تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) ، عنه ـ عليه السّلام ـ : إنّما أنزل : «ما قرّبتم لهنّ».

(إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ) (٤٨) : تحرزون (٢) لبذور الزّراعة.

(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) : يُمطرون ، من الغيث. أو : يغاثون من القحط ، من الغوث.

(وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) (٤٩) ما يعصر ـ كالعنب والزّيتون ـ لكثرة الثّمار.

وقيل (٣) : يحلبون الضّروع.

وقرأ (٤) حمزة والكسائي بالتّاء ، على تغليب المستفتي.

وقرئ (٥) على بناء المفعول ، من عصره : إذا أنجاه. ويحتمل أن يكون المبنيّ للفاعل منه. أي : يغيثهم الله ، ويغيث بعضهم بعضا. أو من : أعصرت السّحابة عليهم. فعدّي بنزع الخافض ، أو بتضمينه معنى المطر.

وهذه بشارة بشّرهم بها ، بعد أن أوّل البقرات السّمان والسّنبلات الخضر بسنين مخصبة ، والعجاف اليابسات بسنين مجدبة ، وابتلاع العجاف السّمان بأكل ما جمع في السّنين المخصبة في السّنين المجدبة.

قيل (٦) : ولعلّه علم ذلك بالوحي. أو بأنّ انتهاء الجدب بالخصب. أو بأنّ السّنّة الإلهيّة على أن يوسّع على عباده بعد ما ضيّق عليهم.

وفي مجمع البيان (٧) : وقرأ جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ : «يعصرون» بياء مضمومة وصاد مفتوحة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : قرأ رجل على أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) [يعني : على البناء للفاعل] (٩). فقال : ويحك! وأيّ شيء يعصرون؟ يعصرون الخمر!؟

قال الرّجل : يا أمير المؤمنين ، كيف أقرأها؟ قال : إنّما أنزلت : «عام فيه يغاث النّاس وفيه يعصرون» ، يمطرون بعد المجاعة (١٠). والدّليل على ذلك قوله (١١) : (وَأَنْزَلْنا مِنَ

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٣٤٥.

(٢) ليس كذا في أنوار التنزيل ١ / ٤٩٨. وفي النسخ : تحصنون تحرزون.

(٣ و ٤ و ٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٨.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٨.

(٧) المجمع ٣ / ٢٣٦.

(٨) تفسير القمي ١ / ٣٤٦ باختلاف يسير.

(٩) ليس في المصدر.

٣٢١

الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً).

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن محمّد بن عليّ الصّيرفيّ ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ «(عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) [بالبناء للمفعول] (٢) : يمطرون. ثمّ قال : أما سمعت قوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً)

(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) ، بعد ما جاءه الرّسول.

(فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ) ليخرجه ، (قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) :

في تفسير العيّاشيّ (٣) : يعني العزيز.

(فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) :

إنّما تأنّى في الخروج ، وقدّم سؤال النّسوة وفحص حالهنّ ، ليظهر براءة ساحته ، ويعلم أنّه سجن ظلما ، فلا يقدر الحاسد أن يتوسّل به إلى تقبيح أمره. وإنّما لم يتعرّض لسيّدته [مع ما صنعت به] (٤) ، كرما ومراعاة للأدب.

وفي مجمع البيان (٥) : وروي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره! والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسّمان. ولو كنت مكانه ، ما أخبرتهم (٦) ، حتّى أشترط أن يخرجوني.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن أبان عن محمّد بن مسلم ، عنهما قالا : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال :

لو كنت بمنزلة يوسف حين أرسل إليه الملك يسأله عن رؤياه (٨) ، ما حدّثته ، حتّى أشترط عليه أن يخرجني من السّجن. وتعجّبت (٩) لصبره عن شأن امرأة الملك حتّى أظهر الله عذره.

وفي مجمع البيان (١٠) ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ متّصلا بما سبق ـ يعني قوله :

__________________

(١٠) المصدر : سنين المجاعة.

(١١) النّبأ / ١٤.

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٨٠ ، ح ٣٥.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٨٠ ، ح ٣٧.

(٤) ليس في أ ، ب ، ر.

(٥) المجمع ٣ / ٢٤٠.

(٦) أ ، ب : أخبرته.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ١٧٩ ، ح ٣٢.

(٨) ب : الرّؤيا.

(٩) المصدر : عجبت.

(١٠) المجمع ٣ / ٢٤٠.

٣٢٢

يخرجوني ـ :

ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه! والله يغفر له حين أتاه الرّسول فقال : ارجع إلى ربّك. ولو كنت مكانه ، ولبثت في السّجن ما لبث ، لأسرعت الإجابة ، وبادرتهم الباب ، وما ابتغيت العذر. إن كان لحليما ذا أناة.

وروي (١) أنّ يوسف لمّا خرج من السّجن ، دعا [لأهله] (٢) وقال : «اللهمّ اعطف عليهم بقلوب الأخيار ، ولا تعمّ (٣) عليهم الأخبار». فلذلك يكون أصحاب السّجن أعرف النّاس بالأخبار في كلّ بلدة. وكتب على باب السّجن : هذا قبور الأحياء ، وبيت الأحزان (٤) ، وتجربة (٥) الأصدقاء ، وشماتة الأعداء.

وقرئ (٦) : «النّسوة» بضمّ النّون.

(إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) (٥٠) حين قلن لي : أطع مولاتك.

وفيه تعظيم كيدهنّ ، والاستشهاد بعلم الله ـ تعالى ـ عليه ، وعلى أنّه برئ ممّا قذف به ، والوعيد لهنّ على كيدهنّ.

(قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) : قال الملك لهنّ : ما شأنكنّ.

والخطب : أمر يحقّ أن يخاطب فيه صاحبه.

(قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) :

تنزيه له وتعجّب من قدرته على خلق عفيف مثله.

(ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) : من ذنب.

(قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) : ثبت واستقرّ. من : حصحص البعير : إذا ألقى مباركة ليناخ. أو : ظهر. من حصّ شعره : إذا استأصله بحيث ظهرت بشرة رأسه.

وقرئ (٧) على البناء للمفعول.

(أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (٥١) : في قوله : (هِيَ راوَدَتْنِي

__________________

(١) المجمع ٣ / ٢٤٢.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا تغم.

(٤) كذا في المصدر. وفي ب : الأشجان. وفي سائر النسخ : الإحسان.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : تحزنة.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٨.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٩.

٣٢٣

عَنْ نَفْسِي).

ولا مزيد على شهادة الخصم بأنّ صاحبه على الحقّ ، وهو على الباطل.

(ذلِكَ لِيَعْلَمَ) :

قال يوسف لمّا عاد إليه الرّسول ، وأخبر بكلامهنّ. أي : ذلك التّثبّت ليعلم العزيز :

(أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) : بظهر الغيب.

وهو حال من الفاعل أو المفعول. أي : لم أخنه ، وأنا غائب عنه ، أو هو غائب عنّي. أو ظرف. أي : بمكان الغيب وراء الأستار والأبواب المغلقة.

(وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) (٥٢) ، أي : لا ينفذه. أي : لا يهدي الخائنين بكيدهم. فأوقع الفعل على الكيد ، مبالغة.

وفيه تعريض بامرأة العزيز في خيانتها زوجها ، وتوكيد لأمانته.

ولذلك عقّبه بقوله : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) ـ أي : لا أنزّهها ـ تنبيها على أنّه لم يرد بذلك تزكية نفسه ، والعجب بحاله ، بل إظهار ما أنعم الله عليه من العصمة والتّوفيق.

(إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) :

من حيث إنّها بالطّبع مائلة إلى الشّهوات ، آمرة بها.

(إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) : إلّا وقت رحمة ربّي. أو : إلّا ما رحمه الله من النّفوس ، فعصمه عن ذلك.

وقيل (١) : الاستثناء منقطع. أي : ولكن رحمة ربّي هي الّتي تصرف الإساءة.

وقيل (٢) : الآية حكاية قول امرأة العزيز ، والمستثنى نفس يوسف وأضرابه. أي : ذلك الّذي قلته ، ليعلم يوسف أنّي لم أكذب عليه في حال الغيب ، وصدقت فيما سئلت عنه. وما أبرئ مع ذلك من الخيانة ، فإنّي خنته حين قذفته وسجنته. تريد الاعتذار عمّا كان فيها.

وهذا التّفسير هو المستفاد من كلام عليّ بن إبراهيم (٣) ، حيث قال في قوله : (لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) : أي لا أكذب عليه الآن ، كما كذبت عليه من قبل.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٩.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) تفسير القميّ ١ / ٣٤٦.

٣٢٤

وقرأ (١) قالون والبزيّ : «بالسّوّ» على قلب الهمزة واوا ، ثمّ الإدغام.

(إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥٣) : يغفر ميل النّفس ، ويرحم من يشاء بالعصمة. أو : يغفر المستغفر لذنبه ، المعترف على نفسه ، ويرحم من استرحمه ما أستغفره ممّا ارتكبه.

(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) : أجعله خالصا لنفسي.

(فَلَمَّا كَلَّمَهُ) ، أي : فلمّا أتوا به ، فكلّمه وشاهد منه الرّشد والذّكاء ، واستدلّ بكلامه على عقله ، وبعفّته على أمانته.

(قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ) : ذو مكانة ومنزلة (أَمِينٌ) (٥٤) مؤتمن على كلّ شيء. نقل (٢) أنّه لمّا خرج من السّجن ، اغتسل وتنظّف ، ولبس ثيابا جددا. فلمّا دخل على الملك قال : «اللهمّ إنّي أسألك من خيره ، وأعوذ بك بعزّتك وقدرتك (٣) من شرّه». ثمّ سلّم عليه ، ودعا له بالعبريّة. فقال : ما هذا اللّسان؟ فقال : لسان آبائي. وكان الملك يعرف سبعين لسانا. فكلّمه بها ، فأجابه بجميعها. فتعجّب منه ، فقال : إنّي أحبّ أن أسمع رؤياي منك. فحكاها ، ونعت له البقرات والسّنابل وأماكنها ، على ما رآها. فأجلسه على السّرير ، وفوّض إليه أمره.

(قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) : ولّني أمرها. والأرض أرض مصر.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : يعني على الكناريج (٥) والأنابير (٦).

(إِنِّي حَفِيظٌ) لها ممّن لا يستحقّها (عَلِيمٌ) (٥٥) بوجوه التّصرّف فيها.

وقيل (٧) : لعلّه (٨) ـ عليه السّلام ـ لمّا رأى أنّه يستعمله في أمره لا محالة ، آثر ما تعمّ فوائده وتجلّ عوائده.

وفي عيون الأخبار (٩) : حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ ـ رضي الله عنه ـ

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٩.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٩٩.

(٣) ليس في أ ، ب ، ر.

(٤) تفسير القميّ ١ / ٣٤٦.

(٥) المصدر : الكناديج. وهو جمع الكندوج شبه مخزن من تراب أو خشب ، توضع فيه الحنطة وغيرها. والكناريج ـ جمع الكرنج كقرطق ـ الحانوت أو متاع حانوت بقّال.

(٦) الأنابير ـ جمع أنبار ـ : بيت التاجر الّذي يجمع فيه المتاع والغلال.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٠٠.

(٨) أ ، ب : لعل.

٣٢٥

قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الرّيان بن الصّلت الهرويّ قال :

دخلت على عليّ بن موسى الرّضا ـ عليه السّلام ـ فقلت : له يا ابن رسول الله ، إنّ النّاس يقولون إنّك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزّهد في الدّنيا! فقال ـ عليه السّلام ـ :

قد علم الله كراهتي لذلك. فلمّا خيّرت بين قبول ذلك وبين القتل ، اخترت (١) القبول على القتل.

