تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

حذف منه حرف النّداء ، لقربه ومفاطنته للحديث.

(أَعْرِضْ عَنْ هذا) : اكتمه ولا تذكره.

(وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) يا زليخا.

(إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) (٢٩) : من القوم المذنبين. من خطئ : إذا أذنب.

(وَقالَ نِسْوَةٌ) :

هو اسم لجمع امرأة. وتأنيثه بهذا الاعتبار غير حقيقيّ. ولذلك جرّد فعله. وضمّ النّون لغة فيها.

(فِي الْمَدِينَةِ) :

ظرف ل «قال». أي : أشعن الحكاية في مصر. أو صفة نسوة.

قيل (١) : وكنّ خمسا : زوجة الحاجب ، والسّاقي ، والخبّاز ، والسّجّان ، وصاحب الدّوابّ.

(امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) : تطلب مواقعة غلامها إيّاها.

والعزيز بلسان العرب : الملك. وأصل فتا : فتى ، لقولهم : فتيان. والفتوّة شاذّة.

(قَدْ شَغَفَها حُبًّا) : قد شقّ شغاف قلبها ـ وهو حجابه ـ حتّى وصل إلى فؤادها ، حبّا.

ونصبه على التّمييز ، لصرف الفعل عنه.

وقرئ (٢) : «شعفها». من : شعف البعير : إذا هنأه بالقطران ، فأحرقه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) يقول : قد حجبها حبّه عن النّاس ، فلا تعقل غيره. والحجاب هو الشّغاف. والشّغاف هو حجاب للقلب.

وفي مجمع البيان (٤) والجوامع (٥) ، نسب القراءة بالعين المهملة إلى أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ.

(إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣٠) : في ضلال عن الرّشد ، وبعد عن

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٣.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٣.

(٣) تفسير القميّ ١ / ٣٥٧.

(٤) المجمع ٣ / ٢٢٨.

(٥) الجوامع / ٢١٦.

٣٠١

الصّواب.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وشاع الخبر بمصر ، وجعلت (٢) النّساء يتحدّثن بحديثها ، ويعذلنها (٣) ويذكرنها.

(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَ) : [باغتيابهنّ.

وإنّما سمّاه مكرا ، لأنهنّ أخفينه ، كما يخفي الماكر مكره. أو قلن ذلك لتريهنّ يوسف. أو لأنّها استكتمتهنّ سرّها ، فأفشين عليها.] (٤)

(أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَ) تدعوهنّ.

قيل (٥) : دعت أربعين امرأة فيهنّ الخمس.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : فبعثت إلى كلّ امرأة رئيسة ، فجمعن في منزلها. وهيّأت لهنّ مجلسا. ودفعت إلى كلّ امرأة أترجّة (٧) وسكّينا ، فقالت اقطعن. ثمّ قالت ليوسف : اخرج عليهنّ. وكان في بيت. فخرج يوسف عليهنّ. فلمّا أن (٨) نظرن إليه ، أقبلن يقطعنّ أيديهنّ ، وقلن كما حكى الله ـ عزّ وجلّ ـ.

(وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) :

قيل (٩) : ما يتّكئن عليه من الوسائد.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١٠) : «متكا» ، أي : أترجّة.

كأنّه قرأه بإسكان التّاء وحذف الهمزة. أو طعاما ومجلس طعام ، كما يأتي عن السّجاد ـ عليه السّلام ـ. فإنّهم كانوا يتّكئون للطّعام والشّراب تترّفا. فنهي عنه لذلك.

(وَآتَتْ) : أعطت (كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً) ، حتّى يتّكئن والسّكاكين بأيديهنّ. فإذا خرج عليهنّ يبهتن ويشغلن عن أنفسهنّ ، فتقع أيديهنّ على أيديهنّ فيقطعنها ، فيبكتن بالحجّة. أو يهاب يوسف من مكرها ، إذا خرج على أربعين امرأة في

__________________

(١) تفسير القميّ ١ / ٣٤٣.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : جعلن.

(٣) المصدر : يعيّرنها.

(٤) ليس في أ ، ب.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٣.

(٦) تفسير القميّ ١ / ٣٤٣.

(٧) الاترجّ : شجر يعلو ، ناعم الأغصان والورق والثّمر ، وثمره كاللّيمون الكبار ، وهو ذهبيّ اللّون ، ذكيّ الرائحة ، حامض الماء.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٣.

(١٠) تفسير القميّ ١ / ٣٤٣.

٣٠٢

أيديهنّ الخناجر.

(وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) : عظّمنه ، وهبن حسنه الفائق.

وقيل (١) : كان يرى (٢) تلألؤ وجهه على الجدران.

وقيل (٣) : «أكبرن» بمعنى : حضن. من أكبرت المرأة : إذا حاضت. والهاء ضمير للمصدر ، أو ليوسف ، على حذف اللّام. أي : حضن له من شدّة الشّبق.

وفي مجمع البيان (٤) ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : رأيت في السّماء الثّانية رجلا صورته صورة القمر ليلة البدر. فقلت لجبرئيل : من هذا؟ قال : هذا أخوك يوسف. يعني حين أسري به.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ ما يقرب منه.

(وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) : جرحنها بالسّكاكين من فرط الدّهشة.

(وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) ، تنزيها له من صفات العجز ، وتعجّبا من قدرته على خلق مثله.

وأصله : حاشا. كما قرأ أبو عمرو (٦) في الدّرج. فحذفت ألفه الأخيرة تخفيفا. وهو حرف يفيد معنى التّنزيه في باب الاستثناء. فوضع موضع التّنزيه. واللّام للبيان ، كما في قولك : سقيا لك.

وقرئ (٧) : «حاش الله» ـ بغير لام ـ بمعنى : براءة الله. و «حاشا لله» ـ بالتّنوين ـ على تنزيله منزلة المصدر.

