تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

كلمة المحقق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على نبيّنا وآله الطيبين الطاهرين ولا سيما بقية الله في الأرضين واللعنة الدائمه على أعدائه وأعدائهم أجمعين.

النسخ التي أستفدنا منها في تحقيق الربع الثاني من تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب (من أول سورة الأنعام الى آخر سورة الكهف) :

١ ـ نسخة مكتوبة في حياة المؤلف سنة ١١٠٥ ه. ق. في مكتبة آية الله العظمى النجفي المرعشي العامة ، قم ، رقم ١٢٨٣ ، مذكورة في فثرسها ٤/٨٣ (رمزج).

٢ ـ نسخة في نفس المكتبة ، رقم ٣٠٧ ، مذكورة في فهرسها ١/٣٥٠. (رمز ب).

٣ ـ نسخة في مكتبة مدرسة الشهيد المطهري ، رقم ٢٠٥٤ ، مذكورة في فهرسها ١/١٦٢ ، مكتوبة في سنة ١٢٤٠ ه ز ق. (رمزس).

٤ ـ نسخة في مكتبة مجلس الشورى الاسلامي (١) ، رقم ١٢٠٧٣ ، مكتوبة في حياة المؤلف وعلى ظهرها تقريض العلامة المجلسي ـ رحمة الله تعالى عليه ـ , (رمز ر).

والحمد لله أولا وآخرا

٢١
٢٢

تَفْسِيرُ

سُورَةِ يُونُس

٢٣

٢٤

سورة يونس

مكّيّة. وهي مائة وتسع آيات.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

في كتاب ثواب الأعمال (١) ، بإسناده : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من قرأ سورة يونس في كلّ شهرين أو ثلاثة ، لم يخف عليه أن يكون من الجاهلين. وكان يوم القيامة من المقرّبين.

وفي مجمع البيان (٢) : ابيّ بن كعب ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : من قرأها ، اعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بيونس وكذّب به ، وبعدد من غرق مع فرعون.

(الر) :

فخّمها (٣) ابن كثير ونافع وحفص. وأمالها الباقون ، إجراء لألف الرّاء مجرى المنقلبة من الياء.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : هو حرف من حروف الاسم الأعظم المنقطع في القرآن. فإذا ألفّه الرّسول أو الإمام فدعا به ، أجيب.

وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، مضى بتمامه

__________________

(١) ثواب الاعمال / ١٣٢ ، ح ١.

(٢) المجمع ٣ / ٨٧.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٣٨.

(٤) تفسير القمي ١ / ٣٠٨.

٢٥

في أوّل آل عمران وأوّل الأعراف. وفي آخره : وليس من حروف مقطّعة حرف ينقضي أيّامه ، إلّا وقد قام قائم من بني هاشم عند انقضائه.

ـ إلى قوله ـ : ثمّ كان بدو خروج الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ «الم [، الله». فلمّا] (١) بلغت مدّته (٢) مقدمته ، قام قائم ولد العبّاس عند «المص». ويقوم قائمنا عند انقضائها ب «المر» (٣). فافهم ذلك ، وعه ، واكتمه.

وفي كتاب معاني الأخبار (٤) ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه الصّادق ـ عليه السّلام ـ : و «الر» معناه : أنا الله الرّؤوف الرّحيم.

(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) (١) : إشارة إلى ما تضمّنته السّورة ، أو القرآن من الآي. والمراد من «الكتاب» : أحدهما. ووصفه بالحكيم ، لإشتماله على الحكم ، أو لأنّه كلام حكيم ، أو محكم آياته لم ينسخ منها.

(أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) : استفهام إنكار ، للتّعجّب.

و «عجبا» خبر كان ، واسمه (أَنْ أَوْحَيْنا).

وقرئ (٥) ، [بالرفع على أن الأمر] (٦) بالعكس. أو على أن «كان» تامّة ، و «أن أوحينا» بدل من عجب و «اللّام» للدّلالة على أنّهم جعلوه أعجوبة لهم يوجّهون نحوه إنكارهم واستهزاءهم.

(إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) : من أفناء رجالهم ، دون عظيم من عظمائهم.

قيل (٧) : كانوا يقولون : العجب أنّ الله لم يجد رسولا يرسله إلى النّاس إلّا يتيم أبي طالب. وهو من فرط حماقتهم وقصور نظرهم على الأمور العاجلة ، وجهلهم بحقيقة الوحي والنّبوّة. هذا وإنّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ لم يكن يقصر عن عظمائهم فيما يعتبرونه ، إلّا في المال وخفّة الحال أعون شيء في هذا الباب (٨). ولذلك كان أكثر الأنبياء ـ عليهم

__________________

(٥) تفسير العياشي ٢ / ٣ ، ح ٣.