ويحهم! أما علموا أنّ يوسف ـ عليه السّلام ـ كان نبيّا ورسولا ، فلمّا دفعته الضّرورة إلى تولّي خزائن العزيز ، قال : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)!؟ ودفعتني الضّرورة إلى قبول ذلك ، على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك. على أنّي ما دخلت في هذا الأمر إلّا دخول خارج منه. فإلى الله المشتكى. وهو المستعان.

حدّثنا المظّفر (٢) بن جعفر بن المظّفر العلويّ السّمرقندي (٣) ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود العيّاشيّ ، عن أبيه قال : حدّثنا محمّد بن نصير ، عن الحسن بن موسى قال :

روى أصحابنا عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ أنّه قال له رجل : أصلحك الله ، كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون؟ وكأنّه أنكر ذلك عليه.

فقال أبو الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : يا هذا ، أيّهما أفضل ، النّبيّ أو الوصيّ؟ فقال : لا ، بل النّبيّ.

قال : فأيّهما أفضل ، مسلم أو مشرك؟ قال : لا ، بل مسلم.

قال : فإنّ العزيز ـ عزيز مصر ـ كان مشركا ، وكان يوسف ـ عليه السّلام ـ نبيّا. وإنّ المأمون مسلم ، وأنا وصيّ. ويوسف سأل العزيز أن يولّيه ، حين قال : (اجْعَلْنِي) ـ إلى قوله ـ : (حَفِيظٌ). وأنا أجبرت (٤) على ذلك.

وقال ـ عليه السّلام ـ في قوله : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) قال : حافظ لما في يدي ، عالم (٥) بكلّ لسان.

__________________

(٩) العيون ٢ / ١٣٨ ، ح ٢.

(١) م ، ب : أخذت.

(٢) العيون ٢ / ١٣٧ ـ ١٣٨ ، ح ١.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : السرمقندي.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : جبرت.

(٥) ليس في أ ، ب.

٣٢٦

وفي الخرائج والجرائح (١) : روي عن محمّد بن زيد الرّزامي (٢) قال : كنت في خدمة الرّضا ـ عليه السّلام ـ لمّا جعله المأمون وليّ عهده. فأتاه رجل [من الخوارج] (٣) في كمّه مدية (٤) مسمومة. وقد قال لأصحابه : والله ، لآتينّ هذا الّذي يزعم أنّه ابن رسول الله ـ وقد دخل لهذا الطّاغية فيما (٥) دخل ـ فأسأله عن حجّته. فإن كان له حجّة ، وإلّا أرحت النّاس منه.

فأتاه ، واستأذن عليه ـ عليه السّلام ـ فأذن له. فقال له أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ. أجيبك عن مسألتك على شريطة تفي (٦) لي بها. فقال : وما هذه الشّريطة؟ قال : إن أجبتك بجواب يقنعك وترضاه ، تكسر الّتي (٧) في كمّك وترمي بها (٨).

فبقي الخارجيّ متحيّرا ، وأخرج المدية وكسرها. ثمّ قال له : أخبرني عن دعواك مع هذا (٩) الطّاغية فيما دخلت له ـ وهم عندك كفّار ، وأنت ابن رسول الله ـ ما حملك على هذا؟

فقال أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : أرأيت (١٠) هؤلاء أكفر عندك أم عزيز مصر وأهل مملكته!؟ أليس هؤلاء على حال يزعمون أنّهم موحّدون ، وأولئك لم يوحّدوا الله ولم يعرفوه!؟ وأنّ يوسف بن يعقوب نبيّ ابن نبيّ ، وقال لعزيز (١١) مصر ـ وهو كافر ـ (١٢) : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). وكان يجالس الفراعنة (١٣). وأنا رجل من ولد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أجبرني على هذا الأمر ، وأكرهني عليه. فما الّذي أنكرت ونقمت عليّ!؟

فقال : لا عتب عليك. أشهد أنّك ابن نبيّ الله ، وأنّك صادق.

__________________

(١) الخرائج ٢ / ٧٦٦ ، ح ٨٦.

(٢) كذا في المصدر وجامع الرواة ٢ / ١١٥. وفي النسخ : الرازيّ.

(٣) يوجد في المصدر وب.

(٤) المدية ـ بالتثليث ـ : السكّين العظيمة العريضة.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : ما.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : توفي.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : الّذي.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : به.

(٩) المصدر : دخولك لهذا.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : أرأيتك.

(١١) المصدر : «يسأل العزيز» بدل «قال لعزيز».

(١٢) المصدر : زيادة «فقال».

(١٣) المصدر : كان يجلس مجالس الفراعنة.

٣٢٧

وفي كتاب علل الشّرائع (١) ، بإسناده إلى الفضل بن أبي قرّة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول يوسف ـ عليه السّلام ـ : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) قال : حفيظ بما تحت يدي عليم بكلّ لسان.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : وقال سليمان : قال سفيان : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : يجوز (٣) أن يزكّي الرّجل نفسه؟ قال : نعم ، إذا اضطرّ إليه. أما سمعت قول يوسف : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)!؟ وقول العبد الصالح (٤) : (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ)!؟.

وفي الكافي (٥) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ لأقوام يظهرون الزّهد ويدعون النّاس أن يكونوا معهم ، على مثل الّذي هم عليه من التّقشّف : وأخبروني أين أنتم عن سليمان بن داود ـ عليه السّلام ـ؟ ثمّ يوسف النّبيّ ـ عليه السّلام ـ حيث قال لملك مصر : (اجْعَلْنِي ـ إلى قوله : ـ عَلِيمٌ)؟ فكان من أمره الّذي كان [أن] (٦) أختار مملكة الملك وما حولها إلى اليمن. وكانوا يمتارون الطّعام من عنده لمجاعة أصابتهم. وكان يقول الحقّ ويعمل به. فلم نجد أحدا عاب ذلك عليه.

