تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

ـ عزّ وجلّ ـ : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). قال : خلقهم للعبادة. قال : قلت : وقوله : (وَلا يَزالُونَ ـ إلى قوله : ـ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ). فقال : نزلت هذه بعد تلك.

(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) : وعيده ، أو قوله للملائكة.

(لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) ، أي : من عصاتهما (أَجْمَعِينَ (١١٩)) ، أي : منهما أجمعين ، لا من أحدهما.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وهم الّذين سبق لهم الشّقاء ، فحقّ عليهم القول أنّهم للنّار خلقوا. وهم الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك أنّهم لا يؤمنون.

(وَكُلًّا) : وكلّ نبأ (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ) : نخبرك به.

(ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) :

بيان لكلّ ، أو بدل منه. وفائدته التّنبيه على المقصود من الاقتصاص ، وهو زيادة يقينه وطمأنينة قلبه ، وثبات نفسه على أداء الرّسالة واحتمال أذى الكفّار. أو مفعول ، و «كلا» منصوب على المصدر. بمعنى : كلّ نوع من أنواع الاقتصاص نقصّ عليك ما نثبّت به فؤادك من أنباء الرّسل.

(وَجاءَكَ فِي هذِهِ) السّورة أو الأنباء المقتصّة عليك (الْحَقُ) : ما هو حقّ.

(وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (١٢٠) :

إشارة إلى سائر فوائده العامّة.

(وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) : على حالكم.

(إِنَّا عامِلُونَ) (١٢١) على حالنا.

(وَانْتَظِرُوا) بنا الدّوائر.

(إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (١٢٢) أن ينزل بكم نحو ما نزل على أمثالكم.

(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : خاصّة ، لا يخفى عليه خافية ممّا فيهما.

وفي مجمع البيان (٢) : وقد وجدت بعض المشايخ ـ ممّن يتّسم بالعدوان (٣) والتّشنيع ـ قد ظلم الشّيعة الإماميّة في هذا الموضع من تفسيره ، فقال : هذا يدلّ على أنّ الله ـ سبحانه ـ يختصّ (٤) بعلم الغيب ، خلافا لما يقوله الرّافضة إنّ الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ يعلمون الغيب.

__________________

(١٥) الذاريات / ٥٦.

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٣٨.

(٢) المجمع ٣ / ٢٠٥.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : بالعذل.

٢٦١

ولا شكّ أنّه عنى بذلك من يقول بإمامة الأئمّة (١) الاثني عشر ، ويدين بأنّهم أفضل الأنام بعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فإنّ هذا دأبه (٢) وديدنه (٣) فيهم (٤). يشنع في مواضع كثيرة من كتابه عليهم ، وينسب القبائح والفضائح إليهم. ولا نعلم أنّ (٥) أحدا منهم استجاز الوصف بعلم الغيب لأحد من الخلق. وإنّما يستحقّ الوصف بذلك من يعلم جميع المعلومات لا بعلم مستفاد. وهذه صفة القديم ـ سبحانه ـ العالم لذاته لا يشركه فيها (٦) أحد من المخلوقين. ومن اعتقد أنّ غير الله ـ سبحانه ـ يشركه في هذه الصّفة ، فهو خارج عن ملّة الإسلام.

فأمّا ما نقل عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ورواه عنه الخاصّ والعامّ ، من الأخبار بالغائبات في خطب الملاحم وغيرها ، مثل قوله ـ يومئ إلى صاحب الزّنج (٧) ـ : «كأنّي به ـ يا أحنف ـ وقد سار بالجيش الّذي ليس له غبار ولا لجب ، ولا قعقعة لجم (٨) ، ولا صهيل خيل. يثيرون الأرض بأقدامهم ، كأنّها أقدام النّعام». وقوله يشير إلى مروان بن الحكم : «أما إنّ له إمرة كلعقة (٩) الكلب أنفه. وهو أبو الأكبش الأربعة (١٠). وستلقى الأمّة منه ومن

__________________

(٤) المصدر : يختص.

(١) ليس في المصدر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : رأيه.

(٣) كذا في المصدر ور. وفي النسخ : دينه.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فبهم.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا يشرك فيه.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : الذبح.

وصاحب الزنج هو رجل ظهر في فرات البصرة سنة ٢٥٥ ه‍ ، وزعم أنّه عليّ بن محمّد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.

قال ابن أبي الحديد : وأكثر الناس يقدحون في نسبه ، وخصوصا الطالبيّين. وجمهور النّسابين اتّفقوا على أنّه من عبد القيس ـ إلى أن قال ـ : وذكر المسعوديّ في كتابه المسمّى بمروج الذهب أنّ أفعال عليّ بن محمّد صاحب الزّنج تدلّ على أنّه لم يكن طالبيّا. انتهى.

والزّنج اللّذين أشار إليهم كانوا عبيدا لدهاقين البصرة وبناتها ، ولم يكونوا ذوي زوجات وأولاد ، بل كانوا على هيئة الشّطار عزّابا ، فلا نادبة لهم.

(٨) اللّجب : الصّوت. والقعقعة : تحريك الشّيء اليابس مع صوت. واللّجم : جمع اللّجام.

(٩) الإمرة : الولاية. ولعق الشّيء لعقة : لحسه ، أي : أكله بلسانه. وأراد ـ عليه السّلام ـ بهذا القول قصر مدة ملكه ، وكذلك كانت مدّة خلافة مروان فإنّه ولي تسعة أشهر.