(١) من المصدر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : «مقدمته» بدل «مدّته».

(٣) المصدر : الرا.

(٤) المعاني / ٢٢ ، ح ١.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٣٨.

(٦) من المصدر.

(٧) نفس المصدر والموضع.

(٨) كذا في المصدر. وفي أ : البال ، وفي سائر

٢٦

السّلام ـ قبله كذلك.

وقيل (١) : تعجّبوا من أنّه بعث بشرا رسولا ، كما سبق ذكره في سورة الأنعام.

(أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ).

«أن» هي المفسّرة. أو المخفّفة من الثّقيلة ، فتكون في موضع مفعول «أوحينا».

(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) : عمّم الإنذار ، إذ قلّما أحد ليس فيه ما ينبغي أن ينذر منه. وخصّص البشارة بالمؤمنين ، إذ ليس للكفّار ما يصحّ أن يبشّروا به.

(أَنَّ لَهُمْ) : بأنّ لهم.

(قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) : سابقة ومنزلة رفيعة. سمّيت : قدما ، لأنّ السّبق بها ، كما سمّيت النّعمة : يدا ، لأنّها تعطى باليد. وإضافتها إلى الصّدق ، لتحقّقها والتّنبيه على أنّهم إنّما ينالونها بصدق القول والنّيّة.

وفي أصول الكافي (٢) : الحسين بن محمّد ، عن معلى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن يونس قال : أخبرني من رفعه إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ تعالى ـ : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ ـ إلى قوله ـ عِنْدَ رَبِّهِمْ).

قال : ولاية أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : حدّثني أبي ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ).

قال : هو رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وفي روضة الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله سواء.

وفي مجمع البيان (٥) : (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ). قيل : إنّ معنى (قَدَمَ صِدْقٍ) : شفاعة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وهو المرويّ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

وقيل (٦) : هو تقديم الله إيّاهم في البعث يوم القيامة.

__________________

النسخ : المال.

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٣٩.

(٢) الكافي ١ / ٤٢٢ ، ح ٥٠.

(٣) تفسير القميّ ١ / ٣٠٨.

(٤) الكافي ٨ / ٣٦٤ ، ح ٥٥٤.

(٥) المجمع ٣ / ٨٩.

(٦) نفس المصدر والموضع.

٢٧

أقول : ما روي من أنّها ولاية أمير المؤمنين ، أو هو رسول الله ، أو شفاعة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، أو قيل : هو تقديم الله إيّاهم في البعث يوم القيامّة ، مرجعه إلى شيء واحد. فإنّ شفاعة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمن له الولاية ، ومن له الولاية هو الّذي يقدّمه الله في البعث.

(قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا) ، يعنون : الكتاب وما جاء به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(لَساحِرٌ مُبِينٌ) (٢).

وقرأ (١) ابن كثير والكوفيّون : «لساحر» ، على أنّ الإشارة إلى الرّسول. وفيه اعتراف بأنّهم صادفوا من الرّسول أمورا خارقة للعادة ، معجزة إيّاهم عن المعارضة.

وقرئ (٢) : «ما هذا إلّا سحر مبين».

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) : الّتي هي أصول الممكنات.

(فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) : يقدّر أمر الكائنات على ما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته ، ويهيّء بتحريكه أسبابها وينزلها منه.

و «التّدبير» النّظر في أدبار الأمور ، لتجيء محمودة العاقبة.

وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن الصّباح بن سيابة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله خلق السّنة اثني عشر شهرا ، وهو ثلاثمائة وستّون يوما ، فحجز (٤) منها ستّة أيّام خلق فيها السّموات والأرض. في ستّة أيّام (٥) فمن ثمّ تقاصرت الشّهور.

عن أبي جعفر (٦) ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال إنّ الله خلق السّموات والأرض في ستّة أيّام ، فالسّنة تنقص ستّة أيّام.

عن جابر (٧) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : إنّ الله ـ جلّ ذكره وتقدّست أسماؤه ـ خلق الأرض قبل السّماء ، ثمّ استوى على العرش لتدبير الأمور.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٣٩.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٢٠ ، ح ٧.

(٤) المصدر : فخرج.