عدّة من أصحابنا (٧) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عبد الرّحمن بن حمّاد ، عن يونس بن يعقوب ، عن سعد ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال :

لمّا صارت الأشياء ليوسف بن يعقوب ـ عليهما السّلام ـ جعل الطّعام في بيوت ، وأمر بعض وكلائه ، وكان يقول : بع كذا وكذا. والسّعر قائم. فلمّا علم أنّه يزيد في ذلك اليوم ، كره أن يجري الغلاء على لسانه. فقال له : اذهب وبع. ولم يسمّ (٨) له سعرا.

فذهب الوكيل غير بعيد. ثمّ رجع إليه. فقال له : اذهب فبع. وكره أن يجري الغلاء على لسانه. فذهب الوكيل. فجاء أوّل من اكتال. فلمّا بلغ دون ما كان بالأمس بمكيال ، قال المشتري : حسبك ، إنّما أردت بكذا وكذا. فعلم الوكيل أنّه قد غلا

__________________

(١) العلل ١ / ١٢٥ ، ح ٤.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٨١ ، ح ٤٠.

(٣) المصدر : [ما] يجوز.

(٤) الأعراف / ٦٨.

(٥) الكافي ٥ / ٧٠ ، ح ١.

(٦) من المصدر.

(٧) الكافي ٥ / ١٦٣ ، ح ٥.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم يسمي.

٣٢٨

بمكيال.

ثمّ جاءه آخر ، فقال له : كل لي. فكال. فلمّا بلغ دون الّذي كال (١) للأوّل بمكيال ، قال له المشتري : حسبك ، إنّما أردت بكذا وكذا. فعلم الوكيل أنّه قد غلا بمكيال. حتّى صار إلى واحد واحد.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كان سبق (٣) يوسف الغلاء الّذي أصاب النّاس ، ولم يثمّن (٤) الغلاء لأحد قطّ. قال : فأتاه التّجّار ، فقالوا : بعنا. قال : اشتروا. فقالوا نأخذ كذا وبكذا. فقال : خذوا. وأمر فكالوهم فحملوا ومضوا ، حتّى دخلوا المدينة. فلقيهم (٥) قوم تجّار فقالوا لهم : كيف أخذتم؟ فقالوا : كذا بكذا. وأضعفوا الثّمن.

قال : وقدموا أولئك على يوسف ، فقالوا : بعنا. فقال : اشتروا ، كيف تأخذون؟ قالوا : بعنا ، كما بعت كذا بكذا. فقال : ما هو كما تقولون ، ولكن خذوا. فأخذوا. ثمّ مضوا ، حتّى دخلوا المدينة. فلقيهم آخرون ، فقالوا : كيف أخذتم؟ فقالوا : كذا بكذا. وأضعفوا الثّمن. قال : فعظّم النّاس ذلك الغلاء ، وقالوا : اذهبوا بنا حتّى نشتري.

قال : فذهبوا إلى يوسف ، فقالوا : بعنا. فقال : اشتروا. فقالوا (٦) : بعنا ، كما بعت. فقال : وكيف بعت؟ قالوا : كذا بكذا. فقال : ما هو كذلك ، ولكن خذوا.

قال : فأخذوا ورجعوا إلى المدينة ، وأخبروا النّاس. فقالوا فيما بينهم : تعالوا (٧) حتّى نكذب في الرّخص ، كما كذبنا في الغلاء.

قال : فذهبوا إلى يوسف ، فقالوا له : بعنا. فقال : اشتروا. فقالوا : بعنا ، كما بعت. قال : وكيف بعت؟ قالوا : كذا بكذا ـ بالحطّ من السّعر الأوّل (٨). فقال : ما هو هكذا ، ولكن خذوا. فأخذوا ، وذهبوا إلى المدينة. فلقيهم النّاس فسألوهم : بكم اشتريتم؟ فقالوا : كذا بكذا ـ بنصف الحطّ الأوّل. فقال الآخرون : اذهبوا بنا حتّى

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : كان.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠ ، ح ٣٤.

(٣) بعض نسخ المصدر : سنين.

(٤) المصدر : لم يمرّ (يتمن خ ل)

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : فلقاهم.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : فقال.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : تعالوا فيما بينهم.

(٨) ليس في المصدر.

٣٢٩

نشتري.

فذهبوا إلى يوسف ، فقالوا : بعنا. فقال : اشتروا. فقالوا : بعنا ، كما بعت. فقال : وكيف بعت؟ فقالوا : بكذا وكذا ـ بالحطّ من النّصف. فقال : ما هو كما تقولون ، ولكن خذوا. فلم يزالوا يتكاذبون ، حتّى رجع السّعر إلى الأمر الأوّل ، كما أراد الله.

وفي مجمع البيان (١) : وفي كتاب النّبوّة ، بالإسناد عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ بن بنت إلياس قال : سمعت الرّضا ـ عليه السّلام ـ يقول :

وأقبل يوسف على جمع الطّعام. فجمع في السّبع السّنين المخصبة ، فكبسه في الخزائن. فلمّا مضت تلك السّنون ، وأقبلت السّنون (٢) المجدبة ، أقبل يوسف على بيع الطّعام.

فباعهم في السّنة الأولى بالدّراهم والدّنانير. حتّى لم يبق بمصر وما حولها دينار ولا درهم ، إلّا صار في ملكيّة (٣) يوسف.

وباعهم في السّنة الثّانية بالحليّ والجواهر. حتّى لم يبق (٤) بمصر وما حولها حليّ ولا جوهر ، إلّا صار في ملكيّة (٥) يوسف (٦).

وباعهم في السّنة الثّالثة بالدّوابّ والمواشي. حتّى لم يبق بمصر وما حولها دابّة ولا (٧) ماشية ، إلّا صارت (٨) في ملكيّة يوسف (٩).

وباعهم في السّنّة الرّابعة بالعبيد والإماء. حتّى لم يبق بمصر [وما حولها] (١٠) عبد ولا أمة ، إلّا صار في ملكيّة (١١) يوسف (١٢).