(١٠) الأكبش الأربعة بنو عبد الملك ، الوليد

٢٦٢

ولده موتا أحمر».

وما نقل من هذا الفنّ عن أئمّة الهدى من أولاده ـ عليهم السّلام ـ مثل ما قاله أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لعبد الله بن الحسن ـ وقد اجتمع (١) هو وجماعة من العلوّيّة والعبّاسيّة ليبايعوا ابنه محمّدا ـ : «والله ما هي إليك ، ولا إلى (٢) ابنيك ، ولكنّها لهم ـ وأشار إلى العبّاسيّة ـ وأنّ ابنيك لمقتولان» ثمّ قام (٣) وتوكّأ على يد عبد العزيز بن عمران الزّهريّ فقال له : «أرأيت صاحب الرّداء الأصفر؟». يعني أبا جعفر المنصور. قال : نعم. فقال : «إنّا والله (٤) نجده يقتله» فكان كما قال (٥).

قال (٦) : ومثل قول الرضا : «بورك (٧) قبر (٨) بطوس ، وقبران ببغداد». فقيل له : قد (٩) عرفنا واحدا ، فما (١٠) الآخر؟ قال : «ستعرفونه». ثمّ قال : «قبري وقبر هارون هكذا» ـ وضمّ أصبعيه (١١) ـ. وقوله في القصّة المشهورة لأبي حبيب النباجي (١٢) ـ وقد ناوله قبضة من

__________________

وسليمان ويزيد وهشام.

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : أجمع.

(٢) ليس في ب.

(٣) المصدر : نهض.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : قال والله إنّا.

(٥) أ ، ب : كان.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) ب : بورك بورك.

(٨) ب : قبري.

(٩) ليس في ب.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : فمن.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : إصبعه.

(١٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : الناجي.

ونباج ـ ككتاب ـ : قرية بالبادية. كما قاله الفيروزآبادي.

وقصّة أبي حبيب ، على ما ذكره الصدوق (ره) في كتاب عيون الأخبار ، في باب دلالات الرضا ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : رأيت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في المنام ، وقد وافى البناج ، ونزل بها في المسجد الذي ينزله الحاجّ في كل سنة ، وكأنّي مضيت إليه ، وسلّمت عليه ، ووقفت بين يديه ، ووجدت عنده طبقا من خوص ـ وهو ورق النخل ـ نخل المدينة ، فيه تمر صيحانيّ.

فكأنّه قبض قبضة من ذلك التمر ، فناولني منه. فعددته ، فكان ثمان عشرة تمرة. فتأوّلت أني أعيش بعدد كل تمرة سنة.

فلمّا كان بعد عشرين يوما ، كنت في أرض تعمر بين يدي للزراعة ، حتّى جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا ـ عليه السّلام ـ من المدينة ، ونزوله ذلك المسجد. ورأيت الناس يسعون إليه.

٢٦٣

التّمر ـ : «لو زادك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لزدناك». وقوله في حديث علي بن أحمد الوشّاء ـ حين قدم مرو (١) من الكوفة ـ : «معك حلّة في السّفط (٢) الفلانيّ ، دفعتها إليك ابنتك وقالت (٣) : اشتر لي بثمنها فيروزجا» ـ والحديث مشهور ـ.

إلى غير ذلك ممّا روي عنهم ـ عليهم السّلام ـ ، فإنّ جميع ذلك متلقّى عن الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ ممّا أطلعه الله ـ تعالى ـ عليه. فلا معنى لنسبة (٤) من روى عنهم ـ عليهم السّلام ـ هذه الأخبار المشهورة إلى أنّه يعتقد كونهم عالمين للغيب. وهل هذا إلّا سبب قبيح وتضليل (٥) ، بل تكفير!؟ و (٦) لا يرتضيه من هو بالمذهب خبير. والله يحكم [بينه و] (٧) بينهم. وإليه المصير.

وأقول : بعض ذلك متلقّى عن الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ وبعضه بتحديث الملك. وكلاهما إلقاء من الله ـ تعالى ـ للغيب إليهم. ولا ينافي ذلك اختصاص الغيب بالله ـ تعالى ـ. إذ معناه : لا يعلمه غيره إلّا بإلقائه ـ تعالى ـ بأحد الطّريقين المذكورين.

(وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) فيرجع لا محالة أمرك وأمرهم إليه.

(فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) ، فإنّه كافيك.

وفي تقديم الأمر بالعبادة على التّوكّل ، تنبيه على أنّه إنّما ينفع العابد.

(وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (١٢٣) أنت وهم ، فيجازي كلا ما يستحقّه.

وقرأ (٨) نافع وحفص وابن عامر (٩) بالياء هنا وفي آخر النّمل.

__________________

فمضيت نحوه. فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وتحته حصير مثل ما كان تحته ، وبين يديه طبق خوص فيه تمر صيحانيّ. فسلّمت عليه. فردّ السلام عليّ ، واستدناني ، فناولني قبضة من ذلك التمر.

فعددته. فإذا عدده مثل ذلك التمر الّذي ناولني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فقلت له : زدني منه يا ابن رسول الله! فقال : لو زادك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لزدناك.

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : مروان.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : السّقط. والسفط : الوعاء الذي يعبّأ فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : وقالت لي.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : لنسبته.

(٥) المصدر : زيادة «لهم».