(٥) ليس في ب : في ستة أيام.

(٦) نفس المصدر والموضع ، ح ٦.

(٧) نفس المصدر والموضع ، ح ٨.

٢٨

وفي كتاب التّوحيد (١) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل.

وفيه قوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى).

يقول : على الملك احتوى.

وفيه (٢) ، خطبة ـ أيضا ـ للرّضا ـ عليه السّلام ـ. وفيها : مدبّر لا بحركة.

وبإسناده (٣) إلى أنس : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، عن جبرئيل ـ عليه السّلام ـ ، عن الله ـ تعالى ـ حديث طويل. وفيه : وأنّ من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفه عنه ، لئلّا يدخله العجب فيفسده ذلك. وأنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلّا بالفقر ، ولو أغنيته لأفسده (٤). وأنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلّا بالغنى ، ولو أفقرته لأفسده ذلك. وأنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه [إلّا بالسّقم ، ولو صححت جسمه لأفسده ذلك. وأنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه] (٥) إلا بالصّحّة ، ولو أسقمته لأفسده ذلك. إنّي أدبّر من عبادي لعلمي بقلوبهم ، فإنّي عليم خبير.

(ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) : تقرير لعظمته وعزّ جلاله ، وردّ على من زعم أنّ آلهتهم تشفع لهم عند الله. وفيه إثبات الشّفاعة لمن إذنه له.

(ذلِكُمُ اللهُ) ، أي : الموصوف بتلك الصّفات المقتضية للألوهيّة والرّبوبيّة.

(رَبَّكُمُ) : لا غير. إذ لا يشاركه أحد في شيء من ذلك.

(فَاعْبُدُوهُ) : وحّدوه بالعبادة.

(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٣) : تتفكّرون أدنى تفكّر ، فينبّهكم على أنّه المستحقّ للرّبوبيّة والعبادة ، لا ما تعبدونه.

(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) : بالموت أو النّشور ، لا إلى غيره ، فاستعدّوا للقائه.

(وَعْدَ اللهِ) : مصدر مؤكّد لنفسه. لأنّ قوله : «إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ» وعد من الله.

(حَقًّا) : مصدر آخر مؤكّد لغيره ، وهو ما دلّ عليه «وعد الله».

(إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) : بعد بدئه وإهلاكه.

__________________

(١) التوحيد / ٣٢١ ، ح ١.

(٢) نفس المصدر / ٣٧.

(٣) نفس المصدر / ٣٩٨ ، ح ١.

(٤) ليس في أ ، ب ، ر : لأفسده.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في ب.

٢٩

(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ) ، أي ، بعدله.

أو بعدالتهم ، وقيامهم على العدل في أمورهم.

أو بإيمانهم ، لأنّه العدل القويم ، كما أنّ الشّرك ظلم عظيم. وهو الأوجه ، لمقابلة قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٤) : فإنّ معناه : ليجزي الّذين كفروا بشراب من حميم وعذاب أليم بسبب كفرهم. لكنّه غير النّظم للمبالغة في استحقاقهم للعقاب ، والتّنبيه على أنّ المقصود بالذّات من الإبداء والإعادة هو الإثابة ، والعقاب واقع بالعرض. وأنّه ـ تعالى ـ يتولّى إثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه ولذلك لم يعيّنه ، وأمّا عقاب الكفره فكأنّه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وشؤم أفعالهم.

والآية كالتّعليل لقوله : «مرجعكم جميعا». فإنّه لمّا كان المقصود من الإعادة مجازاة الله المكلّفين على أعمالهم ، كان مرجع الجميع إليه لا محالة. ويؤيّده قراءة من قرأ : «أنّه يبدأ» بالفتح ، أي : لأنّه. ويجوز أن يكون منصوبا أو مرفوعا بما نصب «وعد الله» حقّاً».

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) ، أي : ذات ضياء. وهو مصدر ، كقيام. أو جمع ضوء ، كسياط وسوط. والياء فيه منقلبة عن الواو.

وعن ابن كثير (١) برواية قنبل : «ضئاءا» بهمزتين في كلّ القرآن ، على القلب بتقديم اللّام على العين.

(وَالْقَمَرَ نُوراً) ، أي : ذات نور. وسمّي «نورا» للمبالغة. وهو أعمّ من الضّوء ، كما عرفت.

وقيل (٢) : ما بالذّات ضوء (٣) ، وما بالعرض نور.