وباعهم في السّنة الخامسة بالدّور والعقار. حتّى لم يبق بمصر وما حولها دار ولا عقار ، إلّا صار في ملكيّة يوسف (١٣).

__________________

(١) المجمع ٣ / ٢٤٤.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر : مملكة.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم يبقى.

(٥) المصدر : مملكته.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) ليس في أ ، ر.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : صار.

(٩) المصدر : «مملكته» بدل «ملكيّة يوسف».

(١٠) ليس في المصدر.

(١١) المصدر : مملكته.

(١٢) ليس في المصدر.

(١٣) المصدر : «مملكته» بدل «ملكيّة يوسف».

٣٣٠

وباعهم في السّنة السّادسة بالمزارع والأنهار. حتّى لم يبق بمصر [وما حولها] (١) نهر ولا مزرعة ، إلّا صار في ملكيّة يوسف (٢).

وباعهم في السّنة السّابعة برقابهم. حتّى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حرّ ، إلّا صار عبد يوسف.

فملك أحرارهم ، وعبيدهم ، وأموالهم (٣). وقال النّاس : ما رأينا ولا سمعنا بملك أعطاه الله من الملك ما أعطى هذا الملك حكما وعلما (٤) وتدبيرا!

ثمّ قال يوسف للملك : أيّها الملك ، ما ترى فيما خوّلني ربّي من ملك مصر وأهلها؟ أشر علينا برأيك. فإني لم أصلحهم ، لأفسدهم. ولم أنجهم من البلاء ، لأكون بلاء (٥) عليهم. ولكنّ الله نجّاهم (٦) على يدي. قال له الملك : الرّأي رأيك.

قال يوسف : إنّي أشهد الله وأشهدك ـ أيّها الملك ـ أنّي قد أعتقت أهل مصر كلّهم. ورددت إليهم أموالهم وعبيدهم. ورددت عليك ـ أيّها الملك ـ خاتمك وسريرك وتاجك ، على أن لا تسير إلّا بسيرتي ولا تحكم إلّا بحكمي.

قال له الملك : إنّ ذلك لشرفي (٧) وفخري أن لا أسير إلّا بسيرتك ، ولا أحكم إلّا بحكمك. ولولاك ، ما قويت عليه ، ولا اهتديت له. ولقد جعلت سلطاني (٨) عزيزا لا (٩) يرام. وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأنّك رسوله. فأقم على ما ولّيتك. فإنّك لدينا مكين أمين.

(وَكَذلِكَ) : مثل ذلك التّمكين الظّاهر (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) : أرض مصر.

في تفسير العيّاشيّ (١٠) : [عن الثمالي] (١١) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : ملك يوسف مصر وبراريها ، ولم يجاوزها إلى غيرها.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر : «مملكته» بدل «ملكيّة يوسف».

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : أمراءهم.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : حكيما وعليما.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : ليكون وبالا.

(٦) المصدر : أنجاهم.

(٧) المصدر : لزينتي.

(٨) المصدر : سلطانا.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : ما.

(١٠) تفسير العياشي ٢ / ١٨١ ، ح ٤١.

(١١) من المصدر.

٣٣١

(يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) : ينزل من بلادها حيث يهوى.

وقرأ (١) ابن كثير : «نشاء» بالنّون.

(نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ) في الدّنيا والآخرة.

(وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٥٦) ، بل نوفي أجورهم ، عاجلا وآجلا.

(وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٥٧) الشّرك والفواحش ، لعظمه ودوامه.

وفي أصول الكافي (٢) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عليّ بن النّعمان ، عن عبد الله بن سنان (٣) ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول :

إنّ الحرّ حرّ على جميع أحواله. إن نابته (٤) نائبة ، صبر لها. وإن تداكّت عليه المصائب ، لم تكسره (٥). وإن أسر وقهر ، استبدل بالعسر يسرا (٦).

كما كان يوسف الصّدّيق الأمين ، لم يضرر حرّيته أن استعبد (٧) ، وقهر ، وأسر ، ولم تضرره ظلمة الجبّ ووحشته ، وما ناله ، أن منّ الله عليه ، فجعل الجبّار العاتي له عبدا ، بعد أن (٨) كان مالكا. فأرسله ، ورحم به امّة (٩). وكذلك الصّبر يعقب خيرا. فاصبروا ، ووطّنوا أنفسكم على الصّبر ، تؤجروا.

(وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ) للميرة.

وذلك لأنّه أصاب كنعان ، ما أصاب سائر البلاد ، من الجدب. فأرسل يعقوب بنيه ـ غير بنيامين ـ إليه.

(فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (٥٨) ، أي : عرفهم يوسف ، ولم يعرفوه ، لطول العهد ومفارقتهم إيّاه في سنّ الحداثة ، ونسيانهم إيّاه ، وتوهّمهم أنّه هلك ، وبعد حاله إلى ما رأوه عليها من حاله حين فارقوه ، وقلّة تأمّلهم في حلاه من التّهيّب

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٠٠.

(٢) الكافي ٢ / ٨٩ ، ح ٦.

(٣) المصدر : مسكان.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : نابه.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم تكره.

(٦) المصدر : باليسر عسرا.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : يستعبد.

(٨) المصدر : إذ.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : امّته.

٣٣٢

والاستعظام.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : أمر يوسف أن يبنى له كناديج (٢) من صخر ، وطيّنها بالكلس. ثمّ أمر بزروع (٣) مصر. فحصدت ، ودفع إلى كلّ إنسان حصّة ، وترك الباقي (٤) في سنبله ، لم يدسّه. فوضعها في الكناديج (٥). ففعل ذلك سبع سنين.

فلمّا جاءت سنوات الجدب ، كان يخرج السّنبل ، فيبيع بما شاء. وكان بينه وبين أبيه ثمانية عشر يوما ، وكان في بادية. وكان النّاس من الآفاق يخرجون إلى مصر ، ليمتاروا طعاما.