(٦) ليس في المصدر.

(٧) من المصدر.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٥.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : ابن عمرو.

٢٦٤

تفسير

سورة يوسف

٢٦٥
٢٦٦

سورة يوسف

مكّيّة.

وقال المعدل (١) ، عن ابن عبّاس : غير أربع آيات نزلن بالمدينة ، ثلاث من أوّلها ، والرّابعة : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) (٢).

وهي مائة وإحدى عشرة آية بالإجماع.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

في كتاب ثواب الأعمال (٣) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : «من قرأ سورة يوسف في كلّ يوم ، أو في كلّ ليلة ، بعثه الله يوم القيامة وجماله مثل جمال يوسف. ولا يصيبه فزع يوم القيامة. وكان من خيار عباد الله الصّالحين.

وقال : إنّها كانت في التّوراة مكتوبة.

وفي الكافي (٤) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، عن عمّه يعقوب بن سالم ، رفعه قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : لا تعلّموا نساءكم سورة يوسف ، ولا تقرئوهنّ إيّاها ، فإنّ فيها الفتن. وعلّموهنّ سورة النور ، فإن فيها المواعظ.

وفي مجمع البيان (٥) : ابيّ بن كعب ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه (٦) قال :

__________________

(١) مجمع البيان ٣ / ٢٠٦.

(٢) ثواب الأعمال / ١٣٣ ، ح ١.

(٣) يوسف / ٧.

(٤) الكافي ٥ / ٥١٦ ، ح ٢.

(٥) المجمع ٣ / ٢٠٦.

(٦) ليس في المصدر.

٢٦٧

علّموا أرقّاءكم سورة يوسف. فإنّه أيّما مسلم قرأها (١) ، وعلّمها أهله وما ملكت يمينه ، هوّن الله ـ تعالى ـ عليه سكرات الموت ، وأعطاه القوّة أن لا يحسد مسلما (٢).

وروى إسماعيل بن أبي زياد (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أبيه ، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ :

لا تنزلوا نساءكم الغرف. ولا تعلّموهنّ الكتابة. ولا تعلّموهنّ سورة يوسف. وعلّموهنّ الغزل (٤) وسورة النّور.

وفي كتاب الخصال (٥) ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر ـ عليه السّلام ـ يقول : ليس على النّساء أذان ـ إلى أن قال : ـ ويكره لهنّ تعلّم سورة يوسف.

وفي تفسير العيّاشيّ (٦) ، عن مسعدة بن صدقة قال : قال جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ : قال والدي ـ عليه السّلام ـ :

والله ، إنّي لأصانع بعض ولدي ، وأجلسه على فخذي ، وأكثر له المحبة (٧) ، وأكثر له الشّكر ، وإنّ الحقّ لغيره (٨) من ولدي ، ولكن محافظة (٩) عليه منه ، ومن غيره ، [لئلّا] (١٠) يصنعوا به ما فعل بيوسف إخوته.

وما أنزل الله سورة يوسف ، إلّا أمثالا ، لكي لا يحسد بعضنا بعضا ، كما حسد يوسف (١١) ، وبغوا عليه. فجعلها حجّة [وحجّة] (١٢) على من تولّانا ، ودان بحبّنا (١٣) ، وجحد أعداءنا ، أعني (١٤) من نصب لنا الحرب والعداوة.

__________________

(١) المصدر : تلاها.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : «الدرجة» بدل «القوّة ان لا يحسد مسلما».

(٣) المجمع ٣ / ٢٠٦.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : المغزل.

(٥) الخصال ٢ / ٥٨٥ ـ ٥٨٦ ، صدر وقطعة من ح ١٢.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ١٦٦ ، ح ٢.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : أنكر له المخ.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : إسحاق كغيره.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : مخافة.

(١٠) من المصدر.

(١١) المصدر : بيوسف وإخوته. والأظهر : يوسف إخوته.

(١٢) ليس في المصدر.

(١٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : محبّينا.

(١٤) المصدر : على.

٢٦٨

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) (١) :

«تلك» إشارة إلى آيات السّورة. وهي المراد ب «الكتاب». أي : تلك الآيات ، آيات السّورة الظّاهر أمرها في الإعجاز. أو الواضحة معانيها والمبيّنة لمن تدبّرها أنّها من عند الله ، أو لليهود ما سألوا. إذ نقل أنّ علماءهم قالوا لكبراء المشركين : سلوا محمّدا لم انتقل آل (١) يعقوب من الشّام إلى مصر ، وعن قصّة يوسف. فنزلت.

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ) ، أي : الكتاب.

(قُرْآناً عَرَبِيًّا) :

سمّي البعض قرآنا ، لأنّه في الأصل اسم الجنس يقع على الكلّ والبعض ، وصار علما للكلّ بالغلبة.

ونصبه على الحال ، وهو في نفسه إمّا توطئة للحال الّتي هي «عربيّا» ، أو حال لأنّه مصدر بمعنى مفعول. و «عربيّا» صفة له. أو حال من الضّمير فيه. أو حال بعد حال.

(لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٢) :

علّة لإنزاله بهذه الصّفة. أي : أنزلناه مجموعا ، أو مقروء بلغتكم ، كي تفهموه ، وتحيطوا بمعانيه ، وتستعملوا فيه عقولكم ، فتعلموا أنّ اقتصاصه كذلك ـ ممّن لم يتعلّم القصص ـ معجز لا يتصوّر إلّا بإيحاء.