وقيل (٨) : «حاشا» فاعل من الحشا الّذي هو النّاحية. وفاعله ضمير يوسف. أي : صار في ناحية لله ممّا يتوهّم فيه.

(ما هذا بَشَراً) :

لأنّ هذا الجمال غير معهود للبشر. وهي على لغة أهل الحجاز في إعمال «ما»

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٤.

(٢) ليس في أ ، ب.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) المجمع ٣ / ٢٣١.

(٥) تفسير القميّ ٢ / ٨ إلّا أنّ فيه : «في السماء الثالثة».

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٤.

(٧ و ٨) نفس المصدر والموضع.

٣٠٣

عمل «ليس» لمشاركتها في نفي الحال.

وقرئ (١) : «بشر» ـ بالرّفع ـ على لغة تميم. و «بشرى» ، أي : بعبد مشترى لئيم.

(إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) (٣١) :

فإنّ الجمع بين الجمال الرّائق والكمال الفائق والعصمة البالغة ، من خواصّ الملائكة. أو : لأنّ جماله فوق جمال البر ، لا يفوقه فيه إلّا الملك.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن محمّد بن مروان ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ يوسف خطب امرأة جميلة كانت في زمانه. فردّت ، وقالت : عبد الملك إيّاي تطلب!؟ قال : فطلبها إلى أبيها. فقال له أبوها : إنّ الأمر أمرها.

قال : فطلبها إلى ربّه وبكى. فأوحى الله إليه : إنّي قد زوّجتكها. ثمّ أرسل إليها أنّي أريد أن أزوركم. فأرسلت إليه أن تعال (٣). فلمّا دخل عليها ، أضاء البيت لنوره. فقالت : «ما هذا إلّا ملك كريم». فاستسقى. فقامت إلى الطّاس لتسقيه. فجعل يتناول [الطّاس] (٤) من يدها. فتناوله فاها. فجعل يقول لها : انتظري ، ولا تعجلي. قال : فتزوّجها.

(قالَتْ : فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) ، أي فهو ذلك العبد الكنعاني الذي لمتنّني في الافتنان به ، قبل ان تتصوّرنه حقّ تصوّره. فلو تصورتنّه بما عاينتنّ ، لعذرتنني. أو : فهذا هو الّذي لمتنني فيه. فوضع «ذلك» موضع «هذا» رفعا لمنزلة المشار إليه.

(وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) : فامتنع طلبا للعصمة. أقرّت لهنّ حين عرفت [أنّهنّ يعذرنها كي يعاونّها على إلانة عريكته.

(وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ) ، أي : ما آمر به. فحذف الجارّ. أو : أمري إيّاه ، بمعنى :] (٥) موجب أمري. فيكون الضّمير ليوسف.

(لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) (٣٢) : الأذلّاء.

وهو من : صغر ـ بالكسر ـ يصغر ، صغرا وصغارا. والصّغير من : صغر ـ بالضّمّ ـ صغرا.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٤.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٧٥ ، ح ٢٠.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : تعالي.

(٤) من المصدر.

(٥) ليس في ب

٣٠٤

وقرئ (١) : «ليكونن». وهو يخالف خطّ المصحف. لأنّ النّون كتبت فيه بالألف ك «لنسفعا» على حكم الوقف. وذلك في الخفيفة لشبهها بالتّنوين.

(قالَ رَبِّ السِّجْنُ) :

وقرأ (٢) يعقوب بالفتح ، على المصدر.

(أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) ، أي : آثر عندي من مؤاتاتها زنا ، نظرا إلى العاقبة.

وإسناد الدّعوة إليهنّ جميعا ، لأنّهنّ خوّفنه عن مخالفتها وزيّنّ له مطاوعتها ، أو دعونه إلى أنفسهنّ.

وقيل (٣) : إنّما ابتلي بالسّجن لقوله هذا. وإنّما كان الأولى به أن يسأل الله العافية.

ولذلك ردّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على من كان يسأل الصّبر على البلاء.

وفي كتاب علل الشّرائع (٤) ، بإسناده إلى ابن مسعود قال : احتجّوا في مسجد الكوفة فقالوا : ما بال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ لم ينازع الثّلاثة ، كما نازع طلحة والزّبير وعائشة ومعاوية!؟ فبلغ عليّا ـ عليه السّلام ـ. فأمر أن ينادى بالصّلاة جامعة. فلمّا اجتمعوا صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه.

ثمّ قال : يا معشر النّاس! إنّه قد بلغني عنكم كذا وكذا. قالوا : صدق أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قد قلنا ذلك.

قال : فإنّ لي بسنّة الأنبياء أسوة فيما فعلت. قال الله ـ تعالى ـ في محكم كتابه (٥) : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). قالوا : ومن هم ، يا أمير المؤمنين؟

قال : أوّلهم إبراهيم ـ عليه السّلام إلى أن قال : ـ ولي بيوسف أسوة إذ قال : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ). فإن قلتم : إنّ يوسف دعا ربّه وسأله السّجن ليسخط (٦) ربّه ، فقد كفرتم. وإن قلتم : إنّه أراد بذلك لئلّا يسخط ربّه عليه ، فاختار السّجن ، فالوصيّ أعذر.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : حدّثني أبي ، عن العبّاس بن هلال ، عن أبي الحسن

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٤.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٤.

(٤) العلل ١ / ١٤٨ ـ ١٤٩ ، ح ٧.

(٥) الأحزاب / ٢١.

(٦) المصدر : لسخط.

(٧) تفسير القميّ ١ / ٣٥٤.

٣٠٥

الرّضا ـ عليه السّلام ـ :

قال السّجّان ليوسف : إنّي لأحبّك. فقال يوسف ـ عليه السّلام ـ : ما أصابني إلّا من الحبّ. إن كانت خالتي (١) أحبّتني ، فسرقتني. وإن كان أبي أحبّني ، فحسدوني إخوتي. وإن كانت امرأة العزيز أحبّتني ، فحبستني.