وقد نبّه ـ سبحانه ـ بذلك على أنّه خلق الشّمس نيّرة بذاتها والقمر نيّرا بعرض ، مقابلة الشّمس والاكتساب منها.

وفي روضة الكافي (٤) : عليّ بن محمّد ، عن عليّ بن العبّاس ، عن عليّ بن حمّاد ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : فضرب [الله] (٥) مثل

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٠.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : منورة.

(٤) الكافي ٨ / ٣٧٩ ، ح ٥٧٤.

٣٠

محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ الشّمس ، ومثل الوصي القمر. وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب التّوحيد (١) : حدّثنا محمّد [بن] (٢) موسى بن المتوكّل قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيّ ، عن موسى بن عمران النّخعيّ ، عن عمّه ، الحسين بن يزيد ، عن إسماعيل بن مسلم قال : حدّثنا أبو نعيم البلخيّ ، عن مقاتل بن حيان (٣) ، عن عبد الرّحمن بن ذرّ (٤) ، عن أبي ذرّ الغفاريّ ـ رحمه الله ـ قال : كنت آخذا بيد النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ونحن نتماشى جميعا ، فما زلنا (٥) ننظر إلى الشّمس حتّى غابت.

فقلت : يا رسول الله ، أين تغيب؟

قال : في السّماء. ثمّ ترفع من السّماء السّابعة (٦) حتّى تكون تحت العرش ، فتخرّ ساجدة فتسجد معها الملائكة الموكّلون بها. ثمّ تقول : يا ربّ ، من أين تأمرين أن أطلع ، أمن مغربي أم من مطلعي؟ فذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ، يعني بذلك : صنع الرّبّ العزيز في ملكه [العليم] (٧) بخلقه.

قال : فيأتيها جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بحلّة ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النّهار في طوله في الصّيف وفي قصره في الشّتاء ، أو ما بين ذلك في الخريف والرّبيع.

قال : فتلبس تلك الحلّة ، كما يلبس أحدكم ثيابه ، ثمّ تنطلق بها في جوّ السّماء حتّى تطلع من مطلعها.

قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فكأنّي بها قد حبست مقدار ثلاث ليال ثمّ لا تكسى ضوءا ، وتؤمر أن تطلع من مغربها (٨). فذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ، وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ). والقمر كذلك مطلعه ومجراه في أفق السّماء ومغربه

__________________

(٥) من المصدر.

(١) التوحيد / ٢٨٠ ، ح ٧.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : مقاتل بن جنان.

(٤) المصدر : عبد الرحمن بن أبي ذرّ.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : فجاز لنا.

(٦) المصدر : «ثم ترفع من سماء إلى سماء حتّى ترفع إلى السماء السابعة العليا» بدل «ثمّ ترفع من السماء السابعة».

(٧) من المصدر.

(٨) كذا في المصدر. وفي المتن : مطلعها.

٣١

وارتفاعه إلى السّماء السّابعة ، ويسجد تحت العرش. ثمّ يأتيه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بالحلّة من نور الكرسيّ ، فذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً).

(وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) :

الضّمير لكلّ واحد ، أي : قدّر مسير كلّ واحد منهما منازل ، أو قدّره ذا منازل ، أو للقمر.

وتخصيصه بالذّكر لسرعة سيره ومعاينة منازله وإناطة أحكام الشّرع به ، ولذلك علّله بقوله : (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) : حساب الأوقات من الأشهر والأيّام (١) في معاملاتكم وتصرّفاتكم.

(ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ إلّا) : إلا ملتبسا بالحقّ ، مراعيا فيه مقتضى الحكمة البالغة.

(يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٥) : فإنّهم المنتفعون بالتّأمّل فيها.

وقرأ (٢) ابن كثير والبصريّان وحفص : «يفصّل» بالياء.

(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : من أنواع الكائنات.

(لَآياتٍ) : على وجود الصّانع ووحدته وكمال علمه وقدرته.

(لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) (٦) : العواقب. فإنّه يحملهم على التّدبّر والتّفكر.

(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) : لا يتوقّعونه ، لإنكارهم بالبعث وذهولهم بالمحسوسات عمّا وراءها.

(وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) : من الآخرة ، لغفلتهم عنها.

(وَاطْمَأَنُّوا بِها) : وسكنوا إليها مقصرين هممهم على لذائذها وزخارفها ، أو سكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها.

(وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) (٧) : لا يتفكّرون فيها ، لانهماكهم فيما يضادّها.