وفي كتاب الخصال (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : تعلّموا العربيّة. فإنّها كلام الله الّذي تكلّم به خلقه.

(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) : أحسن الاقتصاص ، لأنّه اقتصّ على أبدع الأساليب. أو : أحسن ما يقصّ ، لاشتماله على العجائب والحكم والآيات والعبر.

القصّ (٣) فعل بمعنى مفعول ، كالنّقض والسّلب. واشتقاقه من : قصّ أثره : إذا تبعه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) خطبة له ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وفيها : وأحسن القصص هذا القرآن.

__________________

(١) ليس في أ ، ب.

(٢) الخصال ١ / ٢٥٨ ، ح ١٣٤.

(٣) يوجد في أ ، ب.

(٤) تفسير القميّ ١ / ٢٩١.

٢٦٩

وفي روضة الكافي (١) خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. وفيها : ثمّ إنّ أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التّذكر ، كتاب الله ـ عزّ ذكره ـ.

وفي الكافي (٢) خطبة مسندة إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ. وفيها : وانّ كتاب الله أصدق الحديث ، وأحسن القصص.

(بِما أَوْحَيْنا) بإيحائنا (إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ) ، يعني : السّورة.

ويجوز أن يجعل «هذا» مفعول «نقصّ» ، على أنّ «أحسن» نصب على المصدر.

(وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) (٣) عن هذه القصّة ، لم تخطر ببالك ، ولم تقرع سمعك قطّ.

وهو تعليل لكونه موحى.

«وإن» هي المخفّفة من الثّقيلة. واللّام هي الفارقة.

(إِذْ قالَ يُوسُفُ) :

بدل من (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) إن جعل مفعولا بدل الاشتمال. أو منصوب بإضمار اذكر.

و «يوسف» عبريّ. ولو كان عربيّا لصرف.

وقرئ (٣) بفتح السّين وكسرها ، على التّلعّب به ، لا على أنّه مضارع بني للمفعول أو الفاعل من «آسف». لأنّ المشهورة شهدت بعجمته.

(لِأَبِيهِ) : يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : وكان يعقوب إسرائيل الله ـ أي : خالص الله ـ ابن إسحاق نبيّ الله ابن إبراهيم خليل الله.

وفي الحديث النّبويّ (٥) : الكريم ابن الكريم ، ابن الكريم ، ابن الكريم ، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.

(يا أَبَتِ) :

أصله : يا أبي. فعوض (٦) عن الياء تاء التّأنيث ، لتناسبهما في الزّيادة. ولذلك قلبها (٧)

__________________

(١) الكافي ٨ / ١٧٥ ، ضمن ح ١٩٤.

(٢) الكافي ٣ / ٤٢٣.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٦.

(٤) تفسير القميّ ١ / ٣٤٠.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٦.

(٦) أ ، ب ، ر : «تعوض» بدل «فعوض».

٢٧٠

هاء في الوقف ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب. وكسرها لأنّها عوض حرف تناسبها. وفتحها (١) ابن عامر في كل القرآن ، لأنّها حركة أصلها. أو لأنّه كان «يا أبتا» فحذف الألف وبقي الفتحة. وإنّما جاز «يا أبتا» ، ولم يجز «يا أبتي» ، لأنّه جمع بين العوض والمعوّض.

وقرئ (٢) بالضّمّ ، إجراء لها مجرى الأسماء المؤنّثة بالتّاء ، من غير اعتبار التّعويض. وإنّما لم تسكّن كأصلها ، لأنّها حرف صحيح منزل منزلة الاسم ، فيجب تحريكها ، ككاف الخطاب.

(إِنِّي رَأَيْتُ) :

من الرّؤيا ، لا من الرّؤية ، لقوله : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) وقوله (هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ).

(أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) :

في كتاب الخصال (٣) ، عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ في قوله ـ تعالى ـ حكاية عن يوسف : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) فقال في تسمية النّجوم : وهو الطّارق ، وحوبان (٤) ، والذّيّال ، و (٥) ذو الكتفين (٦) ، وقابس ، ووثّاب ، وعمودان (٧) ، وفيلق ، ومصبح ، والصّدوح (٨) ، وذو القروع (٩) ، والضّياء ، والنّور ، يعني : الشمس والقمر. وكلّ هذه الكواكب محيطة بالسّماء.

وعن جابر عن عبد الله (١٠) قال : أتى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ رجل من اليهود يقال له بشّان (١١) اليهوديّ. فقال : يا محمّد ، أخبرني عن الكواكب الّتي رآها يوسف أنّها ساجدة له ، فما (١٢) أسماؤها؟ فلم يجبه نبيّ الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يومئذ في شيء.

قال : فنزل (١٣) جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فأخبر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بأسمائها.

__________________

(٧) و (١) نفس المصدر والموضع.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٦.

(٣) الخصال ٢ / ٤٥٤ ، ح ١.

(٤) المصدر : جربان. وفي نور الثقلين ٢ / ٤٠٩ ، ح ١١ : خوبان.

(٥) ليس في أ ، ب ، ر.

(٦) المصدر : «ذو الكنفان وذو القرع» بدل «ذو الكتفين». (٧) نور الثقلين ٢ / ٤٠٩ ، ح ١١. (٨) المصدر : الضروح. ونور الثقلين : الصدع. (٩) ليس في المصدر : ذو القروع. (١٠) الخصال ٢ / ٤٥٤ ـ ٤٥٥ ، ح ٢. (١١) المصدر : بستان.