وكان يعقوب وولده نزولا في بادية فيها مقل (٦). فأخذ إخوة يوسف من ذلك المقل ، وحملوه إلى مصر ليمتاروا به. وكان يوسف يتولّى البيع بنفسه. فلمّا دخل (٧) إخوته عليه ، عرفهم ولم يعرفوه ، كما حكى الله ـ عزّ وجلّ ـ.

وفي تفسير العيّاشيّ (٨) : عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يحدّث قال : لمّا فقد يعقوب يوسف ، اشتدّ حزنه عليه وبكاؤه. حتّى ابيضّت عيناه من الحزن ، واحتاج حاجة شديدة ، وتغيّرت حاله. [قال :] (٩) وكان يمتار القمح من مصر [لعياله] (١٠) في السّنة مرّتين للشّتاء والصّيف. وإنّه بعث عدّة من ولده ببضاعة يسيرة إلى مصر ، مع رفقة خرجت.

فلمّا دخلوا على يوسف ـ وذلك بعد ما ولّاه العزيز مصر ـ فعرفهم يوسف ـ عليه السّلام ـ ولم يعرفه إخوته ، لهيبة الملك وعزّته (١١). فقال لهم : عجّلوا (١٢) بضاعتكم قبل الرّفاق (١٣). وقال لفتيانه : عجّلوا لهؤلاء الكيل ، وأوفوهم. فإذا فرغتم ، فاجعلوا بضاعتهم هذه في

__________________

(١) تفسير القميّ ١ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : كناريج.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : بزرع.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «تركت» بدل «ترك الباقي».

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : الكناريج.

(٦) المقل : الكندر. وثمر لشجر الدّوم ينضج يؤكل. والدوم : شجرة تشبه النخلة في حالاتها.

(٧) المصدر : دخلوا.

(٨) تفسير العياشي ٢ / ١٨١ ، ح ٤٢.

(٩ و ١٠) من المصدر.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : غيره.

(١٢) المصدر : هلمّوا.

(١٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : الرّواق.

٣٣٣

رحالهم ، ولا تعلموهم بذلك. (الحديث).

(وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) : أصلحهم بعدّتهم ، وأوقر ركائبهم بما جاؤوا لأجله.

والجهاز : ما يعدّ من الأمتعة للنّقلة ، كعدد السّفر ، وما يحمل من بلدة إلى أخرى ، وما تزفّ للمرأة إلى زوجها.

وقرئ (١) : «بجهازهم» بالكسر.

(قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) :

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : [وأعطاهم ، و] (٣) أحسن إليهم في الكيل ، وقال لهم : من أنتم؟ قالوا : نحن بنو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله ، الّذي ألقاه نمرود في النّار ، فلم يحترق ، وجعلها الله عليه بردا وسلاما. قال : فما فعل أبوكم؟ قالوا : شيخ ضعيف. قال : فلكم أخ [غيركم] (٤)؟ قالوا : لنا أخ من أبينا ، لا من أمّنا. قال : فإذا رجعتم إليَّ فائتوني به.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) ، عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : قال لهم يوسف : قد بلغني أنّ لكم أخوين (٦) لأبيكم. فما فعلا؟ قالوا : أمّا الكبير منهما ، فإنّ الذّئب أكله. وأمّا الصّغير فخلّفناه عند أبيه ، وهو به ضنين (٧) ، وعليه شفيق. قال : فإنّي أحبّ أن تأتوني به معكم ، إذا جئتم لتمتارون.

(أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ) : أتمّه ، (وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) (٥٩) للضّيف والمضيفين لهم. وكان أحسن إنزالهم وضيافتهم.

(فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ) (٦٠) ، أي : لا تقربوني ، ولا تدخلوا دياري. وهو إمّا نفي ، وإمّا نهي معطوف على الجزاء.

(قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) : سنجتهد في طلبه من أبيه.

(وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) (٦١) ذلك ، لا نتوانى فيه.

(وَقالَ لِفِتْيانِهِ) : لغلمانه الكيّالين. جمع فتى.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٠٠.

(٢) تفسير القميّ ١ / ٣٤٧.

(٣ و ٤) من المصدر.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ١٨١ ، ح ٤٢ في ضمن حديث طويل.

(٦) المصدر : أخوان.

(٧) أ ، ب : صغين. والضنين : البخيل.

٣٣٤

وقرأ (١) حمزة والكسّائي وحفص : «لفتيانه» ـ على جمع الكثرة ـ ليوافق قوله : (اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ) :

فإنّه وكّل بكلّ رجل واحدا يعبّئ بضاعتهم الّتي شروا بها الطّعام. وكانت نعالا وأدما. وإنّما فعل ذلك ، توسيعا وتفضّلا عليهم ، وترفّعا من أن يأخذ ثمن الطّعام ، وخوفا من أن لا يكون عند أبيه ما يرجعون به.

(فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها) : لعلّهم يعرفون حقّ ردّها. أو : لكي يعرفوها ، (إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ) ، وفتحوا أوعيتهم.

(لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٦٢) : لعلّ معرفتهم ذلك تدعوهم إلى الرّجوع.

(فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) :

حكم بمنعه بعد هذا الرّجوع ، إن لم نذهب ببنيامين.

(فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ) : فأرسل نرفع المانع من الكيل ، ونكتل ما نحتاج إليه.

وقرأ (٢) حمزة والكسائيّ بالياء ، على إسناده إلى الأخ. أي : يكتل لنفسه ، فينضمّ اكتياله إلى اكتيالنا.

(وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٦٣) من أن يناله مكروه.

(قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) ، وقد قلتم في يوسف : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).

(فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) ، فأتوكّل عليه ، وأفوّض إليه أمري. (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٦٤) ، فأرجو أن يرحمني بحفظه ، ولا يجمع عليّ مصيبتين.

وانتصاب «حفظا» على التّمييز. و «حافظا» ـ على قراءة (٣) حمزة والكسائي وحفص ـ يحتمله والحال ، كقولهم : لله درّه فارسا.