والعطف ، إمّا لتغاير الوصفين والتّنبيه على أنّ الوعيد على الجمع بين الذّهول عن الآيات رأسا والانهماك في الشّهوات ، بحيث لا تخطر الآخرة ببالهم أصلا. وإمّا لتغاير

__________________

(١) ب : من الأشهر والأيام والليالي.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٠.

٣٢

الفريقين.

والمراد بالأوّلين : من أنكر البعث ، ولم ير إلّا الحياة الدّنيا. وبالآخرين : من ألهاه حبّ العاجل عن التّأمّل في الآجل والإعداد له.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قال : «الآيات» أمير المؤمنين والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ. والدّليل على ذلك قول أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : ما لله آية أكبر منّي.

(أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨) : بما واطبوا عليه وتمرّنوا به من المعاصي.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) : بسبب إيمانهم إلى سلوك سبيل يؤدّي إلى الجنّة. أو لإدراك الحقائق ، كما قال ـ عليه السّلام ـ : من عمل بما علم ، ورثه الله علم ما لم يعلم. أو لما يريدونه في الجنّة.

ومفهوم التّرتيب وإن دلّ على أنّ سبب الهداية هو الإيمان والعمل الصّالح ، لكن دلّ منطوق قوله : «بإيمانهم» على استقلال الإيمان بالسّببيّة ، وأنّ العمل ، كالتّتمّة والرّديف له.

(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) : استئناف. أو خبر ثان. أو حال من الضّمير المنصوب على المعنى الأخير. وقوله : (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٩) : خبر. أو حال أخرى منه ، أو من «الأنهار». أو متعلّق «بتجري» ، أو «بيهدي».

وفي كتاب التّوحيد (٢) : حدّثني عليّ بن عبد الله الورّاق ومحمد بن أحمد السّنانيّ (٣) وعليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقاق ـ رضي الله عنه ـ قالوا : حدّثنا أبو العبّاس ، أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان قال : حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال : حدّثنا تميم بن بهلول ، عن أبيه [عن] (٤) ، جعفر بن سليمان البصريّ (٥) ، عن عبد الله بن الفضل الهاشميّ قال : سألت أبا عبد الله ، جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً).

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٠٩.

(٢) التوحيد / ٢٤١ ، ح ١.

(٣) كذا في المصدر وتنقيح المقال ٢ / ٧١. وفي النسخ : محمد بن علي السناني.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر وجامع الرواة ١ / ١٥٢. وفي النسخ : جعفر بن سليمان النضريّ.

٣٣

فقال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يضلّ الظّالمين يوم القيامة عن دار كرامته ، ويهدي أهل الإيمان والعمل الصّالح إلى جنّته ، كما قال : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ). وقال ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ـ إلى قوله ـ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ).

(دَعْواهُمْ فِيها) ، أي : دعاؤهم.

(سُبْحانَكَ اللهُمَ) : الَّلهمّ ، إنّا نسبّحك تسبيحا.

(وَتَحِيَّتُهُمْ) : ما يحيّي بعضهم بعضا. أو تحية الملائكة إيّاهم.

(فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ) : وآخر دعائهم.

(أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠) : أي أن يقولوا ذلك.

ولعلّ المعنى : أنّهم إذا دخلوا الجنّة وعاينوا عظمة الله وكبرياءه ، مجّدوه ونعتوه بنعوت الجلال. ثمّ حيّاهم الملائكة بالسّلامة عن الآفات والفوز بأصناف الكرامات ، أو الله ـ تعالى ـ فحمدوه وأثنوا عليه بصفات الكرام.

و «أن» هي المخفّفة من الثّقيلة. وقد قرئ بها ، وبنصب الحمد.

وفي كتاب علل الشّرائع (١) ، بإسناده إلى الحسن بن عبد الله : عن آبائه ، عن جدّه ، الحسن بن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ ، عن النّبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل في تفسير : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر.

وفي آخره قال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : وإذا قال : الحمد لله ، أنعم الله عليه نعم الدّنيا موصولا بنعم الآخرة. وهو الكلمة الّتي يقولها أهل الجنّة إذا دخلوها. وينقطع الكلام الّذي يقولونه في الدّنيا ما خلا «الحمد [لله] (٢) وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (دَعْواهُمْ ـ إلى قوله ـ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ).

وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن زيد الشّحّام ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن التّسبيح.

فقال : هو اسم من أسماء الله ، ودعوى أهل الجنّة.