(١٢) المصدر : «ما» بدل «له فما».

٢٧١

قال : فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى بشّان (١). فلمّا أن جاءه ، قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : هل أنت تسلم (٢) إن أخبرتك بأسمائها؟ قال : نعم.

فقال له النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : حوبان (٣) ، والطّارق ، والذّيّال ، وذو الكتفين (٤) ، وقابس ، ووثّاب ، وعمودان (٥) ، والفيلق ، والمصبح (٦) ، والصّدوح ، وذو القروع (٧) ، والضّياء ، والنّور. رآها في أفق السّماء ساجدة له. فلمّا قصّها يوسف ـ عليه السّلام ـ على يعقوب ـ عليه السّلام ـ قال يعقوب : هذا أمر مشتّت (٨) يجمعه الله ـ عزّ وجلّ ـ من (٩) بعد.

فقال بشّان (١٠) : والله إنّ هذه لأسماؤها. ثمّ أسلم (١١).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١٢) : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : تأويل هذه الرّؤيا أنّه سيملك مصر ، ويدخل عليه أبواه وإخوته. أمّا الشمس ، فأمّ يوسف «راحيل». والقمر يعقوب. وأمّا الأحد عشر كوكبا ، فإخوته. فلمّا دخلوا عليه ، سجدوا شكرا لله وحده ، حين نظروا إليه. وكان ذلك السّجود لله ـ تعالى ـ.

وفي رواية (١٣) أنّ الّتي سجدت له مع أبيه خالته لا أمّه.

(رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (٤) :

استئناف لبيان حالهم الّتي رآهم عليها. فلا تكرير. وإنّما أجريت مجرى العقلاء ، لوصفها بصفاتهم.

(قالَ يا بُنَيَ) : تصغير ابن ، للشّفقة ، أو لصغر السّنّ ، لأنّه كان ابن تسع سنين (١٤).

__________________

(١٣) المصدر : «ونزل» بدل «قال فنزل».

(١) المصدر : بستان.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : مسلم.

(٣) المصدر : جربان. وفي نور الثقلين ٢ / ٤٠٩ ، ح ١٢ : خوبان.

(٤) المصدر : ذو الكنفان.

(٥) نور الثقلين : عموران.

(٦) نور الثقلين : الصبيح.

(٧) المصدر : الضروح وذو القرع.

(٨) المصدر : المتشتت.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) المصدر : بستان.

(١١) ليس في المصدر : ثمّ أسلم.

(١٢) تفسير القميّ ١ / ٣٣٩.

(١٣) تفسير العياشي ٢ / ١٩٧ ، ح ٨٣.

(١٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٧ : اثنتي عشرة سنة.

٢٧٢

(لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) : فيحتالوا لإهلاكك حيلة.

فهم يعقوب ـ عليه السّلام ـ من رؤياه أنّ الله يصطفيه لرسالته ، ويفوّقه على إخوته ، فخاف عليه حسدهم وبغيهم.

قيل (١) : الرّؤيا كالرّؤية ، غير أنّها مختصّة بما يكون في النّوم. ففرّق بينهما بحرف التّأنيث ، كالقربة والقربى. وهي : انطباع الصّورة المنحدرة من أفق المتخيلّة إلى الحسّ المشترك. والصّادقة منها يكون باتّصال النّفس بالملكوت ، لما بينهما من التّناسب ، عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ ، فتتصوّر بما فيها ممّا يليق بها من المعاني الحاصلة هناك. ثمّ إنّ المتخيّلة تحاكيه بصورة تناسبه ، فترسلها إلى الحسّ المشترك ، فتصير مشاهدة. ثمّ إن كانت شديدة المناسبة ، لذلك المعنى ، بحيث لا يكون التّفاوت إلّا بالكلّيّة والجزئيّة ، استغنت الرّؤيا عن التّعبير ، وإلّا احتاجت إليه.

وإنّما عدّي كاد باللّام ـ وهو متعدّ بنفسه ـ لتضمينه معنى فعل يعدّى به ، تأكيدا. ولذلك أكّد بالمصدر ، وعلّله بقوله :

(إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٥) : ظاهر العداوة ، لما فعل بآدم وحوّاء. فلا يألوا جهدا في تسويلهم وإثارة الحسد فيهم ، حتّى يحملهم على الكيد.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : حدّثني أبي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : [أنّه كان من خبر يوسف أنّه] (٣) كان له أحد عشر أخا. وكان له من أمّه أخ واحد يسمّى «بنيامين». وكان يعقوب إسرائيل الله ـ أي : خالص الله ـ ابن إسحاق نبيّ الله ابن إبراهيم خليل الله. فرأى يوسف هذه الرّؤيا وله تسع سنين. فقصّها على أبيه. فقال يعقوب : (يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ) (الآية).

واعلم أنّ (٤) ما دلّ عليه هذا الحديث من كون يوسف وبنيامين من أمّ واحدة ، هو المشهور رواه العيّاشيّ وغيره (٥) ، إلّا أنّ العيّاشيّ (٦) روى رواية أخرى بأنّه ابن خالته. وفي

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٧.

(٢) تفسير القميّ ١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

(٣) من المصدر.

