقومه وهم هؤلاء تراهم قد دنوا منّا.

فدعا موسى ربّه ، فأوحى الله إليه : أن اضرب بعصاك البحر. فضربه ، فانفلق البحر. فمضى موسى وأصحابه حتّى قطعوا البحر.

وأدركهم آل فرعون. فلمّا نظروا إلى البحر قالوا لفرعون. ما تعجب ممّا ترى؟

قال : أنا فعلت هذا. فمرّوا وامضوا فيه.

فلمّا توسّط فرعون ومن معه ، أمر الله البحر فأطبق (٢) فغرّقهم أجمعين. فلمّا أدرك فرعون الغرق (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ ـ إلى قوله ـ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ). يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) يقول : كنت من العاصين (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ).

قال : إنّ قوم فرعون ذهبوا أجمعين في البحر فلم ير منهم أحد ، هووا في البحر إلى النّار. فأمّا فرعون فنبذه الله ـ عزّ وجلّ ـ وحده فألقاه (٣) بالسّاحل ، لينظروا إليه وليعرفوه ليكون لمن خلفه آية ، ولئلّا يشكّ أحد في هلاكه. إنّهم كانوا اتّخذوه ربّا ، فأراهم (٤) الله ـ عزّ وجلّ ـ إيّاه جيفة ملقاة في السّاحل ليكون لمن خلفه عبرة وعظة. يقول الله : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ).

(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ) : ننقذك ممّا وقع فيه قومك من قعر البحر ونجعلك طافيا. أو نلقيك على نجوة من الأرض ، وهي المكان المرتفع ، ليراك بنو إسرائيل.

وقرأ (٥) يعقوب : «ننجيك». من أنجى.

وقرئ (٦) : «ننجيك» بالحاء ، أي : نلقيك بناحية السّاحل.

__________________

(١) رهقنا ، أي : لحقنا.

(٢) المصدر : فانطبق عليهم.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : وأفهاه.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فإذا هم.

(٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٧.

٩٤

(بِبَدَنِكَ) : في موضع الحال ، أي : ببدنك عاريا عن الرّوح. أو كاملا سويّا. أو عريانا من غير لباس. أو بدرعك ، وكانت له درع من ذهب يعرف بها.

وقرئ (١) : «بأبدانك» ، أي : بأجزاء البدن كلّها ، كقولهم : هوى بأجرامه. أو بدروعك ، كأنّه كان تظاهرا بينها.

(لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) : لمن وراءك علامة ، وهم بنو إسرائيل ، إذ كان في نفوسهم من عظمته ما يخيّل إليهم أنّه لا يهلك حتّى كذّبوا موسى ـ عليه السّلام ـ حين أخبرهم بغرقه إلى أن عاينه مطروحا على ممرّهم من السّاحل.

أو لمن يأتي بعدك من القرون إذا سمعوا مآل أمرك ممّن شاهدك ، عبرة ونكالا عن الطّغيان ، أو حجّة تدلّهم على أنّ الإنسان على ما كان عليه من عظم الشّأن وكبرياء الملك مملوك مقهور بعيد عن مظانّ الرّبوبيّة.

وقرئ (٢) : «لمن خلقك» ، أي لخالقك آية ، كسائر الآيات. فإنّ إفراده إيّاك بالإلقاء إلى السّاحل دليل على أنّه تعمّد منه ، لكشف تزويرك وإماطة الشّبهة في أمرك ، وذلك دليل على كمال قدرته وعلمه وإرادته. وهذا الوجه ـ أيضا ـ محتمل على القراءة المشهورة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : أنّ موسى ـ على نبيّنا وآله وعليه السّلام ـ أخبر بني إسرائيل انّ الله قد أغرق فرعون ، يصدّقوه. فأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ البحر ، فلفظ به على ساحل البحر حتّى رأوه ميّتا. ويأتي تمام الكلام فيه.

(وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) (٩٢) : لا يتفكّرون فيها ، ولا يعتبرون بها.

(وَلَقَدْ بَوَّأْنا) : أنزلنا.

(بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) : منزلا صالحا مرضيا ، وهو الشّام ومصر.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : ردّهم إلى مصر ، وغرّق فرعون.

(وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) : من اللّذائذ.

(فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) : فما اختلفوا في أمر دينهم ، إلّا من بعد

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٧.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣١٦.

(٤) نفس المصدر والموضع.

٩٥

ما قرأوا التّوراة وعلموا أحكامها. أو في أمر محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ من بعد ما علموا صدقه بنعوته وتظاهر معجزاته.

(إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٩٣) : فيميز المحقّ عن المبطل بالإنجاء والإهلاك.

(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) : من القصص ، على سبيل الفرض والتّقدير.

(فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) : فإنّه محقّق عندهم ، ثابت في كتبهم على نحو ما ألقينا إليك. والمراد تحقيق ذلك ، والاستشهاد بما في الكتب المتقدّمة وأنّ القرآن مصدّق لما فيها. أو وصف أهل الكتاب بالرّسوخ في العلم بصحّة ما أنزل الله. أو تهييج الرّسول وزيادة تثبّته لا إمكان وقوع الشّكّ له.

وقيل (١) : الخطاب للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ والمراد أمّته ، أو لكلّ من يسمع ، أي : إن كنت أيّها السّامع في شك ممّا نزّلنا على لسان نبيّنا عليك (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) واضحا. لأنّه لا مدخل للمرية فيه بالآيات القاطعة.

(فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) (٩٤) : بالتزّلزل عمّا أنت عليه من الجزم واليقين.

(وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٩٥) : أيضا من باب التّهييج والتّثبيت وقطع الأطماع عنه ، كقوله : (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ).

وفي كتاب علل الشّرائع (٢) : حدّثنا [المظفر بن] (٣) جعفر بن المظفّر العلويّ [حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود ، عن أبيه قال : حدّثنا عليّ بن عبد الله عن بكر بن صالح عن أبي الخير عن محمد] (٤) بن حسّان ، عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل الدّارميّ ، عن محمّد بن سعيد الإذخريّ ، وكان ممّن يصحب موسى بن محمّد بن الرضا ، أن موسى أخبره أنّ يحيى بن أكتم كتب إليه يسأله عن مسائل فيها : وأخبرني عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) من المخاطب بالآية. فإن كان المخاطب بها النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أليس قد شكّ فيما أنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه. وإن كان المخاطب به غيره ، فعلى غيره إذن انزل

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٥٧ ـ ٤٥٨.

(٢) العلل / ١٢٩ ، ح ١.

(٣ و ٤) من المصدر.

٩٦

الكتاب؟

قال موسى : فسألت أخي ، عليّ بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ عن ذلك.

قال : أمّا قوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) فإنّ المخاطب بذلك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ولم يكن في شكّ ممّا أنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ. ولكن قالت الجهلة : كيف لا يبعث إلينا نبيا من الملائكة إنّه لم يفرّق (١) بينه وبين غيره في الاستغناء عن المأكل والمشرب والمشي في الأسواق. فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) بمحضر من الجهلة ، هل بعث الله رسولا قبلك إلّا وهو يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق ولك بهم أسوة.

وإنّما قال : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ) ولم يكن ، ولكن ليتبعهم ، كما قال له ـ عليه السّلام ـ : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ). ولو قال : تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم ، لم يكونوا يجيبون للمباهلة. وقد عرف أنّ نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ مؤدّ عنه رسالته وما هو من الكاذبين ، وكذلك عرف النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه صادق فيما يقول ولكن أحبّ أن ينصف من نفسه.

وبإسناده (٢) إلى إبراهيم بن أبي (٣) عمير ، رفعه إلى أحدهما ـ عليهما السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ ـ إلى قوله ـ مِنْ قَبْلِكَ).

قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لا أشكّ ولا أسأل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : حدّثني أبي ، عن عمرو بن سعيد الرّاشديّ ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا اسري برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى السّماء وأوحى إليه في عليّ ما أوحى إليه من شرفه ومن عظمته عند الله وردّ إلى البيت المعمور وجمع له النّبيّين وصلّوا خلفه ، عرض في نفس رسول الله من عظم ما أوحى إليه في عليّ. فأنزل الله (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : «ليفرق» بدل «إنه لم يفرق».

(٢) العلل / ١٣٠ ، ح ٢.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) تفسير القمي ١ / ٣١٧.

٩٧

الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) ، يعني : الأنبياء ، فقد أنزلنا إليهم في كتبهم من فضله ما أنزلنا في كتابك. (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُ ـ إلى قوله ـ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ).

فقال الصّادق ـ عليه السّلام : فو الله ، ما شكّ وما سأل.

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن عبد الصّمد بن بشير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ).

قال : لمّا أسري بالنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ففرغ من مناجاة ربّه ، ردّ إلى البيت المعمور ، وهو بيت في السّماء الرّابعة بحذاء الكعبة. فجمع الله له النّبييّن والمرسلين والملائكة ، ثمّ أمر جبرئيل فأذّن وأقام الصّلاة (٢) ، وتقدّم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فصلّى بهم. فلمّا فرغ التفت إليهم ، فقال له الله (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ). فسألهم يومئذ النّبيّ ، ثمّ نزل.

وفي الخرائج والجرائح (٣) : في روايات الخاصّة أنّ أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : لمّا اسري بي نزل جبرئيل بالبراق ، وهو أصغر من البغل وأكبر من الحمار ، مضطرب الأذنين ، عيناه في حوافره ، خطاه مدّ البّصر ، وله جناحان يجريان به من خلفه ، عليه سرج من ياقوت فيه من كلّ لون ، أهدب العرف (٤) الأيمن. فوقفه (٥) على باب خديجة ودخل إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، فمرح (٦) البراق.

فخرج إليه جبرئيل وقال : اسكن ، فإنّما يركبك أحبّ خلق الله إليه.

فسكن. فخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فركب ليلا ، فتوجّه نحو بيت المقدس ، فاستقبله شيخ.

فقال جبرئيل : هذا أبوك إبراهيم ـ عليه السّلام ـ.

[فثنى رجله] (٧) وهمّ بالنّزول.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٢٨ ، ح ٤٣.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) الخرائج / ١٥ ونور الثقلين ٢ / ٣٢٠ ـ ٣٢١ ، ح ١٣٠ عنه.

(٤) العرف : شعر عنق الفرس. وأهدب العرف ، أي : طويله وكثيره مرسلا من الجانب الأيمن.

(٥) المصدر : فأوقفه.

(٦) المرح : شدّة النشاط والفرح.

(٧) من المصدر.

٩٨

فقال له جبرئيل : كما أنت.

فجمع ما شاء الله من الأنبياء في بيت المقدس. فأذّن جبرئيل ، وتقدّم رسول الله فصلّى بهم.

ثمّ قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) : هؤلاء الأنبياء الّذين جمعوا. (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) قال : فلم يشكّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولم يسأل.

(إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ) : ثبت عليهم.

(كَلِمَتُ رَبِّكَ) ، أي : إخباره بأنّهم يموتون على الكفر ، أو يخلّدون في العذاب.

(لا يُؤْمِنُونَ) (٩٦) : إذ لا يكذّب كلامه ولا ينتقض قضاؤه ، لأنّه لا يخبر إلّا عن علم بأنّهم لا يؤمنون.

(وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٩٧) : وحينئذ لا ينفعهم ، كما لم ينفع فرعون.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وقوله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ).

قال : الّذين جحدوا أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه.

وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ).