وفي روضة الكافي (٤) ، بإسناده إلى أبي حمزة الثّماليّ : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ وقد ذكر الشّيعة وقربهم من الله

__________________

(١) العلل / ٢٥١ ، ذيل ح ٨.

(٢) من المصدر.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٢٠ ، ح ٩.

(٤) الكافي ٨ / ٣٦٦ ، ح ٥٥٦.

٣٤

ـ عزّ وجلّ ـ : أنتم أهل تحيّة الله بسلامه.

عليّ بن إبراهيم (١) ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن إسحاق المدنيّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سئل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ونقل عنه حديثا طويلا. يقول فيه حاكيا حال أهل الجنّة : وإذا أراد المؤمن (٢) شيئا [أو اشتهى] (٣) ، إنّما دعواه فيها إذا أراد ، أن يقول : (سُبْحانَكَ اللهُمَ). فإذا قالها ، تبادرت إليه الخدم بما اشتهى من غير أن يكون طلبه منهم أو أمر به. وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) ، يعني : الخدّام.

قال : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، يعني بذلك : عند ما يقضون من لذّاتهم من الجماع والطّعام والشّراب ، يحمدون الله ـ عزّ وجلّ ـ عند فراغهم.

وفيها (٤) خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ مسندة. وفي آخرها : والجنّة لأهلها مأوى ، دعواهم فيها أحسن الدّعاء (سُبْحانَكَ اللهُمَ) دعاؤهم (٥) المولى على ما آتاهم. (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

وفي مصباح الشّريعة (٦) : وقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إنّ أطيب شيء في الجنّة وألذّه حبّ الله والحبّ في الله والحمد لله. قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). وذلك أنّهم إذا عاينوا لما في الجنّة من النّعيم ، هاجت المحبّة في قلوبهم. فينادون عند ذلك : الحمد لله ربّ العالمين.

وفي مجمع البيان (٧) : وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ الله ـ تعالى ـ منّ عليّ بفاتحة الكتاب ـ إلى قوله ـ : و (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) دعوى أهل الجنّة حين شكروا منه (٨) حسن الثّواب.

(وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) : ولو يسرع إليهم.

(اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ).

قيل (٩) : وضع موضع تعجيلهم لهم بالخير ، إشعارا بسرعة إجابته لهم في الخير ، حتّى

__________________

(١) نفس المصدر والمجلّد / ١٠٠ ، ح ٦٩.

(٢) المصدر : المؤمنون.

(٣) من المصدر.

(٤) الكافي ٨ / ١٧٣ ، ح ١٩٣.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : دعائم.

(٦) مصباح الشريعة / ١٩٥.

(٧) المجمع ١ / ٣١.

(٨) المصدر : «لله» بدل «منه».

٣٥

كأنّ استعجالهم به تعجيله لهم. أو بأنّ المراد : شر استعجلوه ، كقولهم : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ). وتقدير الكلام : ولو يعجّل الله للنّاس الشّرّ تعجيله للخير حين استعجلوه استعجالا ، كاستعجالهم بالخير. فحذف منه ما حذف ، لدلالة الباقي عليه.

(لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) : لأميتوا واهلكوا.

وقرأ (١) ابن عامر ويعقوب : «لقضي» على البناء للفاعل ، وهو الله ـ تعالى ـ.

وقرئ (٢) : «لقضينا».

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : قال : لو عجّل الله الشّرّ ، كما يستعجلون الخير (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) ، أي : فرغ من أجلهم.

(فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١١) : عطف على فعل محذوف دلّت عليه الشّرطيّة ، كأنّه قيل : ولكن لا نعجّل ولا نقضي ، فنذرهم إمهالا لهم واستدراجا.

(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا) : لإزالته مخلصا فيه.

(لِجَنْبِهِ) : ملقى لجنبه ، أي : مضطجعا.

(أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً).

وفائدة التّرديد تعميم الدّعاء لجميع الأحوال ، أو الأصناف المضارّ.

(فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ) : مضى على طريقه واستمرّ على كفره. أو مرّ عن موقف الدّعاء لا يرجع إليه.

(كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا)» ، كأنّه لم يدعنا. فخفّف وحذف ضمير الشّأن ، كما قال : ونحر مشرق اللّون كانّ ثدياه حقّان.

(إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) : إلى كشف ضرّ.

(كَذلِكَ) ، أي : مثل ذلك التّزيين.

(زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢) : من الانهماك في الشّهوات والإعراض عن العبادات.