قال : وشكا [يوسف] (٢) في السّجن إلى الله ، فقال : يا ربّ ، بما (٣) استحققت السّجن؟ فأوحى الله إليه : أنت اخترته حين قلت : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ). هلّا قلت : العافية أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه!؟

وفيه (٤) : فما أمسى يوسف في ذلك البيت ، حتّى بعثت إليه كلّ امرأة رأته تدعوه إلى نفسها. فضجر يوسف ـ عليه السّلام ـ [في ذلك البيت] (٥) فقال : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُ) (الآية).

(وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي) : وإن لم تصرف عنّي (كَيْدَهُنَ) في تحبيب ذلك إليّ وتحسينه عندي ، بالتّثبيت على العصمة ، (أَصْبُ إِلَيْهِنَ) : أمل إلى إجابتهنّ ، أو إلى أنفسهنّ بطبعي ومقتضى شهوتي.

والصّبوة : الميل إلى الهوى. ومنه : الصّبا ، لأن النّفوس تستطيبها ، وتميل إليها.

وقرئ (٦) : «أصب». من الصّبابة ، وهي : الشّوق.

(وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٣٣) : من السّفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه ، فإنّ الحكيم لا يفعل القبيح. أو : من الّذين لا يعملون بما يعلمون ، فإنّهم والجهّال سواء.

(فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ) : فأجابه الله دعاءه الّذي تضمنّه قوله : (وَإِلَّا تَصْرِفْ).

(فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَ) : فثبّته بالعصمة ، حتّى وطّن نفسه على مشقّة السّجن ، وآثرها على اللّذّة المتضمّنة للعصيان (٧).

(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لدعاء الملتجئين إليه (الْعَلِيمُ) (٣٤) بأحوالهم وما يصلحهم.

__________________

(١) بعض نسخ المصدر : عمّتي.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر : بماذا.

(٤) تفسير القميّ ١ / ٣٤٣.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٥.

(٧) ب : للمعصية.

٣٠٦

وفي علل الشّرائع (١) ، عن السّجّاد ـ عليه السّلام ـ : وكان يوسف من أجمل أهل زمانه. فلمّا راهق يوسف ، راودته امرأة الملك عن نفسه. فقال : لها : معاذ الله أنا من أهل بيت لا يزنون. فغلّقت الأبواب عليها وعليه ، [وقالت : لا تخف. وألقت نفسها عليه.] (٢) فأفلت منها هاربا إلى الباب ، ففتحه. فلحقته ، فجذبت قميصه من خلفه ، فأخرجته منه. فأفلت يوسف منها في ثيابه. (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ).

قال : فهمّ الملك بيوسف ليعذّبه. فقال له يوسف : وإله يعقوب ، ما أردت بأهلك سوءا ، بل هي راودتني عن نفسي. فاسأل هذا الصّبي أيّنا راود صاحبه عن نفسه.

قال : وكان عندها من أهلها صبيّ (٣) زائر لها. فأنطق الله الصّبيّ لفصل القضاء ، فقال : أيّها الملك انظر إلى قميص يوسف. فإن كان مقدودا من قدّامه ، فهو الّذي راودها. وإن كان مقدودا من خلفه ، فهي الّتي راودته. فلمّا سمع الملك كلام الصّبيّ وما اقتصّ ، أفزعه ذلك فزعا شديدا. فجيء بالقميص ، فنظر إليه. فلمّا رآه مقدودا من خلفه ، قال لها : (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ). وقال : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) ولا يسمعه أحد منك وأكتمه.

[قال :] (٤) فلم يكتمه يوسف وأذاعه في المدينة ، حتّى قلنّ نسوة منهنّ : (امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ). فبلغها ذلك. فأرسلت إليهنّ ، وهيّأت لهنّ طعاما ومجلسا. ثمّ أتتهنّ بأترجّ ، وأتت كلّ واحدة منهنّ سكّينا. ثمّ قالت ليوسف : (اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) وقلن ما قلن. فقالت لهنّ : هذا الّذي لمتنّني فيه. يعني في حبّه. وخرجت (٥) النّسوة من عندها.

فأرسلت كلّ واحدة منهنّ إلى يوسف سرّا من صاحبتها (٦) تسأله الزّيارة. فأبى عليهنّ وقال : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ). فصرف الله عنه كيدهنّ.

__________________

(١) العلل ١ / ٤٨ ـ ٤٩.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : «صبيّ من أهلها» بدل «من أهلها صبيّ».

(٤) من المصدر.

(٥) كما هو الصحيح. وفي النسخ : خرجن.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : صواحبها.

٣٠٧

(ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) : ثمّ ظهر للعزيز وأهله ، من بعد ما رأوا الشّواهد الدّالة على براءة يوسف ، كشهادة الصّبيّ ، وقدّ القميص ، وقطع النّساء أيديهنّ ، واستعصامه عنهنّ.

وفاعل «بدا» مضمر يفسّره (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) (٣٥).

وذلك أنّها خدعت زوجها ، وحملته على سجنه زمانا ، حتّى تبصر ما يكون منه ، أو يحسب النّاس أنّه المجرم. فلبث في السّجن سبع سنين.

وقرئ (١) بالتّاء ، على أنّ بعضهم خاطب به العزيز ـ على التّعظيم ـ أو العزيز ومن يليه. و «عتى» بلغة هذيل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : والآيات شهادة الصّبيّ ، والقميص المخرق من دبر ، واستباقهما الباب حتّى سمع (٣) مجاذبتها إيّاه على الباب. فلمّا عصاها ، لم تزل ملحّة (٤) بزوجها ، حتّى حبسه.