قال : عرضت عليهم الولاية وقد فرض الله ـ تعالى ـ عليهم الإيمان بها ، فلم يؤمنوا بها.

(فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ) : فهلّا كانت قرية من القرى الّتي أهلكناها آمنت قبل معاينة العذاب ولم تؤخّر إليها ، كما اخّر فرعون.

(فَنَفَعَها إِيمانُها) : بأن يقبله الله منها ، ويكشف العذاب عنها.

(إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) : لكنّ قوم يونس.

(لَمَّا آمَنُوا) : أوّل ما رأوا أمارة العذاب ، ولم يؤخّروه إلى حلوله (كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).

ويجوز أن تكون الجملة في معنى النّفي ، لتضمّن حرف التّحضيض معناه فيكون

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣١٧.

٩٩

الاستثناء متّصلا. لأنّ المراد من القرى : أهاليها ، كأنّه قال : ما آمن أهل قرية من القرى العاصية فنفعهم إيمانهم ، إلّا قوم يونس. ويؤيّده قراءة الرّفع ، على البدل.

(وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (٩٨) : إلى آجالهم.

وفي الجوامع (١) : وكان قد بعث إلى نينوى من أرض الموصل فكذّبوه ، فذهب عنهم مغاضبا : فلمّا فقدره ، خافوا نزول العذاب. فلبسوا المسوح وعجّوا وبكوا ، فصرف الله عنهم العذاب وكان قد نزل وقرب منهم.

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ قال : كتب أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : حدّثني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّ جبرئيل حدّثه ، أنّ يونس بن متّي ـ عليه السّلام ـ بعثه الله إلى قومه ، وهو ابن ثلاثين سنة. وكان رجلا تعتريه الحدّة (٣). وكان قليل الصّبر على قومه والمداراة لهم ، عاجزا عمّا حمل من ثقل حمل أوقار النّبوّة وأعلامها. وأنه تفسّخ تحتها ، كا يتفسّخ الجذع تحت حمله. وأنّه أقام فيهم يدعوهم إلى الإيمان بالله والتّصديق به واتّباعه ثلاثا وثلاثين سنة ، فلم يؤمن به ولم يتّبعه من قومه إلّا رجلان ، اسم أحدهما روبيل ، واسم الآخر تنوخا.

وكان روبيل من أهل بيت العلم والنّبوّة والحكمة ، وكان قديم الصّحبة ليونس بن متّي من قبل أن يبعثه الله بالنّبوّة. وكان تنوخا رجلا مستضعفا عابدا زاهدا منهمّكا في العبادة ، وليس له علم ولا حكم. وكان روبيل صاحب غنم يرعاها ويتقوّت منها. وكان تنوخا رجلا حطّابا يحتطب على رأسه ويأكل من كسبه. وكان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا ، لعلم روبيل وحكمته وقديم صحبته.

فلمّا رأى يونس أنّ قومه لا يجيبونه ولا يؤمنون ، ضجر وعرف من نفسه قلّة الصّبر فشكى ذلك إلى ربّه. وكان فيما شكا أن قال : يا ربّ ، إنّك بعثتني إلى قومي ولي ثلاثون سنة. فلبثت فيهم أدعوهم إلى الإيمان بك والتّصديق برسالتي وأخوّفهم عذابك ونقمتك ثلاثا وثلاثين سنة ، فكذّبوني ولم يؤمنوا بي وجحدوا نبوّتي واستخفّوا برسالتي. وقد توعّدوني (٤) ، وخفت أن يقتلوني. فانزل عليهم عذابك ، فإنّهم قوم لا يؤمنون.

قال : فأوحى الله إلى يونس : أنّ فيهم الحمل والجنين والطّفل والشّيخ الكبير

__________________

(١) الجوامع / ١٩٩.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٢٩ ، ح ٤٤.

(٣) أي : يصيبه البأس والغضب.

(٤) الصدر : تواعدوني.

١٠٠