(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ) : يا أهل مكّة.

__________________

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٤٤١.

(١ و ٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٠٩.

٣٦

(لَمَّا ظَلَمُوا) : حين ظلموا بالتّكذيب.

(وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) : بالحجج الدّالة على صدقهم. وهو حال من الواو بإضمار «قد» ، أو عطف على «ظلموا».

(وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) : وما استقام لهم أن يؤمنوا ، لفساد استعدادهم وخذلان الله لهم وعلمه بأنّهم يموتون على كفرهم.

و «اللّام» لتأكيد النّفي.

(كَذلِكَ) ، مثل ذلك الجزاء. وهو إهلاكهم بسبب تكذيبهم للرّسل وإصرارهم عليه ، بحيث تحقّق أنّه لا فائدة في إمهالهم.

(نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (١٣) : كلّ مجرم ، أو مجزيكم. فوضع المظهر موضع المضمر ، للدّلالة على كمال جرمهم وأنّهم أعلام فيه.

(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) : استخلفناكم فيها بعد القرون الّتي أهلكناها استخلاف من يختبر.

(لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (١٤) : أتعملون خيرا أو شرّا ، فنعاملكم على مقتضى أعمالكم.

و «كيف» معمول «تعملون» فإنّ معنى الاستفهام يحجب أن يعمل فيه ما قبله. وفائدته الدّلالة على أنّ المعتبر في الجزاء جهات الأفعال وكيفيّاتها ، لا هي من حديث ذاتها ، ولذلك يحسن الفعل تارة ويقبح أخرى. وفيه دلالة على أنّ للفعل جهة محسّنة وجهة مقبّحة يؤمر به أو ينهى عنه لها.

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا) ، يعني : المشركين.

(ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا) : بكتاب آخر ليس فيه ما نستبعده من البعث والثّواب والعقاب بعد الموت ، أو ما نكرهه من معايب آلهتنا.

(أَوْ بَدِّلْهُ) : بأن تجعل مكان الآية المشتملة على ذلك آية أخرى. ولعلّهم سألوا ذلك ، كي يسعفهم إليه فيلزموه.

(قُلْ ما يَكُونُ لِي) : ما يصحّ لي.

(أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) : من قبل نفسي. وهو مصدر استعمل ظرفا. وإنّما اكتفى بالجواب عن التّبديل ، لإستلزام امتناعه امتناع الإتيان بقرآن آخر.

٣٧

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ ـ إلى قوله ـ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) : قالوا : بدّل مكان عليّ ـ عليه السّلام ـ أبو بكر أو عمر ، اتّبعناه.

وفي أصول الكافيّ (٢) : عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن الحسين ، عن عمر بن يزيد ، عن محمّد بن جمهور ، عن محمّد بن سنان ، عن مفضّل بن عمر قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ تعالى ـ : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ).

قال : قالوا : أو بدّل عليّا.

(إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : حدّثني الحسن بن عليّ ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي السّفاتج ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله الله ـ عزّ وجلّ ـ : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) ، يعني : أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ.

وقوله : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) تعليل لما يكون ، فإنّ المتّبع لغيره في أمر لا يستبدّ بالتّصرّف فيه بوجه ، وجواب للنّقض بنسخ بعض الآيات ببعض ، وردّ لما عرّضوا له بهذا السّؤال من أنّ القرآن كلامه واختراعه. ولذلك قيّد التّبديل في الجواب وسمّاه عصيانا ، فقال : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) ، أي : بالتّبديل.

(عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٥) : وفيه إيماء بأنّهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح.

وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ما ترك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله (٥) ـ : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) حتّى نزلت سورة الفتح ، فلم يعد إلى ذلك الكلام.

(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ) : غير ذلك.

(ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) : ولا أعلمكم به على لساني.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ١٢٠ ، ح ١٠.

(٢) الكافي ١ / ٤١٩ ، ح ٣١٧.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣١٠.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ١٢٠ ، ح ١٢.

(٥) المصدر : «لم يزل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول» بدل «ما ترك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

٣٨

وعن ابن كثير (١) : «ولأدراكم» بلام التّأكيد ، أي : لو شاء الله ما تلوته عليكم ، ولأعلمكم به على لسان غيري. والمعنى : أنّه الحقّ الّذي لا محيص عنه ، لو لم أرسل به لأرسل به غيري.