وفي عيون الأخبار (٥) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من خبر الشّاميّ وما سأل عنه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في جامع الكوفة ، حديث طويل. وفيه : فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن يوم الأربعاء والتّطيّر (٦) منه وثقله. وأيّ أربعاء هو؟

فقال ـ عليه السّلام ـ : آخر أربعاء في الشّهر. وهو المحاق. وفيه قتل قابيل هابيل أخاه ـ إلى أن قال : ـ ويوم الأربعاء ادخل يوسف ـ عليه السّلام ـ في (٧) السّجن.

وفي كتاب الخصال (٨) ، عن محمّد بن سهل البحرانيّ يرفعه إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : البكّاؤون خمسة ـ إلى أن قال :

وأمّا يوسف ، فبكى على يعقوب ، حتّى تأذّى به أهل السّجن فقالوا له : إمّا أن تبكي اللّيل وتسكت النّهار ، وإمّا أن تبكي النّهار وتسكت اللّيل! فصالحهم على واحد منهما.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٥.

(٢) تفسير القميّ ١ / ٣٤٤.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : رأى.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : مولعة.

(٥) العيون ١ / ١٩٣ ـ ١٩٤ ، ح ١.

(٦) المصدر : وتطيّرنا.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) الخصال ١ / ٣٧٢ ، ح ١٥.

٣٠٨

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ما بكى أحد بكاء ثلاثة ـ إلى قوله : ـ

وأمّا يوسف ، فإنّه كان يبكي على أبيه يعقوب وهو في السّجن فتأذّى به أهل السّجن فصالحهم على أن يبكي يوما ويسكت يوما.

وفي أصول الكافي (٢) : عليّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن سيف بن عميرة قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول :

جاء جبرئيل ـ عليه السّلام ـ إلى يوسف وهو في السّجن. فقال : يا يوسف ، قل في دبر كلّ صلاة : «اللهمّ اجعل لي فرجا ومخرجا. وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب».

(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ) ، أي : ادخل مع يوسف عبدان آخران من عبيد الملك.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : عبدان للملك ، أحدهما خبّاز ٢ ، والآخر صاحب الشّراب.

(قالَ أَحَدُهُما) ، يعني : صاحب الشّراب : (إِنِّي أَرانِي) ، أي : أرى في المنام. وهي حكاية الحال ماضية.

(أَعْصِرُ خَمْراً) : أي : عنبا. سمّاه بما يؤول إليه.

(وَقالَ الْآخَرُ) ، أي : الخبّاز (٤).

(إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) : تنهش منه.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن طربال ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أمر الملك بحبس يوسف في السّجن ، ألهمه الله علم تأويل الرّؤيا. فكان يعبّر لأهل السّجن رؤياهم. وإنّ فتيين ادخلا معه في (٦) السّجن يوم حبسه. فلمّا باتا ، أصبحا فقالا له : إنّا رأينا رؤيا ، فعبّرها لنا. فقال : وما رأيتما؟ فقال أحدهما : (إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ). وقال الآخر : [إنّي] (٧) رأيت [أن] (٨) أسقي الملك خمرا. ففسّر (٩) لهما

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٧٧ ـ ١٧٨ ، ح ٢٨.

(٢) الكافي ٢ / ٥٤٩ ، ح ٧.

(٣) تفسير القميّ ١ / ٣٤٤.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : خبازه.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ١٧٦ ، ح ٢٣.

(٦) ليس في المصدر.

٣٠٩

رؤياهما على ما في الكتاب. والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

ابن أبي يعفور (١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : (قالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً). قال : أحمل فوق رأسي جفنة (٢) فيها خبز تأكل الطّير منها.

(نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٣٦) : إلى أهل السّجن. فأحسن إلينا بتأويل ما رأينا ، إن كنت تعرفه.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : «(إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) قال : كان يقوم على المريض ، ويلتمس للمحتاج ، ويوسع على المحبوس.

وفي أصول الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) قال : كان يوسع المحبس ، ويستقرض للمحتاج ، ويعين الضّعيف.

وفي مجمع البيان (٥) وقيل : «من المحسنين» ، أي : ممّن يحسن تأويل الرّؤيا.

قال : وهذا دليل على أنّ أمر الرّؤيا صحيح ، وأنّها لم تزل في الأمم السّابقة. وفي الحديث أنّ الرّؤيا جزء من ستّة وأربعين جزءا من النّبوة. وتأويله أنّ الأنبياء يخبرون بما سيكون ، والرّؤيا تدلّ على ما سيكون. فيكون معنى الآية : انا نعلمك ونظنّك ممّن يعرف [تعبير] (٦) الرّؤيا. ومن ذلك قول أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قيمة كلّ امرئ ما يحسنه.

(قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما) ، أي : بتأويل ما قصصتما عليّ. أو : بتأويل الطّعام وكيفيّته. فإنّه يشبه تفسير المشكل.

كأنّه أراد أن يدعوهما إلى التّوحيد ، ويرشدهما الطّريق القويم ، قبل أن يسعف ما سألا منه ، كما هو طريقة الأنبياء والأوصياء في الهداية والإرشاد. فقدّم ما يكون معجزة له من الإخبار بالغيب ، ليدلّهما على صدقه في الدّعوة والتّعبير.

(ذلِكُما) ، أي : ذلك التّأويل (مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) بالإلهام والوحي ، وليس من

__________________

(٧ و ٨) من المصدر.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : فعبّر.

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٧٧ ، ح ٢٥.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : جعبة.

(٣) تفسير القميّ ١ / ٣٤٤.

(٤) الكافي ٢ / ٦٣٧ ، ح ٣.

(٥) المجمع ٣ / ٢٣٣.

(٦) من المصدر.

٣١٠

قبيل التّكهّن والتّنجيم.

(إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (٣٧) :

تعليل لما قبله. أي : علّمني ذلك ، لأنّي تركت ملّة أولئك (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ). أو كلام مبتدأ لتمهيد الدّعوة وإظهار أنّه من بيت النّبوّة ، ليقوّي رغبتهما في الاستماع إليه ، والوثوق عليه. ولذلك جوّز للخامل (١) أن يصف نفسه ، حتّى يعرف فيقتبس منه.

وتكرير الضّمير للدّلالة على اختصاصهم وتأكيد كفرهم بالآخرة.

وفي أمالي شيخ الطّائفة (٢) ـ قدّس سرّه ـ بإسناده إلى الحسن بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ حديث طويل. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : من لم يعرفني فأنا الحسن بن محمّد النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ثمّ تلا هذه فقال يوسف : (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ـ إلى قوله : ـ يَعْقُوبَ).

(ما كانَ لَنا) ما صحّ لنا معشر الأنبياء. (أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) ، أيّ شيء كان.

(ذلِكَ) أي التّوحيد.

(مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا) بالوحي (وَعَلَى النَّاسِ) : وعلى سائر النّاس ، ببعثنا لإرشادهم وتثبيتهم عليه ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) المبعوث (٣) إليهم. (لا يَشْكُرُونَ) (٣٨) : هذا الفضل ، فيعرضون عنه ولا يتنبّهون. أو : من فضل الله علينا وعليهم ، بنصب الدّلائل وإنزال الآيات ، ولكنّ أكثرهم لا ينظرون إليها ، ولا يستدلّون بها فيلغونها ، كمن يكفر النّعمة ولا يشكرها.

(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) ، أي : يا ساكنيه. أو : يا صاحبي فيه. فأضافهما إليه على الاتّساع ، كقوله :

يا سارق اللّيلة أهل الدّار

(أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ) ، أي : شتّى متعدّدة متساوية الأقدام (أَمِ اللهُ الْواحِدُ) : المتوحّد في الألوهيّة (الْقَهَّارُ) (٣٩) : الغالب الّذي لا يعادله ولا يقاومه غيره.

__________________

(١) أ ، ب : للحامل.

(٢) نور الثقلين ٢ / ٤٢٦ ، ح ٧٠.

(٣) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٤٩٦. وفي النسخ : المبعوثون.

٣١١

(ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ) :

خطاب لهما ولمن على دينهما من أهل مصر.

(إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) : إلّا أشياء باعتبار أسام أطلقتم عليها ، من غير حجّة تدلّ على تحقّق مسمّياتها فيها. فكأنّكم لا تعبدون إلّا الأسماء المجرّدة. والمعنى : أنّكم سمّيتم ما لم يدلّ على استحقاقه الألوهيّة عقل ولا نقل آلهة ، ثمّ أخذتم تعبدونها باعتبار ما تطلقون عليها.

(إِنِ الْحُكْمُ) في أمر العبادة (إِلَّا لِلَّهِ) :

لأنّه المستحقّ لها بالذّات ، من حيث إنّه الواجب لذاته الموجد للكلّ والمالك لأمره.

(أَمَرَ) على لسان نبيّه (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) : الّذي دلّت عليه الحجج.

(ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) : الحقّ ، وأنتم لا تميّزون المعوجّ من القويم.

وهذا من التّدرّج في الدّعوة وإلزام الحجّة. بيّن لهم أوّلا رجحان التّوحيد على اتّخاذ الآلهة ، على طريق الخطابة. ثمّ برهن على أنّ ما يسمّونها آلهة ويعبدونها ، لا تستحقّ الإلهيّة. فإنّ استحقاق العبادة إمّا بالذّات ، وإمّا بالغير ، وكلا القسمين منتف عنها. ثمّ نصّ على ما هو الحقّ القويم والدّين المستقيم الّذي لا يقتضي العقل غيره ، ولا يرتضي العلم دونه.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٤٠) فيخبطون في جهالاتهم.

(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما) ، يعني : صاحب الشّراب.

(فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) ، كما كان يسقيه قبل ، ويعود إلى ما كان عليه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قال له يوسف : تخرج [من السّجن] (٢) وتصير على شراب الملك ، وترتفع منزلتك عنده.

وفي مجمع البيان (٣) : (أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) (الآية). فروي أنّه قال : أمّا العناقيد الثّلاثة (٤) ، فإنّها ثلاثة أيّام تبقى في السّجن. ثمّ يخرجك الملك اليوم الرّابع ، وتعود

__________________

(١) تفسير القميّ ١ / ٣٤٤.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المجمع ٣ / ٢٣٤.

(٤) ذكر الطبرسيّ (ره) قبل ذلك أنّ المعنى : قال أحدهما ـ وهو الساقي ـ : رأيت أصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها وعصرتها في كأس

٣١٢

إلى ما كنت عليه.

(وَأَمَّا الْآخَرُ) ـ يريد الخبّاز ـ (فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ) :

في تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : ولم يكن رأى ذلك وكذب. فقال له يوسف : أنت يقتلك الملك ، ويصلبك ، وتأكل الطّير من دماغك. فجحد الرّجل فقال : إنّي لم أر ذلك. فقال يوسف :

(قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) (٤١) :

أي : قطع الأمر الّذي تستفتيان فيه ، وهو ما يؤول إليه أمركما. ولذلك وحّده ، فإنّهما ، وإن استفتيا في الأمرين ، لكنّهما أرادا استبانة غاية ما نزل بهما.

(وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) : اذكر حالي عند الملك ، كي يخلّصني.

(فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) :

قيل (٢) : فأنسى صاحب الشّراب أن يذكره لربّه. فأضاف إليه المصدر ، لملابسته له. أو : أنسى يوسف ذكر الله ، حتّى استعان بغيره. ويؤيّده قوله ـ عليه السّلام ـ : رحم الله أخي يوسف! لو لم يقل : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) ، لما لبث في السّجن سبعا بعد الخمس.

(فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) (٤٢) :

البضع ما بين الثّلاث إلى التّسع. من البضع ، وهو : القطع.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) ، عن الصادق ـ عليه السّلام ـ قال : سبع سنين.

وفيه (٤) : وفي رواية عليّ بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أمر الملك بحبس يوسف ـ إلى قوله : ـ ثمّ (قالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ). قال : ولم يفزع يوسف في حاله إلى الله فيدعوه. فلذلك قال الله : (فَأَنْساهُ ـ إلى قوله : ـ سِنِينَ). قال : فأوحى الله إلى يوسف في ساعته (٥) تلك :

__________________

الملك ، وسقيته إيّاها. ثمّ قال بعد كلام طويل ما نقله المؤلّف (ره) من قوله : «فروي أنه قال : أمّا العناقيد ...».

(١) تفسير القميّ ١ / ٣٤٤.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٧.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٧٨ ، ح ٣٠.

(٤) نفس المصدر / ١٧٦ ، ح ٢٣ ، إلّا أنّ الرواية عن طربال ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

٣١٣

يا يوسف! من أراك الرّؤيا الّتي رأيتها (١)!؟ فقال : أنت يا ربّي.

قال : فمن حبّبك إلى أبيك!؟ قال : أنت يا ربّي.

قال : فمّن وجّه السّيّارة إليك!؟ قال : أنت يا ربّي.

قال : فمن علّمك الدّعاء الّذي دعوت (٢) به ، حتّى جعل لك من الجبّ فرجا!؟

قال : أنت يا ربّي.

قال : فمن جعل لك من كيد المرأة مخرجا!؟ قال : أنت يا ربّي.

قال : فمن أنطق لسان الصّبيّ بعذرك!؟ قال : أنت يا ربّي.

قال : فمن صرف كيد امرأة العزيز والنّسوة!؟ قال : أنت يا ربّي.

قال : فمن ألهمك تأويل الرّؤيا!؟ قال : أنت يا ربّي (٣).

قال : فكيف (٤) استغثت بغيري ، ولم تستغث بي!؟ ولم (٥) تسألني أن أخرجك من السّجن ، واستغثت وأملت عبدا من عبادي ، ليذكرك إلى مخلوق من خلقي في قبضتي ، ولم تفزع إليّ! البث في السّجن بذنبك بضع سنين ، بإرسالك عبدا إلى عبد.

عن يعقوب بن شعيب (٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال الله ليوسف : ألست [الّذي] (٧) حبّبتك إلى أبيك ، وفضّلتك على النّاس بالحسن!؟ أو لست الّذي بعثت (٨) إليك السّيّارة ، وأنقذتك وأخرجتك من الجبّ!؟ أو لست الّذي صرفت عنك كيد النّسوة!؟ فما حملك على (٩) أن ترفع رغبتك عنّي (١٠) ، أو تدعو مخلوقا دوني!؟ فالبث لما قلت في السّجن بضع سنين.

عن عبد الله بن عبد الرّحمن (١١) ، عمّن ذكره عنه قال : قال : لمّا قال للفتى : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) ، أتاه جبرئيل. فضربه برجله ، حتّى كشط له عن الأرض السّابعة. قال له : يا يوسف ، انظر! ما ذا ترى؟ فقال : أرى حجرا صغيرا. ففلق الحجر فقال : ما ذا

__________________

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : ساعة.

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : أريتها.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : دعوته.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : يا ربّنا.

(٤) يوجد في أ ، ب.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ١٧٧ ، ح ٢٦.

(٧) من المصدر.

(٨) المصدر : سقت.

(٩) ليس في أ ، ب.

(١٠) ليس في المصدر.

(١١) تفسير العياشي ٢ / ١٧٧ ، ح ٢٧.

٣١٤

ترى؟ قال : أرى دودة صغيرة. قال : فمن رازقها؟ قال : ربّي.

قال : فإنّ ربّك يقول : لم أنس (١) هذه الدّودة في ذلك الحجر في قعر الأرض السّابعة ، أظننت أنّي أنساك ، حتّى تقول للفتى : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ)!؟ لتلبثنّ في السّجن بمقالتك هذه بضع سنين.

قال : فبكى يوسف عند ذلك ، حتّى بكى لبكائه الحيطان. قال (٢) : فتأذّى به أهل السّجن. فصالحهم على أن يبكي يوما ، ويسكت يوما. فكان في اليوم الّذي يسكت أسوأ حالا.

وفي مجمع البيان (٣) : وقد روي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : عجبت من أخي يوسف ، كيف استغاث بالمخلوق دون الخالق!

وروي (٤) أنّه قال : لو لا كلمته ، ما لبث في السّجن طول ما لبث.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : أخبرنا الحسن بن عليّ ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن عمر ، عن شعيب العقرقوفيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال :

إنّ يوسف أتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال له : يا يوسف! إنّ ربّ العالمين يقرئك السّلام ويقول لك : من جعلك [أحسن خلقه!؟ قال : فصاح ووضع خدّه على الأرض. ثمّ قال : أنت يا ربّ.

ثمّ قال له : ويقول لك : من حبّبك] (٦) إلى أبيك دون إخوتك!؟ قال : فصاح ووضع خدّه على الأرض ، وقال : أنت يا ربّ.

قال : ويقول لك من أخرجك من الجبّ ، بعد أن طرحت فيها وأيقنت بالهلكة!؟

قال : فصاح ووضع خدّه على الأرض. ثمّ قال : أنت يا ربّ.

قال : فإنّ ربّك قد جعل لك عقوبة في استغاثتك بغيره. فالبث (٧) في السّجن بضع سنين.