وقرئ (٤) : «خير حافظ» ، و «خير الحافظين».

وفي مجمع البيان (٥) : ورد في الخبر أنّ الله ـ سبحانه ـ قال : فبعزّتي ، لأردّنّهما إليك ،

__________________

(١ و ٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٠١.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) المجمع ٣ / ٢٤٨.

٣٣٥

بعد ما توكّلت عليّ.

(وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) :

وقرئ (١) : «ردّت» بنقل كسرة الدّال المدغمة إلى الرّاء ، نقلها في بيع وقيل.

(قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي) : ما ذا نطلب!؟ هل من مزيد على ذلك ، أكرمنا ، وأحسن مثوانا ، وباع منّا ، وردّ علينا متاعنا!؟ أو : لا نطلب وراء ذلك إحسانا. أو : لا نبغي في القول ، ولا نزيد فيما حكينا لك من إحسانه. أو : ما نريد منك بضاعة أخرى.

وقرئ (٢) : «ما تبغي» ـ على الخطاب ـ أي : أيّ شيء تطلب وراء هذا من الإحسان ، أو من الدّليل على صدقنا!؟

(هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) :

استئناف موضّح لقوله : (ما نَبْغِي).

(وَنَمِيرُ أَهْلَنا) :

معطوف على محذوف. أي : ردّت إلينا فنستظهر بها ، ونمير أهلنا بالرّجوع إلى الملك.

(وَنَحْفَظُ أَخانا) عن المخاوف في ذهابنا وإيابنا.

(وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) : وسق بعير ، باستصحاب أخينا. هذا إذا كانت «ما» استفهاميّة. فأمّا إذا كانت نافية ، احتمل ذلك ، واحتمل أن تكون الجمل معطوفة على (ما نَبْغِي). أي : لا نبغي فيما نقول ، ونمير أهلنا ونحفظ أخانا.

(ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) (٦٥) ، أي : مكيل قليل لا يكفينا.

استقلّوا ما كيل لهم ، فأرادوا أن يضاعفوه بالرّجوع إلى الملك ، ويزدادوا إليه ما يكال لأخيهم.

ويجوز أن تكون الإشارة إلى (كَيْلَ بَعِيرٍ). أي : ذلك شيء قليل لا يضايقنا فيه الملك ، ولا يتعاظمه.

وقيل (٣) : إنّه من كلام يعقوب. ومعناه : انّ حمل بعير شيء يسير ، لا يخاطر لمثله بالولد.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٠١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٠١.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٠٢.

٣٣٦

وفي كتاب علل الشّرائع (١) ، بإسناده إلى يعقوب بن سويد ، عن أبي (٢) جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : جعلت فداك ، لم سمّي أميرُ المؤمنين أميرَ المؤمنين؟ قال : لأنّه يميرهم العلم. أما سمعت كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَنَمِيرُ أَهْلَنا)

وفي كتاب معاني الأخبار (٣) ، بإسناده إلى يعقوب بن سويد بن بريد الحارثيّ ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ مثله سواء.

وفي أصول الكافي (٤) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أحمد بن عمر قال : سألت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ : لم سمّي أمير المؤمنين؟ قال : لأنّه يميرهم العلم. أما سمعت في كتاب الله : (وَنَمِيرُ أَهْلَنا)

(قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ) : إذ رأيت منكم ما رأيت ، (حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) : حتّى تعطوني ما أتوثّق به من عند الله ، أي : عهدا مؤكّدا بذكر الله ـ تعالى ـ.

(لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) :

جواب القسم ، إذ المعنى : حتّى تحلفوا بالله لتأتنّني به.

(إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) : إلّا أن تغلبوا فلا تطيقوا ذلك. أو : إلّا أن تهلكوا جميعا.

وهو استثناء مفرغ من أعمّ الأحوال. والتّقدير : لتأتنّني به على كلّ حال ، إلّا حال الإحاطة بكم. أو من أعمّ العلل ، على أنّ قوله : (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) في تأويل النّفي.

أي : لا تمتنعون من الإتيان به ، إلّا للإحاطة بكم. كقولهم : أقسمت بالله إلّا فعلت ، أي : ما أطلب منك إلّا فعلك به.

(فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ) : عهدهم ، (قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ) : من طلب الموثق وإتيانه (وَكِيلٌ) (٦٦) : رقيب مطّلع ، إن خلفتم ، انتصف لي منكم.

(وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) :

لأنهم كانوا ذوي جمال وأبّهة مشتهرين في مصر بالقربة والكرامة عند الملك ، فخاف عليهم أن يدخلوا كوكبة واحدة ، فيعانوا. ولعلّه لم يوصهم بذلك في الكرّة الأولى ، لأنّهم كانوا مجهولين حينئذ. أو كان الدّاعي إليها خوفه على بنيامين. وللنّفس آثار ، منها العين.

__________________

(١) العلل ١ / ١٦١ ، ح ٤.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المعاني / ٦٣ ، ح ١٣.

(٤) الكافي ١ / ٤١٢ ، ح ٣.

٣٣٧

وفي مجمع البيان (١) : وأنكر الجبّائي العين ، وذكر أنّه لم تثبت بحجّة. وجوّزه كثير من المحقّقين. ورووا فيه الخبر عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّ العين حقّ والعين ستنزل [الحالق. و] (٢) الحالق المكان المرتفع من الجبل وغيره. فجعل ـ عليه السّلام ـ العين كأنّها تحطّ ذروة الجبل ، من قوّة أخذها وشدّة بطشها.

وروي (٣) في الخبر أنّه ـ عليه السّلام ـ كان يعوّذ الحسن والحسين ـ عليهما السّلام ـ بأن يقول : أعيذكما بكلمات الله التّامّة ، من كلّ شيطان وهامّة ، من كلّ عين لامّة (٤).

وروي (٥) أنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ عوّذ ابنيه. وأنّ موسى عوّذ ابني هارون بهذه العوذة.