وقرئ (٢) : «ولا أدرأتكم» بالهمزة فيهما ، على لغة من يقلب المبدّلة من الياء همزة. أو على أنّه من الدّرء ، بمعنى : الدّفع ، أي : ولا جعلتكم بتلاوته خصماء تدرؤونني بالجدال. والمعنى : أنّ الأمر بمشيئة الله لا بمشيئتي حتى أجعله على نحو ما تشتهونه. ثمّ قرّر ذلك بقوله : (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً) : مقدار عمر أربعين سنة.

(مِنْ قَبْلِهِ) : من قبل القرآن ، لا أتلوه ولا أعلمه. فإنّه إشارة إلى أنّ القرآن معجز خارق للعادة. فإنّ من عاش بين أظهرهم أربعين سنة ، ولم يمارس فيها علما ولم يشاهد عالما ولم ينشئ قريضا ولا خطبة ، ثمّ قرأ عليهم كتابا بزّت (٣) فصاحته كلّ منطيق وعلا كلّ منثور ومنظوم واحتوى على قواعد علمي الأصول والفروع وأعرب عن أقاصيص الأوّلين وأحاديث الآخرين على ما هي عليه ، علم أنّه معلّم من الله.

(أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٦)» ، أي : أفلا تستعملون عقولكم بالتّدبّر والتّفكّر ، لتعلموا أنّه ليس إلّا من الله.

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) : تفاد ممّا أضافوه إليه كناية أو تظليم للمشركين بافترائهم على الله في قولهم : إنّه لذو شريك وذو ولد.

(أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) : فكفر بها.

(إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) (١٧) (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) : لأنّه جماد لا يقدر على نفع ولا ضرّ. والمعبود ينبغي أن يكون مثيبا ومعاقبا ، حتّى يعود عليه بجلب نفع أو دفع ضرر.

(وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ) : الأوثان.

(شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) : تشفع لنا فيما يهمّنا من أمر الدّنيا أو في الآخرة إن يكن بعث ، وكأنّهم كانوا شاكّين فيه.

وهذا من فرط جهالتهم حيث تركوا عبادة الموجد الضّار النّافع إلى عبادة ما يعلم قطعا أنّه لا يضرّ ولا ينفع ، على توهّم أنّه ربّما يشفع لهم عنده.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٢.

(٣) بزّ : غلب.

٣٩

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قوله : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ـ إلى قوله ـ عِنْدَ اللهِ).

قال : كانت قريش يعبدون الأصنام ، ويقولون : إنّما نعبدهم ليقرّبونا إلى الله زلفى ، فإنّا لا نقدر على عبادة الله.

فردّ الله عليهم ، فقال : قل لهم ، يا محمّد : (أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ) ، أي : ليس. فوضع حرفا مكان حرف ، أي : ليس له شريك يعبد.

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن الزّهريّ قال : أتى رجل أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ فسأله عن شيء ، فلم يجبه.

فقال له الرّجل : فإن كنت ابن أبيك ، فأنت من أبناء عبدة الأصنام.

فقال له : كذبت. إنّ الله أمر إبراهيم أن ينزل إسماعيل بمكّة ، ففعل. فقال إبراهيم : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ). (٣) فلم يعبد أحد من ولد إسماعيل صنما قطّ ، لكنّ العرب عبدة الأصنام. وقالت بنو إسماعيل : «هؤلاء شفعاؤنا [عند الله] (٤)» وكفرت ولم تعبد الأصنام.

(قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ) : أتخبرونه.

(بِما لا يَعْلَمُ) : وهو أنّ له شريكا ، وفيه تقريع وتهكّم بهم. أو هؤلاء شفعاؤنا عنده. وما لا يعلمه العالم بجميع المعلومات ، لا يكون له تحقّق ما.

(فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) : حال من العائد المحذوف ، مؤكّدة للنّفي ، منبّهه على أنّ ما يعبدونه من الله إمّا سماويّ أو أرضيّ. ولا شيء من الموجودات فيهما إلّا وهو حادث مقهور مثلهم ، لا يليق أن يشرك به.

(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١٨) : عن إشراكهم ، أو عن الشّركاء الّذين يشركونهم به.

وقرأ (٥) حمزة والكسائيّ هنا وفي الموضعين في أوّل النّحل والرّوم ، بالتاء.

(وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) ، يعني : قبل بعث نوح ـ عليه السّلام ـ كانوا

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣١٠.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٠ ، ح ٣١.

(٣) ابراهيم / ٣٥.

(٤) من المصدر.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٤٣.

٤٠