(٤) ليس في أ ، ر.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ١٨٤ ، ضمن ح ٤٥ ، وتفسير القمّي ١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠ ، وأمالي الصدوق / ٢٠٦ ، ضمن ح ٧.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ١٩٧ ، ذيل ح ٨٤.

٢٧٣

بعض ما يرويه إطلاق «ابن ياميل» [عليه ـ بالّلام. وفي بعضه أنّ «ياميل»] (١) اسم خالة يوسف ، وأنّها هي الّتي سارت مع أبيه إلى مصر. وربّما يوجد في بعض الأخبار «ابن يامين» منفصلا. وصاحب القاموس ضبطه «بنيامين». قال : ولا تقل «ابن يامين».

وفي روضة الكافي (٢) : بعض أصحابنا ، عن عليّ بن العبّاس ، عن الحسن بن عبد الرّحمن ، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ قال :

إنّ الأحلام لم تكن فيما مضى في أوّل الخلق ، وإنّما حدثت.

فقلت : وما العلّة في ذلك؟ فقال : إنّ الله ـ عزّ ذكره ـ بعث رسولا إلى أهل زمانه ، فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته. فقالوا : إن فعلنا ذلك ، فما لنا؟ فو الله ما أنت بأكثرنا مالا ولا بأعزّنا عشيرة! فقال : إن أطعتموني ، أدخلكم الله الجنّة. وإن عصيتموني ، أدخلكم الله النّار. فقالوا : وما الجنّة والنّار؟ فوصف لهم ذلك. فقالوا : متى نصير إلى ذلك؟ فقال : إذا ما (٣) متّم. فقالوا : لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما ورفاتا!؟ فازدادوا له تكذيبا ، وبه استخفافا.

فأحدث الله ـ عزّ وجلّ ـ فيهم الأحلام. فأتوه ، فأخبروه بما رأوا ، وما أنكروا [من] (٤) ذلك. فقال : إنّ الله ـ عزّ ذكره ـ [أراد أن] (٥) يحتجّ عليكم بهذا. هكذا تكون أرواحكم. إذا متّم ـ وإن بليت أبدانكم ـ تصير الأرواح على عقاب ، حتّى تبعث الأبدان.

عليّ بن إبراهيم (٦) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : رئي المؤمن ورؤياه في آخر الزّمان على سبعين جزءا من أجزاء النّبوّة.

(وَكَذلِكَ) ، أي : وكما اجتبيناك لمثل هذه الرّؤيا الدّالّة على شرف وكمال نفس.

(يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) للنّبوّة والملك. أو : لأمور عظام.

__________________

(١) ليس في أ ، ب ، ر.

(٢) الكافي ٨ / ٩٠ ، ح ٥٧.

(٣) ليس في أ ، ب.

(٤ و ٥) من المصدر.

(٦) الكافي ٨ / ٩٠ ، ح ٥٨.

٢٧٤

والاجتباء ، من : جبيت الشّيء : إذا حصّلته لنفسك.

(وَيُعَلِّمُكَ) :

كلام مبتدأ خارج عن التّشبيه. كأنّه قيل : وهو يعلّمك.

(مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) : من التّعبير للرّؤيا. لأنّها أحاديث الملك ، إن كانت صادقة ، وأحاديث النّفس والشّيطان ، إن كانت كاذبة. أو : من تأويل غوامض كتاب الله ـ تعالى ـ وسنن الأنبياء وكلمات الحكماء. وهو اسم جمع للحديث ، كأباطيل اسم جمع للباطل.

(وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بالنّبوّة ، أو بإيصال نعمة الدّنيا بنعمة الآخرة.

(وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) :

يريد به سائر بنيه ، بأن يصل نعمة الدّنيا بنعمة الآخرة ، بأن يجعلهم أنبياء وملوكا ، ثمّ ينقلهم إلى نعيم الآخرة والدّرجات العلى.

قيل (١) : ولعلّه استدلّ على نبوّتهم بضوء الكواكب. وسيأتي في الخبر أنّ سائر أبنائه لم يكونوا أنبياء ، ولا بررة أتقياء ، ولم يفارقوا الدّنيا إلّا سعداء. ثمّ تابوا ، وتذكّروا ما صنعوا. فالمراد نسله.

(كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ) بالرّسالة.

وقيل (٢) : على إبراهيم ، بالخلّة والإنجاء من النّار. وعلى إسحاق ، بإنقاذه من الذّبح وفدائه بذبح عظيم.

(مِنْ قَبْلُ) : من قبلك. أو : من قبل هذا الوقت.

(إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) :

عطف بيان ل «أبويك».

(إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ) بمن يستحقّ الاجتباء ، (حَكِيمٌ) (٦) بفعل الأشياء على ما ينبغي.

(لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ) ، أي : في قصصهم.

(آياتٌ) : دلائل قدرة الله وحكمته. أو : علامات نبوّتك.

(لِلسَّائِلِينَ) (٧) : لمن سأل عن قصّتهم.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٧.

٢٧٥

وأسماء الإخوة لم يوجد بتمامها في خبر معصوميّ.

وقيل (١) : هم : يهوذا ، وروبيل ، وشمعون ، ولاوي ، وزبالون (٢) ، ويشخر ، ودينة ، من بنت خالته ، تزوّجها يعقوب أوّلا. فلمّا توفّيت ، تزوّج أختها راحيل. فولدت له بنيامين [ويوسف] (٣).