قال : فلمّا انقضت المدّة ، وأذن الله له في دعاء الفرج ، وضع (٨) خدّه على

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم أنسي.

(٢) ليس في أ ، ب.

(٣ و ٤) المجمع ٣ / ٢٣٥.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٤٤ ـ ٣٤٥.

(٦) ليس في أ ، ب.

(٧) المصدر : فلبثت.

(٨) المصدر : فوضع.

٣١٥

الأرض. ثمّ قال : «اللهمّ ، إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك ، فإنّي أتوجّه إليك بوجه آبائي الصّالحين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب». ففرّج الله عنه.

قلت : جعلت فداك ، أندعوا نحن بهذا الدّعاء؟ فقال : ادع بمثله : «اللهمّ ، إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك ، فإنّي أتوجّه إليك بنبيّك ، نبيّ الرّحمة ، محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ».

وفيه (١) : قال : ولمّا أمر الملك بحبس يوسف في السّجن ، ألهمه الله تأويل الرّويا ، [فكان] (٢) يعبّر لأهل السّجن. فلمّا سألاه الفتيان الرّؤيا ، وعبّر لهما (وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) ولم يفزع في تلك الحالة إلى الله ، فأوحى الله إليه : من أراك الرّؤيا الّتي رأيتها!؟ فقال يوسف : أنت يا ربّ.

قال : فمن حبّبك إلى أبيك!؟ قال : أنت يا ربّ.

قال : فمن وجّه إليك السّيّارة الّتي رأيتها!؟ فقال : أنت يا ربّ.

قال : فمن علّمك الدّعاء الّذي دعوت به ، حتّى جعلت لك من الجبّ فرجا!؟

قال : أنت يا ربّ.

قال : فمن أنطق لسان الصّبيّ بعذرك؟ قال : أنت يا ربّ.

قال : فمن ألهمك تأويل الرّؤيا!؟ قال : أنت يا ربّ.

قال : فكيف استعنت بغيري ، ولم تستعن بي!؟ وأملت عبدا من عبيدي ، ليذكرك إلى مخلوق من خلقي وفي قبضتي ، ولم تفزع إليّ! البث (٣) في (٤) السّجن بضع سنين.

فقال يوسف : أسألك بحقّ آبائي [وأجدادي] (٥) عليك ، إلّا فرّجت عنّي. فأوحى الله إليه : يا يوسف! وأيّ حقّ لآبائك وأجدادك عليّ!؟

إن كان أبوك آدم ، خلقته بيدي ، ونفخت فيه من روحي. وأسكنته جنّتي ، وأمرته أن لا يقرب شجرة منها. فعصاني. فسألني ، فتبت عليه.

وإن كان أبوك نوح ، انتجبته من بين خلقي ، وجعلته رسولا إليهم. فلمّا عصوا ، دعاني. فاستجبت له ، وغرّقتهم (٦). وأنجيته ومن معه في الفلك.

__________________

(١) تفسير القميّ ١ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر : ولبثت.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : أغرفتهم.

٣١٦

وإن كان أبوك إبراهيم ، اتّخذته خليلا. وأنجيته من النّار ، وجعلتها عليه (١) بردا وسلاما.

وإن كان أبوك يعقوب ، وهبت له اثني عشر ولدا. فغيّبت عنه واحدا. فما زال يبكي ، حتّى ذهب بصره. وقعد إلى الطّريق يشكوني إلى خلقي. فأيّ حقّ لآبائك [وأجدادك] (٢) عليّ!؟

قال : فقال له (٣) جبرئيل : قل يا يوسف : «أسألك بمنّك العظيم وإحسانك القديم». فقالها. فرأى الملك الرّؤيا ، وكان فرجه فيها.

(وَقالَ الْمَلِكُ) :

في مجمع البيان (٤) : هو الوليد بن ريّان ، والعزيز وزيره فيما رواه الأكثرون.

(إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ) وسبع بقرات مهازيل. فابتلع المهازيل السّمان.

(يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) قد انعقد حبّها.

وفي مجمع البيان (٥) : [عن] (٦) جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ أنّه قرأ : «وسبع سنابل».

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) ، عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقرأ : «سبع سنابل خضر (٨)».

(وَأُخَرَ يابِساتٍ) : وسبع أخر يابسات قد أدركت. فالتوت اليابسات على الخضر حتّى غلبن عليها.

وإنّما استغنى عن بيان حالها ، بما قصّ من حال البقرات.

وأجرى السّمان على المميّز دون المميّز ، لأنّ التّمييز بها. ووصف السّبع الثاني بالعجاف لتعذّر (٩) التّمييز بها ، مجرّدا عن الموصوف ، فإنّه لبيان الجنس. وقياسه : «عجف» لأنّه جمع عجفاء ، لكنّه حملت على «سمان» لأنّه نقيضه.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) من المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المجمع ٣ / ٢٣٧.

(٥) نفس المصدر والمجلّد / ٢٣٦.

(٦) منّا.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ١٧٩ ، ح ٣٣.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : خضرة.

(٩) ر : لتقدر.

٣١٧

(يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ) : عبّروها.

(إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) (٤٣) :

إن كنتم عالمين بعبارة الرّؤيا. فهي الانتقال من الصّور الخياليّة إلى المعاني النّفسانيّة الّتي هي مثالها. من العبور ، وهو : المجاوزة. وعبرت الرّؤيا عبارة أثبت من عبّرتها تعبيرا.

واللّام للبيان. أو لتقوية العامل. فإنّ الفعل لمّا تأخّر عن مفعوله ، ضعف ، فقوي باللّام ، كاسم الفاعل. أو لتضمّن «تعبرون» معنى فعل يعدّى باللّام. كأنّه قيل : إن كنتم تنتدبون (١) لعبارة الرّؤيا.

(قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) :

أي : هذه أضغاث أحلام. وهي تخاليطها وأباطيلها ، وما يكون منها من وسوسة وحديث نفس. جمع ضغث ، وأصله : ما جمع من أخلاط النّبات وحزم ، فاستعير للرّؤيا الكاذبة.

وإنّما جمعوا ، للمبالغة في وصف الحلم بالبطلان ـ كقولهم : فلان يركب الخيل ـ أو لتضمّنه أشياء مختلفة (٢).

وفي روضة الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سعد بن أبي خلف ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : الرّؤيا على ثلاثة وجوه : بشارة من الله للمؤمن ، وتحذير من الشّيطان ، وأضغاث أحلام.

وفي أمالي الصّدوق (٤) ، بإسناده إلى النّوفليّ قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : الرّجل (٥) يرى الرّؤيا ، فتكون كما رآها (٦). وربّما رأى الرّؤيا ، فلا تكون شيئا. فقال :

إنّ المؤمن إذا نام ، خرجت من (٧) روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السّماء. فكلما رآه المؤمن (٨) في ملكوت السّماوات ، في موضع التّقدير والتّدبير ، فهو الحقّ. وكلّما رآه في

__________________

(١) أ ، ب : تندبون.

(٢) كذا في أ ، ب ، ر. وفي سائر النسخ : مختلقة.

(٣) الكافي ٨ / ٩٠ ، ح ٩١.

(٤) أمالي الصدوق / ١٢٤ ـ ١٢٥ ح ١٥.

(٥) المصدر : المؤمن.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : يراها.

(٧) ب : من.

٣١٨

الأرض ، فهو أضغاث أحلام.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده (١) إلى عليّ ـ عليه السّلام ـ قال : سألت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن الرّجل ينام فيرى الرّؤيا ، فربّما كانت حقّا ، وربّما كانت باطلا. فقال رسول الله (٢) ـ صلّى الله عليه وآله ـ : [يا عليّ ،] (٣) إنّه ما من عبد ينام ، إلّا عرج بروحه إلى ربّ العالمين. فما رأى عند ربّ العالمين ، فهو حقّ. ثمّ إذا أمر العزيز الجبّار بردّ روحه إلى جسده ، فصارت الرّوح بين السّماء والأرض ، فما رأته ، فهو أضغاث أحلام.

وفي تفسير العيّاشيّ (٤) ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : رأت فاطمة في النّوم كأنّ الحسن والحسين ذبحا ، أو قتلا. فأحزنها ذلك فأخبرت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : يا رؤيا! فتمثّلت بين يديه. قال : أرأيت فاطمة هذا البلاء؟ قالت : لا. قال : يا أضغاث! أرأيت (٥) فاطمة هذا البلاء؟ قالت : نعم ، يا رسول الله. قال : فما أردت بذلك؟ قالت (٦) : أردت أن أحزنها. فقال لفاطمة (٧) : اسمعي ، ليس هذا بشيء.

(وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ) (٤٤) :

يريدون بالأحلام المنامات الباطلة خاصّة. أي : ليس لها تأويل عندنا ، وإنّما التّأويل للمنامات الصّادقة. اعتذار لجهلهم بتأويله.

(وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما) : من صاحبي السّجن ، وهو صاحب الشّراب (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) : وتذكّر بعد جماعة من الزّمان مجتمعة ، أي : مدّة طويلة.

وقرئ (٨) : «إمّة» ـ بكسر الهمزة ـ وهي : النّعمة. أي : بعد ما أنعم الله عليه بالنّجاة. و «أمه» ، أي : نسيان. يقال : أمه يأمه أمها : إذا نسي.

والجملة اعتراض ومقول القول :

__________________

(٨) المصدر : روح المؤمن.

(١) أمالي الصدوق / ١٢٥ ، ح ١٧.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : رسول رسول الله.

(٣) من المصدر.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ١٧٨ ـ ١٧٩ ، ح ٣١.

(٥) المصدر : أنت أرأيت.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : قال.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : فاطمة.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٧.

٣١٩

(أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) (٤٥) ، أي : إلى من عنده علمه. أو : إلى السّجن.

(يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) :

أي : فأرسل إلى يوسف. فجاء وقال : يا يوسف. وإنّما وصفه بالصّدّيق ـ وهو المبالغ (١) في الصّدق ـ لأنّه جرّب أحواله ، وعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه.

(أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ) ، أي : في تأويل رؤيا ذلك.

(لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ) : أعود إلى الملك ومن عنده ، أو إلى أهل البلد. إذ قيل (٢) : إنّ السّجن لم يكن فيه.

(لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) (٤٦) تأويلها. أو : فضلك ومكانك.

وإنّما لم يبتّ الكلام فيهما ، لأنّه لم يكن جازما بالرّجوع ، فربّما اخترم دونه ، ولا يعلمهم.

(قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) :

أي : على عادتكم المستمرّة. وانتصابه على الحال بمعنى : دائبين. أو المصدر ، بإضمار فعله. أي : تدأبون دأبا. وتكون الجملة حالا.

وقرأ (٣) حفص : «دأبا» بفتح الهمزة. وكلاهما مصدر دأب في العمل.

وقيل (٤) : «تزرعون» أمر أخرجه في صورة الخبر مبالغة ، لقوله : (فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) كيلا يأكله السّوس.

وهو على هذا نصيحة خارجة عن العبارة.

(إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) (٤٧) في تلك السّنين.

(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَ) ، أي : يأكل أهلهنّ ما ادّخرتم لأجلهنّ. فأسند إليهنّ على المجاز ، تطبيقا بين المعبّر والمعبّر به.

وفي مجمع البيان (٥) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه قرأ : «ما قرّبتم (٦) لهنّ».

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : المبالغة.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٨.

(٣ و ٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) المجمع ٣ / ٢٣٦.

(٦) المصدر : قرّأتم.

٣٢٠