وروي (٦) أنّ بني جعفر بن أبي طالب كانوا غلمانا بيضا (٧). فقالت أسماء بنت عميس : يا رسول الله ، إنّ العين إليهم سريعة. أفأسترقي لهم من العين؟ فقال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : نعم.

وروي (٨) أنّ جبرئيل ـ عليه السّلام ـ أتى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعلّمه (٩) الرّقية. [وهي :] (١٠) بسم الله. أرقيك من كلّ عين حاسد. الله يشفيك.

وروي (١١) عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : لو كان شيء يسبق القدر ، لسبقته العين.

وقد روي (١٢) عنه ـ عليه السّلام ـ ما يدلّ على أنّ الشّيء إذا عظم في صدور العباد ، وضع الله قدره وصغّره (١٣).

وفي الكافي (١٤) : عليّ بن إبراهيم ، [عن أبيه] (١٥) ، عن بعض أصحابنا ، عن القدّاح ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ (١٦) : عوّذ (١٧) النّبيّ ـ صلّى

__________________

(١) المجمع ٣ / ٢٤٩.

(٢) من المصدر.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) اللّامّة : العين المصيبة بسوء.

(٥ و ٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : بيضاء.

(٨) نفس المصدر والموضع.

(٩) ليس في أ ، ب.

(١٠) من المصدر. (١١ و ١٢) نفس المصدر والموضع.

(١٣) المصدر : صغّر أمره. (١٤) الكافي ٢ / ٥٦٩ ، ح ٣.

(١٥) من المصدر. (١٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : زيادة «قال».

(١٧) المصدر : رقي.

٣٣٨

الله عليه وآله ـ حسنا وحسينا فقال : أعيذكما بكلمات الله التّامّة (١) ، وأسمائه الحسنى كلّها عامّة ، من شرّ السّامّة والهامّة ، ومن شر كلّ عين لامّة ، ومن شر حاسد إذا حسد. ثمّ التفت النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلينا ، فقال : هكذا [كان] (٢) يعوّذ إبراهيم إسماعيل وإسحاق ـ عليهم السّلام ـ.

(وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) : ممّا قضى عليكم بما أشرت به إليكم ، فإنّ الحذر لا يمنع القدر.

(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) : يصيبكم لا محالة إن قضى عليكم بسوء ، ولا ينفعكم ذلك.

(عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (٦٧) :

جمع بين الحرفين في عطف الجملة على الجملة. كأنّ الواو للعطف ، والفاء لإفادة التّسبّب. فإنّ فعل الأنبياء سبب لأن يقتدى بهم.

(وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) ، أي : من أبواب متفرّقة في البلد ، (ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ) رأي يعقوب واتّباعهم له (مِنْ شَيْءٍ) : ممّا قضاه الله عليهم ، كما قال يعقوب. فسرقوا ، وأخذ بنيامين بوجدان الصّواع في رحله ، وتضاعف المصيبة على يعقوب.

(إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ) :

استثناء منقطع. أي : ولكن حاجة في نفسه يعني شفقته عليهم وحرازته من أن يعانوا.

(قَضاها) : أظهرها ووصّى بها.

(وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) بالوحي ونصب الحجج. ولذلك قال : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) ولم يغترّ بتدبيره.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٦٨) سرّ القدر ، وأنّه لا يغني عنه الحذر.

(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) : ضمّ إليه بنيامين على الطّعام.

(قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) فلا تعلمهم بما أعلمتك.

__________________

(١) المصدر : التامّات.

(٢) من المصدر.

٣٣٩

(فَلا تَبْتَئِسْ) : فلا تحزن ـ افتعال من البؤس ـ (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٦٩) في حقّنا. فإنّ الله قد أحسن إلينا ، وجمعنا.

وفي تفسير العيّاشيّ (١) : عن عليّ بن مهزيار ، عن بعض أصحابنا ، [عن أبيه] (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال :

وقد كان هيّأ لهم طعاما. فلمّا دخلوا عليه (٣) ، قال : ليجلس كلّ بني أمّ على مائدة. قال : فجلسوا. وبقي بنيامين (٤) قائما.

فقال له يوسف : ما لك لا تجلس؟ قال له : إنّك قلت : ليجلس كلّ بني أمّ على مائدة. وليس لي فيهم ابن أمّ.

فقال يوسف : أما (٥) كان لك ابن أمّ؟ قال له : بنيامين (٦) : بلى.

قال يوسف : فما فعل؟ قال : زعم هؤلاء أنّ الذّئب أكله.

قال : فما بلغ من حزنك عليه. قال : ولد لي أحد عشر ابنا كلّهم اشتققت له اسما من اسمه.

فقال له يوسف : أراك قد عانقت النّساء وشممت الولد من بعده. قال له بنيامين (٧) : إنّ لي أبا صالحا ، وإنّه قال : تزوّج ، لعلّ الله أن يخرج منك ذرّيّة تثقل الأرض بالتّسبيح.

فقال له : تعال فاجلس معي على مائدتي.

فقال إخوة يوسف : لقد فضّل الله يوسف وأخاه ، حتّى أنّ الملك قد أجلسه معه على مائدته. عن أبان الأحمر (٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا دخل إخوة يوسف عليه ، وقد جاؤوا بأخيهم معهم ، وضع لهم الموائد. ثمّ قال : يمتاز كلّ واحد منكم مع أخيه لأمّه على الخوان. فجلسوا ، وبقي أخوه قائما. فقال له : ما لك لا تجلس مع إخوتك؟ قال : ليس لي (٩) فيهم أخ من أمّي. قال : فلك أخ من أمّك ، زعم هؤلاء أنّ الذّئب أكله؟

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ، ح ٤٥.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر : إليه.

(٤) المصدر : ابن يامين.

(٥) أ ، ب : ما.

(٦ و ٧) المصدر : ابن يامين.

(٨) تفسير العياشي ٢ / ١٨٣ ، ح ٤٤.

(٩) ليس في أ.

٣٤٠