وقيل (٤) : جمع بينهما ، ولم يكن الجمع محرّما حينئذ.

وأربعة آخرون : دان ، ونفتالي ، وجاد ، وآشر ، من سريّتين زلفة وبلهة.

وفي الجوامع (٥) : روي أنّ اليهود قالوا لكبراء المشركين : سلوا محمّدا لم انتقل آل يعقوب من الشّام إلى مصر ، وعن قصّة يوسف. قال : فأخبرهم بالقصّة من غير سماع ولا قراءة كتاب.

(إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ) : بنيامين. وتخصيصه بالإضافة ، لاختصاصه بالاخوّة من الطّرفين.

(أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا) :

وحّده ، لأنّ أفعل من لا يفرق فيه بين الواحد وما (٦) فوقه والمذكّر وما يقابله بخلاف أخويه. فإنّ الفرق في المحلّى واجب جائز في المضاف.

(وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) : والحال أنّا جماعة أقوياء ، أحقّ بالمحبّة من صغيرين لا كفاية فيهما.

والعصبة والعصابة : العشرة فصاعدا.

(إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٨) ، لتفضيله المفضول. أو : لترك التّعديل في المحبّة.

نقل (٧) أنّه كان أحبّ إليه ، لما يرى فيه من المخايل. وكان إخوته يحسدونه. فلمّا رأى الرّؤيا ، ضاعف له المحبّة ، بحيث لم يصبر عنه. فتبالغ حسدهم حتّى حملهم (٨) على التّعرض له.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٨.

(٢) أ : وذنالون. ب : ودمالون.

(٣) ليس في أ ، ب ، ر : ويوسف.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٨.

(٥) الجوامع / ٢١٣.

(٦) ليس في أ ، ب ، ر.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٨.

(٨) ليس في أ ، ب ، ر.

٢٧٦

(اقْتُلُوا يُوسُفَ) :

من جملة المحكيّ بعد قوله : «إذ قالوا».

(أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) : منكورة بعيدة من العمران. وهو معنى تنكيرها وإبهامها. ولذلك نصب كالظّروف المبهمة.

(يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) : محبّته (١).

جواب الأمر. والمعنى : يصف لكم وجهه ، فيقبل بكلّيّته عليكم ، ولا يلتفت عنكم إلى غيركم ، ولا ينازعكم في محبّته أحد.

(وَتَكُونُوا) :

جزم بالعطف على «يخل». أو نصب بإضمار «أن».

(مِنْ بَعْدِهِ) : بعد يوسف والفراغ من أمره ، أو قتله ، أو طرحه.

(قَوْماً صالِحِينَ) (٩) : تائبين إلى الله ـ تعالى ـ عمّا جنيتم. أو : صالحين مع أبيكم ، يصلح ما بينكم وبينه ، بعذر تمهّدونه (٢). أو : صالحين في أمر دنياكم. فإنّه ينتظم لكم بعده ، بخلوّ وجه أبيكم.

(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) :

قيل (٣) : هو يهوذا ، وكان أحسنهم فيه رأيا.

وقيل (٤) : روبيل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : هو لاوي. [عن الهادي ـ عليه السّلام ـ] (٦).

(لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ) ، فإنّ القتل عظيم.

(وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) : في قعره. سمّي بها ، لغيبوبته عن عين (٧) النّاظر.

وقرأ (٨) نافع (٩) : «في غيابات» في الموضعين ، على الجمع. كأنّه لتلك الجبّ غيابات.

وقرئ (١٠) : «غيبة» و «غيابات» بالتّشديد.

__________________

(١) ر : محبّة.

(٢) أ ، ب ، ر : تمهدون له.

(٣ و ٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٨.

(٥) تفسير القميّ ١ / ٣٤٠.

(٦) من المصدر.

(٧) ليس في أ ، ب.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٨.

(٩) ليس في أ ، ب ، ر.

٢٧٧

(يَلْتَقِطْهُ) : يأخذه.

(بَعْضُ السَّيَّارَةِ) : بعض الّذين يسيرون في الأرض.

(إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) (١٠) : بمشورتي. أو : إن كنتم على أن تفعلوا ما يفرق بينه وبين أبيه.

(قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) : لم تخافنا عليه؟

(وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) (١١) : ونحن نشفق عليه ، ونريد له الخير.

أرادوا به استنزاله عن رأيه في حفظه ، لمّا تنسّم من حسدهم. والمشهور : «تأمنا» بالإدغام بالإشمام (١).

وعن نافع (٢) بترك الإشمام. ومن الشّواذّ ترك الإدغام ، لأنّهما من كلمتين ، و «تيمنّا» بكسر التّاء.

(أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً) إلى الصّحراء.

(يَرْتَعْ) : نتّسع في أكل الفواكه ونحوها ـ من الرّتعة ، وهي : الخصب ـ (وَنَلْعَبُ) بالاستباق والانتضال.

وقرأ (٣) ابن كثير : «نرتع» ـ بكسر العين ـ على أنّه من : ارتعى يرتعي.

ونافع (٤) بالكسر والياء فيه وفي «يلعب».

وقرأ (٥) الكوفيون ويعقوب بالياء والسّكون ، على إسناد الفعل إلى يوسف.

وقرئ (٦) : «يرتع» من : أرتع ماشيته. و «يرتع» ـ بكسر العين ـ «ويلعب» ـ بالرّفع ـ على الابتداء.

(وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١٢) من أن يناله مكروه.

__________________

(١٠) نفس المصدر والموضع.

(١) الإشمام ـ عند جمهور النّحاة والقرّاء ـ : صبغ الصّوت اللّغويّ بمسحة من صوت آخر ، مثل نطق كثير من قيس وبني أسد لأمثال : «قيل وبيع» بإمالة تنحو واو المدّ. ومثل إشمام الصّاد صوت الزّاء في قراءة الكسائي بصفة خاصّة.

والإشمام أيضا ـ لدى القرّاء وحدهم ـ : الإشارة بالشّفتين إلى الضّمّة المحذوفة من آخر الكلمة الموقوف عليها بالسكون ، من غير تصويت بهذه الضّمّة.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٨.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤ و ٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٩.

٢٧٨

(قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) ، لشدّة مفارقته عليّ وقلّة صبري عنه.

(وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) :

لأنّ الأرض كانت مذأبة.

وقيل (١) : رأى في المنام أنّ الذّئب قد شدّ على يوسف ، فكان يحذره عليه.

وقد همّزها (٢) على الأصل ابن كثير ونافع [في رواية قالون] (٣). وفي رواية التّرمذيّ (٤) وأبو عمرو وقفا. [وقالون] (٥) وعاصم وابن عامر وحمزة درجا [ووقفا] (٦).

واشتقاقه من : تذاءبت الرّيح : إذا هبّت من كلّ جهة.

(وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) (١٣) لاشتغالكم بالرّتع واللّعب ، أو قلّة اهتمامكم بحفظه.

(قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) :

اللّام توطئة للقسم. وجوابه :

(إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) (١٤) : ضعفاء مغبونون. أو مستحقّون لأن يدعي عليهم بالخسار (٧).

والواو في «ونحن» للحال.

وفي تفسير العيّاشيّ (٨) : عن أبي خديجة (٩) ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّما ابتلي يعقوب بيوسف أنّه (١٠) ذبح كبشا سمينا ، ورجل من أصحابه [يدعى بقوم] (١١) محتاج لم يجد ما يفطر عليه. فأغفله ، ولم يطعمه. فابتلي بيوسف. وكان بعد ذلك كلّ صباح مناديه ينادي : من لم يكن صائما ، فليشهد غداء يعقوب. فإذا كان المساء ، نادى : من كان صائما ، فليشهد عشاء يعقوب.

وفي كتاب علل الشّرائع (١٢) ، بإسناده إلى عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ بني يعقوب لمّا سألوا أباهم يعقوب أن يأذن ليوسف في الخروج معهم ،

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٩.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : اليزيديّ.

(٥ و ٦) ليس في المصدر.

(٧) أ ، ب : بالجار.

(٨) تفسير العياشي ١ / ١٦٧ ، ح ٤.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : أبي حذيفة.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : إذ.

(١١) من المصدر.

(١٢) العلل ٢ / ٦٠٠ ، ح ٥٦.

٢٧٩

قال لهم : إني (أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ). قال : فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : قرّب يعقوب لهم العلّة. فاعتلّوا (١) بها في يوسف.

وفي مجمع البيان (٢) : وروي عن النّبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : لا تلقّنوا الكذب ، فتكذبوا (٣). إنّ بني يعقوب لم يعلموا أنّ الذّئب يأكل الإنسان ، حتّى لقّنهم أبوهم.

(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) : وعزموا على إلقائه فيها.

قيل (٤) : البئر بئر (٥) بيت المقدّس ، أو بئر بأرض الأردنّ ، أو بين مصر ومدين ، أو على ثلاثة فراسخ من مقام يعقوب.

وجواب «لمّا» محذوف ، مثل : فعلوا به ما فعلوا من الأذى.

فقد نقل (٦) أنّهم لمّا برزوا به إلى الصّحراء ، أخذوا يؤذونه ويضربونه ، حتّى كادوا يقتلونه. فجعل يصيح ويستغيث. فقال يهوذا : أما عاهدتموني أن لا تقتلوه!؟ فأتوا به إلى البئر ، فدلّوه فيها. فتعلّق بشفيرها. فربطوا يديه ، ونزعوا قميصه ليلطّخوه بالدّم ، ويحتالوا به على أبيهم. وقال : يا إخوتاه! ردّوا عليّ قميصي ، أتوارى به. فقالوا : ادع الأحد عشر كوكبا والشّمس والقمر يلبسوك ويؤنسوك. فلمّا بلغ نصفها ، ألقوه. وكان فيها ماء ، فسقط فيه. ثمّ آوى إلى صخرة كانت فيها ، فقام عليها يبكي. فجاءه جبرئيل بالوحي.

وفي علل الشّرائع (٧) : محمّد بن موسى بن المتوكّل ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريّ ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن (٨) بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن الثّماليّ قال :

صلّيت مع عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ الفجر بالمدينة يوم الجمعة. فلمّا فرغ من صلاته وسبحته ، نهض إلى منزله وأنا معه. فدعا مولاة له تسمّى سكينة. فقال لها :

__________________

(١) أ ، ب : فاحتلوا.

(٢) المجمع ٣ / ٢١٦.

(٣) المصدر : فيكذبوا.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٨٩.

(٥) أ ، ب ، ر : من.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) العلل ١ / ٤٥ ـ ٤٧ باختلاف يسير.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : الحسين.

٢٨٠